الفصل الثاني والعشرون

قرأت نعيي

حينئذٍ جاء دوري لأُحدِّق مرةً أخرى؛ وقد حدَّقتُ بالفعل، مُنتقلًا بناظريَّ من واحدٍ إلى الآخر في صمت، ومن فرط الدهشة لم أجِد ما أقوله. وقبل أن أستعيد قُدرتي على الكلام مرة أخرى، تحدثت والدتي، التي كانت دائمًا قوية الملاحظة للغاية.

سألَت في حدة: «ماذا تفعل في تلك البدلة الجديدة؟» وتابعت: «وأين ملابسك الجيدة التي غادرتَ وأنت ترتديها بعد ظهر الأمس؟ أشكُّ في أن هذه الوظيفة الجديدة تقودك إلى بعض الطرق الغريبة!»

أجبت: «ملابسي الجيدة، يا أمي، في مكانٍ ما في بحر الشمال.» وتابعت: «بالأعلى أو بالأسفل، غارقة أو طافية، ستجدينها هناك، لو كنتِ مُهتمةً بها أكثر منِّي! هل تقولين إن كارستيرز لم يَعُد إلى المدينة أبدًا؟» تابعت مُلتفتًا إلى السيد ليندسي، «إذن أنا لا أعرف أين هو، ولا أين يَخته أيضًا. كلُّ ما أعرفه أنه تركني لأغرق الليلة الماضية، على بُعد عشرين ميلًا من اليابسة، وأنني نجوتُ بفضل العناية الإلهية فحسب. وأينما كان، فإن ذلك الرجل قاتل؛ لقد حسمتُ ذلك الأمر يا سيد ليندسي!»

بدأت المرأتان ترتجِفان وتصرخان عند سماع هذا الخبر، وتطرحان سؤالًا تلوَ الآخر، وهزَّ السيد ليندسي رأسه في توتُّر.

وقال: «لا يُمكننا أن نقِف ونتبادل الحديث عن شئوننا في المحطة طوال الليل.» وتابع: «دعنا نذهب إلى فندق يا ولدي؛ فنحن لم نتناول عشاءنا بعد. أنت لا تبدو في حالةٍ معنوية سيئة للغاية.»

أجبتُ مُبتسمًا: «أنا على ما يُرام، يا سيد ليندسي.» وتابعت: «لقد كنتُ في عزلةٍ عانَيتُ فيها من صعابٍ وشدائد، هذا صحيح، وممَّا هو أسوأ من ذلك، لكنني صادفتُ سامريًّا صالحًا أو اثنَين. وقد بحثتُ عن فندقٍ نظيف ومُريح من أجلكم، وسنذهب إلى هناك الآن.»

اصطحبتُهم إلى فندقٍ جيدٍ كنتُ قد لاحظته أثناء تَجوالي، وبينما كانوا يتناولون عشاءهم جلستُ معهم وأخبرتهم بمُغامرتي كاملة، وصاحَبَ ذلك العديد من صيحات الذهول من أُمي ومايسي. لكن السيد ليندسي لم يفعل ذلك، ولاحظتُ سريعًا أن أكثرَ ما كان يُثير اهتمامه هو أنني ذهبتُ للقاء السيد جافين سميتون.

سألتني والدتي، التي كانت تفكِّر في المصاريف التي كنتُ أجعلها تتَكَلَّفها: «ولكن لماذا لم تَعُد إلى المنزل مباشرةً عندما وصلتَ للشاطئ بأمانٍ مرةً أخرى؟» وتابعَت: «ما سبب جلبِنا جميعًا بهذه الطريقة وأنت على قيد الحياة وبصحةٍ جيدة؟»

نظرتُ إلى السيد ليندسي — بفطنة، حسبما أفترض.

وأجبتُها: «لأنَّني، يا أُمي، أعتقدتُ أن كارستيرز ذاك سيعود إلى بيرويك ويقول إنه قد وقع حادث مؤسف، وأنني قد لقيتُ مصرعي غرقًا، وأردتُ أن أدعه يستمرُّ في الظن أنني مَيت؛ ولذا قررتُ الابتعاد. وإذا كان هو لا يزال على قيد الحياة، فإن أفضل شيءٍ هو أن أدَعَه يستمر في الظن أنني قد غرقت، كما سأُثبت للسيد ليندسي. من رأيي أنه إذا كان كارستيرز على قيد الحياة، فإن المسلك الصحيح الذي ينبغي أن أسلُكه هو أن أبتعِد عن ناظرَيه وعن منطقتنا.»

قال السيد ليندسي، الذي كان سريعًا في استيعاب الأمور: «أجل!» «تلك وجهة نظر جيدة، يا هيو.»

قالت أمي: «حسنًا، كل هذا يفوق إدراكي، وكل هذا حدث بسبب تأجيري غرفةً في المنزل لجيلفرثويت! لكن سنذهب أنا ومايسي إلى سريرينا، وربما ستستنتج أنت والسيد ليندسي المزيد عن الموضوع أكثرَ مما أستطيع، وسأُصبح سعيدة عندما ينجلي كلُّ هذا الغموض ونُصبح قادرين على العيش كما ينبغي للأشخاص الصالِحين، دون كل هذا التنقُّل في أنحاء البلاد وإنفاق الكثير من النقود.»

ومع ذلك تمكَّنتُ من الحصول على بضع دقائق مع مايسي، قبل أن تنسحب هي ووالدتي، واكتشفت عندئذٍ، وليتني عرفتُ ذلك، أنني لم أكن بحاجةٍ إلى كل ذلك القلق والاضطراب. وذلك لأنهم لم يعطوا أهميةً خاصة لحقيقة أنني لم أعُد في الليلة السابقة؛ إذ تصوَّروا أن السير جيلبرت قد أبحر بيخته إلى مكانٍ آخر، وأنني سأحضُر لاحقًا، وأنه لم يكن يُوجَد ما يدعو للقلق الشديد بشأني حتى وصلتْ برقيتي، وعندها بالطبع، ساد الذعر والقلق، ولم يكن بوسعهم سوى أن يُهرعوا للحاق بالقطار التالي المُتَّجه شمالًا. لكن السيد ليندسي كان قد تمكَّن من اكتشاف أنه لا يُوجَد أي أثر للسير جيلبرت كارستيرز ويخته في بيرويك؛ وعند تلك النقطة، استدرْنا أنا وهو على الفور بعدما ذهبت المرأتان إلى الفِراش، وذهبتُ معه إلى غرفة التدخين بينما كان يحمل غليونه وبعض الويسكي. بحلول ذلك الوقت كنتُ قد أخبرته بالسرِّ المُتعلق باللقاء عند مُفترق الطرق، وبمُقابلتي مع كرون في متجره، وبالسير جيلبرت كارستيرز في هاثركلو، عندما عرض عليَّ وظيفة مدير أعماله؛ وشعرتُ بارتياحٍ كبير عندما عاتبني السيد ليندسي برفقٍ ولم يقُل أكثرَ من أنني لو كنتُ قد أخبرته بهذه الأمور، في البداية، لربما كان قد حدث اختلاف كبير.

لكنه استدل قائلًا: «لكننا في بداية شيءٍ ما.» وتابع: «أنا مُقتنع الآن بأن للسير جيلبرت كارستيرز علاقةً ما بجرائم القتل هذه، لكني لستُ متأكدًا بعدُ من ماهية تلك العلاقة. ما أنا مُتأكد منه هو أنه شعر بالرُّعب صباح أمس في المحكمة، عندما قدَّمتُ فأس الثلج وسألت الطبيب تلك الأسئلة عنها.»

قلت: «وأنا مُتأكد من ذلك أيضًا يا سيد ليندسي.» وتابعت: «كما أنني كنتُ أتساءل عما أخافه بشأن فأس الثلج. أنت تعرف ذلك بالطبع، أليس كذلك؟»

أجاب: «بلى، لكنَّني لن أُخبرك!» وتابع: «عليك أن تنتظر التطوُّرات فيما يتعلَّق بتلك النقطة، يا رجل. والآن سنأوي إلى الفراش، وفي الصباح سنُقابل السيد جافين سميتون هذا. سيكون غريبًا أن نحصل على دليلٍ ما عن كل هذا من خلاله، أليس كذلك؟ لكنَّني مُهتم جدًّا بمعلومة أنه جاء من الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، يا هيو؛ لأنني كنتُ قد كوَّنتُ وجهة نظرٍ مفادها أن سرَّ الأمر كله سيُعثَر عليه هناك.»

كانوا قد أحضروا لي مئونة من الملابس والمال معهم، وكان أول شيء فعلته في الصباح هو أنني ذهبتُ إلى المرفأ وعثرت على قبطاني الصالح، وأعدتُ له الجنيه الذهبي وبدلة صوف السيرج الأزرق، مع خالص شكري ووعدي بإبقائه على اطلاعٍ كامل بتطوُّراتِ ما أسماه بالقضية. ثم عُدت لتناول الإفطار مع بقيتهم، وفي الحال طُرِحَ سؤال حولَ ما يتعيَّن فعْله. كانت والدتي ترغب بشدة في العودة إلى الديار في أسرعِ وقتٍ ممكن، وانتهى الأمر بأن ودَّعناها هي ومايسي وركبتا القطار التالي؛ بعدما جعلهما السيد ليندسي تُقسِمان علنًا على أنهما لن تُفصحا عن كلمةٍ واحدة مما حدث، ولن تكشفا حقيقة أنني ما زلتُ على قيد الحياة، لأي إنسانٍ سوى أندرو دنلوب، الذي يمكن بالطبع الوثوق به. ووافقت والدتي، على الرغم من أن الطرح لم يكن لطيفًا ولا مناسبًا لها.

وقالت، بينما كنا نُركِبُهما القطار: «أنت تُحمِّلني عبئًا يفوقُ ما يجب أن يُطلَب من أي امرأةٍ أن تتحمَّله يا سيد ليندسي.» وتابعت: «أنت تطلُب منِّي أن أعود إلى المنزل وأن أتصرف كما لو أننا لم نعرِف إن كان الشابُّ حيًّا أم ميتًا. أنا لستُ جيدة في التمثيل، ولستُ متأكدةً على الإطلاق من أنه من الصِّدق أو الأمانة أن أدَّعي أشياء بخلاف الحقيقة. وسأُصبح ممتنةً جدًّا لك إذا أنهيتَ كلَّ هذا، وجعلت هيو يستقر في عمله بالطريقة الصحيحة، بدلًا من الانخراط في أمورٍ لا تعنيه.»

هز كِلانا رأسه استنكارًا بينما كان القطار يُغادر، ومايسي تُلوِّح مُودِّعةً لنا، ووالدتي تجلس عابسةً مُعترضة في ركنها بالمقصورة.

ضحك السيد ليندسي وقال: «أمورٌ لا تعنيك؛ هل سمعت، يا ولدي؟» وتابع: «أجل، لكن والدتك تنسى أنه في قضايا من هذا النوع يتورط الكثير من الناس في أمورٍ لا تعنيهم! الأمر يشبه أن تكون على حافة دوامة، تسحبك إليها قبل أن تُدرك ذلك. والآن سنذهب لمقابلة السيد سميتون هذا، ولكن أولًا، أين مكتب التلغراف في هذه المحطة؟ أريد الاتصال بموراي، لأطلب منه إبقائي على اطلاع بالمستَجَدات أولًا بأول خلال اليوم إذا وردتْ أي أخبارٍ عن اليخت.»

عندما كان السيد ليندسي في مكتب التلغراف، ابتعتُ صحيفة «دندي أدفرتايزر» لذلك الصباح، لملء بعض لحظات الفراغ أكثرَ من أي رغبةٍ مُعينة في الحصول على الأخبار، لأنني لم أكن قارئًا جيدًا للصحف. وما إن فتحتُها حتى رأيتُ اسمي. فوقفت هناك، في وسط محطة السكة الحديد الصاخبة، أستمتع بإحساس قراءة خبر نعيي.

«يقول مُراسلنا في بيرويك أبون تويد، في برقيةٍ في وقتٍ مُتأخِّر من الليلة الماضية: ثمة قلق كبير في البلدة بخصوص مصير السير جيلبرت كارستيرز، بارونيت هاثركلو هاوس، والسيد هيو مونيلوز، اللذَين يُخشى أن يكونا قد تعرَّضا لكارثةٍ في البحر. ظُهر أمس أبحر السير جيلبرت، وبصُحبته السيد مونيلوز، في يخت الأول (سفينة صغيرة خفيفة الوزن)، ووفقًا لبعض الصيادين الذين كانوا على مقربةٍ عند مغادرة اليخت، كان من المُقرَّر أن تستمر الرحلة بضع ساعات فقط. لكن اليخت لم يَعُد الليلة الماضية، ولم يُرَ أو يُسمَع عنه أيُّ خبرٍ منذ مغادرته. وقد أبحرَتْ قوارب صيدٍ مختلفة من بيرويك بعيدًا عن الساحل خلال اليوم، ولكن لم ترِد أخبارٌ عن السيدَين المَفقودَين حتى الآن. ولم يُسمَع أي شيء عن، أو من، السير جيلبرت في هاثركلو حتى الساعة التاسعة مساءً، ويكمُن بصيص الأمل الوحيد في حقيقة أن والدة السيد مونيلوز قد غادرت المدينة على عجلٍ بعد ظُهر اليوم؛ ربما بعدما تلقَّت بعض الأخبار عن ابنها. ومع ذلك يُعتقَد هنا أن المركب الخفيف قد انقلب في عاصفةٍ مفاجئة، وأن كِلا راكبيه قد لَقِيا حتفهما. كان السير جيلبرت كارستيرز، وهو البارونيت السابع، قد قَدِمَ مؤخرًا إلى المنطقة بعد أن ورِث اللقب والأراضي. أما السيد مونيلوز الذي كان مُتدربًا في مكتب السيد ليندسي المحامي، في بيرويك، فقد كان شابًّا واعدًا للغاية ذا قدراتٍ كبيرة، وقد ظهر مؤخرًا أمام أعين الجمهور كثيرًا بصفته شاهدًا في جرائم القتل الغامضة لجون فيليبس وأبيل كرون، التي لا تزال تجتذِب الكثير من الاهتمام.»

دفعتُ الصحيفة في يد السيد ليندسي عندما خرج من مكتب التلغراف. فقرأ الفقرة في صمت، وهو يبتسِم بينما يقرأ.

وقال في النهاية: «عجبًا! عليك مُغادرة الديار للحصول على أخبار الديار. حسنًا، من المُرحَّب به أن يحسبوا ذلك خلال الوقت الحاضر. لقد أرسلتُ للتوِّ برقيةً إلى موراي مفادُها أنني سأظلُّ هنا على أي حالٍ هذا المساء، وأنه ينبغي أن يُرسِل برقية في الحال إذا وردته أخبار عن ذلك اليخت أو عن كارستيرز. وفي تلك الأثناء، سنذهب لمقابلة السيد سميتون هذا.»

كان السيد سميتون يَنتظرنا؛ وكان هو أيضًا، يقرأ عني في صحيفة «أدفرتايزر» عندما دخلنا، وقد أبدى بعض التعليقات المرحة حول أن الرجال العظماء فقط هم مَن حظوا أحيانًا بنعيِهم قبل وفاتهم. ثم التفت إلى السيد ليندسي، الذي لاحظتُ أنه كان يتفحَّصه عن كثب.

وقال: «لقد كنتُ أفكِّر في الأمور منذ أن جاء السيد مونيلوز هنا الليلة الماضية.» وتابع: «وأخذتُ أقدح زناد فكري، كما ترى، حول بعض النقاط التي لم أفكِّر فيها من قبل. وربما يكون ثمة شيء أكثر مما يظهر للوهلة الأولى بشأن مسألة وجود ورقةٍ تحمل اسمي وعنواني مع ذلك المدعو جون فيليبس.»

سأل السيد ليندسي بهدوء: «حقًّا؟» وتابع: «كيف ذلك؟»

أجاب السيد سميتون: «حسنًا، قد يكون ثمة شيءٌ ما في الأمر، وقد يكون لا شيء، لا شيء على الإطلاق. ولكن الحقيقة هي أن والدي ينحدِر من تويدسايد، ومن مكانٍ ليس ببعيدٍ عن بيرويك.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤