الفصل الحادي والثلاثون

بلا أثر

أزاحت تلك البرقية كلَّ أعمال الصباح بعيدًا عن تفكيري. صار اهتمامي بعائلة كارستيرز وكل الغموض الذي يُحيط بهم ضئيلًا مقارنةً بالخبر الذي أرسله موراي بهذه الطريقة المفجعة بغرابة! كنتُ سأتخلَّى بسعادةٍ عن كلِّ ما أتمنَّى أن أُحقِّقه لو أنه فقط أضاف المزيد من الأخبار؛ لكنه قال ما يكفي ليجعلني أشعُر كما لو أنني يجِب أن أُصاب بالجنون لو لم أتمكَّن من العودة إلى الديار في التوِّ واللحظة. لم أكن قد رأيتُ مايسي منذ تركتني هي وأمي مع السيد ليندسي في دندي؛ فقد كنتُ مشغولًا تمامًا منذ ذلك الحين، مع الشرطة، والسيدة رالستون، والسيد بورتلثورب، والرحلات العاجلة، أولًا إلى نيوكاسل ثم إلى إدنبرة، بحيث لم يكن لدي دقيقة واحدة كي أعودَ لأرى كيف كانت تسير الأمور. ما دفعني، بالطبع، إلى مُعاناة التخوُّف، هو استخدام موراي لتلك الكلمة «لأسبابٍ مجهولة.» لماذا مايسي مفقودة «لأسبابٍ مجهولة»؟ ما الذي حدث وجعلها تخرج من منزل والدها؟ أين ذهبت، بحيث لا يمكن العثور على أيِّ أثرٍ لها؟ ما الذي أدَّى إلى هذا التطوُّر المُذهل للغاية؟ ماذا …

لكن التكهُّن بهذه الأشياء لم يكن مُجديًا؛ فالأمر كان يستدعي التحرك. وكنتُ قد أمسكت بأول حمَّالٍ قابلته، وكنتُ أسأله عن القطار التالي إلى بيرويك، عندما أمسك السيد جافين سميتون بذراعي.

وقال بهدوء: «سيأتي قطار في غضون عشر دقائق، يا مونيلوز.» وتابع: «هيا نستقلُّه؛ سأذهب معك، سنذهب جميعًا. يظن السيد ليندسي أننا سنبذل قصارى جهدنا هناك مِثلما نفعل هنا، الآن.»

نظرتُ حولي فرأيتُ المُحاميَين يُسرعان في اتجاهنا، والسيد ليندسي يحمل برقية موراي في يده. سحبني جانبًا بينما كنَّا نسير جميعًا نحو القطار.

وسأل: «ماذا استنتجتَ من هذا، يا هيو؟» وتابع: «هل يمكنك تحديد أي سبب لاختفاء الفتاة؟»

قلت: «ليس لديَّ أي فكرة.» وتابعت: «ولكن إذا كان السبب أي شيءٍ له صلة بهذه القضية، يا سيد ليندسي، فليحترسوا! لن أرحم أيَّ شخصٍ يؤذيها؛ وهل يمكن أن يُوجَد سبب آخر؟ ليتني لم أغادر البلدة أبدًا!»

قال مواسيًا: «نعم، حسنًا، سنعود إليها قريبًا.» ثم أضاف: «ونأمُل أن نجد أخبارًا أفضل. كنتُ أتمنَّى لو أن موراي كان قد قال المزيد؛ فمن الخطأ تخويف الناس بهذه الطريقة؛ لقد قال خبرًا مروِّعًا جدًّا وتفسيرًا قليلًا جدًّا.»

لقد كان قطارًا سريعًا ذلك الذي ركبناه إلى بيرويك، وقطع المسافة في زمنٍ قصير، لكنه بدا لي دهرًا، وفشل الباقون في الحصول على كلمةٍ من بين شفتَي طوال الوقت. وكاد قلبي يقفز من بين أضلعي بينما كنا ندخل محطة بيرويك، عندما رأيت تشيسهولم وأندرو دنلوب على الرصيف في انتظارنا. دائمًا ما يكون الأشخاص الذين تلقَّوا أخبارًا سيئة في حالةٍ من الخوف من تلقِّي ما هو أسوأ، وكنتُ أخشى ما ربما يكونون قد جاءوا إلى المحطة لإخبارنا به. وأدرك السيد ليندسي كيف كنتُ أشعر، فبادرهما بسؤالٍ فوري.

وسأل في حدة: «هل تعرفان عن الفتاة أكثرَ ممَّا ورد في برقية موراي؟» وتابع: «إذا كان الأمر كذلك، فما هي؟ إن الشابَّ سيُجن كي يعرف الأخبار!»

هزَّ تشيسهولم رأسه، ونظر أندرو دنلوب نحوي بتمعُّن.

وأجاب: «لا نعرف أكثرَ من ذلك.» ثم أضاف، مُحدقًا نحوي بقوة أكبر: «ألا تعرف أنت أي شيء، يا ولدي؟»

صحت: «أنا، يا سيد دنلوب!» وتابعت: «ماذا تظنُّ كي تسألني سؤالًا مثل هذا! ما الذي يمكن أن أعرفه؟»

قال: «كيف لي أن أعرف ذلك؟» وتابع: «لقد جررتَ والدتكَ وابنتي إلى دندي من أجل لا شيء، بقدرِ ما علمت، و…»

قاطعه السيد ليندسي: «كان لدَيه سببٌ وجيه.» وتابع: «لقد أحسن التصرُّف. والآن ما أمرُ ابنتك، يا سيد دنلوب؟ فقط أخبِرْنا بالقصة البسيطة، وبعد ذلك سنعرف كيف نتحرك.»

كنتُ قد أدركتُ بالفعل أن أندرو دنلوب كان مُنزعجًا مِنِّي، والآن فهمتُ السبب. كان رجلًا مقتصدًا للغاية؛ إذ كان يدَّخر كلَّ بنسٍ يمكن أن يصِل إلى يده، وبما أنه لم يبدُ أنه قد أتى أيُّ نفعٍ مُحدَّد، ولم يكن يُوجَد سبب وجيه لذلك، بقدرِ ما يمكن أن يُدرك، فقد كان منزعجًا لأنني أرسلتُ لابنته كي تأتي إلى دندي، وأكثر انزعاجًا لأن مايسي ذهبت لتلك الرحلة دون الحصولِ على إذنٍ منه، على الرغم من أنني، بالطبع، بريء تمامًا من ذلك. ولم يكن مُتقبلًا أو مُهذبًا أكثرَ من المُتوقَّع مع السيد ليندسي.

وقال: «أجل، حسنًا!» وتابع: «ثمة أمور غريبة تحدُث، ولا أريد لابنتي أن تختلِط بها على الإطلاق يا سيد ليندسي! كل هذا الذي يجري هنا وهناك، في شأنٍ لا يعني …»

كان السيد ليندسي سريع الغضب للغاية في بعض الأحيان، وأدركت أنه قد نفد صبره بالفعل. واستدار مُبتعدًا فجأةً وهو يزمجر وأمسك تشيسهولم من ذراعه.

وصاح وهو ينظر خلفه: «أنت أحمق، يا دنلوب.» وتابع: «لسانك بحاجةٍ إلى تهذيب! إذن، أيها الرقيب! ما كل هذا عن الآنسة دنلوب؟ هيا أخبِرني!»

انصرف حموي المستقبلي وهو يشعُر باستياءٍ شديد، لكن تشيسهولم شرح الأمور على عجلٍ.

وقال، وهو يُشير برأسه إلى أندرو وهو يبتعد: «إنه في حالةٍ من الغضب، يا سيد ليندسي.» وتابع: «قبل مجيئك، كان لديه اعتقاد راسخ بأنك أنت والسيد هيو قد أرسلتُما الفتاةَ مرةً أخرى في مهمةٍ ذاتِ صِلة بهذه الأمور الغامضة؛ فلم يكن لدَيه أي تفسيرٍ آخر. وأصدقك القول، كنت أنا نفسي أتساءل عما إذا كنتَ قد فعلت ذلك! ولكن بما أنك لم تفعل، فالمسألة هنا، وآمُل ألا يُصيب تلك الفتاة المسكينة مكروه، من أجل …»

قلت: «أستحلفك بالله، يا رجل، أفصِح!» وتابعت: «كفى مُقدمات، وقُل قصتك!»

أجاب، بهدوء: «أنا فقط أشرح لك يا سيد هيو.» وتابع: «وأتفهَّم نفاد صبرك. إن الأمر هكذا، لأندرو دنلوب أختٌ مُتزوجة من رجل، مزارع أغنام، بيته بالقُرب من كولدزماوث هيل، بين ميندرم وكيرك يثولم …»

قلت: «أعلم!» وأضفت: «تقصد السيدة هيسلتون. حسنًا، وماذا بعدُ يا رجل؟»

قال: «السيدة هيسلتون، بالطبع.» وتابع: «أصبتَ. وفي الليلة الماضية، حوالي الساعة السابعة مساءً، وصلت برقية إلى منزل عائلة دنلوب تقول إن السيدة هيسلتون أُصيبت بمرضٍ شديد، وهل من الممكن أن تذهب الآنسة دنلوب إليها؟ فذهبت على الفور، على درَّاجتها، وحدَها، ولم تصِل إلى المكان مُطلقًا!»

سأل السيد ليندسي بحدَّة: «كيف علمت ذلك؟»

أجاب تشيسهولم: «لأنه، في حوالي الساعة التاسعة صباحًا، أتى أحدُ أبناء هيسلتون إلى دنلوب ليُخبره أن والدته قد ماتت أثناء الليل؛ وعندئذٍ، بالطبع، سألوا هل وصلت الآنسة دنلوب في الوقت المناسب، فقال الفتى إنهم لم يرَوها مُطلقًا. وهذا كلُّ ما يمكن قوله، يا سيد ليندسي.»

كنتُ سأشرع في المغادرة، وفي ذهني، على ما أظن، فكرةُ ركوب دراجتي على الفور والانطلاق إلى مزرعة هيسلتون، عندما أمسك السيد ليندسي بمرفقي.

وقال: «تمهَّل يا فتى.» وتابع: «دعنا نفكِّر فيما نفعله. والآن، كم يبعُد المكان الذي كانت الفتاة ذاهبة إليه؟»

قلت على الفور: «سبعة عشر ميلًا.»

سأل: «هل تعرفه؟» وتابع: «والطريق المؤدي إليه؟»

أجبت: «لقد ذهبتُ معها إلى هناك، عدة مرات، يا سيد ليندسي.» وأضفت: «أنا أعرف كلَّ بوصةٍ في الطريق.»

قال: «تحرَّك الآن إذن! استأجِر أفضلَ سيارةٍ موجودة في المدينة، وانطلق! استفسِر على طول الطريق، وسيكون غريبًا ألا تتمكَّن من تتبُّع شيءٍ ما؛ لقد ذهبَتْ إلى رحلتها في وضح النهار. عليك إجراء بحثٍ شامل واستفسارٍ كامل؛ فلا بدَّ أن أحدًا ما قد شاهدها. ثم التفت إلى السيد سميتون الذي كان يقِف بالقُرب منه، مُستمعًا. وقال: «اذهب معه!» وأضاف: «ستُسديه صنيعًا جيدًا؛ فهو يحتاج إلى صحبة.»

سارعت أنا والسيد سميتون إلى خارج المحطة، حيث كانت تقف سيارة أو اثنتان في الساحة، فاخترنا الأفضل. وبينما كنَّا نركبها، جاء تشيسهولم إلينا.

وقال: «من الأفضل أن تتحدَّث مع رجالنا على طول الطريق، يا سيد هيو.» وتابع: «لا يُوجَد الكثير منهم بين مكانك هنا والمكان الذي ستذهب إليه، لكن لن يضيرك أن تعطِيَهم فكرةً عما تبحث عنه، وتطلُب منهم أن يُبقوا أعيُنهم مفتوحة، وآذانهم أيضًا، من أجل تلك المسألة.»

أجبت: «أجل، سنفعل ذلك، يا تشيسهولم.» ثم أضفت: «وأنتَ أبقِ عينَيك وأُذنَيك مفتوحتَين هنا في بيرويك! سأعطي عشرة جنيهات، عدًّا ونقدًا، لأول رجلٍ يقدِّم لي أخبارًا، ويُمكنك أن تنشر هذا الأمر كما تشاء، وفي الحال؛ سواء كان أندرو دنلوب يعتقد أن هذا إهدار للمال أم لا!»

وبعد ذلك انطلَقْنا، وربما ليَجذبني بعيدًا عن الكثير من المخاوف، بدأ السيد سميتون يسألني عن الطريق الذي قد تسلُكه مايسي للوصول إلى مزرعة عائلة هيسلتون، الطريق الذي كنَّا بالطبع، نسلكه بأنفسنا. وشرحتُ له أن الطريق السريع العادي الذي يمرُّ بين بيرويك وكيلسو هو الطريق الوحيد الذي يُمكن أن تسلكه مايسي، حتى تصِل إلى كورنهيل، حيث ستتَّجه جنوبًا عبر ميندرم ميل، ثم — إن كان لهذه الحقيقة أي صِلةٍ باختفائها — ستدخل إلى منطقةٍ مُوحشة من الريف على الحافة الشمالية من تلال تشفيوتس.

سأل: «أتوقَّع أنه تُوجَد أماكن، قرًى وما شابه، على طول الطريق، أليس كذلك؟»

أجبت: «إنه طريق مُنعزل، يا سيد سميتون.» وتابعت: «أنا أعرفه جيدًا؛ الأماكن الموجودة فيه، بعيدة عن الطريق وليست قريبة، ولكن لا يُوجَد جزء منه خارج نطاق ما يمكن أن تُسميه متناول البشر. ولا أعلم كيف يمكن لأي شخصٍ أن يختفي فيه خلال أُمسية صيف، ما لم نكن قد عُدنا بالفعل إلى أزمنة الاختطاف القديمة. ولو كنتَ تعرف مايسي دنلوب، لكنتَ ستعرف أنها من النوع الذي سيخوض معركةً إذا تعدَّى عليها أحد! أنا أتساءل عما إذا كان هذا الأمر له علاقة بقضية كارستيرز تلك؟ ثمة جوٌّ من الغموض حول ذلك، وخسَّة شديدة، لدرجةِ أنني أتمنَّى لو لم أسمع بالاسم أبدًا!»

أجاب: «أجل.» وتابع: «أنا أفهمك. لكن، أوشك الأمر على نهايته. وبطرُق غريبة، بطرق غريبة، حقًّا!»

لم أجِبه، وكنتُ قد سئمتُ من أمور كارستيرز؛ إذ بدا لي أنني كنتُ آكُل وأشرب وأعيش وأنام مع القتل والاحتيال حتى اختنقتُ من التفكير فيهما. قلت لنفسي، دعْني أجد مايسي فقط، وسأبتعِد عن أي شيءٍ له صلة بالأمر الشرير برمَّته.

لكننا لم نعثُر على مايسي خلال الساعات الطويلة من عصر ذلك اليوم المُرهق والمساء الذي أعقبه. كان السيد ليندسي قد أمرَني بالاحتفاظ بالسيارة وعدم ادِّخار أي نفقات، فتجوَّلنا هنا وهناك في جميع أنحاء المنطقة، بحثًا عن أخبارٍ ولم نحصُل على أيٍّ منها. كانت قد شُوهدت مرة واحدة فقط، في إيست أورد، خارج بيرويك مباشرةً، من قِبَل رجلٍ كان يعمل في حديقة كوخه الواقع على جانب الطريق، لم نتمكَّن من الحصول على أي أخبارٍ أخرى. بحثنا على طول الطريق المُمتد بجانب بومونت واتر، بين ميندرم ويتهولمز، مُكرِّسين أنفسنا بشكلٍ خاص لهذا الامتداد باعتباره الأكثر انعزالًا، ودون نتيجة. ومع حلول الشفق، وقد نال منَّا التعب، عُدنا باتجاه البلدة، وأنا أشعر بيأسٍ أكثرَ بكثيرٍ مما شعرتُ به عندما كنتُ أسبَح للنجاة بحياتي في بحر الشمال.

صحتُ بعد أن توقَّفنا عن البحث في ذلك الوقت: «وأنا مُتأكِّد تمامًا من حقيقة الأمر، الآن، يا سيد سميتون!» ثم أضفت: «ثمة لعبة قذرة! وسأجعل كل رجال الشرطة في نورثمبرلاند يعملون لحلِّ هذه القضية، أو …»

قال: «أجل! إن هذه مهمة الشرطة، بلا شك، يا مونيلوز. من الأفضل أن نعود إلى بيرويك، ونحثَّ موراي على توجيه رجاله للعمل على تلك القضية.»

ذهبنا أولًا إلى منزل السيد ليندسي عندما عدنا، حيث كان منزله في طريقنا. وعندما رآنا أسرع للخارج ثم أخذَنا إلى مكتبه. كان معه هناك سيد مُحترم؛ السيد ريدلي، رجل الدين الذي كان قد قدَّم أدلةً حول جيلفرثويت عند افتتاح التحقيق في قضية فيليبس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤