الفصل السادس والثلاثون

الذهب

صعدت مجموعةٌ كبيرة من الرجال عبر السلَّم مع موراي، وازدحمت الغرفة بهم جميعًا، وامتلأت عيونهم بالدهشة لِما رأوه: السيد ليندسي والسيد جافين سميتون، وشُرطي أو اثنان، وما كان أكثر إثارةً لاهتمامي، اثنان من الغرباء. لكن بالنظر إلى هذَين الشخصَين عن كثب، أدركتُ أنني قد رأيت أحدهما من قبل، وهو رجلٌ عجوز، تذكَّرت أنه كان حاضرًا في المحكمة عندما مَثُلَ كارتر أمام القضاة؛ كان رجلًا هادئًا ودقيق الملاحظة وتذكَّرت أنه كان يُبدي اهتمامًا كبيرًا وذكيًّا في الجلسات. وبدا أنه والرجل الآخر معه يهتمَّان بنفس القدْر بأقوالنا أنا وتشيسهولم؛ لكن بينما أمطرَنا موراي بالأسئلة، لم يُوجِّها أي أسئلة. فقط، أثناء هذا الاستجواب، رفع الرجل الذي لم أرَه من قبلُ الستارةَ التي وضعتُها على جثة هولينز بهدوء، وألقى نظرةً فاحصة على وجهه.

انتحى بي السيد ليندسي جانبًا وأشار إلى الرجل المُسن الذي تذكَّرت رؤيته في محكمة الشرطة.

وهمس: «أترى ذلك الرجل المحترم؟» ثم تابع: «إنه السيد إلفينستون، الذي كان سابقًا مديرَ أعمال السير ألكساندر كارستيرز. وقد تقاعد، منذ سنواتٍ عديدة، ويعيش في الجانب الآخر من ألنويك، في مكانٍ خاصٍّ به. ولكن هذه القضية جلبته إلى الضوء مرةً أخرى، لهدفٍ ما!»

قلت له: «لقد رأيته في المحكمة في محاكمة كارتر يا سيد ليندسي.»

قال السيد ليندسي بصوتٍ خفيض: «أجل! وقد تمنَّيتُ لو قال لي في ذلك اليوم ما كان يمكن أن يقوله!» وتابع: «لكنه رجل حذِر، حذِر للغاية، وفضَّل العمل في هدوء، ولم يأتِ إلى موراي إلا في وقتٍ مُتأخر جدًّا الليلة وأرسل في طلبي بعد ساعةٍ من عودتك إلى المنزل. الرجل الآخر الذي معه هو مُحقِّق من لندن. عجبًا يا رجل! لقد ظهرت اكتشافات لطيفة! وهي إلى حدٍّ كبير على نفس المسارات التي كنتُ أشك فيها. كنَّا سنأتي إلى هنا منذ ساعةٍ لولا تلك العاصفة، ولكن الآن بعد أن انتهت العاصفة، يا هيو، يجب أن نُخرِج مايسي دنلوب من هذا المكان؛ اصعد، الآن، وأرِني مكانها؛ هذا أولًا، والباقي بعد ذلك.»

تركنا الآخرين لا يزالون مُتجمِّعين حول الرجل الميت والصناديق التي جُلِبَت من السيارة، وصعدتُ بالسيد ليندسي إلى الغرفة في البرج التي احتُجِزَت فيها مايسي طوال هذا الوقت المُرهِق. وبعد كلمةٍ أو كلمتَين معها عن مغامرتها المؤلمة، أخبرها السيد ليندسي بأنها يجب أن تُغادر، وسيطلُب من موراي إرسال أحد رجال الشرطة معها ليُوصلها إلى منزلها بأمان، أما أنا فما زلتُ مطلوبًا بالأسفل. لكن مايسي أظهرت علامات مُمانعةٍ ورفض واضحَين.

حيث قالت: «لن أتحرَّك ياردة واحدة يا سيد ليندسي، إلا إذا وعدتني بأنك لن تترك هيو يغيب عن عينيك مرةً أخرى حتى تسوية كل هذا والانتهاء منه! ففي مرَّتَين خلال الأيام القليلة الماضية كان الفتى على بُعد بوصةٍ واحدة من فقدان حياته، ويقولون إن الثالثة ثابتة، وكيف أعرف أنه قد لا تكون ثمة مرة ثالثة في حالته؟ وأنا أُفضِّل البقاء معه، وسنُلاقي مصيرنا معًا …»

قاطعها السيد ليندسي، وهو يُربِّت على ذراعها: «اهدئي! اهدئي!» ثم أضاف: «يُوجَد ستة منَّا معه الآن، وسنحرص على عدم وقوع أي ضررٍ له أو لأيٍّ منا؛ لذا كوني فتاةً مُطيعة وعودي إلى منزل والدك أندرو، وأخبريه بكلِّ شيءٍ عن الأمر؛ لأن الرجل الفاضل لديه شكٌّ أننا مسئولون بطريقةٍ ما عن غيابك، يا بُنيتي. هل أنت متأكدة من أنك لم تُشاهدي السير جيلبرت مرةً أخرى بعد أن احتجزك هو وهولينز؟» سألها فجأة ونحن ننزل على السُّلَّم. وأضاف: «ولم تسمعي صوته هنا، أو في أي مكان؟»

أجابت مايسي: «لم أرَه مرة أخرى مُطلقًا، ولم أسمعه.» ثم أضافت: «وإلى أن جاء هيو منذ قليل، لم أرَ هولينز نفسه منذ الصباح و… أوه!»

كانت قد أبصرت الجثة المُتصلبة المُمددة في الغرفة السفلية، وأجفلت ممسكةً بي ونحن نُسرع بها بعيدًا نحو البوابة بالأسفل. وتبِعَنا موراي إلى هناك، وبعد القليل من الاستجواب وضعها في إحدى السيارات التي جاء فيها هو وبعض الآخرين، وأرسل معها أحد رجاله؛ ولكن قبل ذلك جذبتني مايسي بعيدًا في الظلام وأطبقت على ذراعي بإحكام.

وسألت بجدية: «هل ستَعِدني، يا هيو، قبل أن أنصرف، أنك لن تُعرِّض نفسك لأي مخاطر أخرى؟» وتابعت: «لقد خُضنا ما يكفي منها، وقد اكتفيتُ من ذلك، ويبدو أن ثمة شيئًا ما كامنًا حولنا …»

بدأت ترتجِف وهي تنظر إلى الليل البهيم من حولنا، وكان كذلك بالفعل، على الرغم من أننا كنَّا في فصل الصيف، وهي أكثر الليالي التي رأيتها سوادًا وأحكمَتْ قبضة يدِها أكثر على يدي.

وهمست: «كيف تتأكَّد من أن ذلك الرجل الشرير ليس بالقُرب من هنا؟» ثم أضافت: «لقد كان هو مَن قتل هولينز، بالطبع! وإذا كان قد أراد قتلك تلك المرة في اليخت، فهو ما زال يريد ذلك مرةً أخرى!»

قلت: «ستكون فرصته لفعل ذلك ضعيفة إذن، الآن!» وتابعتُ: «لا يُوجَد خوف من ذلك، يا مايسي، وأنا وسط جميع أولئك الرجال في الأعلى. اذهبي الآن، واخلدي إلى النوم، وبالتأكيد سأعود إلى المنزل لأتناول فطوري معك. في رأيي إن الأمر قد شارف على نهايته.»

قالت: «ليس بينما ذلك الرجل على قيد الحياة!» وتابعت: «لقد كنتُ أُفضِّل أن أبقى معك حتى طلوع النهار، على أي حال.»

ومع ذلك، سمحت لي أن أصحبَها إلى السيارة. وبعد أن كَلَّفْت الشرطي الذي ذهب معها ألا تغيب عن ناظرَيه حتى تُصبح آمنة في منزل أندرو دنلوب، انطلقا، وصعدنا أنا والسيد ليندسي السلَّم مرةً أخرى. وكان موراي قد سبقنا، وبدأ تشيسهولم تحت إشرافه في فتح الصناديق المُغلقة بالمسامير. ووقف بقيتُنا حولها، بينما يجري العمل في هذه المهمة، ننتظِر في صمت. لم تكن مهمةً سهلة أو سريعة، فقد ثُبِّتَت المسامير بأسلوبٍ دقيق تمامًا، وعندما أزال الغطاء الأول أدركنا أن الصناديق نفسها قد صُنِعَت خصيصًا لهذا الغرَض. باستخدام أخشابٍ قوية للغاية، وكانت مبطنة، أولًا بالزنك، ثم بلباد سميك. وكانت كلها، كما علمنا الآن، مُمتلئة حتى حافتها بالذهب. كان موضوعًا بداخلها، قطعة فوق قطعة، كلها مُغلَّفة بعناية؛ أعني الذهب! كان يلمع بلونٍ أحمر وناري على ضوء مصابيحنا، وبدا لي أنه في كل بريقٍ له رأيت عيون شياطين، مُفعمة بالخبث والسخرية والقتل.

ولكن كان يُوجَد صندوق، أخفُّ من الباقين، وجدنا فيه، بدلًا من الذهب، الأشياء الثمينة التي كان هولينز قد أخبرنا أنا والسيد ليندسي والسيد بورتلثورب عنها عندما أتى إلينا في مُهمَّته الكاذبة، وكان ذلك في منتصف الليلة السابقة فحسب. كانت كلها بداخله؛ الهدايا التي قُدِّمَت للعديد من بارونات كارستيرز السابقين من قِبَل المانحين الملكيِّين، مُغلَّفة بعنايةٍ ومخزنة. وعند رؤيتها، نظر السيد ليندسي نحوي نظرةً ذات مغزًى، ثم نحو موراي.

وتمتم: «لقد كان رجلًا ماكرًا وذكيًّا، هذا الرجل الذي يرقُد خلفنا.» ثم أضاف: «لقد جذب انتباهنا لغرضٍ ما بقصته عن الليدي كارستيرز ودرَّاجتها، لكنني كدتُ أنسى»، توقَّف عن الحديث، وتنحَّى بي جانبًا. وهمس: «ثمَّة أمر آخر تكشَّف منذ أن تركتَني أنت وسميتون الليلة.» وتابع: «لقد اكتشف رجال الشرطة شيئًا بأنفسهم، سأمنحهم هذا الفضل. كان هذا كله أكاذيب … أكاذيب، لا شيء سوى أكاذيب! ما قاله لنا هولينز، فعل كلَّ هذا حتى يُبعِدنا عن أثرهم. هل تتذكَّر حكاية الرسالة المُسجَّلة الواردة من إدنبرة؟ اكتشفت الشرطة الليلة الماضية من موظفي البريد أنه لم يكن يُوجَد أي خطابٍ مسجَّل. هل تتذكَّر قول هولينز إن السيدة كارستيرز قد رحلت على درَّاجتها؟ لقد اكتشفت الشرطة أنها لم ترحل مُطلقًا على أي دراجة؛ لم تكن هناك من الأساس حتى ترحل. كانت قد غادرت في الصباح الباكر؛ واستقلَّت قطارًا للجنوب من محطة بيل قبل الإفطار، على الأقل، هذا ما فعلته امرأة مُلثَّمة تنطبق عليها أوصافها، وهي مُختبئة بأمانٍ في لندن، أو في أي مكانٍ آخر الآن يا ولدي!»

فهمست: «ولكن ماذا عن … الرجل … السير جيلبرت، أو أيًّا كان؟» وتابعت: «ماذا عنه يا سيد ليندسي؟»

قال: «أجل، هذا هو السؤال بالفعل!» وتابع: «أنا تدريجيًّا أُكوِّن صورةً مكتملة للأمر، بينما نمضي قُدُمًا. يبدو لي أنه تَوجَّه إلى إدنبرة بعد التخلُّص منك، كما كان يظنُّ ويأمُل، وربما وصل إلى هناك في صباح اليوم التالي، بمساعدة ذلك الصيَّاد في لارجو، روبرتسون، الذي أخبرنا بالطبع نحن والشرطة بمجموعةٍ من الأكاذيب! وعندما حصل على آخِرِ تلك السندات المالية من بالي، عاد أدراجه إلى هنا، سرًّا، وبمساعدة هولينز، ولا شكَّ في أنه ظلَّ مُختبئًا في هذا البرج العتيق حتى يَتمكَّنا من الإفلات بهذا الذهب! بالطبع، كان هولينز مُشاركًا في كل هذا، ولكن، مَن قتل هولينز؟ وأين الشريك الرئيسي، الرجل الآخر؟»

صِحت: «ماذا؟» وتابعت: «ألا تظن أنه قتل هولينز، إذن؟»

أجاب: «سأكون أحمقَ إن ظننتُ ذلك يا ولدي.» ثم أضاف: «فكِّر بنفسك! عندما أصبح كل شيء جاهزًا للهروب، هل تظنُّ أنه كان سيغرس سكينًا في حلق حليفه؟ كلَّا! يُمكنني فهْم خطتهما، وقد كانت خطةً جيدة. كان هولينز سينقل هذه الصناديق إلى نيوكاسل في غضون ساعتَين، ولن يكون ثمة شك بشأنها، ولا أسئلة لن يستطيع الإجابة عنها، وكان سيذهب إلى هامبورج معها بنفسه. أما فيما يتعلق بالرجل الذي نعرفه باسم السير جيلبرت، فستسمع عنه شيئًا بعد برهةٍ من السيد إلفينستون الواقف هناك، لكن انطباعي هو أنه، بما أن مايسي لم ترَه أو تسمع عنه مطلقًا أثناء الليل والنهار، فقد هرب بعد زوجته الليلة الماضية، ومعه تلك السندات المالية!»

قلت في دهشة مُطلقة: «إذن، مَن قتل هولينز؟» وتابعت: «هل يُوجَد آخرون ضالعون في كل هذا؟»

أجاب وهو يهزُّ رأسه: «يحقُّ لك أن تسأل هذا السؤال، يا ولدي.» وتابع: «في الواقع، أظن أننا لم نصل بعدُ إلى نهاية المطاف، وإن كنَّا نقترِب من ذلك، وسيكون ثمة انعطاف غريب أو اثنان، مع ذلك، قبل أن ننتهي. ولكن، ها قد وصل موراي إلى نهايةٍ للحادثة الحالية.»

أنهى موراي فحصه للصناديق وساعد تشيسهولم في إعادةِ أغطيتها إلى أماكنها. وتبادل هو وتشيسهولم والمُحقِّق بعضَ الملاحظات الهامسة حول هذه المهمة؛ ووقف السيد إلفينستون والسيد جافين سميتون يتحدَّثان معًا بأصواتٍ منخفضة بالقُرب من الباب. وبعد قليلٍ التفت إلينا موراي.

وقال: «ليس بوسعنا فِعْل المزيد هنا يا سيد ليندسي، وسأُوصِد هذا المكان حتى طلوع النهار وأترك رجلًا عند المدخل بالأسفل، للحراسة. ولكن بخصوص الخطوة التالية، هل لديك أدنى تصوُّر في رأسك، يا مونيلوز، عن مهاجم هولينز؟» تابع، ملتفتًا نحوي. وأردف: «ألم تسمع أو ترَ أي شيء؟»

أجبت: «لقد أخبرتُك بما سمعته، يا سيد موراي.» ثم أضفت: «بخصوص رؤية أي شيء، كيف كان سيمكنني ذلك؟ لقد وقع الأمر على السلَّم هناك، وكنت عند هذا الركن أفتح الباب الداخلي.»

فتمتم: «إنه لُغز كبير مثل بقية أحداث هذه القضية كلها!» وتابع: «وهذا يُقنعني فقط بأنه يُوجَد وراء كل هذا أمورٌ أكثر مما نحسب. وثمة شيءٌ واحد مؤكد؛ لا يُمكننا البحث في هذه الأراضي أو في المنطقة حتى يطلع النهار. ولكن يُمكننا البحث حول المنزل.»

بعد ذلك أخرجَنا جميعًا، وأوصد الغرفة بنفسه، تاركًا القتيل مع صناديق الذهب، وبعد أن وضع شرطيًّا على مدخل البرج العتيق، قادنا خارجًا إلى الجزء المأهول من المنزل. كان يُوجَد الكثير من الأضواء، واثنان من رجال الشرطة عند الباب، وخلفهم مجموعة كاملة من الخَدَم في القاعة، يرتدون بعضَ ملابس النوم، ويفتحون أفواههم في خوفٍ وفضول.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤