الأصدقاء

لحقنا بالأصدقاء في …

لحقنا بالأصدقاء في خلفية الباص، كانت سارة حسن تغني وترقص في آن واحد، كأنها دُمية في فيلم كرتون، البقية يُصَفِّقون ويعزفون بأفواههم موسيقى صاخبة، أمَّا نوار فكانت تلاحقهم بالأسئلة الغريبة الجريئة، تُحدثني عن فنان أُعجبت به وأُعجب بها، كان ولا يزال يجانسها كُلَّما زارت متحف مسيو دل برادو بمدريد، قالت: إنها أول امرأة سوداء يعشقها هذا الفنان، ثم أخذت تُحَدثني بالتفصيل عن أسلوبه في المجانسة، أسلوبه الخاص جدًّا، قالت إنه يستطيع أن يمتع أية امرأة كانت، ولو أنها صنم من الجليد.

كانت دائمًا ما تحاول إقناعي بأنَّه في إمكانه أن يصبح في شموخ جويا العظيم وشهرته، بإمكانه أن يثور الفن الإسباني ويمجده أكثر مما فعل بيكاسو وبول كلي، بإمكانه أن …

ولكنه لا يرغب في ذلك، وأنه يفضل الجنس على الشهرة. وحدثتني بأنها تعد دراسة مطولة عن لوحة رسمها لها خوان بيدرو وهي نائمة، قالت: إنها لا تقل قيمة وأهمية عن لوحة الغجرية النَّائمة للفنان هنري ماتيس، واللوحة الآن مُعَلقة في حجرة نومها.

قالت: إنَّه يعمل كإداري في مسيو دل برادو العريق، وإنه قبيح الشكل وهذا يزيد من قيمته كفنان له أسلوبه الخاص في الحياة، وأيضًا ملامحه الخاصة، قالت: معظم العباقرة لهم أوجه قبيحة، أشبه بملامح القردة، فإنهم قبيحون بطرقهم الخاصة. قالت: الجاحظ، بشار بن برد، طه حسين، نيتشه. قالت: فان جوخ، كافكا، برنارد شو، المهاتما غاندي. قالت: حتى المقنع الكندي نفسه كان رجلًا قبيحًا، قبيحًا جدًّا … حاولت أنْ أتزوجه، لكنه رفض قائلًا: إن الزواج رومانسية زائدة عن اللازم. قالت لي: إن لها صديقة حبشية جميلة كان آرثر رامبو عشيقًا لجدتها، وإنها — أي الحبشية — تُقيم معها منذ أمد بعيد. قالت: إنها تحب الرقص، الرقص الفلامنكو الإسباني، كرنق التيرة، وإنها تعشق الرجل وتعتبره من أهم قضايا وجودها، الرجل المؤدب الفنان المثقف. قالت: إنها أعجبت بي لأول نظرة … قالت وهي تغمض عينيها الصغيرتين فترتعش قليلًا رموش عينيها الساحرة، واللتين كما أكد أمين لاحقًا أنهما أجمل من أذني فان جوخ، قالت: ألديك عشيق؟ إنَّ لك جسدًا شهوانيًّا جنسيًّا كفمك! ثم قبل أن تسمع إجابتي أضافت: لكنهم ينادونك القديسة، هل أنت كذلك؟

هل أنت محرومة من الحب الجسدي؟

المجانسة؟

أيضًا أضافت: أنا أرى فيك غير ذلك بل العكس، أو ربما إذا أُتيحت لك ظروف ملائمة تكونين مثلي هبة الرجل، تقدسين الحب، ألستُ صائبة في قولي؟

توقف الباص فجأة أو خيل لي أنه توقف فجأة، لاحظت أنني قد تخطيت غابتي بقليل، فأسرعت هابطة وبيدي حاجياتي، قلت لها: سنلتقي كثيرًا، فرصة سعيدة يا نوار.

مدت لي يدًا رقيقة نحيلة بها خاتم ذهبي له بريق أخاذ، في فمها ابتسامة حلوة وأسئلة شتى. قالت: سنلتقي كثيرًا، فرصة سعيدة.

ثم ترددت قليلًا قبل أن تقول: يا القديسة!

قالتها بطريقة مُعقدة جعلتني أسمعها عكس ذلك، عكس ما قالت تمامًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤