الفصل الأول

(ظلام الليل قد بدَّدته أشعة القمر الطالع في سماء الغابة … ليس في البهو أحدٌ غير الفتى «نرسيس» … وهو جالس أمام الستار.)

(موسيقى وأصواتُ غِناء يحملها النسيم من بعيد، ترقص على أنغامها في الغابة «جَوقَة» من راقصاتٍ تسع جميلات كأنهن «عرائس الخيال» التسع، وهنَّ يرمقْنَ النافذة … ويقتربْنَ منها رُوَيدًا رُوَيدًا.)

***

الجَوقَة (في همس خارج النافذة) : نرسيس!
نرسيس (يلتفت دون أن ينهض) : اذهبْنَ! … اذهبْنَ قبل أن يأتي فيُبْصِركُنَّ ها هنا!
الجَوقَة : نرسيس! … الليلة عيد فينوس!
نرسيس : أعرف … أعرف! … اذهبْنَ قبل أن يأتي!
الجَوقَة : ذلك الذي يعيش بعيدًا عن المرأة!
نرسيس : إنه آتٍ عمَّا قليل!
الجَوقَة : ذلك الذي حرَّم الحب!
نرسيس : إن غيبته لن تطول!
الجَوقَة : ذلك الذي أنكرته فينوس!

(الباب يطرق.)

نرسيس : ها هو ذا! … ها هو ذا!
الجَوقَة : بل تلك امرأة من المدينة رأتْك فأحبَّتك، وأقسمتْ أن تكون لها وتكون لك!
المرأة (تفتح الباب في رفق، وتُطلُّ برأسها قائلةً في ابتسامة) : أتأذن لي في الدخول؟
نرسيس (في عنف) : لا!
المرأة (تدخل، وتُغلق خلفها الباب) : شكرًا! … إني كنت أتوقَّع هذا الجواب!
نرسيس : إني قلت «لا»!
المرأة (وهي تدنو منه) : وأنا لم أنتظر منك جوابًا غير «لا»؛ لأن من الحماقة أن أتوقَّع غير هذه الكلمة من فمك … ولكنك لن تقوى على منعي من اقتحام بابك، والجلوس هكذا إلى جانبك!

(تجلس ناظرة خلفها.)

عند هذا الستار الحريري … عجبًا! … ما جلوسك هذا كأنك تحرس شيئًا خلف الستار؟ … عفوًا! … هذا لا شأن لي به … يجب أن أبدأ فأقول لك إني أُدعى إيسمين، وإني باقية معك هنا الليلَ إذا شئتَ، واليوم إذا أردتَ، والشهر إذا رغبتَ، والعام إذا …

(نرسيس يكاد ينفجر غيظًا، ولا يجدُ الألفاظ.)

الجَوقَة (في النافذة ضاحكات) : مرحى! … مرحى!
نرسيس (للجميع) : ألن تنصرفْنَ عن هذا المكان؟
الجَوقَة : إنما جئنا الليلة لنَمضي بك إلى المهرجان، حيث يُحرَق البخور وتُقدَّم القرابين!
إيسمين : إنَّ أنفه الدقيق لا يُطيق رائحة الدخان، ومزاجه الرقيق لا يحتمل منظر الدماء!
الجَوقَة (لنرسيس) : أنتَ الليلة لنا، فَلْتَخترْ من بيننا!
إيسمين : إنه لا يختار … أنسيتُنَّ أنه نرسيس؟ … إنه اعتاد أن يرى الجميلات يحملْنَ حُبَّه كما تحمل شجيرات الكَرْم العناقيد!
الجَوقَة : نرسيس! … تعالَ معنا، ونحن نعصر لك من عناقيدنا خمرًا تبعث النشوة في رُوحك النائم!
نرسيس : لا أستطيع الذهاب معكُنَّ … ألَا ترينَ أني في شغلٍ عنكُنَّ؟ … هل في مقدوري أن أتركها وحدها؟

(يلتفت إلى الستار.)

الجَوقَة : مَن هي؟ … مَن هي؟
نرسيس : زوجَتُه.
الجَوقَة (في ضحك) : إنك أحمق!
إيسمين : أنسيتُنَّ أنه يشبه نرسيس الأساطير؟! … إنَّ له جماله وحمقه … إنه ليس لكُنَّ، ولستُنَّ له. (لنرسيس) أهو أيضًا الذي أطلق عليك هذا الاسم؟
الجَوقَة : منذ الصغر … منذ التقطه وليدًا بين مروج هذه الغابة … ومع ذلك لم يُفلح في أن يجعل منه أكثر مما نرى وتَرَينَ!
إيسمين : اتركْنَه لي إذن! … ولا تضيِّعْنَ مع مثله وقتكُنَّ! (لنرسيس) إني أحبك يا نرسيس على الرغم من ذلك! … أحبك.
الجَوقَة (مرةً أخيرة) : ألن تأتي معنا إلى المهرجان؟ …
إيسمين : أتنتظرْنَ منه الحركة والرغبة؟ … أنسيتُنَّ أنه زهرةٌ برِّية من أزهار المروج، ينبغي أن تُقتطف اقتطافًا؟
الجَوقَة : فَلْيُختطف إذن اختطافًا!

(يحاولْنَ أن يتسلقْنَ النافذة ليدخلْنَ عليه في الدار.)

نرسيس (صائحًا) : ويلاه! … ويلاه! … إيسمين! … إذا كان يعنيكِ أمري فادفعي هذا السيل عني!
الجَوقَة (تقف في ضحك) : تخشى على الزهرة أن يُغرقها السيل!
نرسيس : إيسمين! … إذا كنتِ تطمعين في حُبِّي …
إيسمين : اخترني إذن!
نرسيس : قد فعلتُ!
الجَوقَة : لقد اختار إيسمين!
إيسمين : نعم، لقد اختارني! … اذهبْنَ الآن إلى مهرجان فينوس حيث يُحرَق البخور، وتُقدَّم القرابين … فقد تعثرْنَ على بُغيتكُنَّ هناك!

(جَوقَة الجميلات تنصرف وهي ترقص.)

نرسيس (يلتفت إلى إيسمين الجالسة) : وأنتِ؟
إيسمين : أنا؟ … معك باقية!
نرسيس : ألَا تذهبين معهن؟
إيسمين : لن أذهب إلا معك.
نرسيس : أنت تعلَمين أني باقٍ ها هنا.
إيسمين : ما يُبقيك ها هنا؟ … زوجته؟

(تنهض وتدنو من الستار الأبيض.)

نرسيس (صائحًا) : ابتعدي! … ابتعدي!
إيسمين (تتراجع) : ألا يُباح لأحدٍ أن يراها؟
نرسيس : لا!
إيسمين : أهو عليها غيور؟
نرسيس : نعم!
إيسمين : جمالها — فيما يُقال — لا يمكن أن يُحلِّق إلى مثاله خيال!

(تعود إلى محاولة الدنوِّ من الستار الأبيض.)

نرسيس : لا تَقرَبي الستار!
إيسمين (ترجع وتُقبِل عليه) : صِفْ لي حُسنها!
نرسيس : أنا؟!
إيسمين : صدقْتَ … لستَ أنت الذي يُطلب إليه ذلك … اذكر لي على الأقل اسمها!
نرسيس : جالاتيا!
إيسمين (ناظرةً إلى الستار) : جالاتيا الجميلة! … هكذا إذن مقامها دائمًا خلْفَ الحُجُب.
نرسيس : لا ينبغي أن يقَعَ على جسدها الناصع ذرَّةٌ من غبار!
إيسمين (كالمخاطِبة نفسَها) : وهذا موكول إليك بالطبع … ما أبرعك سادنًا كأغلب سَدَنة المعابد! … يُعنَونَ بذرَّات ترابها، ولا يَرَون قَبَسات رُوحها؟!

(تشرئبُّ بعُنقها لتنظر من فُرجة بالستار.)

نرسيس : ماذا تصنعين؟
إيسمين (دون أن تلتفتَ إليه) : ما هذا الشذا الطيِّب؟ … أهو عطر مما ينثره حوالَيها؟ … وما هذا البريق العجيب؟ … أهو قُرط من لؤلؤٍ يزين أذنيها؟ … وما هذا السرير المفروش، ذو الطَّنافِس الفاخرة والوسائد المصنوعة من ناعمِ الرِّيش، حتى لا يَجرَح عاجَ خدَّيها! … وهذه الثياب بالذهب موشَّاة، وبألوان «فينيقيا» مصبوغة! … وهذه الهدايا الرائعة، من عنبر ومرجان وأصداف لامعة! …
نرسيس : كيف علمتِ أنَّ كل هذا لها؟
إيسمين : ما أشدَّ حمقَك يا نرسيس الجميل! … كل الناس في المدينة تتحدث بغرامِ بجماليون!
نرسيس : ماذا يقولون؟
إيسمين : يقولون إنه مجنون!
نرسيس : مجنون؟!
إيسمين : ربما كان لهم بعض العذر! … ماذا ترى الناس يُسَمُّون رجلًا يصنع بيديه من العاج امرأة، يقَعُ في حبها، ويناجيها ويدلِّلها ويناغيها ويدعوها زوجتَه، ويغمرها بكل ما تصبو إليه المرأة من ترف؟!
نرسيس (يلتفت إلى الباب في قلق) : لا تشغليني بالحديث أكثر من ذلك!
إيسمين : إنه ليُسعدني أن أعلم أن حديثي يشغلك … ويكاد يسرُّك فيما أرى!
نرسيس : أخشى أن يعود فَيرَاكِ هنا!
إيسمين : لن يعود الآن!
نرسيس : كيف عرفتِ هذا أيضًا؟
إيسمين : لقد أبصرتُه عند معبد فينوس، أمام المذبح، يُعدُّ لها القرابين … هذا الذي لم يحفل قَط يومًا بفينوس وعِيدِها … لأمرٍ ما يتقرب اليوم إليها.
نرسيس : لأمرٍ ما؟
إيسمين : لعله ينوي أن يسألها شيئًا!
نرسيس : إنه لم يسأل قَط إلهًا غير أبولون!
إيسمين : وهل يُغني أبولون عن فينوس، مانحة الحُب والحياة؟!
نرسيس : وهل تُغني فينوس عن أبولون، مانح الفن والفكر؟!
إيسمين : لا تكفر بفينوس يا نرسيس، وهي التي منحتْك الجمال، وجعلتْك معشوق النساء.
نرسيس : أجل؛ ولكن أبولون لا يريد أن يمنحني شيئًا.
إيسمين : يا للعجب! … أنت وبجماليون طرفَا نقيض؛ عند أحدكما ما ليس عند الآخر … لعل هذا ما يربط أحدكما بالآخر!
نرسيس : إنه يقول لي أحيانًا لا تتركْني يا نرسيس؛ فأنت تُكمل ما بي من نقص! … لكنه يقول أيضًا أحيانًا: إنك يا نرسيس الشطر الجميل العقيم للأشياء … أنت الصدَفَة البرَّاقة التي لا تحوي اللؤلؤة!
إيسمين : لقد صَدَق … إني ما عجبتُ قَط لحظةً … إن مثلك لا يُرى … لكَمْ أتألم لك!
نرسيس : أحقًّا تتألمين لي يا إيسمين؟
إيسمين : أتشكُّ في ذلك يا نرسيس؟
نرسيس : كلامكِ هذا غريب على أذني.
إيسمين : أعلم ذلك … لهذا آمنتُ كلَّ الإيمان بأنَّ دواءك في يدي!
نرسيس : ماذا تستطيعين لي؟
إيسمين : أعطني الصدَفَة، أتناولها بين راحتي لأفتحها وأملأها …
نرسيس : تملئينها ماذا؟
إيسمين : هذا من شأني … أطعني ودعني أجعلك تبصر وتحيا!
نرسيس (كالمخاطب لنفسه) : أُبصر وأحيا؟!
إيسمين : نعم! … هذه الزهرة المُقفَلة؛ لا بدَّ لها من قطرات الندى لتتفتح.
نرسيس : ومن أين تتساقط هذه القطرات؟
إيسمين : من عينَي امرأة!
نرسيس : لستُ أفهم ما تَعْنين!
إيسمين : انهض واتبعني!
نرسيس : الآن؟
إيسمين : نعم … الآن.
نرسيس : وجالاتيا؟
إيسمين : دع هذا التمثال … إنه لن يتحرك … ولن يهرب!

(تجذبه من يده جذبًا قويًّا.)

نرسيس : مهلًا! … مهلًا!
إيسمين : هلُمَّ … هلُمَّ … أيتها التماثيل الجامدة … شيئًا من الحياة … اترك الساعة، دارِ هذا التمثال، واتبعني … يا نرسيس الجميل!

(تقوده إلى الخارج، وهو ينظر إلى السُّتُر خلفه قلقًا، ثم يغلقان خلفهما الباب، ويذهبان.)

(يتغير ضوء الغابة؛ فقد الْتمع في النافذة نورٌ سماوي، وهبطت من عليائها مركبةُ فينوس تجرُّها بجعتان، وهي فيها مع أبولون … وقد أمسك بيدها كأنه يقودها، ثم يتركان المركبة ويدخلان في خفة الهواء ورقة النسيم من النافذة إلى داخل الدار.)

فينوس : عجبًا لك يا أبولون! … ما هذا الخاطر الذي بدا لك؟ … الليلة عيدي ومهرجاني، وأنت تنتزعني من ساحة معبدي الزاخرة بالجموع لتأتي بي إلى هنا … إلى دار رجل … خاوية … خالية.
أبولون (يشير لها إلى الستار الأبيض) : خاوية … خالية؟! كلَّا يا فينوس! … انظري خلف هذا الستار!
فينوس : ماذا خلف هذا الستار؟ … تمثال من عاج!
أبولون : وأي تمثال! تأمَّلي مليًّا يا فينوس!

(يُكشف الستار، فيظهر خلفه التمثال فوق قاعدته.)

فينوس : امرأة!
أبولون : بل ما تَرَين أجمل كثيرًا من امرأة، وأكمل كثيرًا من امرأة!
فينوس (تتأمل التمثال، وتهمس لنفسها في إعجاب) : كيف ارتفع إلى هذا …؟
أبولون (في تفاخر) : هنا السِّر!
فينوس : بَشَرٌ هالِك!
أبولون : ومع ذلك …
فينوس (وعيناها إلى التمثال) : أصبْتَ! … ما اسم هذا الشيء؟ … جالاتيا؟!
أبولون : هذا الشيء؟! إنك لا تجسُرين أن تسميه امرأة … أنت أيضًا تَرَين جالاتيا أجمل كثيرًا من امرأة، وأكمل كثيرًا من امرأة!
فينوس (تدنو من التمثال، وكأنها تريد أن تلمسه) : جالاتيا!
أبولون : أتلمسينها لتتحققي أن حرارة الحياة لا تجري في شرايينها!
فينوس : ماذا ينقصها حقًّا غير الكلام؟!
أبولون : إني أسمع مع ذلك كلامًا خالدًا منطبِعًا على شفتيها الجامدتين!
فينوس : أكاد لا أصدِّق أن هذا العمل يخرج من بين أصابع فانية!
أبولون : هؤلاء البَشَر يا فينوس يمتازون عنا — نحن الآلهة — هذا الامتياز؛ في طاقتهم أحيانًا أن يسمُوا على أنفسهم … أما نحن فلا نستطيع أن نسمو على أنفسنا … إنَّ قوة الفن أو مَلَكة الخَلْق عند هؤلاء لقادرة أحيانًا أن تُوجِد مخلوقات جميلة، ليس في إمكاننا — نحن الآلهة — أن نأتي بمِثلها، أو نجاريهم في شأوها … لأنهم أحرار في السمو، ونحن سجناء في النواميس!
فينوس (كالمخاطبة لنفسها) : قوة الفن! … ما قوة الفن تلك التي يستطيع بها الهالِك أن يخلُق الخالد؟!
أبولون (باسمًا في خُيَلاء) : هنا سرُّنا!
فينوس : لستُ أذكر شيئًا عن هذا الرجل!
أبولون : بجماليون هو من عبادي أنا!
فينوس : فهمت … لهذا لم ألتفت إليه … لقد حرمتُه هِباتي؛ فعاش كما ترى بعيدًا عن حُب المرأة!
أبولون : لقد حرمتِه، لكن ها هو ذا قد صنع بيديه امرأة، وخلَقَ بنفسه لنفسه الحب!
فينوس : ماذا تعني يا أبولون؟ … تعني أن جالاتيا هذه ليست إلا تحديًا لي؟ … وأن هذا الأثر ليس إلا تمثالَ الانتصار عليَّ، يُقيمه في وجهي هذا البَشَر؟ الويل له! … الويل له!
أبولون : لا تغضبي يا فينوس! … لستُ أظن هذه الفكرة جالت بخاطره … هؤلاء البَشَر ينظرون إلينا في أكثر الأحيان نظرةَ التقديس، حتى انتصارُهم علينا لا يشعرون به، وهم يُسمُّونه انتصارًا على أنفسهم!
فينوس (ترمُق التمثال في سخط وازدراء) : جالاتيا! … هه! … هي بعدُ ليست أكثر من تمثال عاجي!
أبولون : لا تزدريها يا فينوس! … إنها مع ذلك خليقةٌ بحبه!
فينوس : ماذا تفهم أنت من الحب؟
أبولون : أفهمُ منه ولا ريب غير ما تفهمين منه أنتِ!
فينوس : أبولون، إني ذاهبة … لديَّ عمل أجْدَى عليَّ … عبادي ينادُونني في ساحة المهرجان!
أبولون : لا أودُّ أن يقَعَ في نفسكِ شيء من بجماليون … إنه …

(يحمل النسيم صوتًا آتيًا من بعيد.)

فينوس : صه … ما هذا؟!
أبولون : هذا ولا ريب أَحدُ عبادك يناديك، وهو يقدِّم إليكِ القربان!
فينوس (تصغي مليًّا) : ليس من عبادي … لم أسمع هذا الصوت من قبل!
أبولون (يصغي) : يُخيَّل إليَّ أنا أني أعرف صاحب هذا الصوت!

(الصوت يدنو، وتتضح ألفاظه.)

الصوت (من بعيد) : فينوس! … فينوس! … أيتها الإلهة ذات العرش المصنوع من الذهب، المُطعَّم بالياقوت والفيروز! … يا ابنة جوبيتر العظيمة! … يا مَن تلبِّين نداء عبادك وأنت تشُقِّين بمركبتك الذهبية سُحب السماء، مركبتك التي تجرُّها بجعتان رشيقتان خفيفتان، تضربان بأجنحتهما اللطيفة أمواج الفضاء … «فينوس» اسمعي ندائي، وأجيبي دعائي!
فينوس : مَن هذا؟
أبولون : هذا هو بجماليون! …
فينوس (في دهشة وتِيه) : بجماليون! … عجبًا! … عجبًا! … ماذا يريد مني أنا الآن؟
بجماليون (من بعيد) : فينوس … فينوس … أيتها الجميلة الآمرة على عرش الجمال! … يا مَن وُلدتِ على زَبَد موجة من أمواج البحر، فمن بين كنوزه الرائعة أنتِ أبهى لؤلؤة! … ابسِمي لي من شفتيكِ الإلهيتين!
فينوس (في رفق) : بجماليون! … ماذا يريد مني هذا الفنان؟
بجماليون (من بعيد) : فينوس! … فينوس! … أيتها المُشرِقة بين الإلهات … يا مَن توقدين بأناملك النورانية في قلوب الناس مصابيح … أصغي إلى رجائي!
فينوس (في عطف) : إني مُصغِية … ماذا يريد مني بجماليون؟
أبولون (في خبث) : عجبًا! … أرى ثناءه عليكِ قد محا للفور غضبك عليه!
فينوس : إنه رجل يلتمس رعايتي!
أبولون : إنها المرأة دائمًا متيقِّظة في أغوار نفسكِ الإلهية!
فينوس (لا تلتفتُ إليه، وتُولِّي وجهها شطرَ الصوت هامسة) : إني مُصغِية يا بجماليون!
بجماليون (من بعيد) : فينوس! … فينوس! … أيتها السخيَّة بالهِبات! امنحيني هبةً واحدة؛ انفخي حرارة الحياة في تمثال جالاتيا! … زوجتي جالاتيا العاجية! … أعطيها حياة يا إلهة الحُب والحياة! …
فينوس (لأبولون) : أسمعتَ ما يريد؟
أبولون (بلا حَراك) : سمعتُ!
فينوس : بمَ تشير عليَّ؟
أبولون (فاترًا) : ليس من عادتي أن أتدخَّل فيما لا يعنيني!
فينوس : عجبًا؟ … ما هذا الفتور منك! … أيسوءُك أن يتوجه إليَّ بجماليون بالدعاء؟
أبولون : إني ذاهب! … ابْقَي أنتِ هنا إذا شئتِ!
فينوس : لا أودُّ أن يقَعَ في نفسك شيء من بجماليون … إنه …
أبولون : إنه يريد الحُب والحياة!
فينوس : ولماذا نأباهما عليه؟ … سأمنحه ما أراد!
أبولون : امنحيه إذن! … ولننظر ما سيكون!
فينوس (تتقدم نحو التمثال رافعةً يديها إليه هاتفةً) : بأمري أيتها الدماء التي سفكها لي قرابين، اجري قانيةً في هذه الشرايين! … بأمري أيتها النار التي حرق لي فيها البخور، اجعلي في جسدها الحرارة وفي عينيها النور!

(التمثال يتحرك قليلًا.)

بأمري يا جالاتيا الحية؛ انعسي قليلًا الآن، وانتظري حتى يوقظك بالقبلات زوجك بجماليون!
أبولون : هَلُمِّي بنا … إنه آتٍ … إنه يقترب!
فينوس : فَلْنبقَ هنا حتى نرى!
أبولون : ألَا نخرج من الدار ونشاهد من خلف النافذة؟
فينوس : لا بأس … هلُمَّ.

(فاصلٌ موسيقي.)

(يخرجان في أثنائه من النافذة كما دخلا، ويَبقيَان خلفها يشاهدان … ثم يُفتح باب الدار، ويدخل بجماليون ونرسيس.)

بجماليون : ألم أوصِكَ أن تبقى ها هنا، حتى أعود؟!
نرسيس : أغرتْني إيسمين!
بجماليون : آه للنساء! … النساء!
نرسيس : لقد أغلقتُ خلفي الباب!
بجماليون (ينظر إلى الستار) : وهذا الستار مَن الذي كشَفَه إذن؟
فينوس (همسًا لأبولون خلف النافذة) : يا لحُمْقنا يا أبولون؟ … لقد نسينا أن نسدل الستار كما كان؟
نرسيس (لبجماليون) : النافذة مفتوحة، لا ريب أنه هو الهواء!
أبولون (همسًا لفينوس) : أرأيتِ يا فينوس؟ … هؤلاء البَشَر، يجدُون دائمًا الأسباب التي يعلِّلون بها حماقاتنا! …
نرسيس (لبجماليون) : أأسدل الستار كما كان؟
بجماليون (يجلس شارد اللب) : نعم!
نرسيس : ثق أني اتَّبعتُ ما أوصيتني به … فلن ترى ذرَّةً من تراب على جسدها الناصع!

(نرسيس يسدل الستار على جالاتيا وهو ملتفِتٌ في قلق واستطلاع إلى بجماليون المُطرِق السَّاهِم.)

بجماليون : نعم …
نرسيس : ماذا بك؟
بجماليون : اذهب الآن إلى شأنك … إلى المرأة التي أخذتُك من يدها الساعةَ في الطريق … لا حاجة بي إليك الآن!
نرسيس : ولكنك!
بجماليون : قلت لك اذهب … اذهب إلى جميلاتك … لا عمل لك الآن هنا؟
نرسيس : وجهك شاحب.
بجماليون : هو التعب … من طول الوقوف في ساحة المهرجان!
نرسيس : بل لأمرٍ أشدَّ من ذلك خطرًا!
بجماليون : لا تحاول أن تعرف ما بي!
نرسيس : لماذا؟ … لمَ لا تخبرني؟
بجماليون : هنالك أشياء لا تستطيع أن تفهمها.
نرسيس : ولكني أستطيع أن أُصغي إليك!
بجماليون : وما نفعُ هذا لي؟
نرسيس : لقد علمتُ أنك تسأل فينوس شيئًا!
بجماليون (يرفع رأسه فجأةً) : ما هو؟
نرسيس : لست أدري بعدُ ما هو!
بجماليون (يعود إلى الإطراق) : دعني الساعةَ وحدي!
نرسيس : لا يجمُل بي أن أتركك وحدك وأنت على هذه الحال.
بجماليون : وبَعدُ يا نرسيس … لماذا تُجشِّمني الكلام في غير طائل … وأنا في حاجة إلى الراحة؟!
نرسيس : أنت تعلم أني لا أودُّ إتعابك … ولا أحب أن أراك تعِبًا.
بجماليون (كالمخاطِب نفسَه) : إني تعِب … إني حقًّا تعِب … نعم لقد تعبتُ … ليس في مقدوري أن أقضي حياتي كلها كذلك!
نرسيس : كذلك؟ … كيف؟!
بجماليون : أؤنفق عمري كله أخلُق، دون أن أتلقَّى شيئًا؟ … أفاهِمٌ أنت معنى ذلك؟ … ما دمتَ تريد أن أخبرك بما أنا فيه … فلأخبرك … ها أنا ذا أقول لك إني تعِبٌ … لا أستطيع أن أمضي في هذه السبيل … أخلُق وأخلُق وأخلُق … أخلُق الجمال، وأخلُق الحب، وأخلُق كل ما تطلُبه نفسي! …
كلَّا لقد تعبتُ … أريد الآن أن أشعر أن هنالك مَن يخلق لي، ويعطيني، ويَحدَب عليَّ … ويمنحني!

ما ألذَّ الضعف أحيانًا! … الضعف! … هذا الشيء الإنساني الجميل، الذي حُرِمتم إيَّاه أنتم أيتها الآلهة! … لأول مرة أحسُّ كاهلي ينوء تحت وقْر الخَلق وبرودته ووحدته وقسوته! … ولأول مرة أرثي للآلهة الذين لا يعرفون — طول الأبد — غير المَنح والعطاء، دون أن يتلقَّوا شيئًا غير دخان من البخور وهباءٍ من الثناء!
نرسيس (بعد لحظة) : لستُ أدرك بعدُ ما بك!
بجماليون : قلتُ لك إنك لن تفهم … إليك عني … اذهب وأَغلق الباب خلفك!
نرسيس : سأعود مع الصباح!

(يخرج ويغلق خلفه الباب.)

أبولون (همسًا لفينوس) : إنه يخشى أن يصير إلهًا؛ فلقد شعَرَ بحقيقتنا التَّعِسة.
فينوس (همسًا) : صه! … جالاتيا تتنهَّد!

(يسمع صوت تنهُّد خلف الستار.)

بجماليون (يرفع رأسه) : مَن هنا؟ … نرسيس؟ … ألم تذهب بعدُ؟!
جالاتيا (خلف الستار) : آه …
بجماليون (ينهض) : نرسيس! … نرسيس! … مَن الذي يتنهد هنا؟!

(يتجه إلى الستار، ويدخل خلفه، ثم لا يلبث أن يصيح.)

يا لرأسي المكدود! … إنه المسُّ … إنه الخَبَل! … هذا مستحيل! … هو الوهم! هو الوهم! … ومع ذلك … ترتجفان! … شفتاها العاجيتان ترتجفان … ترتجفان … ترتجفان!
أبولون (همسًا لفينوس) : أسرعي! … أَوحي إليه بالحقيقة، قبل أن يُجنَّ من صدمة الحدث!
فينوس (هامسةً لبجماليون المختفي خلف الستار) : إنها حيَّة … قبِّلها!
بجماليون (خلف الستار كالمخاطِب نفسَه) : حيَّة! … أتُرى فينوس قد استجابت؟ … نعم… نعم … فينوس! … جالاتيا تنبض بالحياة … جالاتيا زوجتي!
جالاتيا (من خلف الستار) : يوقظني بالقبلات زوجي بجماليون؟!
بجماليون (من خلف الستار) : نعم … زوجكِ بجماليون … شكرًا لفينوس!

(يظهران معًا من خلف الستار.)

جالاتيا (تتمطَّى) : آه! … لقد نمتُ طويلًا! … لكأني أستيقظ من حلم طويل كاد يُنسيني الحقيقة … (تنظر حولها) أهذه دارنا؟! … إنها جميلة … إني أعرفها!
بجماليون (ناظرًا إليها كالمسحور) : شكرًا لفينوس!
جالاتيا (تلقي نظرها إلى النافذة) : وهذه النافذة الكبيرة أعرفها أيضًا، لكأنها قلب كبير يتفتح على كنوز من روائع هذه الغابة الساحرة … ما أجملَ هذا المكان!
بجماليون : شكرًا لفينوس!
جالاتيا (تلتفت إلى بجماليون) : لماذا لا تكلِّمني؟ … لماذا تَحدِجني بهذه النظرات؟ … ألم تكن تعرفني من قبل؟
بجماليون : كيف لا أعرفكِ؟!
جالاتيا : أنا أيضًا أعرفك … منذ … منذ … دائمًا … لكن … يا للعجب! لستُ أذكر متى، ولا أين؟
بجماليون (ينظر إليها مليًّا) : جالاتيا!
جالاتيا : بجماليون! … لا تُطِل إلي النظر هكذا! … زوجي … إنك تخيفني! … إنك تنظر إلي كما لو كنتَ تراني أول مرة!
بجماليون : اجلسي هنا … إلى جانبي.

(تجلس إلى جانبه … فيمرُّ بيده على كتفها وذراعها؛ كأنه يجسُّ تمثالًا.)

جالاتيا : عجبًا لك! … ماذا بك؟ … ألا تعرف أن لي كتفَين وذراعَين؟
بجماليون (كالمخاطِب نفسَه) : كيف لا؟ … أعرف أن لكِ هاتين الكتفَين، وهاتَين الذراعَين!
جالاتيا : كلِّمني قليلًا كلامًا أفهمه!
بجماليون (وهو يتأمَّلها كالمشدوه) : وهذا الفم الذي ينطق … وهذه العين التي ترنو … وهذا الحاجب الذي يعلو … كل ذلك أعرفه! … وأعرف العناء الذي تكلَّف!
جالاتيا : ماذا تعني يا بجماليون؟
بجماليون (يفيق قليلًا) : أصبتِ! … أصبتِ … لا ينبغي أن أتكلم هكذا … معذرةً يا جالاتيا … إني فرِحٌ بكِ فرِحٌ بلُقياكِ!
جالاتيا : أوَكنتُ غائبة؟
بجماليون : كيف يمكن أن تكوني غائبة؟! … إنكِ حاضرة دائمًا في ذهني … حاضرة منذ … منذ أَمدٍ بعيد!
جالاتيا : شكرًا لك!
بجماليون : أيسرُّك أن أقول لك ذلك؟
جالاتيا : نعم … قُل لي أيضًا إنك تحبُّني!
بجماليون : آه يا جالاتيا … لقد أحببتك قبل أن تُوجَدي … إنَّ حبي لكِ هو الذي أوجدكِ!
جالاتيا : لكأني أسمع صوتك خلْفَ سُحُب … لستُ أفهم كل عباراتك!
بجماليون : يا للآلهة! … كيف أجعلك تفهمين عني؟ … أخبريني أنتِ كيف تشعرين الآن؟
جالاتيا : كيف أشعر الآن؟ … هذا سؤال غريب … شعوري هُو هُو … دائمًا كما كان.
بجماليون : كما كان؟ … متى؟
جالاتيا : بجماليون! … لا تسألْني مثلَ هذه الأسئلة … هلُمَّ بنا!

(تنهض.)

بجماليون (شارد اللُّب) : أين؟
جالاتيا : تلهو بعض اللهو.

(تسير في البَهْو … بخُطًى رشيقة.)

بجماليون (يتأملها في زهوٍ وخُيَلاء) : حتى قدمَيها تَخطِران! … كما قدَّر لهما الذهن الخلَّاق أن تخطِرا؟!
جالاتيا (تلتفت إليه) : بجماليون! … قلتُ لك لا تنظر إليَّ هكذا!
بجماليون : لا تمنعيني من النظر إليكِ والإعجاب بكِ يا حبيبتي!
جالاتيا (في رقة ودلال) : أهو الحُب إذن؟!
بجماليون : وماذا تظنِّين غير ذلك؟
جالاتيا : لست أدري … إنك تخيفني قليلًا!
بجماليون : أنا؟ … لا تقولي هذا أيتها العزيزة! … ما الذي يخيفكِ مني؟
جالاتيا : لست أدري … ربما …
بجماليون : ربما ماذا؟ … أخبريني بكل ما يجول في خاطركِ يا حبيبتي!
جالاتيا : نظراتك … يخيَّل إليَّ أحيانًا أنك تعرف عني أكثر مما أعرف عن نفسي!
بجماليون : لا أيتها العزيزة! … ليس يعرف عنكِ أكثر مما تعرفين عن نفسك غيرُ ذلك الإله الذي خلقك … أما أنا … فكما تَرَينَ الآن … لستُ لكِ أكثر من زوج وحبيب!
جالاتيا : أخبرني ماذا تعرف عني؟
بجماليون : لستُ أعرف عنكِ إلا أنك أجمل النساءِ طرًّا … وإني لفخور بك!
جالاتيا (مبتسمة) : الآن أحسُّ شيئًا من الطمأنينة إلى جوارك!
بجماليون : أجل … اطمئني! … إني لستُ لكِ أكثر من زوج وحبيب! …
جالاتيا : نعم … أنت زوجي الذي ينبغي أن أعيش معه دائمًا!
بجماليون : دائمًا!
جالاتيا : أنت زوجي الذي يحميني من الخوف إذا جنَّ الليل!
بجماليون : نعم!
جالاتيا : أنت زوجي الذي ينشط إلى العمل من أجلي إذا طلع النهار!
بجماليون : نعم!
جالاتيا : يا لي من حمقاء! … إنك زوجي منذ … منذ أن عرفتُك … ومع ذلك لم يخطُر لي أن أسألك عن عملك!
بجماليون : عملي؟!
جالاتيا : نعم … ما عملك يا بجماليون؟
بجماليون : إني … إني … أصنع تماثيل.
جالاتيا (تلتفت حولها) : لستُ أرى هنا تمثالًا واحدًا.
بجماليون : بِعتُها كلها لأشتري بثمنها …
جالاتيا (تشير إلى جِيدها وثيابها) : هذه الجواهر، والحلي، والأثواب، والعطور، والهدايا، والتُّحف التي تغمرني بها؟ … إنك لكريم يا زوجي العزيز!
بجماليون : لقد ادَّخرتُ مالًا كثيرًا من أجلكِ!
جالاتيا : أوَلا تصنع تماثيل بعدُ؟
بجماليون : لن أصنع بعدَ الآن!
جالاتيا : لماذا؟
بجماليون : لأني لا أريد … وربما لأني أيضًا لا أستطيع؛ فلقد وضعتُ كل مواهبي وآمالي ومشاعري في تمثالٍ واحدٍ أخير، لا أحسَب قَط في الإمكان أن أصنع ما يُدانيه في الإبداع … صنعتُه ثم ألقيتُ من هذا الباب بكل أدوات صناعتي … فلن أعود أبدًا إليها.
إنَّ أعجوبة الخَلْق لا تحدُث مرتين؛ لأن القلب الذي أذيب فيه بأكمله لا يمكن أن يوضع في خَلقٍ سواه، ما دمتُ لا أملك غير قلبٍ واحد!
جالاتيا (تنظر حولها) : وأين هذا التمثال؟ … لستُ أراه هنا!
بجماليون : لا تسأليني هذا السؤال!
جالاتيا : أبِعتَه إذن؟
بجماليون : أنا؟ … أنا أبيع دمي، وذهني، وحياتي، ونبوغي، وقلبي، وحبي؟! … ما هو الثمن الذي يرضيني في ذلك كله؟ … ومَن ذا يستطيع أن يدفع ما يجب أن أتقاضاه في ذلك كله؟!
جالاتيا : قلبك وحبك؟ … إنك لتحبه كثيرًا فيما أرى!
بجماليون : وأي حب؟!
جالاتيا : أكثر مني!
بجماليون : لا … بل … آه … ماذا أقول؟ … وكيف أجيب؟
جالاتيا (في غضب) : أكثر مني!
بجماليون (في تضرُّع) : جالاتيا! … لا تضعي الأمور هذا الوضع! … ولا تُثيري في سماء نفسك الصافية غمامًا. لا تجعلي المرارة تُفسِد من حلاوة هذه اللحظة!
جالاتيا : لن تزعم بعد الآن أني وحدي حبيبتك؟
بجماليون : بل أنتِ كذلك في كل حين يا جالاتيا!
جالاتيا : إني لستُ كل حياتك، وكل قلبك، وكل حبِّك!
بجماليون : بل أنتِ كذلك.
جالاتيا : وذلك التمثال الذي تحدِّثني عنه!
بجماليون : هو … هو أيضًا كذلك!
جالاتيا : لا … لستُ أريد أن تُشرك معي شيئًا! … لست أريد! … لست أريد! … لست أريد!
بجماليون (في ضيق) : أيتها الآلهة! … أيتها الآلهة!

(أبولون في النافذة يبسِم ويهمس في أذن فينوس.)

أبولون : أظن الآلهة لا تستطيع إخراجه من هذا المأزق الذي أوقع نفسه فيه!
فينوس (همسًا) : لا تسخر منه يا أبولون!

(جالاتيا ترتمي على المقعد باكية.)

جالاتيا : أنا التي صدَّقت الساعة كلامك لي!
بجماليون : أتبكين؟ … لا … لا تفعلي ذلك! … ستُتلفين هذه الأهداب … إنكِ لا تقدِّرين قيمة هذه الأهداب! … آه … إنها لا تعرف ما تصنع!

(يحاول في يأسٍ أن يجفف دموعها.)

جالاتيا (في تمنُّع وتدلُّل الأطفال) : ما شأنك أنت بأهدابي ودموعي؟!
بجماليون (في حيرة) : ما شأني أنا؟!
جالاتيا (تهزُّ كتفيها) : إني أفعل ما يحلو لي.
بجماليون : آه أيتها العزيزة جالاتيا … أتوسل إليكِ … أتوسل إليكِ أن تحرصي على كل هُدبة من أهدابكِ، وكل أُنْمُلة من أناملكِ … كل شيء فيكِ ثمين … ذراعُكِ ويدُكِ وكتفُكِ وفمُكِ وأنفُكِ وخدُّكِ … لستُ أحتمل أن أرى خدشًا يُصيبكِ! … ولا بعوضة تخِزُكِ … ولا ذرَّة من الغبار تقع على جسمكِ الناصع … آه … عفوًا يا جالاتيا … لست أدري كيف أُفصح عن … عن …
جالاتيا (تصفو وتُشرِق) : عن حبِّك لي؟
بجماليون : أجل! … أجل هو ذاك يا حبيبتي!
جالاتيا (في دلال) : نعم، ادعُني حبيبتَك!
بجماليون : دائمًا! …
جالاتيا : ضُمَّني إلى صدرك.

(بجماليون يسرع ويضمُّها طويلًا.)

أبولون (يبسم قليلًا، ويهمس في أذن فينوس) : أظن من سلامة الذوق أن نتركهما الآن في خَلْوة!
فينوس (هامسةً لأبولون في خُيَلاء، وهي تتحرك للانصراف) : ومن سلامة الذوق أيضًا، أن تعترف بأني انتصرت!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤