الخاتمة

تلك هي الجاذبية التي فتح الفيلسوف الأكبر إسحاق نيوتن بضبط سنتها بوابة حقل الطبيعة، ودعا رجال العلم منذ عصره إلى اليوم؛ لكي يدخلوا إلى ذلك الحقل الواسع الأرجاء ويطَّلعوا على ما فيه من كنوز عرفانية باهرة.

لا ريب أن الفتح العلمي الذي فتحه نيوتن كشف عن معظم أسرار الطبيعة، وبدَّد دياجير الجهل ومحا ظلاله، وفتح البصائر المنيرة لرؤية خبايا قوات الطبيعة واعتقالها لنفع المجتمع الإنساني.

منذ عهد نيوتن إلى اليوم تقدَّم العلم النظري والعرفان العملي عشرة أضعاف ما كان قبله، وكان أنه انقضى نحو ألفي سنة من عمر العلم الذي انتهى به عصر الجهل المطبق والعلماء ما زالوا يتخبَّطون في دياجير الخرافات والترهات ويبنون على أضاليلهم عقائد فاسدة، ويعتسفون طريق الهدى في مسالكهم العملية إلى أن جاء نيوتن.

وما خبَّ الإنسان خبَّه المتسارع في الاكتشاف والاختراع وفي العلم خاصة إلا بعد اكتشاف نيوتن سُنَّة الجاذبية وانتشار نظرياته في المبادئ الطبيعية التي تبسَّط فيها في ثلاثة مجلدات، إذ أصبحت القواعد الأساسية التي يُبْنَى عليها كل علم حديث تقريبًا.

ففي عوالم الفنون الهندسية وفي الصناعات والزراعات وسلك البحور وفي الاختراعات التي لا تُحْصَى — النافعة والتي أسيء استعمالها كالأسلحة المختلفة — تجد السنن والمبادئ الطبيعية التي كشفها نيوتن ظاهرة في صلبها جميعًا ناتئة في حواشيها مالئة بطونها.

حتى في الاقتصاديات والسياسيات وسائر الاجتماعيات تجد — إذا غلغلت فيها — سنن نيوتن ومبادئه الطبيعية عاملة فيها.

فلا ريب أن العصر منذ عهد نيوتن إلى اليوم يعد سيد العصور الأعظم في العلم والاختراع، فهو على رأس العصور السالفة كالهرم الباذخ الراسخ بين هضاب الصحراء، وذلك الفيلسوف العظيم بين الفلاسفة العظماء منذ عهد طاليس إلى اليوم هو كالشمس بين السيارات والنجوم التي تختفي تحت سطوعه.

إن جاذبية نيوتن ومباحثه في النور وطيفه ومبادئه في الطبيعة أنارت الطريق أمام أساطين العلم مثل هرتز وهولمز وفاراداي ومكسول وميكلسون وأينشطين، وعشرات غيرهم ممن غابوا عن الذهن الآن.

لا ريب أن العقل البشري اتسعت تصوراته وعمقت تبصراته بعد نيوتن أضعاف ما كان شأنه قبل ظهور ذلك العَلَم المفرد، إذا كان في اللغة أبلغ من كلمة عبقري فهي لنيوتن وحده، وإلا فهو العبقري الأوحد وغيره ممن نلقبهم بالعباقرة مفتئتون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤