السقوط في جزيرة الجحيم!

عندما أرسل القائد يستدعي الضابط «ريتر» شعر «عثمان» بالأسى … فهو لا يحب استثارة مشاعر الهزيمة عند أحد، وعندما دخل الضابط «ريتر» مطأطئ الرأس، أعطاه «عثمان» ظهره … حتى لا يؤذي مشاعره، إلا أن القائد لم يرحمه؛ بل أمر «عثمان» في حزم أن يستدير ويواجهه ويضع عينيه في عينيه، ولم يستطع «ريتر» أن يرفع وجهه، فمد له القائد يده بخنجر أثار هواجس الشياطين، ووسط ذهولهم أخذه «ريتر» من يده وذبح به نفسه.

وصرخ «مصباح» قائلًا: ما هذه القسوة؟

فقال القائد مصححًا: إنها ليست القسوة … إنه القانون.

وأثناء ذلك دخل الرجلان فحملا جثة «ريتر»، وخرجا بها، وما أن صعدا بها إلى السطح، حتى علت الجلبة واختلطت أصوات الرجال بين مُطالِب بقتل «عثمان» ومُطالِب بتفسير لما حدث … وشعر الشياطين أن الوقت يجري، وأن عليهم تنفيذ خطتهم وإلا فسيتعرضون للموت … فطلب «عثمان» من القائد الذهاب إلى دورة المياه.

وهناك قام بالاتصال ﺑ «أحمد» عبر ساعة يده، فأرسل له تقريرًا كاملًا عن وضعه الحالي وعما يجب أن يفعلوه، وتلقى منه تقريرًا مماثلًا، واتفقوا على الساعة صفر وهي لحظة البداية.

وعندما عاد «عثمان» إلى زملائه لم يكن القائد موجودًا، فقال لهم هامسًا: لقد تغلب «أحمد» على من باليخت، وهو الآن في طريقه إلينا.

فقالت «هدى» تسأله: وهل اتفقتم على خطة ما؟

فقال «عثمان» مؤكدًا: نعم حدث هذا … والبداية الآن.

وفي نفس اللحظة دوَّى صوت انفجار هائل فوق سطح المركب، واشتعلت إحدى الفقاعات الزجاجية، فجرى كل مَن بالسفينة في اتجاه الانفجار، وكانت فرصة لأن يتسرب الشياطين واحدًا تلو الآخر مغادرين السفينة، وحتى لا ينتبه إليهم أحد … فقد دوَّى انفجار آخَر، واشتعلت ثاني الفقاعات الزجاجية.

وما أن صاروا تحت سطح الماء وبينهم وبين السفينة مسافة مناسبة، دوَّى صوت انفجار ثالث للفقاعة الثالثة فشُغل مَن بالسفينة عن ظهور يخت الشياطين، وكان يقوده «أحمد»، غير أن القائد تنبه لاختفائهم، فوجه كل مدافعه للماء، وأطلق وابلًا من الرصاص، فغطى به سطح الماء، وشعر الشياطين أن حياتهم في خطر، وأن «أحمد» لا يمكنه الاقتراب باليخت أكثر من ذلك.

وكان الأمل الوحيد لديهم هو انفجار رابع فقاعة على سطح السفينة، وقد حان موعده غير أنها لم تنفجر.

فشعر الشياطين أنهم في مأزق؛ فلا يمكنهم الاختفاء تحت الماء لوقت طويل، والسيد «شارل» لن يدعهم يفرون منه.

وأخيرًا قرروا العودة مرة أخرى إلى السفينة الحربية إلى أن يمكنهم إعداد خطة أكثر حنكة، ويحالفهم فيها التوفيق.

وبالفعل خرج «عثمان» من مكمنه رافعًا يده مستسلمًا، ويسبح بالأخرى في اتجاه السفينة ومن خلفه بقية زملائه.

وقبل أن يصلوا إليها أنزلوا لهم السلم الميكانيكي … فتسلقوه صعودًا الواحد تلو الآخر، وعلى سطح السفينة كانت فرقة الإطفاء تحاول إطفاء الحرائق التي سبَّبها انفجار الفقاعات الزجاجية.

وعندما رآهم القائد فلم يعبأ بهم، بل انصرف ونزل السلم ذاهبًا إلى كبينته.

أما هم … فقد مكثوا في حماية الجنود في أحد قوارب النجاة إلى أن أتاهم أحد الضباط يطلب منهم متابعته.

وعرفوا أنهم سيذهبون للقائد، ففكروا بسرعة، ليبحثوا عمَّا سيبررون به فعلتهم.

وما أن انفتح باب الكابينة ورآهم القائد حتى قال لهم: لماذا هربتم؟ هل أسأنا معاملتكم؟ لقد قتلت أحد ضباطي لأجلكم.

فأسرع «عثمان» يقول له مصححًا: أنت لم تقتله من أجلنا … أنت قتلته من أجل ما فعلته به … وقد قلت إن هذا هو القانون عندكم أليس كذلك؟

فقال له القائد: أنت مغرور أيها الشاب الأسمر.

فقال «عثمان» ينفي التهمة عن نفسه: لست مغرورًا لكنني أقول الحق.

فقال له القائد مهددًا: ألا تخاف الموت؟

فأجابه في لا مبالاة قائلًا: لا أخاف الموت … بل أخاف الحياة.

فقرر «شارل» أن يجيبه إلى طلبه وقال له: لن أدعك تموت لكنني سأذيقك كل صنوف العذاب.

وفي هذه اللحظة ارتفع دَوِّي انفجار هائل، فقال القائد: لماذا تنفجر هذه الغواصات الصغيرة، هل بها قنابل زمنية؟

فأسرع «مصباح» يقول: وكيف نضع بها قنابل زمنية ونحن نعرف أننا نكون معكم على ظهر السفينة؟

وفي هذه اللحظة دخل أحد الجنود مهرولًا، ثم وقف مستقيمًا أمام القائد وهو يلهث: لقد اشتعلت النيران في غرفة المحركات.

خرج القائد يجري ومن خلفه الكثير من ضباطه وجنوده مصطحبين معهم الشياطين، وانتقلت فرقة الإطفاء بمعداتها إلى كابينة المحركات، وما أن تمكنت من التغلب على النار حتى حضر أحد الجنود وهو يجري، وما أن رأى القائد حتى وقف أمامه يحييه.

ثم قال: هناك كرة زجاجية تسبح على مقربة من السفينة.

فصرخ فيه القائد قائلًا: أين هي؟

فاصطحبه إلى مقدمة السفينة، وأعطاه المنظار، فدار به يمينًا ويسارًا حتى رآه، فصاح قائلًا: ها هو.

ثم نادى «عثمان» وسأله قائلًا: هل لكم قائد؟

فقال له «عثمان»: نعم.

وكان هذا جزءًا من الخطة، فقد أمر «شارل» البحَّارة بمغادرة الفقاعة وألا يدعها تغيب عن أنظارهم حتى يقبضوا عليها.

وكان لزامًا على الشياطين هذه المرة أن يغادروا السفينة دون رجعة، فهذا أهم وآخر جزء في الخطة.

وعندما وخزت «عثمان» رسغه، أشار بطرف عينيه لزملائه، فبدءوا ينسحبون واحدًا تلو الآخَر … وقبل أن ينتبه أحد لهم كانوا قد غادروا السفينة … والغريب أن أحدًا لم يكتشف غيابهم، وأن «أحمد» اقترب منه كثيرًا حتى تمكنوا من الصعود إلى اليخت.

وقد كان اللقاء حارًّا جمع بين الزملاء، ولم تتمكن «إلهام» من كبح جماح رغبتها في معرفة ما يدور الآن، فقال لها «أحمد»: إنهم يطاردون الفقاعة الزجاجية الخاصة بي، وهي تسير الآن بالتحكم عن بُعد.

فقالت «إلهام» معلِّقة: إنهم يريدون أن يقبضوا على القائد؟

فقال «أحمد»: هذا صحيح، وهي الآن قد توغلت في أكبر بقعة زيت تخلفت عن تسرب البترول في الناقلة.

فقال «عثمان»: لقد رأيت هذه البقعة، إنها في حجم جزيرة صغيرة.

وشعرت «هدى» أن في الخطة بقية شيقة، فقالت له: وهل الخطة أن تتركهم وسط بقعة الزيت؟

فقال لهم «أحمد» ضاحكًا: لا، بل سأقلبهم فيها.

ولم تفهم «هدى» ما يقصده «أحمد»، ولم يحاول هو أن يشرح لها؛ لأنها سترى كل شيء بعينيها.

وقال يسأل «عثمان»: هل كل أعوان «سوبتك» على ظهر السفينة؟

فقال «عثمان» في ثقة: نعم.

فقال له «أحمد» مسرورًا: الآن نقوم بتنفيذ آخِر جزء من الخطة.

وفجأة، اكتسى وجهه بجَلد شديد، ثم جلس خلف جهاز التحكم عن بُعد، فطرق بعض الأزرار، ودوَّى في الأفق صوت انفجار مهول، واشتعل مركز بقعة الزيت، وأخذت دائرة النار تتسع وتتسع … وحاولت سفينة «سوبتك» أن تستدير لتعود من حيث أتت هربًا من جزيرة الجحيم، ولكن لم يعُد هذا يجدي، فقد اشتعلت فيها النيران من أسفل، ولم تمضِ دقائق، إلا وكانت تغرق شيئًا فشيئًا وسط ألسنة اللهيب المشتعل.

وصاح «عثمان» يقول مبهورًا: يا الله! إنها جزيرة مشتعلة!

فعلقت «إلهام» قائلة: إن أعضاء «سوبتك» سقطوا كلهم فيها.

فأكمل «مصباح» قائلًا: سيكملون حياتهم في جزيرة الجحيم.

فقالت «هدى» معلقة: لأول مرة نطلق الاسم على مهمة بعد أن تنتهي.

ثم سألت «أحمد» قائلة: هل أبلغت رقم «صفر»؟

«أحمد»: نعم قلت له، لقد انتهت عملية «جزيرة الجحيم» بنجاح، وهو يهنئكم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤