تقديم

لعلَّ العصر العثماني في مصر من أقل عصور التاريخ حظًّا من اهتمام المؤرِّخين العرب عامة والمصريين خاصة، ولا يعود ذلك إلى ندرة مصادره الأصلية، فما هو موجود منها يفوق الحصر، وإنما يرجع إلى ظروف سياسية — بالدرجة الأولى — أحاطَت بهذا العصر الذي يقع بين عام ١٥١٧م الذي شهد الفتح العثماني، وعام ١٧٩٨م الذي شهد دخول الحملة الفرنسية مصر. من تلك الظروف، وقوع العصر العثماني بين عصرَين استقطبا الكتابات التاريخية؛ لأن مصر كانت فيهما تلعب دور القوة الإقليمية الكبرى، ونعني بهما عصر سلاطين المماليك، وعصر محمد علي باشا، ففيما بين هذين العصرين كانت مصر مجرَّد ولاية تابعة لإستانبول، وإن كان وضعها متميزًا بين ولايات الدولة العثمانية. ولم تُلقَ الأضواء إلا على الحقبة التي شهدت مُحاولات إبراز كيان سياسي خاص لمصر، مثل حركة علي بك الكبير ومحاولة إحياء القوة المملوكية في القرن الثامن عشر بعد تآكل السلطة المركزية العثمانية في سياقٍ تاريخيٍّ مُعين.

ومن تلك الظروف أيضًا، انبهار فريق من المؤرِّخين بالتغييرات الهامة التي شهدتها مصر في عصر محمد علي، والميل إلى تفسيرها في سياق المؤثرات الحضارية الغربية التي جلَبَتها الحملة الفرنسية إلى مصر، والتي حملت بذور الحداثة؛ فحرَّكت «الركود» الذي عانَته مصر في العصر العثماني، وأكسبتها ملامح جديدة تختلف عما كانت عليه الحال من قبل، فبدأت بذلك صفحة «حديثة» من تاريخ مصر، وهو اتجاهٌ روَّجَ له المستشرقون وتأثَّر بهم فريق المؤرخين الروَّاد الذين صاحبوا نشأة الجامعة المصرية، وشجَّع على ذيوعه الاهتمام الرسمي للدولة — على عهد الملك فؤاد — بإلقاء الأضواء الباهرة على تاريخ الأسرة العلوية، وإبراز مُنجزات محمد علي باشا والخديو إسماعيل على وجه الخصوص، فركز المُؤرِّخون دراساتهم على القرن التاسع عشر، باعتباره عصر الحداثة، ولم يُلقوا بالًا إلى العصر العثماني، فإذا ذكروه جاءت نظرتهم إليه — غالبًا — من خلال ما أورده الجبرتي ومعاصروه عن أخبار القرن الثامن عشر، فيُعمِّمون ذلك على العصر كله، ويرددون مقولات المدرسة الاستشراقية التي صادفت هوى عندهم، فحتى يتميز الضوء يجب أن تكون هناك ظلال، (وبضدها تتميز الأشياء)، ولإبراز ما حدث في القرن التاسع عشر، لا بد من إضفاء الظلال على العصر كله الذي سبقه، والتركيز على دور المؤثر الخارجي في تحريك عجلة التغير، والمؤثر الخارجي هنا هو الحضارة الغربية، وكأنَّ مصر كانت عاجزة تمامًا عن الحركة، قعيدة لمدة ثلاثة قرون، فلم تنهض إلا بعدما مد الغرب إليها يده.

كما أنَّ النظرة إلى العصر العثماني تأثرت بما حدث في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين من مظالم مارسَتْها الإدارة العثمانية في الهلال الخصيب على وجه الخصوص، وأعمال القمع التي اتبعها نظام الاتحاد والترقِّي ضد حركة القومية العربية الناشئة التي بلغت ذروتها فيما فعله جمال باشا من إعدام قيادة الحركة عند بداية الحرب العالمية الأولى، وما أعقب ذلك من قيام الثورة العربية ضد الحكم التركي بقيادة الشريف حسين ودعم الإنجليز عام ١٩١٦م. وغلبت ذكريات تلك السنوات الحزينة على رؤية المؤرِّخين للعصر كله من بدايته إلى نهايته، بل انعكس ذلك على الكتب الدراسية المتداوَلة، وأصبحت التعميمات التي ورَدَت بكتابات المدرسة الاستشراقية تُعامل في تلك الكتب كحقائق تاريخية ثابتة؛ ومن ثم كان إهمال دراسة العصر بمثابة محاولة لطي صفحة سوداء من تاريخ العرب.

وثمة أسباب أكاديمية محضة وراء إهمال دراسة المجتمع العربي عامة، والمجتمع المصري خاصة في العصر العثماني دراسة عميقة مُتأنية تستند إلى المصادر الأولية؛ فقد وقع العصر العثماني في منطقة حدودية بين ميدان بحث مؤرِّخي العصور الوسطى، ومجال بحث مؤرخي العصر الحديث. فاعتبر الأولون أن سقوط دولة المماليك الشراكسة على يد العثمانيين عام ١٥١٧م خط الحدود الأكاديمية بين حقلي العصور الوسطى والعصور الحديثة، وجاء مُؤرِّخو العصر الحديث الذين تأثَّروا بمفهوم الحداثة ليروا في مجيء الحملة الفرنسية ١٧٨٩م بداية للتاريخ الحديث، بينما رأى فريق آخر منهم أن الفتح العثماني قد يكون بداية للتاريخ الحديث، لتزامُنِه مع بدايات نفس العصر في أوروبا (على أرجح الأقوال)، ولأن الدولة العثمانية عمرت حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، فلا بأس من زحزحة خط الحدود إلى عام ١٥١٧م مع التحفظ على طبيعة القرون الثلاثة الأولى من العصر الاعتباري، على ضوء ما استقرَّ في أذهان أولئك المؤرخين من مفاهيم استشراقية، ونعني بذلك أثر الغرب الحاسم في تحريك عجلة التطور مع نهايات القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر. وبذلك وقع العصر العثماني — من الناحية الفعلية — في منطقة (منزوعة الاهتمام) على الحدود بين مجالَي تاريخ العصور الوسطى وتاريخ العصر الحديث.

وهكذا تأثَّرت الكتابات المحدودة في تاريخ العصر العثماني بما شاع في كتابات المدرسة الاستشراقية من نعوتٍ لصقت بالمجتمع العربي عامة، والمصري خاصة في العصر العثماني؛ هي: الجمود، والركود، والاضمحلال، والتخلف. وهي تعميمات ضرَبَت صفحًا عن التباين الواضح بين المجتمعات التي خضعت للحكم العثماني، وبعضها البعض، من حيث الظروف الموضوعية، بنيةً وتكوينًا وتجربةً، وتعامَلَت معها في سياق واحد، ولم تُميِّز إلا قليلًا بين ظروف الأناضول والولايات العربية، ولم تهتمَّ بإبراز التمايز بين الولايات العربية وبعضها البعض. كما أن تلك الدراسات استقَت معلوماتها من مصادر ثانوية مخطوطة وتقارير الرحالة والقناصل الأجانب، وكلها مصادر تهتمُّ بالسطح ولا تغوص إلى اللباب، وأغفَلُوا المصادر الأولية الوثائقية إغفالًا يكاد يكون تامًّا. أضف إلى ذلك أن مُعظَم المعلومات التي استند إليها المستشرقون ترجع إلى القرن الثامن عشر، فتغاضَوا بذلك عن اختلاف الأحوال من قرنٍ إلى آخر، وسحبوا استنتاجاتهم الخاصة بالقرن الثامن عشر على العصر العثماني كله بعد ما افترضوا بدايةً أن المجتمع العربي كان راكدًا جامدًا مُضمحلًّا.

ولكن المؤرخين المصريِّين ظلوا يُعانون القلق من هذه النظرة العامة، المشكوك في موضوعيتها، إلى العصر العثماني. وبدأ بعض الأساتذة الرواد يُوجِّهون أنظار تلاميذهم إلى أهمية دراسة العصر العثماني، فعَلَ ذلك محمد شفيق غربال على نطاق محدود؛ فقد جرفه وتلاميذه تيار الحداثة، ولكن تلميذه أحمد عزت عبد الكريم كان أكثر اهتمامًا بضرورة إعادة النظر في العصر العثماني، من خلال دراسات تاريخية جادَّة تَعتمِد على المصادر الوثائقية؛ سجلات المحاكم الشرعية، وحجج الأوقاف، وسجلات الروزنامة، وغيرها. فوجَّه بعض تلاميذه منذ الستينيات لإعداد بحوثهم للماجستير والدكتوراه عن موضوعات تتصل بتاريخ مصر في العصر العثماني، فكانت دراسات عبد الرحيم عبد الرحمن، وليلى عبد اللطيف، وغيرهما من الباحثين التي كشفت عن أبعاد جديدة للعصر العثماني جعلت جيلًا آخر من الباحثين يشقُّ طريقه في هذا المجال، إما بتوجيه من أساتذتهم أو بدوافع ذاتية. وقد ألقَت دراساتهم — التي لم يُنشَر معظمها حتى الآن — أضواء جديدة على العصر العثماني، جعلتنا نشعر بالحاجة إلى إعادة اكتشافه، بل وإعادة النظر في فكرة الحداثة، وأقنعَتْنا بالحاجة إلى البحث عن العوامل الذاتية الكامنة في المجتمع، والتي تدفع حركته التاريخية.

وتُعدُّ الزميلة د. نللي حنا من أقطاب المتخصِّصين في تاريخ مصر في العصر العثماني، وتحظى بشهرة بين الأوساط الأكاديمية الدولية؛ لأن معظم بحوثها نُشرت بالإنجليزية والفرنسية، وجاءت الطبعة العربية من كتابها «بيوت القاهرة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، دراسة اجتماعية معمارية» (العربي للنشر والتوزيع، ١٩٩٣م) إضافة هامة لدراسة تاريخ مصر في العصر العثماني، احتفَت بها الأوساط الثقافية، وحظيَت بتقدير المتخصصين، ورغم ثقافتها الغربية، تتمتع نللي حنا برؤية ناقدة ثاقبة للمفاهيم التي تُروَّج في كتابات المدرسة الاستشراقية حول الثقافة الإسلامية، والمجتمعات العربية عامة، فتَحرِص على دحض تلك المفاهيم استنادًا إلى ما تتوصل إليه من نتائج من خلال دراسة المصادر الوثائقية التي خبرت العمل عليها سنين طوال، فإذا أضفنا إلى تلك الخبرة والرؤية المنهجية ما تَمتاز به نللي حنا من حسٍّ وطني وغيرة على الثقافة الوطنية، أدركنا أهمية ما تطرحه من آراء وما تَترُكه من صدًى في الأوساط الأكاديمية الدولية.

ومن هنا جاء اهتمامي بكتابها «إسماعيل أبو طاقية شاهبندر التجار» الذي يسعدني تقديمه إلى جمهور المثقفين والمهتمين بدراسة تاريخ مصر الحديث، وقد كتبَتْه نللي حنا بالإنجليزية ليُنشر من خلال قسم النشر بجامعة سيراكيوز بالولايات المتحدة الأمريكية. وأطلعتني المؤلِّفة على أصول الكتاب عام ١٩٩٥م، وكانت النتائج التي استخلصَتْها من دراستها موضع نقاش طويل بيننا، وظلَّت تُعدل في نص الكتاب على ضوء ما تلقَّت من ملاحظات مَن استشارتهم من الزملاء حتى استقر على هذا النحو، فقرأت أصول الكتاب مرة أخرى في مطلع ١٩٩٦، ورأيت أن عملًا على هذا المستوى العلمي الرصين، أنفقَتِ المؤلِّفة في دراسته عشر سنوات كاملة، قامت خلالها بتمشيط الوثائق التاريخية لتُعيد تكوين صورة المجتمع المصري عند أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، من خلال سيرة إسماعيل أبو طاقية شاهبندر التجار، لا يجب أن يظلَّ بعيدًا عن متناول قراء العربية، رغم ما للنشر بالإنجليزية من أهمية تعود إلى الرسالة التي أرادَت المؤلفة أن تُوجِّهها إلى باحثي الغرب ومؤرِّخي المدرسة الاستشراقية على وجه الخصوص، مُؤكِّدة أن المجتمعات يمكن أن تتطور وَفق سياق تاريخي مختلف عن النهج الغربي، كاشفة عن فساد الاستنتاجات التي توصل إليها المستشرقون في دراساتهم حول العصر العثماني عامة، وتطوُّر مصر في ذلك العصر خاصة، مؤكدة أن الثقافة الوطنية العربية الإسلامية توفرت لديها في هذا العصر مُقومات التطور، وأن قدوم الغرب لم يكن بعثًا للحياة في مجتمعاتها، وإنما كان من مُعوِّقات تطورها. لذلك عقدتُ العزم على تعريب الكتاب، ليصدر في هذا الثوب القشيب في نفس وقت صدور الطبعة الإنجليزية تقريبًا، وليسدَّ نقصًا خطيرًا في الدراسات التاريخية، ويطرح على المهتمين بالبحث التاريخي تساؤلات هامة قد تَستحِث الهمم، وتدفع البعض إلى ارتياد الطريق الذي مهدته المؤلفة بصبر وأناة، وسعة أفق، وبُعد نظر، ورجاحة رأي.

ويدحض الكتاب الآراء التي ذهبت إلى أن مصر وبلاد الدولة العثمانية عانت من الركود الاقتصادي والجمود الحضاري والاضمحلال الثقافي من خلال تقديم صورة حية للواقع الاقتصادي في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، أعادَت المُؤلِّفة تكوينها من شتات المعلومات التي جمعتها من سجلات المحكمة الشرعية، بيَّنت فيها عدم صحة المقولات التي أشاعها المستشرقون حول أثر تحوُّل التجارة إلى طريق رأس الرجاء الصالح على الركود الاقتصادي وكساد أسواق الشرق الأوسط، وما شاع عن دور الدولة في الاقتصاد، والعلاقة بين السلطة والناس، ودور رأس المال التجاري في تطوُّر الاقتصاد والتنمية الاجتماعية والعمرانية، وبيَّنَت الدور الذي لعبه رأس المال التجاري في الإنتاج الزراعي والصناعي في تلك الفترة، وهو دور لا يقلُّ وزنًا أو أثرًا عن الدور الذي لعبه رأس المال التجاري في أوروبا في ذلك العصر، والقراءة الدقيقة لهذا الكتاب تجعل القارئ يتساءل مع المؤلِّفة عن العوامل التي حالت دون حدوث تحوُّل رأسمالي في العالم العثماني عامة والعربي خاصة خلال ذلك العصر، وهو تساؤل لا يُمكن التوصل إلى إجابة شافية له إلا بعد دراسة بقية الفترة الزمنية بنفس العمق والدقَّة اللذَين نجدهما في هذا الكتاب، وهو عمل يحتاج إلى تضافُر جهود مجموعة من الباحثين في إطار مشروعٍ بحثيٍّ كبير يُغطي المجتمع المصري في القرنين السابع عشر والثامن عشر، استنادًا إلى المصادر الوثائقية، ترعاه إحدى الهيئات العِلمية الوطنية، أو بعض أقسام التاريخ في الجامعات المصرية.

ولا شك أن التحولات التي تمَّت على يد محمد علي باشا لم تنشأ من فراغ، وخاصة أنه لم يَعتمِد على رأس المال الأجنبي في إقامة البنية الأساسية لاقتصاد السوق الخاضع لإدارة الدولة، وإنما اعتمد على موارد مصر وحدها طوال حُكمِه، وحقَّق التراكم الأوَّلي اللازم لإقامة تلك البِنية، من خلال إعادة تنظيم الاقتصاد المصري وتوجيه بعض قطاعاته وجهات جديدة، فمن أين استطاع الاقتصاد المصري في مطلع القرن التاسع عشر أن يُوفِّر كل تلك الموارد إذا كان اقتصادًا تقليديًّا راكدًا؟ وكيف استطاع المجتمع المصري أن يتجاوب مع إصلاحات محمد علي إذا كان مجتمعًا يعاني من الاضمحلال والتخلف؟ بل كيف استطاع العامل المصري أن يستوعب الأساليب الفنية الحديثة في مصانع محمد علي إذا كان عطلًا من الخبرة، مُفتقرًا إلى الاستعداد؟ وأخيرًا، كيف استطاع الفتية المصريون الذين تعلموا في ظلِّ نظام التعليم التقليدي في العصر العثماني أن يتجاوبوا مع التعليم الحديث، بل ويُتابعوا الدراسة في المعاهد الفرنسية، إذا كان النظام التعليمي الأساسي الذي أخرجهم مُتخلفًا عاجزًا؟ وكيف استطاع الفلاح المصري أن يَستوعِب فنون القتال الحديثة، ويشكل قوام جيش فرض سيطرة محمد علي على الشرق الأوسط، إذا كان ذلك الفلاح لا يملك الاستعداد والقدرات اللازمة لذلك؟

كلها تساؤلات تحتاج إلى إجابات شافية تدعمها الدراسة الدقيقة للواقع المصري عند ظهور محمد علي، فما فعَله محمد علي كان بمثابة إعادة ترتيب ما توفَّر لديه من أوراق؛ أي إعادة تنظيم البِنية الأساسية في مصر بالاستفادة من مُكوِّناتها الأصلية. حقًّا، لجأ محمد علي إلى الخبرة الأجنبية، فاستعان بالفرنسيين وغيرهم في شتى المجالات، ولكن ذلك كان على نطاق محدود، وظلت اليد العليا في حركة الإصلاح التي أدخلها محمد علي لعناصر عثمانية (تركية) أو مصرية، وجاء نسق الإصلاح مختلفًا عن النمط الغربي، مُلبيًا للظروف الموضوعية للمجتمع المصري التي تضرب بجذورها في أعماق تاريخ مصر عبر العصر العثماني. ولو كان المجتمع المصري تقليديًّا راكدًا مُضمحلًّا — وفق ثالوث المدرسة الاستشراقية — لما كان بمقدور محمد علي أن يصنع المعجزات، فيُحدِّث التقليدي، ويُحرِّك الراكد، ويستنهض المُضمحِل، وخاصة أنه كان شرقيًّا عثمانيًّا ينتمي إلى نفس الثقافة بما لها وما عليها. وما تحقَّق على يد محمد علي لم ينشأ من فراغ، وإنما اعتمد على الأساس الراسخ للتجربة التاريخية المصرية. ويعني ذلك أن واقع مصر في العصر العثماني كان له شأن آخر غير ذلك الذي شاع في كتابات مدرسة الحداثة. واستطاعت نللي حنا في هذه الدراسة أن تُثير الشكوك حول مصداقيته. ولا ريب أن دراسة المجتمع المصري في العصر العثماني، أو إعادة اكتشاف الواقع المصري في ذلك العصر، كفيلة بإلقاء المزيد من الضوء على تطور مصر الحديثة؛ فقد آن الأوان لإعادة تقييم تجربة القرن التاسع عشر على ضوء ما قد تتوصَّل إليه دراسة العصر العثماني من نتائج، من أجل فهم تاريخنا القومي فهمًا يستند إلى حركة ذلك التاريخ.

وهذه الطبعة العربية التي قمتُ بإعدادها تُعبر تعبيرًا دقيقًا عن أفكار المؤلِّفة، وتَنقل بأمانة تامة الرسالة التي أرادَت أن تُوصِّلها إلى مَن يَعنيهم أمر تاريخ هذا الوطن، ولم أضف من عندي شيئًا إلى النص الأصلي، أو أجد هناك حاجة للتعليق على بعض ما توصَّلت إليه المؤلفة من نتائج. وحسبنا أن الكتاب يسدُّ نقصًا في المكتبة العربية.

القاهرة في ٣٠ /٩ /١٩٩٦م
د. رءوف عباس حامد

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤