الفصل الثالث

هياكل التجارة

مقدمة

عندما دخل إسماعيل أبو طاقية إلى عالم التجارة في مُستهَلِّ حياته العملية، لم يكن بحاجة إلى التمرُّس بأدوات وفنون المهنة التي يتزوَّد التجار بها فحسب، بل كان يحتاج أيضًا إلى معرفة بالهياكل والمؤسَّسات المرتبطة بالتجارة. ولذلك اتصل منذ شبابه الباكر بالهياكل التنظيمية للتجارة في القاهرة — المركز التجاري الرئيسي — وتعلم كيف يفيد منها. وتُقدم لنا المصادر الوثائقية مادة تتعلَّق بالروابط الأولى التي أقامها أبو طاقية مع الهياكل التجارية المختلفة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن السادس عشر، عندما بدأ اشتغاله بالحرفة. وإن كانت تلك الهياكل والمؤسَّسات التجارية تعود إلى تاريخ أقدم بكثير من تلك الحقبة.

وتحليل الهياكل التنظيمية للتجارة التي استخدمها جيل أبو طاقية من التجار، على درجة كبيرة من الأهمية، لفَهم طبيعة الحقبة التي أدخل فيها التجار أنماطًا جديدة على ممارستهم للحرفة. وتَرجع أنشط سنوات العمل عند أبو طاقية إلى ما قبل الارتباط بالاقتصاد الرأسمالي الأوروبي بقَرن أو قرن ونصف من الزمان.١ ومن ثم نستطيع أن نتبين الملامح الهيكلية والمؤسسات التي كانت متاحة للتجار، والطريقة التي استُخدمت بها، وذلك من خلال تتبُّع السبل التي سلكها التجار في ممارستهم للمهنة، قبل أن يسيطر التجار الأوروبيون على التجارة بزمن بعيد. وكانت الأدوات والأساليب الفنية التي استخدمها التجار في ذلك العصر تُماثل — إلى حد كبير — تلك التي استخدمتها الأجيال السابقة عليهم؛ إذ يَسهُل علينا تتبع ظاهرة الاستمرارية في هذا المجال. وفي إطار تلك الهياكل التنظيمية التقليدية، أُدخلت أنماط تجارية جديدة، ما لبثت أن تطورت، واقتصر استخدامها على أصحاب الجاه من التجَّار، من أمثال أبو طاقية، الذين استطاعوا تطويعها لخِدمة أغراضهم ومصالحهم.

إنَّ تاريخ التجارة في هذه المنطقة من العالم، كان يكتب — في أغلب الأحوال — استنادًا إلى المصادر الأوروبية ككتابات الرحَّالة وتقارير القناصل، وهي مصادر تَعكس تحيُّز من كتبوها. وهم يركزون على التجارة مع أوروبا في أحسن الأحوال؛ لأنَّ ذلك القطاع التجاري كان يهمهم بالدرجة الأولى. ولكن التجارة مع أوروبا لم تكن تُمثل القطاع الفريد، أو حتى القطاع الأكثر أهمية. غير أنَّ الرحالة — وخاصة المعنيِّين منهم بالتجارة — وصَفُوا ما شاهدوه في هذا المجال، مثل أنواع البضائع التي كانت مُتاحة بالأسواق، وأسعارها، ومن يُقدمون على شرائها على سبيل المثال. ونادرًا ما كانوا يهتمون بالعمليات والإجراءات المهنية التي اتبعها التجار الوطنيون لجلب تلك البضائع إلى أسواق القاهرة أو الإسكندرية. وبذلك لم تقع أنظارهم على الكيفية التي تغيرت بها الأحوال، وما كان يفعله التجار — مثلًا — للتوافق مع مختلف الأوضاع في أوقات الأزمات.

وكان اتجاه بعض المؤرِّخين إلى تركيز الاهتمام على الفترة السابقة مباشرة على السيطرة الأوروبية، يعني أن العوامل التي ساعدت الأوروبيين على إزاحة الأطر التجارية الوطنية كانت تحتلُّ بؤرة الاهتمام عندهم. والأسباب التي ساقها أولئك المؤرخون، والظروف التي شرحوها، تُقدِّم تفسيرات واسعة النطاق، ولكنَّهم يشتركون جميعًا في تأكيد عدم مقدرة النظم التجارية الوطنية على الاستمرار.٢ وكان من بين الأسباب التي ذكرها أولئك المؤرخون في دراساتهم حول فشل النظام التجاري العثماني في مُنافَسة نظيره الأوروبي، ضعف أو غياب المؤسسات التجارية المتخصِّصة التي تماثل تلك التي كانت موجودة بالغرب، مثل البنوك، والأسواق المالية، والطوائف التجارية ذات النمط الغربي.
figure
خريطة لشمال القاهرة، عليها موقع سكن إسماعيل أبو طاقية.
ومن بين الأسباب التي أورَدَها المُؤرِّخون — أيضًا — لتفسير سهولة اختراق التجار الأوروبيِّين للأسواق العثمانية افتقار التجار الوطنيين للمهارات المهنية. ويقدم لنا نموذج التاجر المتجوِّل عند ستينسجارد صيغة من صيغ تلك الرؤية لما اعتبره المؤلف نموذجًا نمطيًّا للتاجر في الشرق الأوسط. واستنَدَ في صياغة فكرته على التاجر الأرمني هوفهانيس Hovhannes الذي كان يتجوَّل بتجارته فيما بين ١٦٨٢–١٦٩٣م، وسجَّل نشاطه في يومياته، فتنقَّل من مدينة إلى أخرى بطريقة عشوائية دون خطة واضحة، حاملًا معه من البضائع ما كان باستطاعته الاتجار فيه بجهده الفَردي، ولعلَّ ذلك يرجع إلى عدم وجود مؤسَّسات تجارية مُتخصِّصة في الأسواق التي ارتادها. وفي كل مدينة حل بها، كان يتجه إلى الجالية الأرمنية، ربما لأنها كانت الجماعة الوحيدة التي تستطيع أن تمد له يد العون. وإلى جانب ذلك، لم يكن هوفهانيس مُتخصِّصًا في التجارة مع المناطق التي ارتادها أو في السِّلَع التي حملها.٣ وقد صاغ بروس ماسترز Bruce Masters رؤيته لتجار حلب على نفس النسق، فكان باستطاعة أي فرد لدَيه قدر كافٍ من المال — في رأيه — أن يُصبح تاجرًا لفترة محدودة، ثم يتَّجه بعد ذلك إلى مهنة أخرى.٤ ومَغزى ذلك أن التجار لم يكونوا أصحاب مهنة متخصِّصة. وفسر عجز التجار عن مواكبة التغير، ومواجهة التنظيمات التجارية الهولندية والغربية المتفوقة، والعجز عن منافسة التجار الأوروبيِّين الذين تاجروا مع المدن العثمانية مثل مدينة حلب، بغياب أو ضعف المؤسسات التجارية الوطنية القائمة عندئذٍ.

وليس من بين التساؤلات التي تطرحها ترجمة إسماعيل أبو طاقية فيما يتصل بالهياكل والمؤسسات التجارية، التساؤل حول أسباب عدم وجود ذلك النوع من الأطر والمؤسسات الأوروبية في الشرق الأوسط، ولكنَّها تهدف إلى فهم مجتمع معيَّن في سياق ظروفه الخاصة، من خلال ملاحظة الطريقة التي مارس بها التجار نشاطهم، وتحديد الهياكل التنظيمية التجارية التي كانت متاحة لهم، لنرى كيف استطاعوا استخدامها لمنفعتهم لتحقيق أغراض مختلفة، مثل تمويل مشروعاتهم التجارية، وتنظيم تجارتهم، وتسويق بضائعهم. وبذلك نضع أيدينا على أوجه القصور التي شابت النظام، والإنجازات التي استطاع تحقيقها.

لقد كانت الهياكل التنظيمية التجارية متاحة لجميع المشتغلين بالتجارة، ولكن النخبة التي احتلَّت قمة الهرم التجاري كانت تستخدمها على نطاق أوسع؛ فقد كان نشاط أساطين التجارة أوسع نطاقًا وأبعد مدى؛ ومن ثم كان أكثر تعقيدًا من نشاط غيرهم من التجار. كان التجار الكبار هم الذين يحتاجون إلى دعم الهياكل التنظيمية التجارية التي كانت موجودة بمركز تجاري هام كالقاهرة، كما كانوا أكثر التجار انتفاعًا بالنظام التجاري القائم.

وعلى صعيد الوضع الاجتماعي والاقتصادي، اشتملَت جماعة التجار على مجموعة مُتباينة من الناس، تَختلف من حيث المستوى الاجتماعي والاقتصادي، من ميسوري الحال إلى واسعي الثراء. فكان مِن بينهم التجار الجوَّالون على نطاق محدود، وأولئك الذين يُمارسون التجارة بصورة موسمية، كما كان مِن بينهم — دون شك — تجار يَشتغلون بالحِرفة على نطاق واسع، ويُعطونها كل وقتهم وحياتهم، وهم الذين يُشار إليهم بالتاجر أو الخواجة، وهما صفتان لم تُطلقا على مَن كان يَستثمِر أموالًا في التجارة مثل القاضي أو البك المملوكي … فالظروف والأحوال التي مارَسَ في ظلِّها التجار — مثل أبو طاقية — حرفتهم اختلفت تمامًا عن النشاط العشوائي الذي كان يقوم به التاجر الأرمنيُّ هوفهانيس … فالملامح العامة للتجارة، والطريقة التي أدخل بها أبو طاقية نشاطه في الإطار التجاري القاهري، يدلَّان على وجود مُستوًى مُعيَّن من التركيب الهيكلي، لا نجد نظيرًا له في النماذج سالفة الذكر. ولا يَعني ذلك أن جميع التجار الذين مارسوا نشاطهم في ذلك العصر كانوا يتَّصلون بتلك الشبكة المعقَّدة بصورة مُتساوية، ولكنه يعني — ببساطة — أن النموذج الذي يقدمه لنا سيتنسجارد لا يَنطبق إلا على نوع واحد من التجار الذين احتلُّوا أسفل الدرج في سلم الحرفة؛ ومن ثم يُمثِّل النموذج الذي يُقدمه جزءًا صغيرًا فقط من صورة أكبر حجمًا.٥

وقد أبرز ذلك التركيب الهيكلي نفسه على عدة مُستويات … فاتساع النطاق الجغرافي لتجارة إسماعيل أبو طاقية — شأنه في ذلك شأن عدد من تجار القاهرة الآخرين — يُمكن أن يقارن بنشاط البيوتات التجارية العريقة من التجار الكارمية الذين اشتغلوا بتجارة التوابل بالبحر الأحمر زمن المماليك، والذين كانت تُضرب الأمثال بثروتهم، كما يمكن أن يقارن بنشاط التجار اليهود في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الذي امتدَّ من المغرب إلى الهند وسجَّلته لنا وثائق الجنيزة. فقد تاجر أبو طاقية في الشَّرق مع مدن الشام والحجاز واليمن، وبلغت تجارته الساحل الشرقي للهند، وكان وكلاؤه في أفريقيا يُسافرون حتى مدينة كانو في نيجيريا. وفي البحر المتوسِّط، امتدَّت تجارته إلى إستانبول وسالونيك والبندقية. وبذلك تشابهت شبكته التجارية من بعض الوجوه مع التجار الكارمية الذين نشطوا قبل استقرار البرتغاليين في الهند (١٤٩٨م). والحق أن الكارمية مدُّوا نشاطهم شرقًا إلى مدًى أبعد، فوصلوا إلى سمرقند، وهرات، والصين، وهي مراكز تجارية أسقطها تجار مصر من مجالِ نشاطهم عندئذٍ. غير أن الشبكة التجارية التي أقامها أبو طاقية في أول القرن السابع عشر بالبحر المتوسِّط، ربما كانت أكثر تقدمًا من تلك التي قامت في عصور سابقة.

وقد امتدَّت الشبكة التجارية التي أقامها إسماعيل أبو طاقية إلى مناطق مصر الأخرى في الريف والحضر. ولما كان قسطٌ كبير من البضائع الشرقية يُعاد تصديره للموانئ الأوروبية والعثمانية، فقد كانت مدن الإسكندرية ورشيد ودمياط تُمثل حلقات هامة في شبكته التجارية. ويذكر الرحالة كريستوف هاران Christophe Harant العدد الكبير من الفنادق والبيوت التجارية التي كانت للأوروبيِّين بالإسكندرية عام ١٥٩٨م، ومن بينهم الفرنسيون والبنادقة والفلورنسيون والنمساويون.٦ كما يَذكر أكويانت روستا Aquilante Roccheta الرحالة المُعاصر أنَّ الإسكندرية كانت أهم موانئ مصر، فكانت تُباع فيها كميات هائلة من البضائع إلى تجار قدموا من كافة أنحاء العالم.٧ وكانت دمياط الميناء الرئيسي للسفن المتجهة إلى شرقيِّ البحر المتوسط، لموقعها بالقُرب من مناطق زراعة الأرز بالدلتا؛ حيث احتلَّ الأرز مكانة هامة بين الصادرات المصرية عندئذٍ. وكانت البضائع المتَّجهة إلى إستانبول تَصدر من دمياط. وقد أقام أبو طاقية في تلك الموانئ هياكل تنظيمية قامت بتعبئة السِّلع وتسليمها، وعقد الصفقات، وسداد الرسوم الجمركية، وشحن البضائع المتَّجهة إلى القاهرة، وغير ذلك مما يتطلَّبه العمل التجاري. وقد أدَّى السعي للحصول على المحاصيل الزراعية للاتجار بها إلى قيام صلات بين أبو طاقية والمُزارعين بالدلتا.

وقد أدار أبو طاقية تلك الشبكة التجارية من مقرِّه بالقاهرة دون أن يُضطرَّ إلى مغادرتها، سواء للسفر خارج البلاد أم إلى الأقاليم الداخلية التي تعامل معها، على نحو ما توضحه المصادر الوثائقية. ولم يكن ذلك بالأمر الهين، كما لا يُمكن تفسيره بالقول بأن مهمة أبو طاقية اقتصرت على تمويل النشاط التجاري للآخرين؛ فهو يدلُّ على وجود تنظيم تجاري على درجة من التعقيد تفوق النُّظُم البسيطة التي اتبعها التجار الآخَرون. لقد كان أبو طاقية يمول فعلًا مشروعات تجارية، ولكنه كان مَعنيًّا أيضًا بإدارة دفة شبكته التجارية، وكان ذلك يتضمَّن الاستفادة من خدمات الشركاء، والوكلاء، والموظفين سواء أكانوا من أفراد العائلة أم من غيرهم، الذين سافروا إلى المراكز التجارية الأخرى بصحبة البضائع، أو استقرُّوا بمدن معيَّنة في مكة أو جدة أو إستانبول — حيث زاد حجم النشاط — استقرارًا دائمًا، أو أقاموا إقامة مؤقَّتة، حسبما يتطلبه العمل، على نحو ما كان متبعًا عند المشتغلين بالتجارة الدولية من كبار التجار. وكان التجار يَطلبون — أحيانًا — من بعض زملائهم الذين يسافرون إلى الخارج أن يُمثلوهم في واحد من المراكز التجارية، وقد يطلب التاجر من زميله أن يبيع أو يشتري سلعًا لحسابه، أو أن يُسدد قيمة البضائع، أو يُحصِّل الديون لصالحه، أو يدفع الضرائب والمكوس نيابة عنه خلال قيامه بتصريف عمله التجاري؛ وذلك وَفق اتفاق خاص يُبرَم بين الطرفين بشروط معيَّنة. وكان لبعض التجار مُمثِّلون عنهم يقيمون بصفة دائمة بمركز تجاري هام مثل جدة، يتفرَّغون لرعاية تجارتهم ومصالحهم. بينما كان آخرون ينتقلون هنا وهناك، ثم يعودون إلى القاهرة عند نهاية الموسم التجاري. وكان العبيد يُستخدَمون — من حين لآخر — للسفر بصحبة البضائع أو إعدادها للتصدير. ومن الثابت وجود جماعات تجارية هامة بالمراكز التجارية في الدولة العثمانية والبحر المتوسِّط وموانئ المحيط الهندي. وكان لكبار التجار من أمثال أبو طاقية والرويعي علاقات بفئات كثيرة من أولئك الذين كانوا يُمارسون مختلف أنواع النشاط التجاري بالمراكز التجارية المختلفة؛ حيث كانوا يُكلفونهم بإنجاز بعض الأعمال المتعلِّقة بمصالحهم التجارية في تلك المراكز.

وإذا أخَذنا في اعتبارنا سعة حجم الأعمال التجارية لأبو طاقية، واتساع نطاقها الجغرافي، وما يَعنيه ذلك من تعقيد لأسلوب العمل، يتَّضح لنا أن أبو طاقية اعتمد على الهياكل التنظيمية للتجارة والمؤسَّسات التجارية التي كانت متاحة عندئذٍ اعتمادًا كبيرًا لإدارة أمور شبكته التجارية. ومن الوارد أن يكون بعض التجار قد استفادوا من تلك المؤسسات أكثر من غيرهم؛ فكلما كبر حجم مشروعات التاجر، زادت حاجته إلى معاونة المؤسسات التجارية، وكلما ازدادت أعماله تعقيدًا، زاد لُجوءُه إليها لمُعاونته على إنجاز أعماله. وربما كانت الأعمال التجارية التي تقوم بها بيوت عائلية أقل ارتباطًا بتلك الهياكل التنظيمية، ممَّن يُمارسون عملهم بمَعزل عن نطاق العائلة. كما أنَّ التجار الذين تعاملوا مع أقاليم بعيدة مُترامية الأطراف، وجدوا في تلك الهياكل التنظيمية ضالتهم المنشودة؛ إذ كانت تلك الهياكل التنظيمية أكثر فاعلية في الأقاليم ذات التنظيمات التجارية المُماثلة، منها في غيرها. وتحديد تلك المؤسسات، وما قدَّمته للتجار المُشتغلين بالتجارة الدولية، ومعرفة كيف استطاع إسماعيل أبو طاقية أن يُطوعها لخدمة أغراض معيَّنة، يُعد أمرًا ضروريًّا لفهم الطريقة التي أدار بها التجار أعمالهم عند مرحلة تأسيس المشروعات التجارية، وعند تنظيم تجارتهم، وتكوين شبكاتهم التجارية. كذلك يمكن تحديد المشكلات التي نجمت عن ذلك النظام، لنضع أيدينا على طريقة العمل في إطار نظام تجاري وطني.

(١) دور المحاكم في التجارة

لم يزد المجال المكاني الذي تحرَّك فيه إسماعيل أبو طاقية خلال ممارسته العمل الروتيني اليومي عن مسافة بلغت حوالي كيلومتر واحد، فكان يخرج من بيته الكائن بالقرب من سوق أمير الجيوش، شمالي المدينة، متخذًا طريقه فيما وراء جامع الأقمر الفاطمي، والمجموعة المعمارية للسلطان قلاوون في قلب المدينة، حتى يصل إلى أحد حوانيته بسوق الوراقين، أو بعض حواصله بوكالة الحمزاوي، وقد يذهب من حين لآخر إلى الوكالة الكبرى والوكالة الصغرى وراء مجموعة قلاوون المعمارية، وكانت الوكالتان مقرًّا لأعمال متنوعة ومتداخلة لتجار القاهرة، ولغيرهم من التجار الذين يحلُّون بها في طريقهم إلى مراكز تجارية أخرى. ومن تلك المواقع، زاول إسماعيل أبو طاقية نشاطه، وارتبط بهذا الروتين اليومي ارتباطًا وثيقًا زياراته المُتفرِّقة للمحاكم؛ حيث كان يسجل الصفقات التي أبرمها في السوق أو الوكالة على أوراق رسمية في سجلات المحكمة. وهكذا كان أبو طاقية — في الواقع — يدير شبكة تجارية امتدَّت عبر ثلاث قارات من تلك المؤسسات التجارية والمحاكم الشرعية. فقد تطلبت تجارته في مصر والخارج استخدام أدوات قانونية على درجة مُعيَّنة من الرصانة. ولا شك أن الحجج العديدة التي أبرمها أبو طاقية وسجلها بالمحكمة، على مدى حياته العملية كتاجر، تُقدم للباحثين في التاريخ التجاري مصدرًا غنيًّا حافلًا بالتفاصيل، وخاصة أنه شاع بين الباحثين حتى عهد قريب، عدم وجود أوراق تتعلَّق بالتجارة في الشرق الأوسط قبل العصر الحديث. وتُلقي عملية التوثيق تلك، الضوء على طريقة إدارته لدفة أعماله بنفسِه، ويستطيع المرء من خلالها أن يتتبع واحدًا من التجار وهو يُقيم مشروعات تجارية مُتعدِّدة الأحجام، وبعض الصعوبات التي أحاطت بذلك النسق من العمل التجاري. وتُبيِّن لنا عملية التوثيق هذه — على مستوى أوسع — الأحكام الفقهية الإسلامية المُتعلِّقة بالأعمال التجارية، والطريقة التي طبقت بها في القاهرة في القرن السابع عشر. ولا يزال الجدل قائمًا حول العلاقة بين الشريعة أو الفتاوى الشرعية، والتطبيق الفعلي، ويقوم مُعظم الباحثين اليوم بمراجعة آراء المستشرقين الأوائل الذين زعموا أن قانون المشاركة في الأعمال التجارية ليس له انعكاس على الطريقة التي مُورِسَت بها تلك الأعمال.٨ ويتَّضح تمامًا من قراءة عمل المؤرِّخَيْن رونالد يننجز Ronald Jennings وحاييم جربر Haim Gerber عن قيصرية وبورصة أن فقه الشريعة الإسلامية في باب المعاملات كان لا يزال مُطبقًا في الأناضول في القرن السابع عشر.٩ وتضمُّ وثائق القاهرة في القرن السابع عشر أدلة أخرى تدعم ما توصَّل إليه يننجز وجربر من نتائج.

لقد أصبح الدور الذي لعبته المحاكم الشرعية في الحياة اليومية لسكان المدن، في مختلف أنحاء الدولة العثمانية، معروفًا اليوم تمام المعرفة، ولكن الدور الذي لعبته المحاكم في معاونة التجار على مزاولة نشاطهم لا يزال أقلَّ وضوحًا. فقد كان الذهاب إلى المحكمة عملًا روتينيًّا عند إسماعيل أبو طاقية، وكانت أقرب المحاكم إلى بيته، محكمة الباب العالي التي كانت أرفع المحاكم منزلة؛ لأنَّ قاضي القضاة تولَّى رئاستها. وأحيانًا كان أبو طاقية يستخدم محكمة الصالحية النجمية، حيث كانت تقع بالقرب من ضريح السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين. ويصور لنا تردد أبو طاقية على المحاكم بصورة مُتواترة علاقته الوثيقة بالمؤسسة القضائية. وتُشير إلى ذلك إشارة واضحة، عيِّنة من معاملاته أمام محكمة الباب العالي، غطت بضعة شهور من الفترة التي شهدت ذروة نشاطه التجاري. فقد ذهب إلى المحكمة عام ١٠٢٦ﻫ/ ١٦١٧م ثلاث مرات في شهر رجب (١٢، ١٤، ٢٤)، وثلاث مرات في شهر شعبان (٥، ٦، ١٢)، وخمس مرات في رمضان (٤، ٥، ١٠، ١٢، ١٣)، وست مرات في شوال (٨، ٩، ١٥، ١٦، ١٩، آخر الشهر)، وبذلك يكون قد تردَّد على تلك المحكمة وحدها مرةً واحدة في الأسبوع تقريبًا. ولدينا عينة أخرى من معاملاته عام ١٠٢٨ﻫ/ ١٦١٨م لها نفس القدر من الدلالة والأهمية، وخاصة خلال الشهور السابقة واللاحقة على موسم الحج إلى مكة، وهي الفترة التي كانت تشهد علوَّ مَدِّ النشاط التجاري. ففي ربيع الأول من ذلك العام، ذهب إسماعيل أبو طاقية إلى محكمة الباب العالي أربع مرات (٨، ٢٠، ٢٦، ٢٨)، وفي ربيع الثاني ذهب إلى المحكمة ثماني مرات (٦، ١٠، ١٢، ١٥، ١٨، ٢٠، ٢٣، ٢٤)، وثلاث مرات في جمادى الأولى (٥، ١٥، ٢٤)، ومثلها في رجب (٥، ٩، ٢٦)، ومرة في شعبان (٦)، وثلاث مرات في رمضان (١٣، ١٤، ١٥)، ومرتين في شوال (١٣ و١٩). وكان المثول أمام المحكمة يُعدُّ — بالنسبة له — من مستلزمات ممارسة العمل. وتقدم لنا الوثائق المسجَّلة بسجلات المحكمة مادة غنية عن الطريقة التي أدار بها أعماله، ونرى من خلالها التطبيق العملي للإجراءات التي نص عليها فقه المعاملات وأحكامه الشرعية.

ومن الواضح أن محاكم القاهرة لعبت دورًا حيويًّا ومُتزايدًا في التجارة وفي خدمة التجار، والواقع أن تسجيل الحُجج المتعلِّقة بالقروض والبيع بالأجل، والمشاركة، والأمانات، والصفقات المتَّصلة بمختلف أنواع السلع، بشكل منتظم في سجلات المحاكم، أمر بالغ الدلالة؛ لأن ذلك يعني توافر الضمانات للتاجر في حالة وقوع نزاع بينه وبين الطرف الآخر. فلم يكن التاجر يَعتمِد على حسن نوايا الطرف الآخر وحسب، رغم ما لذلك من أهمية. ويمكن أن نرجع إصرار أبو طاقية على توثيق معاملاته اليومية، وتسجيلها بالمحاكم بصفة منتظمة، إلى المهام العديدة التي كان يتولاها، والأموال الطائلة التي تعامل بها.

وثمة سبب آخر لاستخدام أبو طاقية للمحاكم في توثيق ‎أعماله التجارية، هو أنَّ المؤسسة القضائية لم تُوفِّر أدوات متنوعة لإنجاز الأعمال التجارية فحسب، بل قدَّمت للتاجر فرصة للمُناورة على درجة عالية، أتاحت له فرصة استخدام الأدوات القانونية بصورة تَتوافَق إلى حد ما مع حاجاته الشخصية، وهو أمر له مغزاه بالنسبة للتاجر الذي يُمارس نشاطًا تجاريًّا مُتشابكًا ومركبًا. وكان باستطاعة التاجر أن يبرم عقدًا مع شريك أو عميل وفقًا لأحد المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفي، أو المالكي، أو الشافعي، أو الحنبلي، وقدمت جميع محاكم القاهرة هذه الخدمة. وكان باستطاعة التاجر أيضًا أن يلجأ إلى قاضي مذهب بعينه لأمر يتعلَّق بحُجة معيَّنة، وإلى قاضٍ يتبع مذهبًا آخر بحجة من نوع آخر، عندما يكون ذلك أفضل بالنِّسبة له، أو أكثر نفعًا لمصالحه.

كذلك هناك سبب آخر لاعتماد أبو طاقية، وزملائه من التجار الذين امتدَّت تجارتهم إلى مسافات وأقاليم بعيدة، على المحاكم في توثيق أعمالهم التجارية، هو صلاحية الوثائق التي تُصدق عليها المحاكم في القاهرة للعمل بها في المدن الأخرى. فكان باستطاعة من يقيم بالقاهرة أن يُسجِّل عقد بيع لمنزل يملكه بدمشق أو القدس أو جدة. وكان باستطاعة التاجر أن يُوثِّق توكيلًا لأحد زملائه أو مساعديه يُعطيه الحق في ممارسة أعمال تجارية نيابة عنه في مخا أو في إستانبول. كما كان للمَحكمة أن تتدخَّل لضمان حقوق ورثة التاجر إذا ما مات خارج البلاد في مكة أو جدة أو مخا. وفي إحدى المسائل المعقَّدة التي نظرتها محكمة الباب العالي بالقاهرة، التي كان أبو طاقية طرفًا فيها، لعب أبو طاقية دور وكيل المشتري لمنزل في جدة من مالك بالقاهرة. وعلى ما جرت عليه العادة في مثل تلك العقود، كان على إسماعيل أبو طاقية أن يُقرَّ أمام القاضي أن المُشتري قد تسلَّم بالفعل المنزل المباع في جدة.١٠ وكان اعتماد الوثائق المسجلة بمحاكم القاهرة والاعتراف بها في إستانبول ودمشق، وحلب، ومكة، وجدة، ومخا يُناسب التجار تمامًا، ويخدم مصالحهم، وييسر لهم سبيل العمل. ونتبيَّن من ذلك أن النظام القضائي وفر للتجار ضمانات وتسهيلات تتجاوز حدود دائرة الولاية القضائية للمحاكم. وفي جميع الولايات، لعبت المحاكم دورًا بالغ الأهمية في خدمة التجارة والتجار، فوثَّقَت العقود، وقدَّمت الضمانات، وتدخلت لحل المنازعات المتَّصلة بالنشاط التجاري، رغم أنها لم تكن بالضرورة مؤسَّسات ذات طبيعة تجارية. ولا يجب أن نُقلِّل من شأن الصعوبات والتعقيدات التي قد تترتَّب على مثل هذا النظام. فقد يأتي إلى القاهرة من يحمل وثائق صدرت في مخا أو حلب أو حمص، ويُقدِّمها إلى المحاكم فتقبل بها وتُقرها. ولكن قد تتعقَّد الأمور إلى حد كبير إذا طعن أحد أطراف النزاع في صحة الحجة التي بيد الطرف الآخر. وهناك مثال لهذه المشكلة نجده في قضية تخص الخواجة أحمد الصواف، وهو تاجر عمل وكيلًا بمكة لبيت الرويعي. وكان أحد أبناء الرويعي بالقاهرة قد أعطاه توكيلًا فوَّضه فيه حق تمثيل مصالح الأسرة بمكة، بينما أعطاه الابن الآخر من أبناء الرويعي (وكان مقيمًا بمكة) توكيلًا عامًّا لإدارة أعمال البيت التجاري للعائلة ورعاية جميع مَصالحها (وما لبث أن مات). وكان على القاضي أن يُقرر صلاحية واحد من التوكيلين، فطلب القاضي من كل طرف أن يقدم الحجة التي تدعم دعواه، وقد استطاع كل طرف أن يدعم دعواه، بحجة موثَّقة، وعندما تعذر التوصُّل إلى اتفاق بين الطرفين، طالب القاضي كلًّا منهما بتقديم شهود على صحة الوثيقة التي يَحملها. ومن الواضح أن ابن الرويعي المقيم بالقاهرة استطاع أن يُقدم شهودًا على صحة حُجته، بينما عجز الخواجة أحمد الصواف عن تقديم الشهود.١١
ومن بين أسباب تردُّد إسماعيل أبو طاقية على المحاكم أن عملياته التجارية كانت مع شركاء ليسوا من أقاربه أو بني جلدته الشوام. فعلى نقيض التجار اليهود في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الذين سجَّلوا نشاطهم في وثائق الجنيزة التي أخرجها جويتين Goitein إلى النور، أو الكارمية، أو الأرمن الذين احتكَرُوا تجارة حرير فارس، لم تكن تجارة أبو طاقية عائلية أو قاصرة على التعامل مع جالية مُعيَّنة. فقد تعامل مع بعض أفراد أسرته أحيانًا، ومع تجار من الشوام أحيانًا أخرى، ولكن معظم معاملاته كانت مع شركاء اختارهم بنفسه، إما لثقتِه فيهم، أو لتمتعهم بمهارات معينة، أو لأن التعامل معهم كان الأنسب والأفضل بالنسبة له. ولذلك كانت حاجته إلى الضمانات القانونية أكبر من حاجة غيره من التجار.
ومن الجليِّ أن بعض التجار استخدموا المحاكم أكثر من غيرهم، وَفق نوع الشبكة التجارية التي كانوا يَعملون من خلالها. ويبدو أن الحاجة إلى تسجيل المعاملات التي كانت تتمُّ بين أفراد الأسرة الواحدة في بيتٍ تجاري عائلي، بين الإخوة وبعضهم البعض، أو بين الأب وابنه، كانت أقل أهمية. ولكن ذلك لا يعني أن العائلات التجارية لم تَستخدم التسهيلات الشرعية المتاحة حتى عند التعامل داخل نطاق البيت التجاري العائلي. وعلى سبيل المثال، كان بيت الرويعي التجاري يضمُّ الكثير من الأعضاء التجار الذين لم يُسجِّلوا عقود المشاركة بانتظام، على نحو ما كان يفعل إسماعيل أبو طاقية، ولكنَّهم لجئوا إلى المحاكم لتسجيل حجج من نوع آخر؛ فقد سجَّل الخواجة أحمد الرويعي — مثلًا — توكيلًا يُفوِّض ابن أخيه علي الرويعي أن يتسلَّم البضائع الخاصة به، ويُحصِّل الديون المستحقَّة له عند عملائه بمكة. وقد سجلت الوثيقة حتى يستطيع علي الرويعي أن يُثبت للعملاء أنه يُمثل عمه.١٢ ويحتمل أن تكون معاملات بيت الرويعي قد سُجِّلت كتابةً نظرًا للأهمية البالغة لتلك المعاملات، وإن كانت لم تُوثَّق بسجلات المحكمة … فمن الصعب أن نتخيَّل بيتًا تجاريًّا كبيت الرويعي تعامل مع عديد من الأفراد، دون أن يسجل معاملاته كتابة، حتى لو كان ذلك التسجيل غير موثَّق في سجلات المحاكم الشرعية. وكما فعل آل الرويعي، لم تقم عائلة الخواجة نور الدين الشجاعي، التي كانت من بين العائلات التجارية الكبيرة في جيل إسماعيل أبو طاقية، بتسجيل معاملاتها التجارية في سجلات المحكمة على نحو ما كان يفعل إسماعيل أبو طاقية. غير أنه عندما أعد نور الدين مبلغًا ضخمًا من المال لإرساله إلى مكة وجدة، سجَّل في المحكمة أنه قد استدان ٤٥ ألف دينار من ولده علم الدين، وابنتَيه ناظرين وخاتون، وحفيده فخر الدين.١٣ ولعلَّ هذه الوثيقة سُجلت في المحكمة؛ لأنَّ المبلغ كان كبيرًا، ومن النادر أن تردَ مثل هذه الوثائق بصورة مُتواترة في سجلات المحاكم، إذا كانت المبالغ المقترضة محدودة القيمة.

(٢) التمويل

كان التاجر يمرُّ خلال ممارسته المهنية بمراحل مُختلفة يتوقَّف عليها نجاح أو فشل مشروعه التجاري، تتمثل في التمويل، وتنظيم المشروع، وتحديد الوقت المناسب للتسويق. وفي كل مرحلة من تلك المراحل. كان باستطاعتِه اللجوء إلى الأدوات القانونية وآلياتها، وإلى الهياكل التنظيمية التجارية المتاحة. وتدلُّنا الحجج التي وثقها إسماعيل أبو طاقية، على الكيفية التي استخدم بها التجار الوثائق الشرعية التجارية لخدمة أغراض وأهداف مختلفة؛ مثل: التمويل، والمشاركة في تحمُّل المخاطر، وتنظيم التجارة، وتوزيع المسئوليات، كما تضع أيدينا على كيفية التعامل في مختلف الأحوال بالنسبة للمشروعات التجارية الكبرى التي تضم شريكًا واحدًا، أو عدة شركاء، تُحدِّد مسئولية كل منهم في الوثائق، سواء أكانت تلك المسئولية لفترات قصيرة أم طويلة، إلى غير ذلك من ضوابط تضمنتها وثائق المعاملات التجارية. وبعبارة أخرى، تدلُّنا متابعة العمل اليومي للتجار، والظروف والأحوال المختلفة التي واجهها التجار، على الطريقة التي كان يعمل بها النظام التجاري عندئذٍ. ومن ملاحظة النظام على المستوى الدقيق، نستطيع أن نتبيَّن مدى ما اتسم به من التعقيد، كما نتعرف — بالنِّسبة لأبو طاقية — على السبل المختلفة التي استطاع عن طريقها استخدام النظام لتحقيق أهدافه الشخصية الخاصة.

ومن بين ما يُقال عن التجارة في الشرق الأوسط — في ذلك العصر — أنه لم يكن هناك نظام لتمويل نشاط التجار؛ أي إنه لم يكن هناك ما يُقابل نظام البنوك في أوروبا التي اعتمد عليها التجار الأوروبيُّون اعتمادًا كبيرًا، وهي ظاهرة قد تكون وراء العجز الذي أصاب تجارة الشرق الأوسط. وربما كان الأمر كذلك، لكن ما تقوم به البنوك من أعمال قد تحقق جزئيًّا، من خلال التسهيلات التي أتيحت في إطار النظام القانوني، الذي أسبغ على الأموال التي يُقدمها طرف إلى آخر إطارًا قانونيًّا. وكان ذلك يتَّخذ عدة أشكال نتبيَّنها من متابعة نشاط أبو طاقية؛ كتجميع الأموال، والاقتراض، والبيع بالأجل، والمضاربة، وهي أشكال للتمويل تعدَّدت استخداماتها.

وقد فضَّل إسماعيل أبو طاقية من بين كل تلك الصيغ التمويلية التي أقرتها المحاكم، صيغة «عقد الشركة»، وهو عقد مُشاركة يقوم بموجبه طرفان أو عدة أطراف بتجميع الأموال الخاصة بهم، ويتحمَّلون الخسائر، ويَقتسمون الأرباح بينهم وَفق حصص مُعيَّنة يتفق عليها. وتحتوي سجلات محكمة الباب العالي على ما يقرب من العشرين إشارة إلى تلك الشركات التي أبرم أبو طاقية عقودها خلال حياته العملية، كان الكثير منها يعمل في نفس الوقت. ولعله وجد في عقد الشركة صيغة مُلائمة له؛ لأنه لا يقتصر على توفير التمويل للمشروع، وإنما يُساعد أيضًا على تنظيمه، وإن كان الانتفاع بصيغة «الشركة» له حدود أيضًا. ونستنتج من استخدام أبو طاقية لذلك النوع من المشاركة أنها كانت على درجة من الكفاية بالنسبة لأقاليم معينة؛ فقد كانت غالبية شركات أبو طاقية تشتغل بتجارة مكة وجدة، والهند (بدرجة أقل)، ثم بعد ذلك اليمن. وكانت تجارته مع بلاد الشام وإستانبول — أحيانًا — تُغطيها عقود شركات. لكن من الواضح أن هناك صيغًا أخرى غير صيغة الشركات تمَّ استخدامها أيضًا. وإن ظلت صيغة «الشركة» تستخدم في تجارة البحر الأحمر في القرن الثامن عشر.١٤

ويتَّضح اعتماد أبو طاقية على صيغة الشركة، من خلال تتبُّع اتجاهه لتوسيع مشروعاته، وزيادة الأموال المُستثمَرة فيها. فقد استخدمها كأداة لإعادة استثمار أرباحه، وكوسيلة لتوسيع أعماله في نفس الوقت الذي أعاد فيه تدوير أرباحه في التجارة. ويتَّضح هذا الاتجاه — على وجه الخصوص — في السنوات العشر الأولى من حياته العملية (من أواخر الثمانينيات إلى أواخر التسعينيات من القرن السادس عشر). فالشركات الثلاث التي تتبَّعناها في سجلات المحكمة في تلك الفترة، تكوَّنت برأس مال قدره ٥٦ ألف نصف في عام ١٥٨٧م، و٨٠ ألفًا في عام ١٥٩٢م، و٢٠ ألفًا في عام ١٥٩٧م، مما يَعكس تزايُد حجم استثماراته في الشركات، وظاهرة إعادة تدوير أو استثمار الأرباح. وكان رأس مال الشركات التي كوَّنها بعد ذلك أقل قيمة، مما يعني أن استثماراته كانت عندئذٍ موزَّعة بين عدد من المشروعات الصغيرة.

وربما كان «عقد الشركة» أنسب لتلبية حاجات أبو طاقية بصفة خاصة، أكثر مما قد تُحقِّقه له صيغة «المضاربة»، ويعود ذلك إلى سببين؛ فقد كانت «المضاربة» تعني — في المقام الأول — أن يقدم أحد الأطراف ماله، بينما يقدم الآخر خبرته، ويَقتسم الطرفان ما يتم تحقيقه من أرباح. وبذلك يقوم أحدهما بالتمويل، ويتولى الآخر إدارة الأعمال والسفر وراء التجارة. ولم يكن أبو طاقية مجرَّد ممول للنشاط التجاري؛ لأنه تولى إدارة أعماله بنفسه. وكان ذلك أحد أسباب تفضيله لصيغة «عقد الشركة»، أما السبب الآخر فيرجع إلى أن «عقد الشركة» كان أكثر مرونة من «المضاربة» من الناحيتين الوظيفية والتنظيمية. فقد كان بمثابة اتفاق تعاقُدي، يستطيع أطرافه أن يَضمنوه الشروط التي اتفقوا عليها، مما يعني أنه كان من حقهم أن يُقرِّروا حجم رأس المال، ونوع العملة المستخدمة، وكيفية توظيف رأس المال، ومن له حق توظيفه. وقد يخصُّ عقد الشركة عملية تجارية واحدة، وقد يتَّسم بالدوام والاستمرارية.

ولم يتضمَّن «عقد الشركة» تحديدًا لمدة سريان العقد؛ فقد ورد بمعظم العقود ما يشير إلى استمرارية ممارسة النشاط الذي يقوم به الشركاء، فجاء فيها عبارة المرة بعد المرة، والكرة بعد الكرة، أو عبارة وقتٍ بعد وقت، وحلٍّ بعد حل، إشارة إلى أن المشاركة كانت دائمة، وأن الرحلات البحرية مُتكرِّرة بانتظام. وربما كان العقد ينتهي عندما يرغب الشركاء في اقتسام الأرباح. وقد تفاوَتَ عمر ذلك النوع من الشركات من ثلاث إلى أربع سنوات بالنسبة للبعض، ومن ١٠-١١ عامًا بالنسبة للبعض الآخر. وكان لإسماعيل أبو طاقية أكثر من شركة واحدة على مرِّ الزمن الذي مارس فيه نشاطه، كانت تضمُّ شركاء مختلفين في أماكن متعدِّدة. وكانت الشركة تدخل ضمن تركة التاجر المتوفَّى لينال الورثة نصيبهم منها، وهو أمر له مغزاه؛ لأن الشركة كانت تُعد من بين ممتلكات المتوفَّى، شأنها في ذلك شأن غيرها من المُمتلَكات الأخرى.١٥ ومن الجليِّ أن ذلك كان يُساعد الابن الذي يَرغب في متابعة نشاط والده في المجال التجاري أن يُحقِّق تلك الرغبة، وإن كان عليه أن يُواجه مشكلة تفتيت رأس المال بين عدد من الورثة.
وكانت المشاركة بالغة القيمة لما تُحقِّقه من تجميع لرأس المال، فنجد بعض التجار يُكونون شركات برءوس أموال مُتواضعة القيمة، وفي عقود الشركات التي نشرها ترنس وولز، والتي تتعلَّق بالتجارة مع بلاد السودان، نرى شركات برأس مال ١٧٥ دينارًا، و١٨٠ دينارًا، و٢٠٧ دينارات، وتضمن أحد تلك العقود مشاركة سبعة أفراد في امتلاك عدد من رءوس الإبل.١٦ وتبدو تلك المبالغ مُتواضعة جدًّا، بالنسبة للمبالغ التي شكَّلت رأس مال شركات أبو طاقية، ولكن ذلك قد يعود إلى طبيعة التجارة في المناطق التي تعامل معها التجار، وحجم الأموال التي كان باستطاعتهم توفيرها لتَستثمِر في ذلك النشاط. واختلفت الأموال التي قام أبو طاقية بتجميعها عند تكوينه لشركاته من عقد إلى آخر، فكان بعض تلك العقود يتضمن مبلغًا طائلًا من المال، وبعضها الآخر يتضمَّن مبالغ مُتواضعة. وكانت أكبر المبالغ التي استثمرها في شركاته ٩٢٠ ألف نصف١٧ و٢٢ ألف دينار (وتُساوي ٨٨٠ ألف نصف).١٨ بينما بلغت الاستثمارات المحدودة في الشركات نحو عشر ذلك المبلغ (٢٢٥٠ دينارًا، أو ٩٠ ألف نصف في عام ١٠١٦ﻫ/ ١٦٠٧).١٩ ومعظم شركات إسماعيل أبو طاقية تكوَّنت برءوس أموال تقع فيما بين أرقام هذين النموذجين.

وكان على أبو طاقية أن يوازن بين اعتبارين عند الإقدام على مشروع تجاري، شأنه في ذلك شأن غيره من كبار التجار. فكان يَحرص على الإقلال من احتمالات الخسارة، واغتنام الفرصة لتحقيق أكبر قدر من الأرباح. وقد تنوَّعت المخاطر التي واجهها التجار، بعضها جاء نتيجة كوارث طبيعية مثل غرق السفن المحمَّلة بالتجارة أو الأموال في مياه البحر الأحمر، التي اتَّسمت الملاحة فيها بالخطورة بسبب وجود الشِّعاب المرجانية. وكان بعض تلك الصعاب يتمثَّل في التعرُّض للسلب والنهب على يد عصابات البدو على الطريق البري التي قد تتسبَّب في فقدان التجار لمعظم أو بعض بضائعهم. وهناك مخاطر الخسارة في حالة تأخر وصول البضائع في الوقت المناسب، أو نتيجة تعرُّضها للرطوبة بسبب التخزين.

وكانت زيادة عدد الشركاء إلى ثلاثة أو أربعة بالشركة الواحدة، يخفف من وقع الخسارة الناجمة عن تعرُّض التجارة للمخاطر سالفة الذكر، وهو ما كان يتبع في التجارة التي تحتاج إلى رأس مال كبير، وما كان يلجأ إليه أبو طاقية. وقد استخدم أبو طاقية أيضًا أساليب أخرى، مثل تكوين عدد من الشركات في وقت واحد، مع أطراف مختلفة (رغم أن شريكه عبد القادر الدميري كان طرفًا دائمًا فيها جميعًا). ونلاحظ وجود هذه الظاهرة في المواسم التي يروج فيها العمل التجاري خلال السنة، مثل حلول مَوعد سفر قافلة الحج من القاهرة إلى مكة. فعلى سبيل المثال، في ربيع الثاني ١٠١٦ﻫ/ ١٦٠٧ استعد عبد القادر الدميري لتلك المناسبة بتكوين ثلاث شركات، وكان شريكه الوحيد في إحداها أبو طاقية (برأس مال ثمانية آلاف دينار)٢٠ وفي الشركتَين الأخريَين انضمَّ إليهما شريك ثالث هو الخواجة عثمان السنباطي، وهو تاجر حرير كان على صلة بهما، وكان له حانوت بسوق الوراقين، وجاء رأس المال متواضعًا لا يتجاوز ٢٣٠٠ دينار.٢١ وفي نفس اليوم (١٤ ربيع الثاني) كوَّنا شركة ثالثة مع شريك آخر هو الخواجة أبو السرور العمريطي، تاجر الحرير بسوق الوراقين الذي كان صديقًا لهما، بمبلغ أقل هو ١٥٥٠ دينارًا.٢٢ وبعبارة أخرى، نلاحظ أن أبو طاقية كوَّن ثلاث شركات بدلًا من أن يُكوِّن شركة واحدة برأس مال قدره ١٢ ألف دينار، كانت كلٌّ منها مُستقلة عن الأخرى مع شركاء مختلفين، حتى يتمَّ توزيع تبعة المخاطر التي قد تقع للتجارة على عدد أكبر من الشركاء، مما يُخفِّف من وطأتها. وقد وجد إسماعيل أبو طاقية في «عقد الشركة» مجالًا كافيًا لتوظيف بنوده لخدمة مصالحه، وكانت مُشاركته لصديقه وزميله عبد القادر الدميري تقوم على قدم المساواة، فكانا يَتشاركان في رأس المال والأرباح بأنصبة متساوية، وكان لكلٍّ منهما حق اتخاذ القرار حسبما يراه فيما يتعلَّق بالبيع والشراء والأسعار التي يتم التعامل بها. ولكن عندما كانت الشركة تضمُّ طرفًا ثالثًا، وخاصة بعض التجار ذوي الآفاق المُتواضِعة، أو بعض التجار الذين تعاملوا معهم أحيانًا في صفقات معيَّنة، مثل السنباطي والعمريطي؛ فقد كانت الترتيبات التي تُنظِّم عمل الشركة تتَّخذ شكلًا آخر؛ إذ استخدمت آليات أخرى لتحديد تصرفاتهم. وأضاف أبو طاقية بنودًا معيَّنة خاصة بأحد الأطراف في أحد تلك العقود، فسمح للعمريطي — مثلًا — أن يبيع بالأجل بضائع في حدود ألفي نصف، بينما لم يسمح للسنباطي أن يبيع بالأجل، كما لم يكن لهما حق التعامل في مبالغ مالية كبيرة. وكانت تلك وسيلة أبو طاقية لمواجهة ما قد ينجم عن نقص الكفاية أو سوء النية من تصرفات من جانب الشريك. ورغم أنهم جميعًا كانوا شركاء في العقد إلا أنهم لم يكونوا أسوياء، وكان الطرف الأقوى هو الذي يفرض شروطه على الشركاء الآخرين، وبعبارة أخرى كان «عقد الشركة» يتواءم مع ظروف أبو طاقية. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يُبرم أبو طاقية مُعظَم عقود شركاته بما حملته من شروط، وفق المذهب الحنبلي، وأمام القاضي الحنبلي، فقد كان لهذا المذهب موقف خاص من الشركات؛ لأنه كان يعتبر أي بند في العقد ملزمًا للطرفين ما داما قد اتفقا عليه.٢٣ ولدينا هنا نموذج للأسلوب المُناور الذي تعامل به أبو طاقية مع الأدوات القانونية حتى يُطوعها لحاجاته، ويَزيد من أرباحه، بينما يمارس نشاطه — في نفس الوقت — في إطار النظام التجاري القائم.
وقد قدَّم النظام القانوني نوعًا آخر من «عقد الشركة»، أعطى التجار المرتبطين به درجة من المرونة في تعاملهم بأموال الشركة، واستفاد أبو طاقية وشريكه الدميري من هذا النوع أحيانًا. وهذا النوع من الشركات يُمكن تسميته «بالشركة الفرعية»، وهو عبارة عن شركة تقوم على هامش الشركة الكبرى الأصلية؛ حيث يكون باستطاعة أحد الشركاء في عقد الشركة الكبرى استخدام جانب من رأس المال الذي شارك به في تلك الشركة لتمويل عقد مشاركة مع طرف ثالث. وبالنسبة لأبو طاقية، كانت هذه الصيغة مُفيدة من ناحيتين؛ أولاهما، تحقيق هدف تقليل المخاطر بتوسيع نطاق الشركاء، فمن أموال شركة كونها أبو طاقية مع الدميري خصص مبلغ ألفي قرش (٦٠ ألف نصف) من رأس المال المشترك (الذي لا تُحدد الوثيقة قيمته) ليقوم عبد القادر الدميري باستخدامه في تكوين شركة أخرى مع شريكَين آخرين، دفع كل منهما مبلغًا مساويًا لما دفعه التدميري.٢٤ وثانيتهما، إتاحة الفرصة لأبو طاقية لتَجربة مجال تجاري جديد في تجارة الهند، لم يسبق له الدخول فيه، فلم يعمل في هذا المجال قبل عام ١٠٠٦ﻫ/ ١٥٩٧م، بما يقتضيه ذلك من الحرص على عدم تحمل المخاطر وحده. ومن هنا كان اللجوء إلى صيغة الشركة الفرعية. وكان أبو طاقية قد كون شركة أصلية مع الخواجة علي الوفائي برأس مال قدره ٩٢٠ ألف نصف. وفي السنة التالية، استخدم شريكه مبلغ ٤٦٢٠ دينارًا من أصل رأس المال (٢٠٧ آلاف نصف) لتكوين شركة أخرى فرعية مع شركاء آخرين أثناء وجوده بمكة للإتْجار بين مكة وجوا.٢٥ وبذلك تحمَّل إسماعيل نصيبًا محدودًا من مَخاطر التجارة مع الهند التي قد تكون من نصيب شركاء تلك الشركة الفرعية. وعندما آتَت مُحاولة التجارة مع الهند أُكلها، كوَّن أبو طاقية شركة أخرى بعد بضع سنوات، برأس مال كبير قدره ٢٢ ألف دينار (٨٨٠ ألف نصف)، أدارت أعمال شبكته التجارية بالهند.٢٦ وبذلك نرى كيف استخدم أبو طاقية آليات صيغة الشركة لفَتح مجالات تجارية جديدة، وكيف طوعها لخدمة مَصالحه التجارية.
وإلى جانب الإطار الشرعي الذي وفرته عقود الشركات للنشاط التجاري، قدمت أيضًا مزايا اقتصادية مُعينة للمرتبطين بها، لأنها وفرت فرصة إعادة الاستثمار أي تدوير الأرباح. وأغلب الظن أنه عندما كانت تتمُّ تسوية عمليات إحدى تلك الشركات، بعد بيع البضائع، وتحقيق الأرباح، وتوزيعها على الشركاء، كان يُعاد استثمار الأرباح إما بنفس الشركة أو من خلال شركة جديدة يتمُّ تكوينها لاستثمار رأس المال الأصلي والأرباح التي تمَّ تحقيقُها. وعلى سبيل المثال، قام أبو طاقية وشريكه أبو بكر الدميري عام ١٠١٥ﻫ/ ١٦٠٦م بفسخ عقد شركة كان رأسمالها عشرة آلاف دينار، سبَق أن قاما بتكوينها عام ١٠١٠ﻫ/ ١٦٠١م، ثم كوَّنا شركة جديدة برأس مال قدرُه ٢٢ ألف دينار.٢٧ بزيادة قدرها ١٢ ألف دينار عن رأس مال الشركة الأولى، ممَّا يوحي بأنها ربما كانت أرباحًا حقَّقتها الشركة الأولى، أعيد استثمارها من جديد. وفي مثال آخر، نجد مبلغًا كبيرًا من المال يُضاف إلى رأس مال شركة قائمة بالفعل. فقد كوَّن أبو طاقية في عام ١٠١١ﻫ/ ١٦٠٢م شركة بينه وبين عبد القادر الدميري والأخوَين إبراهيم وعثمان السنباطي، كان رأسمالها ٦٦ ألف نصف، وبعد ذلك بعام واحد، زيد رأس المال إلى ٨٧ ألف نصف — ربما بإضافة الأرباح إليه — ونص في العقد الجديد على أن تظلَّ بقية أحكام العقد الأصلي سارية المفعول.٢٨

والأغراض المُتنوِّعة التي خدَمتها عقود الشركات جديرة بأن نُوليها اهتمامًا خاصًّا، في ضوء حقيقة وجود كتابات كثيرة تتحدَّث عن صرامة الشريعة الإسلامية، وعدم قابليتها للتوافق مع الأوضاع المختلفة. فتجربة تجار القرن السابع عشر، الذين أداروا قسطًا كبيرًا من تجارتهم داخل إطار النظام القضائي، تجعلُنا نخرج باستنتاجات مختلفة تمامًا عما جاء بتلك الكتابات عن تلك المسائل؛ إذ تُبيِّن لنا الوثائق التجارية الخاصة بأبو طاقية أن النظام الشرعي القائم كان يَتواءم مع مختلف الأوضاع التجارية، ولم يكن مجرد مجموعة من القوانين الصارمة المفروضة التي كانت تستهدف خنق التجارة. ولا شك أن الطريقة التي استخدم بها أبو طاقية الإطار القانوني، لم تكن مماثلة تمامًا للطريقة التي لجأ إليها غيره من التجار؛ من حيث اختيار المذاهب الفقهية، والأسلوب الذي اتبعه للتحكُّم في تصرفات شركائه. غير أن النظام الشرعي لم يكن عقبةً تَقف في طريق العمل التجاري، بل كان — على نقيض ذلك — إطارًا لجأ إليه أبو طاقية وغيره من التجار، تحوَّل على أيديهم إلى ركيزة للعمل التجاري.

ويبدو أن مُعظَم استثمارات أبو طاقية اتخذت شكل الشركات، ولكنه كان يلجأ أحيانًا إلى إبرام اتفاقات أقل تمتُّعًا بالصفة الرسمية، وخاصة مع أقاربه. ولدينا — على سبيل المثال — اتفاقية غير رسمية أبرمها أبو طاقية أثناء مرضِه عام ١٠٣١ﻫ/ ١٦٢١م الذي كان يخشى أن يؤدي إلى وفاته، فاستدعى أحد موظفي المحكمة إلى بيته ليُسجل كتابة ما كان يبدو أنه اتفاق شفوي بينه وبين أحمد بن عريقات، ابن شقيقته وصهره، فأعلن أبو طاقية أمام مندوب المحكمة أن لأحمد الحق في ربع البضائع والسِّلع والأموال والديون التي على فضلي باشا — والي اليمن — وأحمد باشا — والي ولاية الحبش — فإذا مات إسماعيل أبو طاقية قبل أن يقوم الرجلان بتسوية حساباتهما، أصبح باستطاعة أحمد عريقات أن يحصل على نصيبه منها.٢٩

(٣) تنظيم الشبكة التجارية

لقد سعى الباحثون سعيًا حثيثًا — دون جدوى — بحثًا عن المنظَّمة أو المؤسسة التي كانت تتخصَّص في تنظيم التجارة تخصُّصًا تامًّا. وليس لدينا دليل على وجود مثل تلك المؤسسات، غير أننا لا نَستطيع أن نستنتج من ذلك أن التجار لم يُحاولوا التخلص من الهياكل التنظيمية المتاحة عندئذٍ، سعيًا لتحسين الأداء التجاري. وجدير بنا أن نتعرَّف على الهياكل التنظيمية التي وُظِّفت لخدمة التجارة، بدلًا من البحث عن مؤسسات لم يكن لها وجود. فقد اعتمدت تجارة أبو طاقية اعتمادًا كبيرًا على الاتفاقات التعاقدية المبرمة بين طرفين أو عدة أطراف، حددت الطريقة التي كان يتم بها توزيع النشاط التجاري بين الشركاء، وتحديد المناطق الجغرافية التي يتولَّون مسئوليتها، وكان ذلك يتم — في الواقع — من خلال عقد الشركة التي تتجمَّع فيها رءوس أموالهم. كما حددت العقود أيضًا مسئوليات الشركاء، فكانت بذلك أداة مالية. ويبدو أن تلك الصيغة كانت نافعة في تجارة البحر الأحمر على وجه الخصوص، تلك التجارة التي شكَّلت قطاعًا هامًّا في شبكة أبو طاقية التجارية، وكان لها وزنها الكبير لارتباطها بالطريق التجاري.

وقامت عقود الشركات التي كوَّنها أبو طاقية بتَغطية عدد من الأمور الروتينية المتصلة بالتجارة تَتفاوَت من حيث الأهمية، ومن الواضِح أنَّ أولئك التجار حرصوا على تنظيم أسلوب العمل بطريقة رسمية مُلزِمة بدلًا من ترك هذه المسائل للصدفة. ولذلك حدَّدت معظم مسئوليات كل طرف في الشركة تحديدًا واضحًا، ولكنَّنا نستنتج أن التجار الذين كانوا يتعاملون معًا كانوا يَعتمدون على توفر درجة معينة من الثقة، رغم وجود العلاقة التعاقدية القانونية؛ وذلك للحدِّ من الأخطار التي يتعرَّضون لها.

وبمُجرَّد قيام الشركة وتجميع رأس المال، يُحدد العقد ما يتم عمله به. وكان ينصُّ عادة على قيام أحد الشركاء باستخدام المال في شراء بضائع من السوق المحلية كالأقمشة المصرية، والسكَّر المكرر، والورق، ليحملها معه إلى جدة أو مخا. وقد يضيف الشريك المتجه إلى دمشق — إلى تلك البضائع — الفلفل والبن.٣٠ وأحيانًا كان رأس المال كله يُعطى لأحد الشركاء؛ ففي ١٠١٢ﻫ/ ١٦٠٣م عقد إسماعيل أبو طاقية وشريكه عبد القادر الدميري شركة مع الخواجة أبو النصر الطرابلسي، أُعطيا له بموجبها رأس المال الذي بلغ ١٢ ألف قرش (١٦٠ ألف نصف) ليَحمله معه إلى مكة وجدة ضمن قافلة الحج في ذلك العام.٣١ وكان سفره على هذا النحو، حاملًا المال معه، يُعد مخاطَرة جسيمة، لاحتمال التعرض للسلب والنهب، على يد البدو الذين كانوا يُغيرون على القوافل. ولا نجد تفسيرًا للأسباب التي دعت إلى ذلك، وعدم اللجوء إلى استخدام السفتاجة وهي كلمة فارسية (الكمبيالة) كأداة للتعامل بدلًا من حمل الأموال، وخاصَّة أن المجتمع عندئذ كان معنيًّا بتسجيل كل المعاملات كتابة حتى إنَّ الدين كان ينقل على الورق إلى طرف ثالث. وقد أقرَّت الشريعة الإسلامية تلك التصرُّفات، وكانت سائدة في المنطقة منذ زمن بعيد، على نحو ما نعرفه من دراسة جويتين للعصرَين الفاطمي والأيوبي،٣٢ وحيث كانت السفتاجة تستخدم لتلافي مخاطر حمل الأموال. ولاحظ أندريه ريمون نفس الشيء في القرن الثامن عشر، وفسَّره بالحاجة إلى تصدير المسكوكات.٣٣ ومهما كان الأمر، فإنَّ نقل الأموال بتلك الطريقة التي تحفُّ بها المخاطر، كان من بين السلبيات الخطيرة للنظام التجاري عندئذٍ.
figure
تجار من بدو البحر الأحمر.
وكانت العقود تُحدِّد دائمًا الشريك الذي يُسافر للاتِّجار لحساب الشركة، والوجهة التي يقصدها، وأحيانًا كانت تحدد الوسيلة التي يَنتقِل بها. وكان المسافرون من القاهرة إلى جدة يصلون إليها عن طريق عجرود ونخل والعقبة ومويلح وينبع، وهي رحلة كانت تستغرق ما يزيد قليلًا عن ثلاثة أشهر.٣٤ أما طريق البحر فكان يتمُّ عبر البر إلى السويس ثم بالسفن من السويس إلى جدة، وهي رحلة كانت تستغرق أسبوعين من السويس إلى جدة، وشهرًا واحدًا عند العودة من جدة إلى السويس بسبب الإبحار عكس اتجاه الريح.٣٥ وكان نقل البضائع بالبر أكثر كُلفة، ولكن طريق البركان الطريق المعتاد ارتياده أحيانًا. لأنَّ الإبحار في البحر الأحمر كان صعبًا بسبب الرياح الموسمية التي أدت إلى تعطيل الملاحة لما يقرب من نصف العام. وكانت تَرِد بعقود الشركات دائمًا بنود تنص على أن يقوم الطرف المسافر للاتِّجار بإرسال البضائع برًّا أو بحرًا حسبما يتراءى له. وبالنسبة للتجارة مع اليمن، كانت هناك سفينة تقطع الرحلة مرة واحدة سنويًّا بين السويس ومخا. وفي عقد شركة أُبرم بين أبو طاقية والدميري ومصطفى الصفدي، جاء النص في أحد البنود على أن يقوم الصفدي بنقل السكر والورق والمنسوجات المصرية المشتراة من السوق المحلية إلى مخا على «المركب مجاهد» في رحلة الذهاب، وعلى «المركب منصوري» في رحلة الإياب.٣٦
ومن أطرف الترتيبات التي ذُكرت في عقد الشركة، الطريقة التي وُزِّعت بها المسئوليات بين الشركاء على المستوى الإقليمي، ونجد تفاصيلها من حين لآخر في العقود. وكان أحد تلك الترتيبات ما تمَّ بين أبو بكر الدميري وإسماعيل أبو طاقية عام ١٠١٥ﻫ/ ١٦٠٦م، فنص على أن يسافر أبو بكر إلى مكة حاملًا معه البضائع التي تمَّ شراؤها برأس مال الشركة. وحدد له عددًا من الأمور التي عليه أن يقوم بها في مكة، فكان له مُطلق الحق في بيع تلك البضائع وشراء سِلَع أخرى من السوق هناك، وشحنها إلى إسماعيل بالقاهرة. كما كان عليه أن يقوم بشحن البضائع من مكة إلى اليمن والهند. وتولى أبو طاقية مسئولية العمل بالقاهرة والإسكندرية ورشيد، وموانئ البحر المتوسط، التي كان عليه أن يُصدِّر إليها البضائع التي تَرِد من شريكه بمكة. وبذلك كان كل واحد منهما مسئولًا عن إقليم معين. ومن الواضح أنه كان من المتوقع أن تستغرق رحلة أبو بكر إلى مكة بعض الوقت؛ فقد نصَّت بنود عقد الشركة على أن يستخدم كل منهما الوكلاء والمعاونين لإدارة دفة العمل، وإعداد البضائع التي يتم تصديرها في بالات أو جوالات، وأن يَصحب البضائع خلال الرحلة. وبعبارة أخرى، كان على كل واحد منهما أن يتولَّى أمور الشركة في موقعِه. وأن يلحق بالعمل معه مَن تدعو الحاجة إلى استخدامهم.٣٧ وسنَذكر فيما بعد الطريقة التي كانت تتمُّ بها إدارة بعض الأعمال، كما جاءت بإحدى الوثائق. وقام إسماعيل أبو طاقية من جهته بإعداد شحنة اشتملت على ٢٤ حملًا من المرجان والسكر والبضائع الأخرى لإرسالها إلى مكة (قدرت قيمة كل حمل منها ﺑ ٢١ دينارًا). يَحتمل أن تكون قد أرسلت برًّا،٣٨ واستمرَّ تبادل الشحنات في الاتجاهَين على هذا النحو.

ويُشير ذلك إشارة واضحة إلى أنَّ التجار أمثال عبد القادر الدميري وابن عمه أبو بكر، الذين تنقَّلوا بين القاهرة ومكة أو جدة، لم يكونوا مجرَّد تجار جائلين أو تجار سفارين يَبيعون بضائعهم الخاصة أو بضائع لحساب غيرهم من التجار. فالقاعدة التجارية التي استندوا إليها في مكة كانت تُوازي تلك التي أقامها أبو طاقية في القاهرة، أو لعلَّها كانت أصغر منها قليلًا؛ إذ كانوا يشترون ويبيعون البضائع، ويُعدون الشحنات لإرسالها إلى مختلف الجهات كالقاهرة واليمن والهند، ووظَّفوا أفرادًا لديهم للقيام بمختلف الأعمال؛ أي إنهم كانوا يمثلون مصالح الشركة في مكة، وسجلت أعمالهم ومهامهم كتابة على الورق.

وعندما يَنتهي أجل الشركة، كان يتمُّ توزيع الأرباح على المشاركين وَفْق حصصهم في رأس المال، وذلك أمام المحكمة، من خلال إجراءات فسخ العقد التي تتضمَّن الوفاء بما جاء به من التزامات. وكان اقتسام الأرباح بالتَّساوي يمثل غبنًا للشريك الذي تحمل مشاق السفر، حتى وإن كانت الشركة قد تحمَّلَت نفقات سفره وإقامته؛ لأنه وحده كان عرضة للأخطار المقترنة بالسفر، تاركًا أسرته وراءه بالقاهرة. ويبدو أن تعويض تلك التضحيات ماديًّا لم يكن في الحسبان إلا في حالات معدودة. وعندما كوَّن أبو طاقية شركة مع أبو بكر الدميري، أقرضه ألف دينار (٤٠ ألف نصف)، في كل سفرة من السفرتين اللتين قام بهما، ونصت الوثيقة الخاصة بالقرضَين أن يحتفظ الدميري لنفسه بالأرباح الناجمة عن استثمار القرض.٣٩ وربما كان التعامل أكثر يُسرًا بين أبو طاقية وشريكه الآخر، عبد القادر الدميري، فلم يُقدِّم له قرضًا إلا مرة واحدة، وكانت قيمته متواضعة (١٢ ألف نصف). ٤٠

ولم يكن ذلك النمط من التنظيم فعَّالًا بنفس الدرجة في كل مكان؛ فقد شاع أتباعه في محور القاهرة — مكة — جدة، وأحيانًا طبق في تجارة مدن الشام التي كانت من المراكز الرئيسية للعمل التجاري؛ إذ اتَّسمت الحركة على محور مصر — الحجاز بالكثافة ووفرة الربح، مما يفسر قضاء عبد القادر الدميري أو أبو بكر الدميري فترات طويلة هناك، كما يُفسر إقامتهما لشبكة تجارية هناك، ضمت المعاونين والوكلاء. ولعلَّ الهياكل التنظيمية للتجارة هناك كانت تُناظر تلك التي كانت موجودةً بالقاهرة. ورغم ندرة المعلومات عن الهياكل التجارية بالحجاز، فإن الوثائق الشرعية التي أصدرَتْها محاكم القاهرة كان معترفًا بها هناك؛ إذ كان باستطاعة الدميري أن يتصرَّف في مكة أو جدة باعتباره مُمثلًا للشركة، فيدخل في شركات مع أطراف أخرى، ويتسلَّم أو يَشحن البضائع باسم الشركة، استنادًا إلى ما بيده من وثائق قانونية صدرت بالقاهرة.

ولكن نظرًا لامتداد تجارة أبو طاقية إلى خارج حدود الدولة العثمانية، بل وخارج حدود دار الإسلام، فإن تلك الوثائق القانونية كانت أقل حُجية هناك، ولعلَّ التجار وجدوا أنفسهم في حاجة إلى البحث عن وسائل وأدوات أخرى لممارسة نشاطهم في تلك البلاد. ولكننا لا نعرف شيئًا عن ظروف التعامل التي ارتبطت بكل قطاع من قطاعات تجارة أبو طاقية الخارجة عن الولاية القضائية الإسلامية، حتى نقف على السمات المُختلفة للهياكل التنظيمية للتجارة في تلك البلاد.

وكان التوكيل أحد الأدوات القانونية الأخرى التي استخدمها التجار المُشتغلون بالتجارة الدولية، وهو أكثر مرونةً من عقد الشركة، وكان باستطاعة التجار استخدامه بطرق مختلفة. وقد يحدد التوكيل عملًا معيَّنًا يقوم به الوكيل نيابة عن موكله. وعلى سبيل المثال، قام ياسين أبو طاقية عند سفره إلى مكة، بتوكيل أخيه إسماعيل بتحصيل قيمة الديون المستحقَّة له عند آخرين، وبيع وشراء البضائع نيابة عنه.٤١ وقد يُعطي التوكيل للوكيل حق التصرُّف المُطلَق نيابة عن الموكل دون تخصيص.٤٢ فكان باستطاعة التاجر المُسافر الذي يَحمل مثل هذه الوثيقة أن يمثل جميع مصالح موكله في المنطقة التي يتوجَّه إليها، بما في ذلك البيع والشراء وتصدير البضائع، دون حدود.
وقد يَصدُر التوكيل لصالح تاجر من ذوي الخبرة، وافَقَ على العمل نيابةً عن تاجر آخر خلال سفره، إضافة إلى إدارته لتجارته الخاصة. فقد أقام آل الرويعي دعوى أمام المحكمة ضد الخواجة أحمد الصواف، الذي كان مُستقرًّا بجدة، وادَّعى أن بيده «توكيلًا مطلقًا» وأن له الحق في الحصول على ٥٪ من كل البضائع التي تاجَرَ بها لصالح آل الرويعي.٤٣ وقد يَصدُر التوكيل لصالح أحد العاملين عند التاجر مقابل أجر. ولكن بالنسبة لأبو طاقية، لا يبدو أنه قد وكَّل أحدًا من التجار نيابة عنه، ومن المُحتمَل أن يكون قد اقتصر على توكيل العاملين لديه، أو بعض عتقائه في ممارسة أعمال بعينها نيابة عنه.
وكان لإسماعيل أبو طاقية «وكلاء» في مختلف البلاد يرعون مصالحه، فتولى الحاج محمد عز الدين بدير (الذي لا نعرف عنه إلا القليل) الوكالة عن إسماعيل أبو طاقية بكانو، كما كان الحاج رجب الحموي وكيلًا له بإستانبول، وكان أحد عتقائه وكيلًا له بمخا. وعند موت إسماعيل، قام ورثتُه بتوكيل الحاج أبو بكر الجبلاوي للسفر إلى مخا لحَصرِ السلع والبضائع والديون التي تخصُّ أبو طاقية هناك، مقابل الحصول على عُشرِ ما يستطيع استعادته منها.٤٤ وكان أبو طاقية يرسل الوكلاء إلى مختلف أرجاء مصر، إلى الأقاليم التي تعامَل معها تجاريًّا، وبذلك أقام شبكته التجارية داخل البلاد من خلال أولئك الوكلاء، في الريف والحضر، وخاصة منطقة الدلتا؛ ومِن ثم لعب الوكلاء دورًا هامًّا في إدارة دفة شبكته التجارية.
ويُعد تعامل أبو طاقية مع البندقية بالغ الأهمية؛ لأننا لا نعرف إلا القليل عن الشبكات التجارية التي أقامها التجار المسلمون في أوروبا، فمِن المُسلَّم به عامة أن البنادقة تولوا نقل التجارة بين الشرق والغرب، وتبعهم في ذلك التجار الهولنديون والفرنسيون. ولا نعرف إلا القليل عن دور التجار المسلمين في تلك التجارة، كما أنَّ برودل Braudel يذكر أن التجار «الشرقيِّين» بدءوا يُكوِّنون مُستوطنات تجارية خاصة بهم في الموانئ الإيطالية الواقعة على البحر الأدرياتيك في القرن السادس عشر، وأنه كان هناك فندق في أنكونا للتجار الأتراك وغيرهم من المسلمين. وعند نهاية القرن السادس عشر، كانت للتجار الشرقيِّين جاليات بالبندقية، وفيراره، وأنكونا، وبيزا، ونابلي.٤٥ ويَعني ذلك أن المجال الجغرافي لعمل تجار الشرق الأوسط امتدَّ ليشمل المراكز التجارية الساحلية في إيطاليا خلال تلك الحقبة، وهي ظاهرة بالغة الأهمية، ليس لدينا دليل على وجودها قبل العصر العثماني، والتي نأمُل في التوصُّل إلى معلومات أوفر عنها. ويُلقي نشاط أبو طاقية والتجار من أبناء جيله الضوء على تلك الظاهرة.
figure
الحياة التجارية في إحدى وكالات القاهرة.
والواقع أن التنظيم التجاري الذي أقامه أبو طاقية مع البندقية كان أقل انضباطًا؛ إذ يبدو أنه لم يستخدم صيغة الشركة أو الوكالة، فكان يعتمد في جلب السلع من هناك على التجار اليهود الذين يُسافرون إلى البندقية، وتم ذلك من خلال ملتزم الجمارك اليهودي وبمعونته. كذلك كانت البضائع التي يقوم بتصديرها إلى البندقية تتمُّ بمعرفتهم. وقد وقفنا على تلك العلاقة من خلال الوثائق المُبرمة بين أبو طاقية والمعلم سلمون بن داود بن سلمون — مُلتزم جمرك الإسكندرية — الذي أقر أنه قد تسلم المستحقات عن البضائع التي طلبها أبو طاقية من البندقية، وأحضرها الأخوان نهارون وشوعاء.٤٦ ولا تُوضِّح الوثيقة الترتيبات التي تمَّت بينهما فيما يتعلَّق بتلك الصفقة، التي ما كادت تتمُّ حتى استصدرا من المحكمة وثيقةً تُفيد وفاء كل طرف بالتزامه قبل الآخر. وكان التجار الآخرون من أبناء جيل أبو طاقية يُنيبون عنهم التجار البنادقة القادمين إلى القاهرة لبَيع وشراء السلع لحسابهم في البندقية.
وجملة القول، إنَّ بعض مظاهر التنظيم قد أضيفت على الشبكات التجارية، أكسبتها طابع المؤسسة، على حين افتقَرَت شبكات أخرى إلى ذلك التنظيم؛ إذ كانت تتمُّ معاملات كثيرة في ميدان التجارة دون عقود. وقام أبو طاقية باستخدام العتقاء من عبيده لإدارة أعماله التجارية مثل غيره من التجار، فكانوا يُسافرون مع البضائع على نحو ما كان يفعل الحاج حمدون بن عبد الله الحبشي. ولا نعرف عن تلك المعاملات غير الرسمية إلا عندما يحدث اختلاف بشأنها. فعندما مات حمدان بمخا، مثلت أرملته المقيمة بالقاهرة إلى المحكمة (أو طُلب منها ذلك). لتُقرَّ بأن جميع البضائع التي كانت في عهدة زوجها المُتوفَّى تخص أبو طاقية، وأنه ليس لها حقوق فيها.٤٧

(٤) التبادل التجاري وتصريف السلع

كان إسماعيل أبو طاقية يقضي معظم يوم العمل في السوق، إما بإحدى وكالاته، حيث كانت الحواصل التي يُودع بها بضائعه، أو بأحد حوانيته التي كان يستأجرها بسوق الوراقين، ثم زاد بعد ذلك عملُه في وكالته. وهناك كان يستقبل عملاءه من القاهرة أو مصر، والأجانب المارِّين بالقاهرة، والذين كانوا يأتون لبيع وشراء البضائع. ولما كانت القاهرة مركزًا رئيسيًّا لتصريف السلع، فقد اتَّسم النشاط — الذي كان يَجري بالسوق أو الوكالة — بالكثافة في أغلب الأحوال.

figure
الشيالون في أحد الأسواق في انتظار الزبون.
وكانت الوكالات — ذات المباني الضخمة والتي ما زالت تُزين الشارع التجاري الرئيسي بالمدينة القديمة — ذائعة الصيت لما لعبته من دور هام كمركز لتصريف السلع. وقد كان يتوسط الوكالة فناء، تُحيط به الحواصل التي تُخزن بها البضائع، وكانت تلك الحواصل تؤجر للتجار ليُودعوا بضائعهم بها وأحيانًا كانوا يبيعونها من هناك، وفوق تلك الحواصل كانت تقع وحدات السكن، وغرفة أو غرفتان للسِّلع، أُجِّرت جميعها للراغبين في ذلك، كانت تُخصَّص لإقامة التجار الذين يأتون من بلاد بعيدة لعقد الصفقات التجارية (تجار الترانزيت). ولدينا رواية شاهد عيان هو الرحالة يوهان فيلد Johann Wild — الذي عاصَرَ أبو طاقية، والذي يُعطينا صورة حية عن التجارة في الوكالات من خلال موقعه كعبدٍ لأحد التجار، فيقول أنه بمُجرَّد أن يَشيع خبر وصول التجار حاملين بضائعهم يأتي الوسطاء لفحص البضائع متنقلين من حاصل إلى آخر داخل الوكالة، يسألون عن المعروض من السِّلع، ويستعلمون من كل من يقابلهم من التجار عن البضائع التي يُنْوَى شراؤها، ثم يجمعون — بعد ذلك — البائعين والمشترين معًا، ويَصحبون من يرغب في الشراء إلى الحواصل ليَفحص البضاعة بنفسه، فإذا تمت الصفقة، كان من نصيبهم الحصول على عمولة محددة.٤٨
figure
محل تجاري بالقاهرة.

وفي الواقع قدَّمت الوكالات عددًا من الخدمات الأساسية للتجار المُرتحِلين منهم والمقيمين على حدٍّ سواء. فكان باستطاعة أي تاجر يحلُّ بالقاهرة لأول مرة دون أن يكون على معرفة بها، أو بأحدٍ من تجارها، أن يتوجَّه مُباشرة إلى إحدى الوكالات؛ حيث يجد مكانًا مُتاحًا لتخزين بضاعته، وآخر لإقامته. وأثناء النهار يَمتلئ فناء الوكالة بأناس يُقدمون للتجار مختلف الخدمات؛ فالسماسرة والدلَّالون يَجمعون بين الراغبين في البيع والشراء، لذلك كانوا أول من يلجأ إليهم التجار بحثًا عن الزبائن. ويتولَّى الصيارفة مهمَّة صرف العملات، والقبانيون وزنَ البضائع عندما يتم عقد صفقة بين البائع والمشتري. وبمجرَّد انتهاء تلك المرحلة، يأتي دور نقل البضائع عن طريق الحمَّالين أو البغال أو الإبل، وهي خدمة تتوفَّر أيضًا في فناء الوكالة تُقدم للتاجر الوافد خدمات كافية، تعينه على إنجاز عمله، دون الحاجة إلى التنقل خارجها.

وبالطبع، كانت الوكالة تُتيح تلك الخدمات الضرورية للتجار المقيمين بالقاهرة أيضًا. ولعبت الوكالة دورًا هامًّا كمكانٍ لتبادل الأخبار والمعلومات عن السلع المتاحة وتلك النادرة في ذلك الوقت من العام، إضافة إلى دورها كمكانٍ لالتقاء التجار القادمين، وأولئك الذين يتأهَّبون للرحيل إلى مكان آخر.

واعتمدت درجة كثافة التجارة — إلى حدٍّ ما — على العوامل الموسمية، مثل طلعة الحج، ورجعة الحجيج، كما اعتمدت كذلك على مواسم الملاحة في البحر الأحمر. وينسحب نفس الشيء على تجارة القوافل عبر الصحراء الكبرى التي جَلبَت إلى القاهرة بضائع القارة الأفريقية. وطوَّع التجار عملهم ليتواءم مع ظروف زيادة أو قلة النشاط التجاري؛ فقد كانت تجارة أبو طاقية حافلة بالحركة قبل طلعة الحج؛ حيث يتم شراء السلع محليًّا، وتخزينها مؤقتًا، أو تعبئتها استعدادًا للرحلة الوشيكة. فكانت تعد القوائم ثم السلع التي سيتم تسليمها للشركاء المسافرين صحبة قافلة الحج، ولا بد أن يكون إنجاز تلك الأعمال قد تطلَّب تشغيل عدد من العمال المهرة وغيرهم، ثم يدبُّ النشاط مرة أخرى في العمل التجاري مع عودة قافلة الحج وما يُجلب بصحبتها من بضائع مثلًا، أو عند إعلان وصول إحدى السفن إلى السويس.

كذلك تتفاوَت الأسعار بتفاوت الحركة والسكون في أسواق القاهرة، فإذا وصلت شحنة كبيرة من التوابل إلى ميناء السويس، هبطت أسعارها، أما إذا أشاع التجار القادمُون من جدة أن السلعة غير مُتوفرة، فإنَّ أسعارها تقفز قفزات كبيرة. ولما كانت السِّلع القادمة للقاهرة تصلها من السويس على ظهور الإبل بكميات كبيرة، اتجه التجار إما إلى البيع مباشرة. أو الانتظار حتى تحين اللحظة التي يُمكن أن يُحقِّق التاجر فيها ربحًا أكبر، إذا كان مركزه المالي يسمح بالانتظار. وكان أثرياء التجار وحدهم هم الذين يتمهَّلون في البيع، بينما كان التجار الآخرون لا يقدمون على ذلك لحاجتهم إلى المال، فيطرحون البضائع للبيع عند وصولها إلى القاهرة.

وكان البيع يتمُّ إما نقدًا أو بالأجل حسب الأحوال، فالبيع نقدًا أسرع السُّبُل لتحقيق الربح، بينما البيع بالأجل يجعل اجتناء الربح أقل إيقاعًا، وإن كان ارتفاع السعر — في تلك الحالة — واردًا. وكثيرًا ما كان إسماعيل أبو طاقية يَبيع بضاعته لأجل، وعندئذ كان يصحب عميله إلى محكمة الباب العالي لتسجيل الصفقة وشروطها في سجلات المحكمة كوسيلة لضمان حقِّه إذا تقاعس المشتري عن السداد، وخاصة أن قيمة تلك الصفقات كانت كبيرة، فبلغ بعضها ألف دينار (٤٠ ألف نصف) — مثلًا — ثمنًا لشراء ٥٢ قنطارًا من الفلفل عام ١٠١٤ﻫ/ ١٦٠٥م،٤٩ أو ١٥٠٠ دينار ثمنًا لتوابل متنوعة وبُن باعه للحاج محمد الحناوي التاجر السفار.٥٠ وكان عقد الصَّفقة يتضمَّن تحديد تاريخ السداد، أو مقدار الأقساط وموعد سدادها، وإن لم يكن الالتزام بتلك الشروط مضمونًا رغم كل تلك الاحتياطات. ولعلَّ تاجرًا كبيرًا كأبو طاقية قد وجد أن بيع جانب من البضائع — التي تَرِد إليه في شحنات كبيرة — بالأجل يُحقِّق له ربحًا أكبر. وكانت المحكمة تَقضي — أحيانًا — بسجن التاجر الذي يَعجز عن سداد دينه، ولكنَّ إجراءً كهذا لا يحلُّ المشكلة بالنسبة للدائن الذي يُريد استرداد ماله. وقد تُلزم المحكمة المدين — أحيانًا أخرى — أن يدفع تعويضًا للدائن؛ فقد أخذ أبو طاقية بيت أحد عملائه، ويُدعى سيد شريف حسن، عوضًا عن دَين قدره ٣٠٠ قرش، وذلك عام ١٠٢٥ﻫ/ ١٦١٥، فباع البيت بمبلغ ٤٠٠ قرش، ودفع الفرق للمدين.٥١ وفي حالة أخرى حصل أبو طاقية وشريكه عبد القادر الدميري على جارية بوسنية عوضًا عن دَين مُستحَق لهما عند أحد العملاء.٥٢ ولكنَّ الدافع الأقوى الذي جعل التاجر المدين حريصًا على سداد دينه، كان الحرص على الاستمرار في عمله، وليس مجرَّد الخوف من صدور حكم ضده، مع ما اتَّسم به النظام القضائي من كفاية. ولما كانت مُعظَم أعمال أبو طاقية في مجال تجارة الجملة، فقد كان تعامله مع عديد من التجار على اختلاف مَراتبهم وأحجام تجارتهم، وخاصة أولئك الذين لم تكن لهم شيكات تجارية، أو كان رأسمالهم محدودًا، فكانوا يَشترون البضائع منه ليتاجرون بها سواء بالقاهرة أو غيرها من المدن المصرية التي يَرتحلون إليها.

الخلاصة

ونستطيع أن نستخلص الكثير مما سبق، فربما لم يكن هناك تجديد ذي بال في الأسلوب الذي مارس به أبو طاقية — والتجار من أبناء جيله — عملهم. ويبدو أن الأدوات والآليات التي وفَّرتها سجلات المحاكم (الشركة — التوكيل — البيع بالأجل) كانت مُماثلة لتلك التي وجدها جويتين في وثائق الجنيزة التي تَرجع إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر. ويدلُّ ذلك دلالة واضحة على الاستمرارية، رغم وجود فاصل زمني يمتدُّ إلى ستة قرون. أضف إلى ذلك أن عقود الشركات والتوكيلات كانت تتم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية؛ ومن ثم يمكن اعتبار النظام التجاري في تلك الحقبة نظامًا تقليديًّا. غير أن ذلك لا يعني ثبات الوضع على ما كان عليه، وأنه لم يحدث أي تغيير عبر تلك القرون. فعلى سبيل المثال، يتَّضح من مقارنة الفترة التي درسها جويتين بتلك التي ندرسها أن ثمة اختلافًا بيِّنًا في المنطلقات، وخاصة زيادة اكتساب الصفة الرسمية في العلاقات التجارية، مما يَعكس تعقُّد النظام التجاري في الفترة المتأخِّرة، التي نحن بصددها. فقد أبرز جويتين العلاقات الأسرية والعلاقات الودية (غير الرسمية) في حقل التجارة، فوجد إشارات لا حصر لها، إلى تجار تعاونوا معًا بطريقة ودية، ومارسوا نشاطهم لخدمة مصالحهم المشتركة، على أساس من الثقة والصداقة.٥٣ ولكن عصر إسماعيل أبو طاقية، وانتشار المحاكم في القاهرة جعل التجار يتَّجهون إلى تسجيل معاملاتهم كتابة وتوثيقها بالمحاكم، وقد فعل أبو طاقية ذلك حتى مع أقرب الأصدقاء والشُّركاء مثل عبد القادر الدميري.

ومن ناحية أخرى نستطيع تفسير طول عمر النظام التجاري الذي عمل أبو طاقية — والتجار من أبناء جيله — في ظله، بالمرونة التي اتَّسم بها ذلك النظام، وقابليته للتوافق مع الحاجات والأوضاع المُختلفة. فقد زوَّدهم ذلك النظام بالأدوات الرسمية وغير الرسمية التي أعانتهم على مُمارسة نشاطهم، كما كان يتلاءم مع حاجات صغار التجار والتجار السفَّارين الذين مثلوا الشرائح الدنيا للمُشتغلين بتلك المِهنة. ولكن من المؤكد أنه قد استطاع الوفاء بحاجات كبار التجار الذين اتَّسعت شبكاتهم التجارية الدولية. واستخدمت الآليات المُختلفة للعمل التجاري، والأدوات القانونية المتعدِّدة، استخدامًا متنوعًا، وحاول الناس — في واقع الأمر — أن يُطوِّعوها لخدمة أغراضهم ومصالحهم وأن يَجعلوها مُتوافِقة مع مختلف أوضاع ومستويات العمل التجاري. وبذلك استطاع التجار — في مطلع القرن السابع عشر — أن يستفيدوا من المؤسسات التجارية والقانونية (القضائية)، وأن يُمارسوا نشاطهم في إطار نظام وطني، وكان عليهم أن يُواجهوا — في إطاره — الأنماط التجارية المُتغيرة التي جاءت بها العقود التالية لمطلع القرن السابع عشر.

١  انظر على سبيل المثال: Andre Raymond, “L’impact de la penetration europeenne sur l’economie de l’Egypte au XVIII siecle,” Annales Islamologiques, vol. 18, 1982, pp. 217–235.
٢  Benjamin Braude, “International Competition and Domestic Cloth,” pp. 437–451.
R. Murphey, “Conditions of Trade,” pp. 35–50.
٣  اعتمد نيل ستيسجارد في صياغة نموذجه على فان لير، انظر: The Asian Trade Revolution of the Seventeenth Century, Chicago, 1974, pp. 22–41.
٤  The Origins of Western Economic Dominance in the Middle East, New York, 1988, pp. 47–68.
٥  يُورد الدمشقي من حين لآخر تصنيف التجار إلى ثلاث شرائح: السفارين، والمقيمين، والخازنين، وهو نوع من التبسيط؛ لأنَّ كل واحدة من تلك الفئات تتضمَّن بدورها شرائح مُتنوِّعة، انظر: Goitein, “A Mediterranean Society,” vol I, Economic Foundations, Berkeley, 1967, pp. 157–161.
٦  Christophe Harant, “Voyage en Egypte,” 1598, Cairo, 1572, p. 199.
٧  Gallipoli, Rocchetta and Castela, “Voyages en Egypte des annees 1597–1601,” Cairo, 1974, p. 77.
٨  A. Udovitch, “Partnership and Profit in Medieval Islam,” Princeton, 1970, pp. 5-6.
٩  Jennings, “Loans and Credit in early 17th Century Ottoman Judicial Records,” JESHO, 16, 1973; Gerber, The Muslim Law of Partnership in Ottoman Court Records, Studia Islamica, Vol. 53, 1981, pp. 109–119.
١٠  الباب العالي ١٦٤٨٫١٠٣ بتاريخ ١٠٣٢ﻫ/ ١٦٢٢م، ص٤٨٦.
١١  الباب العالي ٩٧، ١٤٧ بتاريخ ١٠٢٣ﻫ/ ١٦١٤م، ص١٨٠.
١٢  الباب العالي ٤٣١٫٦٣ بتاريخ ١٠٠٣ﻫ/ ١٥٩٤م، ص٨٦.
١٣  الباب العالي ٣٠٨٠٫٧٥ بتاريخ ١٠١٠ﻫ/ ١٦٠٢م، ص٨٤٩-٨٥٠.
١٤  Reymond, Artisans, I, pp. 301–304.
١٥  الباب العالي ٣٥٨٫١١٨ بتاريخ ١٠٤٦ﻫ/ ١٦٣٦م، ص٨٩-٩٠.
١٦  Walz, “Trading into the Sudan,” pp. 226–233.
١٧  الباب العالي ١٠٦٤٫٧١ بتاريخ ١٠٠٩ﻫ/ ١٦٠٠م، ص٣٠٤-٣٠٥.
١٨  الباب العالي ٧١٨٫٨٦ بتاريخ ١٠١٥ﻫ/ ١٦٠٦م، ص١١١.
١٩  الباب العالي ٨١١٫٧٨، ص١٩٢.
٢٠  الباب العالي ٨٠٩٫٧٨ بتاريخ ١٠١٦ﻫ/ ١٦٠٧م، ص١٩١.
٢١  الباب العالي ٨١٠٫٨٧ بتاريخ ١٠١٦ﻫ/ ١٦٠٧م، ص١٩١.
٢٢  الباب العالي ٨١١٫٨٧، ص١٩٢.
٢٣  يُلاحظ يودوفيتش في كتابه Partnership and Profit أنَّ الشريك كان له الحق أن يَبيع بالأجل، حتى لو لم ينص على ذلك بالعقد؛ وذلك وفق أحكام المذهب المالكي، وهو ما كان أبو طاقية يسعى إلى تجنبه.
٢٤  الباب العالي ٧١٥٫٨٦ بتاريخ ١٠١٥ﻫ/ ١٦٠٦م، ص١١٠-١١١.
٢٥  الباب العالي ١٠٦٤٫٧١ بتاريخ ١٠٠٩ﻫ/ ١٦٠٠م، ص٣٠٤-٣٠٥.
٢٦  الباب العالي ٧١٨٫٨٦ بتاريخ ١٠١٥ﻫ/ ١٦٠٦م، ص١١١.
٢٧  الباب العالي ٧١٧٫٨٦، ٧١٨، ص١١١.
٢٨  الباب العالي ٢٩٠٫٨٢، ص٦٩.
٢٩  الباب العالي ٤١٢٫١٠٣ بتاريخ ١٠٣١ﻫ/ ١٦٢١م، ص١٣٤.
٣٠  الباب العالي ٢٥٤٫٩٠ بتاريخ ١٠١٧ﻫ/ ١٦٠٨م، ص١٠٢؛ ٢١٦٢٫٩٨ بتاريخ ١٠٢٥ﻫ/ ١٦١٦م، ص٢٧٥.
٣١  الباب العالي ٤٤٤٫٨٢، ص٩٢.
٣٢  Goitein, “A Mediterranean Society,” vol. I, pp. 241–244; Schacht, Introduction to Islamic Law, Oxford, 1964, p. 149.
٣٣  Artisans, pp. 298–301.
٣٤  Michel Tuscherer, “Le pelerinage de l’emir Sulayman Gawis al-Qazdughli,” Sirdar de la caravane de la Mekke en 1739, Annales Islamologiques, vol. 24, 1988 p. 163.
٣٥  صحب يوهان فيلد سيده الفارسي في رحلة الحج بالطريق البري فذهب إلى العقبة، ثم أبحر من هناك إلى جدة، فجمعت الرحلة بين السفر برًّا وبحرًا، Voyages en Egypte, pp. 28-9.
٣٦  الباب العالي ٢١٦٢٫٩٨ بتاريخ ١٠٢٥ﻫ/ ١٦١٥م، ص٢٧٥.
٣٧  الباب العالي ٨١٧٫٨٦، بتاريخ ١٠١٥ﻫ/ ١٦٠٦م، ص١١١.
٣٨  الباب العالي ٩٠ مكرر، ١٧٣٩ بتاريخ ١٠١٧ﻫ/ ١٦٠٨م، ص٣٨٢.
٣٩  الباب العالي ٧١٧٫٨٦ و٧١٨ بتاريخ ١٠١٥ﻫ/ ١٦٠٦م، ص١١١.
٤٠  الباب العالي ٤٢٧٫٩٤ بتاريخ ١٠٢١ﻫ/ ١٦١٢م، ص٨٩.
٤١  الباب العالي ٦٠٩٫٦٤ بتاريخ ١٠٠٤ﻫ/ ١٥٩٥م، ص١٤٣.
٤٢  الباب العالي ١٤٧٫٩٧ بتاريخ ١٠٢٣ﻫ/ ١٦١٣م، ص١٨.
٤٣  نفس المصدر.
٤٤  القسمة العسكرية ١٢٦٫٣٨ بتاريخ ١٠٣٤ﻫ/ ١٦٢٤م، ص١١٦.
٤٥  Braudel, III, “Civilization,” pp. 480-1.
٤٦  الباب العالي ١٨٧٠٫٩٦ بتاريخ ١٠٢٣ﻫ/ ١٦١٣م، ص٢٨٩.
٤٧  القسمة العسكرية ٢٣٨٫٣٦ بتاريخ ١٠٣٢ﻫ/ ١٦٢٢م، ص١٤٣.
٤٨  Voyages en Egypte de Johann Wild 1606–1610, Le Caire 1973, p. 45.
٤٩  الباب العالي ٣٦٨٫٨٥ بتاريخ ١٠١٤ﻫ/ ١٦٠٥م، ص٤٢١.
٥٠  الباب العالي ٦٤٦٫٨٢ بتاريخ ١٠١٢ﻫ/ ١٦٠٣م، ص١٢٠.
٥١  الباب العالي ١٨٩٫٩٨ بتاريخ ١٠٢٥ﻫ/ ١٦١٦م، ص٢٦.
٥٢  الباب العالي ٢٨٣٫٩٧ بتاريخ ١٠٢٤ﻫ/ ١٦١٤م، ص٣٧.
٥٣  A Mediterranean Society, vol. I, pp. 164–9.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤