الفصل السادس

تشكيل المعالم الحضرية للقاهرة

(١) القاهرة عام ١٦٠٠م

كانت القاهرة زمن أبو طاقية مدينةً مُتعدِّدة المستويات؛ فهي أكبر مدن الدولة العثمانية بعد إستانبول، يعيش فيها مجموعة مُتنوِّعة من الناس بمُختلف شرائحهم الاجتماعية، جاءوا من الولايات العثمانية المُجاورة كالشام، أو من بلاد أفريقية بعيدة، عاشوا فيها أو مرُّوا بها. ولما كان أبو طاقية تاجرًا، فقد تعامل — بالضرورة — مع الكثيرين منهم، وكانت له علاقة واضحة بتراثها المعماري الذي تميَّز بالثراء؛ فقد عاش أبو طاقية وعمل في جانب من المدينة تركزت فيه معظم الآثار المعمارية الكبرى. كذلك كان أبو طاقية باعتباره تاجرًا، يعيش في أحد المراكز التجارية الكبرى في زمانه؛ حيث كانت القاهرة مركز نشاطه التجاري لأنها تقع عند نقطة الْتقاء عدد من الطرق التجارية الرئيسية، وكانت مركزًا هامًّا للتبادل التجاري، سعى إليها التجار القادمون من البحر الأحمر وأفريقيا وبلاد الشام والبندقية والأناضول، حاملين معهم بضائعهم لبيعها في أسواقها، أو مبادلتها بغيرها من السِّلع، أو نقلها إلى وجهة أخرى. وكان الشارع الذي يصل الأبواب الشمالية للقاهرة — باب الفتوح وباب النصر — بالباب الجنوبي، باب زويلة، من أكثر شوارع المدينة نشاطًا وازدحامًا بالحركة، تمرُّ به الدواب المحمَّلة بالبضائع الواردة إلى الوكالات التجارية أو المتَّجهة إلى خارج المدينة في بداية رحلة طويلة إلى وجهات أخرى.

وعلى طول ذلك الطريق، والشوارع المُجاوِرة له، وقعت أكبر الوكالات التجارية والحانات التي مارس فيها كبار التجار نشاطهم. وكان الكثير منها يعود إلى أيام سلاطين المماليك؛ قايتباي، والغوري، وبرسباي، والأمراء مثل الأمير قوصون، ويُمثل وكالات كبيرة استأجر التجار مساحات منها لمُزاولة عملهم.١ وبرَزت بين غيرها من المنشآت المعمارية بزخرفتها بالرخام المُلوَّن والأحجار التي تَحمل نقوشًا غائرة، ومَداخلها التي نُقشت عليها أسماء مَن شيَّدها من السلاطين، وكانت عينا أبو طاقية تقَع على تلك المنشآت المعمارية في رحلته اليومية من بيته إلى حانوتَيه اللذَين شاركه فيهما الدميري بسوق الحرير، أو حانوته الثالث بخط الغورية.
figure
خريطة القاهرة.
وكانت القاهرة أيضًا مركزًا دينيًّا كبيرًا، رغم تأثُّر وضعها كمركز هام للدراسات الإسلامية بعد ضمِّ مصر إلى الدولة العثمانية؛ فقد حلَّت إستانبول محلها في هذا المجال بمَعاهدها العِلمية التي اجتذبت أفضل العلماء والطلاب. ولا نعرف إلا القليل عن صلات التجار عامة وأبو طاقية خاصة بالحياة الدينية في القاهرة. وإن كانت معظم المنشآت المعمارية الدينية الكبرى تقع في المنطقة التي زاولوا فيها نشاطهم بما في ذلك الأزهر، الجامع والمركز العلمي الكبير الذي ارتبط به الكثير من علماء ذلك الزمان، وكذلك بعض الزوايا الصوفية. فكان يقع بالقرب من بيت أبو طاقية بدرب طاحون شمال المدينة عدد من الزوايا التي أقامها شيوخ الطرق الصوفية، كان يؤمُّها المريدون؛ إذ وقعت زاوية عبد الوهاب الشعراني والزاوية التي أقامها الغمري على مقربة من بيته، ولكن المنشآت الدينية التي أقامها أبو طاقية تُشير إلى انتمائه إلى طريقة صوفية أخرى هي السادات الوفائية التي كانت — إلى جانب البكرية — من أرفع الطرق الصوفية.٢

لذلك كله، كان أبو طاقية قاهريَّ الانتماء؛ لأن القاهرة ظلَّت مركز نشاطه وموطن مصالحه طوال سنوات عمره. وقد اتَّخذت علاقته بالقاهرة بُعدًا جديدًا في العقد الأخير من عمره، عندما بلغت مكانتُه في عالم التجارة شأنًا كبيرًا، فساهم في تشكيل معالمها الحضرية، وترك بها أثرًا معماريًّا حمل اسمه على مر الأجيال.

(٢) دور التجار في التنمية الحضرية

ونستطيع أن نضع تلك المساهمة في سياقٍ أوسع مدًى؛ فتَحليل العلاقة بين التجار من جيل أبو طاقية والتطور العمراني للمدينة، يقودنا — من ناحية أخرى — إلى التغير في العلاقة بين الدولة والمجتمع، عندما نرى التجار يقومون ببعض الأعمال التي كانت وقفًا على الحكام. والواقع أنَّ ذلك جاء نتيجةً للتطور الاجتماعي الاقتصادي الذي شهده نصف القرن الذي يقع بين أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر. فلم يُؤثِّر التطور الذي لحق بالتجار على أوضاعهم الاقتصادية فحسب، بل امتدَّ تأثيره إلى الكثير من مظاهر حياتهم، وكانت التنمية العُمرانية للمدينة إحداها. وكان أبو طاقية مُمثلًا لتيارٍ سِرِّي بين التجار من أبناء جيله، رمى إلى ترك أثر بارز على التطور الحضري للقاهرة. كما وقَع على عاتق التجار — من ناحية أخرى — تطوير البِنية الأساسية اللازمة لاستيعاب التجارة المُتزايدة في الحجم، مما كان يعني تحمُّلهم نفقات مالية كبيرة. ويُمكننا أن نتصوَّر الطريقة التي لجأ إليها التاجر لمُوازنة الاعتبارات المُتناقضة — أحيانًا — عند اتخاذ قرار من هذا النوع، للاستثمار في بناء خان أو وكالة، بدلًا من استخدام المال في توسيع تجارته.

ويَتناقض بروز دور التجار في المدينة مع صمتِ الحوليات التاريخية العربية المُعاصرة عن الحديث عن ذلك الدور، فلا نجد إشارة إلى أبو طاقية أو الدميري أو الرويعي أو غيرهم من التجار العديدِين الذين تظهر أسماؤهم من حين لآخر في السجلات الوثائقية، ويَبدو أن دورهم في الأحداث التي شهدتها الحقبة لم يكن على تلك الدرجة من الأهمية التي تُبرِّر ذكرهم في تلك الحوليات، غير أنَّ جيل أبو طاقية ترك بصماته على المدينة من خلال تشييد المنشآت العامة كالمساجد، مثل مسجد الخواجة كريم الدين البرديني (وهو صغير المساحة، لا يزال قائمًا بحيِّ الداوودية)، أو المسجد والكُتَّاب والسبيل الذي شيَّده الخواجة إبراهيم المنصوري بمصر القديمة، كذلك خلَّد التجار أسماءهم من خلال الشوارع التي لا تزال تَحمل تلك الأسماء مثل شارع أبو طاقية، أو الأحياء مثل حي الرويعي الذي يُعد اليوم من المناطق التجارية الكثيفة النشاط التي تُباع فيها الأدوات والمُنتجات المصنوعة من الألومنيوم.

وهناك تجار آخرون من جيل الرويعي وأبو طاقية لعبوا دورهم في تنمية المدينة وبنيتها الأساسية، من بينهم ياسين شقيق إسماعيل أبو طاقية، والخواجة جمال الدين الذهبي الذي أصبح بيته ووكالته مسجَّلَين ضمن قائمة الآثار القومية في مصر.٣ ومِن الملاحَظ أن هؤلاء جميعًا كانوا من التجار البارِزين؛ فقد تولى أبو طاقية والعاصي والذهبي الشاهبندرية، وكان أحمد الرويعي عمُّ علي الرويعي سلف أبو طاقية في تولِّي منصب الشاهبندر. وبذلك كانوا جميعًا يُمثلون نخبة فئة التجار، ولا تُعد أعمالهم معبِّرة عن التجار ككل. غير أنه نظرًا لثرائهم الواسع، يُعدُّ اتجاههم في هذا السبيل له مغزى خاص في السياق التاريخي لتلك الحقبة. وفي إطار ذلك السياق الذي أتاح بروز دور التجار، يُمكننا أن ننظر إلى مساهمة أبو طاقية ورفاقه من أساطين التجار في التنمية العمرانية للقاهرة.
ولم يكن التجار وحدهم الذين برزوا في مجتمع المدينة في تلك الحقبة في مجال تنمية المعالم الحضرية للقاهرة، فكان هناك العلماء الذين ساهموا في العمران فأقاموا المباني العامة، وأسَّسوا بعض الأحياء، مثل الشيخ بدر القرافي، وكان قاضيًا، تُوفي عام ١٠٠٨ﻫ/ ١٥٩٩م وترك أثرًا صغيرًا بشارع الخرنفش٤ المتفرع من الشارع الرئيسي للمدينة، وكذلك القاضي أحمد النوبي الذي لا زال يَذكر له إنشاء درب النوبي بالأزبكية.٥ وبذلك كان دور التجار في هذا المجال جزءًا من اتجاه عام يعكس بعض التحوُّلات الاجتماعية التي حدثَت في تلك الحقبة.
وقد تنوعت وتشابكت عوامل ظهورهم في مجال العمران الحضري في تلك الحقبة، فمن ناحية، كانت المدينة تَشهد عندئذٍ توسعًا عمرانيًّا، ومن ناحية أخرى، اختفى مؤقتًا دور الفئات التي ارتبطت تقليديًّا بالمشروعات العمرانية والمنشآت العامة. ويُمكن طرح عدة افتراضات لتفسير ظاهرة النمو العمراني للقاهرة في حقبة كان كل شيء فيها يسير إلى اضمحلال، كالاقتصاد، والإدارة، والقانون والنظام. ويذهب بعض المؤرخين إلى أن النمو السكاني كان ظاهرة إقليمية عامة، يمكن ملاحظتها في عدد من مدن الدولة العثمانية خاصة والبحر المتوسط عامة.٦ ويتَّضح الدليل على نموِّ القاهرة وحلب وتونس نحو نهاية القرن السادس عشر — مثلًا — من نقل المدابغ بتلك المدن من المناطق السكانية إلى أطراف المدن، ربما بناءً على أوامر صادرة من السلطان. ويَرجع ذلك إلى امتداد العمران إلى المناطق التي كانت تقع بها المدابغ، وكان الأمر يتطلَّب نقلها خارج إطار العمران الحضري حفاظًا على الصحة العامة للسكان.٧ وثمَّة تفسير آخر يتمثَّل في أن مدن الشرق الأوسط كانت مقصد النازحين من سكان الريف عندما تَضيق بهم سبل العيش.٨ كما أنَّ الحصول على الغذاء عند وقوع المجاعات كان أيسَر بالمدن؛ حيث تهتمُّ الإدارة بالاحتفاظ بمخزون من المواد الغذائية.٩ وكانت المجاعات كثيرة الحدوث لاعتماد البلاد على فيضان النيل، فإذا ضنَّ النيل بمائه وقعت المجاعة.
لقد حدثت تطوُّرات عمرانية ملحوظة زمن أبو طاقية، ونظرًا لأنَّ معظم تلك التطورات حدثت على يد التجار، وكان الكثير من المنشآت المعمارية الهامة يقع في المنطقة التجارية بالمدينة، نستطيع أن نربط بين النمو العمراني للقاهرة وتوسُّع تجارتها، على نحو ما حدث من ربط بين التوسع العمراني والتجارة في المدن التجارية الأوروبية … فازدهار التجارة الدولية مع التحول إلى تجارة البن والتوسُّع في صناعة السكر، كان من القوى الدافعة للتوسع العمراني في القاهرة بتلك الحقبة، كما حدثت نفس الظاهرة في المدن الأخرى التي جلب فيها الازدهار التجاري توسُّعًا عمرانيًّا. ويمكن ملاحظة نفس الظاهرة في البندقية في القرن الخامس عشر، عندما أدَّى ازدهار التجارة إلى التوسع في حركة البناء التي أُنفقت فيها أموال طائلة، وكذلك في أنتورب Antwerp في النصف الثاني من القرن السادس عشر، وهي حقبة شهدت رخاءً تجاريًّا، تضاعَفَ خلالها عدد سكان المدينة، كما تَضاعَفَ عدد منازلها، وأقيمت شوارع وميادين جديدة.١٠ ويدحض النمو العمراني للقاهرة في تلك الحقبة الفكرة القائلة بأن المنطقة شهدت اضمحلالًا بعد وفاة السلطان سليمان عام ١٥٦٦م. ويعني ذلك أن تاريخ الاستغلال العسكري لا يُواكب — بالضرورة — التاريخ الاقتصادي أو التجاري.
وتُؤكد الانطباعات التي نخرج بها من كتابات الرحالة الأوروبيِّين الذين زاروا مصر خلال نصف القرن أن التجارة كانت نشطة ومزدهرة. ويذكر مايكل هيببرر فون بريتن Michael Heberer Von Bretten — الذي أسَرَه العثمانيون بمالطا وجاءوا به إلى القاهرة في ١٥٨٥-١٥٨٦ — أن المدينة كانت كبيرة ومُزدحمة بالناس، وأنه لم يُخامره الشك في أنها تفوق حجمًا كلًّا من باريس وروما وإستانبول.١١ ولا شكَّ أن انطباعاته جاءت على وسط المدينة الذي كان أكثر أنحاء القاهرة ازدحامًا. وبعد ذلك ببضع سنوات، يذكر الرحالة الألماني يوهان فيلد — الذي أقام بالمدينة فيما بين ١٦٠٦–١٦١٠ — أن التجارة كانت بالغة الازدهار، وأنه انبهر بالحوانيت المليئة بالتوابل، والأحجار الكريمة، والأخشاب الثمينة ذات الروائح الذكية، والقلانس الجميلة، والمنسوجات القطنية الرفيعة التي جاءت من الشرق. كما شاهد المرجان والمنسوجات الصوفية التي جلبها البنادقة، ولاحظ أنَّ التجار القادمين من إستانبول كانوا يحملون معهم القليل من البضائع، وأنهم كانوا يشترون الكثير من البضائع المصرية ليأخذوها معهم عند عودتهم إلى بلادهم.١٢
ومن بين العوامل المباشرة لبروز دور التجار في مجال العمران الحضَري في تلك الحقبة بالذات، وجود فراغ نشأ عن غياب دور سلاطين المماليك والباشوات العثمانيِّين الذين كانوا يُساهمون في هذا المجال من قبل. وكان الماضي العريق للقاهرة كحاضرة لدولة سلاطين المماليك ماثلًا للعيان من سكان القاهرة، وخاصة في وسط المدينة. فكان أبو طاقية يُشاهِد في رحلته اليومية من بيته القريب من الشارع التجاري في خط الأمشاطيين بدرب الشبراوي إلى سوق الوراقين أو خان الحمزاوي، نماذج عديدة من العمائر التي بناها الخلفاء الفاطميون وسلاطين المماليك، فعندما يغادر بيته بدرب الشبراوي (وكان دربًا مسدودًا) تقع عيناه على الواجهة المنقوشة لجامع الأقمر، المسجد الفاطمي القديم، وما يكاد يصل إلى بين القصرين بعد دقائق حتى يرى ضريح السلطان برقوق بقبَّته المميزة، وبعده ببضعة أمتار، تقع مدرسة وضريح السلطان الناصر محمد بن قلاوون بمئذنتها الرفيعة السامقة، ثم بعد ذلك بخطوات أخرى يمرُّ أبو طاقية أمام واجهة عمائر السلطان قلاوون التي تضم ضريحه، ومدرسته ومستشفاه (المارستان)، فإذا نظر إلى أعلى شاهَدَ النقش المنحوت على الحجر يمتد بطول المبنى حاملًا ألقاب السلطان، فيصفه بأنه سلطان العراقَين والمصرَين، ملك البرَّين والبحرَين، صاحب القِبلتَين، خادم الحرمين الشريفَين.١٣
وبعد اختفاء دولة المماليك، أخذ ولاة مصر من الباشاوات العثمانيِّين على عاتقهم مهمة إقامة العمائر، ولكن جهودهم انصرفت إلى الموانئ مثل: بولاق ورشيد والإسكندرية.١٤ وبعد بضعة عقود من الفتح العثماني لمصر، ساعدت الإنشاءات التي تمَّت ببولاق، مثل الحواصل والحوانيت والحمامات والكتاتيب والمساجد على مضاعفة الخدمات بذلك المرفأ. ومثَّلت المساجد، مثل مسجد سنان باشا الذي أُقيم بذلك المرفأ النهري، طرازًا معماريًّا مختلفًا يَعكِس التأثر بالأناضول. ولكن تلك كانت مرحلة محدودة زمنًا ونطاقًا شهدتها الموانئ الرئيسية. وأصبح الباشاوات العثمانيون — بعد مُنتصَف الثمانينيات من القرن السادس عشر — أقل اهتمامًا بالأعمال العمرانية، وأكثر انشغالًا بالصراع مع القوى العسكرية، ذلك الصراع الذي استنفد مُعظَم طاقتهم، والذي اتخذ طابع العنف، وكلَّف أحد الباشاوات حياته، وهو الذي عُرف بإبراهيم باشا المقتول.

وثمَّة عامل آخر، سمح للتجَّار من جيل أبو طاقية أن يَستثمروا بعض أموالهم في العمران الحضري، هو أنهم لم يتورَّطوا تورطًا مُباشرًا في صراع السلطة بين الفئات العسكرية وعناصر الإدارة العثمانية، ولم يُؤيِّدوا علنًا طرفًا من أطراف الصراع ضد غيره. كما كانت لديهم أسباب أخرى للاستثمار في العمران، فامتلاك وكالة أو مصنع أو رَبع يُدرُّ على التاجر دخلًا مُنتظمًا مما يقوم بتحصيله من إيجار تلك المنشآت، وكان ذلك النوع من الاستثمار مطلوبًا بصفة خاصة في الأوقات التي تتذبذب فيها قيمة العُملة. والواقع أن زمن أبو طاقية شهد تحوُّلات نقدية هامة، ففي بداية حياته العملية كانت العملة الشائعة الاستخدام هي الدينار الذهبي المعروف بالشريفي (يُساوي ٤٠ نصفًا) وإلى جانبه عملة فضية محلية هي النصف، وعند وفاة أبو طاقية، أصبح الدينار الشريفي عملة نادرة الاستخدام، وحل محلَّه القرش الفضي (يُساوي ٣٠ نصفًا)، ولعلَّ التحول من الذهب إلى الفضة وما صاحبه من أزمة نقدية، أدى إلى حالة عدم استقرار نسبي في أسعار العُملة، ولم يكن من الحكمة الاحتفاظ بمبالغ نقدية كبيرة لفترة زمنية طويلة حتى لا تَتناقَص قيمتها؛ ومن ثم كان الاستثمار في العمائر الحضرية يميل إلى الزيادة في مثل تلك الأزمات.

وإلى جانب ذلك، كانت مِلكية العقارات الحضرية وسيلة لتنويع الأصول والحماية من المصادرة؛ إذ كانت الحكومة تَميل إلى مصادرة الأموال عندما تتعثَّر أحوالها المالية، وقد مرَّ جيل أبو طاقية بتلك التجربة عندما صادر مصطفى باشا نحو ثلاثين ألف قرش من أموال التجار. وعندما حدث ذلك كان أبو طاقية قد فرغ لتوِّه من بناء وكالته الثانية التي كلفته الكثير من المال، ففي ٢٠ من المحرَّم عام ١٠٢٩ﻫ، عندما صادر مصطفى باشا بعض أموال التجار، أوقف أبو طاقية وكالتَيه ليقيَ نفسه خطر المصادرة. ولعلَّ الأخبار قد بلَغَته عن نية الباشا الاتجاه إلى مُصادرة مال التجار، فسارع إلى اتخاذ هذا الإجراء الوقائي. ومهما كان الأمر، فقد جاء تصرُّفه في الوقت المناسب؛ فقد كلفه إنشاء الوكالتين أموالًا طائلة، ولعله لم يتبقَّ لديه مبالغ نقدية كتلك التي توفَّرت عنده في الظروف المعتادة. وكان وقف الأملاك يَحميها من المصادرة؛ لأن الشريعة كانت تُحرِّم ذلك.

وقد أثار موضوع استثمار التجار أموالهم في العقارات الحضرية، بدلًا من الاحتفاظ بسيولة نقدية تُستثمَر في التجارة، اختلافًا في الرأي بين الباحثين. فيذهب بعض المؤرخين إلى أن هذا النوع من الإنفاق يُعدُّ استهلاكًا فجًّا للمال الذي قد يكون من الأفضل استثماره في التجارة، بدلًا من إنفاقه على بناء العمائر الدينية والخيرية التي لا جدوى منها وتتكلَّف أموالًا طائلة. واستخدم نفس الرأي في التعليق على العمائر التي أقامها سلاطين المماليك بالقاهرة. ولكن تلك الظاهرة لا يُمكن تفسيرها من الزاوية الاقتصادية أو من منطلق ما يمكن تحقيقه من عائد مُباشر لاستثمار رأس المال؛ إذ يجب تفسيرها في إطار الثقافة التي انتمى إليها أولئك الذين ساهموا في العمران الحضري حتى نستطيع فهم الدوافع التي كانت وراء هذا النموذج أو السلوك. ويجب أن نفهم هذه الظاهرة في سياق المجتمع الحضري الذي يلعب فيه الأفراد — وليس الدولة أو الحكومة — دورًا هامًّا في إقامة المنشآت العامة بدافع إحساس الأثرياء بالمسئولية تجاه تنمية البنية الأساسية للمجتمع الحضري. ولكن الأمر لم يَخلُ من المنافع التي عادت عليهم من جراء ذلك.

ولا ريب أن أبو طاقية كان محبًّا للظهور، ويبدو أنه كان مُغرمًا بدوره كشخصية عامة معروفة؛ فقد كان ذلك يُمثل جانبًا من الدور الذي يلعبه الشاهبندر، والواقع أن معظم مشروعاته العمرانية أقيمت بعد توليه هذا المنصب، ولعلَّه أراد أن يدعم مكانته بإقامة تلك العمائر. وعلى كلٍّ، كان للتجار أسباب أخرى تدعوهم إلى التألق في المدينة؛ لأن إطلاق اسم الشخص على مُنشأة عامة أو شارع أو حي يُحقِّق عدة أهداف؛ فقد استخدم سلاطين المماليك عمائرهم لإبراز عظمتهم واتساع سلطانهم، كما عبَّرت العمائر التي أقامها الباشاوات العثمانيون عن نفس المعاني رغم اتسامها بالطابع الإقليمي.١٥ وكان باستطاعة التجار الأثرياء أن يُحقِّقوا نفس الأهداف من خلال ما أنشئوه من عمائر، فبناء مسجد أو كُتَّاب أو مدرسة أو سبيل يقوم دليلًا على النجاح ويُعبر عن الثراء، مما يُؤدِّي إلى تدعيم وجاهته وتألُّقه الاجتماعي، ويُساعد — بطريق غير مباشر — على توسيع مجال نشاطه.

وعلى كلٍّ، كانت الأسباب الكامنة وراء اهتمام التجار من أمثال أبو طاقية وأبناء جيله بإقامة العمائر ذات النفع العام، تُعبر عن اتجاه اجتماعي عامٍّ كانوا طرفًا فيه. فقد كانت الفئة الاجتماعية الصاعدة في مدارج الحراك الاجتماعي، مثلما كان شأن التجار في تلك الحقبة، تتَّخذ من الظهور والتألق سبيلًا للشهرة والمكانة الاجتماعية المرموقة. وكما ساعدت الشاهبندرية بما صاحبها من طقوس احتفالية على إبراز الشخصية العامة لأبو طاقية، تركَت عمائره بصمةً على المعالم العمرانية للقاهرة؛ فبعد وفاته بسنوات طويلة، ظلَّت الأجيال المتعاقبة من القاهريِّين تذكره من خلال ما أقامه من آثار معمارية، كما ظلَّ زميله الرويعي يعيش في ذاكرة سكان المدينة لارتباط اسمه بالحي الذي أنشأه بالأزبكية. وهكذا ساهمت العمائر التي أقامها التجار في إبرازهم كشخصيات عامة، إضافة إلى ما حقَّقته لهم من مكاسب اقتصادية.

ولما كان التجار عنصرًا فعالًا في العمران الحضري، فقد كان باستطاعتهم أن يَلعبوا دورًا في توجيه التحوُّلات التي شهدها التطور الحضري. وكان هناك اتجاهان واضحان في التطور العمراني للقاهرة في زمن أبو طاقية، أولهما التوسُّع في القطاع التجاري للمدينة، وثانيهما التوسُّع في الأطراف الغربية لها تجاه الأزبكية. ونَستطيع أن نُميز الدور الملحوظ الذي لعبه التجار في الاتجاهَين، وقد شارك فيهما أبو طاقية لأسباب مختلفة، واستخدم في ذلك طرقًا مُتعدِّدة.

(٣) تشييد وكالات جديدة

ليس غريبًا أن يكون إقامة العمائر التجارية في المناطق التي يسودها النشاط التجاري بالمدينة، مَوضع اهتمام التجار. ويُفسِّر ذلك أسباب إقامة عديد من المنشآت التجارية التي تركَّزت في المنطقة التجارية بالقاهرة. ولعلَّ عدم كفاية الوكالات التجارية القائمة عندئذٍ لتلبية حاجات التجار، كان في طليعة تلك الأسباب، مثل عجز الوكالات القائمة عن توفير المساحات اللازمة لتخزين البضائع في المواسم التي تَبلُغ التجارة فيها ذروة النشاط، مثل موعد خروج أو عودة قافلة الحج، وموعد إبحار أو وصول سفن البحر الأحمر. وتُشير المصادر الوثائقية إلى أن سبع وكالات — على الأقل — قد تمَّ بناؤها في العقود الزمنية الواقعة بين نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر، وهي ظاهرة ذات مغزًى. فقام التاجر عبد الرءوف العاصي بتشييد اثنتَين من هذه الوكالات ببولاق، أما الوكالات الخمس الأخرى فقد بُنيت وسط القاهرة، منها وكالتان شيَّدهما إسماعيل أبو طاقية وشريكه عبد القادر الدميري، وثالثة بناها ياسين أبو طاقية بالركن المخلق، ورابعة بناها الشجاعي في خان الخليلي، وأخيرًا، وكالة جمال الدين الذهبي بالقُرب من سوق الصاغة. ولا ريب أن إقامة الوكالات بما لها مِن وظائف تجارية مُتعدِّدة، وما تتسم به من اتساع وضخامة في الحجم، دليل هام على ما بلغته أحوال التجارة من ازدهار في نصف القرن الذي يقع بين نهاية القرن السادس عشر وبدايات القرن السابع عشر، ذلك الازدهار الذي جعل إقامة الوكالات الجديدة أمرًا مطلوبًا. ويرجع تشييد تلك الوكالات الجديدة — أيضًا — إلى حاجة التجار البارِزين إلى أن يكون لكل منهم وكالته الخاصة؛ حيث يستطيع التاجر تركيز نشاطه بها إلى حدٍّ ما، كما أن امتلاك التجار الكبار الوكالات يدعم مركزهم بين المشتغلين في ميدان التجارة. كذلك درَّت الوكالات دخلًا على أصحابها من تأجير الحوانيت المحيطة بها وأماكن السُّكنى بطوابقها العليا؛ فقد حصل الشريكان أبو طاقية والدميري على إيجار سنوي جاء من أصغر وكالتيهما حجمًا بلغ ١٦٫٥٠٠ نصف.١٦ والمُحصِّلة النهائية لتشييد الوكالات الجديدة أنَّ البنية الأساسية بالقاهرة كانت آخذةً بالاتِّساع في فترة زمنية قصيرة نسبيًّا. أتيحت خلالها تسهيلات لخزن البضائع وتداولها.
كما نُميز بُعدًا آخر لتنمية البِنية الأساسية التجارية بالقاهرة؛ إذ كان بناء الوكالات التجارية الكبيرة — بالنسبة لأبو طاقية — يُمثِّل ذروة سنوات الاستثمار في مختلف أشكال البنية الأساسية التي تدعم النشاط التجاري، مثل شرائه لحصته في إحدى الوكالات بمدينة من مدن الدلتا لدعم نشاطه التجاري في ذلك الإقليم، أو شرائه نصف سفينة بالبحر الأحمر الذي تركَّزت فيه معظم تجارته.١٧ وكلما امتد نطاق نشاطه، نجده يهتم بدعم البنية الأساسية المرتبطة به.

ويُمكن إرجاع الفضل في حدوث تغيُّر ملحوظ في مجال العمران الحضري إلى إسماعيل أبو طاقية وشريكه عبد القادر الدميري. فلم تكن الوكالتان اللتان شُيِّدتا بأموالهما بخط سر المارستان مُجرَّد مُنشأتين تجاريتين، بل كانتا بداية لتحويل الشارع من منطقة سكنية إلى شارع تجاري رئيسي. وقبل أن يُقدِم الشريكان على بناء الوكالتين كان خط سر المارستان شارعًا سكنيًّا هادئًا تقع البيوت على جانبَيه، وبعد إتمام بناء الوكالتَين، دبَّ النشاط في الشارع وتحوَّل إلى شارع تجاري.

figure
مدخل الوكالة الكبرى. تصوير برنادر أوكيين.

وكان خط سر المارستان — الذي يقع خلف مارستان قلاوون — قريبًا من المركز التجاري للمدينة في بين القصرَين وسوق النحَّاسين وسوق الصاغة. وكان شارع بين القصرين أكثر شوارع المدينة ازدحامًا، يقع به عدد من المنشآت الهامة: المستشفى، ومحاكم الصالحية النجمية، والقسمة العسكرية، والقسمة العربية، ووقعت بالقرب منه محكمة الباب العالي، مما جعل الشارع مقصد الناس من مختلف أنحاء المدينة. فإذا أراد إسماعيل أبو طاقية تفادي زحام شارع بين القصرين عند العودة إلى بيته، ما كان عليه إلا أن يتجه يسارًا عند سوق الصاغة، فلا تمر دقيقتان إلا ويجد نفسه في خط سر المارستان ومنه إلى خط الخرشتف حيث يقع بيت أخيه ياسين وأخته ليلى، فإذا انحرف يمينًا عاد إلى الطريق الرئيسي بالقرب من بيته. وبذلك كان خط سر المارستان يتمتَّع بميزة القرب من مركز المدينة، وسهولة الوصول إليه من الشارع الرئيسي، وهي ميزة يجب توفرها في موقع الوكالات التجارية الكبرى، التي تصل إليها الدواب المحملة بالبضائع، ليتم تخزينها هناك. كما كان موقع الوكالتين قريبًا من بيت أبو طاقية بخطِّ الأمشاطيين.

ونظرًا لضخامة مشروع بناء الوكالتَين، استغرق سنوات من الإعداد والتخطيط؛ ففي ١٠١٧ﻫ/ ١٦٠٨م وقَّع أبو طاقية وشريكه الدميري على حُجة بناء الوكالتين،١٨ تضمَّنت تحديد نصيب كلٍّ منهما، فكان لعبد القادر الدميري حق الربع، وانفرد إسماعيل أبو طاقية بثلاثة أرباع الوكالتَين. ولا ندري لماذا تغير طابع المشاركة في هذه الحالة عما درج عليه الشريكان من قَبل، فكانا يَتقاسمان رأس المال والأرباح مناصفة بينهما في كل مشاريعها الأخرى. ولعلَّ الدميري تردَّد في استثمار مبلغ كبير من المال في مشروع البناء، ومن المُحتمَل أيضًا أن يكون أبو طاقية قد حقَّق أرباحًا طائلة من وراء صفقات تجارة السكر التي قام بها مُنفردًا، ولم يتوفَّر ذلك للدميري.
وكان الحصول على الأرض اللازمة للبناء في مقدمة المشاكل التي كان على أبو طاقية والدميري مواجهتها؛ فقد كان من الصعب الحصول على الأرض اللازمة لبناء الوكالتَين في مثل ذلك الموقع من القاهرة ذات الكثافة السكانية العالية. وزاد من الصعوبات التي واجهتهما أن المباني الواقعة في خط سر المارستان كانت جميعًا بيوتًا صغيرة، يسكنها أناس مُتوسِّطو الحال، من أمثال الصباغ شمس الدين محمد بن سلامة،١٩ أو الشيخ أبو الطيب بن منصور الذي كان يَبيع المراهم.٢٠ وحتى يَحصل الشريكان على الأرض اللازمة لبناء الوكالتَين كان عليهما إقناع عدد كبير من سكان الشارع بترك منازلهم، والانتقال إلى مكانٍ آخر بالمدينة، حتى يتمَّ هدم تلك المنازل وإعداد الأرض للبناء. ولم يكن ذلك الأمر سهلًا بأيِّ حال من الأحوال، إذ كان بعض السكان يَملك البيت والأرض التي أقيم عليها، وبعضهم الآخر كان بيته مُقامًا على أرض حكر مُستأجَرة من الأوقاف، مما تطلَّب عقد صفقات مُعقَّدة مع سكان الشارع، والدخول في إجراءات تتصل بالوضع القانوني للأرض، التي كان بعضها ملكًا خاصًّا، والبعض الآخر ملكًا للأوقاف. وبالنسبة لبعض الأفراد الذين أخذ أبو طاقية بيوتهم، كان عليه أن يستأجر الأرض من ناظر وقف مارستان قلاوون، وكانت مساحة بعضها صغيرة فبلغت إحداها ١٣ ذراعًا طولًا، و١٣٫٥ ذراع عرضًا، كما بلَغَت أخرى ٩٫٥ أذرع عرضًا و١٦ ذراعًا طولًا.٢١ (الذراع تبلغ حوالي ٦٥ سم) وحصل أبو طاقية وشريكه على إحدى عشرة قطعة من الأرض شكَّلت المساحة التي قامت عليها الوكالة الكبرى التي تم بناؤها عام ١٦١٩م، وبذلك استغرق الأمر زمنًا طويلًا للتفاوُض على شراء الأراضي وإقناع أصحابها بالبيع أو التنازل عن المساحات المُستأجَرة الواحد تلو الآخر، حتى استطاعا أن يُدبرا المساحة الكبيرة اللازمة للوكالتين القائمتين حتى الآن، فكان ذلك — في حد ذاته — تحولًا كبيرًا في الطابع العمراني للموقع.
figure
مدخل الوكالة الصغرى. تصوير برنادر أوكيين.

وخلال السنوات الطويلة التي استغرقها البناء، شُيِّدت الوكالة الصغرى على الجانب الغربي للشارع، ثم أقيمت الوكالة الكبرى على الجانب الشرقي، وكان أبو طاقية يُراقب العمل المُتواصِل، وهو في طريقه من البيت إلى السوق، بدءًا بهدم البيوت، وإعداد الموقع لوضع الأساسات، وانتهاءً بارتفاع البناء. وبعد سنوات، كان باستطاعته أن يُشاهِد مدخلَي الوكالتين اللتين وقفتا شامختين متقابلتين على جانبَي الشارع. ومنذئذٍ لم يَعُد خط سر المارستان شارعًا يُستخدم للتخلُّص من ضوضاء وزحام بين القصرَين، بل أصبح مقصد الناس من مختلف أنحاء المدينة. أما بالنسبة للتجار، فقد أضافت الوكالتان نحو ١٢٠ حاصلًا جديدًا للإيجار، وسارع التجار — مثل الرويعي — باستئجار ما يَلزمهم من الحواصل على الفور؛ حيث توفرت بالوكالتين مرافق لخدمتهم وخدمة زبائنهم؛ كالمسجد، والمقهى، والسبيل الذي كان يقع على ناصية الوكالة الكبرى. وانتقل عبد القادر الدميري للإقامة في بيت صغير بُني على ناصية الوكالة، وجعل به مدخلًا مباشرًا إلى الحاصل الخاص به داخل الوكالة، حتى يتحرَّك بيسر بين البيت والمتجر، دون حاجة للمرور بالشارع. واستخدم أبو طاقية — أيضًا — ما يحتاج إليه من الحواصل لتخزين بضاعته من التوابل والبن والسكر. أما بالنسبة للناس العاديين، فقد وفرت الطوابق العليا للوكالتين وحدات سكنية للإيجار، بلغ عددها ١٦ وحدة بالوكالة الصغرى، و٢٩ وحدة بالوكالة الكبرى، ونتج عن ذلك قدوم المزيد من الناس للسُّكنى بالشارع.

figure
تصوير برنادر أوكيين.
وبرهنت التطورات التي حدَثَت — فيما بعد — بخطِّ سر المارستان، على بُعد نظر أبو طاقية والدميري عندما اختارا تلك البُقعة لإقامة مشروعهما العمراني؛ فقد سار غيرهم على نفس الدرب بإيقاع بطيء وتدريجي. وأخذَت الوكالات تحتلُّ موقع البيوت الواحدة بعد الأخرى.٢٢ حتى أصبح الشارع مُماثلًا للشارع التجاري المُوازي له، وتحوَّل من منطقة سكَنية إلى منطقة تجارية، وبذلك اتَّسعَت مساحة المنطقة التجارية بالمدينة. ولأن وكَالتَي أبو طاقية والدميري كانتا فريدتَين في نوعهما، وأكبر الوكالات حجمًا، فقد ظلَّتا قائمتَين. والواقع أنَّ الشارع أصبح يُعرَف بشارع وكالة أبو طاقية. وبعد نحو عقدَين من الزمان قام تاجر آخر يُدعى الخواجة أحمد الخطيب ببناء وكالة مُجاورة لوكالة أبو طاقية والدميري، وأصبح يُشار إلى الوكالتين اللتَين شيَّدهما أبو طاقية والدميري باسم عمارة الخواجة إسماعيل أبو طاقية. وبعبارة أخرى، أصبح اسم أبو طاقية مرتبطًا — لأمرٍ ما — بهذه المنطقة، وطوي اسم الدميري في عالم النسيان. ولا نستطيع إزاء ذلك إلا تقديم بعض الافتراضات، فلعلَّ ذلك يرجع إلى أن أبو طاقية كان الشاهبندر، واحتلَّ مكانة مرموقة في المجتمع القاهري، أو لعله كان — بحكم تكوينه — أكثر ميلًا للظهور والشُّهرة من صديقه التدميري.

ولم تكن مثل تلك التحوُّلات كثيرة الحدوث لما يَكتنِف مثل تلك المشروعات العمرانية من صعاب، وما تتكلَّفه من أموال. وغالبًا كان الحكام هم الذين يَضطلِعون بعبء تغيير الشكل العمراني للمدينة، فقبل ذلك ببضع سنوات — مثلًا — أصدر السلطان العثماني الأَوامر بنقل المَدابغ من باب زويلة إلى أطراف المدينة عند باب اللوق، لقربها من أماكن السُّكنى، ولما تُسببه من ضوضاء وما ينبعث منها من روائح كريهة تُؤذي الناس. وكانت التنمية العمرانية تتم — عادة — من خلال تقسيم مساحة كبيرة من الأراضي إلى قِطَع صغيرة تقام عليها المباني. وقام بعض الحكام الأقوياء مثل رضوان بك بهذا العمل أحيانًا، فنجده يُحوِّل المنطقة الواقعة جنوب باب زويلة — بعد عقدَين من وفاة أبو طاقية — إلى منطقة توسُّع عمراني، من خلال إنشاء مجموعة معمارية ضخمة اشتملَت على قصر، وسوق، ووكالة، وبعض العمائر الأخرى. ولكن مشروع أبو طاقية والدميري بما له من مغزًى تم بمُبادرة من جانب التجار، ولم يكن عملهما وحيدًا في ذلك المجال؛ ففي بولاق، المرفأ النهري للقاهرة حدثت نفس الظاهرة على يد الشاهبندر عبد الرءوف العاصي الذي أقام وكالتَين كانتا حجر الزاوية في تطور الشارع الموازي للشارع التجاري بتحويل المناطق السكنية إلى منطقة تجارية. ولهذَين المثلَين من أمثلة التنمية العمرانية الحضرية أهميتها في فَهمِنا لكيفية وأسباب التوسُّع العمراني بالقاهرة خلال تلك الحقبة.

لقد قام أبو طاقية والتجار من أبناء جيله بتركيز جُهودهم وأموالهم في هذه المشروعات التي كانت تتصل بنشاطهم التجاري. وكانت هناك أسباب عدة لتفسير ارتباط أبو طاقية خاصة، والتجار عامة بوسط المدينة أكثر من غيرهم من سكان القاهرة.

كان لإسماعيل أبو طاقية بيتان؛ أحدهما يقع بدرب الشبراوي المُواجِه لجامع الأقمر، والآخر بسوق أمير الجيوش، وكلاهما بالقُرب من الشارع التجاري للمدينة. وكان ذلك شأن معظم زملائه التجار الذين سكنوا بيوتًا قريبة من المركز التجاري للمدينة، مُجاوِرةً لمتاجرهم، فسكن الخواجة نور الدين السجاعي بالسبع قاعات، وأقام الخواجة جعفر عامر خلف مدرسة الغوري.٢٣ ويَنسحب هذا على التجار الأثرياء الذين سكنوا بيوتًا فخمةً مريحة، وعلى غيرهم من المشتغلين بالتجارة الذين عاشوا في بيوت مُتواضعة صغيرة المساحة، خلف المنطقة التجارية أو بالقُرب منها، وكان بعضها لا يَزيد عدد حجراته عن ثلاث أو أربع حجرات. وقد لاحَظَ أندريه ريمون وجود تلك الظاهرة في فترة تاريخية لاحقة.٢٤ أضف إلى ذلك، أنَّ إخوة إسماعيل أبو طاقية: ليلى، وسيدة الكل، وياسين، سكنوا بالقُرب منه في خط الخرشتف حيث كان بيته. والأسباب واضحة، فالإقامة بالقرب من وسط المدينة، أو في الشوارع المتفرِّعة من الشارع التجاري الرئيسي، كان يعني وجود التجار بالقُرب من مَتاجرهم، والوكالات التجارية التي كانت تتمُّ بها ومن خلالها صفقاتهم، والأسواق العديدة التي تُباع فيها مختلف أنواع البضائع. فإذا أرادت عطية الرحمن زوجة أبو طاقية أن تَشتريَ لنفسها حُليًّا، وجدت سوق الصاغة على بُعد دقائق من بيتها، وإذا أرادت شراء الحرير والمخمل — وهي المنسوجات التي عشقَتْها ليلى أبو طاقية٢٥ — كانت سوق الشرب، أو تربيعة الحرير، أو سوق الورَّاقين، حيث تُباع المنسوجات، على بُعد خطوات من البيت. ولم يقتصر الأمر على الأسواق الهامة التي وقعت على جانبَي ذلك الطريق من سوق العطارين بوسط المدينة قرب خان الخليلي؛ حيث شاهد كريستوف هاران Christophe Harant — النبيل البوهيمي الذي زار القاهرة عام ١٥٩٨م — تاجرًا فارسيًّا يعرض بضاعته من القماش المُطرَّز بالقصب وغيره من السلع،٢٦ ويَليه سوق النحَّاسين، ثم سوق الحرير، ويقع سوق العبيد على مقربة منه. تلك كانت أهم الأسواق العديدة التي وقعت على جانبَي الطريق التجاري تُقدم مختلف السلع، من المأكولات إلى المنسوجات إلى البضائع الثمينة التي تُباع بالمفرق لمختلف الزبائن، كسكان المدينة والأجانب الوافدين إليها، والسكان القادمين من خارجها، فكان الشارع التجاري مقصدهم جميعًا، يتوجَّهون إليه لسد حاجاتهم.

كذلك يجدُ التجار هناك الخدمات العديدة التي يحتاجون إليها؛ كالنقل والتخزين والقبانة. ورغم وجود حمام خاص في بيت أبو طاقية، إلا أنَّ ذلك لم يمنع أفراد الأسرة، رجالًا ونساءً، من ارتياد حمَّام السلطان إينال، وهو حمَّام عام يقع بالقُرب من البيت. كما أنَّ وجود مارستان قلاوون بالقُرب من البيت، جعَل استدعاء الطبيب عند الحاجة أمرًا ميسورًا. وبعبارة أخرى، كانت الإقامة بوسط المدينة، أفضل من السكن بالحارات السكنية المُغلقة؛ حيث توفرت المرافق العامة الكثيرة لخدمة سكان القاهرة على مقربة من المنطقة.

ولذلك نستطيع أن نتصوَّر أن علاقات أبو طاقية بالمدينة انحصرت بتلك المنطقة؛ حيث كان يُقيم ويعمل، ويزور أصدقاءه وأقاربه وزملاءه. فقد ظلَّ وسط المدينة مركزًا لنشاطه. ولكن علاقته بالمدينة لم تكن وقفًا على التجارة وحدها، فكانت ذات أبعاد تجاوَزَت نطاق الحرفة، ولم تَرتبِط بها بصورة مباشرة. ورغم حيوية العلاقة بوسط المدينة، لم يكن أبو طاقية مُنغلقًا تمامًا على تلك المنطقة من المدينة؛ فقد دفعَتْه ظروف مُختلفة إلى إقامة صِلاتٍ مع الأحياء الأخرى.

وكان السبب المباشر لذلك وقوع سلسلة من الأحداث دفعَتْه للبحث عن بيت آخر يُقيم فيه خارج منطقة وسط المدينة، تجنُّبًا للاضطرابات التي كانت تقع من وقت لآخر، وتُعكِّر صفو المنطقة. ففي عام ١٥٨٦م حدثت فتنة عسكرية أثارتها قرارات عويس باشا بإنقاص رواتب العسكر لمواجهة العجز في الموارد المالية. وترتَّب على ذلك وقوع أعمال عنف بالطرق أصابت الناس بالذعر والقلق، دارت بعض جوانبها — ذات مرة — بالقرب من بيت أبو طاقية؛ إذ قصف الجند بيت القاضي الذي كان مقرًّا لمحكمة الباب العالي التي كان إسماعيل يكثر من التردُّد عليها. وهاجموا ذات مرة ركن المخلق الذي يقع على بُعد خطوات من بيت إسماعيل أبو طاقية؛ حيث الدرب الذي بنى فيه ياسين أبو طاقية وكالته. ويعني ذلك أن تلك الحوادث دارت تحت نوافذ بيت أبو طاقية.٢٧ ولعل تلك الحوادث دفعت التجار من أمثال أبو طاقية إلى إقامة بيوت أخرى لهم على مساحة معينة من وسط المدينة، ينتقلون إليها بعائلاتهم عند وقوع الاضطرابات.

وبصورة عامة، كان قرار نخبة التجار من أبناء ذلك الجيل بشراء أو بناء بيت آخر للعائلة على ضفاف بِركة الأزبكية مبعثه الثراء الذي تحقَّق لهم، وجعلهم يُنفقون المال الوفير على الكماليات والتسلية وأسباب الوجاهة. وبانتقالهم إلى ضفاف تلك البركة، في أوقات الراحة القصيرة أو الطويلة، إنما كانوا يُقلِّدون بذلك ما فعله الحكام من قبل من الاستمتاع بذلك المُنتجَع.

واختار إسماعيل مَوقِعًا لبيته على ضفة بركة الأزبكية في الجانب الشمالي الغربي من القاهرة، وكانت بِركة الفيل أكبر البِرَك حول القاهرة تقع جنوب المدينة، بينما وقعت بركة الرطلي شمالها. فكانت تلك البِرَك تمتلئ بالماء وقت الفيضان، وتتحول إلى منطقة يتنزه فيها سكان القاهرة للاستمتاع بالحدائق والحقول المحيطة بها، والتنزه بالقوارب على صفحة الماء حاملين معهم طعامهم وآلات الطرب.

وكانت الأزبكية أقرب البِرَك موقعًا إلى بيت أبو طاقية، يصل إليها عبر سوق مرجوش وباب الشِّعرية، وكان موقعها في ذلك الوقت بعيدًا بدرجة كافية عن موقع حوادث الشغب، تتسم بالهدوء والراحة، كما كانت الإقامة في بيت على ضفاف البركة تعني تمتَّع العائلة بالماء والخضرة والهواء العليل، بغضِّ النظر عن فكرة البعد عن الاضطرابات. واختلفت البيئة المحيطة بالأزبكية عن درب الشبراوي حيث يقع بيت العائلة؛ إذ كان بيت أبو طاقية بالأزبكية يُطلُّ على البركة مباشرة، يقع خلفه غيط الحمزاوي، فحظيت الأسرة هناك بما كان الحكام يتمتَّعون به من رفاهية، حيث التنزه بالقوارب، التي غالبًا ما كان سكان البيوت المحيطة بالبركة يَمتلكونها، ويجوبون بها صفحة الماء حول ضفاف البركة.

وكانت بركة الفيل جنوب المدينة أكثر المناطق أرستقراطية تحيط القصور بشواطئها، وطبق التجار من جيل أبو طاقية هذا النموذج على منطقة بركة الأزبكية، التي كانت — عندئذٍ — مهجورة نسبيًّا مقارنة ببركة الفيل، تتناثَر بعض المنازل على شاطئها الشرقي حيث موقع جامع أزبك، ولعلَّ التجار شعروا بالرضا لتمتُّعهم عند الأزبكية بما كان يتمتع به رجال النخبة العسكرية الذين سكنوا حول بركة الفيل، فقام أبو طاقية، ومحمد بن يغمور، وعثمان بن يغمور، وسليمان الشجاعي ببناء بيوت لهم جاورت بعضها بعضًا على الناحية الشمالية الشرقية من بركة الأزبكية وكانوا يَرتادونها عندما تضطرب الأحوال بالمدينة، أو عندما يَنشدون الراحة أيام الأعياد والإجازات.٢٨
وكانت لأبو طاقية علاقات أخرى بالأزبكية؛ إذ كانت من أكثر الأحياء نموًّا خلال تلك الحقبة. وكان التوسُّع العمراني واضحًا فيها أكثر من غيرها من أحياء المدينة، فقسمت الأراضي الزراعية التي كانت تقع شمال البِركة إلى قِطَع صغيرة، قام الناس باستئجارها لبناء بيوت عليها. ففيما بين ١٠٠٦ﻫ/ ١٥٩٧م قسمت أراضي حديقة وقف علي الفرا، وحديقة الشيخ الطوري، والأرض الخلاء التي كانت جزءًا من وقف مصطفى كتخدا، وجنينة سودون، وما لبثت أن شُيدت عليها البيوت وأصبحت مأهولةً بالسكان، فاتَّسع بذلك العمران الحضري للمدينة.٢٩ وكان هذا الجانب من الأزبكية مقرَّ إقامة أبناء الطبقة الوسطى من الحرفيِّين وتجار والنسَّاجين، وغيرهم. وعندما بدأت المناطق المُحيطة ببركة الأزبكية تصبح مأهولة بالسكان، احتاج الأمر إلى إقامة بِنية أساسية لسد حاجة المنطقة إلى خدمات مثل: الصرف الصحي، والمياه، والمدارس، ودور العبادة.
وفي تلك الحِقبة لم يقم السلاطين، ولا الولاة الذين مثلوهم في حكم البلاد، ولا حتى أمراء العسكر والمماليك، بإقامة البنية الأساسية للأزبكية، ولكن التجار من أمثال أحمد الرويعي وإسماعيل أبو طاقية، والعلماء من أمثال القاضي أحمد النوبي هم الذين قاموا ببناء تلك المنشآت.٣٠ وكان أكثرها ما أقامه أحمد الرويعي الذي بنى مسجدًا وكُتابًا وسبيلًا، وحمامًا، بالإضافة إلى عدد من الورش الحرفية في الحي الذي لا يزال يَحمل اسمه حتى اليوم، وتعدُّ منشآته ذات أهمية كبيرة كنواة لذلك الحي الذي تقع شمال غربي المدينة.
وكان المسجد الذي بناه — أو على الأصح أعاد بناءه — أبو طاقية أقل حجمًا، فقد كان خربًا، يَملكه وقف أحد أقارب إحدى زوجاته ويُدعى الخواجة صالح الأحيمر.٣١ وفي نفس الناحية أقيم مسجد صغير عُرف بجامع النوبي.

خلاصة

لقد أتاح التغيُّر في العلاقات بين الدولة والمجتمع الفرصة لقيام جماعات جديدة ساهمت في التوسُّع العمراني للمدينة. فقد أعقب اختفاء سلاطين المماليك فترة من التنمية العمرانية قام بها بعض الباشاوات العثمانيين، ونجم عن ذلك اتجاه سكان القاهرة إلى المساهمة الفعالة في تطوير البنية الأساسية للمدينة. ولم تحاول المنشآت التي شيدها التجار والعلماء — والتي كان معظمها متواضعًا — أن تناطح الأعمال المعمارية الرائعة التي أقامها سلاطين المماليك أو تلك التي أقامها الباشاوات العثمانيُّون. ولكن المغزى الاجتماعي لتلك المنشآت المعمارية كمساهمة من الفئات الاجتماعية الصاعدة من التجار الأثرياء في عمران المدينة، وما تُمثله تلك المساهمة من دليلٍ مادي على هذه الظاهرة الاجتماعية الهامة، أمر لا يُمكن تجاهله. وكان التغيُّر في العلاقات بين الدولة والمجتمع يعني — بالنسبة لأبو طاقية وغيره من أساطين التجار — تحمل أعباءً مالية لتطوير البنية الأساسية للتجارة. ولكن ذلك أتاح لهم الفرصة لتحقيق الوجاهة الاجتماعية، بما ترتَّب عليها من اكتسابهم مكانة اجتماعية مرموقة دعمتها الثروة التي جلبها لهم نشاطهم التجاري.

ومن السهل أن نتصوَّر أبو طاقية، وقد بلغ ذروة حياته العمَلية بتولي منصب الشاهبندر، وحقَّق لنفسه شهرة بين سكان المدينة، لا كواحد من كبار التجار، بل كأحد أعلامها البارِزين، تجري على يدَيه الحسنات للفقراء، على نحو ما نرى من تقديمه الطعام للمَرضى بمارستان قلاوون، ويحظى بنفوذ اجتماعي كبير، وعرفه الناس عند تنقله من بيته بدرب الشبراوي أو بيته الآخر بدرب الطاحون، أو عندما تنتقل أسرته عبر طريق المرجوش إلى بيت بركة الأزبكية، من هيئته وملبسه، وزمرة الخدم والحشم التي أحاطت بموكبه. ولعل موكبه كان نموذجًا مُصغرًا لموكب رجال الحكم كالباشا وقاضي القضاة، مُحاطًا بالأبهة والهيبة. ولعل عامة الناس ربطوا بينه وبين العمائر الضخمة التي أقامها قربَ وسط المدينة، فقد أصبحت من العلامات العُمرانية المميزة في المدينة والتي تنتسب إليه، كما أنَّ البيت الذي يُقيم به الشاهبندر كان من المعالم البارزة بالمدينة. وكان بدوره يعكس مكانة صاحبه بما يتميَّز به من سعة وفخامة بالنسبة لغيره من البيوت المحيطة به.

١  Andre Raymond, “Les Marches du Caire,” maps 1–6.
٢  محمد صبري يوسف، دور المتصوفة في تاريخ مصر في العصر العثماني، القاهرة ١٩٩٤م، ص٣٤–٤٠.
٣  Index of Mohammedan Monuments 262-263.
٤  المحبي، خلاصة الأثر، ج٤، ص٢٦٢-٢٦٣.
٥  Habiter au Caire, pp. 177-78.
٦  Braudel, “The Mediterranean and the Mediterranean World in the Age of Philip II,” Sian Reynolds, New York, 1976, I, 326-7; Suraiya Faroqhi, Towns and Townsmen of Ottoman Anatolia, Cambridge, 1984, pp. 1–3.
٧  Andre Raymond, “Le deplacement des tanneries a l’epoque Ottomane, Villes du Levant, Revue du Monde Musulman et de la Mediterranee,” vol, 55-56, 1990, pp. 34–43; Masters, pp. 38–40.
٨  Charles Issawi, “Economic Change and Urbanization in the Middle East in I,” Lapidus, Middle Eastern Cities, Berkeley, 1969, pp. 102–108.
٩  Roger Owen, “The Middle East in the World Economy 1800–1914,” London, 1987, pp. 24-25.
١٠  Braudel, “Capitalism,” III, p. 123, 151-152.
١١  Voyages en Egypte de Michael Hebrer von Bretten 1585-1586, Cairo, 1976, p. 68.
١٢  Voyages en Egypte de Johann Wild, 91–4.
١٣  Van Berchem, “Materiaux pour un Corpus Inscriptionum Arabicarum,” Cairo, 1903, vol. I, pp. 126-127.
١٤  Nelly Hanna, “An Urban History of Bulaq”.
١٥  Ulku Bates, “Facades in Ottoman Cairo in Bierman,” Abou el-Hag and Preziosi, The Ottoman City and its Parts, New York, 1991, p. 128ff.
١٦  الباب العالي ١٥٠٣٫١٠٢ بتاريخ ١٠٢٩ﻫ/ ١٦٢٠م، ص٣٥٥.
١٧  الباب العالي، ٢٤٢١٫٩٥ بتاريخ ١٠٢٢ﻫ/ ١٦١٣م، ص٣٨٨.
١٨  الباب العالي، ١٩٩٫٩٠، ص٤٤. ظلت هذه النِّسبة مرعية في كل المعاملات التجارية الخاصة ببناء الوكالتَين.
١٩  الباب العالي ٤١٢٫٩٧ بتاريخ ١٠٢٣ﻫ/ ١٦١٤م، ص٥٥.
٢٠  الباب العالي ٢٠١٫٩٧ بتاريخ ١٠٢٣ﻫ/ ١٦١٤م، ص٢٥.
٢١  الباب العالي ٢٦٠٩٫٩٧ بتاريخ ١٠٢٤ﻫ/ ١٦١٥م، ص٣٥١؛ نفسه ٣٥٠٣٫٩٨ بتاريخ ١٠٢٦ﻫ/  ١٦١٦م، ص٤٧٢.
٢٢  انظر علي مبارك، الخطط التوفيقية، ط٢، ج٣، ص١٤٠.
٢٣  القسمة العربية ٨٢٨٫١٨، بتاريخ ١٠١٦ﻫ/ ١٦٠٧م، ص٥٢٧؛ القسمة العسكرية ٤٧٥٫٣١، بتاريخ ١٠٢٥ﻫ/ ١٦١٦م، ص٢٦٨-٢٦٩.
٢٤  Artisans, pp. 403–405.
٢٥  تضمَّن عقد زواجها شرطًا يتصل بالكسوة التي على الزوج توفيرها من الحرير والمخمل، انظر الباب العالي ١١٢٦٫١٠١، بتاريخ ١٠٢٦ﻫ/ ١٦١٧م، ص١٦٣.
٢٦  Voyage en Egypte de Christophe Harant 1598, Cairo, 1972, p. 197.
٢٧  البكري، كشف الكربة، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، المجلة التاريخية المصرية، مجلد ٢٣، ١٩٧٦م، ص٣١٥–٣٢١.
٢٨  Hanna, “Habiter au Caire,” p. 218 الدشت ١١٩، بتاريخ ١٠١٢ﻫ/ ١٦٠٣م، ص٥٠٤.
٢٩  Hanna, “Habiter au Caire,” pp. 174–178.
٣٠  Hanna, “Habiter au Caire,” pp. 177-178.
٣١  اسم الأحيمر، ربما اتَّصل بالمسجد المسمَّى بالمسجد الأحمر ويقع بالقرب من عمائر الرويعي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤