شَرَفَةُ بني عَطِيَّة

وفي يوم الأربعاء ٨ منه (١٣ أكتوبر) صُرف للعرب صباحًا ما هو مُرَتَّبٌ لهم. وفي الساعة ٧ ق٤٠ سار الحاج صاعدًا على جبل مرتفع نحو العشرين مترًا، صعب الصعود، وبعد الاستواء على سطحه استراح نحو أربعين دقيقة، ثم اتجه مُقبلًا في وادٍ متسع عن يمينه البحر وعن يساره جبال، وفي الساعة ٨ ق٥٠ مر في خور، وفي الساعة ٩ وصل إلى أرض مرملة بشاطئ البحر، وفي الساعة ٩ ق٣٠ نَفذ من بين جبلين صاعدًا إلى وادٍ مرمل به أكمات وخيران كثيرة يتصل بوادٍ سهل مستوٍ بعيد عن البحر، وفي الساعة ١٠ ق٣٠ وصل إلى طريق متسع بين جبال، وبعد نصف ساعة من الغروب استراح، وفي الساعة الأولى من ليلة الخميس سار فمرَّ من أراضٍ متحجِّرة ذات هبوط وصعود، وفي الساعة ٥ ق٣٠ اتسع الطريق وكثر الشجر المسمى بالعبل،١ وفي الساعة ٦ استراح، وفي الساعة ٦ جدَّ السير،٢ وفي الساعة ٧ ق٣٥ مرَّ بمقابر الشهداء، وبهذا الوادي حشايش وزَلط وهو محاط بالجبال، وفي الساعة ١٠ ق٥٠ نزل الركب في محطة الشَّرفا،٣ وهو محل محاط بجبال عالية متحجِّرة ارتفاعها نحو خمسين مترًا، ليس به مياه للشرب.
وقد حصل للموظفين بالمَحْمَل مشقة شديدة، لمنع أمير الحاج الفرَّاشين من التقدم أمام الركب قبل الوصول إلى المحطة بساعتين؛ لنصب الخيام كما كان معتادًا قديمًا؛ ليستكنَّ كلٌّ في خيمته عند وصول الركب، ويستريح من التعب، ويهيئ لنفسه ما يقتاته،٤ فإنهم لما وصلوا إلى المحطة آخر الليل — مع التعب الشديد — لم يجدوا الخيام منصوبة، وتأخر نصبها من الظلام وكثرة الازدحام،٥ وهو لذلك في غاية الانتظار، حتى طلع النهار، فدخل كلٌّ إلى خيمته، واستكنَّ بين أمتعته. وقد شاهدنا مرارًا أن من ضاع منه شيء ونودي عليه فمستحيل أن يعود إليه.

وفي يوم الخميس ٩ منه سنة ٩٧ (١٤ أكتوبر ١٨٨٠م)، بلغت الحرارة بعد الظهر ٢٧ درجة. وفي الساعة ٨ سار الركب في طريق متسع مُرمل به زلط وبعض حشايش وعلى جانبيه جبال شاهقة، وفي الساعة ١١ ق٤٥ استراح، وبعد أربعين دقيقة من الغروب سار، وفي الساعة ٥ ق٥٠ استراح، وفي الساعة ٦ ق١٥ اتَّبع البراح إلى الساعة ٨ ق٢٥، ثم وقف خمسًا وثلاثين دقيقة، وسار في الساعة ٩، وفي الساعة ١٢ وصل إلى عبل ونخيل من الجهتين ممتد إلى المحطة.

١  العبل: شجر الأثل. ويُعرف الأثل علميًّا باسم Tamarix articulate (انظر: موسوعة جابر لطب الأعشاب، د. جابر بن سالم القحطاني، ٢ / ١٦).
٢  كذا، ولعل الصحيح: وفي س٦ ليلًا استراح، وفي الساعة ٦ نهارًا جدَّ السير. والساعة ٦ ليلًا (غروبي): الساعة ١٢ منتصف الليل. والساعة ٦ نهارًا (غروبي): الساعة ١٢ ظهرًا. أو قد تكون استراحة قصيرة لم يدقق الوقت فيها. والله أعلم. وسيمر معنا مثل ذلك في الصفحات القادمة إن شاء الله.
٣  محطة الشَّرَفا أو الشَّرَفة: هي شرَفة بني عطية، قبيلة كريمة مساكنها في شمال غرب الجزيرة العربية، والنسبة منها عطوي. قال الجزيري: الشرفة كالزَّلَّاقة المبنية، مسطحة يساوي منتهاها سطح عقبة أيْلة ووادي عُفان. وأضاف يقول: وبهذه الشرَفة تُضرب الأمثال، في شدة المشاق للجمال، ويُقال: لا حج إلا بعَرَفة، ولا جِمال إلا بعد الشرَفة. لكن مشقتها العظمى على الجمال في الرجعة … وبَردُها زمن الشتاء شديد جدًّا، وفي أيام الاعتدال لا تخلو من البرد (الدرر الفرائد المُنظَّمة، الجزيري، ٢ / ١٣٥٣). وكتب محمد لبيب البتنوني منازل الحاج المصري فذكر أنهم يسمون الشَّرفا أيضًا: أم العظام (انظر: الرحلة الحجازية، محمد لبيب البتنوني، ص١١٢).
٤  ما يقتاته: ما يأكله.
٥  يذكر الرحالة أنه بسبب الظلام وكثرة الازدحام تأخر نصب الخيام إلى أن طلع النهار. وهو بهذا ينتقد إدارة المَحمل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤