عُسْفَان

وبعد ق٤٥ من الغروب (ليلة السبت ٣ / ١٢ / ١٢٩٧ﻫ، الموافق ٥ / ١١ / ١٨٨٠م) سار الرَّكْبُ، وفي س٢ مرَّ بعبل بوادي عُسْفَان،١ وفي س٤ مرَّ بقهوة العبد، وفي س٥ ق٤٥ استراح في مبدء بوغاز٢ وادي عسفان، وفي س٦ ق٤٥ مرَّ الرَّكبُ منه هابطًا من محجر ضيِق عَسِر بين جبلين لا يمرُّ منه إلَّا الجمَل أو الجَمَلان، ومسافته ألف متر، وانتهى في الساعة الثامنة، وهناك آثار يقال لها: قصر جُحا. وفي س٨ وصل إلى محطة عُسفان أو بئر التَّفْلَة،٣ وهو محل مُتَّسع محاط بجبال، به عِشش وسوق يباع بها اللحم والسَّمن والبلح والنارنج والمُسمَّى عندهم بالليم، وهناك ثلاث آبار عَذْبة المياه لا سيَّما بئر التَّفْلَة، فإن ماءها كماء النيل، ويقال: إنَّ ماءها كان مُرًّا، فتَفَل فيه الرسول عليه السلام عند مروره هناك فحلا٤ إلى وقتنا هذا، بخلاف مياه الأخريين فإنها ثقيلة.
١  وادي عسفان: بضم العين، وفي هذه الأيام تُلفظ بفتح العين. وهو واد يقع شمال مكَّة المكرمة، على بعد ٨٠ كيلًا. وَرَد في فضله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: لما مرَّ رسول الله بوادي عُسْفان حين حج قال: «يا أبا بكر أيُّ واد هذا؟» قال: وادي عُسْفان. قال: «لقد مرَّ به هود وصالح على بكرات حمر، خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النِّمار، يلبُّون، يحجون البيت العتيق». رواه أحمد. وقال عنه أحمد شاكر: إسناده ضعيف (انظر: مسند الإمام أحمد، ح٢٠٦٧). وقال عنه الألباني: ضعيف. وقال عنه ابن كثير في تفسيره: هذا حديث غريب من هذا الوجه (انظر: تفسير ابن كثير، ٢ / ٢٣١). وقال عنه في موضع آخر: إسناده حسن (انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، ١ / ١٣٨). وقال المنذري: رواه أحمد والبيهقي كلاهما من رواية زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام، ولا بأس بحديثهما في المتابعات، وقد احتج بهما ابن خزيمة وغيره (انظر: الترغيب والترهيب، ٢ / ١١٧). وقال الهيثمي: في إسناده زمعة بن صالح وفيه كلام وقد وُثِّق (انظر: مجمع الزوائد، ٣ / ٢٢٣).
٢  بوغاز: من التركية، وتعني: الثغر، المضيق، النفق.
٣  عسفان أو بئر التَّفلة: عسفان بلدة صغيرة تبعد عن مكَّة المكرمة شمالًا حوالي ٨٠ كيلًا، وفيها بئر التَّفلة، الذي يقال: إن الرسول قد تفل في هذا البئر فتبارك؛ لكني لم أجد دليلًا صحيحًا صريحًا يؤكد هذه الرواية إلى الآن. والله أعلم. ولا عبرة بما يقوله الناس أو يفعلونه إن لم يؤيده الدليل الشرعي الصحيح الصريح كما هو معلوم.
٤  فَحَلا: أي زالت مرارته فصار حُلوًا. وقد يكون ذلك عند نزول الأمطار، أما في غير ذلك فإن أهل منطقة عُسفان قد أكَّدوا أن ماء هذا البئر مالح. ورحلة الحج هذه كانت في شتاء عام ١٢٩٧ﻫ/١٨٨٠م؛ مما يغلب على ظني أن هذه المنطقة قد مُطرت قبل وصول المحمل المصري، فزالت مرارة هذا البئر، الذي جعل محمد صادق باشا يُصدِّق هذه الرواية. والله أعلم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤