طواف القدوم

وصف الكعبة المشرفة

وعند وصوله إلى باب السلام ومشاهدة الحرم يقول: اللهم إنَّ هذا حرمُك وحرمُ رسولك فحَرِّم لحمي ودمي على النار، اللهم آمنِّي من عذابك يوم تبعث عبادك. ثم يدخل برجله اليمنى ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك.

figure
صورة الكعبة المشرفة.
وإذا وقع بصره على البيت، وهو موضوع في وسط الحرم كالمصباح يقول: اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا ومهابة وتكريمًا. ويدعو الله بما شاء بالقلب مع الخشوع والتذلل، ولا يزاحم أحدًا. ويتجه إلى باب بني شيبة وهو مشتمل على عمودين تعلوهما قنْطرة١ أمام مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويمر منه قائلًا: رب أدخلني مدخل صدق، وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا، وقل جاء الحق وزهق الباطل إنَّ الباطل كان زهوقًا. ويتوجه إلى الجهة القبْليَّة٢ من الكعبة ويقف ما بين الركن اليماني والحجر الأسود، وينوي طواف القدوم سبعة أشواط، ويتوجه إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود داعيًا الله تعالى، فيستلم الحجرَ ويُقبِّلهُ؛ وهو حجر أسود به تشقق، مصون في صندوق من الفضة، مبني في الركن الشرقي من الكعبة، وفي هذا الصندوق فتحة مستديرة قطرها سبعة وعشرون سانتي٣ (سم)؛ أعني شبرًا وثلثًا، يُرى منها الحجر ويستلم، وقد صار ذا شكل مقعَّر كطاسة٤ الشرب. وكيفية استلامه أن يأتي الشخص إليه فيضع يده عليه ويقبِّله مكبِّرًا، فإن لم يمكن القرب منه للازدحام وقف محاذيًا له بُرْهة، ثم يشير إليه بيده مع التكبير ويُقبِّلها،٥ ثم يطوف حول البيت من شرقية بأن يمر أمام بابه خارجًا عن الشاذروان مارًّا من وراء الحطيم.

فأما الشاذروان، فهو الجدار المحيط بالبيت البارز من أسفله كدرجة سُلَّم، عرضه من جهة عشرون سانتي (سم)، ومن جهة أخرى أربعون، وارتفاعه نحو عشرين من جهة، وثلاثين من أخرى.

وأما الحطيم، فهو بناء مستدير أمام الجهة البحرية٦ من البيت على شكل نصف دائرة، ارتفاعه متر وسُمكه متر ونصف، مغلَّف بالرُّخام، أحد طرفيه محاذ للركن الشامي والآخر للغربي، مسافة ما بين كل طرف منهما وبين الركن متران وخمسة وثلاثون سانتي (سم)، فهما منفذان متقابلان يمر منهما إلى حِجر إسماعيل عليه السلام، ومسافة ما بين طرفي نصف الدايرة من داخل ثمانية أمتار. وأما نفس حِجْر إسماعيل، فهو المحل المتسع المنحصر بين ضلع الكعبة البحري وبين الحطيم، ومسافة ما بين وسط هذا الضلع ووسط تجويف الحطيم من داخل ثمانية أمتار وأربعة وأربعون سانتي (سم)،٧ وفي أعلى منتصف هذا الضلع من الكعبة الميزاب وهو مصوغ من الذهب.٨
ووراء الحطيم بمسافة اثني عشر مترًا حدُّ المطاف المستدير حول الكعبة، وفي حدود هذا المطاف أعمدة من حديد مزخرفة الشكل متصل بعضها ببعض بواسطة قضبان تُعلَّق فيها قناديل البلَور للاستصباح ليلًا، فيشترط أن لا يطاف خارجًا عنها.٩ ويتم دور الطواف بالوصول إلى أمام الحجر الأسود، وعند ذلك يقف الطائف بُرهة مستقبلًا له ومكبِّرًا، ثم يمسُّه بيده إن أمكن وإلَا فيشير إليه مع التكبير، وحينئذ يتم أول شوط، ويستمر على ذلك إلى تمام السبعة الأشواط، والمطوِّف١٠ معه يلقِّنه دعاء كل شوط، فإن لم يكن مطوِّف ولم يكن حافظًا للأدعية قال في جميع الأشواط: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم.

ثم بعد مسِّ الحجر الأسود في انتهاء الشوط السابع يأتي إلى أمام الملتزم؛ وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود، فيدعو الله بما شاء.

ثم يتوجه إلى مقام سيدنا إبراهيم المقابل لباب الكعبة، البعيد عنه بنحو اثني عشر مترًا، داخله الحجر الأسعد الذي كان يقف عليه سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند بناء الكعبة، وبه أثر قدميه، فيصلي ركعتي الطواف١١ ويدعو الله.
١  قنطرة: جسر صغير لعبور المشاة.
٢  الجهة القبلية: يقصد الجهة الجنوبية الشرقية.
٣  سانتي: وحدة القياس المعروفة سنتيمتر، واختصارها: سم.
٤  طاسة: أو طاس، وهو ماعون مقعَّر دائري يستخدم في الشرب. وأحيانًا يطلقُ على القدر الصغير (جمعها قُدور): طاسة. والخوذة التي يلبسها المقاتل على رأسه تُسمَّى قديمًا: طاسة. ومنها يقال له: مطوَّس. وجاء في لسان العرب: تطوست الجارية: تزينَّت. ويقال للشيء الحسن: إنه لَمُطَوَّسٌ (انظر: لسان العرب، ٦ / ١٢٧، مادة: طوس).
٥  يكون ذلك عند استلام الحجر باليد؛ لما روى نافع قال: رأيتُ ابن عمر رضي الله عنه يستلم الحجر بيده، ثم قبَّل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله يفعله. رواه مسلم (انظر: صحيح مسلم، ح١٢٦٨).
٦  الجهة البحرية: يقصد الجهة الشمالية.
٧  الحطيم هو حِجْر إسماعيل، وإن كان الرحَّالة — كما رأينا — يطلق اسم الحطيم على الجدار، وحجر إسماعيل على المكان المحصور بين الكعبة المشرفة والجدار؛ وهي ستة أذرع وشبر أنقصتها قريش من الجانب الشمالي عندما بنت الكعبة. (انظر: تاريخ الكعبة المعظمة، حسين باسلامه، ص٢٠١). قالت عائشة رضي الله عنها: سألت رسول الله عن الجَدْر أَمِنَ البيت هو؟ قال: «نعم.» قلتُ: فلِم لَم يُدخلوه في البيت؟ قال: «إن قومك قصرت بهم النفقة.» قلتُ: فما شأن بابه مرتفعًا؟ قال: «فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا، ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجَدْر في البيت، وأن ألزق بابه بالأرض.» رواه مسلم (انظر: صحيح مسلم، ح١٣٣٣). لذلك لا يجوز الطواف من خلاله. قال ابن عباس رضي الله عنه: من طاف بالبيت فليطف من وراء الحِجْر. رواه البخاري (انظر: صحيح البخاري، ح٣٦٣٥).
٨  أول من وضع ميزانًا للكعبة المشرفة قريش حين بنتها في سنة ٣٥ من مولد النبي ، وكان مصبه في حجر إسماعيل. وكلما تلف ميزاب تسابق حكام المسلمين في وضع واحد مكانه، إلى أن جاء عهد السلطان العثماني عبد المجيد، الذي أمر بصنع ميزاب جديد من الذهب الخالص، أرسله من أستنبول مع الحاج رضا باشا عام ١٢٧٦ﻫ/١٨٦٠م ويزن حوالي ٥٠ رطلًا (انظر: تاريخ الكعبة المعظمة، حسين باسلامه، ص٢٣١). وتم تجديد هذا الميزاب في عام ١٤١٧ﻫ/١٩٩٧م.
٩  هذا الكلام غير صحيح، فالصحن كله يجوز الطواف فيه.
١٠  يعتقد أن صناعة التطويف قد ابتدعت في عهد المماليك في نهاية القرن التاسع الهجري. قال أحمد السباعي: ولعل صناعة التطويف ابتدعت في هذا العهد؛ لأن الشراكسة بحكم جهلهم اللغة العربية، وميلهم إلى الأبهة والبذل، كانوا يفضلون أن يعتمدوا على من يخدمهم ويدلهم على مشاعر الحج ويتلو أمامهم أدعيته، حيث حج قايتباي في عام ٨٨٤ﻫ/١٤٨٠م وكان القاضي إبراهيم بن ظهيرة قد تقدم لتطويفه وتلقينه الأدعية، ولم يذكر المؤرخون مطوِّفا قبل القاضي كان يلقن الحجاج في مكَّة فيما قرأته من تواريخ مكَّة (تاريخ مكَّة، أحمد السباعي، ١ / ٣٨٣، بتصرف). وبعد انتشار العلم — ولله الحمد — في زمننا هذا، أعتقد أن الناس في غنى عن هذه الطائفة. قال الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله: لا حاجة إلى الملقنين، وهم هؤلاء الذين يقولون: نلقِّنك نطوِّفك. وذلك لأنهم يقطعون الأدعية حتى لا يكون لها معنى، وقد تتحرف أي يحرفونها، ويخطئون في لفظها، ثم إن تقطيعها لا يكون له وقعٌ في النفس، وإنما عليك أن تدعو بما تحفظ ولو جملة واحدة، وإن اقتصرت على الذكر: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا إله إلا الله … إلخ. كفاك ذلك (بعض المخالفات المنتشرة بين الحجاج والمعتمرين، ص٢٢، بتصرف واختصار).
١١  قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قدم النبي فطاف بالبيت سبعًا، وصلَّى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. رواه البخاري (انظر: صحيح البخاري، ح٣٨٧).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤