عين زُبَيْدَة

مياه مكَّة من عين زبيدة، التي أنشأتها السيدة زبيدة١ حرم الخليفة هارون الرشيد،٢ منبعها بوادي نعمان البعيد عن عرفات بنحو ساعتين، وهو منحط عن سطح الأرض بثمانية عشر مترًا،٣ والمسافة من المنبع إلى مكَّة ثلاثة وأربعون ألف متر،٤ وماؤها يجري في قناة مبنية من المنبع إلى مكَّة كقناة الوابور،٥ عرضها من الأعلى متر بل تارة يزيد، وفراغها من خمسين سانتي (سم)، مغطاة ببناء من الحجارة، وبالغطاء فتحات بقدر خمسين سانتي (سم) أو أكثر؛ لأجل الملء منها، وهذه الفتحات متباعدة عن بعضها بنحو العشرة أو العشرين مترًا على حسب المواقع، وبجانبها أحواض لشرب دوابِّ المارِين، وأحواض أخرى لشرب الآدميين، وسطح القناة تارة يكون مساويًا لسطح الأرض، وتارة مرتفعًا عنها إلى سبعة أمتار، على حسب ارتفاع الأرض وانخفاضها، كما شاهدت جميع ذلك بعرفات، حيث تمر بجانب جبل الرَحمة، متجهة إلى منى، ثم إلى مكَّة، وهناك تصب في جملة صهاريج متعددة.

وقد حصل فيها قبل أوان الحج بعض انهدام، وجرى ترميمه من أهل الخيرات. وأرسل من مصر أمداد خمسة وعشرون ألف جنيه مع حضرة أحمد بيك، أحد معاوني الداخلية، ولحضور حضرة مصطفى بيك جركس المهندس، متعينًا معه من مصر لمشاهدة العمارة الجارية بقناة العين، مع كونها كانت قد انتهت تقريبًا، لم أجد لزومًا لتوجهي إلى المنبع ومناظرة ما بقي من التعميرات المشاعة، حيث شاهدتُ القناة مبنية بناء متينًا من مكَّة إلى عرفات، ولم أدر ما وراء ذلك.

١  زبيدة: السِّت المحجَّبة، واسمها أَمَةُ العزيز، وزبيدة لقب لها، وهي زوجة أمير المؤمنين هارون الرشيد وأم ابنه الأمين الخليفة من بعده. ولدت في عام ١٤٥ﻫ/٧٦٢م. من النساء الفاضلات. حجَّت في عام ١٨٦ﻫ/٨٠٢م، فشاهدت معاناة الحجاج في الحصول على أعز مطلوب، وهو الماء، فأمرت بحفر هذه العين، التي عرفت بعين زبيدة. وقامت بوضع العلامات، وحفر الآبار، وبناء البرك، في طريق الحاج العراقي، بحيث إذا مرَّ الحجاج بهذه البرك، تكون خلال السنة قد امتلأت من الأمطار، فيشربون منها. عرف هذا الطريق باسم درب زبيدة. ومن برَكة هذين العملين: عين زبيدة ودرب زبيدة، أن بقيا أكثر من ألف سنة والناس تنتفع بهما، فما أعظمه من عمل. توفيت زبيدة عام ٢١٦ﻫ/٨٣١م رحمها الله (انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، ١٠ / ٢٤١).
٢  هارون الرشيد: أحد خلفاء الدولة العباسية الكبار. ولد في الريِّ عام ١٤٨ﻫ/٧٦٥م، تولى الخلافة بعهد من أبيه بعد وفاة أخيه الهادي عام ١٧٠ﻫ/٧٨٦م. كان من أميز الخلفاء وأجل ملوك الدنيا، وكان كثير الغزو والحج. وكان يحب العلم وأهله، ويعظِّم حرمات الإسلام، ويبغض المراء في الدين، والكلام في معارضة النصوص الشرعية. وبلغه عن بشر المريسي القول بخلق القرآن، فقال: لئن ظفرت به لأضربن عنقه. ومن محاسنه أنه لما بلغه موت العالم الجليل عبد الله بن المبارك جلس للعزاء، وأمر الأعيان أن يعزوه في ابن مبارك. وفكَّر هارون الرشيد في ربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر إلَّا أن يحيى بن خالد البرمكي قال له: كي يختطف الروم الناس من المسجد الحرام، وتدخل مراكبهم إلى الحجاز، فتركه. وتمَّ بعد ذلك ربط هذين البحرين بحفر قناة السُّويس، حيث انتهوا من حفرها عام ١٢٩١ﻫ/١٨٧٤، توفى هارون الرشيد بطرس عام ١٩٣ﻫ/٨٠٩م رحمه الله (تاريخ الخلفاء، السيوطى، ص٣٢٦، بتصرف).
٣  وادي نَعْمان: ويسمَّى خَبْت نعمان؛ لاتساعه الذي يقرب من ٣ أكيال. واد فحل من الأودية التي تحيط بمكَّة، يأخذ أعلى مساقط مياهه من رأس جبل كرا من ارتفاع ١٩٥٠ مترًا ثم تتجمع صدوره عند جبل قرن المدراء، وهو الجبل الصغير الحائز عن الجبال الذي تراه على يسارك وأنت تصعد حزم الكر، فإذا تجمعت صدوره — ويسمونها الصدَّر — أخذ الوادي إلى الجنوب الغربي، جاعلًا جبل كبكب على يمينه وجبال سحار يساره إلى أن يجتمع بوادي عُرَنَة عند عين العابدية ويبلغ طوله من رأس كرا إلى العابدية ٥٠ كيلًا تقريبًا، ويبعد أول وادي نعمان عن مكَّة ٢٤ كيلًا شرقًا تقريبًا، فإذا اجتمع مع عُرَنة مرَّ على حدود الحرم، على بعد ١٢ كيلًا جنوب مكَّة (أودية مكَّة المكرمة، عاتق بن غيث البلادي، ص٣١).
٤  ٤٣ كيلًا.
٥  الوابور: القطار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤