ميناء السويس

وفي يوم الأحد ٢٨ ل/٣ أكتوبر، الساعة الواحدة إلا ربع نزل بالقرب من بئر السُّوَيْس، فكانت المسافة من الشيخ التكروري إلى البئر بسير الجِمال ساعة ١٥ وق١٠، وفي الساعة الثانية تهيأ المَحْمَل بكسوته المزركشة واصطفت أمامه الضُّباط والعساكر والطبول والأشاير، وسار الموكب إلى أن قرب لبندر السويس،١ وتقابل مع محافظها وعساكرها وأعيانها ومشايخها ومن بها من أهل الطريق، وساروا جميعًا أمام المَحْمَل بموكب عظيم وجمٍّ من الأهالي المتفرجين، حتى مروا من قَنْطَرَة التِّرعة الحلوة،٢ ووصلوا إلى ميدان محطته المعتاد الساعة ٣، ودخل كل من المستخدمين خيمته، وبارك أمراء السويس لأمراء الحاج بسلامة الوصول كما هي الأصول. وفي وقت الظهر بلغت الحرارة ٣٣ درجة. وبعد العشاء أُطلقت الصواريخ، وضُربت الطبول أمام خيمتي الأمير والأمين، ثم أمام بيت محافظ السُّويس.٣
وفي يوم الإثنين ٢٩ ل/٤ أكتوبر، جرى استلام خَرْج المستخدمين من شونة٤ السويس، من قنيظة وأرز وعدس ومسلى وعلايق للمواشي، على حسب المرتب لمدة السفر منها إلى نِخِل بكسر النون والخاء. وقد ارتقت الحرارة ظهر هذا اليوم إلى أربعة وثلاثين درجة ونصف.
وفي يوم الثلاثاء غاية ل (٥ أكتوبر) كانت الحرارة صباحًا ستة عشر درجة، وفي الساعة الواحدة إلا ثلث قام الرَّكب، ووصل إلى قنطرَة التِّرعة المالحة٥ س١ ق٤٠، وكان البحر مُنْجَزِرًا،٦ فانتظرنا مدة حتى علت المياه، وأُلقت أبوا القنطَرة، ومر جميع الركب من الساعة ٥ ق١٥ إلى س٦.
وكان عدد الركب: ١١٠٣ أنفس، و٢٤٧ حصانًا، و٤٨٨ جملًا، و١٠٠ حمار. ولم يكن معه من هو قاصد للحج من الأهالي إلا شِرْزِمةٌ٧ قليلة من الفقراء، وأما الأغنياء من الحجاج، فتوجهوا جميعًا بَحرًا.
ووصل الرَّكب إلى الناطور الأول الساعة ٨، وهذا الناطور مبني بالحجر الزَّلَط،٨ فوق تلٍّ من الرمل، كهيئة طاحون الهواء، عرضه أربعة أمتار وارتفاعه أربعة، وفي س١٠ ق٤٥ وصل إلى الناطور الثاني وهو على شكل العامود، ارتفاعه ثلاثة أمتار، مبني بحجر النحت،٩ وصار المبيت بجانبه في وادٍ متَّسع مُرمِل به بعض أَكَمات١٠ صغيرة ورمال متنقلة.

وفي الساعة التاسعة من ليلة الأربعاء سار الركب ومر على الناطور الثالث الساعة عشرة، وهو مثل الثاني ومُعدٌّ لمبيت الحاج، وقد جُعلت هذه النواطير في هذا الوادي المُتَّسع أعلامًا لتدل المسافر على الطريق، وفي الساعة ١١ وصل لمحل يُسمى العلواية، واستراح قَدر نصف ساعة، ثم سار في طريق كلها رمال بين صعود وهبوط محاطة بتلال.

وفي يوم الأربعاء أول ذي القعدة سنة ٩٧ﻫ/٦ أكتوبر ١٨٨٠م، وصل بعد مضي أربعين دقيقة من النهار إلى سلسلة تلال تمتد شَرقًا إلى اليمين، وعلى س١ ق٥ تتجه شرقًا بينها ثم تنحرف مُبحِرًا، ثم تعتدل شرقًا، وبعد الساعة ١ تتجه غَربًا، ثم تُبحِر مع تعرُّج بتقوُّس كبير مسافة خمسة دقايق،١١ ثم تُشرِّق بين رمال كثيرة متسلسلة ما بين الشرق والجنوب محاطة يسارًا بسلسلة التلول المار ذكرها، وفي س٣ ق٥ تمر فوقها مُشرِّقة مُقبِلة إلى س٣ ق٤٠، ثم على سلسلة أخرى مُشرِّقة ثم مُبحرة ثم تعتدل شرقًا، وفي س٤ تمر بمحجر وتنحرف بين الشرق والشمال وتصير سلسلة التلال يمينًا، ثم بعد مسير خمس دقائق تتجه شَرْقًا، وبعد خمس دقائق أخرى تتجه قِبْليًّا، ثم تُشَرِّق في وادٍ مُتَّسِع ذي أرض صلبة صالحة للزراعة بها حشايش قصيرة، وفي س٥ ق١٥ استراح الرَّكب، وفي س٥ ق٤٥ سار، وفي س٦ ق٢٠ مرَّ بطريق بين جبلين، بها زَلَط ورمل، عرضها من ١٥٠ مترًا إلى ٢٠٠ متر، تستمر إلى س٦، أعني مسافة عشرة دقائق، ثم تتجه ما بين الجنوب والشرق إلى س٦ ق٤٣ فتعتدل بتقوُّس بتعرُّج إلى الشرق بين خيران١٢ صغيرة من مجرى السيل، ثم تنحرف إلى الجنوب الشرقي، ثم شرْقًا، وهكذا تارة وتارة على حسب امتداد الجبال بها من الطرفين إلى س٧ ق١٥، ثم تنحرف جنوبًا قدر ثلاث دقائق، ثم تتجه إلى الشرق، وبعد س٧ ق٥٣ تتجه جنوبًا وتضيق، وبعد مسير خمس دقائق تُشرِّق مع صعود قليل ممتد، ثم تنحدر في خور، وفي نهاية س٨ ق١٠ تتجه إلى الجنوب الشرقي ثم شرقًا، وفى نهاية س٨ ق٤٥ تتسع الطريق ويقل الزلط ويثبت الرمل، وفي نهاية س٨ ق٥٣ يصل الركب إلى محجر مضيق اتساعه عشرون مترًا، ثم يتضايق١٣ إلى خمسة أمتار، ويمتد مع صعود وهبوط على طول ثلاثمائة متر، ثم يتسع الطريق، ثم يضيق مع صعود، ثم يتسع ويميل إلى الجنوب الشرقي ثم إلى الشرق، ثم ينحرف إلى الجنوب الشرقى إلى نهاية س٩ ق٤٢، ثم يتجهه قليلا إلى الشرق، وبعد س٩ ق٥٠ يتجه إلى الجنوب بتعرج بتقوُّس مُتَّسع بين جبلين، ثم إلى الشرق، وبعد س١٠ يهبط من محجر مضيق، وبعد س١٠ ق٣٠ تقل الجبال ويتسع الطريق بين صعود وهبوط في حجارة، وفي س١١ انتهت التلال إلى وادٍ سهل متسع يُسمى بوادي جبال الحصن، وفي الساعة ١١ نزل الركب للمبيت، وكل هذه الطريق مار من وادي التِّيه،١٤ وفي الساعة الثامنة من ليلة الخميس ضُرب مدفع التحميل، وفي س٩ سار الركب، وكانت حرارة الجو ١٢ درجة، وفي س١١ ق٤٥ نزل للاستراحة.
١  بندر السويس: ميناء السويس. وكان اسمها قديمًا: القُلزُم. لذلك كان البحر الأحمر يُسمى قديمًا بحر القلزم.
٢  الترعة الحلوة: هي ترعة السويس الحلوة. وتسمى: تِرعة الإسماعيلية. والذي أجرى هذا النهر هو الخديوي إسماعيل بن إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا. وتبدأ هذه الترعة من النيل في شمال القاهرة، وقبل أن تصل إلى مدينة الإسماعيلية تتفرع هذه الترعة إلى فرعين: فرع يتجه شمالًا إلى مدينة بور سعيد والثاني يتجه جنوبًا إلى مدينة السويس.
٣  محافظ السويس: الحاكم الإداري لمدينة السويس.
٤  شونة: مخزن، مستودع حبوب.
٥  القَنطَرة: جسر على الماء للعبور. التِّرعة المالحة: قناة السويس. وبدءوا في حفرها عام ١٢٨٦ﻫ/١٨٦٩م، وانتهوا منها عام ١٢٩١ﻫ/١٨٧٤م.
٦  مُنجزِرًا: في حالة الجَزر، وهو انحسار مياه البحر.
٧  الشِّرزمة: بالذال والدال، القليل من الناس. وتأتي بمعنى: القطعة من الشيء (انظر: لسان العرب، ١٢ / ٣٢٢، مادة: شرذم).
٨  الحجر الزَّلَط: الحجارة القاسية المعروفة، بخلاف اللبن وهو الطين النيئ، أما الطين المحروق فهو ما نسميه الفخار، والذي يُستخدم في البناء يُسمى في أيامنا الطوب الأحمر.
٩  حجر النحت: الحجر المأخوذ والمنحوت من الجبال.
١٠  أَكما: مفردها أَكمة والأكمة: دون الجبل وهي الرابية، وتجمع على أكمات وأَكَم وأُكُم وآكام (انظر: لسان العرب، ١٢ / ٢١، مادة: أكم).
١١  دقايق: دقائق، ومفردها دقيقة.
١٢  خيران: جمع خور.
١٣  يتضايق: أي يضيق.
١٤  وادي التيه: يقع في سيناء حيث تاه بنو إسرائيل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤