وصف المسجد النبوي وكيفية الزيارة

والزائر لرسول الله ١ يدخل من باب السلام سائرًا في طُرْقَة مُتَّسعة مفروشة بالمَرْمَر تنتهي إلى ما وراء حُجرته ، وعلى يساره المسجد بعمدانه المزخرفة مفروشًا بالأبسطة الثمينة، وفيه المنبر والمحراب الشريف والروضة المطهَّرة، ويصطحب الزائر عند الدخول من باب السلام بأحد المُزُوِّرين أعني المرشدين للزوار على رسوم الزيارة، ولديهم أدعية مأثورة، تُتلى ويدعى بها عند كل مشهد، والمزُوِّر بالمدينة كالمطوِّف بمكَّة، ولولاهما لم ينتظم للحجاج بهاتين البلدتين حال.٢
ويسير الداخل من باب السلام في الطُّرْقَة٣ المذكورة، ويمرُ بين المنبر والمحراب، ويصلي ركعتين تحية المسجد بالروضة الشريفة،٤ ثم يخرج من بين المحراب النبوي والمقام الشريف، ويدخل في الطُّرقَة المذكورة ويتوجه إلى شُبَّاك التوبة،٥ وهو الشُّبَّاك المتوسط بين شباكين من نحاس، منقوش كالشَّبك، ومكتوب عليه آيات قرآنية، وذلك الشُبَّاك مواجه للقبر الشريف، يقفون أمامه للزيارة، وهو من ضمن أبواب الحجرة النبويَّة، ومكتوب على هذا الباب:٦
مَنْ عَوَّدَ النَّاسَ بإحسانه
وعمَّ بالفضل جميع الأنام
تزاحم النَّاسُ على بابه
والمنهلُ العذْب كثير الزِّحام
وبهذا الشُّبَّاك ثلاث طاقات٧ مستديرة في اتساع اليد، يُرى من الأولى الكوكب الدُّرِّي المعلَّق على ستر المقام الشريف من داخل الحجرة على علوِ ذراع من الأرض؛ وهو قطعة ألماس كبيرة كبيضة الحمامة في وزن اثنين وتسعين قيراطًا، وبأسفله فصٌّ من زُمُرُّد كبير مُثمَّن، وهما في شبكة من الذهب معلَّقان بالمواجهة الشريفة، ومن تحتهما فجوة صغيرة مستورة بستر المقام، يوضع فيها تراب الصَّندل في السابع عشر من ذي القعدة الحرام في كل عام،٨ وعند دوران الحول تقتسمه الأغوات،٩ ويُعطون من الزوَّار بقصد التَّبرُّك. ومن العاد الجارية في المدينة، أنهم يضعون في هذه الفجوة كل مولود يوم أربعينه، ويسبلون عليه السُّتُر، كما أهل مكَّة يضعون المولود كذلك على عتبة الكعبة المشرَّفة.١٠
والبرزخ الشريف بعيد عن الشُّباك بقدر أربعة أمتار، ويقف الزائر بعيدًا عن الشُّبَّاك المذكور بذراعين، واضعًا يديه على صدره خافضًا بصره داعيًا بما يلقنه المزُوِّر، ثم يتقدم خطوة إلى اليمين حتى يحاذي الدائرة الثانية، وهي بمواجهة الصَّدِّيق الأعظم رضي الله عنه، ويدعو، ويتزحزح إلى اليمين خطوة، ويحاذي الدائرة الثالثة، المواجهة للفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويسلِّم ويدعو كذلك. ثم يتوجه لشرق المقام من الطُّرْقة الثانية أمام الشُّبَّاك الوسطاني١١ من الثلاثة شبابيك؛ التي هي شبابيك مهبط الوحي.
والستائر المحيطة بالمقام الشريف تُرى من جميع هذه الشبابيك، والستائر المذكورة مسدولة إلى الأرض موصلة بمحيطة قاعد القبَة الشريفة،١٢ بحيث لا يرى الزائرُ القُبَّة من داخل الحرم أيًّا كان، وعند هذا الشُّبَّاك يُسلِّم على الملائكة الأربعة الكرام، ويدعو، ويتقدم يمينًا إلى الشُبَّاك الثالث، ومنه إلى باب يقال له: باب السيدة فاطمة، ويسلِّم ويدعو، وبجواره البقعة التي سيدفن فيها عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بعد نزوله من السماء.١٣ والسيدة فاطمة رضي الله عنها لم تكن مدفونة بتجاه هذا الباب، وإنما هو من جملة أبواب الحجرة الشريفة تسمَّى بها، وهي مدفونة بالبقيع بجوار العبَّاس عمِّ النبي على القول الصحيح. وهذا الباب معدٌّ للدخول إلى الحجرة النبويَّة في كل ليلة للخدمة، ثم بعد أن يدعو الزائر هناك، يستدبره ويسلِّم على أهل البقيع ويدعو؛ لأن البقيع من وراء هذه الجهة، خارج المدينة، معدٍّ لدفن أمواتها، ثم يلتفت إلى شماله، ويستدبر القبلة، ويستقبل جبل أحد، ويسلِّم على حمزة عم النبي ، وعلى الشهداء ويدعو، ثم يرجع القهقرى١٤ إلى مبدأ هذه الجهة حتى يأتي قِبلة المَدْعَى، فيدعو الله بما شاء بدون واسطة المزوِّر، ثم يستدير على يمينه حتى يواجه الشُّبَّاك النبوي، ويسلِّم، ويدعو ثانيًا، ويلتفت خلفه، ويتوجه إلى محراب سيدنا عُثْمان بن عفَّان رضي الله عنه، وهو في الحائط التي عن يمين الطُّرقة المبدوأة١٥ من باب السلام، ويدعو، وبذلك تتم الزيارة.
ثم يدخل الحرم ويزور محل الجِذْع،١٦ وهو جذْعٌ كان النبي يخطب عليه قبل اتخاذ المنبر الشريف، وبعد اتخاذ المنبر حنَّ ذلك الجذْعُ لفراقه، وبقي هناك مدَّة بعد وفاته ، ثم أحرز في هذا المحل بجوار المحراب.١٧
ثم يتوجه لزيارة المحراب والمنبر والروضة، ويصلي بها ركعتين، ويميل لزيارة المصحف العثماني من وراء الشبكة، وهو موضوع على رَحْلَة، على يمين الداخل للحجرة الشريفة من باب الوفود، ولا يُفتح هذا المصحف إلَّا عند حادث عظيم كحرب أو وباء، فتجتمع العالم١٨ بالحرم، ويدخلون بالحجرة من الباب الشامي لهذا المقصد، ويفتحون المصحف ويقرؤن١٩ فيه ما تيسَّر من القرآن. وهذا المصحف أحد المصاحف السبعة الأولى التي استُكْتبت عند جمع القرآن الشريف من أفواه حملته، وهذا المصحف هو الذي قُتل عثمان بن عفَّان رضي الله عنه وهو في حجْره، ووقع دمه فيه، على قوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة: ١٣٧). وباق به هذا الأثر إلى الآن.
ومن أراد دخول الحجرة الشَّريفة؛ يتيسَّر له ذلك بواسطة الأغوات، قبل الغروب، بنيَّة إيقاد الشمع، ويلبسونه أثوابًا من أثوابهم بيضاء. وأما زيارة أهل البقيع وحمزة رضي الله عنه فقد جُعلت في الحرم؛ تسهيلًا على المسافر.٢٠

وللحجرة أربعة أبواب، باب صغير في شبَّاك التوبة، وباب السيدة فاطمة، والباب الشامي، وباب الوفود، ومن هذا الباب كان النبي يخرج للصلاة بالحرم، وهذه الحجرة في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها.

والحرم النبوي مزخرف، موضوع بشكل جميل، طوله من داخل ١٥٥ ذراعًا معماريًّا، وعرضه من القبلة ١٥٥ ذراعًا، ومن البحري ٨٨ ذراعًا، وأحجاره من جبل بالقرب من المدينة، وعواميده مُجصصة مغطاة بأدهان ونقوش، ولم تكن أعمدة من رخام؛ لعسر نقلها من محلها، وأرضه مفروشة بالبُسط الثِّمان،٢١ وله بابان من الجهة الشرقية؛ وهما: باب السلام، في ابتداء الجدار الغربي من زاويته القبلية، وفوقه مأذنة،٢٢ ويبتدئ الزائر بالدخول منه، وفي وسط هذه الجهة الباب الثاني، وهو باب الرَّحمة، وخارجه مأذنة صغيرة، وحنفيَّات٢٣ للوضوء، ويمكن للزائر أن يدخل من هذا الباب، إلَّا أنه يميل على يمينه، ويسير في الطُّرْقة الموصلة إلى باب السلام، ويدخل في طُرْقته، ومنها يتوجه للزيارة كما سبق.

وبابتداء الحائط الشرقية مأذنة تواجه باب السلام، وبهذا الحائط الشرقي بابان: أحدهما باب جبرائيل، أمام باب السيدة فاطمة، والآخر باب النساء، مواجهًا لباب الرَّحْمة، والجدار البحري في كل طرف منه منارة، وفي وسطه باب التوسُّل، فبذا يكون بالحَرَم خمس مآذن وخمسة أبواب.

وفي وسط الحرم صحن يقال له: الحصوى،٢٤ به جنينة صغيرة،٢٥ بها بئر ونخل، تسمَّى بجنينة السيدة فاطمة.
والحرمُ تغلق أبوابه في الساعة الثالثة من الليل، في غير موسم الحج، ولا يبقى به إلَّا الأغوات المختصة بالخدمة.٢٦

وبالحَرَم حَمامٌ كحمام حرم مكَّة محرَّمٌ صيده وقتله.

وأدعية الزيارة موضوعة بالرحلة التي طبعناها سابقًا فلتراجع.

وقد تيسَّر لي أخذُ خريطة الحرم السطحية بالضبط والتفصيل، وأخذتُ — أيضًا — رسْم المدينة المنورة بالفطوغرافيا، مع قبَّة المقام الشريف والخمس منارات، وقد أخذتُ منظر القُبَّة الشريفة من داخل الحرم،٢٧ وأخذتُ — أيضًا — صورة سعادة شيخ الحرم وبعض أغوات الحجرة الشريفة، وما سبقني أحد لأخذ هذه الرسومات بالفطوغرافيا أصلًا.٢٨
وبجوار الباب المصري بالمَناخة دكاكين٢٩ وقهاوي٣٠ من أخشاب وسوق للغلال٣١ والمواشي،٣٢ ومن المناخة يرى داخل سور المدينة قُبَّة بيضاء، وهي مقام سيدي أبي سعيد مالك بن سنان٣٣ صاحب لواء رسول الله يوم أحد.٣٤
١  زيارة المسجد النبوي للصلاة فيه سنَّة ثابتة، والصلاة فيه عن ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلَّا المسجد الحرام، ويشرع السفر للصلاة فيه؛ لقوله : «لا تُشد الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى». رواه أبو داود. ولا علاقة لزيارة المسجد النبوي بالحج، وليست زيارته من مكمِّلات الحج، وليس لها وقت محدد، لكن من زاره قبل الحج أو بعده، أو في أي وقت من السَّنة، حصل له الفضيلة بإذن الله. وبعد أن يؤدي الصلاة فيه يذهب إلى قبر النبي ويقف مقابله، ويقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. وإن قال الزائر في سلامه: «السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده.» فلا بأس بذلك لأن هذا كله من أوصافه . ثم يتأخر قليلًا جهة المشرق، ويقف تجاه أبي بكر رضي الله عنه، ويقول السلام عليك يا أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته. ثم يتأخر قليلًا جهة المشرق أيضًا، ويقف تجاه عمر رضي الله عنه، ويقول: السلام عليك يا عمر بن الخطاب ورحمة الله وبركاته. ثم ينصرف. وإذا أراد أن يدعو، فإنه يدعو في المسجد متجهًا إلى القبلة، ولا يتمسح بجدران الحجرة، ولا بشبابيكها، فإن هذا بدعة، وهو من وسائل الشرك، ولا يستغيث بالنبي أو يطلب منه شيئًا، فإنَّ هذا شرك أكبر. ويزور مقابر البقيع، وقبور الشهداء في أُحُد للسلام عليهم، والدعاء لهم، والاعتبار والاتعاظ، ولا يدعو الأموات ولا يستغيث بهم؛ فإنَّ هذا شرك أكبر، ويزور مسجد قباء، ويصلي فيه اقتداء بالنبي . وليس في المدينة مساجد أو أمكنة تشرع زيارتها غير ما ذكر (شرح مناسك الحج والعمرة على ضوء الكتاب والسنَّة، صالح الفوزان، ص١٣٧، بتصرف).
٢  تقدم الحديث عن مهنة الطَّوَّافة. أما قول محمد صادق باشا: ولولاهما لم ينتظم للحجاج بهاتين البلدتين حال! فهو كلام غير دقيق، ولعله يقصد في ذلك الوقت تحديدًا؛ نظرًا للجهل السائد في بعض المجتمعات التي يحتاج فيها الحاج إلى دليل.
٣  طُرْقَة: وهي الممر أو المسار.
٤  قال النبي : «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي».
رواه البخاري (انظر: صحيح البخاري، ح١١٣٨).
٥  شبَّاك التوبة: روت عائشة وعبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما أن النبي قال في مرضه الذي مات فيه: «لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». يُحذِّر ما صنعوا. رواه البخاري (انظر: صحيح البخاري، ح٤٢٥). وقال : «اللهملا تجعل قبري وثنًا يُعبد، اشتدَّ غضبُ الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». رواه الإمام مالك (انظر: موطأ مالك، ح٤١٤). قال عنه الألباني في مشكاة المصابيح: إسناده صحيح. وشُبَّاك التوبة كان من البدع المحدثة في ذلك الوقت، وقد أزيلت هذه البدعة — ولله الحمد — بانتشار العلم الشرعي، وتطبيقه من قبل الدولة السعودية جزاهم الله خيرًا.
٦  هذه الأبيات لا تليق إلَّا بالله عز وجل، ولا يصح أن توجه للنبي . قال : «لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله» رواه البخاري (انظر: صحيح البخاري، ح٣٢٦١). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رجلًا قال يا محمد، يا سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا. فقال رسول الله : «يا أيها الناس، قولوا بقولكم، ولا تستجرينكم الشياطين.» وفي رواية: ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، وما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل». رواه النسائي وصححه الألباني (انظر: سنن النسائي الكبرى، ح١٠٠٧٧). وعن مطرِّف قال: قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله فقلنا: أنت سيدنا، فقال: «السَّيد الله [تبارك وتعالى]» قلنا: وأفضلنا فضلًا، وأعظمنا طولًا، فقال: «قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان». رواه أبو داود. وصححه الألباني (انظر: سنن أبي داود، ح٤٨٠٦).
٧  طاقات: جمع طاق أو طاقة، وهي الفتحة في الجدار، وتُطلق على النافذة.
٨  عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم». رواه أبو داود وصححه الألباني (انظر: سنن أبي داود، ح٢٠٤٢).
٩  الأغوات: مجموعة من الخصيان الذين يشتغلون في خدمة المسجد النبوي وحراسته. ويُروى أن أول من وضعهم في المسجد النبوي هو نور الدين رحمه الله في أول دولة الأكراد، وقيل: صلاح الدين الأيوبي رحمه الله في أيام ولايته (انظر: مرآة الحرمين، إبراهيم رفعت باشا، ١ / ٤٥٩). وفي العهد السعودي ألحقوا برئاسة المسجد الحرام والمسجد النبوي، وهي التي تدفع لهم الرواتب، ولا يزال لهم بقية إلى يومنا هذا.
١٠  هذا من البدع المنتشرة في ذلك الوقت، وهو خلاف السُّنة. وأحكام المولود كالآتي: تحنيكه بتمرة تمضغ وتوضع في فيِّ الطفل، وتسميته باسمٍ لائق، وحلق رأسه والتصدق بوزنه من الفضة، أو ما يعادل ذلك من العملات النقدية المتداولة، والعقيقة، وهي ذبح شاتين عن الذكر وشاة عن الأنثى، وختانه، والختان في حق الذكر واجب.
١١  الوسطاني: الأوسط.
١٢  وبعبارة أخرى: موصلة بمحيط قاعدة القبَّة الشريفة.
١٣  قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: الأحاديث الواردة في دفن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام في حجرة النبي ، بعد نزوله آخر الزمان وموته، كلها ضعيفة (انظر: مجموع فتاوى ابن باز، ٢٦ / ٢١٩).
١٤  القهقرى: الرجوع إلى الوراء.
١٥  المبدوأة: المبدوءة.
١٦  هذه الزيارة من قبيل المعرفة والاطلاع، وليست من قبيل العبادة المشروعة، وقس على ذلك زيارة المساجد والآثار الموجودة في مكَّة والمدينة، حيث إن زيارتها من المباحات، بشرط أن لا يُبنى عليه عبادة غير مشروعة، ولا يعبد الله عز وجل إلا بما شرع كما هو معلوم، وشروط العبادة المقبولة كالآتي:
  • (١)

    الإخلاص، قال رسول الله : «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه». رواه مسلم.

  • (٢)

    المتابعة، قال : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». رواه البخاري ومسلم. رد: أي مردود عليه قوله وعمله واعتقاده؛ لذلك يجب على وزارة الشئون الإسلامية، والمعنيين بالسياحة والآثار في المملكة العربية السعودية، أن يهتموا بالآثار، خاصة التي في مكَّة والمدينة، وأن يضعوا لها الخرائط التي تدل السائح والزائر عليها، وتقديس الجهَّال لها لا يبرر لنا إهمالها وعدم الاعتناء بها، والجهل يعالج بالعلم والتوعية الشرعية الصحيحة المستمدة من الكتاب والسُّنَّة وفهم السلف الصالح رحمهم الله جميعًا.

١٧  ومن أخبار هذا الجذع: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنها قال: كان المسجد مسقوفًا على جذوع من نخل، فكان النبي إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلمَّا صنع له المنبر، وكان عليه، فسمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العشار، حتى جاء النبي فوضع يده عليها فسكنت. رواه البخاري (انظر: صحيح البخاري، ح٣٣٩٢). وروى ابن ماجه رحمه الله أنه بعد توسعة المسجد النبوي، أخذ ذلك الجذع أبيُّ بن كعب رضي الله عنه، وكان عنده في بيته حتى بلي، فأكلته الأرضه، وعاد رفاتًا. انظر: سنن ابن ماجه، ١٤١٤.) وقال عنه الألباني: إسناده حسن.
١٨  العالم: أي الناس.
١٩  يقرؤن: يقرؤون، وتكتب —أيضًا — الهمزة على السطر هكذا: يقرءون.
٢٠  من السنَّة زيارة قبر النبي ، وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، إنما تكون الزيارة بالذهاب إليهم، والسلام عليهم، والدعاء لهم، لقوله : «إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها». رواه النسائي وصححه الألباني (انظر: السنن الكبرى، ح٥١٦٢). وفي رواية عند الترمذي وغيره: «فإنها تُذكِّر الآخرة» (انظر: سنن الترمذي، ح١٠٥٤). وهذا الترخيص ناسخ لما قبله، وهو عام للرجال والنساء كما قال أهل العلم. والله أعلم. أما ما يقوله محمد صادق باشا رحمه الله فليس بمشروع وخلاف السنَّة. وقد مرت معنا شروط قبول العبادة.
٢١  البسط الثِّمان: السُّجاد الفخم غالي الثَّمن.
٢٢  مأذنة: مئذنة.
٢٣  حنفيَّات: جمع حنفيَّة وهو الصنبور.
٢٤  الحصوى: الحصوة؛ لأن هذه الساحة مفروشة بالحصى الصغير الأملس. وإلى عهد قريب ١٤١٥ﻫ/١٩٩٥م كنا نتفق نحن وأصحابنا أن الملتقى بعد صلاة المغرب في الحصوة الأولى أو الثانية، إلَّا أن هذا الاسم قد دخل في عالم النسيان، خاصة بعد توسعة الملك فهد رحمه الله للمسجد النبوي، والبقاء لله وحده.
٢٥  جنينة صغيرة: حديقة صغيرة. وقد أزيلت في التوسعة السعودية الأولى.
٢٦  بقي هذا العرف سائدًا إلى أن أَمَّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود — حفظه الله — في عام ١٤٢٨ﻫ/٢٠٠٧م بأن يبقى المسجد النبوي مفتوحًا دائمًا للحجاج والمعتمرين والزوَّار.
٢٧  هذا الذي ينقله لنا الرَّحالة محمد صادق باشا من وصف المسجد النبوي الشريف، هي توسعة السلطان العثماني عبد المجيد، التي بدأت في عام ١٢٦٥ﻫ/١٨٤٩م، وانتهت في عام ١٢٧٧ﻫ/١٨٦١م (انظر: مرآة الحرمين، إبراهيم رفعت باشا، ١ / ٤٦٥). وفي العهد السعودي أمر الملك عبد العزيز بتوسعة المسجد النبوي في عام ١٣٧٠ﻫ/١٩٥١م، وأتمها ابنه الملك سعود عام ١٣٧٣ﻫ/١٩٥٣م، وانتهت في عام ١٣٧٥ﻫ/١٩٥٥م. وفي عهد الملك فيصل عام ١٣٩٤ﻫ/١٩٧٤م، والملك خالد عام ١٣٩٧ﻫ/١٩٧٧م، تمت توسعة المسجد النبوي وذلك بزيادة الساحات المحيطة بالمسجد، وتغطيتها وتزويدها بجميع الخدمات (انظر: عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي في العهد السعودي، د. عبد اللطيف بن عبد الله بن دهيش ص٣٠٧ وص٣٤١). وفي عام ١٤٠٥ﻫ/١٩٨٤م قام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بوضع حجر الأساس لأكبر توسعة تاريخية للمسجد النبوي، والتي انتهت بفضل الله عام ١٤١٤ﻫ/١٩٩٤م. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ١٤٢٦ﻫ/٢٠٠٥م تمت توسعة الساحة الشرقية للمسجد النبوي، وتغطية جميع الساحات المحيطة بالمسجد بالمظلات المتحركة.
٢٨  صدق محمد صادق باشا رحمه الله.
٢٩  دكاكين: محلات تجارية.
٣٠  قهاوي: مقاهي، مفردها مقهى. وهي التي تقدم فيها القهوة والشاي.
٣١  الغلال: المواد الغذائية من قمح وأرز وغير ذلك.
٣٢  المواشي: الإبل والغنم والبقر وغيرها.
٣٣  مالك بن سنان: استشهد في معركة أحد عام ٣ﻫ/٦٢٥م.
٣٤  وقعت معركة أحد في شهر شوال من عام ٣ﻫ/٦٢٥م. وقد تحدث عنها الشيخ صفي الرحمن المباركفوري رحمه الله في كتابه: الرحيق المختوم. وهو بحث في السيرة النبوية حائز على جائزة رابطة العالم الإسلامي عام ١٣٩٩ﻫ/١٩٧٩م. فليراجعه من أراد أن يعرف تفصيلات هذه المعركة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤