الفصل الثاني

قصة نانسي

كانت دائمًا تتناول خضراواتها، بطريقة هاجسية، كما كان يبدو في بعض الأحيان، وسواءٌ في الفطور أو الغداء أو العشاء، وطوال اليوم، فقد كانت تحتفظ بعدد ما تناولته منها في ذهنها، حتى لو كانت الساعة العاشرة والنصف مساءً، في منتصف حلقة عائلة سمبسون أو أحد الأفلام التي تشاهدها على مشغل أقراص الفيديو الرقمية DVD. فإذا لم تكُن قد تناولت حصتَين أو ثلاثَ حصص من الخضراوات (بعضها خضراء وبعضها صفراء)، وثلاث أو أربع حصص من الفواكه والمكسَّرات والحبوب — أيًّا كانت نصيحة خبراء الهرم الغذائي pyramidologists بهذا الخصوص — فستقوم بتقطيع تفاحة أو فتح كيس من الجزر.
وبطريقة تعبِّر عن رهان باسكال١ (ليس هناك جانب سلبي للإيمان بوجود الله)، فإن أيًّا من هذا لا يحتمل أن يضر. وكثيرًا ما يُقال إنه يمكن الوقاية من ثُلثَي حالات الإصابة بالسرطان؛٢ ثُلث من خلال التوقف عن التدخين، وثُلث آخر عن طريق المزيد من ممارسة الرياضة وتناول وجبات صحيَّة. لكن الأدلة التي تربط بين أيِّ حمية غذائية بعينها وبين السرطان تتسم بضعفها على نحوٍ مُحبِط. لقد قِيل لنا، نانسي وأنا، أن نأكل السبانخ لأنها غنية بالفولات folates، وإن الفولات هي عنصر بالغ الأهمية تستخدمه الخلايا لتجميع وإصلاح الحلزونات المتشابكة للدنا. يبدو ذلك عظيمًا من الناحية النظرية، لكن الحُجَّة القائلة بأن تناول المزيد الفولات يقلِّل من خطر الإصابة بثلاثة أنواع من السرطانات الأكثر شيوعًا: القولون والمستقيم، والثدي، والبروستاتة، تتسم بكونها ضعيفةً في أحسن تقدير.٣ وبالنسبة إلى سرطان الثدي، فإن التأثير، إن وُجد، قد يصبُّ أساسًا في مصلحة المدمنين على الكحول. وتشير أبحاثٌ أخرى إلى أن تناول كميات مفرطة من حمض الفوليك folic acid٤ (وهو الشكل الاصطناعي للفولات، والذي يوجَد في حبوب الفيتامينات)، يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالسرطان. وبمجرد ترسُّخ الوَرَم، قد تؤدِّي الجرعات الإضافية حتى إلى تسريع نموه، كمَن يضيف الوقود على النار. تتم مكافحة بعض أنواع السرطان عن طريق إعطاء مضادات الفولات antifolates،٥ وهي من بين أقدم الأدوية المستخدمة في المعالجة الكيميائية.٦ بيدَ أن السبب الأكثر إقناعًا لتناول السبانخ هو أن طعمه طيب للغاية، سواء كان مقليًّا مع الثوم أو مُقطَّعًا في السَّلطة.
ثمة أمر آخر يتسم بنفس القدْر من الشكوكية، وهو الخرافات المحيطة بمضادات الأكسدة٧ مثل فيتامينَي C وE، والتي يتم تناولها في الفواكه، والخضراوات، والحبوب، ويُدهن بها الوجه في شكل مستحضرات التجميل المضادة للشيخوخة. يتمثل الأمل في مواجهة الجذور الحرة free radicals؛ وهي نواتج الاحتراق الخلوي التي تلتهم الأجزاء الداخلية من الخلايا. ليس من الواضح على الإطلاق ما إن كان الجسم بحاجة إلى مساعدة على هذه الجبهة. وللتخفيف من تأثير الجذور الحرة (والتي يستحضر اسمها صورًا لفوضويين يلقون بالقنابل)، تأتي الخلايا الحية مزوَّدةً بنظام مُدمَج من الآليَّات المضادَّة للأكسدة، وهي شبكة جزيئية متناغمة تطورت على مدى دهور منذ بدء الحياة. ليس هذا شيئًا يمكنك العبث به، وليس هناك مخلوق يودُّ القضاء على الجذور الحرة؛ فهي بمثابة كنَّاسين يمنعون التراكم المحتوم للسموم الخلوية، أيْ جامعي قُمامة الخلايا. أمَّا البيتا كاروتين beta-carotene، وهو مضادُّ الأكسدة الذي يمنح الجزر والمانجو والبابايا لونَها، فقد تم الترويج له كمضادٍّ قويٍّ للسرطان. لكن في التجارب السريرية التي أُجريت في فنلندا،٨ كان المدخِّنون الذين تم إعطاؤهم مكمِّلات البيتا كاروتين أكثر عُرضةً للإصابة بسرطان الرئة. وقد أُلغيت تجربة مماثلة في الولايات المتحدة،٩ في مرحلة مبكرة عندما بدا أيضًا أن تلك المكمِّلات الغذائية تزيد من مخاطر الإصابة بالمرض. «إن تجاوز حدود الاعتدال يثير غضب الإنسانية» (باسكال مرة أخرى). ومن ثَم يُغضب خلايانا.
وفي أيامنا هذه، انحدر مستوى التعبئة والتغليف لدى متاجر البقالة إلى مستوًى جديد من التفصيل، والمتمثل في إغواء المتسوقين بالمنتجات والسلع الأخرى الغنية بالكيماويات النباتية phytochemicals،١٠ وهي مكونات توجَد طبيعيًّا في النباتات، والمشهورة بالمساعدة في إزالة سُمِّية المسرطنات، وإصلاح الدنا التالف، أو منع الخلايا من النمو غير المنضبط. وتشمل قائمة تلك المواد التي تشتهر أحيانًا وتُهجر أحيانًا أخرى: الليكوبين lycopene، والكيرسيتين quercetin، والريسفيراترول resveratrol، والسيليمارين silymarin، والسلفورافان sulforaphane، والإندول ٣ كاربينول indole-3-carbinol. في طبق المُختبَر، يمكن أن تؤثر هذه المواد على المسارات البيوكيميائية التي يُعتقَد أنها مكتنفة في عمليات التسرطُن carcinogenesis التي تتسم بكونها معقدةً على نحوٍ مُفقدٍ للإحساس. والأمر الأقلُّ وضوحًا بكثير هنا هو ما إذا كان تناول كميات أكبر منها يمكنه بالفعل أن يقي أيَّ شخص من الإصابة بالسرطان. ما لم يكُن الشخص يعاني من سوء التغذية الشديد، فليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن وجود نقص في أيِّ جزيء بعينه سيؤدي إلى فقدان العمليات الخلوية لتناغمها. يمكنك تحسين حظوظك في النجاح عن طريق تناول الفيتامينات، لكن الأدلة هنا أيضًا تتسم بالضعف الشديد.١١ وإذا كانت الحياة بمثل هذه الحساسية، فربما لم نكُن لنَحضر هنا ونحن نشعر بالقلق حول ما نأكله.
هناك الكثير مما لا يعرفه العلم عن الآليَّات الجزيئية الدقيقة، كما يُحتمل أن تمنح المواد المتضمنة في الفواكه والخضراوات مزايا تآزريَّة لم يُكتشف بعدُ المنطق وراءها. وطوال عقد التسعينيات، امتلأت الأخبار بتقارير عن التأثيرات الخارقة المضادَّة للسرطان نتيجةً لاستهلاك سخاء الطبيعة. كما بدأ المعهد الوطني للسرطان الترويج لبرنامجه الذي يحمل اسم «خمسة يوميًّا»،١٢،١٣ والذي يقول بأن تناول عدد كبير من حصص الفواكه والخضراوات سيجعلك تقطع شوطًا طويلًا باتجاه تقليل احتمالات إصابتك بالسرطان.
وللأسف، فقد جاء معظم الأدلة١٤ من دراسات الحالات والشواهد التي طُلب فيها من أشخاص، مع ومن دون الإصابة بالسرطان، تذكر ما تناولوه من الأطعمة. تتسم الدراسات الوبائية من هذا النوع بكونها عُرضةً للخطأ. وفي تلهُّفهم لشرح محنتهم، قد يكون مرضَى السرطان أكثر عُرضةً للمبالغة في تقدير مدى إهمالهم في تحسين نظامهم الغذائي، في حين قد يتذكر الأشخاص الأصحَّاء تناولَ مقادير أكبر مما تناولوه بالفعل من الفاكهة والخضراوات. وباعتبار أن السرطانات قد تستغرق عقودًا لكي تظهر، فهناك حاجة إلى قدْرٍ كبيرٍ من حدَّة الذاكرة. ومما يزيد الطين بلَّة أن أولئك الأقرب احتمالًا للتطوع١٥ في مجموعة المراقبة control group، قد يكونون مواطنين أثرياء نسبيًّا ويمتلكون وعيًا صحيًّا، والذين — بالإضافة إلى تناول وجبات مُغذِّية — يمارسون الرياضة بمعدلات أكبر ويكونون أقلَّ عُرضةً للانغماس في معاقرة الكحول أو تدخين السجائر. من شأن دراسة جيدة أن تحاول تحقيق توازن بين الحالات والشواهد، لكن أفضل ما يمكن أن يقوم به علم الأوبئة الاستعادي retrospective epidemiology هو الإشارة إلى الارتباطات التي يتعين استقصاؤها على نحوٍ أكثر دِقَّة. وفي دراسات الأتراب الاستباقية،١٦ تُتابَع مجموعاتٌ كبيرةٌ من الأشخاص — أي الأتراب — لمدَّة سنوات، ومن ثَم يُستجوَبون بانتظام لمعرفة ما إذا كانت قد ظهرت أنماطٌ معيَّنةٌ بين أولئك الذين أصيبوا بالسرطان وأولئك الذين لم يُصابوا به. وعلى الرغم من أن هذه أيضًا تعاني من التحيُّز bias، فإن أدلتها تُعَدُّ أقوى مما يوفره علم الأوبئة الاستعادي. وحتى الآن، وجدت أكبر دراسة مستقبلية التوجُّه عن النظام الغذائي والصحة١٧ أن تناول الفواكه والخضراوات يمتلك، على الأكثر، تأثيرًا ضعيفًا للغاية١٨ من حيث الوقاية من السرطان. هناك اقتراحات بخصوص الفوائد المُحتمَلة بالنسبة إلى عددٍ قليلٍ من أنواع السرطان،١٩ لكن أيًّا منها لم يحقِّق الآمال العريضة السابقة.
لقد قِيلَ لنا أن نتناول كمياتٍ من الألياف، وعندما كانت نانسي تذهب للتسوق كانت تجلب معها إلى المنزل حبوب الإفطار التي تُشبه في طعمها قِطعًا مربعةً من الورق المُقوَّى. كان ذلك منطقيًّا من الناحية الحدْسيَّة؛ فبوسعك تصوُّر قيام كل هذه الألياف المطهِّرة بتنظيف أمعائك في طريقها عبر جهازك الهضمي. يُقال أيضًا إن الألياف تغذِّي مزيجًا من البكتيريا٢٠ التي تقلِّل من خطر الإصابة بسرطان القولون. إن الحجة الداعمة لتناول الألياف قد تكون أقوى قليلًا٢١ مما هو الحال بالنسبة إلى غيرها من الأطعمة، لكن الأدلة كانت مثيرةً للخلاف.٢٢ وقد وجدت دراسةٌ كبيرةٌ مستقبليةُ التوجُّه ارتباطًا، في حين لم تجد ذلك دراساتٌ أخرى.
قد يصير كل هذا أقلَّ غموضًا إذا أمكن إخضاع الأطعمة للنوع نفسه من التجارب الصارمة المستخدمة لاختبار الأدوية الجديدة. تُقسَّم مجموعةٌ كبيرةٌ من الناس عشوائيًّا إلى المجموعة التجريبية، التي يتلقى أفرادها العلاج، أو مجموعة المراقبة التي لا يتلقى أفرادها علاجًا. وفي النهاية، تُقارَن النتائج. لكن هذه الدراسات نادرة في البحوث التغذوية المتعلقة بالسرطان؛ فمن الصعوبة بمكانٍ إجبارُ الناس على تناول الطعام بشكلٍ تعسُّفيٍّ أو على ألا يأكلوا طعامًا بعينه. ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن تنفيذ ذلك يجب أن يستمر طوال العقود التي يمكن أن يستغرقها السرطان للظهور. وعند تنفيذ تجربة محكومة استغرقت أربع سنوات، والتي استُخدمت فيها حمية منخفضة الدهون وتحتوي على نسبة عالية من الألياف، إضافةً إلى الفواكه والخضراوات، لم تُكتشَف أيُّ أدلة على وجود انخفاض في وقوع سلائل القولون والمستقيم، colorectal polyps،٢٣ وهي سلائف سرطان القولون. كما وجدت تجربة معشَّاة randomized أخرى، والتي استغرقت نفس الفترة تقريبًا، أن تناول حمية غنية بالألياف لم يكُن له تأثيرٌ على رجعة recurrence سرطان الثدي.٢٤
وعند قراءة هذه التأكيدات الأقلِّ من مُقنِعة، تذكرتُ عالِم الكيمياء الحيوية بروس إيمز Ames، الذي أعلن أن ملفوف بروكسل، والكرنب،٢٥ والبروكلي، والقنبيط، والأطعمة الأخرى التي تُشترى من سوق المزارعين تحتوي على مواد مسرطنة توجد بشكل طبيعي، فيما يشبه مبيدات الهوام pesticides المدمجة، مثل تلك التي ربما قتلت الإدمنتوصورس المسكين. لكنه يبدو أن البشر لا يتناولون هذه الأطعمة بكميات من شأنها أن تُسبِّب مشكلةً تتعلق بالصحة العامة، أو ربما أننا اكتسبنا مقاومةً طبيعية. لكن كيف نشأت خرافة أن النباتات تمتلك تأثيرًا معاكسًا، وأنها تمنحنا القدرة على دحر السرطان؟ لقد تطورت الفواكه والخضراوات بحيث صارت تُعزِّز انتشارها هي، ثم بدأ الناس يتناولونها.
لم يكُن هناك شيءٌ ثابتٌ للغاية بخصوص عادات نانسي الغذائية. كان كلانا يحبُّ شرائح اللحم وشطائر الهمبرغر، لكننا كنا نحاول تناولها باعتدال. وهنا يبدو العِلم أكثر إقناعًا بقليل؛ فإذا أمكن الاعتقاد في صحة علم الوبائيات، فإن تناول الكثير من اللحوم الحمراء٢٦ بصفة يومية ربما أدَّى إلى زيادة احتمال إصابتنا بسرطان القولون والمستقيم خلال العقد التالي بنسبة تصل إلى الثُّلث؛ أيْ من ١٫٢٨ في المائة إلى ١٫٧١ في المائة.٢٧ ولكن بالنظر إلى تلك الاحتمالات، كان طهو شريحة لحم عملاقة في عطلة نهاية الأسبوع يبدو أنه أمر يستحقُّ المفاضلة. وعلى سبيل التكفير، كنا نتناول الأسماك في بعض الأحيان. وربما لعلمنا بأنها غنية بأحماض أوميغا ٣ omega-3 الدهنية، فقد كنا نشعر بقدْرٍ أكبر من الرضا عند شواء سمك السلمون والهلبوت. لكنْ أيُّ ارتباط بين الأسماك، وزيوت السمك وبين الوقاية من سرطان القولون٢٨ قد ظلَّ احتمالًا بعيدًا.
إن تناوُل كميات كبيرة من الفواكه والخضراوات والألياف والأسماك، إن لم يفعل أيَّ شيء آخر، فإنه يَعِدُ بتقليل تناوُل الفرد من الدهون المشتقَّة من الثدييات. لكن حتى هذه الأطعمة قد خضعت للتشكيك٢٩ باعتبارها تمثل خطرًا كبيرًا للإصابة بالسرطان، كما يُحتمل أن يمثل السُّكَّر خطرًا أكبر٣٠ من خلال زيادة مستويات الإنسولين insulin في الدم وتحفيز نمو الأورام. وفي النهاية، فإن ما تأكله قد لا يكون بمثل أهمية الكمية التي تتناولها. إن السمنة — مثل الشيخوخة وضوء الشمس والنظائر المُشعَّة والسجائر — قد انضمَّت إلى قائمة قصيرة٣١ من محرِّضات السرطان التي لا لبس فيها. وعلى العكس من ذلك، فهناك أدلةٌ على أن تقليص السُّعرات الحرارية٣٢ يقلِّل من احتمال الإصابة بالسرطان. عليك تقليل عملية الاستقلاب في جسمك، مثل سحلية.
أدرجت نانسي مجموعةً متنوعةً من الخضراوات والفواكه في نظامنا الغذائي لأنها كانت تحبُّها غالبًا، لكنها كانت تمتلك أسبابًا للخوف من السرطان أكثر من غيرها. لقد عانت والدتُها من التعرُّض لعملية استئصال الثدي mastectomy، ومن ثَم المعالجة الكيميائية قبل وقت قصير من زواجنا، وبعد ستة عشر عامًا من سُباتٍ عاد السرطان من جديد. لم نكُن نعرف إذا كان سرطان الثدي الذي أصابها ينتمي إلى تلك السرطانات المرتبطة بعيب وراثي عائلي. وإذا كان الأمر كذلك، فقد ورثت نانسي قابليةً للإصابة، وإن لم يكُن مصيرًا محتومًا. كانت لديها عوامل اختطار risk factors أخرى؛ فقد كانت في الثالثة والأربعين من عمرها، ولم يكُن لدينا أيُّ أطفال، مما كان مصدرًا للخلاف المستمر. كلما قلَّ احتمال تعرُّض امرأة للحمل، زاد عدد دورات الحيض الشهرية التي تتحملها، وفي كل دورة شهرية تؤدي الهزَّة الناجمة عن إفراز هرمون الإستروجين estrogen٣٣ إلى جَعْل خلايا الرحم والغُدد الثدييَّة تشرع في التكاثر، فتضاعف محتواها من الدنا DNA؛ استعدادًا للحمل ولإرضاع طفل قد لا يأتي. تمثل كل دورةٍ طمثيةٍ رميةً لنرد، أو فرصةً لنسخ الأخطاء التي قد تؤدي إلى نشوء الأورام. يوجد الإستروجين، جنبًا إلى جنبٍ مع الأسبستوس والبنزين وأشعَّة غامَا وغاز الخردل، ضمن قائمة المسرطنات البشرية المعروفة٣٤ التي نشرها البرنامج الوطني لعلم السموم، والتابع للحكومة الفيدرالية.
وكذلك فإن النساء في هذه الأيام يتعرَّضن لجرعات شهرية أكبر من الإستروجين؛ لأنهنَّ يبدأن المَحيض عند أعمار أصغر بكثير؛ الأمر الذي قد يزيد من خطر إصابتهنَّ بسرطان الثدي.٣٥ ثمة عددٌ قليلٌ من العلماء الذين يلقون باللوم في هذا التغيُّر على ثنائي الفينول أ bisphenol A٣٦ ؛ وهي مادة كيميائية توجَد في الزجاجات البلاستيكية، والتي تحاكي الإستروجين، لكن التفسير المقبول على نطاق أوسع يشمل العوامل الغذائية.٣٧ فمع توافر المزيد من الطعام ليتناولنه، تنضج الفتيات بسرعة أكبر، وتتراكم الدهون في أجسادهن، والذي قد يعمل بمنزلة إشارة إلى أن الجسم صحيٌّ بما فيه الكفاية لبدء الإباضة ovulation. وعلى مدى قرن من الزمان، فإن عمر بدء الإحاضة menarche، وهو الوقت الذي يبدأ فيه الطمث، قد انخفض٣٨ في العالم الغربي من نحو سبعة عشر إلى اثني عشر عامًا. وفي الوقت نفسه، تقضي النساء وقتًا أقلَّ من حياتهنَّ الخصبة في الحمل أو إرضاع الأطفال. يبدو أن الإرضاع بدوره يعمل على ضبط مستويات الإستروجين.٣٩ تتمثل نتيجة ذلك كله في أن المُراهِقات اليوم ربما شهدن بالفعل من الدورات الطمثيَّة أكثر مما فعلت جدَّاتُهنَّ٤٠ طوال حياتهنَّ بأسرها.
ثمة مخاطر أخرى لكون المرء أنثى؛ فقد تم الربط بين المعالجات الهرمونية، التي تُعطى خلال فترات انقطاع الطمث أو الحمل، وبين بعض أنواع السرطان.٤١ وكذلك فإن السمنة، وخاصةً لدى النسوة المُسنَّات،٤٢ قد تزيد من مستويات الإستروجين وكذلك خطر الإصابة بالسرطان. لكنْ لا شيء من هذا يتسم بكونه واضحًا ومباشرًا. ومن الغريب أن الدهون الزائدة في الجسم يمكن أن تقلِّل في الواقع من فُرص إصابة النساء بسرطان الثدي٤٣ قبل انقطاع الطمث. وعلى الرغم من أن حبوب منع الحمل التي تؤخَذ عن طريق الفم قد تزيد قليلًا من احتمالات الإصابة٤٤ بسرطان الثدي، فإنه يبدو أنها تقلِّل من خطر الإصابة بسرطان المبيض وبطانة الرحم. لم تكُن نانسي تتناول حبوب منع الحمل، كما كانت أبعد ما يكون عن زيادة الوزن، لكنها كانت تشعر بالقلق، قليلًا، بخصوص عامل آخر؛ الشراب الذي كنا نفضِّل تناوله مع العشاء. يمكن للكحول أيضًا أن يقلب الموازين الهرمونية؛ وتم الربط بينه، لأسباب مختلفة تمامًا، وبين سرطانات الجهاز الهضمي.٤٥ وبسبب اختناقها بفعل الكحول، يتعين استبدال الخلايا الظهارية epithelial cells المبطنة للمريء؛ مما يعني مضاعفة المزيد من الدنا DNA، مع مزيد من الفرص لحدوث الخطأ. هناك أدلة على وجود ارتباط بين الكحول وسرطان الكبد، لكن الأكثر تأكيدًا هي المخاطر الناجمة عن فيروسات التهاب الكبد٤٦ أو التعرض الطويل الأمد للأفلاتوكسين؛٤٧ وهو السمُّ الذي تنتجه الفطريات التي يمكن أن تغزو الفول السوداني، وفول الصويا، وغيرهما من الأطعمة.
يمكن أن تعيش حياتك وفقًا لآلة حاسبة؛ قد يؤدي تناول مشروبَين أو ثلاثة يوميًّا٤٨ إلى زيادة الإصابة بسرطان الثدي بنسبة ٢٠ في المائة. لكن هذا ليس سيئًا كما يبدو، ففرصة أن تُصاب امرأةٌ يتراوح عمرها بين الأربعين والتاسعة والأربعين٤٩ بالسرطان هي ١ من كل ٦٩، أو ١٫٤ في المائة، بيدَ أن تعاطي الكحول يزيد تلك النسبة إلى ١٫٧ في المائة. وحتى طول القامة يمثل أحد عوامل الخطر٥٠ (لم يكُن طول نانسي يزيد على خمسة أقدام وثلاث بوصات؛ أيْ ١٦٠ سنتيمترًا). وجد تحليل للبيانات من دراسة المليون امرأة٥١ أن كل أربع بوصات أطول من الأقدام الخمسة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان بنسبة ١٦ في المائة. ويمكن العثور على تلميح لتلك الآليَّة لدى القرويين الإكوادوريين المصابين بنوع من القزامة dwarfism٥٢ يُسمَّى متلازمة لارون Laron syndrome. وبسبب طفرة تكتنف مستقبلات هرمون النمو، لا يزيد طول أطول الرجال هناك على أربعة أقدام ونصف (١٣٧سم)، في حين تكون النساء أقصر بستِّ بوصات (١٥سم). ليست الحياة سهلةً بالنسبة إليهم، فالأطفال يكونون عُرضةً للإصابة بالأمراض، وكثيرًا ما يموت الكبار بفعل إدمان الكحوليات والحوادث المميتة. لكنهم نادرًا ما يُصابون بالسرطان أو الداء السُّكَّري، على الرغم من أنهم كثيرًا ما يعانون من السمنة.
عندما تكون صحيح البدن ولا يزال السرطان يمثل فكرةً مجردة، فإن تعداد مخاطر الحياة قد يكون عاملًا يبعث على الاطمئنان. لم يكُن أيٌّ منَّا من المدخِّنين، الذين لا تُقاس مخاطر الإصابة بالسرطان لديهم بنِسَبٍ مئويةٍ صغيرة،٥٣ بل بعشرة إلى عشرين ضعفًا،٥٤ كما أن فرصة إصابتهم بسرطان الرئة أكبر بعشرين ضعفًا، وهو ليس شيئًا يمكن أن يبدوَ طفيفًا. وبالنظر إلى جميع إعلانات الخدمة العامة والملصقات التحذيرية المُخيفة، أفترض أن نسبةً كبيرةً من المدخِّنين لا بدَّ أن يموتوا بهذه الطريقة. كان من المدهش أن نعلم أن هذه النسبة تبلغ أكثر من ١ في ٨.٥٥ وفي وجود إحصائيات مثل هذه، يُغفَل كثيرٌ من التفاصيل. من المؤكَّد أن الاحتمالات تكون أسوأ بكثير بالنسبة إلى مدخِّن شَرِه طوال الحياة. وخلال بحثي عن إجابة عبر الإنترنت، عثرتُ على أداة مستشفى ميموريال سلون-كيترينغ للتنبؤ بالسرطان.٥٦ بادرت بإدخال بعض الأرقام. إن رجلًا يبلغ من العمر ستين عامًا ظلَّ يدخِّن علبة سجائر يوميًّا منذ أن كان في الخامسة عشرة من عمره، ويخطِّط الآن للتوقُّف عن التدخين، يبلغ احتمال إصابته بسرطان الرئة ٥ في المائة خلال السنوات العشر المقبلة، في حين يبلغ الاحتمال ٧ في المائة إذا لم يقلع عن التدخين. كنت أعتقد أن الاحتمالات ستكون أسوأ من ذلك بكثير. وإذا كان الرجل في السبعين ويدخِّن ثلاث علب من السجائر يوميًّا، فإن احتمال إصابته بالسرطان يكون ١٤ في المائة و١٨ في المائة. بيدَ أن ذلك ما زال يستثني النوبات القلبية، والسكتات الدماغية، والتهاب القصبات المزمن، والنُّفاخ الرِّئوي emphysema، وأنواع السرطان الأخرى، وهي تشكيلة من الطرق المتنوعة للموت. إن التدخين يدمِّر الصحَّة ويقلِّل العمر، ولكن عندما تسمع هذه القصص عن العمِّ الذي ظلَّ يدخِّن مثل المدخنة كل يوم من أيام حياته، ولم يُصَب قطُّ بسرطان الرئة، فهذا هو القاعدة وليس الاستثناء.
تؤدِّي الجغرافيا دورًا أيضًا في التسرطُن؛ فقد كانت هناك مخاطر للعيش في «سانتا في» Santa Fe، نيو مكسيكو، وهو المكان الذي كنا نحبُّه بسبب التنوع الصارخ في المناطق المجاورة له؛ حيث ترتفع السهول شبه القاحلة بصورة مفاجئة إلى قمم جبلية بارتفاع ١٢٠٠٠ قَدَم، وتتشارك الأُسَر الإسبانية القديمة نفس الشارع الترابي مع الفنانين وأساتذة الجامعات. وكان هناك الهواء البارد الجاف المميز للمناطق الشاهقة الارتفاع، والذي يكون شديد الجفاف في بعض الأحيان، إلى درجة أننا كنا في بعض فصول الصيف نشاهد بقلقٍ أعمدةَ الدخان وهي تتصاعد من الغابات البعيدة. كان الرماد يتساقط من السماء، كما يكون غروب الشمس برتقاليًّا بلون الدم كأنه صورٌ من وحي الخيال. وفي الليل، تتوهج الجبال وتندلع فيها أعمدةٌ من النار، إلى درجة أن واحدةً من الحرائق اجتاحت أجزاءً من موقع «لوس ألاموس» للبحوث العسكرية. وخلصت دراسةٌ لاحقةٌ إلى أن الإشعاع الذي انتشر عن طريق حرق أراضي المُختبَرات يشكِّل عُشر مخاطر٥٧ النوكليدات المشعَّة radionuclides التي تحدث طبيعيًّا، والتي تنبعث عن حرق أشجار الصنوبر. تمثل تلك أخبارًا جيدة، في اعتقادي، باستثناء معرفة أن كل حرائق الغابات قد تشكل خطرًا جَسيمًا من الغبار الذريِّ للطبيعة نفسها.
تقع سانتا على ارتفاع نحو ميل ونصف الميل، ولذلك هناك قدْرٌ أقلُّ بكثير من الغلاف الجوي لحماية الجلد والعينين من الأشعَّة الشمسية solar rays. ومن خلال الانتقال السريع من الأحمر باتجاه الأزرق على الطيف، يزداد توتر frequency الضوء، وكلما ازداد التوتر ازدادت الطاقة، وبحلول الوقت الذي تتجاوز فيه الضوء البنفسجي بكثير، يكون هناك ما يكفي من الطاقة لكسر الروابط الجزيئية، ومن ثَم إحداث طفرات في الدنا DNA. وفي مراتٍ عديدةٍ من كل صيف، يمكن رؤية قوس قزح مزدوج على قمة تالايا Talaya المخروطية الواقعة في الطرف الشرقي من «سانتا في». كنت على يقين تقريبًا من أنني أرى، على الرغم من كونه بالكاد مرئيًّا في الجانب السفلي من القوس، شريطًا متلألئًا من الأشعَّة فوق البنفسجية المُميتة. وتحت هذا توجَد ألوانٌ لا تدركها عيوننا؛ الأشعة السينية وأشعَّة غامَا. تمثل أشعَّةُ الشمس أشياءَ خطيرة، ومع ذلك فهناك بعض الأدلة، الضعيفة والمتضاربة،٥٨ على أن فيتامين (D) الذي تساعد تلك الأشعةُ على توليده في الجسم يقلِّل من احتمالات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، في حين يزيد من خطر الإصابة بسرطان البنكرياس، على الأقلِّ بين المدخِّنين الفنلنديين الذكور.٥٩
جاءت الهجمات من فوق ومن تحت. وكما هو الحال في أجزاء كثيرة من البلاد، فإن التربة الغرانيتية التي بُنيت عليها أحياؤنا تحتوي على كميات ضئيلة من اليورانيوم الطبيعي. يتلاشى اليورانيوم ٢٣٨ (Uranium-238)، مطلقًا الجُسيمات ألفَا ليصبح الثوريوم ٢٣٤ (Thorium-234)، والراديوم في نهاية المطاف ومن ثَم الرادون، وهو غاز مُشع لا يمكن رؤيتُه أو شمُّه. يُعتبر الرادون Radon أحد عوامل الخطر للإصابة بسرطان الرئة، ويحتلُّ المرتبة الثانية بمسافة بعيدة٦٠ وراء تدخين السجائر، وتجري دراسة دورٍ أقلَّ له في الأنواع الأخرى من السرطان. وهو يتراكم بوتيرة جيولوجية (يبلغ العمر النصفي لليورانيوم ٢٣٨ أكثر من ٤ مليارات سنة، وهذا يعني أن الأمر سيستغرق كل هذا الوقت لكي تتحلَّل نصف كمية منه). بيدَ أن الغاز نفسه لا يبقَى سوى بضعة أيام فقط، ومن ثَم يتكسر إلى جُسيمات ابنة مشعَّة، وفي النهاية إلى آثار ضئيلة من الرصاص lead. لكنه يتولد بصفة مستمرة، وعندما اشتريتُ منزلنا بلغت قياسات المفتش فيه ٥٫٤ بيكوكوري picocuries للتر الواحد من الهواء؛ والذي يزيد قليلًا عن «مستوى العمل» (٤ بيكوكوري للتر الواحد) الذي حدَّدته وكالة حماية البيئة، والذي يُوصَى عنده بإجراء اختبار للمتابعة ويُنصح الناس للنظر في سُبُل تقليل مستويات الرادون باستخدام الموادِّ العازلة، والمنافخ blowers، وفتحات التهوية. بدأت بإغلاق شقوق الأرضية — رهان باسكال — الأمر الذي كانت له النتيجة الأكثر واقعية، المتمثلة في تقليل عدد العناكب وحشرات أم أربعة وأربعين (الحريشات: centipedes). وسرعان ما تحوَّل اهتمامي إلى أمور أخرى. بالنسبة إلى شخصٍ لم يدخِّن مطلقًا، فإن ٤ بيكوكوري للتر الواحد يشكِّل خطر الموت من سرطان الرئة طوال الحياة بنسبة ٧ في الألف،٦١ أيْ أقل من ١ في المائة، وذلك على افتراض التعرُّض المستمر،٦٢ كأنك قضيت حياتك داخل المنزل مثل رهين المنزل أو ضحية لعملية خطف.
لم نكُن نعيش بالقرب من أيِّ موقع صناعي، كما أن لوس ألاموس — وهي المدينة الذرية — كان على بُعد خمسة وعشرين ميلًا، على الجانب الآخر من وادي ريو غراندي. في أوائل عقد التسعينيات، ذكر تقريرٌ لفنان كان يعيش هناك٦٣ ما بدا في البداية أنه عددٌ كبيرٌ من أورام الدماغ في الحيِّ الذي يقيم فيه. قام مسئولو الصحة في الولاية بالتحقيق في الأمر.٦٤ وخلال السنوات الخمس الماضية، كانت هناك عشر حالات في المقاطعة بدلًا من الستِّ التي يمكن توقُّعها من القِيَم المتوسطة للولاية وتلك الوطنية. لكن الأرقام كانت أقلَّ من أن تكون ذات مغزى، ومن ثَم فقد خلص علماء الوبائيات إلى أنه لا توجَد وسيلة لتفريق تلك الزيادة عمَّا كان يمكن أن ينشأ عن طريق المصادفة. لم يكُن هناك أيُّ شيء غير معتاد أو مثير للقلق، على حدِّ قولهم. لكنك إذا تراجعت قليلًا وفحصتَ العالم بأسره، فسوف تجد تجمُّعات حزمية bunchings مماثلة في المكان والزمان، لكنه لن يكون لديك أيُّ سبب لافتراض أنهم أشاروا إلى السبب الكامن وراء ذلك. يتحدث علماء الوبائيات عن تأثير قناص تكساس:٦٥ إذا عمدتَ إلى نسف باب إحدى الحظائر باستخدام بندقية صيد، ومن ثَم تعرَّفت على الثقوب الأشدِّ قربًا من بعضها البعض. ارسُم هدفًا حولها، وسيبدو الأمر أنك ضربت عين الثور (نقطة الهدف). بمجرد أن يبلغ ذروته، ينخفض معدَّل الإصابة بسرطان الدماغ، ومن ثَم يسير على نحوٍ متعرِّجٍ باتجاه القِيَم الطبيعية. وقد وجد باحثو لوس ألاموس أيضًا ومضة blip تتعلق بسرطان الغدَّة الدرقية. لكن الأعداد، مرةً أخرى، كانت صغيرةً — ما مجموعه ٣٧ حالةً على مدى عشرين عامًا ضمن جمهرة سكانية قوامها ١٨٠٠٠ نسمة — وفي السنوات التالية، انخفضت تلك المعدَّلات بدورها. وقد خلص تقييمٌ للصحة العامة إلى أن السكان لم يكونوا يتلقَّون أيَّ تعرُّض exposure ضار من التلوث الكيميائي أو الإشعاعي،٦٦ سواء من المياه، أو التربة، أو الحياة النباتية، أو الهواء.
وفي معرض التفكير في التعرُّض، كان هناك أيضًا الماضي لتدبُّره. لقد شبَّت نانسي في نيويورك، وبالتحديد في جزيرة لونغ آيلاند، حيث بدأت الضواحي في أوائل التسعينيات تصخب بالمخاوف المتعلقة بوجود وباء لسرطان الثدي. عندما يُصاب أحد الأصدقاء أو أحد أفراد الأُسرة بوَرمٍ خبيثٍ دون سابق إنذار، يصبح العقل كالمغناطيس الذي يجتذب بُقعًا من البيانات. كانت هناك تلك المرأة التي تقطن الشارع نفسه، والتي تمَّ تشخيصها للإصابة بسرطان الثدي أيضًا، وزوجة الأخ التي تسكن في البلدة المجاورة، وزوجة الزميل في المكتب. أمَّا الدماغ، المصمَّم للبحث عن أنماط، فيُصرُّ على إيجاد ارتباطات، ومن هنا وُلدت كتلة لونغ آيلاند السرطانية.٦٧ وهكذا، ستشرع في البحث عن سبب، أو مصدر، أو العنكبوت الجاثم في مركز الشبكة. هل كان السبب هو مُختبَر بروكهافن الوطني،٦٨ بمحتواه من مسرِّعات الجُسيمات والمفاعلات البحثية؟ أم إنها مبيدات الهوام ومبيدات الأعشاب الضارة التي كانت تُستخدَم في الأيام الخوالي، عندما كانت الجزيرة في معظمها أراضيَ زراعية، ثم لاحقًا للحفاظ على كل تلك المروج الكثيفة في لونغ آيلاند؟ أو الدي دي تي DDT الذي كان يُرَش لمكافحة البعوض؟ أم تُرى أنها الكثافة العالية لخطوط نقل الكهرباء في منطقة متعطشة للكهرباء؟
إن القلق والخوف — اللذَين كانا معقولَين ومفهومَين وإنسانيَّين للغاية — كانا يُفضيان، في بعض الأحيان، إلى الهستيريا hysteria، والتي تُفضي بدورها إلى الجنون الارتيابي (البارانويا: paranoia). وقد ألمح أحد الناشطين، على نحو مشئوم، إلى «نوع من تحديد النسل»،٦٩ وكأنما يُباد سكان لونغ آيلاند، سواء عمدًا أو عن طريق الإهمال، بفعل الإضرار الجماعي بجيناتهم. كان على السياسيِّين الاستماع لتلك المخاوف، وبالتالي أمر الكونغرس بإجراء دراسة. وبعد عقدٍ من الزمان، أصدر المعهد الوطني للسرطان تقريرًا تكلَّف إعدادُه ٣٠ مليون دولار. كان معدَّل وقوع سرطان الثدي في مقاطعتَي ناسو Nassau وسوفولك Suffolk أعلى قليلًا من مثيله في الولايات المتحدة ككل. لكن الأمر نفسه كان ينطبق على الكثير من المدن الواقعة في الشمال الشرقي للولايات المتحدة، فيما يمثل دليلًا على أن أيَّ شيء قد يكون مشتركًا بين أنواع السرطان قد يكون منتشرًا للغاية. كان التجمع أشبه بالامتداد.
لم يُعثَر على أيِّ ارتباط بين الملوِّثات وسرطان الثدي. وخلصت الدراسة إلى أنه إذا كان هناك عددٌ أكبر من حالات السرطان في لونغ آيلاند، فإن الأسباب قد تكون اجتماعيةً واقتصادية، وقد تكون هناك عوامل وراثية أيضًا. كانت العديد من نساء لونغ آيلاند ينتمين إلى أُسرٍ من اليهود الأشكنازيين Ashkenazi، الذين تُظهر نساؤهم مَيلًا للإصابة بسرطان الثدي. لكن الجاني الأقرب احتمالًا كان نمط الحياة الثريَّ نسبيًّا في الضواحي. كان سكان لونغ آيلاند ميَّالين لتناول الوجبات الغذائية الدسمة، وللسمنة، وحمل وإنجاب عددٍ أقلَّ من الأطفال، والعيش لفتراتٍ أطول؛ يبلغ متوسط العمر الذي يُشخَّص فيه سرطان الثدي٧٠ واحدًا وستِّين عامًا. كانت نساء لونغ آيلاند يتلقَّين تعليمًا أفضل من المتوسط، وبالتالي كُنَّ أكثر احتمالًا لإجراء تصوير الثدي بالأشعة السينية بصورة متواترة، ومن ثَم اكتشاف الأورام الصغيرة، والبطيئة النمو، والتي ربما كانت غير مؤذية، كما كُنَّ يُعالَجن، ولو لمجرَّد التأكد، ومن ثَم يُسجَّلن في الإحصاءات. إن امرأةً تعيش في كوخٍ في أبالاتشيا قد تحمل هذه السرطانات اللابدة «في موضعها» in situ إلى القبر، حيث تموت مسبقًا لأيِّ سبب آخر.
ليست هذه فئات الأسباب التي يودُّ الناس سماعها؛ أنه كان من الممكن وقايتهم من السرطان لو أنهم اختاروا التخلِّي عن وظائف بعينها، وأن تكون النساء — مثل إناث السناجب والثعالب — حوامل طوال الوقت. وأنهم قد استمتعوا بعددٍ أكبر من اللازم من الوجبات الجيدة، ومن ثَم اكتسبوا قدْرًا مفرطًا من الوزن. وربما أن عمليات استئصال الثدي الكتلي lump mastectomy التي أُجرِيَت لهُنَّ كانت غيرَ ضرورية. اشتكى بعضُ النشطاء من «إلقاء اللوم على الضحية»، ورفض واحدٌ منهم التقريرَ جملةً وتفصيلًا: «نحن نؤمن بكل تأكيد بوجود ارتباط بيئي،٧١ ولا يتعيَّن علينا امتلاك دليل على ماهية هذا الارتباط.»
يتعرض كل شخص لعوامل اختطار للإصابة بكل أنواع السرطان تقريبًا، بيدَ أنها لا تُؤخَذ على محمل الجِدِّ سوى في وقت لاحق. وفي أحد الأيام، فإن جارتنا فيفيان، التي تعمل بسعادة من المنزل كمترجمةٍ للوثائق العلمية، «قَدِمَت» presented، كما يقولون في أوساط المستشفيات، بسرطان المبيض. لقد توفيت في أحد الفصح Easter Sunday، ولم نَدرِ إلا ونحن جالسون في عزائها. كانت متزوجةً من أحد علماء الرياضيات. لم تكُن تؤمن بوجود الله. وفي الوقت نفسه تقريبًا، تُوفِّيت بسرطان المبيض أيضًا سوزان، وهي صديقة سابقة لي وزميلة لي من عالم الصحافة. لم تنجب هي ولا فيفيان أيَّ أطفال، ولكن كانت هناك أيضًا السيدة تروخيو Trujillo التي تسكن على الجانب الآخر من الشارع، وهي أمٌّ تجاوزت منتصف العمر بكثير، والتي تُوفِّيت بنفس المرض. يمتلك كلٌّ منَّا تجمعاته clusters الشخصية للسرطان، وبملف ذهني من الأدلة السردية، التي تتسم بكونها غيرَ موثوقة، إضافةً إلى أنه يستحيل عدم تصديقها في أعماقه.
عندما أُصيبَت نانسي بالسرطان، لم نكُن نعلم ما إذا كان قد بدأ في مِبيضَيها، أم ثديَيها، أم رَحِمها، أم رئتَيها. وعلى مدى وقتٍ طويل (امتدَّ لأسابيع؛ إذ كانت عقارب الساعة تدور ببطء شديد)، لم نكُن نعرف أين كان ينمو، فكل ما عرفناه أنه كان يقذف بالخلايا السرطانية في جسدها. كانت تزور صديقةً لها في سان دييغو، وكانت تتدرب في صالة محلية للألعاب الرياضية عندما لاحظَت وجود كتلة وَرَميَّة في باطن فخذها الأيمن. وهنا قفزَت إلى الذهن عبارة «عُقدة لمفاوية مُتورِّمة»، مثل ما قد يحصل من التهاب الحَلْق sore throat.
قرَّرنا بسرعة أن ما أصابها هو حُمَّى خدش القطط cat scratch fever، بعد التماس الطمأنينة من مواقع الإنترنت. قبل ذلك بأسابيع، ونتيجةً لترويعها بفعل صوتٍ مفاجئ، قامت إحدى قططنا بخدش ساقها بمخلبها، ومن ثَم لا بدَّ أن استجابةً مناعيَّةً للعدوى قد أدَّت إلى التورُّم اللمفاوي، فهذه هي وظيفة الغُدد اللمفاوية، أي التقاط وتحييد الغُزاة المناعيِّين. إن العقل البشري، المفعم بالأمل دومًا، يمتلك موهبةً لاستيعاب الشذوذات aberrations.
بيدَ أن التورُّم لم ينصرف، فيما ظنَّ طبيبُها أنه قد يكون فتقًا hernia، وأوصى بأن يفحصها أحدُ الجرَّاحين. لكن هذا لم يحدث على الفور؛ فقد تلقَّينا مكالمةً هاتفيةً من مكانٍ ما في الشرق، والتي أفادت بأن والد نانسي قد أُصيب بسكتة دماغية نزفية — كم كانت رهيبةً تلك السنة — وأنه يرقد في العناية المركَّزة في المركز الطبي لجامعة ستوني بروك. أُجِّل الموعدُ مع الجرَّاح، كما حجزنا رحلةً إلى مطار لاغوارديا. اتصلت نانسي على هاتف المنزل في ذلك المساء وأخبرتني عن الجلوس بجوار سرير والدها؛ عينيه، ابتسامته، وقبضة يده، وإدراكه الواضح للأمر. كان يملأ كل بوصة مكعبة من روحها، باستثناء مساحة ضئيلة. لقد اتسع الفضاء؛ ففي الأيام التي تلَت وصولها، استمر التورُّم بعِناد.
لم تكُن في حاجة إلى مغادرة حرم جامعة ستوني بروك للحصول على استشارة طبية. وفي المرة التالية التي هاتفتني فيها، كانت تسير إلى سيارتها عائدةً من موعد في إحدى العيادات، وهي تمرُّ على عدد من المباني المألوفة لديها؛ فقد حصلت على شهادة البكالوريوس في البيولوجيا من هناك. كان صوتُها مرتعشًا بما يكفي لكي أعرف أنها ربما كانت تبكي، أو أنها تحاول ألَّا تبكي. كان الطبيب قد تحسَّس التورُّم، والذي لم يكُن رخوًا ومستديرًا كما لو كان ناتجًا عن العدوى. لم يكُن التشخيص هو حُمَّى خدش القطط. كان الوَرَم يمتلك الشكل الصُّلب وغير المنتظم الذي يميِّز السرطان. لقد أخبرتها النظرة المرتسمة على وجهه أنها مصابةٌ بالسرطان بكل تأكيد. أوصى الجرَّاح بإجراء خزعة بالإبرة needle biopsy؛ أيْ شفط الخلايا لمعرفة ما إن كانت خبيثة. وهنا قرَّرت نانسي أن تعود إلى المنزل لتنفيذ هذا الإجراء.
هناك أوقاتٌ تمرُّ علينا جميعًا، والتي نكون فيها جالسين في غرفة انتظار إحدى المستشفيات محاطين بأناس آخرين، يقوم الأكبر سنًّا منهم بتقليب صفحات المجلات، فيما يحدِّق الشُّبَّان في هواتفهم المحمولة. لقد مررتُ بتلك التجربة مع والدتي بعد أن تمزقت الكفَّة المدوَّرة rotator cuff لديها، وعندما استُبدلت رُكْبتُها الثانية، كما مررتُ بها مع نانسي عندما تعرَّضت لانفصال الشبكية بعد ركوب الخيل. كنتُ أعرف ما يمكن توقُّعُه، ولكنْ في اللحظة التي تظنُّ فيها أنك لا تستطيع تحمُّل دقيقة أخرى، تَحضُر الجرَّاحة، وقناعها مُعلَّق حول عنقها. إنها تبتسم، فهي مسرورةٌ بأن تُطلِعَك على الأخبار الجيدة. لكن ذلك لم يحدث في هذه المرة، فقد قالت: «يبدو أننا أمام حالةٍ للسرطان.»
كانت قد أرسلت عيِّنةً من الوَرَم إلى الطابق السفلي، إلى مُختبَر علم الأمراض، لإلقاء نظرة سريعة تحت المجهر. كانت الخلايا الممسوخة تشبه الخلايا الظهارية epithelial cells التي تُشكِّل بطانة أعضاء الجسم، لكنها تحوَّرت بما فيه الكفاية لكي تصبح أقلَّ تمايزًا. كانت تفقد هُويَّتها الجينية. وعند العودة إلى هذه الحالة البدائية، تُشبه الخلايا تلك الموجودة في الجنين، سريعة الانقسام، وقادرة على فعل أيِّ شيء تقريبًا، مثل الحرباء.

كان لا بدَّ من تأكيد التشخيص في المختبَر، لكنْ لم يكُن هناك سوى قليل من الشكِّ حول ما كان يحدث. سِرتُ مع الجرَّاحة إلى غرفة الإفاقة حيث كانت نانسي ترقد في شِبه غيبوبة تخديرية. أتذكر أنها كانت تبتسم خلال حديث الجرَّاحة، ولم أدرك إلا لاحقًا أنها كانت بالكاد تستوعب المعلومات التي سمعتها. وطوال بقية الأسبوع، حاولت أن أكون متفائلًا، وربما قُمت بتضليلها عن غير قصد. ما فهمته هو أن التشخيص كان، مثلا، مؤكدًا بنسبة ٩٠ في المائة، وأن تقرير المختبَر كان أمرًا تقنيًّا، أو وسيلةً لكي تكون متأكدًا تمامًا. كنت أظنُّ أن هذا ما فهِمَتْه نانسي أيضًا.

وبعد بضعة أيام، كنت في الطابق العلوي في مكتبي عندما اتصلت بها الطبيبة لإبلاغها بآخر الأخبار: «سرطانة غُديَّة نقيلية واسعة النطاق، متمايزة إلى حدٍّ ما.» إن السرطانات الغُديَّة adenocarcinomas هي سرطانات تصيب الأنسجة الظهارية، والتي تحتوي على غُدد مجهرية. من الممكن أن تنشأ هذه الأورام في القولون، والرئة، والبروستاتة، والبنكرياس، وفي أيِّ مكان من الجسم تقريبًا. لا أتذكر كيف تمكَّنتُ من السير إلى الطابق السفلي. أم أنها صعدَتْ إليَّ في الطابق العلوي؟ لم أكُن قد رأيتها بمثل هذا الانزعاج. أخبرتني أنها أغلقت الهاتف وصرخت. لقد تمكنت الخلايا السرطانية من الوصول بطريقةٍ ما إلى جهازها اللمفاوي، ومن ثَم استقرت بداخل تلك العُقدة اللمفاوية في فخذها. لكنْ ما الموضع في جسدها الذي أتت منه تلك الخلايا؟ سيستغرق الأمر أسابيع قبل أن نعرف. «سرطان نقيلي مع وَرَم أولي غير معروف»، بدا ذلك كأنه أسوأ تشخيص ممكن. كان الوَرَم ينمو دون توقُّف، ناثرًا المزيد من البذور، أو النقائل. لكن أحدًا لا يعرف موضعه.

كانت هناك تلميحات من تقرير التشريح المرضي الذي يصف طبيعة تلك الخلايا:

  • مستقبلات الإستروجين: نحو ٩٠ في المائة إيجابية (وهو أمر جيد).
  • مستقبلات البروجسترون: سلبية (وهو أمر سيئ).

زوَّدَنا السطرُ الأولُ ببصيص من الأمل لنتمسك به. فباعتبار أن نموَّ بعض السرطانات يكون موجَّهًا بفعل الإستروجين، فمن الممكن السيطرة عليه عن طريق إضعاف تأثيره. ساعَدَت وفرةُ هذه المستقبلات أيضًا على تضييق نطاق التشخيص.

التعليق: تتوافق إيجابية مستقبلات الإستروجين مع كون الوَرَم الأوليِّ ناشئًا عن بطانة الرحم أو المبيض، وليس عن الجهاز الهضمي. وبالتالي فقد كان وَرَمًا نسائيًّا على الأرجح. إن بطانة الرحم endometrium — أي الطبقة المبطنة للرحم — هي نسيج مؤلَّف من الخلايا الظهارية، والتي هي عُرضةٌ للإصابة بالسرطانات. أعتقد أن نانسي شكَّت في شيء من هذا القبيل. قبل ذلك بنحو عام، أخبرها طبيبُها بأنها كانت تعاني من انقطاع الطمث المبكر على نحوٍ غير معتاد. كان علامةَ ذلك نزفٌ طمثيٌّ غير منتظم، ولا زلتُ أتساءل عن سبب أخذ ذلك كعلامة تحذيرية، أو كمناسبة لإجراء مزيد من الاختبارات، وما إن كان سيمكن اكتشافُ السرطان ومعالجتُه قبل أن يُسمَح له بالانتشار.
التعليق: يمتلك الوَرَم بنيةً حليميةً مجهريةً micropapillary تشير إلى بطانة الرحم، أو المبيض أو … كانت بقية الجملة مفقودة، كأن القِرَدة التي تستخدم الآلات الكاتبة تسجل مصيرك، مع التأكُّد من تضمين رمز الفوترة billing code.
كانت الجرَّاحة داعمةً تمامًا، ومتعاطفةً للغاية، كالشقيقة تمامًا، وفي زيارة للمتابعة قامت بعناق نانسي. أعتقد أن كلينا أُصيبَ بالذهول عندما تمثلت خطوتُها المقبلة في تسليمنا كومةً من الأوراق — الصفراء والوردية والزرقاء — التي تمثل طلباتٍ لعمل إجراءات مختلفة. كان علينا أخذُها إلى العيادات المحليَّة، والوقوف في الطابور، والتقدُّم بطلب للحصول على موعد. كان بوسع مركز التصوير الطبي الموجود على الجانب الآخر من الشارع عمل الأشعَّة السينية على الثدي (الماموغرام)، وفحص الصدر بالأشعَّة السينية، والفحص بالأشعَّة المقطعية للبطن والحوض. أخبرتنا الجرَّاحة بأن مركز تنظير القولون colonoscopy كان محجوزًا لفترة طويلة. وبدلًا من الإصرار على استيعاب مريضة بسرطان نقيلي — حيث تتسم عمليات تنظير القولون التي تُجرى لمعظم الناس بكونها روتينيةً ويمكن بسهولة إعادةُ تحديد موعدها — طلبت الجرَّاحة إجراء حقنة الباريوم barium enema؛ وهو اختبار قديم يتسم بكونه أسرع على الرغم من أنه أقلُّ حسمًا. سألْنا عن الإحالة إلى طبيب متخصِّص في علم الأورام، فأخبرتنا الجرَّاحة بأن ذلك كان سابقًا لأوانه حتى نعرف نوع السرطان الذي أصابها. لقد قالت ذلك في الواقع.
إن ما يمثل أزمةً بالنسبة إلى المريض هو إجراء روتيني بالنسبة للطبيب، لكن ذلك كان لا يزال يبدو لي كأنه حماقة خالصة. تنقَّلنا من مختبَر إلى مختبَر، ومن ثَم العودة لاستلام النتائج. كان فحص الماموغرام وصورة الصدر بالأشعَّة السينية سلبيَّين. أمَّا مسح البطن، فأظهر أن الكبد والكليتَين والبنكرياس والأمعاء والجزء السفلي من الرئتين كانت كلها سليمة، وكذلك كانت الغُدَّتان الكظريتان. بدت العُقيدة التي يبلغ حجمها ١٫٣ سنتيمتر في منطقة الطِّحال «وكأنها مجرَّد طُحيل splenule»؛ وهي كتلة حميدة يمكن، في بعض الأحيان، أن يُخلَط بينها وبين وَرَم. وفي مسح الحوض، بدا أن الكيسة الموجودة على المبيض الأيسر «من غير المرجَّح أن تكون وَرَميَّةً»، لكن الرحم وبطانة الرحم كانا «ناتِئَين»، وكانت هناك أورام ليفية حميدة. كانت هناك «مسألة حول آفة مضيقة صغيرة في القولون السيني». كان من المُخيف قراءة لغة لم نكُن مستعدَّين لفهم الفروق الدقيقة بين ألفاظها. كان الأمر المقلق بصفة خاصة هو نتائج اختبار الدم: كانت مستويات CA-125؛ وهو بروتين يوجَد بتركيزاتٍ أعلى في بعض أنواع السرطان، مرتفعةً لديها. كان الاختبار أبعدَ ما يكون عن أن يكون قاطعًا، فهناك أسبابٌ أخرى كثيرة يمكن أن تسبِّب هذه القراءة المرتفعة، لكنه ألمح إلى احتمال إصابتها بسرطان المبيض، وهو ذلك النوع الذي قتل صديقتنا فيفيان.
ومع إقدامنا على تكديس المعلومات، أجرَينا أيضًا عددًا من المكالمات الهاتفية. لقد تحدثتُ إلى طبيبة في مستشفى مايو كلينيك في سكوتسديل، حيث أنفقت بتباهٍ على فحصٍ جسديٍّ مخصَّصٍ للمديرين التنفيذيِّين، وذلك بمناسبة عيد ميلادي الخمسين. رشَّحَت لي الطبيبةُ ما كان واضحًا: مركز إم دي أندرسون للسرطان٧٢ في هيوستن أو مركز سلون-كيترينغ Sloan-Kettering في نيويورك. وقد اتصلتُ بالفعل بالمركزَين، والأهم من ذلك — كما اتضح لاحقًا — فقد عثرتُ على الطبيب الذي عالج فيفيان. كان زوجُها قد أشاد بطبيب الأورام الذي عالجها، وعندما اتصلتُ بعيادة الطبيب في «سانتا في»، تمكَّنَت سكرتيرتُه من أن تحدِّد لنا موعدًا وسط جدوله المزدحم.
تخيَّل مزيجًا نحيفًا طويل القامة ومتقدِّما في السنِّ من جيمي ستيوارت وجون واين — وأعتقد أنه كان يرتدي حذاءَ رُعاة البقر — الذي يسير بتمهُّل ويتحمل المسئولية. كان الرجل مُطَمْئِنًا في بساطته؛ إذ كان يبدو كشخصٍ رأى كلَّ شيء. كان يتصفح نتائج الاختبار: «لا يوجَد شيءٌ هنا حقًّا.» وقال إنه من غير المرجَّح أن ينتشر سرطان المبيض إلى عُقدة لمفاوية إربية inguinal. وقد استغرب لطلب الطبيبة إجراءَ حقنة شرجية بالباريوم، والتي كان مقررًا إجراؤها بعد بضعة أيام، فقال إنه اختبار عديم الفائدة. وعندما أخبرناه عن فترة الانتظار الطويلة لإجراء تنظير القولون، أمسك بسمَّاعة الهاتف، واتصل بأحد الأطباء الذين يمتلكون العيادة، وحدَّد لنا موعدًا بعد يومَين. قال الطبيب: «سنقوم بشفائك.» أو على الأقلِّ هذا ما اختزنَته ذاكرتي. ليس من المُفترَض أن يقول ذلك أطباءُ الأورام، لكنه كان من المشجِّع أنه لم يهتمَّ بالأمر مطلقًا.
كانت نتائج تنظير القولون سلبية، ومن ثَم فقد كانت الخطوة النهائية هي إجراء مسح بتقنية PET. كان أول جهاز لإجراء هذا الفحص قد وصل إلى «سانتا في» من فوره، فلم يَعُدْ ضروريًّا قيادة السيارة لمدَّة ساعة جنوبًا إلى مدينة ألبوكيركي، وكانت نانسي أول مريضة في الطابور تقريبًا. يعني الاختصار PET التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني،٧٣ ويمثل انتصارًا للتكنولوجيا الطبية من العالم المُبهَم لفيزياء الجُسَيمات. يتعيَّن على المريض الصوم في الليلة التي تسبق الإجراء، بحيث تتضوَّر خلايا الجسم جوعًا. وعندما يتم حَقْن الغلوكوز الموسوم بمادة مُشعَّة، يتم استهلاكُه بنَهَمٍ شديد. تتسم الخلايا الخبيثة، والسريعة الانقسام، بشراهتها بصفة خاصة، حيث تقوم بتركيز الجزيئات المشعَّة. ومع تلاشي هذه الجزيئات، فهي تقذف البوزيترونات positrons؛ وهي جُسيمات من المادة المضادَّة التي تصطدم بالإلكترونات وتُنتج تدفقاتٍ من أشعَّة غامَا، والتي تضرب جهازًا ومَّاضًا scintillator، الذي يستجيب عن طريق بثِّ ومضات من الضوء. كان الجزء السفلي من رحم نانسي متوهجًا بفعل خلايا بطانة الرحم المُفرِطة النشاط، والمتحدِّرة من خلية واحدة جُنَّ جنونُها، وهي خلية نسيت أنها كانت جزءًا من مجتمع من الخلايا، ومن ثَم بدأت تعمل كما يحلو لها، وهي خيانة فرديَّة نُفِّذَت مرارًا وتكرارًا منذ أن وافقت أوائل الخلايا العتيقة، على مضضٍ، على التخلي عن استقلاليتها مقابلَ مزايا العيش ضمنَ جماعة.
وفي الأيام التي تلَت التشخيص، بدأت أقرأ عن كيف يمكن لهذا أن يحدث.٧٤ من أجل مواصلة العيش في وئام، تقوم خلايانا بصفة مستمرة بتبادل الإشارات الكيميائية، للتشاور حول توقيت بدء التكاثر ومن ثَم بناء أنسجة جديدة. ومع تلقِّي كل خلية لهذه المعلومات، فهي تستجيب عن طريق إرسال تعليمات إلى نواتها، وهي وحدة التحكم المركزية، لتفعيل التوليفة المناسبة من الجينات، للضغط على الأزرار الملائمة، فيما يشبه النقر التتابعي على مفاتيح البيانو. إن الخلية السرطانية هي خلية عزلت نفسها عن المناقشة، متخذةً قراراتها من تلقاء نفسها وعلى نحوٍ منفرد. لا بدَّ أن الأحداث العشوائية — التي حرَّضتها الأشعَّة الكونية، أو ثمة مادة كيميائية مسرطنة، أو بفعل المصادفة المحضة — قد أحدثت تغيُّراتٍ في الدنا DNA الموجود بداخل واحدة من خلايا نانسي؛ الأمر الذي جعلها تفقد التواصل مع الخلايا الأخرى. ربما بدأت المشكلة بحدوث طفرة في جين يرسل إشاراتٍ تُخبر الخلية بأن الوقت قد حان للانقسام. وربما أدَّت طفرةٌ أخرى إلى تعديل المستقبلات الجزيئية التي تستجيب للإشارات، مما جعلها تصبح مفرطةَ الحساسيَّة. ولكونها صارت تستجيب لأقلِّ المحفِّزات، فقد بدأت الانقسام قبل الأوان. وفي كلتا الحالتَين، تبدأ الخلية في التكاثر بسرعةٍ أكبرَ من جيرانها.

في الواقع إن هذا النوع من الأخطاء يحدث في كل وقت. نحن لا نُصاب بالسرطان عادةً لأن هناك جيناتٍ أخرى تتفاعل مع الهبَّات المفاجئة من النشاط بكبح جماح النمو. لكن طفرةً أخرى قد تؤدِّي إلى فشل ذلك الإجراء الوقائي. تتلقَّى نواة الخلية باستمرار الرسائل باستمرار، وتوازن الأدلة وتتخذ القرارات بشأن ما ينبغي عملُه لاحقًا. تعتمد الحسابات على مجموعة متشابكة من الشلالات الجزيئية؛ مما يعني أن المزيد من الأمور التي قد تتعرَّض للخطأ، وهو ما يحدث بالفعل، طوال الوقت. تُكتشَف الأخطاء وتُصحَّح، كما يتم إصلاحُ الدنا. وإذا فشل ذلك، يمكن للخلية أن تستشعر ذلك الاضطراب الداخلي، ومن ثَم تُرسل إشاراتٍ انتحاريةً لنفسها، وبالتالي تقتل نفسها من أجل الصالح العام. لكن طفرةً أخرى يمكنها تقويضُ ذلك الخطِّ الدفاعي.

يُوصَف كل هذا عادةً كما لو أن خليةً واحدةً تظلُّ قابعةً بلا حَراك وتتراكم فيها هذه العيوب على مرِّ السنين. لقد حاولتُ تخيُّل العملية كما تحدث في الواقع، وهي تتكشَّف أمامي بصورة دراماتيكية. تؤدِّي ضربةٌ لجَعْل خلية تشرع في الانقسام مرارًا وتكرارًا، ثم تُصاب واحدةٌ من ذريتها الكثيرة بطفرة أخرى، والتي تُصاب ذريتُها بمزيدٍ من الطفرات. كلما زاد طول بقاء سُلالة lineage من الخلايا على قيد الحياة، زاد احتمالُ تعرُّضها للطفرات. بيدَ أن ذلك لا يزال يترك حاجزًا آخر ضدَّ النمو الجامح؛ وهو عدَّاد يراقب ويقيِّد عدد المرات التي يمكن أن تنقسم فيها الخلية، وعند تعرُّضها للطفرة المناسبة، يمكن للخلية أن تتعلَّم باستمرارٍ كيف تُعيد العدَّاد إلى الصفر، ومن ثَم تصبح خالدة. ومن خلال نسخ نفسها مرارًا وتكرارًا، فهي تُنتج كتلةً من الذريَّة الطافرة، وهو ما يُعرف باسم الوَرَم.
بيدَ أن كل ذلك لا يزال غيرَ كافٍ لإصابتك بالسرطان؛ فالخلية تحتاج إلى مزيدٍ من الطفرات لكي تتعلَّم كيفية غزو الأنسجة المحيطة بها، أيْ لكي تصبح خبيثةً بدلًا من حميدة. وحتى مع ذلك، فمن الممكن أن ينموَ الوَرَمُ إلى حجمٍ معيَّن — مثل حجم رأس قلم حبر جاف — قبل أن يتضوَّر جوعًا أو يغرق في فضلاته هو. ومن أجل أن يتمكن الوَرَم من مواصلة التوسُّع، عليه أن يجد وسيلةً للوصول إلى الجهاز الدوري circulatory system وينقضَّ عليه مثل مصاصي الدماء.
ومع هذا التسريب للمغذيات، تتكاثر الخلايا بنشاطٍ أكثر من أيِّ وقت مضى، مما يزيد من احتمال حدوث مزيد من الطفرات، أو التلاؤمات adaptations، من وجهة نظر الخلية السرطانية المتطورة. وتمثل هذه الظاهرة ما يسميه علماء الحاسوب «توليدًا واختبارًا عشوائيًّا». ومع التخلص من جميع القيود، يقذف الجينوم بالتباينات، واحدًا تلوَ الآخر، وهي وحوش مُفعَمة بالأمل، يحاول كلٌّ منها أن تكون له اليد العُليا. قد يتعلَّم بعضُها أن يستهلك الطاقة بكفاءةٍ أكبر، فيما يكتسب البعض الآخر قدرةً على تحمُّل بيئات أقسى أو كيفية تثبيط الجهاز المناعي. وأخيرًا، سيتمكن الأصلح من الإبحار في مجرى الدم أو القنوات اللمفية، ومن ثَم استكشاف قواعد جديدة.

أثناء تفكُّري في ذلك، كنت كمَن ينجذب في اتجاهَين متعاكسَين؛ ففي وجود هذا القدْر من الضوابط والتوازنات، يجب أن يكون الشخص قليل الحظِّ على نحوٍ غير معتاد لكي يُصاب بالسرطان. ومن الناحية الأخرى، في وجود مثل هذا الكَمِّ الكبير من الأمور التي يمكن أن تصير إلى الأسوأ، من المدهش أن السرطان لا يحدث طوال الوقت.

١     Pascal’s wager.
٢  انظر، على سبيل المثال:
World Cancer Research Fund/American Institute for Cancer Research, Food, Nutrition, Physical Activity, and the Prevention of Cancer: A Global Perspective (Washington, DC: AICR, 2007), xxv.
٣  Miguel A. Sanjoaquin et al., “Folate Intake and Colorectal Cancer Risk: A Meta-analytical Approach,” International Journal of Cancer 113, no. 5 (February 20, 2005): 825–28 Susanna C. Larsson, Edward Giovannucci, and Alicja Wolk, “Folate and Risk of Breast Cancer: A Meta-analysis,” Journal of the National Cancer Institute 99, no. 1 (January 3, 2007): 64–76 and Jane C. Figueiredo et al., “Folic Acid and Risk of Prostate Cancer: Results from a Randomized Clinical Trial,” Journal of the National Cancer Institute 101, no. 6 (March 18, 2009): 432–35.
٤  انظر، على سبيل المثال:
Figueiredo et al., “Folic Acid and Risk of Prostate Cancer”; and Marta Ebbing et al., “Cancer Incidence and Mortality After Treatment with Folic Acid and Vitamin B12,” JAMA: The Journal of the American Medical Association 302, no. 19 (November 18, 2009): 2119–26.
٥  John J. McGuire, “Anticancer Antifolates: Current Status and Future Directions,” Current Pharmaceutical Design 9, no. 31 (2003): 2593–613.
٦  كان سيدني فاربر رائد هذه الأبحاث. انظر:
S. Farber et al., “Temporary Remissions in Acute Leukemia in Children Produced by Folic Acid Antagonist, 4-Aminopteroyl-Glutamic Acid,” New England Journal of Medicine 238, no. 23 (June 3, 1948): 787–93.
وقد وردت القصة في كتاب موخيرجي الرائع:
Siddhartha Mukherjee, The Emperor of All Maladies: A Biography of Cancer (New York: Scribner, 2010), 27–36.
٧  Rudolf I. Salganik, “The Benefits and Hazards of Antioxidants,” Journal of the American College of Nutrition 20 (2001): 464S–72S.
٨  “The Effect of Vitamin E and Beta Carotene on the Incidence of Lung Cancer and Other Cancers in Male Smokers,” New England Journal of Medicine 330, no. 15 (April 14, 1994): 1029–35.
٩  Gary E. Goodman et al., “The Beta-Carotene and Retinol Efficacy Trial,” Journal of the National Cancer Institute 96, no. 23 (December 1, 2004): 1743–50.
١٠  Lee W. Wattenberg, “Chemoprophylaxis of Carcinogenesis: A Review,” part 1, Cancer Research 26, no. 7 (July 1, 1966): 1520–26.
١١  أشارت دراسة عشوائية أُجريت مؤخرًا على عدد من الأطباء الذكور إلى أن معدل الوقوع السنوي للسرطان يبلغ ١٫٧ في المائة بين مَن يتناولون الفيتامينات المتعدِّدة مقارنةً بنسبة ١٫٨ في المائة في مجموعة الدواء الغُفل:
J. Gaziano et al., “Multivitamins in the Prevention of Cancer in Men,” JAMA: The Journal of the American Medical Association (published online October 17, 2012): 1–10.
انظر قسم التعليقات في البحث للاطلاع على إحالات إلى دراسات أخرى وجدت آثارًا محايدةً وحتى سلبية.
١٢  “5 A Day for Better Health Program Evaluation Report: Executive Summary,” National Cancer Institute website, last updated March 1, 2006.
١٣     5 A Day program.
١٤  Walter C. Willett, “Fruits, Vegetables, and Cancer Prevention: Turmoil in the Produce Section,” Journal of the National Cancer Institute 102, no. 8 (April 21, 2010): 510–11.
١٥  Willett, “Fruits, Vegetables, and Cancer Prevention”.
١٦     prospective cohort studies.
١٧  الاستقصاء الأوروبي المستقبلي التوجُّه إلى السرطان والتغذية، أو EPIC، والموصوف على موقع الوكالة الدولية لبحوث السرطان. للاطِّلاع على ملخَّص مع استشهادات للنتائج الرئيسية للدراسة EPIC، انظر:
“Diet and Cancer: the Evidence,” Cancer Research UK website, updated September 25, 2009.
١٨  Willett, “Fruits, Vegetables, and Cancer Prevention”; and Paolo Boffetta et al., “Fruit and Vegetable Intake and Overall Cancer Risk in the European Prospective Investigation into Cancer and Nutrition,” Journal of the National Cancer Institute 102, no. 8 (April 21, 2010): 529–37.
لم يُكتشَف أيُّ دليل على أن الفواكه والخضراوات تساعد على درء سرطان الثدي:
Carla H. van Gils et al., “Consumption of Vegetables and Fruits and Risk of Breast Cancer,” JAMA: The Journal of the American Medical Association 293, no. 2 [January 12, 2005]: 183–93.
أو سرطان البروستاتة:
Timothy J. Key et al., “Fruits and Vegetables and Prostate Cancer,” International Journal of Cancer 109, no. 1 [March 2004]: 119–24.
١٩  Anthony B. Miller et al., “Fruits and Vegetables and Lung Cancer,” International Journal of Cancer 108, no. 2 (January 10, 2004): 269–76; and Heiner Boeing et al., “Intake of Fruits and Vegetables and Risk of Cancer of the Upper Aero-digestive Tract,” Cancer Causes & Control 17, no. 7 (September 2006): 957–69.
٢٠  Constantine Iosif Fotiadis et al., “Role of Probiotics, Prebiotics and Synbiotics in Chemoprevention for Colorectal Cancer,” World Journal of Gastroenterology 14, no. 42 (November 14, 2008): 6453–57; and Janelle C. Arthur and Christian Jobin, “The Struggle Within: Microbial Influences on Colorectal Cancer,” Inflammatory Bowel Diseases 17, no. 1 (January 2011): 396–409.
٢١  انظر:
Teresa Norat et al., “The Associations Between Food, Nutrition and Physical Activity and the Risk of Colorectal Cancer”.
وهي متوافرة، جنبًا إلى جنبٍ مع غيرها من النتائج الأخيرة للدراسة EPIC بشأن النظام الغذائي على الموقع الإلكتروني Cancer Report التابع للصندوق الدولي لأبحاث السرطان. انظر:
“Continuous Update Project Report Summary. Food, Nutrition, Physical Activity, and the Prevention of Colorectal Cancer” (2011).
٢٢  نُشرت النتائج الإيجابية للدراسة في المرجع التالي:
Sheila A. Bingham et al., “Dietary Fibre in Food and Protection Against Colorectal Cancer in the European Prospective Investigation into Cancer and Nutrition,” Lancet 361, no. 9368 (May 3, 2003): 1496–1501.
للاطِّلاع على نتائج مخالفة من دراسة صحَّة الممرضات، انظر:
Scott Gottlieb, “Fibre Does Not Protect Against Colon Cancer,” BMJ: British Medical Journal 318, no. 7179 (January 30, 1999): 281; and C. S. Fuchs, W. C. Willett, et al., “Dietary Fiber and the Risk of Colorectal Cancer and Adenoma in Women,” New England Journal of Medicine 340, no. 3 (January 21, 1999): 169–76.
٢٣  Arthur Schatzkin et al., “Lack of Effect of a Low-Fat, High-Fiber Diet on the Recurrence of Colorectal Adenomas,” New England Journal of Medicine 342, no. 16 (April 20, 2000): 1149–55.
ولم تجد التجارب المحكومة المشابهة أيَّ علاقة أيضًا. انظر، على سبيل المثال:
D. S. Alberts et al., “Lack of Effect of a High-fiber Cereal Supplement on the Recurrence of Colorectal Adenomas,” New England Journal of Medicine 342, no. 16 (April 20, 2000): 1156–62; and Shirley A. Beresford et al., “Low-fat Dietary Pattern and Risk of Colorectal Cancer,” JAMA: The Journal of the American Medical Association 295, no. 6 (February 8, 2006): 643–54.
٢٤  John P. Pierce et al., “Influence of a Diet Very High in Vegetables, Fruit, and Fiber and Low in Fat on Prognosis Following Treatment for Breast Cancer,” JAMA: The Journal of the American Medical Association 298, no. 3 (July 18, 2007): 289–98.
٢٥  B. N. Ames, M. Profet, and L. S. Gold, “Nature’s Chemicals and Synthetic Chemicals: Comparative Toxicology,” Proceedings of the National Academy of Sciences 87, no. 19 (October 1990): 7782–86 and Bruce N. Ames, “Dietary Carcinogens and Anticarcinogens,” Science 221, no. 4617 (September 23, 1983): 1256–64.
٢٦  تتعلق هذه الحسابات بشخص يبلغ من العمر خمسين عامًا. انظر:
Teresa Norat et al., “Meat, Fish, and Colorectal Cancer Risk,” Journal of the National Cancer Institute 97, no. 12 (June 15, 2005): 906–16; and Doris S. M. Chan et al., “Red and Processed Meat and Colorectal Cancer Incidence: Meta-Analysis of Prospective Studies,” PLOS ONE 6, no. 6 (June 6, 2011).
٢٧  Norat et al., “Meat, Fish, and Colorectal Cancer Risk”.
٢٨  للاطِّلاع على أدلة على أن تناول الأسماك يثبِّط السرطان عن طريق تشجيع الموت الخلوي المبرمج وإعاقة تكاثر الخلايا، انظر:
Youngmi Cho et al., “A Chemoprotective Fish Oil- and Pectin-Containing Diet Temporally Alters Gene Expression Profiles in Exfoliated Rat Colonocytes Throughout Oncogenesis,” Journal of Nutrition 141, no. 6 (June 1, 2011): 1029–35.
للاطِّلاع على وجهة نظر أخري، انظر:
Catherine H. MacLean et al., “Effects of Omega-3 Fatty Acids on Cancer Risk,” JAMA: The Journal of the American Medical Association 295, no. 4 (January 25, 2006): 403–15.
٢٩  Ross L. Prentice et al., “Low-Fat Dietary Pattern and Risk of Invasive Breast Cancer: The Women’s Health Initiative Randomized Controlled Dietary Modification Trial,” JAMA: The Journal of the American Medical Association 295, no. 6 (February 8, 2006): 629–42; and Shirley A. Beresford et al., “Low-Fat Dietary Pattern and Risk of Colorectal Cancer”.
للاطِّلاع على ملخَّص، انظُر:
“The Nutrition Source: Low-Fat Diet Not a Cure-All,” Harvard School of Public Health website.
٣٠  Gary Taubes, Good Calories, Bad Calories: Fats, Carbs, and the Controversial Science of Diet and Health (New York: Vintage, 2008); and Gary Taubes, Why We Get Fat: And What to Do About It (New York: Knopf, 2010).
٣١  انظر، على سبيل المثال:
“AACR Cancer Progress Report,” 2012, American Association for Cancer Research website.
٣٢  تتسم الآليات هنا بكونها معقدةً وتنطوي على تنظيم الإنسولين والعمليات الخلوية الأخرى. انظر:
Stephen D. Hursting et al., “Calorie Restriction, Aging, and Cancer Prevention,” Annual Review of Medicine 54 (February 2003): 131–52; D. Kritchevsky, “Caloric Restriction and Cancer,” Journal of Nutritional Science and Vitaminology 47, no. 1 (February 2001): 13–19; Sjoerd G. Elias et al., “Transient Caloric Restriction and Cancer Risk (The Netherlands),” Cancer Causes & Control 18, no. 1 (February 2007): 1–5; and David M. Klurfeld et al., “Reduction of Enhanced Mammary Carcinogenesis in LA/N-cp (Corpulent) Rats by Energy Restriction,” Proceedings of the Society for Experimental Biology and Medicine 196, no. 4 (April 1, 1991): 381–84.
في مقاله يجادل توبس بأن التأثيرات المضادَّة للسرطان التي تُشاهَد في التجارب على الحيوانات لا تحدُث نتيجة التقليص الإجمالي للسعرات الحرارية، بل نتيجة تقليل السكريات والكربوهيدرات.
٣٣  انظر، على سبيل المثال:
Endogenous Hormones and Breast Cancer Collaborative Group, “Circulating Sex Hormones and Breast Cancer Risk Factors in Postmenopausal Women,” British Journal of Cancer 105, no. 5 (2011): 709–22; A. Heather Eliassen et al., “Endogenous Steroid Hormone Concentrations and Risk of Breast Cancer Among Premenopausal Women,” Journal of the National Cancer Institute 98, no. 19 (October 4, 2006): 1406–15; and Rudolf Kaaks et al., “Serum Sex Steroids in Premenopausal Women and Breast Cancer Risk,” Journal of the National Cancer Institute 97, no. 10 (May 18, 2005): 755–65.
٣٤  National Toxicology Program, Report on Carcinogens, 12th ed. (Research Triangle Park, NC: U.S. Department of Health and Human Services, 2011). Available on the National Toxicology Program website.
٣٥  انظر، على سبيل المثال:
F. Clavel-Chapelon, “Differential Effects of Reproductive Factors on the Risk of Pre- and Postmenopausal Breast Cancer,” British Journal of Cancer 86, no. 5 (March 4, 2002): 723–27.
٣٦  انظر، على سبيل المثال:
Kembra L. Howdeshell et al., “Environmental Toxins: Exposure to Bisphenol A Advances Puberty,” Nature 401, no. 6755 (October 21, 1999): 763–64 ; and Laura N. Vandenberg, Ana M. Soto, et al., “Bisphenol-A and the Great Divide: A Review of Controversies in the Field of Endocrine Disruption,” Endocrine Reviews 30, no. 1 (February 1, 2009): 75–95.
٣٧  انظر:
Sandra Steingraber, “The Falling Age of Puberty in U.S. Girls,” August 2007, Breast Cancer Fund website, Sarah E. Anderson, Gerard E. Dallal, and Aviva Must, “Relative Weight and Race Influence Average Age at Menarche,” part 1, Pediatrics 111, no. 4 (April 2003): 844–50.
٣٨  Steingraber, “The Falling Age of Puberty,” 20.
٣٩  انظر:
World Cancer Research Fund/American Institute for Cancer Research, Food, Nutrition, Physical Activity, and the Prevention of Cancer, 239–42.
٤٠  David Plotkin, “Good News and Bad News About Breast Cancer,” The Atlantic, June 1998.
٤١  للاطِّلاع على لمحة عامة، انظر تقريرين منشورين على موقع المعهد الوطني للسرطان:
“Menopausal Hormone Therapy and Cancer” and “Diethylstilbestrol (DES) and Cancer,” both reviewed December 5, 2011.
٤٢  Sabina Rinaldi et al., “Anthropometric Measures, Endogenous Sex Steroids and Breast Cancer Risk in Postmenopausal Women,” International Journal of Cancer 118, no. 11 (June 1, 2006): 2832–39; and Petra H. Lahmann et al., “A Prospective Study of Adiposity and Postmenopausal Breast Cancer Risk,” International Journal of Cancer 103, no. 2 (November 4, 2002): 246–52.
٤٣  Kaaks et al., “Serum Sex Steroids in Premenopausal Women and Breast Cancer Risk”.
انظر أيضًا:
Elisabete Weiderpass et al., “A Prospective Study of Body Size in Different Periods of Life and Risk of Premenopausal Breast Cancer,” Cancer Epidemiology, Biomarkers & Prevention 13, no. 7 (July 2004): 1121–27; and L. J. Vatten and S. Kvinnsland, “Prospective Study of Height, Body Mass Index and Risk of Breast Cancer,” Acta Oncologica 31, no. 2 (1992): 195–200.
٤٤  “Oral Contraceptives and Cancer Risk,” National Cancer Institute, reviewed March 21, 2012.
٤٥  جرت دراسة الأدلة على ارتباط الكحول بسرطانَي المريء والكبد وغيرها من أنواع السرطان في المرجع التالي:
Vincenzo Bagnardi et al., “Alcohol Consumption and the Risk of Cancer: A Meta-Analysis,” Alcohol Research and Health: The Journal of the National Institute on Alcohol Abuse and Alcoholism 25, no. 4 (2001): 263–70.
٤٦  Heather M. Colvin and Abigail E. Mitchell, eds., Hepatitis and Liver Cancer (Washington, DC: The National Academies Press, 2010): 29–30.
٤٧  انظر، على سبيل المثال:
P. E. Jackson and J. D. Groopman, “Aflatoxin and Liver Cancer,” Clinical Gastroenterology 13, no. 4 (December 1999): 545–55.
٤٨  Wendy Y. Chen, Walter C. Willett, et al., “Moderate Alcohol Consumption During Adult Life, Drinking Patterns, and Breast Cancer Risk,” JAMA: The Journal of the American Medical Association 306, no. 17 (November 2, 2011): 1884–90.
٤٩  “Risk of Developing Breast Cancer,” Breastcancer.org website, last modified on March 14, 2012.
٥٠  Jane Green et al., “Height and Cancer Incidence in the Million Women Study,” Lancet Oncology 12, no. 8 (August 2011): 785–94.
٥١     Million Women Study.
٥٢  Jaime Guevara-Aguirre et al., “Growth Hormone Receptor Deficiency Is Associated with a Major Reduction in Pro-Aging Signaling, Cancer, and Diabetes in Humans,” Science Translational Medicine 3, no. 70 (February 16, 2011): 70ra13 and Mitch Leslie, “Growth Defect Blocks Cancer and Diabetes,” Science 331, no. 6019 (February 18, 2011): 837.
٥٣  انظر، على سبيل المثال، ترتيبات مؤشِّر هارفارد لخطر الإصابة بالسرطان، والموصوفة في المرجع التالي:
G. A. Colditz et al., “Harvard Report on Cancer Prevention Volume 4: Harvard Cancer Risk Index,” Cancer Causes & Control 11, no. 6 (July 2000): 477–88.
٥٤  وفقًا لنشرة «صحيفة معلومات سرطان الرئة»، يكون المدخِّنون الذكور أكثر عُرضةً بثلاثة وعشرين ضعفًا للإصابة بسرطان الرئة، وتكون النساء أكثر عُرضةً بثلاثة عشر ضعفًا، بالمقارنة مع الأشخاص الذين لم يدخِّنوا مطلقًا:
American Lung Association website, November 2010.
٥٥  Rebecca Goldin, “Lung Cancer Rates: What’s Your Risk?” March 8, 2006, Research at Statistical Assessment Service (STATS) website, George Mason University.
٥٦  انظر: “Cancer Care/Prediction Tools” on the Sloan-Kettering website.
٥٧  “Summary Report: Analysis of Exposure and Risks to the Public from Radionuclides and Chemicals Released by the Cerro Grande Fire at Los Alamos June 12, 2002,” New Mexico Environment Department, Risk Assessment Corporation, report no. 5-NMED-2002-FINAL, Risk Assessment Corporation website .
٥٨  “Vitamin D and Cancer Prevention: Strengths and Limits of the Evidence,” National Cancer Institute website, reviewed June 16, 2010, and Cindy D. Davis, “Vitamin D and Cancer: Current Dilemmas and Future Research Needs,” American Journal of Clinical Nutrition 88, no. 2 (August 2008): 565S–69S.
٥٩  Rachael Z. Stolzenberg-Solomon et al., “A Prospective Nested Case-control Study of Vitamin D Status and Pancreatic Cancer Risk in Male Smokers,” Cancer Research 66, no. 20 (October 15, 2006): 10213–19.
٦٠  Office of Radiation and Indoor Air, EPA Assessment of Risks from Radon in Homes (Washington, DC: United States Environmental Protection Agency, June 2003), EPA website, and “WHO Handbook on Indoor Radon: a Public Health Perspective” (Geneva: World Health Organization, September 2009), WHO website.
٦١  Office of Radiation and Indoor Air, EPA Assessment of Risks, appendix D, 82.
٦٢  عند التعمُّق في البحث، ستجد أن الحسابات تفترض أن ٧٠ في المائة من وقت المرء يقضيه بداخل المنزل.
Office of Radiation and Indoor Air, EPA Assessment of Risks, 7, 44.
٦٣  Harry Otway and Jon Johnson, “A History of the Working Group to Address Los Alamos Community Health Concerns,” Los Alamos National Laboratory, January 2000, available on the website of the U.S. Department of Energy, Office of Scientific and Technical Information.
٦٤  William F. Athas and Charles R. Key, “Los Alamos Cancer Rate Study: Phase I,” New Mexico Department of Health and New Mexico Tumor Registry, University of New Mexico Cancer Center, March 1993 (published on the UNM Health Sciences Center website), and William F. Athas, “Investigation of Excess Thyroid Cancer Incidence in Los Alamos County,” Division of Epidemiology, Evaluation, and Planning, New Mexico Department of Health, April 1996.
٦٥     Texas sharpshooter effect.
٦٦  Agency for Toxic Substances and Disease Registry, “Public Health Assessment for Los Alamos National Laboratory,” September 8, 2006, available on the website of the U.S. Department of Health and Human Services, Agency for Toxic Substances and Disease Registry.
٦٧  “Report to the U.S. Congress: The Long Island Breast Cancer Study Project” (Washington, DC: Department of Health and Human Services, November 2004). Deborah M. Winn, “Science and Society: The Long Island Breast Cancer Study Project,” Nature Reviews Cancer 5, no. 12 (December 2005): 986–94 and Renee Twombly, “Long Island Study Finds No Link Between Pollutants and Breast Cancer,” Journal of the National Cancer Institute 94, no. 18 (2002): 1348–51.
٦٨     Brookhaven National Laboratory.
٦٩  Patricia Braus, “Why Does Cancer Cluster?” American Demographics, March 1996.
٧٠  “SEER Stat Fact Sheets: Breast,” National Cancer Institute, Surveillance, Epidemiology and End Results website.
٧١  Braus, “Why Does Cancer Cluster?”.
٧٢     MD Anderson Cancer Center.
٧٣     Positron Emission Tomography.
٧٤  كانت أولى قراءاتي هي:
Robert A. Weinberg, “How Cancer Arises,” Scientific American 275, no. 3 (September 1996): 62–70.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤