مقدمة

بقلم  شاعر القُطرين خليل مطران

هي شذرات حِكم، ونثرات فِكْر، صدح بها طائر مصر المحكي «أحمد شوقي» من على قمة الهرم تارة، وبين طلول منف وعين شمس طورًا، وذهب بها كل مذهب، في سلسلة فصول سماها محادثات، متناولًا فيها كل عِبرة جليلة، وكل معنًى غريب، مؤاخذًا بها غضاضة مصر الآن، برفعتها فيما تقدم من الزمان، معاقِبًا بالرفق، محاسِبًا بالصدق، جعلها على لسان طائرَين، هما لُبَد لقمان، وهدهد سليمان، ونثرها نظمًا، أو نظمها نثرًا، بحيث هي الشعر أو أنفس، وهي الكلام المرسل أو أسلس.

ولهذا الكاتب العظيم كَلَفٌ شديد بمجد الفراعنة؛ فهو لا يفتأ يذكرهم ويملأ الصحف والآثار بما يرويه عنهم من عجيب الأخبار، وإنما يريد بذلك تحريكَ وترٍ جمَدَ في فؤاد الأمة عن التأثر للحال، فضلًا عن الحِقَب الأُوَل، وإحياء عاطفة في النفوس جفَّت لعدم تعهُّدها من بدء الأزل، وهكذا الشأن في الجسم والروح، والحس والمعنى؛ لا يسلم منها ما يُغْفَل، ولا يستقيم ما يُهْمَل.

على أننا نرى الغربيين أكثر حنينًا إلى قدماء المصريين من أبنائهم، وأشد ولوعًا بتعرُّف أسرارهم وتنسُّم أخبارهم؛ وذلك لأن حب البعيد لما يعلمه، أصدق من حب القريب لما يجهله.

على أن صاحب «عذراء الهند» بعد أن ذكر فيها خرافات جدَّاتِ المصريين — وهي أشبه شيء بخرافات جداتنا إلى هذا اليوم؛ مما يدل على مجانسة الفكر واتصال النَّسب — كان جديرًا بالانتقال إلى أسمى قمة يُلقى منها النظر إلى ما يستفاد من قديم الخبر، وحديث العِبر؛ ففعل موفَّقًا، وفتح بابًا مُغلَقًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤