الفصل الثاني

كيف صُنع الاتحاد الأوروبي؟

«لن تُصنع أوروبا دفعةً واحدةً، ولا وفقًا لخُطَّة عامة واحدة، بل ستُبنى من خلال إنجازات ملموسة تخلق أولًا تضامنًا واقعيًّا.» بهذه الكلمات تنبأ إعلان شومان — بدقة — بالطريقة التي تحولت بها الجماعة إلى الاتحاد الذي نراه اليوم؛ إذ تطورت المؤسسات والصلاحيات خطوة بخطوة، بناء على الثقة المكتسبة من نجاح الخطوات السابقة للتعامل مع المسائل التي بدا أن السبيل الأفضل هو التعامل معها بالعمل المشترك.

تتناول الفصول التالية مؤسسات معينة ومجالات اختصاص محددة بمزيد من التفصيل؛ إذ نرى كيف اقترنت المصالح والأحداث لإحداث التطور ككلٍّ. لقد نظرنا في الفصل السابق إلى بعض المصالح والدوافع الأولية؛ وهي: الأمن؛ ليس بالوسائل العسكرية وحسب، بل بإقامة علاقات اقتصادية وسياسية، والازدهار؛ في ظل وجود مؤسسات الأعمال والنقابات العمالية ذات المصالح الخاصة، وحماية البيئة؛ في ظل الضغط الذي تمارسه أحزاب الخضر والمنظمات التطوعية، وصيرورة تغيُّر المناخ إلى مسألة محل اهتمام عام متزايد، والتأثير في العلاقات الخارجية؛ وذلك بهدف تعزيز المصالح المشتركة في العالم ككلٍّ.

بتأسيس الجماعة لتحقيق هذه الأغراض، دخلت مصالح أخرى على الخط؛ فمَن كانوا يخشون وقوع ضرر من نواحٍ معينة سعوا إلى التعويض من خلال تدابير إعادة التوزيع؛ فكانت السياسة الزراعية المشتركة من نصيب فرنسا لمعادلة التفوق الصناعي الألماني، والصناديق البنيوية من نصيب البلدان ذات الاقتصادات الأضعف التي تخشى الخسارة نتيجة قيام سوق موحدة، وتسويات الميزانية من نصيب البريطانيين وغيرهم من أصحاب المساهمات الصافية المرتفعة. وضغطت بعض الحكومات والبرلمانات والأحزاب والمنظمات التطوعية من أجل إصلاحات تهدف إلى زيادة فاعلية المؤسسات وديمقراطيتها. واصطدم هؤلاء بمن يعارضون أي تحركات تتجاوز اتخاذ القرارات على المستوى الحكومي الدولي، انطلاقًا من عدة دوافع؛ منها: الالتزام الأيديولوجي بالدولة الأمة، والإيمان بأن الديمقراطية لا تتسنى إلا داخل هذه الدولة الأمة، وليس أبعد من ذلك، وعدم الثقة في الأجانب، والتعلق المحض بالوضع الراهن. وكان من بين هؤلاء شخصيات تاريخية: كالرئيس شارل ديجول، ورئيسة الوزراء تاتشر، فضلًا عن تشكيلة واسعة من المؤسسات والأفراد الذين يتركز أغلبهم بين البريطانيين والدنماركيين والتشيكيين والبولنديين. أما من بين المؤسسات الأوروبية فكان مجلس الوزراء هو الأقرب إلى هذا الرأي.

كان جان مونيه وجاك ديلور اثنين من أعظم أنصار الفيدرالية تأثيرًا، وكانا ملتزمين بإقامة كيان أوروبي يتعامل بفاعلية مع المصالح المشتركة للدول الأعضاء ومواطنيها، وخطا كلاهما خطوات كبيرة في سبيل الهدف الفيدرالي. أما ألتيرو سبينيللي فكان يمثل نوعًا مختلفًا من الفيدرالية؛ إذ كان يفكر في إمكانية القيام بتحركات أكثر راديكالية نحو وضع دستور أوروبي. وكانت البرلمانات والحكومات الألمانية والإيطالية والبلجيكية والهولندية من بين أنصار الفيدرالية المؤسسية، لكن بدرجات متفاوتة، ومثلها كانت المفوضية والبرلمان الأوروبيان، وكذلك محكمة العدل بقدر إمكانية تفسير المعاهدات على ذلك النحو. كانت هذه المؤسسات — بوجه عام — تُفضِّل نهج مونيه المُتدرِّج، على الرغم من تبني البلجيكيين والإيطاليين والبرلمان الأوروبي الفيدرالية الدستورية.

(١) الخمسينيات: المعاهدات التأسيسية

كان مونيه مسئولًا عن صياغة إعلان شومان، وترأَّس مفاوضات إبرام معاهدة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، وكان أول رئيس لسلطتها العليا. وقد جسَّدت هاتان الكلمتان إصرارَه على وجود سلطة تنفيذية قوية في قلب الجماعة. وهو إصرار نابع أصلًا من تجربته باعتباره نائب أمين عام عصبة الأمم بين الحربين العالميتين التي أقنعته بضعف أي نظام حكومي دولي. لكنه كان مقتنعًا — فيما يخص الدول الديمقراطية الأعضاء — بضرورة تزويد هذه الجماعة بمجلس برلماني ومحكمة (وهما بذرتا سلطة تشريعية فيدرالية وسلطة قضائية) ووجود مجلس لوزراء الدول الأعضاء.

fig2
شكل ٢-١: شومان (يمينًا) ومونيه (يسارًا).
fig3
شكل ٢-٢: الصفحة الأولى من النص الذي أرسله مونيه إلى شومان من أجل «إعلان شومان» الصادر في ٩ مايو ١٩٥٠.

ظل هذا الهيكل مستقرًّا، بشكل لافت للنظر، إلى يومنا هذا، وإن كانت العلاقة بين المؤسسات تغيَّرت؛ إذ صار المجلس — وبالأخص المجلس الأوروبي لقادة الحكومات منذ ١٩٧٤ — هو الأقوى، وفقدت المفوضية الأوروبية — على الرغم من أنها ما زالت شديدة الأهمية — جزءًا من سلطاتها لصالحه، وازداد البرلمان الأوروبي قوة، ووطدت محكمة العدل دعائمها بصفتها السلطة القضائية العليا في شئون اختصاص الجماعة. أما الحكومات البريطانية التي جاءت في الخمسينيات فقد رأت أن هذه المؤسسات على درجة كبيرة من الفيدرالية تجعل المشاركة البريطانية غير ممكنة، على الرغم من أنها ستقبلها فيما بعد.

لكن الدول الأعضاء الست كانت تميل إلى المضي في ذلك الاتجاه إلى ما هو أبعد، فردَّت الحكومة الفرنسية على الإصرار الأمريكي على إعادة تسليح ألمانيا عقب آثار السياسة التوسعية الشيوعية في كلٍّ من أوروبا وكوريا باقتراح تأسيس «جماعة دفاع أوروبية» بجيش أوروبي، فوقَّعت الحكومات الست على معاهدة لتأسيس جماعة دفاع أوروبية صدَّقت عليها أربع منها، لكن المعارضة تنامت في فرنسا فصوَّتت الجمعية الوطنية الفرنسية سنة ١٩٥٤ برفضها، فكانت النتيجة أن ظلت فكرة إنشاء اختصاص في حقل الدفاع منطقةً محظورةً حتى التسعينيات.

على الرغم من أن انهيار جماعة الدفاع الأوروبية كان انتكاسة شديدة؛ فإن الثقة في الجماعة الأوروبية ذاتها كإطار للعلاقات السلمية بين الدول الأعضاء كانت قد نمت، وكان هناك حافز سياسي قوي إلى «إعادة تدشين» عملية تطويرها. كان الهولنديون جاهزين بمقترح لإقامة سوق مشتركة عامة سرعان ما بانت مساندة بلجيكا وألمانيا إياها. كان الشك ينتاب الفرنسيين، الذين كانوا ما زالوا على تأييدهم الواضح لسياسة الحمائية، لكنهم تمسكوا بمشروع الوحدة الأوروبية المتمحورة حول شراكة فرنسية ألمانية؛ ومن ثَمَّ قبلوا السوق المشتركة التي أرادها الألمان شريطة تلبية المصالح الفرنسية الأخرى؛ وهي تأسيس جماعة للطاقة الذرية كانت فرنسا مهيأة للعب الدور القيادي فيها، والسياسة الزراعية المشتركة، وارتباط الأقاليم المستعمرة بشروط مواتية، ومساواة النساء في الأجور في عموم الجماعة؛ والتي من دونها كانت الصناعة الفرنسية — الملزمة من قبلُ بهذه المساواة بموجب القانون الفرنسي — ستشهد تراجعًا تنافسيًّا في بعض القطاعات. أما الإيطاليون، الذين كانوا أصحاب أضعف اقتصاد بين الدول الست، فضمِنوا من جانبهم إنشاء البنك الأوروبي للاستثمار، والصندوق الاجتماعي، وحرية حركة وتنقُّل الأيدي العاملة. وهكذا اشتملت هذه العناصر كلها في معاهدتَي روما اللتين تأسست بموجبهما «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» و«الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية»، فيما يُعد نموذجًا مبكرًا لصفقة شاملة تتضمن مزايا لكل دولة عضو، وهو ما كان سمةً لكثير من الخطوات التي اتُّخذت منذ ذلك الحين.

دخلت المعاهدتان الجديدتان حيز التنفيذ في الأول من يناير ١٩٥٨، وبينما هُمِّشت الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية، صارت الجماعة الاقتصادية الأوروبية الأساس لتطور الجماعة المستقبلي. كانت مؤسساتها مماثلة لمؤسسات الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، لكن بسلطة تنفيذية أقل قوة نوعًا ما، تسمى المفوضية لا السلطة العليا، وأُعطيت الجماعة الاقتصادية الأوروبية مجموعة واسعة من الاختصاصات الاقتصادية؛ منها: صلاحية إقامة اتحاد جمركي مع العمل بنظام التجارة الداخلية الحرة، وتطبيق تعريفة خارجية موحَّدة، ووضع سياسات لقطاعات بعينها أبرزها الزراعة والتعاون بمعناه الأعم.

إطار ١: المعاهدات

لم يتحقق كل ما تحقق بين عشية وضحاها، وكانت معاهدتا روما (اللتان دخلتا حيز التنفيذ عام ١٩٥٨) لَبِنَة كبرى في عملية طويلة ومعقدة أفضت إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي الحالي. ومن المعاهدات الأخرى المهمة معاهدة الجماعة الأوروبية للفحم والصلب (دخلت حيز التنفيذ عام ١٩٥٢)، والقانون الأوروبي الموحد (١٩٨٧)، ومعاهدة ماستريخت (١٩٩٣)، ومعاهدة أمستردام (١٩٩٩)، ومعاهدة نيس (٢٠٠٢)، ومعاهدة لشبونة (٢٠٠٩).

ثمة التباس بسيط؛ ذلك أنه كانت هناك معاهدتان باسم معاهدة روما (انظر أدناه)، لكن معاهدة «الجماعة الاقتصادية الأوروبية» كانت أهم كثيرًا جدًّا من معاهدة «الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية» المعروفة عمومًا باسم «معاهدة روما».

وثمة التباس كبير؛ هو أن الاتحاد الأوروبي أُنشئ بموجب معاهدة ماستريخت، مع «ركيزتين» جديدتين: إحداهما للسياسة الخارجية، والأخرى للأمن الداخلي، إلى جانب الجماعة الأوروبية التي كانت لديها بالفعل معاهداتها الخاصة بها. وقد نُظِّمتا إلى جانب «معاهدة الجماعة الأوروبية»، وفي إطار «معاهدة الاتحاد الأوروبي». تمخَّضت معاهدة لشبونة في النهاية عن شيء من التبسيط لهذا الأمر، وذلك بدمج الركائز كلها في ركيزة واحدة؛ إذ يعمل الاتحاد الأوروبي الآن على أساس «معاهدة الاتحاد الأوروبي» و«المعاهدة المُنظِّمة لعمل الاتحاد الأوروبي».

ملحوظة: لتفادي تعقيد لا داعي له، يلتزم هذا الكتاب بمبدأين في الإشارة إلى الجماعة الأوروبية والاتحاد الأوروبي؛ وهما:
  • تُستخدم الجماعة الأوروبية أو الجماعة فيما يتصل بالأمور التي تتعلق كلِّيةً بالوقت السابق على تأسيس الاتحاد الأوروبي، أو في الفترة بين معاهدتَي ماستريخت ولشبونة، عندما تكون الخصائص المنفردة للجماعة الأوروبية وثيقة الصلة بالموضوع.

  • الاتحاد الأوروبي، أو الاتحاد، في الحالات الأخرى كافة.

كان فالتر هالشتاين أول رئيس للمفوضية، فقادها منطلقًا بها انطلاقة قوية، مع تسريع الجدول الزمني لإقامة الاتحاد الجمركي. وتمتعت الجماعة في هذا الإطار بنجاح اقتصادي ملحوظ في الستينيات؛ حيث بلغ متوسط النمو نحو ٥ في المائة سنويًّا، وهو معدل أسرع مرتين منه في بريطانيا والولايات المتحدة، لكن الصراع بين الجماعة الفيدرالية الناشئة — على النحو الذي تصوَّره مونيه أو هالشتاين — والتزام ديجول المتعصب تجاه الدولة الأمة؛ جعل ذلك العقد بالنسبة للجماعة محفوفًا بالمخاطر السياسية.

(٢) الستينيات: ديجول ضد أنصار الفيدرالية

في يونيو ١٩٥٨، وبعد أقل من ٦ أشهر على دخول معاهدتَي روما حيز التنفيذ، تولى ديجول سدة الحكم في فرنسا، ولم يكن تعجبه عناصر الجماعة وطموحاتها الفيدرالية، لكنه لم يكن أيضًا مستعدًّا لتحدي معاهدات وافقت عليها فرنسا حديثًا تحديًا مباشرًا، فسعى بدلًا من ذلك إلى استخدام الجماعة كوسيلة للارتقاء بقوة فرنسا وقيادتها. ومن أمثلة ذلك: تهميش الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية لأجل الإبقاء على القطاع الذري الفرنسي قطاعًا وطنيًّا. وثمة مثال آخر: وهو ممارسته حق النقض (الفيتو) الذي أنهى في ١٩٦٣ المفاوضات الأولى لتوسيع الجماعة لتشمل بريطانيا والدنمارك وأيرلندا والنرويج. وعلى الرغم من أن تصور الحكومة البريطانية للجماعة كان أقرب إلى تصور ديجول منه إلى تصور حكومات الدول الأعضاء الأخرى الأكثر ميلًا إلى الفيدرالية، وأن دفاع بريطانيا عن مصالحها الزراعية ومصالح الكومنولث أزعج هذه الدول بتصعيب المفاوضات وتطويلها؛ فإن هذه الدول استاءت من أسلوب الفيتو أحادي الجانب والقوميِّ المتعصب استياءً شديدًا على نحو أثار أول أزمة سياسية داخل الجماعة، ثم تلت هذه الأزمة أزمة أكبر عام ١٩٦٥ على خلفية الترتيبات للسياسة الزراعية المشتركة.

كانت السياسة الزراعية المشتركة منذ البداية مصلحة فرنسية أساسية، وكان ديجول عاقدًا العزم على العمل على إرسائها دون تأخير لا مبرر له. كان مقررًا أن تستند هذه السياسة إلى سياسات لدعم الأسعار تتطلب إنفاقًا عامًّا كبيرًا، وقد اتفقت كلٌّ من فرنسا والمفوضية على ضرورة أن يكون مصدر هذا الإنفاق ميزانية الجماعة لا الدول الأعضاء، لكن المفوضية، بتوجهها الفيدرالي، والبرلمان الهولندي، بالتزامه العميق بالمبادئ الديمقراطية، أصرَّا على ضرورة خضوع إنفاق الميزانية للرقابة البرلمانية، وبما أنه لا يمكن مراقبة ميزانية أوروبية من جانب ستة برلمانات منفصلة، فسيكون لزامًا أن يتولى البرلمان الأوروبي هذه المهمة. كان هذا مناسبًا تمامًا للحكومات الأخرى، لكنه كان شيئًا بغيضًا بالنسبة لديجول، الذي فجَّر أزمة «الكرسي الشاغر» بمنعه وزراءه من حضور اجتماعات المجلس طوال النصف الثاني من عام ١٩٦٥ على نحو أثار مخاوف بين الدول الأخرى من احتمال كونه يُعِدُّ لهدم الجماعة.

لم يكن أيٌّ من الجانبين مستعدًّا للاستسلام، فانتهى هذا الفصل في يناير ١٩٦٦ بما يسمى «تسوية لوكسمبورج». شددت الحكومة الفرنسية على حق الفيتو خاصتها عندما تكون المصالح «بالغة الأهمية لواحدة أو أكثر من الدول الأعضاء» على المحك، وأكدت الخمس الأخريات التزامها بما نصت عليه المعاهدة من تصويت بأغلبية مشروطة على مسائل معينة، والذي كان مقررًا دخوله حيز التنفيذ في ذلك الشهر ذاته فيما يتعلق بالتصويت على مجموعة واسعة من الموضوعات. وفي واقع الأمر تغلبت وجهة نظر ديجول على مدى العقدين التاليين؛ ومن ثَمَّ يبدو «فيتو» لوكسمبورج وصفًا أدق من «تسوية» لوكسمبورج، لكن في منتصف الثمانينيات بدأ التصويت بالأغلبية يُمارَس في سياق برنامج السوق الموحدة، وصار الآن الإجراء الموحَّد الساري على معظم القرارات التشريعية.

على الرغم من هذه الصراعات بين التصورين الحكومي الدولي والفيدرالي، أُنجز الاتحاد الجمركي بحلول يونيو ١٩٦٨؛ أي قبل الموعد الذي حددته المعاهدة، وكان أثره قد أصبح ملموسًا بالفعل، ليس داخليًّا فحسب، بل أيضًا في علاقات الجماعة الخارجية. فباستخدام أداة التعريفة الخارجية الموحدة، بدأت الجماعة تتحول إلى قوة تضارع الولايات المتحدة في مجال التجارة، فردَّ الرئيس كينيدي على ذلك باقتراح مفاوضات متعددة الأطراف لإجراء تخفيضات كبيرة في التعريفات الجمركية، فاستجابت الجماعة إيجابيًّا بقيادة بارعة من المفوضية، فكانت المحصلة تخفيضات بمقدار الثلث في المتوسط، مما استهل عهدًا ستكون فيه المفوضية القوةَ الرئيسةَ المؤيدة لتحرير التجارة الدولية.

إلى جانب التقلبات التي شهدتها شئون الجماعة السياسية، أحرزت محكمة العدل تقدمًا مطردًا في ترسيخ سيادة القانون؛ فاستنادًا إلى التزامها التعاهدي بضمان «مراعاة القانون»، أرست المحكمة في أحكامها التي أصدرتها في ١٩٦٣ و١٩٦٤ مبدأَيْ أسبقية قانون الجماعة ونفاذه المباشر؛ بحيث يُطبَّق بصورة متسقة في الدول الأعضاء كافة. وعلى الرغم من افتقار الجماعة إلى وسائل الإنفاذ التي تملكها الدول؛ فإن احترام القانون، استنادًا إلى المعاهدات والتشريعات التي سنَّتها مؤسسات الجماعة، كان هو العُروة الوثقى التي أبقت على تلاحمها.

(٣) توسُّع وشيءٌ من التعمُّق: انضمام بريطانيا والدنمارك وأيرلندا

باستقالة ديجول عام ١٩٦٩، صارت السياسة الفرنسية أكثر براجماتية. كانت بريطانيا والدنمارك وأيرلندا والنرويج ما زالت تسعى إلى الانضمام، وقد وافق الرئيس الفرنسي الجديد جورج بومبيدو على ذلك شريطة الموافقة على تمويل السياسة الزراعية المشتركة، إضافة إلى عناصر «التعمُّق» كالاتحاد النقدي وتنسيق السياسة الخارجية. كانت هذه العناصر، إضافة إلى خدمة مصالح فرنسا الزراعية، تهدف إلى المزيد من توثيق عُرى ارتباط ألمانيا بالجماعة، إلى جانب اتقاء خطر أن يؤدي توسيع الجماعة إلى إضعافها. تلاءم هذا تمامًا مع الاستشراف الاستراتيجي للمستشار الألماني فيلي برانت، الذي كان آخذًا في الانفتاح على الكتلة السوفييتية من خلال «سياسة الانفتاح على الشرق» وفي الوقت نفسه توثيق عُرى ارتباط ألمانيا بالغرب، من خلال خططه للتوسع وإقامة اتحاد نقدي.

لكن سيكون على الاتحاد الاقتصادي والنقدي الانتظار؛ إذ كان الفرنسيون يرون الرغبة الألمانية في تنسيق قوي للسياسة الاقتصادية أبعد مما ينبغي بخطوة، فكانت النتيجة وضع نظام للتعاون في مجال أسعار الصرف لم يقوَ على تجاوز الاضطراب الدولي في العملات الذي شهدته تلك الفترة. وبالمثل، كان النظام الذي استُحدث للتعاون في السياسة الخارجية ذا طابع حكومي دولي بالكامل؛ مما حدَّ من أثره. وعلى الرغم من أن فرنسا تمكنت من تحقيق تنظيم مالي مؤاتٍ جدًّا للسياسة الزراعية المشتركة، جاء هذا في مقابل إعطاء البرلمان الأوروبي صلاحية تقاسُم المراقبة على الميزانية مع المجلس، وهو القرار الذي تعزَّز في معاهدتين عامَي ١٩٧٠ و١٩٧٥. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة لم تكن إلا خطوة أولية نحو منح البرلمان صلاحيات مختصة بالميزانية، فقد قُدِّر لها أن تنمو وتتحول إلى عنصر أساسي في هيكل الاتحاد المؤسسي.

انضمت بريطانيا هي والدنمارك وأيرلندا إلى الجماعة في يناير ١٩٧٣، لكن النرويجيين رفضوا الانضمام في استفتاء شعبي، وكان مقررًا أن يصوِّت البريطانيون أيضًا في استفتاء سيُجرى عام ١٩٧٥. كان هارولد ويلسون قد خلف إدوارد هيث على رئاسة الوزراء عام ١٩٧٤، في أعقاب فوز حزب العمال في الانتخابات، وكان الحزب يزداد معارضة للجماعة يومًا بعد يوم (وهو الموقف الذي استمر في الثمانينيات). وبعد «إعادة تفاوض» سطحية، أوصت حكومة ويلسون باستمرار العضوية، وفي ١٩٧٥ وافق عليها الناخبون بأغلبية اثنين إلى واحد. ومع وصول المحافظين بزعامة مارجريت تاتشر إلى السلطة عام ١٩٧٩، انفتحت جبهة توتر جديدة، حيث حاربت تاتشر من أجل «استرداد أموالنا» — كما جاء على لسانها — بعرقلة الكثير من أعمال الجماعة حتى ضمنت التوصل إلى اتفاق عام ١٩٨٤ لتخفيض صافي مساهمة بريطانيا الكبيرة في ميزانية الجماعة.

وعلى نحوٍ تكرر كثيرًا في تاريخ الاتحاد الأوروبي، شهدت السبعينيات تطوُّرًا متزامنًا لأنشطة حكومية دولية، وأنشطة تتجاوز حدود الولاية الوطنية؛ إذ دشَّن الرئيس الفرنسي، فاليري جيسكار ديستان، الذي لم يكن من أنصار المذهب الديجولي، الاجتماعات الدورية للمجلس الأوروبي بين الزعماء الوطنيين، إضافة إلى الانتخابات المباشرة للبرلمان الأوروبي. وسرعان ما سيلعب المجلس الأوروبي دورًا محوريًّا في اتخاذ قرارات الجماعة، ويحل الخلافات التي تعذَّر على الوزراء في المجلس حلها، ويتفق على الصفقات الشاملة الكبرى. كانت المعاهدات التي أُبرمت في الخمسينيات قد نصَّت بالفعل على الانتخابات المباشرة، لكن الحكومات لم توافق إلا آنئذٍ، فأُجريت الانتخابات الأولى في يونيو ١٩٧٩، وقُدِّر أن يكون لهذه الخطوة نحو الديمقراطية النيابية أثر كبير على تطور الجماعة المستقبلي. الأمر الذي يتساوى مع هذا في أهميته أن عام ١٩٧٩ شهد استحداث نظام لتحقيق استقرار أسعار الصرف (النظام النقدي الأوروبي) الذي كُتب له أن يصبغ المناقشات اللاحقة بشأن الاتحاد النقدي.

fig4
شكل ٢-٣: انضمام بريطانيا: هيث يوقع معاهدة الانضمام.

(٤) السوق الموحدة ومشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي والتوسع جنوبًا

تولى جاك ديلور رئاسة المفوضية في يناير ١٩٨٥، وكان قد زار كل دولة من الدول الأعضاء للتعرف على ماهية المشروع الكبير الأقرب إلى القبول من الجميع. وبوصفه واحدًا من أنصار الفيدرالية على طريقة مونيه، اشتملت قائمته القصيرة على مشروعات — سوق موحدة، عملة موحدة، سياسة دفاعية مشتركة، إصلاح مؤسسي — يمكن اعتبارها بمثابة خطوات في اتجاه الفيدرالية، لكن تاتشر — التي كانت رؤيتها للفيدرالية تشبه رؤية ديجول؛ ومن ثَمَّ كانت معارضة لمشروعات العملة الموحدة، والدفاع والإصلاح المؤسسي — كانت في الوقت نفسه ليبرالية اقتصادية شرسة ترى السوق الموحدة تدبيرًا مهمًّا من تدابير تحرير التجارة. كانت الاقتصادات الأوروبية قد فقدت الزخم خلال الأوقات العصيبة التي شهدها عقد السبعينيات، فقبلت الحكومات كافة مشروع السوق الموحدة كسبيل للفكاك مما سمِّي آنذاك «التصلب الأوروبي». كان المشروع مدعومًا بقوة من قِبل الشركات الأكثر ديناميكية ومؤسسات الأعمال الكبرى، وبالأخص لأن «تسوية» لوكسمبورج كانت قد سمحت بتراكم الحواجز غير الجمركية أمام التجارة خلال تلك الفترة.

fig5
شكل ٢-٤: ديلور: سياسي أوروبي موطد العزم مؤمن بالسوق الموحدة والعملة الموحدة.

كان النجاح في إلغاء التعريفات الجمركية على التجارة الداخلية قد برهن على قيمة وضع برنامج بجدول زمني؛ لذا أصدرت المفوضية قائمة تضم نحو ٣٠٠ تدبير ليجري تطبيقها بنهاية ١٩٩٢ من أجل إتمام السوق الموحدة بإزالة الحواجز غير الجمركية. أُوكل المشروع إلى المفوض اللورد كوكفيلد — وزير سابق في حكومة تاتشر — وصيغ البرنامج سريعًا في الوقت المناسب لعرضه على المجلس الأوروبي في ميلانو في يونيو ١٩٨٥.

في هذه الأثناء، كان البرلمان الأوروبي قد أعد مشروعًا سياسيًّا هو مشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي، الذي أوعز به ألتيرو سبينيللي، تلك الشخصية القيادية، منذ الخمسينيات بين أنصار الفيدرالية الذين كانوا يرون أن صياغة دستور هي السبيل المباشر إلى اتحاد فيدرالي. صيغ مشروع المعاهدة لإصلاح مؤسسات الجماعة بغرض إضفاء صبغة فيدرالية عليها، وتوسيع صلاحياتها لاشتمال معظم الصلاحيات التي هي من سمة أي اتحاد فيدرالي باستثناءٍ رئيسٍ هو الدفاع، ودخولها حيز التنفيذ عند التصديق عليها من قبل أغلبية من الدول الأعضاء مع ترتيبات مناسبة يتم التفاوض بشأنها مع أي دول لم تصدِّق عليها. وعلى الرغم مما حظي به المشروع من مساندة واسعة في معظم الدول المؤسِّسة، كانت الحكومة الألمانية من بين الحكومات غير المستعدة للموافقة على احتمال استبعاد بريطانيا، غير أن الرئيس ميتران أعرب عن مساندته المشروع، وإنْ كان بعبارات ملتبسة. وقُدمت مقترحات المشروع الرئيسة إلى المجلس الأوروبي في ميلانو، إضافة إلى مشروع السوق الموحدة المقدَّم من المفوضية.

قرَّر البرلمان الأوروبي عقد «مؤتمر حكومي دولي» لتعديل المعاهدة، متجاهلًا بذلك المعارضة البريطانية والدنماركية واليونانية باستخدامه التصويت بالأغلبية لأول مرة على الإطلاق. نظر «المؤتمر الحكومي الدولي» التعديلات ذات الصلة ليس ببرنامج السوق الموحدة فحسب، بل أيضًا بعدد من المقترحات الواردة في مشروع المعاهدة الذي أعدَّه البرلمان، فكانت المحصلة هي «القانون الأوروبي الموحد» الذي نص على إنجاز السوق الموحدة بحلول ١٩٩٢، وأعطى الجماعة صلاحيات في مجالات البيئة، والبحث التكنولوجي والتطوير، والسياسات الاجتماعية ذات الصلة بالتوظيف و«التماسك»، وضم التعاون في ميدان السياسة الخارجية إلى بنيان المعاهدة (وإنْ كان ذلك مع الاحتفاظ بإجراءات حكومية دولية واضحة). ومن هنا جاءت تسميته بالقانون الأوروبي الموحد تمييزًا له عن مقترح للإبقاء على السياسة الخارجية منفصلة. نص القانون الموحد أيضًا على التصويت بالأغلبية المشروطة في عدد من مجالات تشريعات السوق الموحدة، وعزز البرلمان الأوروبي من خلال «إجراء تعاوني» أعطاه نفوذًا على مثل هذه التشريعات، إضافة إلى إجراء يشترط موافقته على معاهدات الانتساب والانضمام.

fig6
شكل ٢-٥: سبينيللي يصوت لصالح مشروع معاهدة الاتحاد الأوروبي الذي اقترحه.

توسعت رقعة الجماعة عام ١٩٨١ لتشمل اليونان، وعام ١٩٨٦ لتشمل البرتغال وإسبانيا، وثلاثتها كانت من قبل تحت نُظم سلطوية، ورأت في الجماعة سندًا لديمقراطياتها ولتحديثها اقتصاديًّا على السواء. أما الجماعة فقد أرادت من جانبها أن تكون هذه الدول دولًا أعضاءً قابلة للبقاء، وأن تكون داعمة لمشروعاتها كالسوق الموحدة. وتحقيقًا لهذه الغاية، تحديدًا، اشتمل القانون الموحد على سياسة التماسك استنادًا إلى مضاعفة الصناديق البنيوية للمساعدة على تطوير المناطق الضعيفة اقتصاديًّا.

هكذا عزز القانون الموحد صلاحيات الجماعة ومؤسساتها على حدٍّ سواء، في ظل تأثير مصدره توليفة من الحكومات والمصالح الاقتصادية، والشواغل الاجتماعية، والمفوضية، والبرلمان، ومجموعة متنوعة من القوى الفيدرالية. وتلت هذا معاهدات ماستريخت وأمستردام ونيس ولشبونة؛ مما أسفر بالمثل عن المزيد من تعزيز الصلاحيات والمؤسسات، والاستجابة لتوليفات مماثلة من الضغوط. وما كان هذا ليحدث لو لم ينجح القانون الموحد، لكن التوقعات بقيام السوق الموحدة ساعدت على إنعاش الاقتصاد، وازدادت مؤسسات الجماعة قوة وهي تتعامل مع برنامج التشريعات الهائل.

مات سبينيللي بعد التوقيع على القانون الموحد ببضعة أسابيع، وكان لديه انطباع بأنه فاشل، أو كما قال: «فأر ميت.» والحقيقة أن القانون بشَّر بعملية إعادة تدشين للجماعة ربما كانت بعيدة المدى في آثارها كالعملية التي أدت إلى معاهدتَي روما.

(٥) معاهدتا ماستريخت وأمستردام والتوسع من ١٢ إلى ١٥ عضوًا

عقد ديلور، عقب نجاحه في السوق الموحدة، عزمه على متابعة مشروع العملة الموحدة. لم تكن تاتشر هي الوحيدة التي عارضتها؛ إذ إن معظم الألمان، الذين كانوا يفخرون بالمارك الألماني بوصفه أقوى عملات الجماعة، كانوا قطعًا غير متحمسين لها، لكن العملة ظلت هدفًا فرنسيًّا رئيسًا لأسباب اقتصادية وسياسية على السواء، وكان هلموت كول — وهو فيدرالي عتيد — مؤمنًا بأنها ستكون خطوة بالغة الأهمية على الطريق إلى إقامة أوروبا فيدرالية. وعلى الرغم من تيسيره إعداد الخطط للعملة الموحدة؛ فإنه واجه صعوبة في الحصول على المساندة اللازمة في ألمانيا.

figure
خريطة (١): نمو الاتحاد الأوروبي، ١٩٥٧–٢٠١٣.

كانت الأحداث التي شهدتها سنة ١٩٨٩ انقلابًا مزلزلًا؛ فمع تفكك الكتلة السوفييتية — الذي فتح آفاق توسيع الجماعة شرقًا — بات أيضًا توحيد ألمانيا ممكنًا، لكن كول كان بحاجة إلى مساندة ميتران — وذلك لأسباب رسمية — إذ إن فرنسا — باعتبارها قوة احتلال — كان يحق لها استخدام حق الفيتو ضد توحيد ألمانيا، وأيضًا لضمان ألا تقوِّض العلاقات الشرقية الجديدة الجماعة الأوروبية والشراكة الفرنسية الألمانية، وذلك سيرًا على خُطى السياسة التي أرساها برانت. رأى ميتران أن العملة الموحدة هي السبيل إلى ربط ألمانيا بنظام الجماعة رباطًا لا ينفصم؛ ومن ثَمَّ اعتبرها شرطًا لتوحيد ألمانيا. وقد ضمن هذا لكول ما يلزمه من مساندة في ألمانيا للمضي قُدمًا في المشروع.

كانت النتيجة معاهدة ماستريخت التي لم تنصَّ على اليورو والبنك المركزي الأوروبي فحسب، بل نصت أيضًا على إصلاحات مؤسسية واختصاصات أخرى. فأُعطيت الجماعة بعض الصلاحيات في مجالات التعليم والشباب والثقافة والصحة العامة، وتعزَّزت مؤسساتها من نواحٍ عدة، بما فيها اتساع مجال التصويت بالأغلبية المشروطة في المجلس. وتعزَّز دور البرلمان الأوروبي من خلال إجراء «القرار المشترك» الذي اقتضى موافقته — إلى جانب موافقة المجلس — على القوانين في عدد من المجالات؛ وكفل له حق الموافقة أو عدم الموافقة على تعيين كل مفوضية جديدة. وأقيمت «ركيزتان» جديدتان بجانب الجماعة؛ إحداهما: «السياسة الخارجية والأمنية المشتركة»، والأخرى — التي تتعلق بحرية الحركة والتنقل والأمن الداخلي — سُمِّيت «التعاون في العدالة والشئون الداخلية»، ثم أُعيدت تسميتها في معاهدة أمستردام «التعاون الشُّرطي والقضائي في المسائل الجنائية». كان أساس الاثنتين حكوميًّا دوليًّا، وإن كانتا متعلقتين بمؤسسات الجماعة. وقد سُمِّي هذا الهيكل الثقيل بأكمله «الاتحاد الأوروبي» متضمنًا ركيزة الجماعة الأولى المحورية بجانب الركيزتين الأُخريين.

على الرغم من أن جون ميجور كان قد خلف السيدة تاتشر في رئاسة الوزراء، معلنًا نيَّته الانتقال إلى «قلب أوروبا»؛ فإنه أصرَّ على عدم مشاركة بريطانيا في العملة الموحدة، ولا في «فصل اجتماعي» بشأن المسائل التي تتعلق بالتوظيف. ولضمان الموافقة على المعاهدة ككلٍّ، قُبل منح بريطانيا حق الانسحاب في كليهما، وكذلك الدنمارك طالما كانت المسألة معنية بالعملة الموحدة.

وُقِّعت معاهدة ماستريخت في فبراير ١٩٩٢، ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر ١٩٩٣ بعد عدد من التقلبات؛ ففي الدنمارك أُجري استفتاءان شعبيان رُفضت المعاهدة في أولهما، ووُوفِق عليها في الثاني بعد إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها، وفي فرنسا أُجري استفتاء شعبي وافق خلاله الناخبون عليها بأغلبية ضئيلة، وفي لندن شهد مجلس العموم عملية تصديق مشحونة، وفي ألمانيا أجرت المحكمة الدستورية مداولات مطولة قبل أن تصدر حكمها برفض دعوى بعدم دستورية المعاهدة. بدت هذه الأحداث، بجانب الشواهد على تراجع قبول الاتحاد بين المواطنين في الدول الأعضاء، مثارَ قلق، وبالأخص بالنسبة لأصحاب التوجه الفيدرالي.

لكن الشخصيات الأكثر فيدرالية في الحكومات رأت أن معاهدة ماستريخت لم تقطع شوطًا كافيًا؛ إذْ كانوا يريدون إضفاء مزيد من الفاعلية والديمقراطية على الاتحاد في ظل الصلاحيات النقدية الجديدة الحاسمة، والتوقعات بمزيد من التوسع. وبحلول الوقت الذي دخلت فيه المعاهدة حيز التنفيذ، كانت مفاوضات الانضمام مع النمسا وفنلندا والسويد قد بدأت بالفعل، وتقدَّمت قبرص ومالطة والنرويج وسويسرا بطلباتها للانضمام، وتفاوضت النرويج بشأن معاهدة انضمام، لكنها رُفضت من جديد في استفتاء شعبي، وسحبت الحكومة السويسرية طلبها بعد هزيمتها في استفتاء شعبي على المنطقة الاقتصادية الأوروبية، التي تمثل صورة أقل إلزامًا بكثير. كان مقررًا للمفاوضات مع قبرص ومالطة أن تبدأ في ١٩٩٨ و٢٠٠١ بالتزامن مع بدء المفاوضات مع عشر دول من أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، وذلك في أعقاب قرار المجلس الأوروبي بإمكانية انضمام الأخيرة عند استيفائها الشروط الاقتصادية والسياسية، لكن النمسا وفنلندا والسويد انضمت في يناير ١٩٩٥؛ لذا تلا معاهدةَ ماستريخت عام ١٩٩٦ مؤتمرٌ حكومي دولي آخر تمخَّض عن معاهدة أمستردام التي وُقِّعت عام ١٩٩٧، ودخلت حيز التنفيذ عام ١٩٩٩.

أعادت معاهدة أمستردام النظر في عدد من اختصاصات الاتحاد؛ من بينها الاختصاصات المتعلقة بالركيزتين الحكوميتين الدوليتين، وأضيف فصل جديد حول التوظيف إلى معاهدة الجماعة على نحو يعكس الشاغل بشأن البطالة التي استمرت خلال التسعينيات عند مستوى حوالي ١٠ في المائة، بجانب المخاوف من احتمال تفاقمها إذا كان البنك المركزي الأوروبي سيتبع سياسة تضييق نقدي.

من بين المؤسسات كلها، حقَّق البرلمان الأوروبي أكبر مكسب من خلال بسط نطاق إجراء القرار المشترك ليشمل أغلبية القرارات التشريعية، وحق الموافقة على تعيين المفوضية ككلٍّ، بل وقبل ذلك الموافقة على تعيين رئيسها. وبما أن الرئيس كان يُعطَى — ما إن يُعيَّن — الحق في قبول المرشحين لعضوية المفوضية الآخرين أو رفضهم، تعزَّزت بذلك سلطة البرلمان على المفوضية كثيرًا. وقد أثبت دور البرلمان في العملية التي أفضت إلى استقالة المفوضية في مارس ١٩٩٩ وتعيين مفوضية جديدة؛ أهميةَ الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية. كما أعطت المعاهدة رئيس المفوضية سلطة أكبر على المفوضين الآخرين.

في الوقت نفسه الذي أُضيفت فيه هذه العناصر الفيدرالية إلى المؤسسات، عكست معاهدة أمستردام المخاوف من عدم تمكُّن الاتحاد من التصدي للتحديات التي يواجهها إذا كان إجراء الموافقة بإجماع الآراء سيحُول دون التطورات الجديدة؛ مما أفضى إلى إجراء «التعاون المعزَّز» الذي يسمح لمجموعة من الدول الأعضاء بالمضي قُدمًا في أي مشروع لا ترغب أقلية في المشاركة فيه، وإنْ كان هذا الإجراء لم يُستخدم بعدُ حتى كتابة هذه السطور. قبل انعقاد اجتماع المجلس الأوروبي الذي توصَّل إلى اتفاق على المعاهدة في أمستردام بستة أسابيع، تولَّى توني بلير رئاسة الوزراء في أعقاب فوز حزب العمال في الانتخابات، فوافقت الحكومة البريطانية الجديدة على الفصل الاجتماعي، وفي تحرُّكٍ يُعرب عن موقف أكثر إيجابية تجاه الاتحاد، قبِلتْ — بلا تردد — الإصلاحات التي تضمَّنت زيادة صلاحيات البرلمان. غير أن بريطانيا — بجانب الدنمارك وأيرلندا — اختارت عدم المشاركة في النص على إلغاء إجراءات مراقبة الحدود، بجانب تحويل التعاون ذي الصلة في مجالَي العدل والشئون الداخلية تحويلًا جزئيًّا إلى ركيزة الجماعة، على الرغم من أنه سيأتي وقت فيما بعد تتعاون فيه الحكومة البريطانية تعاونًا فاعلًا في هذا المجال. وفيما يتعلق بالأمن الخارجي، استحثَّ الأداء الأوروبي الضعيف في يوغوسلافيا السابقة مطالباتٍ بإنشاء قدرة دفاعية أقوى، وقبلت بريطانيا نصًّا لهذا الغرض في معاهدة أمستردام، ثم انضمت إلى فرنسا في استهلال إجراءات في هذا الشأن.

(٦) التوسع إلى ٢٨ عضوًا، والدسترة، ولشبونة

حصلت عشر دول من أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية، عقب تحررها من الهيمنة السوفييتية، على الانتساب إلى الاتحاد، ثم سعت إلى الانضمام إليه، فواجهت مهمة جسيمة تتمثل في تحويل اقتصاداتها وأنظمتها السياسية من السيطرة الشيوعية المركزية إلى اقتصادات السوق والديمقراطيات التعددية التي تقتضيها العضوية. لكن بحلول عام ١٩٩٧ ارتأى الاتحاد أن خمسًا منها أحرزت تقدمًا كافيًا لتسويغ الشروع معها في مفاوضات الانضمام في العام المقبل، واستُهلَّت المفاوضات مع خمس أخرى في يناير ٢٠٠٠. وبحلول عام ٢٠٠٤، انضمت الجمهورية التشيكية وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا، إضافة إلى قبرص ومالطة؛ ثم انضمت بلغاريا ورومانيا عام ٢٠٠٧؛ كما اعتُرف أيضًا بترشُّح تركيا، لكن المشكلات الاقتصادية والسياسية حالت دون الشروع في المفاوضات حتى ٢٠٠٥، ويبدو أنه مقدَّر لها أن تظل هكذا لسنوات عديدة، ولا سيما في ضوء معارضة العديد من الدول الأعضاء.

مع وجود مثل هذا التوسع الهائل في الأفق، أثيرت مجددًا مسألة التعمق. كان من الضروري إصلاح بعض السياسات، وبالأخص السياسات المعنية بالزراعة والصناديق البنيوية، فجَرَت الموافقة على مقترحات المفوضية في هذا الشأن، والتي عُنونت ﺑ «جدول أعمال عام ٢٠٠٠»، موافقةً جزئية، على الرغم من أنه ستكون هناك حاجة إلى المزيد من التدابير. وفيما يتعلق بإصلاح المؤسسات، عُقد مؤتمر حكومي دولي آخر عام ٢٠٠٠ أفضى إلى معاهدة نيس، التي وُقعت عام ٢٠٠١، ودخلت حيز التنفيذ عام ٢٠٠٢.

كانت النتيجة استجابةً غير كافية لاحتمال تضاعف عدد الدول الأعضاء تقريبًا، حيث أدخل المؤتمر زيادات متواضعة على نطاق التصويت بالأغلبية المشروطة في المجلس، ونطاق القرار التشريعي المشترك مع البرلمان، وبعض التحسينات الإجرائية بالنسبة لمحكمة العدل. وقد واجه المجلسُ النمو في عدد المفوضين الذي رافق التوسع بمزيد من تعزيز سلطة الرئيس على المفوضين الآخرين، واتخاذ بعض الخطوات للحد من عددهم. كما شهد الإعلان الرسمي عن «ميثاق الحقوق الأساسية»؛ وذلك كوسيلة لتقوية أحكام الاتحاد المقرَّرة في هذا المضمار، لكن ترجيح الأصوات في المجلس وعدد أعضاء البرلمان الأوروبي لكل دولة صارا موضوعًا لمساومات تجرَّدت من المبادئ وتمخَّضت عن محصِّلة لا تفهمها الأغلبية العظمى من المواطنين. وجدت الحكومتان الألمانية والإيطالية المعاهدةَ غير مُرضية إلى درجة أنهما اقترحتا «نقاشًا أعمق وأوسع حول مستقبل الاتحاد»، فقرَّر المجلس الأوروبي في ديسمبر ٢٠٠١، تحت الرئاسة البلجيكية، عقد اجتماع اتفاقية لتقديم المزيد من المقترحات إلى مؤتمر حكومي دولي عام ٢٠٠٤.

صيغ «إعلان لايكن» — الذي سُمِّي تيمُّنًا بالضاحية التي اجتمع فيها المجلس الأوروبي في بروكسل — بمهارة لضمان الموافقة بالإجماع باشتماله — فيما كان أشبه بمرجعيات لاجتماع الاتفاقية — بنودًا استهدفت الأعضاء الأكثر ميلًا إلى الحكومية الدولية، والأعضاء الأكثر ميلًا إلى الفيدرالية؛ وبذا انعقد اجتماع الاتفاقية في فبراير ٢٠٠٢ ومُنح اختصاصًا واسعًا جدًّا، وغطى أعضاؤه المائة والخمسة طيفًا واسعًا من التوجهات السياسية؛ حيث ضمَّ عضوَي برلمان من كل دولة من الدول الأعضاء والدول المرشحة البالغ عددها آنذاك ٢٧ دولة، إضافة إلى تركيا كدولة مرشحة قريبًا، و١٦ عضوًا بالبرلمان الأوروبي، وممثلًا عن كل حكومة، وعضوين من المفوضية الأوروبية، ورئيسًا، ونائبَي رئيس.

اختطَّ رئيس اجتماع الاتفاقية، وهو الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان، مسارًا حاذقًا بين الفيدرالية والحكومية الدولية. كان أغلبية أعضاء الاجتماع، ومن ضمنهم برلمانيون من الدول الأعضاء، يفضِّلون توجُّهًا ذا طابع فيدرالي أكثر منه ذا طابع حكومي دولي، وقد أرضاهم جيسكار بمحاباة عناصر الإصلاح الفيدرالي داخل ركيزة الجماعة.

لكن معاهدة الاتحاد الأوروبي المعدَّلة التي صاغها اجتماع الاتفاقية ما كانت لتلقى قبولًا بالإجماع من قبل المؤتمر الحكومي الدولي التالي لو أقحمت العناصر الفيدرالية نفسها أكثر مما ينبغي في مجالَي السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، وسياسة الاقتصاد الكلي، ولا كان بعض ممثلي رؤساء الحكومات في اجتماع الاتفاقية سيقبلون توافق الآراء الذي سعى إليه جيسكار كمحصلة لعمل الاجتماع. ومن الجائز تمامًا أن جيسكار نفسه أيَّد هذه الرؤية؛ لذا وجَّه دفة اجتماع الاتفاقية نحو المقترحات التي يطغى عليها الطابع الحكومي الدولي في ذلكما الميدانين. وفي يوليو ٢٠٠٣، أُعلن عن توافق في الآراء على مشروع دستور. كان الضغط الرئيس لهذا المشروع يصبُّ في اتجاه خلق مؤسسات أكثر فاعلية وديمقراطية، مع ترتيبه في الوقت نفسه كثيرًا من بنود المعاهدات القائمة بشأن السياسات المشتركة، وقد وفَّر أساسًا للمزيد من التطوير لدفاع مشترك. عُقد المؤتمر الحكومي الدولي في أكتوبر ٢٠٠٣، فوافق على بعض التعديلات في اتجاه حكومي دولي، واختُتم بعد ذلك بعام عندما وقَّعت كلُّ الدولِ الأعضاءِ والمنضمةِ المعاهدةَ المُؤَسِّسةَ لدستورٍ لأوروبا، التي صدقت عليها ثماني عشرة منها، لكنها رُفضت بأغلبيات كبيرة في استفتاءين شعبيين في فرنسا وهولندا عام ٢٠٠٥.

يمكن أن نعدَّ من أمارات مرونة عملية التكامل أنه على الرغم من عدم رغبة جمهورَيْ عضوين مؤسِّسين في الموافقة على أساس دستوري أكثر صراحة للاتحاد، كانت لا تزال هناك رغبة في المثابرة من جانب الحكومات الوطنية، وإنْ كان ذلك بعد «فترة من التفكر». ولا شك أن استمرار عدم التكافؤ بين الانخراط النخبوي والشعبي مع الاتحاد الأوروبي منذ ماستريخت تفاقم نتيجة عدم استعداد النخب لإثارة نقاش حول ما يُرفض غالبًا باعتباره أمرًا مستبعدًا أو معقدًا. ولا ريب أن إحياء الأغلبية الكبيرة من محتويات المعاهدة الدستورية بمؤتمر حكومي دولي مقتضب عام ٢٠٠٧، وتصديقٍ كاد يتفادى تمامًا استفتاءات التصديق الشعبية لم يفعل إلا قليلًا لتحبيب الاتحاد إلى الجمهور. وهو ما أكده «تصويتٌ بالرفض» في أيرلندا (البلد الوحيد الذي أجرى مثل هذا الاستفتاء) والتحديات القانونية في ألمانيا والجمهورية التشيكية. وكلها كان معناها أن الوثيقة النهائية — معاهدة لشبونة — لم تدخل حيز التنفيذ إلا في ديسمبر ٢٠٠٩.

على الرغم من كون معاهدة لشبونة النتيجة النهائية لهذا الاستعراض الجوهري للأساس القانوني للاتحاد، ولنقاش دام نحو عقد من الزمان، فإنها تبدو أشبه كثيرًا بسابقاتها؛ إذ تحتفظ بالمزيج الأساسي من العناصر الحكومية الدولية والعناصر الفيدرالية، وتُبقي على الدول الأعضاء في وضع مميَّز من حيث اتخاذ القرارات، وتُبقي كثيرًا من الاختصاصات حيثما كانت من قبل، غير أنها تؤذِن بمرحلة جديدة في تطور الاتحاد.

الأهم من ذلك أن لشبونة أنهت نظام الركائز، حيث ضمَّت كلَّ ما تبقى من الركيزتين الثانية والثالثة إلى الأولى، التي كانت تحكمها المعاهدة التي أعيدت تسميتها «المعاهدة المنظِّمة لعمل الاتحاد الأوروبي». ظلت معاهدة الاتحاد الأوروبي توفر إطارًا أوسع، وشخصية قانونية للاتحاد، فضلًا عن توفيرها مجالًا كي يكتسب «ميثاق الحقوق الأساسية» مكانة قانونية بأن يشكِّل أساسًا لأنشطة الاتحاد. جرى تبسيط التصويت في المجلس، في حين وسَّع البرلمان صلاحياته التشريعية بدرجة أكبر؛ إذ صار «الإجراء التشريعي العادي» ينطبق على معظم الأنشطة، وصار له القول الفصل في مجالات الإنفاق كافة. وصار للمجلس الأوروبي رئيس دائم يترأسه ويمثله، ليحل بذلك محل الرئاسة الدورية، التي صارت آنذاك مقتصرة على المجلس. وعزَّزت المعاهدة التمثيل الخارجي باستحداث منصب ممثل سامٍ للشئون الخارجية، يتولى في الوقت نفسه منصب نائب رئيس المفوضية ورئيس مجلس الشئون الخارجية. والمهم أن أدوارًا رسمية أُسندت إلى البرلمانات الوطنية للاعتراض على المقترحات التشريعية، وإلى المواطنين الأوروبيين لتقديم الْتماسات عمل إلى المفوضية.

مثَّلت معاهدة لشبونة لكثيرين نهايةً لعهد الدسترة في شئون الاتحاد، لكن التدهور السريع الذي شهده الاقتصاد العالمي بداية من ٢٠٠٧، والذي أخذ يستحوذ على كثير من اهتمام الساسة في أوروبا في السنوات اللاحقة، سلَّط الضوء على الحاجة إلى نقاش متواصل؛ فقد أثَّرت الأزمة المالية الأولية التي فجرها الانهيار في قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها المالية على الاقتصادات الأوروبية بشدة، لتوقِف بذلك فترة نمو طويلة، أضف إلى ذلك أزمة الديون السيادية سنة ٢٠٠٩ التي كانت خاصة بمنطقة اليورو.

سنناقش هذا بمزيد من التفصيل في الفصل الرابع، لكننا سننوِّه هنا إلى أن أزمة الديون السيادية — على الرغم من تنوع أسبابها — تفاقمت بفعل الطبيعة المنقوصة لتكامل منطقة اليورو؛ ففي ظل افتقار الاتحاد إلى القدرة على توليد تحويلات مالية في عموم منطقة اليورو، أو إصدار سندات دين، تمكَّنت الأسواق المالية العالمية من إجبار الحكومات على الدخول في جولات متكررة من إدارة الأزمة والتدخل، وأوضحُ مثالٍ على ذلك حالة اليونان. تدهورت الأزمة على نحو جعلها تتطلب تدريجيًّا المزيد من التدخلات الكبرى، حتى برزت على الساحة بحلول ٢٠١٠-٢٠١١ مجموعةٌ كبيرة من المقترحات كان بعضها تشريعيًّا، لكن بعضها كان يتطلَّب تعديل المعاهدات. حَدَت شواغل الحكومة البريطانية بشأن الأثر المترتب على مدينة لندن بها إلى عرقلة محاولة لفعل هذا في ديسمبر ٢٠١١، فكانت النتيجة أن توصلت الدول الأعضاء الأخرى ببساطة إلى توافق في أوائل ٢٠١٢، بشأن «اتفاق مالي» يقع خارج إطار الاتحاد، لكنه يستخدم مؤسساته.

في ظل مستقبل اقتصادي محفوف بالشكوك، يبدو أن الاتحاد الأوروبي تجاوز الأزمة، مع انحسار خطر تخلِّي دول أعضاء منفردة عن اليورو، وأظهر انضمام كرواتيا إلى الاتحاد في منتصف ٢٠١٣ أهميته المستمرة في ضمان السلام والاستقرار، لكن الأمر الذي يظل غير واضح هو أثر ذلك على حوكمة الاتحاد، وعلى المواقف الشعبية من التكامل. وهي مسائل سنعود إليها لاحقًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤