الفصل الخامس والعشرون

كان هال قد وعدَ أليك ستون بمراقبة مُثيري الشغب، وفي إحدى الأُمسِيات، أوقفه رئيس العمَّال في الشارع، وسأله عما إذا كان لديه شيءٌ يريد إبلاغه به. انتهز هال الفرصة لمجاراته في روح الدعابة التي يتحلَّى بها.

قال: «لا يوجد أيُّ ضرر من مايك سيكوريا. إنه يحبُّ الثرثرة، ولكن إذا وجدَ مَن يستمع إليه فحسب، هذا كلُّ ما يريده. إنه مجرد عجوزٍ مُتذمِّر. لكن هناك شخصًا آخر أعتقدُ أنه يستحق المراقبة.»

سألَ رئيسُ العمَّال: «مَن هو؟»

«لا أعرفُ اسم عائلته. يسمونه جاس وهو «عامل مِصعَد». رجلٌ أحمر الوجه.»

قال ستون: «أعرفُه … جاس دوركينج.»

«حسنًا، لقد بذلَ قصارى جهده ليجعلني أتحدَّث عن الاتحادات. ظلَّ يطرح الأمر، وأعتقدُ أنه من مُثيري المتاعب.»

قال رئيس العمَّال: «أتفهَّم ذلك. سأقتفي أثره.»

قال هال بنبرة من التوتر: «لا تقُل إنني أخبرتُك.»

«أوه، لا … بالطبع لا.» ولاحظ هال أثرَ ابتسامة على وجه رئيس العمَّال.

انصرفَ، وهو يبتسم بدوره. كان «جاس ذو الوجه الأحمر» الشخص الذي وصفه مادفيك بأنه «جاسوسُ» الشركة!

كانت هناك تفاصيل كثيرة في مسألة «التجسُّس» هذه، وفي بعض الأحيان لم يكن من السهل أن يحزم المرءُ أمرَه بشأنها. في صباح أحد أيام الأحد، خرجَ هال للسير في الوادي، وفي الطريق التقَى بشابٍّ صغير السن تحدَّث إليه، وبعد فترة طرحَ مسألة ظروف العمل في نورث فالي. قال إنه لم يكن قد مرَّ على وجوده هنا سوى أسبوع، ولكن بدا أن كلَّ مَن التقى بهم كانوا يتذمَّرون بشأن مسألة بخس الأوزان. كان هو نفسه «عامِلًا خارجيًّا»، فلم يكن الأمر يشكِّل فرقًا بالنسبة إليه، لكنه كان مهتمًّا، وتساءل عما اكتشفه هال.

جاء السؤال على الفور، هل كان هذا — حقًّا — عامِلًا، أم أنَّ أليك ستون قد عيَّن شخصًا للتجسُّس على جاسوسه. كان رجلًا ذكيًّا، أمريكي الجنسية … الأمر الذي كان مثيرًا للريبة في حَدِّ ذاته؛ لأن معظم العمَّال الجُدد الذين استقدمتهم الشركة كانوا من «مكان ما شرق قناة السويس».

قرَّر هال مجادلته بعض الوقت. قال إنه لم يكن يعرف أنَّ الظروف هنا كانت أسوأ من أي مكان آخر. فقد سمع شكاوى، بغض النظر عن وظيفة المشتكي والمهمة التي يؤديها.

وافقَه الغريبُ، ولكنه قال إنَّ الأمور بَدت سيئة، على وجه الخصوص، في معسكرات الفحم. ربما يُعزَى ذلك إلى كونها بعيدة للغاية، ولأنَّ الشركات تمتلك كلَّ شيء في الأفق.

سأل هال، معتقدًا أنَّ هذا قد يُوقِعُه في الفخ: «أين سبق لك العمل؟»

لكن الآخر أجاب إجابة مباشرة؛ من الواضح أنه عمِل في عددٍ ليس بالقليل من المعسكرات. في ماتيو كان يدفع دولارًا في الشهر مقابل امتيازات استخدام المَغْسَل، ولم يكن يتبقَّى أيُّ ماءٍ بعد انتهاء أول ثلاثة رجال من غسل ملابسهم. كان هناك حوضُ غسيل مشترك لجميع الرجال، وقد كان مكانًا قذِرًا على نحوٍ لا يمكن تصوُّره. وفي باين كريك — شعر هال بتوقف قلبه عند مجرد ذكر الاسم — أقامَ في باين كريك مع رئيسه، لكن سقف المبنى كان يُسرِّب، ودُمِّر كلُّ ما في حوزته، ومع أن رئيسه لم يفعل شيئًا لإصلاح المشكلة، فما حدثَ أنه عندما قرَّر الانتقالَ إلى مكانٍ آخر ليقيم فيه، فقدَ وظيفته. في إيست ريدج، استأجر هذا الرجلُ واثنان من زملائه كوخًا من غرفتَين، وبدءُوا في الاعتناء بأنفسهم، على الرغم من أنهم اضطُروا إلى دفع خمسين دولارًا مقابل جِوال البطاطس وأحد عشر سِنتًا لرطل السكر من متجر الشركة. استمروا في ذلك حتى اكتشفوا أنَّ إمدادات المياه قد نفدت، وأنَّ المياه التي كانوا يدفعون مقابلها دولارًا للشركة في الشهر كانت تُضَخ من قاع المنجم المليء بمخلفات البِغال والرجال!

أجبرَ هال نفسه على عدم التعبير عن رأيه صراحة؛ ومن ثَم هزَّ رأسه وعقَّبَ بأنه كان أمرًا شديدَ السوء، لكن العمَّال كانوا دائمًا ما يُعاقَبون بشدة، ولم يرَ ما يمكنهم فعله حيال ذلك. لذا عادا إلى المعسكر، ومن الواضح أنَّ الغريبَ كان في حيرة من أمره، وأنَّ هال، من جانبه، كان يشعر كأنه يقرأ نهاية الفصل الأول في قصة بوليسية. تُرى هل كان هذا الشابُّ هو القاتِل أم البطل؟ كان عليه أن يواصل القراءة ليعرف!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤