السلعوة

كان اجتماع المغامرين الخمسة في هذا الصباح عاصفًا؛ فهذه أول مرة يكون عدوُّهم حيوانًا، وكان «تختخ» الذي دعا إلى هذا الاجتماع المبكِّر يمسك في يده صُحُف الصباح وهو يقول: جميع صحف اليوم تتحدَّث عن السلعوة!

جاء السؤال المتوقَّع من «لوزة»: وما هي السلعوة؟

تختخ: إنها حيوان مزيج من الكلب والذئب، ولكنها أكبر حجمًا!

لوزة: هذه التي يقولون إنها تأكل الناس؟!

تختخ: إنها لا تأكل الناس … إنها تنهشهم!

لوزة: وما معنى تنهشهم؟

رفع «عاطف» يده محتجًّا على أسئلة أخته، وقال: نحن لسنا في حصة لغة عربية!

تدخَّلت «نوسة» وقالت بحماس: بالعكس، من حق «لوزة» أن تعرف لماذا اجتمعنا … ومن هو العدو القادم!

فقال «تختخ»: اصبر يا «عاطف»؛ فهذا حق «لوزة» فعلًا!

ثم نظر إلى «لوزة» وقال: تنهش يا «لوزة» بمعنى تُمزِّق. إنها تُمزِّق من تُقابله بأنيابها وأظافرها!

لوزة: هل يعني أنها مسعورة؟

تختخ: ممكن … فهي حيوان خطير جدًّا، وهي تعيش على أطراف المدن، وفي الأماكن الخربة، ثم تنزل ليلًا وتُهاجم من تُقابله وتُمزِّقه بأنيابها وأظافرها!

نوسة: وهل هاجمَت أحدًا؟

تختخ: في المعادي!

ظهرَت الدهشة على وجوه المغامرين، وسألت «لوزة»: هذا يعني أنها يمكن أن تُهاجمنا!

تختخ: لا يا «لوزة»؛ فنحن نسكن منطقةً آهلةً بالسكان، ولا توجد مناطق خربة، وظهور السلعوة في المعادي شيء غير عادي؛ فهي لم تظهر من قبل هنا!

نوسة: هل تشك في شيء؟

لم يُجِب «تختخ» مباشرة، في حين كان المغامرون ينتظرون ردَّه على السؤال، لكنه قال بعد قليل: أولًا: يجب أن نزور المنطقة التي حدثَت فيها الحادثة.

ثانيًا: أن نزور الرجل الذي اعتدَت عليه السلعوة، ونعرف كيف تمَّ ذلك.

نظر «محب» في ساعة يده، ثم قال: إن الوقت لا يزال مبكِّرًا، ونستطيع أن نقوم بزيارة المنطقة الآن.

قال «عاطف»: أعتقد أنه ينبغي أن نتصل بالمفتش «سامي»؛ فلا بد أنه عنده معلومات عن هذه الحادثة.

قالت «نوسة»: «عاطف» عنده حق.

تحدَّث «تختخ» إلى المفتش «سامي» وسأله عن الحادثة، قال المفتش «سامي»: عندي تقرير عن الحادثة، لكني خارج المكتب الآن، وسوف أتغيَّب لمدة ساعتَين، بعدها يمكن أن تأتيني.

شكَره «تختخ» بعد أن اتفقا أن يذهب إليه في المكتب في الواحدة ظهرًا، وعندها أغلق المحمول. قال «عاطف»: «تختخ» اقتراحك مهم، وسوف يختصر مجهودنا، وربما وجدنا في التقرير بداية الخيط.

سألت «لوزة»: هل يعني هذا أن هناك لغزًا؟!

ابتسم «تختخ» وقال: على الأقل هناك سؤال يبحث عن إجابة.

قالت «لوزة» بسرعة: وما هو السؤال؟!

مرةً أخرى انفعل «عاطف» وقال: إنكِ تُضيعين الوقت يا «لوزة»! دعينا نُناقش الحادث؛ فربما كان حادثًا عاديًّا!

صمتَت «لوزة» واكتسى وجهها بالحزن، ابتسم «تختخ» وقال لها: لا تحزني يا عزيزتي «لوزة»؛ فسوف تظهر أسئلة كثيرة ونحن نُناقش حادث السلعوة، ومن المناقشة سنعرف ما هي حكاية هذا الحيوان الغريب، وما هو اللغز الذي وراءه.

اقترحَت «نوسة» أن يقرأ «تختخ» ما هو منشور في الصحف؛ حتى يعرف المغامرون تفاصيل ما حدث. بدأ «تختخ» قراءة ما هو منشور.

تختخ: سيطرَت حالة من الرعب على سُكَّان المنطقة الشمالية للمعادي بعد ظهور السلعوة فيها؛ فقد عثرَت الدورية الراكبة على المواطن «إبراهيم السيد» الذي يبلغ الثلاثين من عمره وهو مغمًى عليه، وقد تمزَّق ظهره وذراعاه، فنقلته الدورية إلى المستشفى، وشخَّص الأطبَّاء أن كلبًا هاجمه. ولمَّا أفاق «إبراهيم» وتحدَّث عمَّا حدث له، قال إنه عندما كان عائدًا من عمله في منتصف الليل، لم يكن الظلام كثيفًا؛ فقد كانَت أضواء المساكن تُخفِّف من الظلام، فجأةً ظهر حيوان ضخم، فتصوَّر أنه كلب حراسة، فمشى بشكل عادي وإن أسرع في خطواته، لكن فجأةً هاجمه الحيوان وأنشب أنيابه وأظافره في ظهره وذراعَيه، فحاول أن يُدافع عن نفسه، فلم يستطِع؛ فقد نهش الحيوان جسمه بشدة، ثم فقد وعيه، ولم يُفِق إلا في المستشفى بعد أن نقله رجال الشرطة، وعندما سألوه عن هذا الحيوان قال إنه رآه جيدًا وهو يُدافع عن نفسه، وهو خليط من الكلب والذئب، ويتمتَّع بقوة شديدة، واتضح أن هذا الحيوان هو السلعوة.

سألت «لوزة»: ما هي الدورية الراكبة؟

تختخ: هي التي تركب موتوسيكلًا أو سيارة، وطبعًا هم رجال الشرطة.

لوزة: إذن ماذا نُسمِّي الشاويش «فرقع»؟

تختخ: الدورية الرجلة، يعني التي تمشي على رجلَيها.

ابتسمَت «لوزة» وقالت: هذه معلومات جديدة.

قال «عاطف»: من المهم أن نرى المكان الذي ظهرَت فيه السلعوة؛ فهو سوف يُضيف إلينا تفاصيل جديدة؛ لأنه من الممكن أن تكون السلعوة قد جاءَت من صحراء المعادي!

تختخ: هذا صحيح، ولكن فلْنُؤجِّل ذلك إلى الغد، وأكون قد قابلتُ المفتش «سامي»، وعرفتُ ما عنده من تفاصيل، واتفق المغامرون الخمسة على أن يلتقوا في المساء، بعد أن يكون «تختخ» قد عاد من لقاء المفتش «سامي». ركب «تختخ» درَّاجته وخلفه «زنجر»، ثم عاد إلى الفيلَّا. عندما دخل غرفته جلس يُفكِّر: هذه أول مرة تظهر فيها السلعوة في المعادي، فلماذا لم تظهر من قبل؟! وهل تكون قد جاءت من صحراء المعادي كما قال «عاطف»؟

تذكَّر «تختخ» أنه قرأ عدة مرَّات عن مافيا الأراضي، هؤلاء الذين يضعون أيديهم على أراضي الدولة، ويدَّعون ملكيتها وهم لا يملكونها. تساءل بينه وبين نفسه: هل هناك عصابة أراضٍ تقف خلف هذه الحكاية؟ ولكن كيف تقف خلف ظهور «السلعوة» في هذا المكان؟ إن وراء هذه الحادثة لغزًا!

نظر في ساعة يده، ثم تحرَّك مسرعًا خارجًا من غرفته، وعندما خرج إلى الحديقة وجد «زنجر» في انتظاره، ربت عليه وانطلق وحده إلى مكتب المفتش «سامي» الذي ابتسم، وسأل «تختخ»: هل هناك لغز وراء السلعوة؟

ابتسم «تختخ» ورد: أظن ذلك!

سامي: لقد تكرَّرَت هذه الحادثة في أماكن متفرِّقة؛ فظهور السلعوة ليس جديدًا، وقد ترصَّدناها وقضينا عليها كلما ظهرَت.

تختخ: هل لديك صور لها؟

أشار المفتش «سامي» إلى عدة صور على ترابيزة في آخر المكتب، وقال: هذه أكثر من صورة للسلعوة.

قام «تختخ» إلى الصور، أخذ يتأمَّلها، كانت فعلًا خليطًا من الكلب والذئب، لكنها أقل حجمًا من كلاب كثيرة رآها «تختخ»، قال في نفسه: إنها أقل حجمًا من «زنجر»، لكن تبدو عليها الشراسة. أظافرها طويلة حادة، ولها نابان بارزان. عاد إلى المفتش «سامي» وقال: هل أستطيع الحصول على صورة لها؟

ابتسم المفتش «سامي» وقال: قل لي، في ماذا تُفكِّر؟

تختخ: أعتقد أن ظهور السلعوة في هذا المكان وراءه لغز؛ فهي لم تظهر من قبلُ في المعادي!

سامي: يا عزيزي «توفيق»، السلعوة ظهرَت من قبلُ في أماكن مختلفة؛ فقد ظهرَت في الصعيد، وظهرَت في بعض محافظات الوجه البحري.

تختخ: لكنها لا تظهر في الأماكن المزدحمة بالسكَّان، وتظهر في الأماكن المهجورة.

سامي: هذا صحيح، وهي قد ظهرَت في مكان مهجور، صحيح هي قطعة أرض خالية، لكنها تقع بين منطقة فيلَّات.

تختخ: هذه هي النقطة!

سامي: ماذا تعني؟

كانت هناك خريطة كبيرة مُعلَّقة خلف مكتب المفتش «سامي»، ذهب إليها «تختخ» وبدأ يُحدِّد موقع المعادي، ثم نظر إلى المفتش «سامي» وقال: هل يمكن أن تكون قد نزلت من صحراء المعادي؟

سامي: ممكن، لكن الحادثة لم تقَع على مشارف الصحراء؛ فقد وقعَت داخل المعادي كما قلت، وغالبًا تكون السلعوة قد جاءَت من الصحراء، واعتدَت على الشاب، وقد خصَّصنا دوريةً راكبةً تمر في المكان كلَّ نصف ساعة، والحادثة قد وقعَت منذ ثلاثة أيام، ولم تظهر السلعوة مرةً أخرى.

تختخ: إذن الحادثة وقعَت داخل «المعادي»، ولم تقع بين المعادي القديمة والمعادي الجديدة!

سامي: بالضبط. ابتسم «تختخ» وقال: إذن ما فكَّرتُ فيه هو الصحيح!

سامي: وفيمَ فكَّرت؟

تختخ: إن هناك عصابةً خلف ظهور السلعوة!

ضحك المفتش «سامي»، ثم قال: أنت تُحوِّل كل حادثة إلى لغز يا عزيزي «توفيق»، وأظن أن المسألة ليسَت كذلك.

ابتسم «تختخ» وقال: سنرى. سأله المفتش «سامي»: هل تُريد قراءة التحقيق في الحادث؟

تختخ: تكفيني صورة السلعوة.

أخذ «تختخ» الصورة، وشكر المفتش «سامي» الذي قال له وهو يبتسم: إنني في انتظار كشف اللغز.

ودَّعه «تختخ» وانصرف … في الطريق كان يُفكِّر: غريبة هذه السلعوة، إنها واحدة في كل الصور وكأنها نسخة مكرَّرة، ودائمًا لونها أسود، غير أنها ليسَت بالضخامة التي تحدَّث عنها «إبراهيم السيد» الذي نهشَته، ويبدو أنه من فزعه تصوَّرها بالضخامة التي تحدَّث عنها.

أخذ يتذكَّر أنواع الكلاب التي يعرفها، ثم همس لنفسه: إنها من حجم الدوبرمان!

عندما وصل إلى الفيلَّا اتجه إلى حجرته مباشرة، وجلس أمام الكمبيوتر الخاص به. فتحه ووصل إلى قارة أفريقيا، ثم خريطة مصر، ثم حدَّد موقع المعادي على الخريطة، وجاءَت أمامه التفاصيل. أخذ يتأمَّل المعادي القديمة حيث يسكن، ثم المعادي الجديدة التي تقع في شمالها، وسلسلة جبال المقطم، ثم وضع أصبعه على المسافة بين المعادي القديمة والجديدة، وقال لنفسه: هنا وقعَت حادثة السلعوة. ثم فكَّر: لا يمكن أن تظهر السلعوة في هذه المنطقة! وسأل: إذن من أين جاءت السلعوة؟! وأين يمكن أن تعيش؟! قام من أمام الكمبيوتر وقال لنفسه: إذن هناك لغز.

آخر النهار اجتمع المغامرون الخمسة ومعهم «زنجر» في برجولا حديقة «محب»، وقدَّم لهم «تختخ» صورة السلعوة. أخذوا يتأمَّلونها، لكن «لوزة» أمسكَت بالصورة وقرَّبَتها من «زنجر»، الذي ما إن رآها حتى نبح، ثم ضرب الصورة بيده، فضحكَت «لوزة» وقالت: إنه يعرف أنها السلعوة، لكن ما حجمها؟

تختخ: إنها في حجم الدوبرمان، وإن كانت أقل قليلًا.

اندهشت «لوزة» وسألت: دوبرمان، ما هو الدوبرمان؟!

ردَّ «محب»: إنه نوع من الكلاب الألمانية … يتميَّز بالقوة والشراسة.

وسألت «نوسة»: هل قرأتَ تحقيق الشرطة عن الحادث؟

تختخ: لا … لكن جرى حوار بين المفتش «سامي» وبيني، وأخبرني أن هذه ليسَت أول مرة تظهر فيها «السلعوة»؛ فقد ظهرَت في بعض بلاد الصعيد، كما ظهرَت في بعض بلاد الوجه البحري، وأنهم يترصَّدونها ويقضون عليها، وأن ظهورها أصبح شيئًا عاديًّا.

سأل «عاطف»: هل هذا يعني أن الحادث عادي، وأن الشرطة سوف تترصَّد سلعوة المعادي لتقضي عليها؟

تنهَّد «تختخ» وقال: من رأيي أن وراء ظهور السلعوة لغزًا، وهذا ما يجب علينا أن نبحث عن حله.

قالت «نوسة»: هل تشك في شيء؟

لم يردَّ «تختخ» مباشرة، لكنه قال بعد لحظة: علينا أن نقوم بزيارة المكان أولًا، ثم نذهب إلى الشاب الذي نهشَته السلعوة! إن وصفه لنا قد يفتح أمامنا الطريق إلى حل اللغز.

قالت «نوسة» مرةً أخرى: أنتَ لم تُجِب عن سؤالي، هل تشك في شيء؟

تختخ: نعم، لكنَّ شكِّي لن يتأكَّد إلا بعد زيارة المكان الذي ظهرَت فيه السلعوة، واعتدَت على الشاب.

سأل «محب»: هل تعني أن هناك من له مصلحةٌ في ظهور السلعوة؟!

تختخ: لا أستطيع الإجابة إلا بعد زيارة المكان.

وانتهى الاجتماع بعد الاتفاق على زيارة مكان الحادث في الغد. وقال «تختخ»: سوف نذهب بدرَّاجاتنا؛ فهي رحلة على كل حال.

وعندما قفز على درَّاجته، قفز «زنجر» خلفه، وفي الطريق قال ﻟ «زنجر»: يا صديقي «زنجر»، أظن أنك ستكون بطل هذا اللغز.

وما إن سمع «زنجر» اسمه حتى نبح بهدوء، فابتسم «تختخ» وانطلق إلى بيته في انتظار رحلة الغد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤