الخطوة قبل الأخيرة

جاء صوت عامل المستشفى يسأل: أستاذ «توفيق»، هل عاد الكلب إلى الفيلَّا؟! …

كان «تختخ» شاردًا يُفكِّر: كيف اختفى «زنجر» وباب المستشفى مغلق؟!

تردَّد صوت العامل مرةً أخرى: لماذا لا ترد يا أستاذ «توفيق»؟!

سأله «تختخ»: ما آخر مرة رأيتَ «زنجر» فيها؟

العامل: نحو التاسعة مساءً، وضعتُ له الأكل وأغلقتُ عليه الباب، ولمَّا مررتُ بعد ذلك وجدتُ الطعام كما هو، ووجدتُ باب بيته مفتوحًا وهو غير موجود!

عاد «تختخ» يسأل: وكيف يتم إغلاق الباب؟

العامل: بواسطة سقاطة خشبية من الخارج.

تختخ: هل سألتَ حارس بوابة المستشفى إن كان قد رآه؟

العامل: البوابة مغلقة ولم تُفتح!

فكَّر «تختخ» أن «زنجر» يفتح باب الغرف، ويعرف كيف يفتح باب بيته في حديقة الفيلَّا، وهو يعرف كيف يتسلَّق الأشجار، فهل يمكن أن يكون قد فتح باب بيته في المستشفى، وتسلَّق إحدى أشجار الحديقة، ثم قفز إلى الشارع؟! عاد صوت العامل يسأل: أستاذ «توفيق» لماذا لا ترد؟!

فجأةً سمع «تختخ» صوتًا في الحديقة، فقال للعامل: سوف أتصل بك.

أسرع إلى النافذة وفتحها، فسمع صوت «زنجر» ينبح نباحًا هادئًا، وحتى لا يُضيع وقتًا، نزل على ساق شجرة قريبة، فأصبح في الحديقة، جرى إلى بوابة الفيلَّا وفتحها، فوجد «زنجر» وقد أقعى على ساقَيه الخلفيتَين، وهو ينظر إلى «تختخ»، احتضنه في إعزاز، وأدخله، ثم أغلق باب الحديقة، ومشى بجواره إلى حيث بيته في آخر الحديقة، وعندما أدخله البيت أسرع يتسلَّق الشجرة، ودخل من النافذة إلى غرفته، طلب المستشفى، فردَّ عليه العامل بلهفة: هل عاد إليك؟!

ابتسم «تختخ» وقال: نعم، لقد عاد كلبي العزيز.

جاء صوت العامل مليئًا بالدهشة: كيف خرج من بيته المغلق؟ وكيف خرج من حديقة المستشفى والبوابة مغلقة؟

تختخ: هذه حكاية أخرى، المهم أنه عاد.

انتهَت المكالمة، فأسرع «تختخ» بالخروج من غرفته، وجهَّز طعامًا ﻟ «زنجر»، ثم نزل من باب الفيلَّا، وقدَّم الطعام ﻟ «زنجر»، الذي زام وكأنه يشكر صاحبه؛ فقد كان جائعًا، والْتهم الطعام في نهم …

كان «تختخ» يُراقبه سعيدًا به … وظلَّ بجواره حتى انتهى الطعام، مدَّ «زنجر» يده إلى «تختخ» الذي ابتسم ومدَّ يده يُسلِّم عليه … ثم احتضنه وقبَّله، وربت عليه.

عندما عاد إلى غرفته، لم يكن يُصدِّق عودة كلبه العزيز، وما إن وضع رأسه على الوسادة حتى استغرق في النوم، لكنه في الصباح صحا على رنين تليفونه، وعرف أن «لوزة» هي التي تتصل، جاء صوتها حزينًا يقول: صباح الخير، هل أيقظتُك من النوم؟

ابتسم «تختخ» ورد: صباح الخير يا عزيزتي «لوزة»، كيف حالك؟

ليس جيدًا؛ فأنا مشغولة لاختفاء «زنجر»!

تختخ: لقد عاد!

جاء صوت «لوزة» فرحًا: كيف عاد؟! … ومتى؟

تختخ: عاد بالليل، وهذا هو المهم، أمَّا كيف عاد، فأظن أنك تعرفين «زنجر» جيدًا، إنه يعرف كيف يتصرَّف!

لوزة: هل سنراه في اجتماع اليوم؟

تختخ: إذا كانت حالته تسمح.

لوزة: أنا سعيدة جدًّا بعودة صديقي العزيز … إلى اللقاء إذن!

ما إن أغلقَت «لوزة» تليفونها، حتى رنَّ تليفون «تختخ» من جديد، فعرف أن المتحدِّث هو «محب»، فقال «تختخ» مباشرة: لقد عاد «زنجر»، ودعنا نتحدَّث عن ذلك في الاجتماع.

وما إن انتهَت المكالمة حتى أسرع «تختخ» بتجهيز طعام «زنجر» ونزل إليه، ما إن رآه «زنجر» حتى هزَّ ذيله في سعادة. وضع له «تختخ» الطعام، فأقبل عليه «زنجر» بشهية، كان يبدو كأنه لم يأكل منذ مدة، مع أن «تختخ» هو الذي وضع له الطعام بالليل عندما عاد.

أجهز «زنجر» على كمية الطعام، وأخذ يلعق فمه، وهو ينظر إلى «تختخ» في امتنان، ربت عليه «تختخ» وقال له: يبدو أنكَ تعافيتَ من صدمة الموتوسيكل، لكنكَ تحتاج إلى الراحة اليوم، ولن تصحبني في اجتماع المغامرين.

وكأن «زنجر» فهم كلام «تختخ»؛ فقد زام في هدوء، وتمدَّد على الأرض، ابتسم «تختخ» وانصرف، أبدل ملابسه، ثم أخذ طريقه إلى حيث يجتمع المغامرون، وما إن وصل إلى البرجولا حتى انهالت عليه الأسئلة من المغامرين، كانوا يُريدون أن يطمئنوا على صديقهم العزيز «زنجر»، وأخيرًا قال «تختخ» بعد أن طمأنهم على كلبه العزيز: الآن نحن نقترب من حل اللغز، والمطلوب أن تقوموا بزيارة الأرض الخالية، لقد كنتُ أنوي أن أكون معكم اليوم، لكني قرَّرتُ زيارة الأستاذ «جلال» لأعرف منه عنوان «مصطفى أبو حطب» الذي باع السلعوة المحنَّطة لألتقي به، وأسأله عن الذي اشترى السلعوة، إننا نُريد أن نوصل رسالةً إلى «حامد» صاحب الدوبرمان بأن هناك من لا يخاف من السلعوة المزيَّفة حتى تدفعه إلى استخدامها مرةً أخرى.

سألت «نوسة»: لقد افترضتُ أن حامد هو الذي يقف وراء السلعوة المزعومة، مع أننا لا نملك دليلًا مؤكدًا على ذلك.

تختخ: هذا صحيح، المهم أن نستمر وراء هذا الفرض حتى نُثبت صحته!

محب: زيارة «تختخ» لبائع السلعوة المحنَّطة ومعرفة من اشتراها منه سوف تُقرِّبنا من كشف اللغز، خصوصًا ونحن متفقون على أن السلعوة لا يمكن أن تظهر في المعادي.

وقف «تختخ» وهو يقول: حتى لا نُضيع وقتًا علينا أن نتحرَّك الآن.

أخذ «تختخ» طريقه إلى معرض الأستاذ «جلال»، الذي ما إن رآه حتى ظهرَت ابتسامة عريضة على وجهه، ورحَّب ﺑ «تختخ» وهو يقول: لقد شغلني اهتمامك بحكاية السلعوة المحنَّطة، فلماذا لا تكشف لي سرَّها؟!

ابتسم «تختخ» وقال: سوف أكشف لكَ السر عندما أصل إلى حل اللغز.

ظهرَت الدهشة على وجه «جلال»، وسأل: وهل هناك لغز؟!

تختخ: نعم … المهم الآن أن نتحدَّث إلى السيد «مصطفى أبو حطب» حتى أستطيع أن ألقاه.

ابتسم «جلال» ورفع سمَّاعة التليفون وطلب رقمًا، ثم تحدَّث إلى «مصطفى أبو حطب»، وأخبره أن «توفيق» سوف يأتيه، فجاء صوت «مصطفى» يسأل: وماذا يُريد من معرفة الذي اشترى السلعوة؟

ردَّ عليه «جلال»: عندما يصل إليك اسأله عمَّا تُريد.

مصطفى: أنا في انتظاره.

أخذ «تختخ» طريقه إلى المعرض، وعندما وصل إليه أدهشه أنه معرض كبير مزدحم بالأثاث النادر، والتُّحف والحيوانات المحنَّطة. وعندما دخل المعرض كان «مصطفى أبو حطب» يجلس خلف مكتب قديم جميل. رفع «مصطفى» عينَيه وقد ملأَت وجهه الدهشة، وقال: أنت «توفيق»! كنتُ أظنك أكبر من ذلك.

ابتسم «تختخ» وتقدَّم إلى حيث يجلس «مصطفى» الذي قال: تفضَّل بالجلوس، ودعني أسألك عن سر اهتمامك بمن اشترى السلعوة المحنَّطة؟

جلس «تختخ»، وقال وهو يبتسم: دعني أسأل حضرتك … أليس غريبًا أن يشتري أحدٌ سلعوةً بالذات، فلا بد أن يكون ذلك لسبب؟!

مصطفى: طبعًا، وقد يكون السبب هو هواية جمع الحيوانات المحنَّطة!

تختخ: أفهم أن يشتري صقرًا محنَّطًا أو أسدًا مثلًا، لكن أن يشتري سلعوةً فهي مسألة تلفت النظر!

ابتسم «مصطفى» وقال: هذا صحيح، لكن ما سر اهتمامك؟

تختخ: أُريد أن أسأل: منذ متى اشتريتَ السلعوة؟ ومن الذي باعها لك؟

ضحك «مصطفى» طويلًا، ثم قال: هذه أسئلة وكيل نيابة، مع ذلك سوف أُجيبك … لقد اشتريتُها من سوق يُسمَّى سوق الجمعة.

قاطعه «تختخ» قائلًا: أعرفه، وقد بحثنا فيه عن سلعوة محنَّطة فلم نجد، وكانت هناك ثعالب محنَّطة وطيور.

اندهش «مصطفى»، وقبل أن يتحدَّث سأله تختخ: منذ متى اشتريتَ السلعوة من سوق الجمعة؟

مصطفى: الحقيقة منذ وقت طويل، وظلَّت في المعرض لسنوات، حتى جاء من اشتراها أخيرًا.

تختخ: هل تذكر اسمه؟

صمت «مصطفى» قليلًا، ثم قال: لا أذكر؛ فلا يُهمُّني أن أعرف اسمه!

تختخ: هل تذكر شكله؟

استغرق «مصطفى» في التفكير بعض الوقت، كان «تختخ» يتأمَّله وهو يُفكِّر …

كان الرجل ذا شعر خطه الشيب، وسيم الملامح، له شارب رفيع … أخيرًا تكلَّم «مصطفى» وهو يستعيد ملامح من اشترى السلعوة، وقال: شخص حاد الملامح، طويل القامة، تبدو عليه العافية، لكننا لم نتحدَّث كثيرًا، لكن يبدو أنه كان يبحث عن «سلعوة» بالذات، وليس أي حيوان آخر!

صمت بعض الوقت وكأنه يستعيد لحظة دخول الرجل إلى المعرض، ثم قال: أذكر أنه عندما دخل المعرض وقف قليلًا يتفحَّص المعروضات … كانت السلعوة المحنَّطة بين عدد من الثعالب المحنَّطة، وكانت موجودةً في نفس المكان قرب باب المعرض.

وأشار إلى حيث كان بعض الحيوانات المحنَّطة في عرض كأنها تُطارد بعضها، ثم أضاف: أشار إلى السلعوة، وسأل عن ثمنها، وبرغم أنني طلبتُ ثمنًا مرتفعًا فإنه وافق مباشرة، ودفع ثمنها وحملها وخرج.

كان «تختخ» يُفكِّر بسرعة مع كلمات «مصطفى»، ولم تكن الملامح التي سمعها تنطبق على «حامد»، لكن لفت نظره كلام «مصطفى» الأخير، من أنه اختار السلعوة بالذات، ودفع ثمنها المرتفع، سأله «تختخ»: هل كان يركب سيارةً خاصة؟

مصطفى: لا … فقد استدعى تاكسيًا.

ثم ابتسم وقال ﻟ «تختخ»: هل أفدتك بشيء؟

تختخ: بالتأكيد، وأشكر لك هذا الوقت.

مرةً أخرى ابتسم «مصطفى»، وقال: لماذا إذن كل هذا الاهتمام؟

ابتسم «تختخ» وقال: سوف أُخبرك عندما نكتشف اللغز.

اندهش «مصطفى» وسأل: وهل هناك لغز؟!

تختخ: نعم … هناك لغز، وسوف أُخبركَ عندما نصل إلى حله.

وقف «تختخ» ومدَّ يده يُسلِّم على «مصطفى» وشكره، ثم انصرف. في الطريق كان «تختخ» يُفكِّر: إذا لم يكن هو «حامد» فمن يكون؟!

أخرج تليفونه المحمول من حقيبته الصغيرة، وتحدَّث إلى «محب»: تختخ: أين أنتم الآن؟

جاء صوت «محب» يقول: في الأرض الفضاء.

تختخ: نلتقي في البرجولا بعد ساعة.

أغلق تليفونه وأخذ طريقه إلى فيلَّا «محب» حيث يجتمع المغامرون، وعندما وصل إلى هناك، كان المغامرون في انتظاره، وما إن جلس حتى أسرعَت «لوزة» بسؤاله: هل توصَّلتَ لشيء؟

شرَح لهم «تختخ» لقاءه مع «مصطفى أبو حطب»، وما دار من حديث. كان المغامرون يُتابعونه باهتمام، فجأةً قالت «نوسة»: أليس من الممكن أن يُكلِّف «حامد» أحدًا بشراء السلعوة؟

عاطف: سؤالٌ مهم!

استغرق «تختخ» في التفكير يبحث عن إجابة لسؤال «نوسة»، فجأةً قال «محب»: هل تذكر الليلة التي قابلنا فيها حارس الدوبرمان ومعه الكلب؟

لمعَت عينا «تختخ» وهمس: كيف فاتني ذلك؟ نعم أذكر الحارس، وقد رأيتُه أكثر من مرة!

محب: إنني لم أرَه ليلتها جيدًا؛ فقد كانت الليلة شديدة الظلام.

أخذ «تختخ» يستجمع ملامح حارس الدوبرمان، ثم صاح فجأة: لقد وصلنا إلى حل اللغز!

سألته «لوزة» بفرح: كيف؟!

وبدأ «تختخ» يشرح للمغامرين كيف وصلوا إلى حل اللغز؛ فقد كانت هذه هي الخطوة قبل الأخيرة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤