مواجهة لم تتم

استعاد «تختخ» ملامح حارس الدوبرمان وهو يشرح للمغامرين كيفية الوصول إلى حل اللغز. قال «تختخ»: لقد رأيتُه جيِّدًا في المرَّات التي قابلتُه فيها وهو يقوم بنزهة الدوبرمان المسائية …

وهو كما قال «مصطفى أبو حطب» حاد الملامح، طويل القامة، يتمتَّع بصحة جيدة … في حديثه خشونة.

قالت «نوسة»: قال «مصطفى أبو حطب» إن الشخص الذي اشترى السلعوة دفع ثمنها مباشرةً حتى برغم المبلغ المرتفع، وهذا يعني أنه ليس من هُواة جمع الحيوانات المحنَّطة، ولكنه يبحث عن السلعوة بالذات لتحقيق هدف ما.

عاطف: هذا صحيح؛ ولأن الأرض تُساوي الملايين، فإن دفع أي مبلغٍ للحصول على السلعوة لا يُساوي شيئًا.

محب: ولأنه طلب تاكسيًا وانصرف بالسلعوة؛ فإن هذا يعني أنه ليس من هُواة جمع الحيوانات المحنَّطة؛ لأنه لو كان من هُواة جمع هذا النوع من الحيوانات، لكان يمتلك سيارةً خاصة؛ فهذه الهواية تُكلِّف الكثير.

وقالت «لوزة»: هناك شيء آخر.

اهتمَّ المغامرون عندما تحدَّثَت «لوزة»، وسأل «تختخ» وهو يبتسم: وما هو هذا الشيء يا عزيزتي «لوزة»؟

لوزة: وجود سيارة خاصة يمكن أن يلفت النظر لمعرفة صاحبها من خلال أرقام السيارة، واستعماله التاكسي هو نوع من الخداع.

قال «تختخ» بحماس: برافو «لوزة» هذا صحيح … وهو يعني أن «حامد» كان يُدبِّر الأمر بطريقة المغامرين الخمسة؛ فقد وضع احتمال أن يَلفت ذلك نظر صاحب المعرض لأنه يبحث عن حيوان نادر.

رفعَت «نوسة» يدها وهي تقول: نسينا صاحب حادثة الموتوسيكل؛ فقد يكون هو الآخر طريقًا لمعرفة إن كانت الحادثة مقصودة، أو أنها حدثَت بالصدفة.

تختخ: هذا صحيح … وسوف أتحدَّث إلى المفتش «سامي» الآن.

أخرج تليفونه المحمول من حقيبته وتحدَّث إلى المفتش «سامي» الذي جاء صوته ضاحكًا وهو يقول: أنت صاحب الحادثة إذن! … لماذا لم تُبلِّغ قسم المعادي وتركتَ ضابط الشرطة واختفيتَ أنتَ وكلبك العزيز؟

قال «تختخ»: كنتُ أُريد أن أطمئن على «زنجر».

سامي: صاحب الموتوسيكل محجوز في قسم المعادي وهو في انتظارك، سوف أتحدَّث إليه فأسرِع بالذهاب إلى القسم.

تختخ: أظن أن الحادثة مقصودة.

جاء صوت المفتش «سامي» مندهشًا وهو يسأل: ماذا تعني؟!

تختخ: أحتاج إذن أن أُقابلك؛ فهناك أحداث يجب أن أعرضها عليك، خصوصًا وأنه سيكون لكَ دور فيها.

ضحك المفتش «سامي» وقال: إذن لا تذهب إلى قسم المعادي قبل أن نلتقي، وسوف أطلب إرسال راكب الموتوسيكل إلى مديرية الأمن … إنني في انتظارك في المساء.

انتهَت المكالمة، فقال «تختخ» للمغامرين: إذن نلتقي غدًا … وأكون قد قابلتُ المفتش «سامي».

انصرف المغامرون، وقفز «تختخ» فوق درَّاجته، كان يُفكِّر في «زنجر»؛ فهو الذي سيلعب الدور الأساسي في الخطة التي رسمها؛ ولذلك عندما وصل إلى الفيلَّا أخذ طريقه إلى بيت «زنجر»، لكنه قبل أن يصل إليه جاءه نُباح كلبه العزيز، ابتسم «تختخ» وقال في نفسه: صوت «زنجر» يدل على أنه استعاد عافيته، وهذا يعني أننا نقترب من النهاية. وما إن وصل إلى بيت «زنجر» حتى كان كلبه العزيز يقف في نشاط، قال له «تختخ»: جاء دورك يا صديقي، وسوف أُقدِّم لكَ كميةً مضاعفةً من الطعام حتى تعود إليكَ عافيتك كاملة.

زام «زنجر» وكأنه يقول لصديقه: إنني على استعداد.

في المساء أخذ «تختخ» طريقه إلى مكتب «سامي» الذي كان في انتظاره، وما إن دخل «تختخ» المكتب حتى ضحك «سامي» وهو يقول: يبدو أنها مغامرة مُعقَّدة.

قال «تختخ» وهو يجلس: المهم أننا كشفنا تفاصيلها.

ابتسم المفتش «سامي» وسأل: وما هي التفاصيل؟

شرح له «تختخ» كلَّ التفاصيل التي توصَّل لها المغامرون، ورأى الدهشة على وجه المفتش «سامي» وهو يسمع، ثم سأل: ولماذا تشك في راكب الموتوسيكل؟

تختخ: لأني قابلتُ «حامد» وكان معي «زنجر»، وربما يكون قد فكَّر في التخلُّص منه؛ فالصدمة جاءَت في «زنجر» وكأنها موجَّهة إليه؛ فهو يُريد أن يُخيفني حتى أبتعد عن المكان.

سامي: إن كانت هذه المعلومات صحيحة، فيكون المغامرون قد أدَّوا خدمةً عظيمةً للبلد، خصوصًا أن السطو على الأراضي قد أصبح لافتًا للنظر.

فكَّر المفتش «سامي» قليلًا، ثم أضاف: سوف أبحث حكاية ملكية الأرض أولًا.

تختخ: هناك الشاب الذي اعتدَت عليه السلعوة المزيفة؛ فقد أصابَته بجروح بليغة، ومن حقه أن ينال عقابه.

ضغط المفتش «سامي» على جرس، فدخل أحد جنود الشرطة، طلب منه المفتش «سامي» إحضار المتهم الذي أحضروه من قسم المعادي.

انصرف الشرطي، فسأل «سامي»: هل تُحب حضور التحقيق معه؟

تختخ: حتى لا يُنكر أنه ارتكب الحادثة.

طُرق الباب، ودخل رجل الشرطة وهو يدفع أمامه براكب الموتوسيكل الذي دخل في ثبات غريب جعل «تختخ» يندهش، سأله المفتش «سامي»: ما اسمك؟

رد: «سعيد الجمل».

سامي: ماذا تعمل؟

سعيد: جنايني لإحدى فلل المعادي.

سامي: في أي فيلَّا في المعادي؟

سعيد: أعمل في فيلَّا الشروق.

سامي: وأين تسكن؟

سعيد: في دار السلام.

سامي: انظر للأستاذ الجالس، هل تعرفه؟

نظر «سعيد» إلى «تختخ» نظرةً سريعة، ثم قال: لا أعرفه … هذه أول مرة أراه فيها!

سامي: أليس هو الذي صدمتَه بالموتوسيكل؟

سعيد: لم أرَه؛ فقد كنتُ مسرعًا واختلَّت عجلة القيادة في يدَي؛ فاصطدمتُ بدرَّاجته.

سامي: معك رخصة للموتوسيكل؟

لم ينطِق «سعيد»، لكنه ظلَّ ثابتًا، فصرخ فيه المفتش «سامي»: كنت تركب موتوسيكلًا بدون رخصة!

سعيد: الموتوسيكل ليس ملكي.

سامي: ملك من، أم إنك سرقته؟

سعيد: ملك أخي …

سامي: أين أخوك؟

سعيد: في عمله.

سامي: وماذا يعمل؟

سعيد: نجار.

نظر المفتش «سامي» إلى «تختخ» الذي يُتابع التحقيق، ثم قال للشرطي: أعيدوه إلى قسم المعادي لعمل محضر له!

خرج الشرطي ومعه «سعيد»، فقال المفتش «سامي»: حادثة عادية، ولكن … هل لها تأثير في كشف اللغز؟

تختخ: لا … فهي ليسَت خطتنا.

انتظر قليلًا، ثم قال: بقي شيء واحد حتى نصل إلى حل اللغز.

ابتسم المفتش «سامي» وسأل: وما هو؟

تختخ: أن تنسحب الدورية الليلية من الأرض الخالية.

اندهش المفتش «سامي» وسأل: لماذا؟! … ومن يضمن عدم ظهور السلعوة مرةً أخرى؟!

تختخ: لا توجد سلعوة؛ فهي كما قلتُ لك سلعوة مزيَّفة، وهو ما سنكشفه من خلال خطتنا.

اندهش المفتش «سامي» وسأل: وما هي خطتكم؟

قال «تختخ» وهو يبتسم: ستعرفها عندما نُحقِّقها ونكشف بها السلعوة المزيَّفة.

نظر المفتش «سامي» طويلًا إلى «تختخ»، ثم قال: هذه مغامرة خطيرة … فكيف تتخلَّى الشرطة عن مسئوليتها؟!

تختخ: نحن سوف نقوم بتأمين المكان، ونحن الذين سوف نتعرَّض للخطر.

ثم ابتسم «تختخ» وقال: هل تشك في المغامرين الخمسة؟!

انتظر المفتش «سامي» لحظة، ثم قال: ومتى تُريدون انسحاب الدورية؟

تختخ: غدًا.

كانت إجابةً مفاجئةً أدهشَت المفتش «سامي» … ومع ذلك قال: كما تُحب … ولكن كُن على اتصالٍ دائم بي.

شكر «تختخ» المفتش «سامي» وأخذ طريق العودة إلى الفيلَّا … كان يُفكِّر في شيء واحد هو «زنجر»؛ فالخطة التي رسمها تحتاج أن يكون كلبه العزيز في كامل لياقته … ولذلك عندما اقترب من الفيلَّا جاءه صوت «زنجر» وهو ينبح، وكأنه يُعلن عن وصول صاحبه. وما إن دخل بوابة الفيلَّا حتى كان «زنجر» يقف في نشاط، وأخذ يتقافز حول «تختخ» وكأنه يُثبت له أنه أصبح سليمًا تمامًا.

فكَّر «تختخ»: لماذا لا يقوم بالمرور أمام فيلَّا «حامد» في المساء؟ واتخذ قرارًا؛ ولذلك عندما بدأَت الشمس تأخذ طريقها للمغيب … كان «تختخ» يقفز فوق درَّاجته، فقفز «زنجر» خلفه وانطلق إلى حيث فيلَّا «حامد» … عندما وصل إلى أول الشارع تمهَّل في سيره، فجأةً زام «زنجر»، ففهم «تختخ» أنه شم رائحة الدوبرمان، وما إن أصبح قريبًا من الفيلَّا حتى ظهر حارس الدوبرمان ومعه الكلب. كان ضوء النهار لا يزال يكشف الأشياء، ركَّز «تختخ» نظره على الحارس وهو يستعيد كلمات «مصطفى أبو حطب»: شخص حاد الملامح، طويل القامة، تبدو عليه العافية.

قال «تختخ» في نفسه: إذن هو الذي اشترى السلعوة المحنَّطة من «أبو حطب» … زام الدوبرمان، ثم نبح بعنف، فردَّ عليه «زنجر» بنباح قوي جعل «تختخ» يبتسم. أخذ الحارس طريقه إلى الأرض الفضاء، فأخذ «تختخ» طريقه إلى الاتجاه الآخر.

كان يُفكِّر في أن أوصاف «مصطفى أبو حطب» تنطبق على الحارس تمامًا … استمرَّ في طريقه مبتعدًا عن الفيلَّا … لكنه فجأةً قرَّر أن يعود في اتجاه الأرض الفضاء … كان الظلام قد بدأ يُخفي تفاصيل الأشياء، وإن كان الضوء الصادر من أعمدة الإنارة يكشف جانبًا منها. عندما اقترب من الأرض رأى الحارس والكلب يجري أمامه، ويدور حوله، فجأةً وقف الدوبرمان ورفع رأسه يتشمَّم الهواء، ثم اندفع في اتجاه «تختخ» حيث كان «زنجر» خلف «تختخ» على الدرَّاجة، وفجأةً قفز «زنجر» واتجه إلى الدوبرمان، لكن الحارس أطلق إشارةً جعلت الدوبرمان يتوقَّف في نفس اللحظة.

أطلق «تختخ» صفارةً فتوقَّف «زنجر» وعاد إليه. وضع الحارس طوقًا من الجلد حول رقبة الدوبرمان وهو يمسك بسلسلة، واقترب من «تختخ» الذي ابتسم له، فقال الحارس: أراكَ كثيرًا هنا … هل تسكن قريبًا؟

تختخ: لا … ولكني أُحب المناطق الخالية، علاوةً على أنها نزهة الكلب اليومية بعيدًا عن الضوضاء والناس.

الحارس: لقد حذَّرتُك من قبلُ من ظهور السلعوة الخطيرة التي تُهدِّد من يمر في هذا المكان.

ابتسم «تختخ» وقال: لا أظن أنها تجرؤ على الظهور مرةً أخرى!

نظر الحارس إلى «تختخ» نظرةً حادة، ثم قال بصوت خشن: أنت وشأنك … لقد حذَّرتك وأنت الجاني على نفسك!

ثم ترك «تختخ» وانصرف.

همس «تختخ» وهو يبتسم: أشكرك على هذه النصيحة … وسوف نلتقي هنا مرةً أخرى.

تردَّد صوت سيارة الشرطة، فأخذ «تختخ» طريقه مبتعدًا عن المكان وهو يقول لنفسه: من الغد لن تكون هناك دورية، ولكن ستكون هناك مواجهة مع السلعوة المزيَّفة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤