الرجل الغامض

في الصباح اجتمع المغامرون الخمسة في البرجولا. كان «تختخ» قد أحضر الكاميرا الخاصة به، سألته «نوسة»: هل ستقوم بتصوير المكان؟

تختخ: نعم … حتى أُحدِّد مكان الحادث … وموقعه من المنطقة.

انطلق المغامرون على درَّاجاتهم … كان «زنجر» خلف «تختخ» الذي يقود المغامرين يمشي في مقدمة الطابور، وبعده «لوزة» ثم «نوسة» ثم «عاطف»، وفي نهاية الطابور يأتي «محب». كانوا يمشون على يمين الطريق حتى لا يتعرَّضوا لأي حادث. بعد نصف ساعة بدأَت «لوزة» تشعر بالتعب، فتباطأَت سرعتها … فَهِم ذلك «عاطف»، فنادى «تختخ» أن يتوقَّف، توقَّف «تختخ»، وعندما نظر خلفه رأى «لوزة» في المؤخرة. توقَّف المغامرون الخمسة على جانب الطريق، والتفُّوا حول «لوزة». داعبها «تختخ» قائلًا: هل أنتِ خائفة؟ ابتسمَت «لوزة» وقالت: نحن لسنا بالليل، والسلعوة لا تظهر إلا بالليل، ثم إنني مع المغامرين فكيف أخاف؟!

ابتسم المغامرون، وقدَّمَت لها «نوسة» علبة مشروب مثلَّج؛ فقد كان الصباح حارًّا، وحتى نسمات الهواء التي تمس وجوههم كانت ساخنة. بعد وقت قليل ابتسمَت «لوزة» وقالت: إنني جاهزة!

ثم قفزَت فوق درَّاجتها، فقفز المغامرون فوق درَّاجاتهم، وانطلقوا هذه المرة على مهل. بعد نصف ساعة رفع «تختخ» يده يُشير إليهم لكي يتوقَّفوا … قفز «زنجر» وهو ينظر إلى «تختخ» … فجأةً رفع «زنجر» أذنَيه وكأنه يتوقَّع شيئًا … راقبه المغامرون الخمسة، وقال «تختخ»: إننا في المكان الذي وقعَت فيه الحادثة!

كان المكان عبارةً عن قطعة أرض فضاء واسعة، تحوطها عدة فيلَّات، وخلف إحدى الفيلَّات تظهر عمارة عالية. تساءلت «نوسة»: إذا كانت الحادثة قد وقعَت هنا، فمن أين جاءت السلعوة؟!

فجأةً زأر «زنجر»، فقال «تختخ»: هناك شيء لا نراه!

نظر المغامرون حولهم لعل أعينهم ترى ذلك الشيء الذي جعل «زنجر» يحوم، فجأةً نبح «زنجر»، ثم انطلق يجري في اتجاه إحدى الفيلَّات التي كانت خلفيتها تُطل على الأرض الفضاء، وتظهر أشجارها خلف سورها العالي. تردَّد نباح «زنجر» عاليًا … وفجأةً بدأ نباح كلاب يرد عليه. قال «عاطف»: إنها كلاب الحراسة في الفيلَّا!

تختخ: لا أظن؛ فكلاب الحراسة في كل فيلَّات المعادي.

هناك شيء غير طبيعي جعل «زنجر» يقفز في محاولة لاجتياز سور حديقة الفيلَّا المواجِهة للأرض، لكن السور كان عاليًا، وكان يصطدم به في كل مرة. خشي «تختخ» أن يُصيب «زنجر» مكروه. أطلق صفارةً يفهمها «زنجر»، فتوقَّف عن القفز، نبح عدة مرات، فردَّت عليه كلاب الحراسة في الفيلَّات المجاورة للأرض. أطلق «تختخ» صفارةً أخرى، فانطلق «زنجر» في اتجاه المغامرين الخمسة، وعندما وصل إليهم وقف أمام «تختخ» ينظر إليه، قال «عاطف»: ينبغي أن نرى باب هذه الفيلَّا!

أخرج «تختخ» الكاميرا من حقيبته، وبدأ تصويرَ المكان، وعندما وصل إلى سور الفيلَّا المواجهة للأرض، توقَّف وظهرَت الدهشة على وجهه، كان المغامرون يُراقبون «تختخ»، فقال «محب»: هل هناك شيء؟

لم يردَّ «تختخ»؛ فقد تجاوز الفيلَّا إلى الفيلَّات الأخرى حتى انتهى من تصوير المكان، ثم قال: ادخلوا إلى الأرض وكأنني أقوم بتصويركم!

نفَّذ المغامرون ما طلبه منهم، وإن كانوا يُبدون دهشتهم. أخذوا أوضاعًا مختلفة، و«تختخ» يُسجِّل، وعندما انتهى قال: هيا بنا!

سألت «نوسة»: ماذا حدث؟!

تختخ: سأُخبركم عندما نبتعد!

سأل «عاطف»: لن نرى باب الفيلَّا؟ فربما اكتشفنا سبب ما فعله «زنجر»!

تختخ: ليس اليوم، ربما في وقتٍ آخر.

ركب المغامرون الخمسة درَّاجاتهم، وقفز «زنجر» خلف «تختخ»، وانطلقوا مبتعدين عن المكان، نظر «تختخ» في ساعة يده، ثم قال: الوقت لا يزال مبكِّرًا؛ فالساعة الآن الحادية عشرة والنصف، نستطيع أن نرى الشاب الذي نهَشته السلعوة.

قالت «لوزة»: وأين هو؟

تختخ: في مستشفى المعادي كما جاء في صحيفة الأهرام.

لم يكن مستشفى المعادي بعيدًا عنهم، فاتجهوا إليه، وهناك أوقفوا درَّاجاتهم خارج المستشفى، فقال «عاطف»: أعتقد أنه من الأحسن أن تذهب أنت و«محب» وسوف ننتظركما هنا حتى لا نلفت نظر أحد.

تختخ: هذه فكرة جيدة.

أخذ «تختخ» و«محب» طريقهما إلى داخل المستشفى، وفي مكتب استعلامات المستشفى سأل «تختخ» عن غرفة «إبراهيم السيد» الذي اعتدَت عليه السلعوة، فأخبرهما الموظَّف عن رقم الغرفة، اتجها إليها، ولم تكن بعيدة، عندما دخلا وجدا غرفةً متسعةً بها أكثر من مريض. وقفا يتأمَّلان المرضى وهما يرسمان ابتسامةً على وجهَيهما. اقترب «تختخ» من أقرب مريض وحيَّاه، ثم سأله عن «إبراهيم» الذي اعتدَت عليه السلعوة، فأشار إلى سريرٍ في آخر الغرفة. اتجها إليه فوجداه نائمًا. نظر «تختخ» إلى «محب» الذي همس: أعتقد ذلك؛ فما دام نائمًا فهو في حاجةٍ إلى النوم، وفي هدوءٍ انصرف «تختخ» و«محب» وغادرَا الغرفة، وعندما ظهرا في باب الخروج من المستشفى تساءلت «لوزة»: يبدو أنهما لم يجداه!

اقترب «تختخ» و«محب» من المغامرين، فأعادَت «لوزة» السؤال: ردَّ «تختخ»: وجدناه نائمًا، ففضَّلنا أن نعود إليه يومًا آخر.

انطلق المغامرون الخمسة عائدين إلى حيث مكان اجتماعهم في برجولا فيلَّا «محب»، وعندما وصلوا قال «تختخ»: نحتاج الكمبيوتر حتى نرى ما صوَّرتُه بشكل أكبر.

انتقلوا إلى غرفة «محب»، وجلس «تختخ» أمام الكمبيوتر، وأخذ شريحةً من الكاميرا، وضعها في الكمبيوتر، فبدأَت الصور تظهر بحجم أكبر. كانت الأرض الفضاء تظهر، والفيلَّات الثلاث وخلفها العمارة. أوقف «تختخ» الصور، ثم أشار إلى أعلى العمارة، كان يظهر رجل وفوق عينَيه نظارة مكبِّرة، لكن ملامحه لم تكن واضحةً لبُعد مسافة التصوير. قال «تختخ»: هل تلاحظون هذا الرجل؟

عاطف: واضح أنه يمسك نظارةً مكبِّرة، ويبدو عليه الغموض!

نوسة: هل تظن أن له علاقةً بما نبحث عنه؟!

تختخ: لا أستطيع أن أجزم بشيء، لكنه مجرَّد احتمال.

نوسة: لقد ذهبنا إلى مكان الحادث حيث ظهرَت السلعوة، وأنت تقول إنكَ تشك في شيء، الآن في ماذا تشك؟

انتظر «تختخ» لحظة، ثم قال: هل قرأتم شيئًا عن مافيا الأراضي؟

محب: ماذا تعني؟

تختخ: إنني أُفكِّر في شيء، هل توجد أراضٍ أخرى خالية في المعادي أم أن هذه الأرض التي كنا فيها هي فقط الخالية، في منطقتها على الأقل؟

نوسة: أنت تتحدَّث بالألغاز يا «تختخ»، في ماذا تُفكِّر؟

تختخ: هذه الأرض، هل لها صاحب؟

عاطف: من الضروري أن يكون لها صاحب!

تختخ: علينا أن نعرف من هو صاحبها.

لوزة: كيف تعرف؟

نوسة: لا بد أن تكون هناك جهة حكومية تقوم بتسجيل الأرض وتحديد مالكها، وإلا فكل واحد يستطيع أن يضع يده على أرض غيره.

عاطف: وما هي الجهة الحكومية؟ وكيف نصل إليها لمعرفة صاحب الأرض؟

فكَّر «تختخ» قليلًا، ثم قال: سوف أسأل والدي؛ فنحن نملك الفيلَّا والأرض التي بُني عليها، وكذلك «محب» و«عاطف».

نوسة: هل تقصد أن هذه الأرض بلا صاحب، وهناك من يُريد السطو عليها؟

تختخ: بالضبط هذا ما فكَّرتُ فيه؛ فنحن نرى أراضي خالية، لكن حولها سور … أو عليها لافتة تُحدِّد اسم صاحبها حتى لا يطمع فيها أحد.

عاطف: وما دخل السلعوة في هذه القضية؟!

تختخ: تخويف الناس … حتى لا يُفكِّر فيها أحد.

نوسة: وهل يُؤجِّر السلعوة حتى يُخيف الناس؟

ضحك المغامرون من تعليق «نوسة»، وقال «تختخ»: هذا هو اللغز، فلماذا لم تظهر السلعوة من قبل؟

عاد المغامرون الخمسة إلى البرجولا وتخلَّفَت «نوسة». ابتسمَت «لوزة» وقالت ﻟ «محب»: أين الليمون المثلَّج؛ فأنا أشعر بالعطش؟

ابتسم «محب» وقال: لعل «نوسة» تخلَّفَت لهذا السبب.

لوزة: أرجو ذلك.

قال «عاطف»: الآن يجب أن نُحدِّد خطواتنا القادمة.

وضع «تختخ» يده على بطنه وهو يقول: لم أعد أستطيع التفكير فهناك معركة في معدتي!

ضحك «محب» وقال: معركة بين عصافير بطنك؟

فجأةً ظهرَت «نوسة» وهي تحمل صينيةً عليها مجموعة من السندوتشات. لم يتمالك «تختخ» نفسه واندفع إليها وهو يقول: أتعبناك، دعيني أحمل الصينية عنك.

وخطف الصينية منها، بينما المغامرون يضحكون من تصرُّف «تختخ» في حين اختفَت «نوسة». هجم «تختخ» على السندوتشات، وأخذ يأكل في نهم وهو يقول: حتى أستطيع التفكير؛ فاللغز معقَّد.

كان «زنجر» يقعد عند قدمَي «تختخ»، نظر له وقال: «نوسة» لن تنساكَ يا صديقي العزيز.

عادَت «نوسة» وهي تحمل صينيةً أخرى عليها أكواب الليمون المثلَّج ووضعتها أمامهم، نظر لها «زنجر» وزام بهدوء … ابتسمَت «نوسة» بينما المغامرون يأكلون السندوتشات التي استحوذ «تختخ» على عددٍ منها. نبح «زنجر» فظهرَت «نوسة» تحمل طبقًا فيه قطعة لحم جيدة، ووضعَت الطبق في جانبٍ من البرجولا، فانقضَّ «زنجر» على قطعة اللحم، كان «تختخ» قد التهم ثلاثة سندوتشات، وبدأ بشرب الليمون المثلَّج، ثم ربت على بطنه، وقال ضاحكًا: الآن أستطيع أن أُفكِّر، ويبدو أنني تحدَّثتُ بالألغاز كما قالت «نوسة»؛ لأن معدتي كانت خالية.

وعندما انتهى من شرب كوب الليمون، قال للمغامرين: هيا انتهوا من الأكل؛ فأمامنا عمل كثير!

ضحك المغامرون، وقال «عاطف»: الآن ما هي خطواتنا القادمة؟

نوسة: تبعًا لما فكَّر فيه «تختخ» وهو احتمال قائم عن مافيا الأراضي، تُصبح معرفة صاحب الأرض ضرورية، فإذا كان لها صاحب، فإن فكرة «تختخ» تكون خارج الموضوع.

تختخ: هذا صحيح، مع ذلك يجب أن نعرف إذا كانت هناك أراضٍ خالية في المنطقة أم لا، ثم علينا بزيارة «إبراهيم السيد» في المستشفى؛ لنعرف إن كانت هذه أول مرة يمر فيها من هذا المكان، كذلك معرفة الرجل الذي كان يُراقبنا بالمنظار المكبِّر!

محب: إذن نُوزِّع العمل حتى لا نُضيع وقتًا.

تختخ: عليكم غدًا التجوُّل في المنطقة التي تقع فيها قطعة الأرض لنعرف إن كانت هناك أراضٍ أخرى خالية، وأنا سوف أسأل والدي عن كيف نُحدِّد صاحب الأرض وأقوم بالمُهمَّة.

تردَّدَت «لوزة» لكنها قالت: هل تعني كلمة مافيا أنها عصابة لسرقة الأراضي؟

صفَّقَت «نوسة» وقالت: برافو «لوزة»! لقد فهمتِ المعنى تمامًا.

وقف «تختخ» وهو يقول ضاحكًا: لقد حقَّقَت السندوتشات والليمون نتيجةً جيدة!

ضحك المغامرون وأخذوا طريقهم للانصراف على أن يلتقوا غدًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤