الصدفة

لم يضَع «تختخ» وقتًا؛ فعندما وصل إلى فيلته سأل عن والده، وعرف أنه في غرفة مكتبه اتجه إلى غرفة المكتب وطرق الباب، فجاء صوت والده يسمح له بالدخول، دخل وألقى التحية على والده الذي ابتسم له، وسأله: هل هناك لغز جديد؟

شرح له «تختخ» حكاية الأرض والسلعوة، فقال الوالد: لقد قرأتُ عنها، ولكن ما علاقة هذه الأرض الفضاء بالسلعوة؟ أخذ «تختخ» يشرح له وِجهة نظره، وفي النهاية قال: نُريد أن نصل إلى مالك الأرض، فعادة من يملك قطعة أرض يضع فيها لافتةً تقول من هو صاحبها، ويبني حولها سورًا حتى لا يعتدي عليها أحد، وفي الفترة الأخيرة قرأتُ عن عصابات الأراضي!

الوالد: هذا صحيح … وقد يكون مالك هذه الأرض غير موجود … فالمعروف أن المعادي من قديم قد سكن فيها عدد من الجاليات الأجنبية، واشترَوا أراضي فيها، ولكن معظمهم قد عاد إلى بلاده … وقد تكون الأرض ملكًا لأحدهم، سافر إلى بلده ولم يعد، فظلَّت قطعة الأرض مهجورة.

تختخ: إن كان ذلك صحيحًا، تكون وجهة نظري صحيحة، ولكن كيف نعرف من هو صاحب الأرض؟

الوالد: من مديرية المساحة … ورئيس المديرية كان زميلي في الجامعة … وتستطيع أن تستعين به.

ظهرَت السعادة على وجه «تختخ»، وقال في فرح: هذه صدفة جيدة … ولكن كيف أصل إليه؟

الوالد: في المساء سوف أتحدَّث إليه.

ابتسم «تختخ»: وقال دون أن يعرف السبب؟!

ضحك الوالد، ثم قال: حتى لا أفسد عليكم اللغز … ثم فتح درج مكتبه وأخرج كارتًا عليه تحية لرئيس المديرية، وأعطاه ﻟ «تختخ»، وقال: حتى لا تجد صعوبةً في مقابلته، وسوف أُخبره أننا نُريد شراء قطعة الأرض.

شكر «تختخ» والده وانصرف إلى غرفته، وبسرعةٍ طلب «محب» على تليفونه المحمول، وأخبره بالصدفة السعيدة. فجاء صوت «محب» يقول: المهم أن تكون الأرض لمالك غير موجود …

خصوصًا وأسعار الأرض مرتفعة جدًّا … وهي مساحة تُغري أي عصابة!

محب: سوف نتأكَّد من ذلك غدًا! في المساء عرف «تختخ» من والده أنه تحدَّث إلى رئيس مديرية المساحة، وأنه في انتظاره غدًا في العاشرة صباحًا. شكر «تختخ» والده. عندما دخل غرفته كان يُفكِّر: هل هي صدفة أن يظهر الرجل بمنظاره المكبِّر في الصورة أم أن له علاقةً بما نبحث عنه؟

جلس إلى الكمبيوتر، ووضع فيه شريحة الصور، وأخذ يتأمَّلها … ابتسم عندما ظهرَت صورة «لوزة» وهي ترفع أصبعيها بعلامة النصر … قال لنفسه: إن «لوزة» تتوقَّع حل اللغز مبكِّرًا. عاد إلى صورة الرجل الغامض، وحاول أن يُحدِّد ملامحه، لكنه لم يستطِع، قال لنفسه: سوف أستخدم العدسة الزوم التي تُقرِّب المسافة في زيارة أخرى للأرض الفضاء.

أخرج شريحة الصور، وبدأ يُمارس لعبة الشطرنج على الكمبيوتر، لكنه بعد نقلة والثانية لم يُكمل الدور؛ فقد كان مشغولًا بلغز السلعوة. أمسك بأحد ألغاز المغامرين الخمسة التي صدرَت في كتاب … كان لغز «وادي الذئاب»، وهو دائمًا يضع مجموعة الألغاز بجوار سريره … فتح أول صفحة، وبدأ يقرأ الفصل الأول، وكان بعنوان دعوة للعشاء. قرأ: «أخذ التاكسي يقترب من فندق شيراتون يحمل الأصدقاء الخمسة، وكانوا جميعًا قد تلقَّوا دعوةً من المفتش «سامي» لتناول الشاي في الفندق الكبير الفخم.»

توقَّف عن القراءة، وشرد يتذكَّر هذا اللغز والمغامرات التي قام بها المغامرون الخمسة عندما اكتشفوا اختفاء الفتاة «بونجا» الأفريقية التي جاءت لتتعلَّم في مصر، وكيف حلُّوا لغز اختفائها مع المفتش «سامي»، لكنه لم يعُد إلى القراءة مرةً أخرى. قال في نفسه: إنني مشغول بنتيجة لقاء الغد مع رئيس مديرية المساحة. وضع الكتاب مكانه، واستغرق في التفكير، لكن النوم غلبه فنام نحو منتصف الليل … هبَّ فزعًا من النوم، وتخيَّل أنه يسمع نُباح «زنجر» … ركَّز سمعه، فلم يسمع شيئًا … سأل نفسه: لماذا قمتُ فزعًا من النوم؟!

بدأَت صور تتلاحق في رأسه، فعرف أنه كان يحلم، وجاء الحلم وكأنه كابوس؛ فقد رأى صورة السلعوة التي حصل عليها من المفتش «سامي»، وقد تجسَّدَت، وتحرَّكَت السلعوة، وقفزَت من الصورة وهاجمَته، وأنه كان يُقاومها بشدة … لكنها أنشبَت أنيابها في ذراعه. تحسَّس «تختخ» ذراعه فلم يكن هناك شيء … هزَّ رأسه وقال في نفسه: إنني مشغول بلغز السلعوة حتى إنها تجسَّدَت في نومي!

أغمض عينَيه وحاول أن ينام … ظلَّ يُعيد في ذاكرته ما قرأه عن السلعوة، وما دار بينه وبين المفتش «سامي» … وزيارة المغامرين الخمسة لموقع الحادث … وزيارته هو و«محب» للمستشفى … وكيف وجدا الشاب مستغرقًا في النوم. تثاءب «تختخ»، ثم غرق في النوم.

استيقظ «تختخ» وهو يشعر بالإجهاد … والرغبة في العودة إلى النوم، لكن نباح «زنجر» جعله يقفز من سريره، ويتجه مباشرةً إلى النافذة … فتحها فرأى «زنجر» يقف وهو ينظر إليه. قال «تختخ» في نفسه: يبدو أن دادة «نجيبة» لم تُقدِّم له إفطاره. نظر في ساعته، كانت الساعة تُشير إلى الثامنة صباحًا … قال في نفسه: إنه موعدٌ مناسب كي أصل إلى مديرية المساحة. خرج من غرفته وسأل عن دادة «نجيبة»، فعرف أنها نزلت إلى السوق مبكِّرًا. أسرع بتجهيز إفطار «زنجر»، ونزل إلى الحديقة فقابله «زنجر» بالقفز حوله، وضع له الأكل في مكانه.

ثم عاد مسرعًا، تناول إفطاره … وارتدى ثيابه.

وأخذ طريقه إلى الخارج، وقبل أن تدق الساعة العاشرة كان يقف أمام موظَّف الاستعلامات يسأل عن مكتب رئيس المديرية. نظر له الموظَّف في دهشة وسأله: لماذا تسأل عن مكتب رئيس المديرية؟!

تختخ: عندي موعد معه!

ازدادَت دهشة الموظَّف؛ أن يسأل صبي عن رئيس مديرية المساحة. وقبل أن ينطق أخرج «تختخ» كارت والده وقدَّمه له، قرأ الموظَّف ما في الكارت، ثم ابتسم ووقف وهو يقول: سوف أوصلك إلى المكتب … تفضَّل.

في الوقت الذي كان «تختخ» يأخذ طريقه إلى مكتب رئيس مديرية المساحة، كان المغامرون فوق درَّاجاتهم في الطريق إلى الأرض المهجورة. أخذوا يدورون في شوارع المعادي بحثًا عن أرض خالية … حتى إن «لوزة» توقَّفَت وقالت: أشعر بالتعب … فقد دوَّرنا كثيرًا في الشوارع، ولم نجد شيئًا!

اتفق المغامرون، الآن نستريح قليلًا؛ فقد كانت هناك حديقة عامة اتجهوا إليها، فألقَت «لوزة» نفسها على أحد المقاعد، في الوقت الذي ذهب فيه «عاطف» إلى كانتين الحديقة، واشترى مشروبًا مثلَّجًا للمغامرين. قالت «نوسة»: أقترح أن نفعل شيئًا من اثنَين والوقت لا يزال مبكِّرًا؛ إمَّا نذهب للأرض الخالية، ونمر من أمام باب الفيلَّا التي تقع أسفل العمارة؛ حتى نعرف سبب انفعال «زنجر»، أو نذهب إلى المستشفى.

فقال «عاطف»: أُفضِّل الذهاب للمستشفى؛ لأننا إذا ذهبنا إلى الأرض فقد يكون الرجل الغامض موجودًا ونلفت نظره إلينا.

محب: هذا صحيح. فلْنذهب للمستشفى، وهو ليس بعيدًا على كل حال.

قفزوا على درَّاجاتهم، فقالت «نوسة»: يجب أن نحمل معنا بعض الزهور لمرضى السلعوة.

هتفَت «لوزة»: فكرة جيدة!

نوسة: إذن نبحث عن محلٍّ لبيع الزهور.

سألت «لوزة»: ولماذا لا نسأل أحدًا بدلًا من البحث؟

قال «عاطف»: عادةً تكون محلَّات بيع الزهور قريبةً من المستشفى.

أخذوا طريقهم إلى مستشفى المعادي، وعندما اقتربوا منه ظهر أمامهم محل لبيع الزهور …

قالت «نوسة»: فلْيَعُدَّ كلٌّ منا ما معه من نقود.

أخرج «عاطف» و«محب» ما في جيوبهم من نقود …

وأخرجَت «نوسة» ما معها في حقيبتها الصغيرة، أمَّا «لوزة» فقد ابتسمَت وهي تقول: نقودي مع «عاطف».

أحصَوا ما معهم من نقود، وقالت «نوسة»: معي خمسة عشر جنيهًا.

وقال «محب»: معي ثلاثة وعشرون.

عاطف: معي أربعة وعشرون.

نوسة: سنحتاج إلى خمسة عشر جنيهًا على الأكثر.

أخذ «عاطف» ما تحدَّد على كلٍّ منهم، وذهب لمحل الزهور، وانتقى باقةً جميلةً من الزهور متوسِّطة الحجم، وسأل البائع عن ثمنها، وكان خمسة عشر جنيهًا، دفعها وحمل الباقة وانضمَّ إلى المغامرين الذين تحرَّكوا إلى باب المستشفى. تركوا درَّاجاتهم في ساحة المستشفى ودخلوا، وتقدَّمهم «محب» إلى غرفة المرضى، وعندما دخل كان «إبراهيم السيد» يجلس في سريره. اتجهوا إليه. كانت «نوسة» تحمل باقة الزهور، فقدَّمَتها إليه … نظر لهم «إبراهيم» مبتسمًا وشكرهم، وسأل: هل تعرفونني؟!

ابتسم «محب» وقال: نعم … فقد قرأنا ما حدث لك، ونحن من جمعية أصدقاء المرضى، وقد جئنا إليك أمس، ولكنكَ كنتَ نائمًا.

شكرهم «إبراهيم» على رِقَّتهم … فسألته «نوسة»: هل هذه أول مرة تمر أمام هذه الأرض الخالية؟

إبراهيم: لا … إنني أمر يوميًّا من نفس المكان كل ليلة، وأنا عائد من عملي … ولم تكن تظهر السلعوة أبدًا … ولا أعرف من أين جاءت!

محب: هل يمكن أن تصفها لنا؟

إبراهيم: طبعًا … فقد هاجمَتني ورأيتُها جيِّدًا … وهي تُشبه كلبًا ضخمًا، لكنها ليست كلبًا … فأنا أعرف الكلاب … فهي موجودة بكثرة في المعادي. قاطعَته «نوسة» قائلة: ربما تكون ذئبًا!

إبراهيم: لا … فأنا أعرف هيئة الذئب، وقد شاهدتُه في التليفزيون كثيرًا في برنامج عالم الحيوان، وأعرف أنه لا يمشي بمفرده!

أخرجَت «نوسة» من حقيبتها صورة السلعوة التي أحضرها «تختخ» من مكتب المفتش «سامي»، وقدَّمَتها إليه. امتلأ وجه «إبراهيم» بالدهشة وقال: إنها هي السلعوة! … وهي قوية جدًّا … وسريعة!

سأله «عاطف»: كيف نهشَتك؟ هل عاكستَها مثلًا؟

إبراهيم: لا … فبينما أنا أمر أمام الأرض الخالية، ظهرَت السلعوة من الظلام … تصوَّرتُ أنها أحد كلاب الحراسة … فأسرعتُ قليلًا …

لكنها أسرعَت … انطلقتُ أجري … غير أنها كانت أسرع … وقفتُ وبحثتُ عن حجر أقذفها به، لكنها قفزَت بقوة ناحيتي، حاولتُ أن أُدافع عن نفسي وأُبعدها عني فلم أستطِع … فقد أنشبَت أظافرها وأنيابها في ظهري وذراعي، فأُغمي عليَّ ولم أُفق إلا في المستشفى!

سأل «محب»: هل خرجَت من الأرض، أم أنها جاءَت من مكان آخر؟

إبراهيم: بل من الأرض … وهي منطقة مليئة بالزبالة … فيها أكوام منها … وقد خرجَت من خلف أحد الأكوام!

نوسة: ألم تنبَح قبل أن تُهاجمك؟

إبراهيم: لا … فهي تتحرَّك في صمت … وتندفع ناحية فريستها بقوة، حتى إنني وقعتُ على الأرض لشدة اندفاعها نحوي!

ابتسم «عاطف» له وسأله عن حالته الآن، وإن كان يُريد شيئًا أو يحتاج أي شيء، فشكرهم «إبراهيم» وقال وهو يبتسم: لقد خفَّفتُم آلامي بهذه الزيارة، وأرجو أن أراكم مرةً أخرى.

ابتسمَت «نوسة» وهي تقول: سوف نزورك دائمًا حتى تخرج من المستشفى!

وودَّعه المغامرون وانصرفوا، ركبوا درَّاجاتهم، وأخذوا طريقهم عائدين إلى البرجولا، وعندما وصلوا قال «محب»: هل نتصل ﺑ «تختخ»؛ فلن يقضي هناك كل هذا الوقت؟!

عاطف: لو كان قد توصَّل إلى شيء فإنه سوف يتصل.

فجأةً رنَّ تليفون «محب»، فهتفَت «لوزة» بفرح: لا بد أنه «تختخ» فهذه رنَّته!

رفع «محب» التليفون إلى أذنه، فجاء صوت «تختخ» يقول: أين أنتم الآن؟

أجابه «محب»: في البرجولا.

تختخ: هل قمتم بمهمَّتكم؟

محب: أكثر … أين أنت؟

تختخ: في الطريق إليكم.

محب: هل توصَّلتَ لشيء؟

تختخ: ستعرفون عندما أصل.

عاطف: نحن في انتظارك.

ثم ضحك وقال ﻟ «تختخ»: هل تُجهِّز لكَ «نوسة» السندوتشات؟

تردَّدَت ضحكة «تختخ» وهو يقول: يكفي الليمون المثلَّج … إلى اللقاء.

انتهَت المكالمة، فسألت «لوزة» بسرعة: هل توصلتِ إلى نتيجة؟!

نوسة: ما دام قد اتصل فهذا يعني أنه توصَّل إلى نتيجة.

عاطف: لا نجزم بشيء الآن … فالنتيجة سنعرفها عندما يصل!

ظلَّ المغامرون يتوقَّعون النتيجة التي وصل إليها «تختخ»، وقالت «نوسة» في النهاية: إذا ظهر مالك للأرض؛ فسوف ينهار اللغز من أساسه!

فجأةً تردَّد نباح، فقالت «لوزة»: إنه صوت «زنجر»، يبدو أنه مرَّ على الفيلَّا!

ولم تمضِ دقيقة حتى ظهر «تختخ» وعلى وجهه علامات الحزن، تجمَّدَت ملامح المغامرين فقد شعروا بالصدمة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤