المغامرون أمام السلعوة

ألقى «تختخ» نفسه على أحد المقاعد، بينما المغامرون ينظرون لبعضهم، ثم إلى «تختخ»، في حين وقع «زنجر» عند قدمَي «تختخ». مرَّت دقائق بدَت ثقيلةً على المغامرين، ولم تستطِع «لوزة» الانتظار … فسألت: هل ظهر مالك للأرض؟!

تنهَّد «تختخ»، ثم قال: طبعًا لا بد أن يكون لها مالك!

نوسة: هل حصلتَ على اسمه؟

تنهَّد «تختخ» مرةً أخرى وقال بأسًى: نعم!

قال «عاطف»: هذا يعني أن احتمال وجود عصابة تُريد أن تستولي على الأرض … احتمال غير صحيح.

انتظر «تختخ» لحظة، ثم قال: أشعر بالعطش الشديد … أين الليمون المثلَّج يا «نوسة»؟

قامَت «نوسة» في غير رغبة وانصرفَت، فسأل تختخ: هل بحثتُم عن أراضٍ خالية؟

محب: لم نجِد، لكننا قُمنا بزيارة مريض السلعوة.

اهتمَّ «تختخ» وسأل: هل أضاف جديدًا؟

محب: لا جديد سوى أنه قال إن السلعوة خرجَت له من خلف أحد أكوام الزبالة التي تملأ الأرض!

فقال «تختخ»: هذه معلومة مُهمَّة؛ يعني هي لم تأتِ من خارج الأرض!

عادَت «نوسة» بأكواب الليمون ووضعَتها أمامهم. أمسك «تختخ» كوب الليمون وتأمَّله لحظة، ثم ابتسم وقال: أعظم شيء في الحر هو كوب الليمون المثلَّج!

ثم شربه دفعةً واحدة، ثم أطلق ضحكةً صاخبة، ابتسمَت «نوسة» وقالت: «تختخ» يُخفي شيئًا مُهمًّا!

أخرج «تختخ» ورقةً من حقيبته الصغيرة، وبسطها أمام المغامرين وهو يقول: صاحب الأرض اسمه «بافلوس ديمتريوس»!

سأل عاطف: ماذا يعني هذا؟!

تختخ: يوناني كان يعيش في مصر … وقد أخبرني والدي أن كثيرًا من الجاليات الأجنبية تعيش في المعادي من قديم … وأن معظمهم عاد إلى بلاده، وأنهم تملَّكوا فيلَّات وأراضي، لكنهم باعوها عندما هاجروا … ويبدو أن «بافلوس ديمتريوس» قد سافر إلى بلده اليونان دون أن يبيع أرضه ولم يعد، فتحوَّلت الأرض إلى مقلب زبالة، وظهر من يطمع فيها … فهي مساحة واسعة تُساوي ملايين الجنيهات؛ ومن هنا بدأ لغز السلعوة.

فقال «محب»: إذن علينا أن نعرف هذا اللص!

نوسة: المهم أن نعرف حكاية السلعوة، فهل ظهرَت بالصدفة، أم أنها حكاية مقصودة؟ ولكن كيف تكون مقصودة والسلعوة حيوان بري متوحِّش، لا يمكن استئناسه أو تربيته؟

تختخ: هذا هو السؤال، فقد تكون السلعوة ليسَت حقيقية.

ظهرَت الدهشة على وجوه المغامرين، وسأل «عاطف»: ماذا تعني؟ هل تكون سلعوةً مزيفة؟!

تختخ: احتمال قائم!

محب: كيف وقد اتضح أنها السلعوة، وأكَّد «إبراهيم» الذي نهشَته ومزَّقَت ظهره وذراعَيه أنها «السلعوة»، خصوصًا عندما عرضَت عليه «نوسة» صورتها؟!

تختخ: هذا صحيح، لكن هذا لا ينفي أن تكون سلعوةً مزيَّفة!

سألت «لوزة»: كيف تكون مزيَّفة؟!

صمت «تختخ» لحظات استغرق فيها في التفكير، ثم قال: هناك فكرة في رأسي، لكنها لم تكتمل بعد!

ثم وقف وقال: دعونا ننصرف الآن … ونلتقي غدًا … فعندي مُهمَّة لا بد أن أُنجزها في الليل.

انفضَّ الاجتماع، وركب «عاطف» و«لوزة» درَّاجتَيهما، وقفز «تختخ» فوق درَّاجته، فأسرع «زنجر» بأخذ مكانه خلفه، وانطلقوا إلى بيوتهم … في الطريق كان «تختخ» يُفكِّر: هي فكرة ممكنة أن تكون «السلعوة» مزيَّفة، ولكن كيف تكون مزيَّفة؟! إن المغامرين يستبعدون هذه الفكرة، لكني أراها ممكنة. فجأةً تردَّد صوت سيارة بشكل مُلِح، نظر «تختخ» خلفه، فرأى سيارةً قادمةً بسرعة، أخذ يمين الطريق، فجاء صوت فرملة سيارة زاعقة.

وتوقَّفَت عنده مباشرة، اكتشف «تختخ» أنه سرح وهو يُفكِّر، وكان يمشي وسط الشارع، رفع يده يعتذر لقائد السيارة وأخذ يمين الطريق.

قال في نفسه: يجب أن أُركِّز في قيادة الدرَّاجة، وأن ألزم يمين الشارع حتى لا أتسبَّب في حادثة!

عندما وصل إلى الفيلَّا اتجه إلى غرفته مباشرة، أخرج أدوات الماكياج، وغيَّر شكله، ثم ارتدى ملابس صبيٍّ متشرِّد. نظر إلى نفسه في المرآة وابتسم. قال لنفسه: أصبحتُ «رجب»، الشخصية التي ظهرتُ بها في لغز «عمارة العفاريت». إذن الشخصية يمكن أن تتغيَّر؛ فلماذا لا تكون السلعوة مزيَّفة؟!

فكَّر قليلًا، كان يُريد أن يذهب ﻟ «محب» بهذه الشخصية ليُثبت للمغامرين أن فكرته صحيحة، لكنه أجَّل ذلك إلى وقتٍ آخر، وقال في نفسه: عندي مُهمَّة في الليل. عندما غربَت الشمس وبدأ الظلام يُغطِّي الأشياء، علَّق حقيبته الصغيرة في كتفه، وأخذ طريقه إلى الخارج. ما إن وصل إلى حيث درَّاجته، حتى كان «زنجر» يقف أمامه. ربت عليه وقال له: هيا يا صديقي … إنها مغامرة، لكن لا بد منها.

ركب الدرَّاجة، فقفز «زنجر» خلفه، وأخذ طريقه إلى الأرض الخالية. فكَّر: لعل السلعوة تظهر، وأظن أنها سوف تنسحب إذا رأَت «زنجر». كان الشارع هادئًا، فتقدَّم بسرعة. قال لنفسه: فلْأمر من أمام الفيلَّا، وأمام العمارة التي ظهر فيها الرجل الغامض!

عندما وصل إلى هناك زام «زنجر»، فقال له «تختخ»: ماذا هناك يا صديقي؟

نبح «زنجر»، فتردَّد صوت كلاب الحراسة في الفيلَّات المجاورة، فكَّر «تختخ»: لماذا نبح «زنجر» ونحن نمر من أمام الفيلَّا؟

فجأةً فُتح باب حديقة الفيلَّا، وظهر كلب ضخم … قد تجاوز الفيلَّا، قفز «زنجر» من فوق الدرَّاجة واتجه ناحية الكلب، لكن «تختخ» أطلق صفارةً فهمها «زنجر»، فعاد.

كان الضوء قليلًا في المكان، تحقَّق «تختخ» من الكلب الذي كان مربوطًا في سلسلة يمسك بها رجل، قال «تختخ» في نفسه: الكلب يُشبه الدوبرمان، يبدو أنه في نزهته الليلية.

قفز فوق درَّاجته، لكن «زنجر» ظلَّ واقفًا رافعًا أذنَيه، أشار له «تختخ» فقفز خلفه، وانطلق «تختخ» إلى الأرض الخالية في نهاية سور الفيلَّا المجاورة للأرض، وجد سيارة الشرطة واقفة، عرف أنها الدورية الراكبة التي أخبره عنها المفتش «سامي»، ورأى بجوار السيارة أحد رجال الشرطة يمسك بكلب ضخم. فجأةً نزل من السيارة ضابط شرطة، لفت نظر «تختخ» أن «زنجر» لم ينبح عندما رأى الكلب بجوار سيارة الشرطة. جاء صوت الضابط يستدعيه، اتجه إليه «تختخ»، وعندما وصل إليه سأله الضابط: إلى أين في هذا الوقت والدنيا ليل؟!

تختخ: إلى بيتي.

الضابط: هل هذا طريقك الوحيد إلى البيت؟

تختخ: لا … ولكنني قرأتُ عن حادثة السلعوة. اندهش الضابط وابتسم، ثم قال: وهل جئتَ لترى السلعوة؟!

ابتسم «تختخ» وقال: أتمنَّى أن أراها رأي العين.

الضابط: يبدو أنكَ مُتهوِّر!

ابتسم «تختخ» وقال: قليلًا.

الضابط: هل تعرف أنها حيوان متوحِّش؟

تختخ: أعرف … ولكنه حب الاستطلاع.

ضحك الضابط وقال: إذا كنتَ تُريد أن تراها، فاذهب إلى المتحف!

فكَّر «تختخ» بسرعة وسأل: أي متحف؟

الضابط: متحف وزارة الزراعة في الدقي، إنه يضم كل الحيوانات، ولكن محنطة، وبذلك تكون قد رأيتَها دون أن تُعرِّض نفسك للأذى.

تختخ: أشكرك على هذا الاقتراح … وهو اقتراح جدير بالتنفيذ.

الضابط: هل أُرسل معكَ من يوصلك؟

ابتسم «تختخ» وقال: كما ترى … معي حارس. حيَّا «تختخ» الضابط وقفز فوق درَّاجته، فقفز «زنجر» خلفه … فكَّر: إنه اقتراح جيِّد … أن أذهب لمتحف وزارة الزراعة، وأرى السلعوة على الطبيعة!

عندما دخل إلى غرفته، تحدَّث إلى «محب» وعرض عليه فكرة الذهاب إلى متحف وزارة الزراعة لمشاهدة السلعوة على الطبيعة. جاء صوت يقول: وماذا نستفيد من ذلك؟

تختخ: إننا لم نرَ السلعوة في الحقيقة … هي مجرَّد صور رأيناها، وتبعًا لفكرتي عن إمكانية ظهور سلعوة مزيفة؛ فسوف يُفيدنا ذلك كثيرًا.

محب: لا بأس … وماذا تقترح؟

تختخ: أن نقوم برحلة إلى المتحف غدًا … وسوف أتصل ﺑ «عاطف»، على أن نلتقي في البرجولا صباحًا.

عندما انتهَت المكالمة، اتصل «تختخ» ﺑ «عاطف» الذي رحَّب بالفكرة. وهكذا في الصباح اجتمع المغامرون الخمسة في البرجولا حيث يجتمعون دائمًا. تركوا درَّاجاتهم في حديقة فيلَّا «محب»، واستقلُّوا المترو إلى ميدان التحرير.

ثم ركبوا تاكسيًا إلى الدقي، وفي التاكسي قال «تختخ» للسائق: نُريد الذهاب إلى وزارة الزراعة.

ابتسم السائق وقال: لعلكم تُريدون الذهاب إلى المتحف؟

أسرعَت «لوزة» تقول: تمام … هل تعرفه؟

من جديد … ابتسم السائق وقال: طبعًا أعرفه!

ولم تكن المسافة بعيدة؛ فبعد قليل وقف التاكسي عند مبنًى كبير قديم، وقال السائق: هذه هي وزارة الزراعة، وهناك سوف يدلونكم على مكان المتحف.

شكره المغامرون الخمسة، وأخذوا طريقهم إلى المبنى القديم. قالت «لوزة»: رحلة ممتعة … فلأول مرة سوف أُشاهد الحيوانات المتوحِّشة على الطبيعة، وأعرف أن لدَينا متاحف كثيرة، لكننا لم نقُم بزيارتها.

عند باب الوزارة سألوا الحارث عن مكان المتحف، فأشار إلى مبنى آخر قديم … اتجهوا إليه، وبعد دقائق كانوا داخل المتحف … وقفَت «لوزة»: هل تصطادون هذه الحيوانات ثم تقومون بتحنيطها؟!

ابتسم المرشد وقال: هذه حيوانات محنَّطة من قديم … بعض هواة الصيد يصطادونها … ثم يتبرَّعون بها للمتحف … ونحن نقوم بتحنيطها … وبعضها يأتي من حديقة الحيوان … عندما يَنفق حيوان نادر، نحصل عليه ونقوم بتحنيطه.

قال «تختخ»: نُريد أن نرى السلعوة.

أخذهم المرشد إلى حيث قسم فصيلة الكلاب، كان المغامرون سعداء بما يُشاهدونه، ويجمعون المعلومات التي كانت موجودةً على لافتات صغيرة مثبتة بجوار كل حيوان … نوعه، وموطنه الأصلي، فجأةً صاحت «لوزة»: هذه هي السلعوة، إنها تمامًا مثل التي رأيناها في الصورة!

وقفوا أمام السلعوة المحنَّطة يتأمَّلونها، وسأل «تختخ»: هل هي دائمًا سوداء اللون؟

أجابه المرشد: نعم … دائمًا سوداء اللون.

سألت «نوسة»: هل يمكن شراء حيوان محنَّط؟

اهتمَّ «تختخ» لسؤال «نوسة» الذكي، والذي كان يُفكِّر فيه فعلًا؛ فهو يتناسَب مع فكرته عن السلعوة المزيفة، ابتسم المرشد وقال متسائلًا: أي نوع من الحيوانات؟!

نوسة: السلعوة … مثلًا!

المرشد: المتحف لا يبيع الحيوانات، إنها فقط للعرض. لكنه عاد وسأل نوسه: ولماذا السلعوة بالذات؟

ابتسمَت «لوزة» وقالت: نحن من هواة جمع الحيوانات النادرة!

المرشد: يمكن أن تبحثوا عن الحيوانات المحنَّطة عند من يبيعون طيور الزينة؛ فبعضهم يبيع هذه الحيوانات … وهناك سوق الجمعة …

قاطعته «لوزة» متسائلة: هل يعني أنها تُقام يوم الجمعة؟!

ابتسم المرشد وقال: بالضبط … السوق موجودة في منطقة تُسمَّى السيدة «عائشة»، وفيها يمكن أن تجدوا الحيوانات المحنَّطة … فهي سوق مخصَّصة لكل أنواع طيور الزينة والحيوانات الحية والمحنَّطة.

كان «تختخ» يُتابع كلام المرشد باهتمام؛ فقد كانت إجابات المرشد تتفق مع الفكرة التي فكَّر فيها … من أن السلعوة التي نهشَت «إبراهيم السيد» ليسَت حقيقية … ولكنها مزيَّفة.

قضى المغامرون الخمسة وقتًا داخل المتحف … يتنقَّلون بين أقسامه المختلفة … فقد كان متحفًا مثيرًا، وفي النهاية شكروا المرشد.

وانصرفوا … عندما أصبحوا خارج المتحف … سألت «لوزة»: ذكر المرشد كلمة نفق … ما معناها؟!

تنهَّد «عاطف» وقال: أنتِ دائمة السؤال يا «لوزة» … نفق يعني مات، وهي لا تُستعمل إلا مع العجماوات!

تجمَّدت ملامح المغامرين، ثم انفجروا في الضحك، وقال «عاطف»: لقد وقعَت «لوزة» في لغز … فسوف تسأل ما معنى عجماوات. ثم نظر إلى «لوزة» وقال: عجماوات يعني التي لا تنطق، يعني الحيوانات والطيور والأسماك مثلًا.

نظرَت «نوسة» إلى «تختخ» وسألته: الآن … وقد رأينا السلعوة على الطبيعة، هل أضافَت لكَ جديدًا؟

فكَّر «تختخ» قليلًا، ثم قال: نعم … لقد اقتربنا من حل اللغز!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤