ظهور الرجل الغامض

عاد المغامرون الخمسة إلى فيلَّا «محب» حيث البرجولا التي يعقدون فيها اجتماعاتهم. وما إن جلسوا حتى ابتسمَت «نوسة» وقالت: أظن جاء وقت الليمون المثلَّج.

هتف «تختخ»: إنه يُنعش ذاكرتي، خصوصًا ونحن نقترب من حل اللغز!

نوسة: إذن لا تبدأ الاجتماع قبل أن أعود!

انصرفَت «نوسة» … فبدأَت «لوزة» تتحدَّث عن سعادتها بزيارة المتحف. ثم قالت: هناك متاحف كثيرة في بلدنا … لماذا لا نضع خطةً لزيارة هذه المتاحف، إنها تُضيف لنا معلومات مفيدة؟

سأل «عاطف» بعد لحظة: لم تُحدِّثنا عن المهمَّة التي ذهبتَ إليها بالأمس، هي خاصة بلغز السلعوة أم هي مُهمَّة منزلية؟

تختخ: عندك حق … طبعًا خاصة بلغز السلعوة!

دخلت «نوسة» بأكواب الليمون المثلَّج، فهتف «تختخ» في سعادة: جئتِ في الوقت المناسب!

وقبل أن تضع «نوسة» الأكواب أمامهم قالت: سمعتُ اسم السلعوة وأنا داخلة!

عاطف: كنتُ أسأل «تختخ» عن مُهمَّة الأمس الليلية.

نوسة: فعلًا … لقد شغلَتنا زيارة المتحف.

أخذ كلٌّ منهم كوب الليمون، وبدءوا يشربونه في استمتاع، خصوصًا وقد كانت درجة الحرارة يومَها مرتفعة، ولم تكن نسمة هواء واحدة تهب … قال «تختخ» بعد أن شرب نصف الكوب: ذهبتُ أمس ومعي «زنجر» إلى أرض السلعوة!

ضحكَت «لوزة» وقالت: تعبير ظريف أرض السلعوة.

أكمل «تختخ»: لفت نظري أن «زنجر» زام ونحن نمر من أمام الفيلَّا التي أثارَته يوم أن كنا هناك … وما إن تجاوزتُ الفيلَّا بقليل حتى قفز «زنجر» من خلفي، وعندما التفتُّ رأيتُ كلبًا ضخمًا يخرج من الفيلَّا مربوطًا في سلسلة يمسك بها رجل … ناديتُ «زنجر» فعاد، لكني لم أتبيَّن الكلب جيدًا … ولم أستطِع تحديد لونه … فقد كانت الإضاءة خافتةً في المكان.

سكت «تختخ» وعاد ليشرب الليمون، فسألت «نوسة»: هي فعلًا مسألة لافتة للنظر … ولكن لماذا أثار «زنجر» هذا الكلبُ بالذات، مع أن «زنجر» لا ينبح على كلاب كثيرة تظهر أمامنا؟!

تختخ: هذا هو السؤال، لا بد أن «زنجر» يشم فيه رائحةً غير عادية.

محب: إذن لا بد أن نعود لنفس المكان، في نفس الوقت الذي رأيتَه فيه؛ لنعرف ماذا يعني هذا ﻟ «زنجر».

تختخ: هذا ما فكرتُ فيه، وسوف أُحقِّقه الليلة.

قالت «لوزة»: هل هذه كل المهمَّة؟

تختخ: لا … قابلتُ الدورية الراكبة، ودار حوار مع ضابط الدورية، وهو الذي أرشدني إلى المتحف.

قال «عاطف»: الآن … نُحدِّد ما حقَّقناه حتى نُحدِّد خطواتنا القادمة.

تختخ: هذا صحيح … أولًا: هناك احتمال أن السلعوة مزيَّفة … وهذا ما جعَلنا نقوم بزيارة المتحف … وعرفنا أن هناك حيوانات محنَّطةً تُباع في سوق الجمعة!

ثانيًا: ظهور هذا الرجل الغامض الذي ظهر في العمارة، وهو مستخدمٌ منظارًا مكبِّرًا؛ فقد يكون هو صاحب السلعوة المزيَّفة، وبالتالي لن يكون هو الذي يُريد أن يسطو على الأرض، بعد أن عرفنا أنها بلا صاحب تقريبًا، لكن هناك نقطة مُهمَّة.

سألت «لوزة» بسرعة: وما هي هذه النقطة؟

تختخ: أن السلعوة المزيَّفة لن تظهر ما دامَت الدورية موجودةً قريبًا من الأرض، وهذا يعني أننا لا بد أن ننتظر الدورية!

نوسة: قد يطول انتظارنا … فلماذا لا نتحدَّث إلى المفتش «سامي»؟

تختخ: هي فكرة على كل حال، وأمامنا الوقت؛ فاليوم الثلاثاء، يعني أمامنا يومان حتى يوم الجمعة، لنذهب إلى السوق.

فكَّر لحظة، ثم أضاف: سوف أتحدَّث إلى المفتش «سامي» وأذهب إليه؛ لأشرح له وجهة نظرنا.

سأل «محب»: هل نجتمع آخر النهار لنذهب إلى أرض السلعوة؟

ابتسم «تختخ» وقال: أُفضِّل أن أذهب وحدي حتى لا نلفت نظر أحد.

آخر النهار بدأ «تختخ» يستعد للخروج إلى أرض السلعوة، فكَّر: هل أحمل معي بخَّاخة المخدِّر؛ فقد تظهر السلعوة فجأة؟

وضع البخَّاخة في حقيبته الصغيرة، ثم أخذ طريقه للخارج، ما إن ركب درَّاجته حتى قفز «زنجر» خلفه. كان الطريق مزدحمًا، قال «تختخ» في نفسه: سوف أتأخَّر في الوصول في الموعد المناسب لخروج الكلب الضخم في نزهته الليلية.

أخذ جانب الطريق وانطلق … وعندما أصبح في الشارع الذي تقع فيه الفيلَّا تباطأ في سيره. فجأةً نبح «زنجر»؛ فعرف أن هناك شيئًا … ما إن أصبح أمام الفيلَّا حتى فُتحَت بوَّابتها الحديدية، وظهر رأس الكلب الضخم، فرآه «تختخ» جيدًا.

قفز «زنجر» من مقعده، وانطلق في اتجاه الكلب الذي كان من نوع الدوبرمان الألماني. أطلق «تختخ» صفارة، جعلت «زنجر» يعود ويقف بجوار «تختخ»، في حين ظهر رجل يمسك سلسلة الكلب الذي كشَّر عن أنيابه وزام، فزام «زنجر» وتحفَّز … ربت «تختخ» عليه، في حين ربت الرجل على الكلب الآخر واستمرَّ في طريقه. أخذ «تختخ» يتأمَّل الدوبرمان، كان بني اللون …

فكَّر «تختخ»: إن لون السلعوة أسود، وهذا الكلب لونه بني داكن … لكنه في حجم السلعوة … فهل يمكن أن يتحقَّق ما فكَّر فيه؟

قفز على درَّاجته، فقفز «زنجر» خلفه. بدأ في التحرُّك، لكن فجأةً تردَّد في خاطره سؤال: لماذا لا يسأل عن مالك الفيلَّا … وهو نفسه صاحب الدوبرمان؟

قال في نفسه: إنه سؤال مهم … في نفس الوقت أسأل عن مالك العمارة التي ظهر فيها الرجل الغامض.

توقَّف عن الحركة … وبدأ يبحث بعينَيه عن أحدٍ يسأله …

كانت هناك درَّاجة تقف أمام إحدى الفيلَّات، قال في نفسه: لا بد أن للدراجة صاحبًا.

ظلَّ يُراقب الدرَّاجة، فجأةً ظهر صبي يحمل لفةً كبيرة، ثبَّتها على المقعد الخلفي للدرَّاجة، ثم ركبها … أسرع «تختخ» إليه، لكن الصبي أسرع … فأسرع «تختخ» الذي فهم أن الصبي قد رأى «زنجر» فخاف … وفي النهاية استطاع أن يلحق به … وقال له: هل أنت خائف من الكلب؟

توقَّف الصبي وقال بصوتٍ مضطرب: ماذا تُريد؟ … ولماذا تتبعني؟!

ابتسم «تختخ» وقال: أُريد أن أسألك عن عنوان.

لي صديق يسكن في هذا الشارع، قال لي إنه يسكن في عمارة وذكر اسم صاحبها، لكني نسيتُ الاسم.

الصبي: لا توجد في الشارع سوى عمارة واحدة، والباقي فيلَّات.

تختخ: ما اسم صاحبها؟

الصبي: الأستاذ «حامد»، لكنه لا يسكن فيها … فهو يسكن في الفيلَّا المجاورة لها.

ابتسم «تختخ» وسأل: هل أنتَ كوَّاء المنطقة؟

ظهر على الصبي عدم الفهم … وقال: يعني إيه؟!

تختخ: يعني هل أنت مكوجي المنطقة؟

الصبي: أنا صبي المكوجي.

تختخ: هل أنتَ موجود هنا دائمًا؟

الصبي: طبعًا.

تختخ: هل سمعتَ عن حادثة السلعوة التي ظهرَت وعضَّت أحد المواطنين منذ أيام؟

الصبي: سمعت، لكنها لم تظهر من قبل؛ فهذه أول مرة تظهر فيها!

تختخ: ألَا تخاف أن تظهر لك؟

الصبي: إنها لا تظهر في الأرض الخالية، ولا تدخل إلى الشوارع.

شكر «تختخ» الصبي، ثم ركب درَّاجته، وعاد في اتجاه أرض السلعوة. كان يُفكِّر: هل يكون الأستاذ «حامد» هو الرجل الغامض، الذي يقف وراء السلعوة المزيَّفة؟!

عندما وصل إلى الأرض لم يجِد الدورية … كان الظلام يشمل المكان، ولم تكُن تُسمع أصوات كلاكس سيارة أتى من بعيد، قال «تختخ» في نفسه: إنه جوٌّ ملائمٌ لظهور السلعوة إن كانت حقيقية.

فجأةً لمع نور سيارة تقترب، وتردَّد صوت موتور السيارة، لكنه فجأةً توقَّف، ثم انطفأ النور. فكَّر «تختخ»: لا بد أنه أحد سُكَّان المنطقة.

نظر إلى «زنجر» الذي كانت عيناه تلمعان في الظلام، وقال في نفسه: لو ظهرَت السلعوة الآن فسوف تكون معركة بينها وبين «زنجر». فجأةً زام «زنجر»، وظلَّ يزوم، توقَّع «تختخ» ظهور شيء؛ فهو يعرف أن «زنجر» لا يزوم إلا إذا كان هناك شيء. ركَّز «تختخ» نظره على المكان حوله، وركَّز سمعه لعله يسمع شيئًا … فجأةً نبح «زنجر» وتحفَّز، ربتَ عليه «تختخ»، لكن «زنجر» لم يتوقَّف عن النباح. أخرج «تختخ» بطاريته من حقيبته، وقبل أن يُضيئها … فكَّر: هل يمكن أن تظهر السلعوة وتنقضَّ عليه فجأة؟ تحسَّس الحقيبة حيث مكان بخَّاخة المخدِّر … ثم أضاء البطارية، فوقعَت على عينَين تلمعان في الظلام … كان هناك كلب أسود يمشي في هدوء … فجأةً اندفع «زنجر» في اتجاه الكلب، الذي ما إن رأى «زنجر» متجهًا نحوه حتى انطلق مبتعدًا.

قال «تختخ» في نفسه: إنه كلب ضال … فهو أصغر من حجم السلعوة، ولو كانت هي ما هربَت. أطلق صفارة، فعاد «زنجر» يلهث، ربت عليه «تختخ»، فجأةً سقط نور سيارة عليه. فلم يتبيَّن نوعها.

اقتربَت السيارة منه حتى توقَّفَت عنده. زام «زنجر»، فربتَ عليه «تختخ» فصمت، وجاء صوت من داخل السيارة يسأل: ماذا تفعل هنا في هذا الظلام؟!

اقترب «تختخ» من مصدر الصوت، كان رجلًا أشيب الشعر وله ملامح حادة، ألقى عليه «تختخ» التحية فردَّها في هدوء، ثم أعاد سؤاله: ماذا تفعل هنا في هذا الظلام؟!

تختخ: لا شيء!

جاء صوت الرجل حادًّا: ألم تسمع عن السلعوة التي نهشَت شابًّا كان يمر في هذا المكان؟!

تختخ: في الحقيقة لم أسمع، فهل تظهر السلعوة في المعادي؟!

الرجل: لقد ظهرَت؛ فالصحراء ليسَت بعيدة … هيا يا بني ولا تعُد لهذا المكان حتى لا تتعرَّض لأذًى.

ابتسم «تختخ» وقال: أشكر حضرتك على هذه النصيحة.

قال الرجل بصوته الحاد: إنني منتظر حتى تبتعد … فمن يدري، قد تظهر السلعوة فجأة، وأنت صبي صغير.

شكره «تختخ» مرةً أخرى، وقفز على درَّاجته، فأخذ «زنجر» مكانه خلفه واتجه إلى حيث العمارة … كان يتحرَّك ببطء، في حين ظل صوت موتور السيارة يبتعد، فعرف أنه الرجل لا يزال في مكانه … تجاوز الفيلَّا والعمارة، وعند أول شارع قابله انحرف فيه، لكنه لم يستمر … توقَّف ونزل وركن الدرَّاجة بعد أن نزل «زنجر»، ومن مكان خفي كان يُراقب الشارع … فقد كان يُفكِّر: هل يكون هذا الرجل هو نفسه الأستاذ «حامد»؟ فجأةً ظهرَت السيارة في أول الشارع، ثم دخلت الفيلَّا. ابتسم «تختخ» وهو يقول: تمامًا كما توقَّعت. ثم تساءل بينه وبين نفسه: هل يكون هو نفسه الرجل الغامض؟

عاد إلى درَّاجته فركبها … وقفز «زنجر» خلفه … مرةً أخرى فكَّر: هل اختفَت الدورية الراكبة … أم أنها تمر في أماكن أخرى؟ … فإذا كانت قد انصرفَت وتركَت مكانها، فإنه لن يتحدَّث إلى المفتش «سامي»، أمَّا إذا كانت تقوم بالمرور … فلا بد من الحديث مع المفتش «سامي». ما إن ابتعد قليلًا حتى أخذ قرارًا وقام بتنفيذه، فقام بدوره بعيدًا عن الشارع ليعود إلى أرض السلعوة من جديد. وما إن وصل إلى هناك حتى كانت سيارة الشرطة تصل في نفس اللحظة. اقتربَت منه السيارة، جاء صوت الضابط يسأله: أنت مرةً أخرى؟!

ابتسم «تختخ» وقال للضابط: جئتُ لأشكر لكَ نصيحتك … فقد ذهبتُ إلى متحف وزارة الزراعة، ورأيتُ السلعوة.

هزَّ الضابط رأسه وابتسم قائلًا: من أجل أن تشكرني تُعرِّض نفسك للخطر في هذا المكان المظلم؟!

تختخ: لعلي أراها حقيقة؛ فهي فرصة نادرة أن تظهر السلعوة في وجود الشرطة.

الضابط: السلعوة لا تُهاجم إلا واحدًا بمفرده … ولو كانوا مجموعةً فهي تختفي من طريقهم. هيا يا عزيزي ولا تعُد لذلك مرةً أخرى!

قال «تختخ» وهو يبتسم: أشكرك على هذه المعلومة الجديدة. وحيَّا الضابط وانصرف. في الطريق ابتسم لنفسه وقال: هذه ليلة مشحونة، لكن نتائجها جيدة؛ فقد رأيتُ صاحب الدوبرمان، وعرفتُ أنه مالك العمارة أيضًا … في نفس الوقت عرفتُ أن السلعوة لا تُهاجم مجموعة، وإنما تُهاجم واحدًا بمفرده … وإن كنتُ أظن أنها لن تظهر؛ لأنه لا توجد سلعوة حقيقية تظهر في هذا المكان.

واستمرَّ في طريقه إلى الفيلَّا … عندما وصل كان أول شيء فعله أن بحث عن دادة «نجيبة»، وطلب منها عشاء «زنجر»، فقالت دادة «نجيبة»: إنني أُجهِّزه فعلًا.

شكرها «تختخ» وأخذ طريقه إلى غرفته، لكنه سمع صوت والده يُناديه … ذهب إليه، فسأله الوالد: ماذا اكتشفت؟

تختخ: كما أخبرتني حضرتك … ظهر أن الأرض صاحبها يوناني!

الوالد: عظيم … وماذا سيفعل المغامرون الخمسة؟

ابتسم «تختخ» وقال: إننا في طريقنا لحل لغز السلعوة.

ضحك الوالد وقال: إذن ستُعيدون الأرض إلى صاحبها؟!

تختخ: أو إلى الدولة ما دام صاحبها لم يظهر، وهناك رجل أشك في أنه وراء هذا اللغز!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤