العثور على السلعوة

في الصباح اجتمع المغامرون الخمسة، وحكى لهم «تختخ» ما حدث في جولته أمس … وكيف يشك في الأستاذ «حامد» أنه الرجل الغامض … وأنه الذي يقف خلف ظهور السلعوة المزيفة ليسطو على الأرض … وكيف قابل ضابط الشرطة … فقالت «نوسة»: إذن يجب أن نتحدَّث مع المفتش «سامي».

تختخ: أعتقد أننا يجب أن نُؤجِّل لقاء المفتش «سامي» مؤقَّتًا … فما زلنا أمام احتمالات لم تتحوَّل إلى حقائق … وأعتقد أن زيارتنا لسوق الجمعة سوف تُقرِّبنا أكثر من حل لغز السلعوة.

فكَّر لحظة، ثم أضاف: أُفكِّر في أن نقوم بزيارة أرض السلعوة مرةً أخرى، وهذه المرة سوف أستخدم العدسة الزوم التي تُقرِّب الصورة … فقد يظهر الرجل الغامض مرةً أخرى في العمارة … فإذا ظهر أنه «حامد» فنكون قد حدَّدنا هدفنا أكثر.

قالت «لوزة» بسرعة: وإذا لم يظهر؟

انتظر «تختخ» قليلًا قبل أن يُجيب عن سؤال «لوزة»، فقال «محب»: إن مجرَّد اهتمامه بوجودنا سوف يُؤكِّد شكَّنا فيه، في نفس الوقت نُريد أن نعرف هل توقَّف الناس عن المرور في هذه المنطقة؟

إن وجود الدورية سوف يُعطِّل وصولنا إلى حل اللغز!

تختخ: هذا صحيح، ولكننا لا نستطيع أن نتحرَّك قبل ذهابنا إلى سوق الجمعة أولًا.

نوسة: وحتى يأتي يوم الجمعة، لماذا لا نتحرَّك للبحث عن الحيوانات المحنَّطة التي تُباع في محلَّات عصافير الزينة؟

وقف «تختخ» وقال: حتى لا نُضيع وقتنا علينا أن نتحرَّك الآن؛ فأنا أعرف عددًا من هذه المحلَّات وسط البلد، وعليكم أن تبحثوا أنتم هنا في المعادي؛ فهناك عدة محلَّات تبيع هذه العصافير.

نظر في ساعته، ثم قال: سوف أركب المترو إلى وسط البلد … ثم نلتقي هنا في المساء.

وفي لحظة كان يقطع الطريق إلى فيلته وخلفه «زنجر»، في حين تحرَّك «محب» و«نوسة» إلى اتجاه … وتحرَّك «عاطف» إلى اتجاه آخر.

ترك «تختخ» درَّاجته في حديقة الفيلَّا … بينما كان «زنجر» يقف ناظرًا إليه … ربت «تختخ» عليه وقال له: لن أغيب يا صديقي العزيز … فدورك لم يحِن بعدُ في هذا اللغز المعقَّد. … زام «زنجر» وكأنه فهم ما قاله «تختخ»، ثم انسحب إلى حيث بيته في آخر الحديقة، فأخذ طريقه إلى محطة المترو. وقف «محب» و«نوسة» أمام محلٍّ لبيع عصافير الزينة … لكنهما لم يجدا أي نوعٍ من الحيوانات المحنَّطة … وإن كان هناك ببغاء كبير محنَّط. قالت «نوسة»: لماذا لا نسأل صاحب المحل؛ فقد تكون الحيوانات المحنَّطة في مكان بعيد عن نظرنا؟ تقدَّم «محب» ودخل المحل وخلفه «نوسة». كان رجلًا متقدِّمًا في السن يجلس إلى مكتبه في نهاية المحل، بينما أقفاص العصافير معلَّقة على الجدران تتقافز هنا وهناك، وعلى الأرض أقفاص تضم قططًا وكلابًا صغيرة. نظر لهما صاحب المحل، وابتسم وسألهما: هل تبحثان عن طائر مُعيَّن؟

محب: نبحث عن حيوان محنَّط.

قام لهما البائع وهو يقول: بعتُ ثعلبًا محنَّطًا أمس، وعندي نمس، هل تُريدان رؤيته؟

قالت «نوسة»: نحن نبحث عن كلب محنَّط!

البائع: أي نوع من الكلاب؟

نوسة: دوبرمان.

البائع: ولماذا تبحثان عن دوبرمان محنَّط؟ … لماذا لا يكون حيًّا؟!

قال «محب»: الحقيقة نحن نبحث عن سلعوة محنَّطة!

ابتسم الرجل وقال: طلب غريب … من الصعب أن تجدوا سلعوةً محنَّطة … هذه لا توجد إلا في المتاحف.

نوسة: أيعني لا نبحث عنها؟

البائع: يمكن أن تبحثا عنها في «سوق الجمعة» … فقد تجدانها.

شكَر «محب» البائع … وخرجا من المحل!

في محلٍّ آخر كان يقف «عاطف» و«لوزة» أمام عدد من الثعالب والكلاب المحنَّطة … استوقفهما كلب ضخم أبيض … قالت «لوزة»: لأول مرة أرى كلبًا بهذا الحجم أبيض اللون!

عاطف: إنه من نوع الولف، وهذا اللون نادر.

اقترب منهما بائع شاب وسألهما: هل تبحثان عن حيوان مُعيَّن؟!

عاطف: نبحث عن السلعوة.

ظهرَت الدهشة على وجه البائع الشاب، وقال وهو يبتسم: سلعوة! ولماذا السلعوة بالذات؟!

عاطف: لأنها حيوان قليل.

البائع: إذا كنتما تبحثان عن حيوان نادر؛ فهذا الولف الأبيض نادر جدًّا، ولن تجداه في محلٍّ آخر.

لوزة: ألم تكن عندكم سلعوة محنَّطة يومًا؟!

ابتسم البائع وقال: لا … لم يحدث!

فسأل «عاطف»: يعني لن نجدها في أحد المحلَّات؟

البائع: هذا طلب غريب … ومع ذلك يمكن أن تجداه في سوق الجمعة.

سكت لحظة، ثم أضاف: لكن يجب أن تتحقَّقا من السلعوة جيدًا إذا وجدتموها؛ فقد تكون مزيَّفة!

ظهرَت الدهشة على وجه «عاطف» و«لوزة»، وسأل «عاطف»: ماذا تعني بكلمة مزيَّفة؟

البائع: هناك من يقومون ببيع حيوانات مقلَّدة، تبدو وكأنها حقيقية … لكنها لا تعدو أن تكون بعض الأسلاك مكسوةً بشعر حيوانات.

كان «عاطف» و«لوزة» يسمعان البائع وهو يشرح لهما كيف تكون الحيوانات مقلَّدةً والدهشة تملأ وجهَيهما … في حين كان «عاطف» يُفكِّر فيما قاله «تختخ» من أن السلعوة التي نهشَت «إبراهيم» مزيفة، قال في نفسه: إذن «تختخ» عنده حق.

وفجأةً سأل البائعَ: كيف يكسونها بشعر حيوانات؟

البائع: قد يكون الجلد جلد حصان مثلًا … ومشدودًا على الأسلاك فيبدو أنه حقيقي … وهو طبعًا مزيَّف … وليس هو الحيوان الأصلي.

شكره «عاطف» وهو يقول له: هذه نصيحة مُهمَّة … يمكن أن نشتري سلعوةً وهي ليسَت حقيقية.

البائع: وسوف يطلب البائع ثمنًا مرتفعًا؛ لأنه يعرف أنه يبيع حيوانًا نادرًا، فيجب أن تفحص الحيوان جيدًا …

عاطف: أشكرك جدًّا على هذه النصيحة المهمة. انصرف «عاطف» و«لوزة» التي قالت في سعادة: لقد حقَّقنا معلومات مُهمَّة!

كان «تختخ» قد دار على أكثر من محل لبيع طيور الزينة، لكنه لم يعثر على أي حيوان محنَّط، قال في نفسه: يبدو أننا نبحث عن المستحيل … قرَّر أن يعود إلى المعادي … لكنه فجأةً وقف أمام محلٍّ لبيع الأثاثات القديمة النادرة؛ فقد كان المحل يعرض نمرًا محنَّطًا في واجهته … فكَّر لحظة، ثم دخل المحل، لكنه لم يجِد أحدًا، وقف يتأمَّل النمر المحنَّط.

قال في نفسه: لو أستطيع أن ألمسه!

فجأةً جاء صوت هادئ يقول: هل أعجبك النمر؟

نظر «تختخ» في اتجاه مصدر الصوت، فرأى كهلًا أنيقًا تُغطِّي وجهه ابتسامة عريضة، يتقدَّم من أقصى المحل وهو يقول: إنه نمر حقيقي، هل أعجبك؟

ابتسم «تختخ» وألقى عليه التحية، ثم قال: وهل هناك نمر مزيَّف؟

ضحك الكهل ضحكةً هادئةً وقال: طبعًا … هناك حيوانات مزيَّفة … وليسَت حقيقية.

تختخ: وكيف تكون مزيَّفة؟

الكهل: هناك جلود مطبوعة، تأخذ الشكل الحقيقي لنمر أو أسد أو زرافة أو دب، ويمكن صناعتها لتأخذ الشكل الحقيقي للحيوان.

قال «تختخ»: إنني أبحث عن السلعوة.

الكهل: أنت تبحث عن شيء غريب، وأظنه ليس موجودًا. سأل «تختخ» في دهشة: تقصد أن السلعوة ليسَت حيوانًا حقيقيًّا؟!

ابتسم الكهل وقال: لا … السلعوة حيوان حقيقي … وهي موجودة في الواقع، وقد قرأتُ عن اعتداءاتها على الناس، وآخرها السلعوة التي ظهرَت في المعادي.

قال «تختخ» وهو يبتسم: أعتذر لأنني أُضيع وقت حضرتك.

الكهل: أنا سعيد باهتمامك بالحيوانات، خصوصًا الغريب منها.

تختخ: اسمح لي أن أسأل حضرتك.

ابتسم الكهل وقال وهو يتحرَّك إلى مكتب قريب منه: تعالَ اجلس، لقد أثارني هذا الاهتمام.

جلس الكهل وراء المكتب، وأشار إلى «تختخ» أن يجلس، ثم قال: عمَّ كنتَ تُريد أن تسأل؟

جلس «تختخ» وسأل: هل يمكن أن تظهر السلعوة في مكان مثل المعادي وهو مكان آهل بالسكان؟

ضحك الكهل من أعماقه، ثم سأل «تختخ»: هذا سؤال يكشف عن ذكاء … وفي نفس الوقت يكشف عن أنكَ تبحث عن شيء؛ فلماذا السؤال؟

قال «تختخ»: الحقيقة أن ظهور السلعوة في المعادي لفت نظري؛ فأنا أسكن في المعادي، ولم أسمع أو أقرأ عن ظهورها من قبل!

ظهرَت الدهشة على وجه الكهل وقال: أنا أيضًا أسكن في المعادي من قديم، لكن ظهور السلعوة لم يلفت نظري؛ فقد اعتبرته شيئًا عاديًّا؛ فقد ظهرَت في أماكن مختلفة، وملاحظتك تدل على ذكاء مبكر، وأنت ما زلتَ صغير السن!

صمت الكهل قليلًا، ثم قال: لكن ما جدوى بحثك عنها؟

ابتسم «تختخ» وقال: مجرَّد البحث عن الحقيقة.

الكهل: إنني معجب بتفكيرك تمامًا … ما اسمك يا بني؟

تختخ: «توفيق».

نظر له الكهل قليلًا، ثم قال: لإعجابي بك … سأسأل لكَ في محلَّات أخرى.

رفع الكهل سمَّاعة التليفون، وطلب رقمًا، انتظر قليلًا، ثم قال: أهلًا يا «منعم»، حتى لا أُطيل عليك، عندك حيوانات محنَّطة. استمعَ قليلًا، ثم قال في التليفون: هل من بينها سلعوة؟

سمع «تختخ» صوت الطرف يضحك، ثم يقول: كفانا الله شرَّها … لكن لماذا تسأل؟

الكهل: عندي زبون يبحث عنها.

منعم: «مصطفى أبو حطب» كانت عنده واحدة لا أعرف إن كان قد باعها أم لا … سوف أسأله وأرد عليك.

كان «تختخ» يُتابع الحديث باهتمام، وقال الكهل في التليفون: أشكرك … سوف أتحدَّث إليه، تحياتي.

وضع الكهل السمَّاعة، ثم نظر إلى «تختخ» وقال: سوف أجد السلعوة يا عزيزي «توفيق».

ثم رفع السمَّاعة مرةً أخرى، وطلب رقمًا، ثم قال: أين «مصطفى» بيه يا ابني؟

استمع قليلًا، ثم سأل: داخل مصر أم في الخارج؟

استمع مرةً أخرى، ثم سأل: ومتى سيعود؟

سمع الإجابة، ثم سأل: كانت عندكم سلعوة، هل لا تزال موجودة؟

ظهر على وجهه الأسف، وهمس: بيعت من شهر، شكرًا يا بني.

وضع السمَّاعة وقال ﻟ «تختخ»: كما سمعت … اشتراها أحدهم من شهر.

سأل «تختخ» بسرعة: هل يعرف اسم من اشتراها؟

دُهش الكهل وقال: اهتمامك يدل على أنكَ تُخفي شيئًا مُهمًّا … هل أستطيع معرفة هذا الشيء؟

ابتسم «تختخ» وقال: آسف … أعتذر، ولكن سوف أُخبر حضرتك عندما يتحقَّق ما أبحث عنه.

الكهل: هل هو مهم لهذه الدرجة؟

قال «تختخ» وهو يبتسم: وإلا ما كان اهتمامي بالبحث عن السلعوة.

ضحك الكهل وقال: أنت تُثير اهتمامي وفضولي … وما دامَت هذه المسألة مهمة؛ فسوف أُساعدك في الحصول على اسم الذي اشترى السلعوة.

ثم مدَّ يده بكارت قدَّمه ﻟ «تختخ» وهو يقول: هذه تليفوناتي … وكن على اتصال بي.

أخذ «تختخ» الكارت، ثم وقف وهو يقول: إنني سعيد تمامًا أن قابلتُ حضرتك!

الكهل: وأنا سعيد بلقائك … إنك تُذكَّرني بالمغامرين الخمسة الذين يتحدَّث عنهم أحفادي، ويقرءون مغامراتهم.

ابتسم «تختخ» وشكره وانصرف، كان أول سؤال تردَّد في خاطره هو: هل يمكن أن يكون الأستاذ «حامد» هو من اشترى السلعوة؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤