سلعوة ﺑ «الريموت كونترول»

قرأ «تختخ» الكارت الذي أعطاه له الكهل، وعرف اسمه: «جلال عبد الحق». وضع الكارت في حقيبته، وأخذ طريقه إلى محطة المترو … فجأةً رنَّ تليفونه المحمول، فعرف أن «عاطف» هو الذي يطلبه، وجاء صوت «عاطف» يقول: هل توصَّلتَ لشيء؟

ردَّ «تختخ»: ربما … وأنتَ هل وجدتَ شيئًا أنت و«لوزة»؟

عاطف: لم نجِد … لكننا حصلنا على معلومات تُؤكِّد وجهة نظرك في أن السلعوة يمكن أن تكون مزيَّفة.

ابتسم «تختخ» وقال: عظيم! … وماذا عن «محب» و«نوسة»؟

عاطف: لم أتصل بهما، وسوف نعرف في اجتماع المساء.

تختخ: إلى اللقاء إذن.

مشى «تختخ» يُشاهد فتارين المعروضات من ملابس وأحذية. لفت نظره محل لبيع المصوغات الجلدية … وقف يتأمَّل المعروضات … كانت هناك أحذية من جلد الثعبان … وحقائب أيضًا … وفي فاترينة المحل رأى ثعبانًا ضخمًا محنَّطًا يلتف على غصن شجرة جاف … ورأى جلد ثعلب مبسوطًا على أرضية الفاترينة … قال في نفسه: إذن يمكن أن تكون السلعوة مزيَّفةً وليسَت حقيقة، وأن ما أُفكِّر فيه صحيح!

فكَّر لحظة، ثم أخذ طريقه إلى محطة المترو، وعندما وصل إلى المعادي … أخذ طريقه إلى الفيلَّا، وما إن اقترب منها حتى جاءه نباح «زنجر»، ابتسم ودخل حديقة الفيلَّا، فشبَّ «زنجر» عليه، احتضنه «تختخ» وقال له: لقد اقتربنا يا صديقي … وأعرف أنكَ ستكون بطل هذا اللغز.

في المساء انطلق بدرَّاجته وخلفه «زنجر» حيث كان المغامرون في البرجولا قد سبقوه إليها، وعندما دخل يسبقه كلبه العزيز صاحَت «لوزة»: برافو «تختخ»، لقد تأكَّدَت وجهة نظرك!

جلس «تختخ» وسأل: كيف تأكَّدتُم من صحة وجهة نظري؟

قال «عاطف»: في محل بيع عصافير الزينة قابلنا بائعًا شابًّا، أخبرَنا أننا يمكن أن نجد السلعوة محنَّطةً في سوق الجمعة … لكنه قال إنها يمكن أن تكون مزيَّفة؛ ولذلك يجب التأكُّد منها جيدًا؛ فهناك من يغشون الحيوانات المحنَّطة النادرة … ويبيعونها بأثمان مرتفعة على أنها حقيقية.

تختخ: كيف يغشُّونها؟

عاطف: يُحضرون جلد حصان مثلًا … ويشدُّونه على أسلاك، ويحشونه بالقش في شكل كلب أو سلعوة؛ فيبدو كالحقيقي.

قالت «نوسة»: معلومة مُهمَّة حتى لا ننخدع.

محب: في نفس الوقت يمكن أن تتحقَّق فكرة «تختخ» بظهور السلعوة المزيفة!

عاطف: وأنت ماذا وجدت، سلعوةً حقيقية؟

اندهش المغامرون، وسألت «لوزة» بسرعة: وجدتَها! أين؟

حكى له «تختخ» لقاءه بالكهل، وقبل أن تسأل «لوزة» عن معنى كلمة كهل، قال «تختخ» وهو يبتسم: كهل يا «لوزة» يعني عجوز جدًّا.

ابتسمت «لوزة» وقالت: أعرف؛ فقد قرأتُ عن بابا نويل الذي يظهر للأطفال في رأس السنة فهو كهل.

تختخ: تمامًا.

ثم أكمل حكايته عن الحديث الذي دار معه، وعرف أن اسمه «جلال عبد الحق»، وأنه يبيع الأشياء القديمة مثل التحف الغالية، وكيف أنه رأى عنده نمرًا حقيقيًّا محنَّطًا، وكيف اهتمَّ الرجل ﺑ «تختخ»، وعرف أن أحد التجار الذين يبيعون التحف مثله، كانت عنده سلعوة حقيقية محنَّطة، لكنه باعها منذ شهر، لكن التاجر واسمه «مصطفى أبو حطب» سافر للخارج.

وقال «تختخ»: طلبتُ أن أعرف اسم الرجل الذي اشترى السلعوة المحنَّطة، وأعطاني الأستاذ «جلال» كارتًا به رقم تليفونه لأكون على اتصال به.

سألت «نوسة»: هل تتوقَّع أن يكون «حامد» هو الذي اشترى السلعوة؟

ابتسم «تختخ» وقال: هذا ما أتمنَّاه؛ فهو يكشف لنا اللغز كاملًا.

قال «عاطف»: يبقى أن نذهب إلى سوق الجمعة.

صباحَ الجمعة اجتمع المغامرون الخمسة في البرجولا، ولم يصحب «تختخ» كلبه العزيز، واتفقوا أن ينقسموا إلى ثلاث مجموعات عندما يصلون إلى السوق؛ مجموعة «عاطف» و«لوزة»، ومجموعة تضم «محب» و«نوسة»، ويبقى «تختخ» وحده. وهكذا انطلقوا إلى حي السيدة «عائشة» حيث ينعقد سوق الجمعة، وعندما وصلوا إلى هناك تفرَّقَت كل مجموعة إلى اتجاه. كان السوق مزدحمًا، وقف «تختخ» يتأمَّل الزحام، كان هناك كل شيء … طيور محنَّطة، عصافير زينة، وببغاوات، وقطط، وكلاب … وحتى الثعابين كانت معروضةً للبيع، وقرد للبيع … وفي جانب آخر نباتات زينة …

قال «تختخ» في نفسه: لا يوجد أي نوع من الكلاب المحنَّطة. ثم اندسَّ بين الزحام، فلمح «محب» و«نوسة» يقفان مع أحد الباعة وسأل البائع: هل تبحث عن شيء مُعيَّن؟

تختخ: أبحث عن كلب محنَّط.

ابتسم البائع وقال: ولماذا محنَّط؟ … عندي كلب ولف وعمره أسبوعان، سوف يُعجبك جدًّا!

تختخ: لا أبحث عن كلب حي … أُريده محنَّطًا.

فكَّر البائع لحظة، ثم سأل «تختخ»: هل تُريد نوعًا مُعيَّنًا من الكلاب؟

تختخ: لا … فقط أن يكون كبير الحجم.

البائع: هل لديك تليفون محمول؟

اندهش «تختخ» للسؤال، وسأل البائع: لماذا؟

البائع: لأتصل بكَ عندما أُجهِّز لكَ ما طلبتَه.

تختخ: ماذا تقصد بتجهيز ما طلبتُه؟

البائع: سوف أبحث لكَ عن كلب محنَّط، وأُخبرك.

فكَّر «تختخ» بسرعة، ثم قال للبائع: أعطني رقم تليفون أُحدِّثك فيه، وسوف أكون على اتصال بك.

ابتسم البائع وقال: لا بأس، ابحث عن ورقة وقلم لأكتب لكَ الرقم.

فقال تختخ: سوف أُسجِّله على تليفوني المحمول.

وأخرج التليفون من حقيبته الصغيرة، وسجَّل تليفون البائع، ثم ابتسم له، وسأله: هل أتعرَّف بك؟

ضحك البائع وقال: اكتب أمام الرقم بائع الكلب.

فجأةً جاء صوت يصرخ: هل تضحك معي؟! تبيع لي عدة أسلاك على أنها ثعلب حقيقي، وهو ثعلب مزيَّف! لفتَت الكلمات نظر «تختخ» فقال للبائع: سوف أكون على اتصال بك.

ثم تركه واتجه نحو مصدر الصراخ، فوجد المغامرين قد تجمَّعوا هناك، ودار حوار بين رجلَين:

الشاب الأول : هذا ثعلب حقيقي … ألَا ترى فروته؟!
الشاب الثاني : تقول إنه حقيقي! … سوف ترى إن كان حقيقيًّا أم لا! ثم نزع فروة الثعلب فظهرَت عدة أسلاك وداخلها قش، وصرخ في الشاب الأول.
الثاني : هل هذا حقيقي؟! … تبيعني ثعلبًا مزيَّفًا، وتدَّعي أنه حقيقي!
الأول : إن كان لا يُعجبك أُعيده كما كان، وخذ نقودك!

شدَّ الثاني الفروة على الأسلاك، فبدا الثعلب وكأنه حقيقي. نظر المغامرون الخمسة إلى بعضهم، بينما كان الأول يُعيد النقود للثاني الذي أخذها وانصرف. تقدَّم «تختخ» من بائع الثعلب المزيَّف وعرض أن يشتريه، فقال البائع: إنه غالي الثمن، وأنت لا تقدر عليه.

ابتسم «تختخ» وقال: كان غاليًا لأنكَ بعته على أنه ثعلب حقيقي، لكنه في الحقيقة مجرَّد بعض الأسلاك، يعني هو ثعلب مزيَّف!

البائع: كم ستدفع؟

تختخ: عشرين جنيهًا.

رسم البائع الدهشة على وجهه وقال: هذا تكلَّف مائةً وخمسين جنيهًا، يعني لن أربح فيه!

كان المغامرون يُتابعون الحوار الدائر بين «تختخ» والبائع، همسَت «لوزة» ﻟ «نوسة»: لماذا يشتريه؟ نحن نبحث عن السلعوة!

ردَّت «نوسة» هامسة: سوف نعرف السبب من «تختخ». في النهاية اشترى «تختخ» الثعلب المزيَّف بثمنٍ قليل من البائع الذي تقاضى الثمن واختفى، لكن المغامرين لم يُغادروا السوق، ظلُّوا يتنقَّلون من مكانٍ إلى مكان بحثًا عن السلعوة، وإضافة معلومات جديدة قد تُفيدهم في المستقبل. وعندما انتهَوا من جولتهم في السوق، غادروه بصعوبة لشدة الزحام. بعد أن ابتعدوا عنه قليلًا، لم تستطِع «لوزة» الانتظار، فسألت «تختخ» وهو يحمل الثعلب المزيَّف: لماذا اشتريتَه ونحن نبحث عن السلعوة؟

ابتسم «تختخ» وقال: حتى أؤكِّد ما فكَّرتُ فيه.

قالت «نوسة»: إذا كنا قد وافقنا على أن السلعوة مزيَّفة، فكيف نهشَت الرجل عندما ظهرَت عند الأرض الخالية، إلا إذا كانت تعمل بطريقة إلكترونية، ويمكن تحريكها عن بعد ﺑ «ريموت كونترول»؟

ظهرَت الدهشة على وجوه المغامرين لكلام «نوسة»، لكن «تختخ» الذي أثاره التفسير ابتسم وقال: دعونا الآن من المناقشة، فلْنعد ونعقد اجتماعًا أشرح لكم فيه وجهة نظري؛ فقد بدأَت الحكاية تنكشف أمامي.

عندما وصلوا إلى البرجولا عقدوا اجتماعًا، كان «تختخ» قد وضع الثعلب المزيَّف على ترابيزة متوسِّطة البرجولا، والمغامرون الخمسة يلتفُّون حولها … قال «تختخ» وهو يمر بيده على شعر الثعلب المزيَّف: هي فكرة أن تكون السلعوة المزيَّفة تُدار ﺑ «الريموت كنترول»، لكنها فكرة صعبة التحقيق؛ فهي ليسَت لعبةً من ألعاب الجيم؛ فهناك شخص نهشَته السلعوة، وقد رآها رأي العين وعن قرب!

فسألت «نوسة»: إذن كيف تكون سلعوةً مزيفة، وتنهش وكأنها «سلعوة» حقيقية؟! مدَّ «تختخ» يده ونزع فروة الثعلب المزيَّف، ثم قال: هكذا!

قال «محب»: هل تعني أن هناك كلبًا تخفَّى في شكل سلعوة؟ ولكن كيف؟! إن هذه فكرة غريبة.

ابتسم «تختخ» وقال: ليسَت غريبةً أمام سرقة الأرض التي تساوي الملايين؛ فمن أجل الملايين يمكن التفكير في أكثر الأفكار المستحيلة!

عاطف: فهمتُ ما تقصده، كلب في حجم السلعوة داخل فروة مزيَّفة، ويمكن أن يُحقِّق الهدف.

ابتسم «تختخ» وقال: تمام، لكنها يمكن أن تكون فروة سلعوة حقيقية … وهذا ما أنتظره عندما أتحدَّث مع الأستاذ «جلال» بعد أن يعود البائع «مصطفى أبو حطب» من الخارج؛ لنعرف من الذي اشترى السلعوة المحنَّطة. إن هذا يختصر لنا الطريق.

هزَّت «نوسة» رأسها وقالت: فكرة غريبة ومثيرة في نفس الوقت، وتخفي من فكَّر فيها.

قالت «لوزة»: نحن لم نعرف إن كان أحدٌ قد مرَّ أمام الأرض الخالية بعد حادثة السلعوة.

تختخ: هذا صحيح، وسوف أقوم بهذه المهمَّة الليلة.

محب: وسوف أكون معك.

في المساء التقى «تختخ» و«محب» كل واحد فوق درَّاجته، ومعهما «زنجر» خلف «تختخ» … قال «محب»: ما رأيكَ أن نمرَّ من أمام الفيلَّا … فقد نرى الدوبرمان؟

تختخ: لقد فكَّرتُ في ذلك فعلًا.

أخذا طريقهما في الشارع الذي تقع فيه الفيلَّا. كان الشارع ساكنًا تمامًا، تقدَّما ببطء وهما يمرَّان من أمام الفيلَّا، كانا يتوقَّعان ظهور الكلب الدوبرمان في نزهته الليلية، لكن الكلب لم يظهر. اتجها إلى الأرض الخالية، ولم تكن الدورية الراكبة هناك … قال «محب»: الدورية ليسَت موجودة، فهل سحبوها من المنطقة؟

تختخ: لعلها تقوم بالمرور في المنطقة، ثم تعود إلى المكان.

كان الظلام يُغطِّي المنطقة، وبدا الليل موحشًا. همس «محب»: إن الجو ملائم تمامًا لظهور السلعوة إن كانت حقيقية.

ابتسم «تختخ» وقال: أتمنَّى أن تظهر حتى نعرف الحقيقة.

فجأةً تردَّد نباح كلاب في الليل، فنبح «زنجر»، لكنه لم يتحرَّك من مكانه. أخرج «تختخ» بطاريته من الحقيبة وأضاءها، ثم أخذ يمسح المكان بضوء البطارية. كانت أصوات الكلاب تتباعد، فقال «تختخ»: لعلها بعض الكلاب الضالة.

فجأةً زام «زنجر» وتحفَّز، همس «تختخ»: هناك شيء في الظلام لا نراه!

نبح «زنجر» واندفع في الظلام تجاه الأرض الخالية، فتردَّد نباح كلب، عرف «تختخ» أنه ليس نباح «زنجر»، وأطلق صفارة، وسدَّد ضوء البطارية في اتجاه الأرض، ثم امتلأ وجهه بالدهشة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤