البحث عمَّن اشترى السلعوة

لقد كان الدوبرمان مع حارسه. كانت عيناه تلمعان في الظلام، وهو يزوم ويُريد أن ينطلق، حيث كان «زنجر» يقف متحفِّزًا هو الآخر، لكن صفارة «تختخ» جعلته يتوقَّف. أطلق «تختخ» صفارةً أخرى، فاتجه «زنجر» ناحيته، في نفس الوقت تقدَّم الحارس ناحية «تختخ» و«محب» وهو يمسك بسلسلة الدوبرمان الذي كان يجذب الحارس بقوة، وعندما أصبح قريبًا من «تختخ» سألهما الحارس: هل تخافا السير في هذا الظلام؟

ردَّ عليه «تختخ»: ولماذا نخاف؟ هل هناك ما يُخيف؟

الحارس: ألم تسمعا عن السلعوة التي تظهر في هذا المكان؟

قال «محب»: وماذا تفعل السلعوة؟

الحارس: إنها تنقَض على فريستها وتنهشها.

تختخ: الحقيقة أننا لم نسمع عنها، وإن كنا نعرف أنها حيوان شرس، يظهر في أطراف المدن، أو في الأماكن الخربة.

الحارس: هذا صحيح؛ ولهذا أنصحكما ألَّا تقتربا من هذا المكان؛ فقد تظهر لكما وتعتدي عليكما!

ابتسم «تختخ» وقال: نشكركم على هذه النصيحة، ولكن هل رأيتَ السلعوة حقا؟ أقصد هل قابلتَها؟

ضحك الحارس وقال: كيف أُقابلها يا بني؟ قلتُ لكَ إنها حيوان متوحِّش يُهاجم من يُقابله، ولو كنتُ قابلتها لمَا رأيتُماني هنا؛ فمكاني ساعتها المستشفى كما حدث للشاب الذي ظهرَت له هنا واعتدَت عليه. ابتسم «محب» وسأل: وهل السلعوة لا تخاف من الكلاب؟

رسم الحارس الدهشة على وجهه وقال: إنها لا تخشى شيئًا؛ فهي حيوان مفترس لا يتورَّع عن مهاجمة من يلقاه، حتى ولو كان قطيعًا من الكلاب؛ فهي قوية بشكل غريب، ولها أنياب حادة، وأظافر كأنها من حديد.

فكَّر «تختخ» بسرعة، ثم سأل الحارس: هل السلعوة في حجم كلب كبير، مثل الكلب الذي معك؟

الحارس: لا إنها أكبر كثيرًا، مثل حمار صغير!

ضحك «تختخ» وقال: هيا بنا … فقد تظهر السلعوة فجأة.

شكر «تختخ» الحارس وقفز على درَّاجته، فأخذ «زنجر» مكانه خلفه، وركب «محب» درَّاجته، ثم تحرَّكا وهما يُشيران إلى الحارس بالتحية، وعندما ابتعدا ضحك «محب» وقال: السلعوة في حجم حمار صغير!

ضحك «تختخ» وهو يقول: إنه يُريد أن يُخيفنا بالحديث عن السلعوة.

تساءل «محب»: هل وجود الحارس والدوبرمان في هذا الوقت مقصود، أم أنها كانت مصادفة؟

تختخ: أظن أنها مقصودة، خصوصًا وأنني قابلتُ «حامد» صاحب الفيلَّا في نفس المكان، ويبدو أن تردُّدنا على الأرض الخالية لفت نظره.

محب: هذا في صالحنا؛ لأنه سوف يُضطر إلى إطلاق السلعوة المزيَّفة ليُخيفنا، ووجود الدورية الراكبة هو الذي يمنعه.

تختخ: هذا صحيح.

فجأةً تردَّد صوت سيارة الشرطة ودوي الليل الهادئ، فقال «تختخ»: يجب أن نُقابل الدورية حتى نعرف إن كان أحدٌ يمر أمام الأرض الخالية أم لا.

ظلَّا يتجوَّلان في شوارع المعادي حتى ينصرف الحارس والدوبرمان، ثم أخذا طريقهما مرةً أخرى على الأرض الخالية، فوجدا سيارة الشرطة … ما إن رأى الضابطُ «تختخ» حتى ابتسم وقال: أنت صبي غريب! لقد حذَّرتُك من الظهور في هذا المكان، ومع ذلك تعود للمرة الثالثة، وتصحب معكَ صديقًا لك! هل تظن أن السلعوة سوف تخاف منكما؟

ابتسم «تختخ» وقال: جئتُ أسألك سؤالًا واحدًا.

الضابط: وما هو هذا السؤال؟!

تختخ: هل هناك من يمر في هذا المكان منذ اعتدَت السلعوة على الشاب الراقد في المستشفى؟

اندهش الضابط وسأل «تختخ»: ولماذا تسأل هذا السؤال؟!

تختخ: فقط أُريد أن أتأكَّد إن كان ظهور السلعوة قد أخاف الناس، ولم يعُد أحدٌ يمر من هذا المكان.

مرةً أخرى ظهرَت الدهشة على وجه الضابط، وسأل «تختخ»: ولماذا تريد أن تتأكَّد؟!

ابتسم «تختخ» وقال: حتى لا أعود مرةً أخرى.

تأمَّل الضابط «تختخ» قليلًا، ثم قال: أنت صبي غريب فعلًا … ومع ذلك منذ جئنا إلى هنا لم يمرَّ أحد؛ فالكل خائف من ظهور السلعوة من جديد، ولا أحد يُريد أن يُعرِّض نفسه للخطر.

تختخ: أشكرك، لقد حقَّقَت السلعوة هدفها.

نظر الضابط إلى «محب»، وقال في نبرة ساخرة: وأنت ألَا تريد أن تسأل عن شيء؟

قال «محب» وهو يبتسم: فعلًا أُريد أن أسأل سؤالًا!

اندهش الضابط وقال: وما هو سؤالك؟ هل عن السلعوة أيضًا؟!

محب: لا … ولكن هل ستبقون هنا طويلًا؟

ملأَت الدهشة وجه الضابط، وقال: ولماذا تسأل؟!

محب: لأننا عادةً نتجوَّل ونمر في هذا المكان، ووجودكم يجعلنا نشعر بالاطمئنان؛ فلن تظهر السلعوة وأنتم هنا.

قال الضابط بنفس نبرة السخرية: تجوَّلا ولا تخافا. ثم أضاف بعد لحظة: ولكن أُحذِّركما؛ فنحن نمر في المنطقة كلها، يعني في بعض الأحيان لن نكون هنا، وأنتما وحظكما؛ فقد تظهر السلعوة في هذا الوقت، وتعتدي عليكما.

ابتسم «تختخ» وقال: نشكرك على هذه النصيحة، وسوف لن نأتي إلا عندما نعرف بوجودكم، حتى نكون في أمان.

ورفع يده يُحيِّي الضابط الذي كانت ملامحه توحي بالشك فيهما، ثم انطلقا بعيدًا عن الأرض الخالية، وعندما ابتعدا عن المكان غرقا في الضحك، ثم قال «محب»: لقد أثرناه بما يكفي، خصوصًا عندما سألته إن كانت الدورية ستبقى في المكان طويلًا.

تختخ: لو كنتُ مكانه لقبضتُ عليكما؛ فأسئلتُنا توحي بالشك.

محب: لقد رأيت نظرته فعلًا وهو يشك فينا، ولو كنا أكثرْنا في الأسئلة لفكَّر في أن يقبض علينا.

وضحك الاثنان معًا، وقال «محب»: لقد تأكَّدنا من أن السلعوة حقَّقَت هدفها فعلًا؛ فالناس أصبحوا يخافون المرور من المكان.

قال «تختخ»: يبقى أن أتصل بالسيد «جلال عبد الحق» لأعرف إن كان البائع «مصطفى أبو حطب» قد عاد من السفر أم لا؛ فهذه هي خطوتنا قبل الأخيرة، وقبل أن نتحدَّث إلى المفتش «سامي» حتى تترك الدورية المكان، ونُصبح وجهًا لوجهٍ مع السلعوة المزيَّفة.

ما إن استيقظ «تختخ» في الصباح حتى نظر في ساعة الحائط المعلَّقة في غرفته، كانت تشير إلى الثامنة، قال في نفسه: هناك وقت حتى موعد اجتماع المغامرين.

فكَّر قليلًا، ثم همس لنفسه: أظن أن الأستاذ «جلال» لن يكون في محله الآن … يجب أن أنتظر حتى العاشرة ثم أتصل به.

شرد قليلًا وقال في نفسه: لو كان «حامد» هو الذي اشترى «السلعوة» المحنَّطة، نكون قد وصلنا إلى كشف اللغز. ثم تردَّد في نفسه سؤال: وإذا لم يكن هو؟ وبينما يُغادر سريره فكَّر: لا يُهم … فالثعلب المزيَّف كشف الطريقة … ثم نظر إلى الثعلب المزيَّف الذي وضعه فوق مكتبه … أخذ يتأمَّله قليلًا، ثم مدَّ يده ونزع فروته كلها حتى لم يعُد سوى هيكل من الأسلاك، ومن جديد وضع الفروة على الأسلاك وشدَّها جيدًا؛ فبدا الثعلب المزيَّف وكأنه حقيقي. قال «تختخ» في نفسه: هكذا ظهرَت السلعوة المزيفة. قطع تفكيره صوت «زنجر» في هدوء، فعرف أنه لم يتناول إفطاره بعد. أسرع بالخروج من غرفته، فقابلته دادة «نجيبة» التي ابتسمَت له وهي تقول: صباح الخير، لقد تأخَّرتُ على «زنجر».

تختخ: صباح الخير يا دادة، لا بأس، أعطيني الطعام.

أخذ «تختخ» الطعام، ونزل إلى الحديقة، فوجد «زنجر» عند الباب، ابتسم «تختخ» و«زنجر» يتقافز حوله، وقال له: أنت مثل صاحبك لا تعمل بمعدة خاوية.

اتجهَ إلى نهاية الحديقة، حيث وضع الطعام ﻟ «زنجر» وهو يقول: سوف آتيك حالًا حتى ننطلق إلى اجتماع المغامرين.

نظر في ساعة يده، في نفس اللحظة كان راكبُ موتوسيكل يأتي مسرعًا وهو يمر من بين السيارات، فاصطدم بدرَّاجة «تختخ» بعنف جعلت الدرَّاجة تدور حول نفسها، لكن «تختخ» تشبَّث بالدرَّاجة فلم يسقط، وتردَّد صوت ارتطام شيء، وسمع «تختخ» صوت «زنجر» الذي كان قد طار في الهواء من أثر صدمة الموتوسيكل وسقط على الأرض، فصدمَته سيارة.

توقَّفَت السيارات، وأسرع «تختخ» إلى «زنجر» الذي كان يئن، وقد سالت الدماء من فمه.

جاء ضابط المرور يطمئن على «تختخ» وكلبه، في حين قبض شرطي على سائق الموتوسيكل. تصرَّف «تختخ» بسرعة؛ حمل «زنجر» على الدرَّاجة وأسرع إلى مستشفى الدكتور «مجدي»، وهو دكتور بيطري يُعالج الكلاب والقطط … وكان المستشفى بعيدًا نوعًا ما … لكنه كان يُريد أن يطمئن على كلبه العزيز … ومن حسن حظ «تختخ» أن الدكتور «مجدي» كان موجودًا في المستشفى في هذا الوقت المبكِّر من الصباح، وعندما رأى «تختخ» يحمل «زنجر» الذي كان يتألَّم، قال الدكتور: ماذا حدث ﻟ «زنجر»؟ إنني أعرف أنكَ تهتم به جدًّا!

حكى «تختخ» للدكتور ما حدث، وفي غرفة الكشف أجرى الدكتور الكشف على «زنجر»، ثم نظر إلى «تختخ» وهو يبتسم قائلًا: لا تنزعج؛ فقد جاءَت الصدمة في أسنانه، وهذا سبب ظهور الدم، وسوف أُعالجه حالًا.

في البرجولا حيث اجتماع المغامرين قالت «لوزة»: لقد تأخَّر «تختخ» ولا نعرف السبب!

فقال «محب»: لعله في الطريق.

قالت «نوسة»: لماذا لا نتصل به؟

أمسك «عاطف» تليفونه المحمول، وتحدَّث إلى «تختخ» يسأله عن سبب تأخيره … كان المغامرون يُراقبون «عاطف» وهو يتحدَّث في انزعاج، وعندما أنهى المكالمة نظر إلى المغامرين وهو يقف قائلًا: هيا بنا إلى مستشفى الدكتور «مجدي»!

ظهرَت الدهشة على وجه المغامرين، وسألت «نوسة»: هل حدث شيء ﻟ «زنجر»؟!

عاطف: صدمَته سيارة، و«تختخ» معه في المستشفى الآن!

وبسرعة قفز المغامرون فوق درَّاجاتهم، وانطلقوا مسرعين إلى مستشفى الدكتور «مجدي». كانت «لوزة» تشعر بالحزن؛ فهي أكثر المغامرين حبًّا ﻟ «زنجر»، وعندما وصلوا إلى المستشفى كان «تختخ» يجلس حزينًا، سألته «نوسة»: أين «زنجر»؟ وما هي حكاية صدمة السيارة؟!

حكى لهم «تختخ» ما حدث، فسألته «لوزة»: وأين «زنجر» الآن؟!

قال «تختخ» بحزن: نائم؛ فقد كانت الصدمة شديدة، وقد أصابَته في رأسه!

محب: هل هذا يعني أنه سوف يبيت في المستشفى الليلة؟!

تنهَّد «تختخ» وقال: ربما أخذه آخر النهار إذا كان في حالة طيبة.

ظهر الدكتور «مجدي»، فاقترب من المغامرين وهو يبتسم قائلًا: أهلًا بالأصدقاء، لا تنزعجوا؛ فحالة «زنجر» مُطَمئنة، يبدو فقط أن الصدمة كانت عنيفة، خصوصًا وأنها في رأسه.

ثم قال ﻟ «تختخ»: سوف تتركه الليلة حتى أطمئن عليه … فهو عزيز علينا.

اندهش «تختخ» وظهر الانزعاج على وجهه، وقال للدكتور «مجدي»: إن ذلك يعني أن به شيئًا خطيرًا!

ابتسم الدكتور «مجدي» وقال: حتى لو كان هناك شيء خطير، فهو في رعايتي، وغدًا صباحًا تعالَ لتصحبه إلى الفيلَّا يا عزيزي «توفيق».

غادر المغامرون الخمسة مستشفى الدكتور «مجدي». كانوا يمشون في صمت وعليهم أمَارات الحزن؛ ذلك أن «زنجر» يعني لهم الكثير؛ فهم يعتبرونه واحدًا منهم، وقبل أن يتفرَّقوا قالت «لوزة»: نجتمع غدًا ونذهب إلى «زنجر» ليعود معنا! عاد «تختخ» وحده، كان يفتقد صديقه العزيز، وعندما وصل إلى الفيلَّا توقَّف عند بوَّابتها وتذكَّر أن «زنجر» كان أول من يلقاه عند عودته، دخل في صمتٍ واتجه إلى غرفته مباشرة.

ألقى نفسه على السرير وهو يضغط على نفسه حتى لا يبكي، فجأةً تذكَّر الاتصال التليفوني الذي كان يجب أن يُجريه مع الأستاذ «جلال».

نظر في ساعته، كانت تشير إلى الرابعة عصرًا …

أمسك تليفونه المحمول وأخرج كارت الأستاذ «جلال» من حقيبته، وطلب رقمه، ثم عرَّفه بنفسه. جاء صوت الأستاذ «جلال» يضحك وهو يقول: يبدو أنكَ مُهتَم بمعرفة من اشترى السلعوة … لقد حادثني «مصطفى» من الخارج … وسألتُه فقال إنه لا يتذكَّره!

تجمَّدت ملامح «تختخ»؛ فلم يكن ينتظر هذه الإجابة؛ إن ذلك يعني أنه فقد الخيط الذي سيوصله إلى كشف لغز السلعوة المزيَّفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤