اختفاء «زنجر»

كانت الإجابة صدمةً ﻟ «تختخ»؛ فقد كان يتمنَّى أن يكون «حامد» هو الذي اشترى السلعوة المحنَّطة. فكَّر بسرعة، وقال يُخاطب الأستاذ «جلال» في التليفون: هل أستطيع أن أُقابل الأستاذ «مصطفى أبو حطب»؟

جاء صوت الأستاذ «جلال» يقول: سوف يعود بعد يومَين، فكن على اتصال بي حتى أُحدِّد لكَ موعدًا معه.

شكر «تختخ» الأستاذ «جلال» وأغلق التليفون. قال في نفسه: لقد رأيته «حامد» صاحب الدوبرمان، وسوف أسأل الأستاذ «مصطفى أبو حطب» عن أوصافه، ولا بد أنه سوف يتذكَّره!

فكَّر قليلًا، ثم تحدَّث إلى «محب» تليفونيًّا، قال: ينبغي أن نجتمع في المساء حتى نُحدِّد متى نضرب ضربتنا في كشف السلعوة المزيَّفة.

جاء صوت «محب» يقول: هل تحدَّثتَ إلى الأستاذ «جلال» بائع التحف؟

تختخ: نعم … «مصطفى أبو حطب» سوف يعود بعد يومَين، لكنه أخبرني أن «مصطفى» حادثه من الخارج تليفونيًّا، وأنه لا يتذكَّر اسم من اشترى السلعوة المحنَّطة؛ ولهذا يجب أن نعقد اجتماعًا الليلة!

محب: سأتصل ﺑ «عاطف» و«لوزة»، إلى اللقاء.

تمدَّد «تختخ» على سريره … كان يشعر بالحزن من أجل «زنجر»، وتذكَّر كلمات دكتور «مجدي» عندما قال: حتى ولو كان هناك شيء خطير … فهو في رعايتي!

قال في نفسه: هل يُخفي الدكتور «مجدي» شيئًا؟!

أغمض عينَيه؛ فقد كان يشعر بالتوتُّر، فغلبه النوم … وعندما استيقظ كان يشعر بالإجهاد. فكَّر لحظة … ثم نزل من السرير، وأدَّى بعضَ التمرينات الرياضية الخفيفة حتى يستعيد نشاطه، ثم أخذ طريقه إلى الخارج، وقبل أن يركب درَّاجته قال في نفسه، لا يزال هناك وقت حتى موعد اجتماع المغامرين. قفز على درَّاجته … وشعر بالوحدة؛ فقد كان وجود «زنجر» يملأ حياته … أخذ طريقه إلى مستشفى الدكتور «مجدي». فكَّر: لا بد من وجود «زنجر» وهو في تمام صحته؛ فهو الذي سوف يكشف السلعوة المزيَّفة.

عندما وصل إلى المستشفى، اتجه إلى حيث يرقد «زنجر»، الذي ما إن رأى «تختخ» حتى هزَّ ذيله، ونبح نباحًا خافتًا. احتضنه «تختخ» … وكاد يبكي، فجأةً كانت يد تربت على كتفه، رفع عينَيه فوجد الدكتور «مجدي» واقفًا يبتسم وهو يقول: يبدو أن «زنجر» يُحب أن يعود معك … فقد رفض تناول الطعام.

وقف «تختخ» بسرعة وقد ملأَت وجهَه السعادة، لكن الدكتور «مجدي» قال: مع ذلك لا بد من بقائه الليلة، وعليك الآن أن تقدِّم له الطعام بنفسك حتى يأكل.

نادى الدكتور «مجدي» أحد العاملين في المستشفى، وطلب منه إحضار الأكل، ونظر إلى «تختخ» وهو يقول: هذه طبيعة الكلاب وعلاقتها بأصحابها، وأعرف أن علاقة «زنجر» بك مدهشة.

جاء العامل بالأكل، فأخذه «تختخ» وقدَّمه ﻟ «زنجر»، الذي أقبل عليه بشهيَّة … كان الدكتور «مجدي» يراقب «تختخ» وهو يربت على «زنجر»، الذي كان يلتهم الطعام بسرعة، ثم تركهما وانصرف. ظلَّ «تختخ» مع «زنجر» حتى انتهى من طعامه، ثم ربت عليه، فوقف «زنجر»، ولم يتمالك «تختخ» نفسه فاحتضن كلبه العزيز وهو يقول له: سأفتقدك الليلة يا صديقي العزيز.

ثم قبَّله وانصرف وهو يشعر بالراحة؛ فقد بدأ «زنجر» يستعيد لياقته، وعندما دخل من باب البرجولا وجد المغامرين في انتظاره، وقبل أن يجلس نظر ﻟ «نوسة» وهو يقول: أحتاج كوبًا من الليمون المثلَّج! ابتسمت «نوسة» وقالت: تبدو عليك السعادة، هناك جديد؟

تختخ: «زنجر»!

قالت «لوزة» بلهفة: أين هو؟ … هل جاء معك؟!

تختخ: لقد بدأ يتعافى، وقد أطعمتُه بنفسي بعد أن كان يرفض الطعام.

محب: هذا يعني أنكَ ذهبت إليه!

تختخ: لا أحتمل بُعده عني … حتى إنني أشعر أنني سوف أجده في الفيلَّا عندما أعود … إنني لا أتصوَّر المغامرين الخمسة بدونه.

عاطف: هذا صحيح … إننا جميعًا نشعر بغيابه … ونفتقد وجوده معنا.

وقفت «نوسة» وهي تقول: بهذه المناسبة السعيدة، سوف آتيك بكوبَي ليمون.

ضحك المغامرون، وانصرفَت «نوسة»، فقال «محب»: غياب «زنجر» سوف يعطِّلنا؛ فنحن نحتاجه جدًّا!

تختخ: لن يعطِّلنا؛ لأننا سننتظر عودة «مصطفى أبو حطب» من الخارج، وهو سوف يعود بعد يومَين، ويكون «زنجر» قد استعاد قوته.

لوزة: إذن ماذا سنفعل خلال هذَين اليومَين؟

دخلت «نوسة» بأكواب الليمون، فأسرع «تختخ» بأخذ كوبَين، ممَّا جعل المغامرين يضحكون على تصرُّفه، وقالت «نوسة»: أحضرتُ لك كوبَين فعلًا؛ واحدًا لك، والآخر ﻟ «زنجر».

شرب «تختخ» أول كوب حتى آخره، ثم قال: «زنجر» يشكركِ جدًّا، ولو أنه كان يفضِّل قطعة لحم!

ضحك المغامرون، وبدأ «تختخ» يشرب الكوب الثاني على مهل، ثم قال: علينا غدًا الذهاب إلى الأرض في الصباح … نُريد أن ندفع «حامد» إلى إطلاق السلعوة التي يملكها؛ أقصد السلعوة المزيَّفة؛ فهو يعرف أن وجودنا سوف يشجِّع الآخرين على المرور من المكان، خصوصًا وقد عرفنا أن الناس منذ حادثة السلعوة لم يعودوا يمرُّون من هناك.

نوسة: لاحِظ أن السلعوة ظهرت بالليل وليس بالنهار!

تختخ: تمام … في نفس الوقت نريد أن نعرف الرجل الغامض، وسوف أحمل معي العدسة الزوم التي تقرِّب الصورة … فإذا ظهر في العمارة، فسوف نعرف إن كان هو «حامد» أو أحد غيره.

عاطف: أقترح أن نذهب جميعًا في الليل إلى الأرض الخالية، ما دامت دورية الشرطة موجودة.

ابتسم «تختخ» وقال: هذه المرة سوف يقبضون علينا؛ لأننا وحدنا الذين نذهب إلى هناك … اندفعت «لوزة» تقول بحماس: دعهم يقبضون علينا … ففي النهاية سوف نقابل المفتش «سامي».

قال «محب»: علينا أن نحدِّد ما حقَّقناه حتى الآن.

تختخ: في البداية افترضنا وجود عصابة تريد أن تسطو على الأرض الخالية، وتَحقَّق الغرض عندما عرفنا أن الأرض خالية منذ سنين، وأن صاحبها يوناني، وقد ترَك مصر ولم يعُد … وهذه فرصة أمام مافيا الأراضي؛ فالأرض مساحتها كبيرة، وهي تساوي الملايين … يعني هي تشجِّع على السرقة، ومن الضروري أن من يُريد أن يسطو قد تحقَّق من أن صاحبها غير موجود؛ يعني هي بلا صاحب، وبدأت عملية تخويف الناس؛ حتى تصبح الأرض مهجورة، ولا تلفت نظر أحد؛ فظهرت حكاية السلعوة.

ولأن السلعوة لم تظهر في المعادي من قديم؛ فهذا يعني أن هناك خدعة، وأن هذه الخدعة هي السلعوة المزيَّفة، وكان هذا افتراضنا نريد تحقيقه … وبحثنا عن كيف يمكن أن توجد سلعوة مزيَّفة، وتحقَّقنا من إمكان ذلك عندما رأينا السلعوة المحنَّطة في متحف وزارة الزراعة … ثم عرفنا أن هناك من باع سلعوة محنَّطة، ونريد أن نصل إلى من اشتراها، في نفس الوقت تشكَّكنا في «حامد»، خصوصًا عندما عرفنا أنه صاحب الدوبرمان، وأنه ربما يكون وراء السلعوة المزيَّفة.

قالت «نوسة»: إذن ما هي خطواتنا القادمة؟

ردَّ «تختخ»: أولًا: سننتظر عودة بائع السلعوة المحنَّطة، بعدها نُقابل المفتش «سامي» لتترك الدورية المكان مع ظهورنا المتكرِّر في الأرض؛ لنصل إلى الخطوة الأخيرة لكشف اللغز.

اتفق المغامرون الخمسة على اللقاء في البرجولا في الصباح للذهاب إلى الأرض … ركب «تختخ» درَّاجته … وركب «عاطف» درَّاجته … وكذلك فعلت «لوزة»، ثم انطلقوا عائدين إلى بيوتهم. فكَّر «تختخ»: هل يعود ﻟ «زنجر» مرةً أخرى ليطمئن عليه؟

أخذ طريقه إلى مستشفى الدكتور «مجدي». كان المستشفى عبارةً عن فيلَّا … وفي حديقتها بيوت للكلاب. عندما أصبح أمامه، كانت الأضواء خافتة … ولم يكن يُسمع سوى مواء قطة … أو نباح ضعيف لكلب.

فكَّر أن يُطلق صفيرًا يفهمه «زنجر»، لكنه تردَّد، ثم قرَّر العودة إلى الفيلَّا، وعندما وصلها كانت سيارة والده تدخل من بوابة الفيلَّا … وعندما نزل والده من السيارة كان «تختخ» قد ترك درَّاجته، سأله والده وهو يبتسم: أين صديقك العزيز؟!

قال «تختخ» بنبرة حزينة: للأسف في المستشفى!

ظهرت الدهشة على وجه والده وسأله: لماذا؟!

حكى له «تختخ» ما حدث، فظهر الأسف على وجه الوالد وهو يقول: مسكين «زنجر»! هذه أول مرة أراكَ بدونه، ومتى يعود؟

تختخ: غدًا كما قال الدكتور «مجدي»، وإن كنتُ أخشى أن تكون إصابته خطيرة، لكن الدكتور «مجدي» لا يُريد أن يُزعجني.

الوالد: سوف أتحدَّث إليه وأُطمئنك.

دخلا الفيلَّا واتجه «تختخ» إلى غرفته. كان الليل هادئًا، والصمت يخيِّم على الفيلَّا، ولم يكن يُسمع سوى نباح كلاب في فيلَّا أخرى. فتح «تختخ» النافذة ووقف فيها … كان يتخيَّل وجود «زنجر»؛ فدائمًا عندما يفتح النافذة يرى «زنجر» وقد رفع أذنَيه وكأنه ينتظر تعليمات من صاحبه. شعر بالأسى وقال في نفسه: هل يمكن أن أفقد «زنجر»؟! إنني لو فقدته … لكنه لم يُكمل كلامه. أغلق النافذة … وعاد إلى مكتبه. جلس إلى الكمبيوتر، وبدأ يبحث عن صورٍ ﻟ «زنجر»، وتوالت الصور … صورة له مع المغامرين الخمسة، وصورة فوق الدرَّاجة، وأخرى و«لوزة» تحتضنه. ظلَّ يتأمَّل الصور، ثم أغلق الكمبيوتر واتجه إلى سريره.

فكَّر في اجتماع الغد، وبدأ يجهِّز حقيبته الصغيرة … وضع الكاميرا والعدسة الزوم التي تقرِّب الهدف … ثم تمدَّد على سريره … وحاول أن ينام لكنه كان قلقًا، فجأةً تردَّد في خاطره سؤال: هل حادثة الموتوسيكل مقصودة أم أنها صدفة؟!

ظلَّ يقلب السؤال في رأسه، وتساءل بينه وبين نفسه: هل يكون «حامد» وراء الحادثة، ويكون قائد الموتوسيكل ممَّن يعملون عنده؟!

فكَّر أن يتصل ﺑ «محب» … نظر في ساعة الحائط، كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة، فجأةً رنَّ تليفونه المحمول، ابتسم فقد كان «محب» هو الذي يطلبه … جاء صوت «محب» يقول: أعتذر لأني أُزعجك في هذا الوقت المتأخِّر، غير أن خاطرًا منعني من النوم، وهو يتعلَّق بحادثة الموتوسيكل!

اندهش «تختخ» وسأل: ماذا تعني؟!

«محب»: كنت أتحاور مع «نوسة» حول إصابة «زنجر»، وأنت قلتَ إنكَ قابلتَ «حامد» صاحب الدوبرمان وكان معك «زنجر» … وأيضًا قابلنا حارس الدوبرمان ومعه الكلب … ولولا أنكَ ناديتَ «زنجر» … لكانت حدثَت معركة بين الكلبَين، وأعرف أن «زنجر» سوف يكسبها إذا حدثَت؛ فهو مدرَّب بشكلٍ جيد، فهل تكون الحادثة مدبَّرة؟

ابتسم «تختخ» وقال: لقد كنتُ أفكِّر في ذلك، وكنتُ سأطلبك لولا أنكَ سبقتني، فهل تظن أنها حادثة مدبَّرة، أم أن الأمر مجرَّد صدفة؟

محب: هذا الاحتمال قد يكون صحيحًا، وذلك احتمال قد يكون صحيحًا أيضًا، مع ذلك، وحتى لا أستمر في إزعاجك، دعنا نُناقشه عندما نلتقي غدًا.

انتهت المكالمة، وتمنَّى «محب» نومًا هادئًا ﻟ «تختخ». أطفأ نور الغرفة … ووضع رأسه على الوسادة بحثًا عن النوم، لكنه لم يستطِع؛ كان السؤال لا يزال يتردَّد في خاطره إن كانت الحادثة مدبَّرة. أخذ يستعيد اليوم من أوله عندما خرج من الفيلَّا وخلفه «زنجر». تذكَّر أنه حرص على السير في يمين الشارع، لكن فجأةً تردَّد صوت الموتوسيكل المزعج، لكنه لم يهتم وظلَّ في طريقه، لكن فجأةً جاءت الصدمة التي أطاحت ﺑ «زنجر»، فسقط أمام سيارة قادمة، ولولا أن قائدها تدارك الموقف لكان قد قضى على «زنجر»، وسأل نفسه: ماذا حدث لقائد الموتوسيكل؟ إنه يذكر أن أحد أفراد شرطة المرور قبض عليه. فكَّر: لماذا لا يتصل ﺑ المفتش «سامي» غدًا ليعرف ماذا حدث لقائد الموتوسيكل؛ حتى يعرف إن كانت الحادثة مقصودةً أم لا؟ ثم استغرق في النوم، لكن لم ينَم طويلًا؛ فقد أيقظه صوت تليفونه المحمول، ولكن رنة التليفون لم تكُن لأحد من المغامرين، رفع التليفون إلى أذنه، فجاء صوت يقول: الأستاذ «توفيق»؟

تختخ: نعم … من يتكلَّم؟!

الصوت: مستشفى الدكتور «مجدي».

امتلأ وجه «تختخ» بالفزع، وتردَّد في رأسه جملة الدكتور «مجدي» إن كان «زنجر» به إصابة خطيرة؛ فهو في رعايته جاء الصوت يقول: أستاذ «توفيق» هل تسمعني؟!

تختخ: نعم أسمعك … هل حدث شيء ﻟ «زنجر»؟!

الصوت: لقد اختفى!

تختخ: كيف؟!

الصوت: كنتُ أمر على بيوت الكلاب التي في المستشفى، فلم أجده في بيته، بحثتُ عنه في أرجاء الحديقة فلم أجده، بحثتُ في المستشفى كلها فلم أجِده، مع أنه تناول عشاءه ونام، فأغلقتُ عليه الباب!

بينما كان الصوت يأتي من خلال التليفون، كان «تختخ» يفكِّر: هل اختفاء «زنجر» عملية مقصودة؟ وهل حاول «حامد» التخلُّص منه بعد أن رآه معي؟ … وهل هناك علاقة بين اختفاء «زنجر» وحادثة الموتوسيكل؟! من جديد جاء الصوت يقول: أستاذ «توفيق» هل تسمعني؟!

تختخ: نعم أسمعك … هل أخبرت الدكتور «مجدي»؟

الصوت: لم أُخبره بعد؛ فقد تصوَّرتُ أنه هرب من المستشفى وجاءك في البيت!

ولم يردَّ «تختخ»؛ فقد شعر بحزن شديد، فهل يفقد كلبه العزيز «زنجر»؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤