أنتوني كوين أمام الشياطين!

عندما دخلتْ آخر سيارة من سيارات الشياطين، أُغلِقَت الأبواب الصخرية في سرعة، وفي أقل من لمح البصر كان الشياطين في طريقهم إلى قاعة الاجتماعات.

كانت الرسالة التي وصلتهم من رقم «صفر» تستدعيهم على وجه السرعة؛ فتقارير العملاء في أمريكا — والتي وصلت منذ ساعتَين — تقول إن عملية سطو مثيرةً قد حدثت في ولاية «تكساس»، وإن العملية اكتُشفت أمس بعد حدوثها بثلاث دقائق، وهو الزمن الذي قطعه المصعد من الطابق اﻟ «٥٠»، حيث يقع بنك «تكساس»، إلى الأرض.

أخذ الشياطين أماكنهم، وأصبحوا على استعداد لسماع رقم «صفر» الذي تأخر عنهم قليلًا … كانت القاعة صامتةً تمامًا، وإن ظهرت على الخريطة الضخمة الموجودة في القاعة بضع علامات لم تتضح بعدُ … مرَّت دقيقتان ثم أُضِيئت الخريطة، كانت للولايات المتحدة الأمريكية، وقد أخذت كل ولاية لونًا مختلفًا، كانت الخريطة عبارةً عن مساحات من الألوان فقط، دون أن يظهر عليها أي شيء، بعد لحظة بدأت خطوطٌ حمراء تجري فوق الخريطة وتُظهِر أسماءها، حتى أصبحت هناك آلاف الخطوط التي تُبيِّن الأنهار، وخطوط السكك الحديدية، وخطوط الطيران، وعندما اكتملت الخريطة تمامًا، بدأ الشياطين يختزنون المعلومات الكثيرة التي ظهرت عليها … دقائق أخرى، ثم بدأت أجزاء الخريطة تختفي، ولم تبقَ سوى ولايةٍ واحدة، هي ولاية «تكساس» وأهم المدن فيها؛ حيث كانت تحددها دوائرُ سوداء … كانت أهم المدن التي ظهرت على الخريطة هي «دلاس»، «أوستن»، «سان أنطونيو»، «هوستن» حيث حدثت الجريمة، وهي تقع قريبًا من خليج «المكسيك» ونهر «برازوس».

ظل الشياطين مستغرقين في ملاحظة الخريطة حتى أخرجهم من استغراقهم صوت أقدام رقم «صفر» وهو يقترب، لحظة، ثم جاء صوت رقم «صفر» الذي قال: مرحبًا بكم! لقد كانت دعوتي إليكم سريعة، فهذه المغامرة تحتاج إلى الحركة السريعة، فقد وقعت أحداثها أمس فقط، وأي تأخير فيها سوف يحتاج إلى جهودٍ مضاعفة.

توقف رقم «صفر» قليلًا ريثما يقلب بعض الأوراق، ثم قال: إن عملية السطو وقعت بطريقةٍ مثيرة، وذكية، ولعلها الأولى من نوعها!

صمت قليلًا، ثم أضاف: لقد صرف السيد «جاكسون» مبلغ ثلاثة ملايين دولار من بنك «تكساس»، الذي يقع في الشارع السادس والأربعين في مدينة «هوستن»، وفي الطابق الخمسين … ولقد حمل الملايين الثلاثة في حقيبتَين متوسطتَين، وخرج بهما من البنك، ليأخذ المصعد إلى الطابق الأرضي حيث كانت تنتظره سيارته، لم يكن معه أحد، فمثل هذه المبالغ الكبيرة تُصرَف في سرِّيةٍ تامة، ولذلك أحضر عامل المصعدِ المصعدَ، وفتح له الباب، فدخل السيد «جاكسون»، وأغلق الباب خلفه، ولقد رفض نزول عامل المصعد معه، وعندما وضع قدمه داخل المصعد، انطلق في طريقه إلى الأرض، ولقد أصبح السيد «جاكسون» في حجرةٍ صغيرةٍ مغلقة، وليس معه سوى الحقيبتَين اللتين تضمان ثلاثة ملايين دولار!

مرَّت نصف دقيقة كان الشياطين فيها ينتظرون صوت رقم «صفر» الذي سكت، كان يقلب بعض الأوراق، ثم قال: فجأة كان نوع من الغاز المخدِّر يملأ المصعد الذي توقف، وفي أقل من دقيقة كان السيد «جاكسون» قد فقد وعيه، وسقط على أرضية المصعد، وكانت هناك أيدٍ تمتد من سقف المصعد لتحمل الحقيبتَين، وتختفي …

دقَّ جرسٌ متقطع، فقال رقم «صفر»: لحظة واحدة ريثما نرى!

أخذت أقدام رقم «صفر» تبتعد شيئًا فشيئًا، حتى اختفت تمامًا، نظر الشياطين إلى بعضهم، وقالت «ريما»: إنها طريقةٌ ذكية؛ فاللص يمكن أن يظل داخل العمارة التي ترتفع إلى أكثر من خمسين طابقًا، حتى يبدِّلَ الحقائب، ثم يغادر العمارة، مختفيًا إلى الأبد، وليصبح مليونيرًا!

لم يعلق أحد من الشياطين على كلمات «ريما»، إلا أن «رشيد» أشار بيده، بما يعني أن هذا التصرف يمكن حدوثه … ومرت دقيقتان قبل أن يبدأ صوت أقدام رقم «صفر» في الظهور، ثم ظلت تقترب حتى جاء صوته يقول: إنها رسالة من أحد عملائنا في «تكساس»، إن الرسالة تحمل معلوماتٍ جديدة، لعلها تكون المفتاح للكشف عن سرِّ الجريمة!

صمت قليلًا، ثم أضاف: سوف أقدم لكم تصوُّرًا كاملًا للجريمة، قبل أن تنطلقوا اليوم إلى هناك!

ركز الشياطين انتباههم، عندما بدأ رقم «صفر» يقول: عندما اختفت الحقائب، أخذ المصعد طريقه إلى الأرض، وعندما وصل، انفتحت أبوابه أوتوماتيكيًّا، وكان هناك بعض الرجال والنساء في انتظار المصعد، ثم انكشفت الجريمة، فاستُدعي بوليس العمارة، الذي قام بإفاقة السيد «جاكسون»، فحكى لهم كل شيء … بعدها أسرع البوليس إلى البنك؛ حيث تأكد من كل ما قاله «جاكسون»، وبدأت بسرعةٍ محاصرةُ العمارة، حتى لا تهرب اللصوص، ثم جرت عملية بحث سريعةٌ ودقيقة لكل شقق العمارة، حيث يوجد قليل من السكان، وبعض مكاتب الشركات، وبعض مكاتب البنوك الأخرى، ففي نفس العمارة، يقع بنك «هوستن»، وبنك «كريستي»، وبنك «باتون»، والعمارة يصل ارتفاعها إلى ثمانين طابقًا، ولقد كانت عملية البحث شاقَّة، وهي لا تزال مستمرة حتى الآن.

صمت قليلًا، ثم قال: انظروا إلى الخريطة!

تعلَّقت أعين الشياطين بالخريطة التي ظهرت عليها تفاصيلُ جديدة، فظهرت ولايات حول ولاية «تكساس»، ظهرت ولاية «أوكلاهوما»، وولاية «لويزيانا»، وولاية «نيومكسيكو»، والولايات الثلاث تحوط ولاية «تكساس»، حيث وقعت الجريمة.

قال رقم «صفر»: من الجائز أن يفرَّ اللصوص بغنيمتهم إلى أقرب ولاية، إذا استطاعوا أن يهربوا من الشرطة.

وصل إلى سمع الشياطين صوت أوراق تُقلَّب، فقد صمت رقم «صفر»، ثم قال في النهاية: إن آخر تقرير وصل إلينا، أن الملايين الثلاثة بينها ربع مليون دولار من فئة الورقة ذات الألف دولار، والتي لم تنتشر في السوق بعدُ، ومن هناك تستطيعون الحصول على أرقامها، التي يمكن أن تكون بداية خيط يوصلنا للعصابة … وبالمناسبة … إن اهتمامنا بالسرقة يعود إلى أن هذا المبلغ مسحوب لتمويل عملية تهمُّ إحدى البلاد العربية.

أُطفِئَت القاعة، واختفت الخريطة تمامًا، وجاء صوت رقم «صفر» يقطع الظلام والصمت قائلًا: الآن، سوف نرى فيلمًا، صُوِّر بالصدفة لحركة الشارع أمام البنك أثناء وقت السرقة، حيث كان يجري تصوير فيلمٍ سينمائي في هذه اللحظة.

ما إن توقف صوت رقم «صفر»، حتى بدأ عرض الفيلم، وكان أول ما لفت نظر الشياطين هو الممثل المعروف «أنتوني كوين» يعبر الشارع جريًا إلى البنك، ثم توقَّف الفيلم ليعرضَ صورة الشارع ثابتةً، كان يظهر شارع ٤٦ حيث يقع بنك «تكساس» مزدحمًا تمامًا، وكانت هناك عدة سيارات على جانبَي الطريق، ومحلاتٌ كثيرة مفتوحة تبيع الملابس واللُّعب والطعام، أيضًا كان هناك رجلان يقفان بجوار سيارة شيفروليه، وتتجه أنظارهما إلى العمارة، وفي منتصف الشارع بالضبط كان يعبر «أنتوني كوين».

عاد الفيلم للحركة، فتحرك الناس، وتحرك «أنتوني كوين» جريًا، بينما كانت هناك سيارة تكاد تصدمه وسياراتٌ كثيرة منطلقة.

عبر «أنتوني كوين» الشارع، ثم اختفى داخل العمارة، في نفس اللحظة كان هناك رجلٌ يقترب من باب العمارة، وقد حمل حقيبتَين، فتوقف الفيلم والرجل يرفع قدمه ليدخل العمارة، وظلت صورته ثابتة، وجاء صوت رقم «صفر» يقول: هذا هو السيد «جاكسون»، سوف تُكبَّر الصورةُ أكثر حتى تروه جيِّدًا.

أخذت الصورة تكبر حتى كادت تملأ الشاشة، كان رجلًا في حدود الخمسين، ممتلئًا قليلًا، تبدو عليه الصحة، يلبس حلةً كاملة، وقبعةً فوق رأسه، ويحمل حقيبتَين متشابهتَين في يدَيه الاثنتين، كانت ملامح وجهه هادئةً، وإن كان يبدو مشغولًا بشيءٍ ما … ومرةً ثانية عاد الفيلم للاستمرار، ولم تكن به سوى حركة الشارع.

أُضِيئت القاعة، وانتهى الفيلم، الذي لم تكن مدته تزيد على ثلاث دقائق، وقال رقم «صفر»: لقد حصلنا على هذا الجزء من الفيلم من الشركة المنتجة له، واسمها شركة المحيط للإنتاج السينمائي والتليفزيوني!

سكت رقم «صفر» قليلًا، لم يكن هناك أي صوت، كان الشياطين يفكرون في الفيلم، غير أن الصمت لم يستمرَّ طويلًا، فقد تحدَّث رقم «صفر»: سوف نعيد الفيلم مرةً أخرى، أرجو أن تلاحظوا كل حركة فيه، وكل شخص فيه … جيدًا!

أُطفِئَت القاعة، ثم بدأ عرضُ الفيلم، غير أن «أحمد» قال: هل نستطيع أن نرى الفيلم بالحركة البطيئة؟

قال رقم «صفر»: يمكن طبعًا.

أُعِيدَ الفيلم، ثم بدأ عرضه بحركةٍ بطيئةٍ جدًّا، كان الناس والسيارات يتحركون بطريقةٍ مضحكة، وكان «أنتوني كوين» يعبر الشارع ببطءٍ شديدٍ تبعًا لسرعة الفيلم، وظل الشياطين يراقبون العرض، حتى انتهى، وأضيئت القاعة.

جاء صوت رقم «صفر» يقول: هل هناك جديد؟

قال «فهد»: ربَّما يكون الجديدَ هذان الرجلان اللذان دخلا العمارة في نفس الوقت الذي كان «أنتوني كوين» يعبر فيه الشارع.

قال «رشيد»: أحتاج إلى أن أراه مرةً ثالثة.

أُطفِئَت القاعة، وساد الظلام قليلًا، قبل أن يبدأ عرض الفيلم بنفس الحركة البطيئة، ولم يكد يبدأ حتى صاح «رشيد»: ثبِّت الصورة!

ثُبِّتَت الصورة، وكان الرجلان اللذان يدخلان العمارة يلبسان ملابسَ خفيفةً، وفي يد كلٍّ منهما حقيبةٌ تكاد تقترب في شكلها من حقيبة مستر «جاكسون».

قال «رشيد»: هل ترون؟

غير أن وجهَي الرجلَين لم يكونا واضحَين، إلا أن قامتهما القصيرة كانت تميزهما، بجوار عضلاتهما التي كانت تبدو تحت القميص المفتوح.

قال «رشيد»: استمر!

استمرَّ عرض الفيلم بطيئًا، حتى انتهى، أُضِيئَت القاعة، وجاء صوت رقم «صفر»: والآن، هل لديكم فكرة عن الجريمة؟ إنني في انتظار أي سؤال!

صمت رقم «صفر»، كان الشياطين يديرون المسألة في رءوسهم بسرعة، فبعد دقائق، سوف يكونون في الطريق إلى هناك. لحظة ثم قالت «إلهام»: هل يمكن مشاهدة الجزء الذي صُوِّرَ من الفيلم قبل ما رأينا وبعده؟

قال رقم «صفر»: سوف تجدون هناك من يقدم لكم ذلك.

صمت الشياطين، ولم يسأل أحدهم سؤالًا آخر.

لحظة ثم جاء صوت رقم «صفر»: تستطيعون الانصراف، وأتمنى لكم التوفيق.

عندما كانت أقدام رقم «صفر» تختفي شيئًا فشيئًا، كان الشياطين لا يزالون في أماكنهم، يفكرون، وطالت اللحظة، حتى قال «خالد»: هل سنبقى هنا كثيرًا؟

وقف الشياطين دفعة واحدة، وأخذوا طريقهم إلى خارج القاعة.

ولم تمضِ ربع ساعة، حتى كان خمسة من الشياطين يأخذون طريقهم إلى أماكن السيارات، كان الخمسة هم: «أحمد» و«فهد» و«باسم» و«رشيد» و«عثمان».

وعندما فتحت الأبواب الصخرية، وانطلقت سيارة الشياطين، كان هذا يعني بداية المغامرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤