الفصل الثالث عشر

أن نشحَذَ انتباهَنا

نظرة هادئة ومُنتبِهة. ووجهٌ مُفعَم بالذكاء الهادئ. إنه لا يُبدي تعابيرَ لُطف أو عدوانية. لا شيء غير همِّ الإدراك والفهم الأكثر دقَّة. إنه توماس مور الذي يبدو حيًّا بشكلٍ لا يُعقَل في هذه اللوحة النابضة، رغم أنها رُسِمَت منذ خمسة قرون. إنها لعبة الأبدية! تُظهِر هذه اللوحة التي أنجزها هانس هولباين صديق توماس مور حدَّةَ انتباه مور وقُدرته على الغياب والحضور في نفس الوقت. لقد كان رجلًا فعَّالًا في حركية العالم؛ شخصًا رفيعًا وذا شأن. شاهِدوا لباسه الفاخر، وهذه السلسلة الذهبية التي تُشير إلى الخدمات التي قام بها للملك. كما نجد في يدِه ورقةً صغيرة كدليلٍ ربما على نشاطه الذهني الكثيف. لقد كان أيضًا رجلًا مليئًا بالإنسانية، والشجاعة والشرَف، وكان مُصلِحًا وصاحب رؤيةٍ في كتابه الشهير «اليوتوبيا»، وصديقًا للفيلسوف الكبير إيرازموس. لقد كان أيضًا أبًا حريصًا وعطوفًا ولم يكن ذلك شائعًا في زمنه. لنقرأ ما كتَبَ يومًا إلى ابنته مارجريت: «أُؤكِّد لكِ أنَّني، بدلًا من أن أترككِ تكبُرين في الجهل والكسل، أُفضِّل أن أستغني عن كلِّ شيء، وأن أقول وداعًا لمتاع الدنيا؛ كي أستطيع الاهتمام بأطفالي، الذين لا يُوجَد بينهم من هو أغلى منكِ، يا ابنتي المحبوبة.» هذه الابنة التي ستُبقي معها حتى موتها رأس والِدِها المقطوع.

figure
لوحة «توماس مور» (١٥٢٧ تقريبًا) لهانس هولباين الابن (١٤٩٧ / ١٤٩٨–١٥٤٣)، وهي لوحة زيتية على الخشب، بأبعاد ٠٫٧٤٩ × ٠٫٦٠٣ متر، مجموعة فريك، نيويورك.

فبعد أن كان رجُلَ دولة مهمًّا، حُكِم عليه بالموت من قِبَل مَلك إنجلترا هنري الثامن؛ لأنه عارَض ذلك الوحش الاستبدادي الذي كان لا يأكل إلَّا اللحم، وكان يُغيِّر زوجاته كما يُغيِّر المرء قميصه. راقِبوا جيِّدًا وجهَه؛ انظروا إلى عينِه اليُسرى المليئة بالعطف والرقة، أما عينُه اليمنى فهي حادَّة الانتباه. فهل نستطيع أن نكون مثل توماس مور، قادرين كلَّ يومٍ على تحقيق الحالتَين؟

إن كنتَ شاعرًا، فستستطيع حتمًا أن تُلاحِظ الغيمة التي تسبح فوق هذه الورقة. دون غيمةٍ لن يكون هناك مطر؛ ودون مطر لن تنمو الأشجار؛ ودون أشجار لن نستطيع صناعة الورق. لذا، فإن الغيم أساسي بالنسبة لها؛ إن لم يُوجَد، فلن يكون هناك ورق.

تيك نيات هان

الذكاء التأمُّلي

يقول باسكال: «هناك نوعان من المُبالَغة؛ إقصاء المنطق، وعدم القبول إلَّا به.» يتلاقى التأمُّل والمنطق؛ فالتأمُّل يسمح للمنطق بتوسيع مجالاته. إن التأمل بالوعي الكامل لا يُضعِف قدرات الذهن؛ فهو ليس حالة من التأمُّل السلبي. إنه على العكس غذاءٌ لذكائنا.

أن نُمرِّن ذكاءنا يعني أن نخلُق روابط تتلاقى فيها أفكارنا مع إدراكنا لِما يُحيط بنا كي نخرج بنتائجَ وقرارات. ولكنه يعني أيضًا أن نُدرِك وجود هذه الروابط، أو أن نُدرِك إمكانية وجودها. أن نكون أذكياء، يكون أولًا بمراقبة ما هو موجود أصلًا، قبل أن نبدأ بفرض أفكارنا على ما هو حقيقي. الذكاء هو أن نبدأ بالتواصُل مع العالم الموجود حولنا، قبل أن نقوم بربط عناصره بعضها ببعض والخروج بقوانين وأحكام.

إنَّ هذا الشكل من التواصُل مع العالم هو أساس التأمل بالوعي الكامل، والذي تكون فيه الممارسة التأملية شكلًا من أشكال المُختبَر الذي نُراقِب فيه حركية ذهننا (نستطيع التكلُّم هنا عمَّا يُسمَّى «علم دراسة الذات») وفي نفس الوقت تُساعِدنا هذه التمارين على تحسين قدراتنا الذهنية؛ كقُدرتنا على التفكير، على التركيز، مقاومة المُشتِّتات، الإبداع، المرونة العقلية.

أن نكون أذكياء، يكون أولًا بمراقبة ما هو موجود أصلًا، قبل أن نبدأ بفرْض أفكارنا على ما هو حقيقي.

على سبيل المثال، يُسهِّل التأمُّل بالوعي الكامل ما نُسمِّيه في علم النفس بعملية «المطابقة». لقد قام عالِم النفس السويسري جان بياجيه بتعريف وإيضاح مفهومَي «المواءمة» و«التمثيل العقلي» التي تصف قدرة الذهن على دمج الفروق بين ماهية العالم وبين فكرتنا عن هذا العالم. وهكذا، إذا غالطَتْ حقيقةٌ ما قناعتي، أستطيع عندها أن أقوم بتمثيلها عقليًّا؛ أي أنَّني أقوم بتغيير طبيعة هذه الحقيقة كي يتمكن ذِهني من دمجِها. أو يُمكِنني مواءمتها؛ أي، أن أقوم بتغيير فكرتي السابقة كي تدخل مجال الحقيقة.

figure

إليكم المثال الآتي؛ أظنُّ أن شخصًا ما من مُحيط معارفي هو شخص أناني (اعتقاد)، وفي يومٍ من الأيام يسلك هذا الشخص تجاهي سلوكًا يدلُّ على الغيرية (حقيقة). أستطيع حينها أن أقوم بعملية «تمثيل عقلي»؛ فلا أُغيِّر فكرتي عنه، قائلًا إنه يقوم بذلك لأنه ينتظر شيئًا منِّي؛ أي، أنه يفتعل تصرُّفه هذا. لكنني أستطيع أيضًا أن أقوم بعملية «مواءمة»، قائلًا إنَّ هذا الشخص يمتلك أيضًا القدرة على التصرُّف بغيرية وكرَم، مُغيِّرًا بشكلٍ جذري فكرتي عنه. لكنني أستطيع أيضًا أن أضع رأيي جانبًا تاركًا الحُكم للزمن («سأنتظر قليلًا وأرى كيف يتصرَّف كي أفهمه أكثر»).

يبقى التمثيل العقلي أكثر بساطةً وسهولة؛ لأن هذه العملية لا تتطلَّب القيام بجهدٍ نفسي ولا تطرح أسئلة عن صحة أفكارنا (نقد الذات). إنه لا يُقدِّم لنا شيئًا غير إضافة الزيت على صدأ بعض أفكارنا الجاهزة التلقائية. لكنه يُلجِم في نفس الوقت قُدرتنا على التحرُّر من ثوابتنا، وتطوير رأينا وحُكمنا على الأشياء. إن تطوير قدرات المواءمة لهو من فوائد الممارسة المُستمرَّة للتأمُّل بالوعي الكامل. صحيح أنها نتيجة طبيعية لحالةٍ ذهنية من القبول وعدَم الحكم، ولكنها تتجلَّى أكثر عبر التمرين المستمر والممارسة اليومية للتأمُّل بالوعي الكامل؛ لأنَّ هذه الممارسة تُمثِّل الفرق بين الفهم العام لهذه الحالة وتطبيقها يومًا بعد يوم.

كتب فرويد يومًا يقول: «إننا لا نُصلِح عراكًا حين نُساعِد أحد الطرفَين على الفوز.» هكذا هو التأمُّل بالوعي الكامل؛ إنه يُعلِّمنا ألا يكون النصر هدف تفكيرنا أو وسيلتنا لرؤية العالم، وإنما أن نتلقَّى ونقبل أفكارنا كلها كما هي بثرائها وتعقيدها.

الوصول إلى حالة استرخاء لقراءة أفضل للعالم

يُعتبَر الاسترخاء من الفوائد الأخرى للتأمُّل بالوعي الكامل، والذي بدوره يُعتبَر مهمًّا لذكائنا؛ فذكاء الانفعاليِّين والعصبيِّين يتعرَّض غالبًا لحالةٍ من الإقصاء المُثيرة للدهشة. من المُؤكَّد أن عواطفهم القوية تُعطيهم كثيرًا من الطاقة، لكنها تُبدِّل وضوحهم الذهني، وتُعرِّض بُعدَ النظر لدَيهم إلى حالاتٍ مُتكرِّرة من الاختفاء الشديد. إنَّ تداعيات واضطرابات عقلنا تُنقِص قدرتنا على اتِّخاذ الخيارات، وتجعلنا تحت رحمة تبدُّلات عواطفنا، التي تكون بدَورها تحت سيطرة الظروف المُحيطة.

من المُهمِّ في هذا السياق إضافة أنه يُوجَد طريقان للتأمُّل البوذي، والذي جاء منه التأمُّل بالوعي الكامل. إنهما طريق الاسترخاء والمُسمَّى «ساماتها»، وطريق «النظرة العميقة» والمُسمَّى «فيباسانا». والطريق الأول ضروري لخوض الثاني؛ فلا يستطيع ذهنٌ مُضطَرِب ومُتشتِّت أن يُلقي نظرة جليَّة على العالم. يُمكِنه أن يُشكِّل نظرةً ما عن العالم، لكنه لن يعيشه حقيقةً. إنه ذكاءٌ محدود، ضيِّق، فما فائدته؟

figure

سيُساعِدنا التأمُّل بالوعي الكامل على ألا نبقى أمامَ «صورة انعكاس» العالم؛ لأن النظرة العميقة تُساعِدنا على سبر حقيقة الأشياء، فلا نبقى مأخوذين بالمَظهر. لقد كتبت الفيلسوفة سيمون فاي: «لا يتوجَّب على الذكاء أن يُثبِت الأشياء؛ عليه فقط توضيحها.» وهكذا علينا في معظم الوقت أن نُوضِّح في أذهاننا كلَّ العوائق التي تحُول دون الوصول إلى نظرةٍ دقيقة وصحيحة للعالم، والذي سيبدو لنا من خلالها كأنه حقيقة محضة. إن الطريق إلى النظرة العميقة بالنسبة للفلاسفة البوذيِّين لا يُعتبَر مسألة نظرية أو فلسفية؛ فالطريقة التي نرى بها الحقيقة ونفهمها تتعلق بشكلٍ مباشر براحة وهدوء ذهنِنا، وفي نفس الوقت تتعلق راحة البال بطريقة رؤيتنا للعالم. فإذا كانت نظرتُنا إلى هذا العالم غير مُتوافِقة مع حقيقته أو غير مُلائمة، يكون سبب ذلك ماهية العالم بدرجةٍ ما، ولكن أيضًا وبدرجةٍ ما بسبب مُعاناتنا. وهكذا سنجد، في بحثنا عن الوضوح الذهني، عدَّة مفاهيم أساسية، من أهمها نذكر الاعتماد المُتبادَل، والفراغ، وعدم الديمومة.

مفاهيم الاعتماد المتبادل، والفراغ، وعدَم الديمومة

يقول مفهوم الاعتماد المتبادل بين الأشياء أن لا شيء في هذا الكون يُمكِن أن يوجد بوصفه وحدةً ثابتة ومعزولة. فلا يُمكِنني أن أكون شخصًا مُنعزِلًا ومُستقِلًّا تمامًا عن المُحيط حولي؛ لأنني مَدين بحياتي وبقائي لعددٍ لا مُتناهٍ من الأشخاص، وأيضًا لكثيرٍ من الظواهر الطبيعية الأخرى. وهذه الأفعال والقرارات التي أُسمِّيها «أفعالي وقراراتي» والتي تبدو صادرةً عن رغبتي وإرادتي فقط، هي في الحقيقة محدودة ومُتعلِّقة بعوامل أخرى خارجة عنِّي. لكن روابط الاستقلال هذه، هي في الحقيقة روابط اعتماد مُتبادَل؛ لأنَّني أكون في نفس الوقت النتيجةَ ونقطةَ البداية لكثيرٍ من الدوافع والمبادرات الأخرى، والتي بدَورها تُمارِس تأثيرها حولي. وما دمتُ لم أفهم وأقبل ضمنيًّا كلَّ روابط الاعتماد المُتبادَل هذه؛ ما دمتُ لم أقبلها فعلًا بكل مودة، فسأكون شخصًا أعمى، وسأقع بشكلٍ مُتكرِّر في فخ الأنا والكبرياء ومن ثَمَّ في المعاناة. وبالعكس، بقبولي لها، لن يدفعني ذلك إلى حدود الإذعان للقدَرية، ولكن إلى المزيد من التواضُع في أفعالي وقناعاتي.

مفهوم الفراغ هو ثاني أهم المفاهيم البوذية، وقد يكون من أكثر المفاهيم التي لم يتمُّ فهمها بشكلٍ صحيح. إنَّ «الفراغ من كلِّ شيء» لا يعني أن لا شيء موجود حقيقةً، وإنما أنَّ كل ما نراه لا يمتلك وجودًا صلبًا ومُتماسِكًا. لنأخذ قوس قزح مثالًا؛ فوجوده يعتمد بشكلٍ ما على موقعي، وانحناء أشعة الشمس، وأيضًا الغيوم المارَّة. وعندما تجتمع هذه العوامل، يظهر قوس قزح لي ولكنه لن يظهر لأشخاصٍ آخرين لأنهم في أماكن أخرى. ينطبق الأمر أيضًا على مجموعة الأحاسيس القوية التي أحملها تجاهَ شخصٍ ما لأنه قال أشياء سيئة عنِّي. إنني أشعُر بهذا الشخص بشكلٍ حقيقي وهو يجتاح روحي وجسدي، ولكن في حالِ أنَّني عرفتُ أن كل تلك الأقوال التي نُقلَت لي، لم يكن فيها شيء من الصحة، وأن هذا الشخص في الحقيقة قد قال أشياء جيِّدة عنِّي، ما الذي سيحدُث عندها لتلك الأحاسيس، ولصلابتها التي كنتُ أشعر بها منذ لحظة؟ إنها ستختفي في لمْح البصر. لهذا فإن مفهوم الفراغ فيما يتعلق بشيءٍ ما، لا يعني غيابه بالضرورة، أو عدم وجوده، وإنما أنَّ طبيعته غير صلبة، ومُتحرِّكة، ومُعقَّدة، وقابلة للتأويل. وأخيرًا، نستطيع أن نقول إن مفهوم الفراغ هو وَعْيُنا بتعقيد الأشياء وارتباطها ومن ثَمَّ علينا أن نبقى حذِرِين قبل استلابنا من «انعكاسات الواقع» أو تعلُّقنا بها. صحيحٌ أن مفهوم الفراغ قد يكون في البداية باعثًا للشعور بعدَم الأمان، وربما للحزن أيضًا وخاصةً حين نُجرِّبه في تمارين التأمُّل، لكنه فيما بعدُ سيكون مصدرًا للوضوح الذهني وربما للسرور، تمامًا مثل مفهوم الاعتماد المُتبادَل.

لا يُمكِنني أن أكون شخصًا مُنعزِلًا ومُستقِلًّا تمامًا عن المُحيط حولي؛ لأنني مَدين بحياتي وبقائي لعددٍ لا مُتناهٍ من الأشخاص.

ثم هناك مفهوم عدم الديمومة، الذي يُعلِّمنا أن لا شيء يبقى دائمًا، وأن كلَّ حدثٍ هو نتيجة تراكُب وتحلُّل مجموعة عوامل؛ تنظيم وفوضى، وأنَّ كلَّ ذلك آنيٌّ وسيئول إلى الزوال. وهنا أيضًا لا يُعتبَر هذا الكلام نوعًا من الندب، وإنما هو دعوة إلى مزيدٍ من الوضوح والتحرُّر.

يقول بول فاليري: «ينتقل العقل من تفاهةٍ إلى أخرى كما يطير العصفور من غُصن إلى آخر. الأساسي هو ألا نطمئنَّ إلى ثباتِ أيٍّ منها …» نعم فعقولنا تحتاج إلى قناعات آنيَّة، كحالة العصفور على الأغصان. لكن دعونا نُمرِّرها عبر مفاهيم الاعتماد المتبادل، والفراغ، وعدَم الديمومة. سنجد سريعًا أننا أقلُّ معاناة، وسنُسبِّب معاناةً أقلَّ أيضًا. هذا لأنَّ هناك مفهومًا بوذيًّا أساسيًّا آخر لا تعني تلك المفاهيم الثلاثة شيئًا دونه؛ إنه العطف أو الغيرية، وهو ما سنتكلم عنه لاحقًا.

لقاء مع الواقع

يقول المُعلِّم البوذي تيك نيات هان: «التأمُّل ليس نوعًا من الهروب من الواقع، وإنما هو لقاء هادئ معه.» وهذا اللقاء الهادئ مع الواقع لا يُلقَّن، وإنما نستطيع تطويره مع كلِّ تمرين حين نهدأ ونحن نتنفَّس، أو عندما نُراقِب بصبرٍ تجربتنا مع اللحظة الحاضرة، مُلفَّعين بالعطف والإصرار حتى عندما تكون هذه اللحظة مُؤلِمة، أو مُعقَّدة أو مُضطرِبة. وهكذا نستمرُّ بتنفُّسنا ونحن نُراقِب دواخلنا، ونقبل فكرةَ أننا لا نفهم كلَّ شيء، ولا نتحكَّم بكلِّ شيء، لكننا نستمر بعيش التجربة، والشعور بها، ومراقبتها. وهكذا نتعلَّم كيف نرى بشكلٍ أوضح هذا العالمَ الذي هو أيضًا مُؤلِم، ومُعقَّد، ومُضطرِب، وكيف نُفكِّر بشكلٍ أفضل، وأدق، وأوضح.

«الدرس الثالث عشر»

حرِّروا ذكاءكم من قيوده؛ لأنه قد يتصلَّب، وقد يُكرِّر ذاته، ويدور في حلقة مُفرَغة. كلُّ ذلك بسبب كسلِنا، وأيضًا بسبب تلك القوة غير المرئية للأفكار التلقائية و«الجاهزة». لا يُمكِننا شرح أو وصف كيفية الوصول إلى ذلك، ولكن يتمُّ العمل عليه وتعلُّمه. كيف يُمكِننا شحْذ انتباهنا؟ يتمُّ ذلك بالحفاظ على هدوئه وانفتاحه على العالم، هذا أكيد، ولكن أيضًا بالشكِّ والتساؤل المستمر عن كيفية إدراكنا لهذا العالم. وهكذا، في كل مرة نستطيع أن نقول لأنفسنا: «هذا ما أُفكِّر فيه أنا فقط.» «يبدو لي أن معي حقًّا.» «هذا رأيي فقط.» وحين لا تُلامِس هذه الأسئلة السطح فقط وإنما نقولها بشيءٍ من الحذَر وكثير من التواضُع، نكون حينها على صلةٍ حقيقية مع ذكائنا، ولا نكون في حالةٍ من العمى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤