الفصل الخامس عشر

أن نتحرر من سجوننا الذهنية

يا له من رجل مسكين! كم يبدو قلِقًا وحزينًا، وتعِبًا ومُنهَكًا.

يبدو أنه قد تخلَّى عن محاولة الفهم أو الفعل؛ ومن ثَمَّ هناك هذا الانطباع الغريب بأن رأسه قد حُشِر في النافذة … وكأنه حين أراد أن ينظر خارجًا، ليرى قليلًا ما يحدُث في العالم، كي يُخفِّف ثِقَل أفكاره قليلًا، ويخرج من حُزنه؛ وجد نفسه محشورًا. وهو الآن يُعاني بصمت، ونظرتُه هذه تبدو كأنه لا ينظر، أو لا يرى شيئًا. إن نظرته لا تتَّجِه نحو الخارج، وإنما نحوَ الداخل. إنها أيضًا مسجونة داخل آلامه وأحزانه.

إنه مُحاصَر، كما قد نكون أحيانًا مُحاصَرين بأفكارنا. إنه مسجون في صلابة حجارة النافذة التي تُحيط به؛ في صلابة الخشب والزجاج والحديد، تمامًا كما يحدُث مع همومنا أحيانًا، حين تزيد من صلابتها اجتراراتُنا بسبب القلق، فنُسجَن داخلها. سيقول لنا هذا الفخ: «انظر، انظر عبر أفكارك القلِقة، واجتراراتك التي ستخدع إدراكك. وإذا ذهبت أبعد داخلها، فستُسجَن فيها. وإذا غذَّيْتَها، فستصير صُلبةً وقوية وكأنها الواقع. وإذا بقِيتَ مُنتبِهًا لها، فستصير سجينها.»

figure
لوحة «رجل في نافذته»، (١٦٥٣)، لصامويل فان هوخستراتن (١٦٢٧–١٦٧٨)، وهي لوحة زيتية على القماش، بأبعاد ١٫١١ × ٠٫٨٦٥ متر، متحف تاريخ الفن، فيينا.

كيف نستطيع التخلُّص من هذه البَلبلة التي نُسبِّبها لأنفسنا؟ كيف يُمكِننا الخروج من هذه المصائد الذهنية، تلك التي نضعُ أنفسنا داخلها في بعض الأحيان؟ فهل يختبئ الحلُّ في هذه القارورة الصغيرة الموضوعة على حافة النافذة؟ ولكن كيف يُمكِن الوصول إليها؟

إنَّ التُّربة العفنة التي تُسبِّبها الآلام الصغيرة تُؤذي أكثر من أيِّ رضٍّ مهما كان عنيفًا.

مونتين، «مقالات»

كيف تحتكر المُعاناة وعْيَنا؟

يبدأ الأمر بالألم؛ هناك الآلام الجسدية والآلام النفسية، ومن ثَم تأتي المعاناة التي هي تأثير الألم على وعْيِنا.

والمعاناة هي أيضًا الجزء من الألم الذي نستطيع التعامل معه. أما الألم ذاته، جسديًّا كان أم نفسيًّا، وخاصةً إذا كان شديدًا، فإنه يتطلب مُعالَجة دوائية، للحصول على درجة من الراحة. أما العلاج النفسي، فلا يأتي إلا لاحقًا. ويجب أن يأتي، ويجب إنجازه، وإلَّا فلن تُغادِرنا المعاناة أبدًا.

تُحاوِل المعاناة بطبيعتها أن تمتلك ذهننا. إنها كشمسٍ سوداء، وكل شيء حولها يدور في حلقة مُفرَغة. وتضيق معها مساحة وعينا، ولن يكون هناك مكان إلَّا للآلام ولا شيء آخر. هذا هو معنى المعاناة حين يأخذ الألم كلَّ المساحة ويمنع الأفكار والأحاسيس الأخرى من أن تجد لنفسها مكانًا دائمًا. سيمتصُّ الألم كلَّ طاقتنا الذهنية، ولن يكون هناك شيء آخر غيره.

figure

الآلام الجسدية

هناك كثير من الآلام الجسدية التي يجب ألا نُواجِهها باستخدام قوة الروح فقط. وعلينا ألا نتعامل مع هذا الأمر بكبرياء؛ لأن مُضادَّات الألم قد تُنقِذ كرامتنا في هذه الحالات، وإلا فسنصير عندها وحوشًا تعصرها الآلام. ولكن ماذا بعد؟ ما الذي يُمكِنه أن يُساعِدنا كي نكون أقلَّ خوفًا من الألم، وألا نسجن أنفسنا داخل معاناتنا؟ هل يستطيع التأمُّل بالوعي الكامل أن يقوم بهذه المهمة؟ ربما؛ ربما نستطيع بمساعدته أن نكون أكثر استعدادًا لذلك. نستطيع أن نُهيِّئ أنفسنا، دون أن نكون في حالة انتظار للألم، وذلك بالتمرين المستمر على الآلام الخفيفة التي قد تُصيبنا.

منذ وقتٍ طويل، لُوحِظ ارتفاع مستوى القدرة على مقاومة الألم لدى المُمارِسين ذوي الخبرة الطويلة في تأمُّل الزن (وهي ممارسة قريبة من ممارسة التأمُّل بالوعي الكامل). وقد اكتُشفَت لاحقًا لدى هؤلاء المُمارِسين تغيُّرات دماغية لها علاقة مباشرة بهذه القدرة لدَيهم، وأن هذه «المرونة الدماغية» تتناسَب مع عدد ساعات التأمُّل اليومية. إن أحد التفسيرات العلمية يفترِض أن بقاء هؤلاء المُمارِسين في وضعياتٍ ثابتة دون حركة فرضَت عليهم مواجهة العديد من التشنُّجات العضلية والأحاسيس المُرتبِطة بعدم الراحة، وهكذا تطوَّرَت قُدرتهم هذه عبر المواجهة الهادئة والطويلة الأمد للآلام الجسدية.

ما زلتُ أذكر المرة الأولى التي تعرَّضتُ فيها لهذا أثناء التأمُّل. كان ذلك في صباح أحد الأيام، وكنتُ أمرُّ بفترة صعبة. لم يكن الأمر شديد السوء، بل محنة بسيطة، لكن كان يُرافِقها كثير من الإجهاد والضغط. عندما جلستُ على مَقعد التأمُّل، وخلال عشر ثوانٍ، بدأت تشنُّجات عضلية شديدة في أسفل قدمي اليُسرى، وكانت ردود فعلي الأولى هي أن أتحرَّك كي أُخفِّف الألم، وأن أفتح عينيَّ، وأن أُغيِّر وضعيَّتي، أو حتى أن أُوقِف الجلسة. ففي النهاية، كان لديَّ كثير من الأشياء الأخرى التي يجب أن أقوم بها. وأكثر من ذلك، ما الذي يدفعني كي أُسبِّب المعاناة لنفسي؟ … ومن حُسن حظي أن مرضاي يُنقِذونني في معظم الوقت؛ فقد كنَّا قد تكلَّمْنا في اليوم السابق في المستشفى بهذا الشأن، وذلك أثناء التأمُّل العلاجي الجماعي. لهذا قمتُ بمحاولة مراقبة هذه الفكرة («تستطيع أن تتحرَّك، وحتى أن تُوقِف جلسة التأمُّل لتقوم بشيءٍ آخر»). وبدأت أعتبرها فكرة فقط وليست إلزامًا. حاولتُ أن أتلقَّاها كما هي وأن أنأى بنفسي عنها، مُعتبِرًا إيَّاها كإحدى الظواهر التي يُنتِجها عقلي لا أكثر. إذن اتخذتُ خيار عدم الوقوع في الفخ؛ ألا أتحرك، وألا أُطيع أفكاري التلقائية؛ «أتشعُر بألمٍ مُضنٍ، إذن انفصِل عنه.» وقرَّرتُ أنني قبل أن أتحرَّك (وكانت الرغبة قوية) سآخذ وقتي في فحص هذا الألم التشنُّجي؛ أين يُوجد بالضبط؟ هل هو ثابت أم أنه يتبدل؟ ما الذي يُحاوِل أن يُجبِرني على فعله؟ وبالتأكيد، اختفى الألم بعد دقيقة واحدة، وكأنه تحلَّل وانتهى.

سمعتُ عن ذلك قبلًا، لكنني كنت مُندهِشًا، وحتى مذهولًا أنَّ ذلك قد حدث لي هنا والآن، في جسدي أنا. إنه بالضبط هذا الفرق المُذهِل دائمًا بين «المعرفة» و«التجربة». إنهما عالَمان مُختلفان بعيدٌ أحدهما عن الآخر. بالطبع أعرف أن ذلك لن يحدُث في كلِّ مرة. فقد نُضطر أحيانًا لتغيير وضعيَّتنا، أو حتى لإيقاف الجلسة، خصوصًا إذا كان الألم شديدًا. فالتأمُّل ليس نوعًا من تعذيب الذات. لكننا حين نتجاوز معاناةً ما، فقط عبر القَبول بأنها هنا موجودة معنا، دون التصرُّف بعصبية، وإنما عبر الوعي بها، فأي راحة تلك التي نشعُر بها! إنه لقاءٌ بين ما هو نظري وتعمُّد الفعل؛ بين الكلام والحقيقة. وحتى بالنسبة إلى الأشخاص ذوي الخبرة في هذا الشأن، فهم لا يملُّون من اكتشاف هذا الأمر وإعادة اكتشافه. فنحن نشعُر بحالة من الانضباط، والأمان، والاتساق. إن هذا مُمكِن، أعرف ذلك وقد قمتُ به بنفسي.

إذا كان التأمُّل يُساعِد على مواجهة المعاناة، فهذا لأن راحة الذهن لها تأثير مُخفِّف للآلام. إن ذهننا يقوم طوال الوقت بفلترة إشارات الألم الصغيرة كي لا يُزعِج في كلِّ مرة وعيَنا. هذا ما نُسمِّيه ﺑ «التحكُّم الهابط». فإذا كنا قلِقِين أو مُكتئبين فلن يستطيع الذهن حينها القيام بهذه الوظيفة بنفس الفعالية، وسنشعر حينها بآلامنا أكثر. أما إذا كنَّا في حالةٍ من الراحة الذهنية، فسنُعاني حينها بشكل أقلَّ من هذا الألم ذاته. إن تلك الحالة من الراحة الذهنية لا نستطيع أن نستدعِيَها تلقائيًّا عندما نحتاجها، وإنما يجب أن نتمرَّن على ذلك حتى قبل أن تأتينا الآلام؛ لأننا لا نستطيع أن نبدأ بصناعة مظلَّة النجاة في اللحظة التي تتعطَّل فيها مُحرِّكات الطائرة.

فهل ينطبق هذا الأمر أيضًا على الآلام التي تُصيب روحنا؟

آلام الروح

حين نتعلق بأفكارنا المُؤلِمة، حين نقوم بتكرارها في ذهننا، فإننا نُساهِم في نفس الوقت في زيادة صلابتها. إننا نُعطيها شكلًا ونُعطيها أهمية، ونجترُّ آلامنا مُحوِّلين إيَّاها إلى وحوش.

figure

هذه الاجترارات هي عملية تصليب لثرثرة ذهننا الآلية. فمِن حدثٍ ما نخلق مُعاناة، دون أن نقصد ذلك. وبالإضافة إلى كلِّ ما يُصيبنا مُسبِّبًا حالاتٍ من القلق والاكتئاب، تقوم أفكارنا وقناعاتنا (والتي نُصدِّقها ونُؤمِن بها حتى لَتبدو كأنها ثوابت) بزيادة معاناتنا. ومن ثَمَّ نتعلَّق كأمهاتٍ بهذه الوحوش الصغيرة التي قُمنا بإنجابها.

الأفكار السلبية التي تأتي وتذهب لا تُسبِّب لنا الألم. لكنها تصير مُؤلِمةً حين تجتاح وَعْيَنا وتُطلِق فيه جذورها مانعةً الأفكار الأخرى من الوجود. ومع الوقت إذا تركنا هذه الأفكار في عقولنا طويلًا، فإنها ستخلُق دروبًا من المعاناة المُخبَّأة في أذهاننا والتي ستظهر فجأةً من جديد في كل مرة نتعرَّض فيها لشدةٍ ما. وهذا سيُحدِث ما يُسمَّى ﺑ «الإلحاحات الأليمة»، والتي تكون مُضنِية، ومُحبِطة، ويصعُب التحكم بها.

مواجهة المشكلات اليومية

كيف يُمكِننا أن نمنع ذهننا من السَّير وراء تلك المشكلات؛ من أن يكون مأخوذًا بها؟ قد يبدو الحل تناقضيًّا؛ لأنه علينا بكلِّ بساطة أن نُعطيَ مساحةً أكبر لآلامنا، كي نفكَّ ذاتنا من عناقِها.

إن لِممارسة التأمُّل بالوعي الكامل تأثيرًا على الشِّدَّة والمعاناة اليومية؛ إنها تمنع همومنا (التي هي غالبًا شكوكٌ مُقلِقة) من أن تتحوَّل إلى حقائق، وتمنع مشاعرنا (التي تكون في حالتها الطبيعية في حركة دائمة) من أن تكون مُزمِنة وتتصلب، فتصير نزوات. إنها تُساعِدنا على ألا نبقى مُكبَّلين، ومُحاصَرين في حالةٍ ذهنية مُؤلِمة.

تحت تأثير آلامنا قد نسجن ذواتنا دون أن ندري؛ لهذا علينا قبل تحريرها من سجنها أن نرى هذه الحواجز أولًا. إذن خطوتنا الأولى هي أن نقبل حقيقة هذه الشِّدَّة. علينا أن نقبل وجودها في جسدنا، وأن نُراقِب الأفكار التي تُرافِقها والدوافع التي ستُخلَق لدَينا. إننا لا نُحِب أن تُصيبنا المِحَن؛ لأنها تُؤلِمنا وتُخيفنا، لكن صوت الوعي الكامل يقول لنا: «ابقَ معها، لا تخَفْ من أن تُحافِظ عليها في حقْل وعيك. هل هي حقيقية أم لا؟ ليس هذا هو السؤال، بل هو: هل تستطيع أن تُئوي هذه المحنة داخلك وهذه الأفكار والمشاعر، والحالات النفسية تلك، دون أن تنهار، دون أن يُصيبك ذلك بالذُّعر، ودون أن تُسبِّب لك المعاناة؟» هذا ما يقوله بالضبط المَثَل الصيني: «إنك لا تستطيع أن تمنع طيور الحزن من التحليق حول رأسك. لكن لا تدعها تضع أعشاشها في شعرك.»

كي لا نبقى ضحايا اجترارات القلق علينا أن نقبل بوجودها معنا أولًا، وبعد ذلك علينا ألا ندعها تشغل كلَّ مساحة وعْيِنا. علينا أن ندعو ضيوفًا جُدُدًا لدخول هذا الوعي المشغول بالقلق؛ وَعْينا لتنفُّسنا، للأصوات حولنا، لجسدنا، وأيضًا وَعْينا لكل الأفكار الأخرى التي تمرُّ، تبقى قليلًا ثم تذهب، كي تعود من جديد. ولكي نُعطي لأفكارنا من جديد حرية التحرك بطلاقة، يلزمنا مساحة إضافية؛ مساحة أكبر. ليس علينا أن نسعى لمطاردة اجتراراتنا أو إلغائها، بل علينا أن نسمح لها بالبقاء معنا، لكن دون أن تكون وحيدة؛ وأن نتركها تمتزج وتنحلُّ في محتوًى أكثر اتساعًا كي نُخفِّف من عبئها.

ثم علينا أن نتنفَّس؛ ففي لغة مُعلِّمي التأمُّل بالوعي الكامل نجد تعابير مثل «تنفُّس مع»، و«تنفُّس عَبر». هي ليست مصطلحات شديدة الدقَّة لكنها وصفية جدًّا؛ فأن نقول «تنفُّس مع»؛ أي، أننا نستمرُّ في مراقبة معاناتنا واضعين دائمًا تنفُّسنا في قلب وعينا (وأن نفعل ذلك بصبر؛ لأنَّ المعاناة ستعود مرارًا لتحتلَّ قلب وعينا). وأن نقول «تنفُّس عَبر»؛ أي، أن نقوم بمراقبة تأثير التنفُّس على آلامنا، وكأنه يعبُرها. وبتمريننا المستمر بهذه الطريقة أثناء المعاناة والمِحَن البسيطة، قد نُصبِح أقلَّ عجزًا إذا أصابَتنا المِحَن الكبرى … ربما.

عدم ديمومة مُعاناتنا

قبل كلِّ شيء يجب أن نَعِيَ وأن نُمارِس مفهوم عدم الديمومة الذي يُذكِّرنا أن لا شيء يمتلك صلابةً نهائية، وأن كل شيء سيعبُر وينتهي، وأن التعلق بحقيقةٍ ما ليس سوى طريقة تفكير مغلوطة قد تُعزِّزها المعاناة. إنه يهمس لنا أيضًا بنصائح تذهب إلى ما بعد كيفية «إدارة» المعاناة. فكلُّنا نملك هذا الأمل المجنون بأن يبقى كلُّ ما نتعلق به (أشخاصٌ نُحِبُّهم، أشياء نملكها) معنا إلى الأبد. وفي نفس الوقت لدَينا هذا اليأس المجنون (عندما نكون قلِقِين) بأنَّ هذه المعاناة التي نمرُّ بها ستبقى معنا إلى الأبد.

لكن لا شيء يبقى إلى الأبد، لا أفراحنا ولا أحزاننا؛ فلا تعلُّق ولا سجن. نستطيع أن نفهم ذلك وعلينا أن نختبره. نستطيع في تمارين التأمُّل بالوعي الكامل أن نُراقِب كلَّ ما نتعلق به، وأن نبني معه علاقة مختلفة؛ لا أن نتخلَّى عنه، لكن أن نبحث عن المزيد من الحرية في علاقتنا معه. فما هو عابر ليس بالضرورة دون أهمية، ومن الجنون أيضًا القول إننا نستطيع التحرُّر من كلِّ شيء. كل ما علينا فعله هو مراقبة كيف يُمكِننا عبور كلِّ الأشياء، وتلقِّيها، دون أن نكون في حالةٍ من التعلُّق، مع الاستمرار بالعَيش وبالاستمتاع.

«الدرس الخامس عشر»

إنَّ أهمَّ مصدر لمُعاناتنا الذهنية هو تضييق قدرات وَعْينا؛ ألَّا نُدرِك أننا نُغيِّر أحيانًا بعض الحقائق ثم نتعلق بكل قُوانا بهذه الحقائق المُشوَّهة. يستخدم هنا علماء النفس مصطلحات مثل «تحويرات» أو «اجترارات». ويعرفون أنه يجب علينا القيام فورًا بعمليَّتَين؛ الأولى: أن نُدرِك أن ذهننا بصدَد صُنع فخ لنفسه، والثانية: أن نخرج من هذا الفخ. في بعض الأحيان وحتى حين نُدرِك جيِّدًا أننا نُؤذي ذواتنا، نحن لا نستطيع أن نخرج من وساوِسِنا واجتراراتنا. إن رسالة التأمُّل بالوعي الكامل بسيطة؛ فحين يكون الأمر صعبًا جدًّا علينا أن نعدِل عن محاولة طرد هذه الأفكار المُؤلِمة باستخدام الإرادة؛ وبدلًا عن ذلك نستطيع أن نُوسِّع إدراكنا لكلِّ ما هو موجود في لحظتنا الحاضرة. علينا ألا نترُك كل المساحة في أذهاننا للاجترارات والوساوس، وأن نجعلها تمتزِج وتنحلُّ في محتوًى أكثر اتِّساعًا كي نُخفِّف من عبئها. يجب أن يتوسع وعينا إلى ما لا نهاية!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤