الفصل الأول

الكون الرقمي: مقدمة سريعة

أصبحت المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية بالغةَ التعقيد وغنيةً بالميزات، لدرجةِ أنه من المألوف اليومَ أن تجد ملصقًا توضيحيًّا أو دليلًا موجزًا «للتشغيل السريع» يصحب كُتيب إرشادات الاستخدام، المكوَّن من نحو ١٠٠ صفحة، لجهاز تليفزيون رقمي أو كمبيوتر شخصي أو هاتف محمول جديد. يعي المصنِّعون أن المستهلك النافد الصبر (ويشمل هذا الوصف أغلبنا) عادةً ما يتجاهل قراءةَ كُتيب الإرشادات أولًا حتى تُعجِزه ميزةٌ لا تُعِينه البديهةُ على فهمها؛ ومن الأرجح أنه سيتصل برقم الدعم الفني التماسًا للمساعدة بدلًا من استشارة كُتيب الإرشادات؛ ما يثير حنق موظفي مراكز الاتصالات حول العالم. لأدلة التشغيل السريع جوانبُها الإيجابية، فهي توفر المعلومات الأساسية الكافية بحيث يمكنك تثبيتُ البرنامج أو تشغيل الجهاز بنجاحٍ والبدءُ في استخدامه بسرعةٍ.

هذه المقدمة الموجزة هي كدليل «التشغيل السريع» للكتاب بين أيديكم، الذي لا يُعتبَر كُتيبًا لإرشادات الاستخدام أو نصًّا يقدِّم نصائح عملية من أجل أداء وظائفنا بفاعلية في عالمنا الرقمي. بل هو كتاب يصحبك في جولة في الكون الرقمي، ويتتبَّع تطوُّر عصر المعلومات من بدايته حتى الحقبة المفصلية التي نعيش فيها اليومَ.1 «الكون الرقمي» مصطلح يصف بيئةً بشرية عالَمية مشبعة بالأجهزة الذكية (تتبوأ اللاسلكية منها الصدارة على نحو متزايد) تعزِّز من قدرتنا على جمع المعلومات ومعالجتها ونشرها. وراءَ هذا الكتاب هدفٌ رئيسي هو حثُّ القراء على التفكير الناقد في ذيوعِ تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في المجتمعات المعاصرة، وكيفيةِ تأثيرها على حياتنا اليومية. إن الكون الرقمي الذي نسكنه معقَّد ولا ينفك يزداد تعقيدًا مع تطوُّر التكنولوجيا وسعة انتشارها عن ذي قبل. و«سعة الانتشار» مصطلح رئيسي سأستخدمه كثيرًا خلال هذا الكتاب؛ وهو يعني الحضورَ في كل مكانٍ أو «كليةَ الوجود»، وغالبًا ما يُستخدَم كجزء من مصطلح تكنولوجي يشيع استخدامه وهو «الحوسبة واسعة الانتشار»، الذي يصف بيئة توجد فيها الحواسب والأجهزة الذكية في كل مكان؛ وهو وصف لمستقبل بيئة البشر في المجتمعات حول العالم.
إننا نعيش في حقبة مثيرة للاهتمام من التطور البشري نتيجةَ انتشار تكنولوجيات المعلومات والاتصالات. ومستقبلُ الاتصال القائم على مساعدة الآلات، والتطورات المرتبطة به في معالجة المعلومات والذكاء الاصطناعي، كلها تُمنِّينا بآمال عظيمة لرفاهية البشر — وكذا تنذرنا بمخاطر ممكنة. تلعب تكنولوجيات المعلومات دورًا مركزيًّا في وقتِ تواصُل بعضنا مع بعضٍ، ومكانِ حدوث هذا التواصُل وكيفيةِ حدوثه، وستزداد مركزيتها في المستقبل. وهذه التكنولوجيات متغلغلة الآن في حياتنا بالعمل وبالمنزل، وقد غشيَت الحدودَ بين هاتين المساحتين لدرجةِ أنه كثيرًا ما يتعذَّر التمييز بينهما. والمواطنون الرقميون اليومَ متَّصِلون و«متواصلون إلكترونيًّا» طوالَ ساعات اليوم وطوالَ أيام الأسبوع. ما يذكِّرنا بملاحظة لويس مامفورد أن أي تكنولوجيا مستخدمة على نطاق واسع عادةً ما تكون «خفية»؛ ليس بالمعنى الحرفي للكلمة، لكن بالمعني المجازي.2 أصبحت أجهزة التليفزيون وشاشات الكمبيوتر واسعةَ الانتشار، لدرجةِ أن وجودها في حجرات الدراسة والمطارات والحانات وبالطبع في أماكن العمل لم يَعُدْ أمرًا لافتًا للنظر. أحيانًا يبدو بحرم الجامعة أن الجميع يحمل هاتفًا محمولًا ومنهمك في مهاتَفة صديقٍ أو إرسال رسالة نصية له. كان هذا المشهد سيبدو مُلفِتًا للانتباه عام ١٩٩٥، لكنه اليومَ بلغ من الانتشار أن قليلين سيلحظونه. نحن محاطون بأجهزة التواصل عن بُعد لدرجة ما كان ليتصورها أحد في القرن العشرين، بل ستزداد أيضًا ذيوعًا مع زيادة قدراتها ومنافعها في القرن الحادي والعشرين.3

آمل، عزيزي القارئ، أن تكتسب خلال مطالعتك لهذا الكتاب مزيدًا من أدوات النقد في ملاحظتك للاستخدام الاجتماعي لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وأن تقيِّم النتائجَ الإيجابية والسلبية لاستخدامها، وأن تكوِّن رؤًى جديدةً أثناء القراءة ستضيف ثراءً وعمقًا لمعرفتك بالتواصُل والذكاء البشريَّيْن.

ثلاثة أنواع للمعرفة الرقمية

جدول ١-١: الأنواع الثلاثة للمعرفة بالكمبيوتر.
الفئة الاستخدام الاستعاري موقف الأفراد* الهدف
المعرفة الوظيفية أجهزة الكمبيوتر كأدوات الأفراد كمستخدمين للتكنولوجيا التوظيف الفعَّال
المعرفة الناقدة أجهزة الكمبيوتر كمنتجات ثقافية الأفراد كطارحين للأسئلة حول التكنولوجيا النقد المستنير
المعرفة التأثيرية أجهزة الكمبيوتر كوسائط تنقل نصًّا فائقًا الأفراد كمنتجين للمحتوى على الإنترنت الممارسة التأمُّلية
المصدر: نقلًا بتصرُّف عن كتاب إس إيه سيلبر «المعارف المتعددة في العصر الرقمي» (كاربونديل، إلينوي، مطبعة جامعة جنوب إلينوي، ٢٠٠٤).
يقدِّم ستيوارت سيلبر نموذجًا مفيدًا يتناول المعرفة بالكمبيوتر، بوسعنا تطبيقه على دراستنا للكون الرقمي. وقد حدَّدَ ثلاثة أنواع مختلفة للمعرفة بالكمبيوتر (انظر الجدول ١-١).4 أولها: ينبغي أن يتمتع المرء في العالَم المتصل عن بُعْدٍ ﺑ «معرفة وظيفية» بالكمبيوتر والبرمجيات بوصفها أدواتٍ تُستخدَم في الحياة اليومية. في قسم الصحافة بالجامعة حيث أُدرِّس الاتصالَ بمساعدة الحاسوب، نكرِّس وقتًا مطولًا مستخدمين أجهزةً باهظةَ الثمن (وبرمجيات محدَّثة حتى آخِر نسخة) لتعليم صحفيِّي ومتواصِلِي المستقبل كيف يستخدمون هذه الأدوات الرقمية. وفي الواقع، إن كثيرًا مما نطلق عليه تعليم الكمبيوتر حول العالم يركِّز على تدريس المكونات المادية واستخدام البرمجيات. لكن لستيوارت ملاحظة ثاقبة؛ حيث يرى أن هذا النوع من التعليم لا يوفر سوى جانب واحد فقط من المعرفة التي يحتاجها المرء من أجل أن يؤدي وظائفه في عالَمٍ حافلٍ بالتكنولوجيات الرقمية؛ فينبغي للمواطنين الرقميين أن يتمتَّعوا بالمعرفة الناقدة والمعرفة التأثيرية.

التمتع بالمعرفة الناقدة

الفئة الثانية من نموذج سيلبر هي المعرفة الناقدة. وتفترض هذه الفئة الرسوخ الاجتماعي للتكنولوجيا في جميع المجتمعات المتصلة بشبكات حول العالم، كذلك تُلقِي الضوء على المضامين الثقافية والاقتصادية والسياسية لاستخدامها. المستخدِمون المتمتعون بالمعرفة الناقدة «يطرحون أسئلةً حول التكنولوجيا» وتطبيقاتها، ويستقصون كلًّا من المضامين الإيجابية والسلبية لاستخدام التكنولوجيا؛ وهذا موضوعٌ رئيسي في هذا الكتاب، وجانبٌ أساسي من كون المرء مستخدِمًا مُلِمًّا بالتكنولوجيا.

إن البراهين الإيجابية على تكنولوجيات المعلومات والاتصالات حاضرة في كل مكان؛ فمصنِّعو المكونات المادية ومنتجو البرمجيات وتجارُ الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية بالتجزئة والبنيةُ التحتية التسويقية التي تروِّج لهذه المنتجات والخدمات؛ تؤكِّد هذه المصادر كلها أننا واعون بخصائصها الإيجابية. عندما تُطرح تكنولوجيا مبتكرة في المعلومات أو الاتصالات، تبدأ دعايةٌ واسعةُ النطاق لميزات التكنولوجيا كجزءٍ من حملة التسويق. وغالبًا ما تكون الخصائصُ مركزةً على تحسينِ سرعة الاتصال عن بُعْدٍ، أو إضفاءِ كفاءةٍ أعلى على مهمة معالجة المعلومات، أو مزيجٍ من هذا وذاك. ومع اقتناء المستهلك لهذه المنتجات، غالبًا لا تظهر التبعاتُ السلبية إلا بوتيرة بطيئة.

يركز المنظور النقدي والمنظور الثقافي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، اللذان يطرحهما سيلبر، على تحرِّي علاقات القوة المهيمنة في المجتمع. ولهذين المنظورين ثقلُهما، خاصةً من منطلق دراسة عواقب الفجوات الرقمية بين مَن يُتاح لهم الحصول على المعلومات ومَن لا يُتاح لهم ذلك. وللمنظورَيْن الاقتصادي والسياسي نفعهما في دراسة قرارات تقنين التكنولوجيا، من بين غيرها من القضايا السياساتية الرئيسية. إلا أنني أوصي القرَّاء ببَسْط نطاق منظورهم النقدي لما يتجاوز المنظورين الاقتصادي والسياسي لتحرِّي القضايا الجوهرية في مسألة الاتصال البشري واستخدام تقنيات الأتمتة معه؛ على سبيل المثال: كيف تؤثِّر الوساطة في التواصل (إدخال آلة في عملية الاتصال) على التعبير والحوار البشري؟ هل فقد البشر الآن جانبًا رئيسيًّا من تقليد التواصل الشفهي الذي أولاه باحثون على غرار هارولد إينيس قيمةً كبيرةً؛ أم أُعِيدَ توظيفُ هذا الجانب بفعل الهواتف المحمولة وكاميرات تسجيل الفيديو؟ كيف أثَّرت تكنولوجيات الاتصال على تقاليد البشر في حكي القصص وعلى القصص التي نحكيها؟ من ثَمَّ، يركِّز المكوِّن النقدي من المعرفة الرقمية على الآثار الاجتماعية لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. إنه ميدانُ دراسةٍ ثَرِيٌّ يشتمل على سلوك المستهلك وعلم النفس البشري والعلوم السياسية واللغة والفلسفة والاقتصاد والتفاعل بين الإنسان والكمبيوتر. يستقصي علماءُ الاجتماع والكمبيوتر في هذه المجالات بعضًا من أكثر الأسئلة إثارةً للاهتمام بشأن استخدام البشر للتكنولوجيا. في الكتاب الذي بين أيديكم سنتحرَّى رؤى الملاحظين المنتقدين للتكنولوجيا بمَن فيهم هارولد إينيس، ولويس مامفورد، وجاك إيلول، ومارشال ماكلوان، وبيل ماكيبن.

أحد أكثر النقَّاد استبصارًا في مجال الاستخدام الاجتماعي للتكنولوجيا هو الراحل د. نيل بوستمان، الأستاذ بجامعة نيويورك وعالم الدلالة والناقد الاجتماعي الذي تحظى أعمالُه بقاعدة عريضة من القرَّاء. ونيل بوستمان صاحب كتاب «الاحتكار التكنولوجي»، الذي كان بمنزلة نقد فَطِن للدور الذي تلعبه التكنولوجيا في مجتمعات المعلومات المتقدمة.5 سنتناول رؤاه النقدية في فصول لاحقة، لكن بعض النقاط الرئيسية التي تناولها ذات صلة بحديثنا هنا؛ إذ يرى بوستمان وأبناء منهجه من الناقدين أن المعرفة بتاريخ تطوُّر التكنولوجيا ضروريةٌ. لا يتسنَّى للمرء التنبُّؤ بمسار التطور المستقبلي لأيِّ تكنولوجيا معلومات أو اتصالات دون فهْمِ مراحل نشأتها حتى حاضرها، وتاريخُ تكنولوجيا الحوسبة حافلٌ بقصص مدهشة عن كيفية تطوَّر «الحواسيب» بمرور الوقت، ممَّا كان في الماضي مهنةً يمتهنها البشر حتى الرقائق الموجودة في مليارات الأجهزة الذكية. هذا الكتاب ليس تأريخًا شاملًا لنشأة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من التلغراف حتى اليوم، لكني طعَّمْتُ نصَّه بالخلفية الضرورية لاستيعاب السياق الاجتماعي لهذه التكنولوجيات وآثارها. إن دارسة تاريخ تطوُّر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حقلٌ من حقول العلوم الإنسانية في الأساس، وليس هذا من قبيل المفارقة؛ فقصصُ تطوُّر التلغراف والمهاتفة والتليفزيون والإنترنت تدور في جوهرها في فلك الإبداع والإيثار والجشع والطموح البشري. سأطعِّم طرحي بالخلفية التاريخية أينما كانت لها حاجةٌ، وذلك بطريقةٍ لا خطيةٍ من المرجح أنك تألفها في البحث عن المعلومات على الإنترنت.

المعرفة التأثيرية

النوع الثالث من المعرفة الرقمية الذي أشار إليه سيلبر هو المعرفة التأثيرية. في هذا السياق، تكون التكنولوجيات الرقمية قنواتٍ «لوسائط النص الفائق»، ويُعتبَر الأفراد «منتجين للتكنولوجيا». تصف هذه الرؤية عالَمَ الجيل الثاني من خدمات الإنترنت (الويب ٢٫٠) اليومَ، وعالَمَ الجيل الثالث (الويب ٣٫٠) في المستقبل القريب. إننا نسلِّم بسيطرة النص الفائق والوسائط الفائقة في عالَمٍ توجد فيه هذه الوسائط في جميع البيئات المتصلة بشبكات. وقد غيرت القدرةُ على الربط السَّلِس والسهل للمحتوى المتصل على الإنترنت من معالجة البشر للمعلومات ونشرهم إياها.

تبنَّى عالِمُ الببليوجرافيا البلجيكي بول أوتليه فكرةَ ربطِ المعلومات وبناء شبكاتٍ من المعارف، وأدمج الفكرة في مشروع مندانيوم الذي أسَّسه في بروكسل في مطلع القرن العشرين.6 ستجد تفاصيلَ إضافيةً حول أوتليه وأفكاره في الفصل السادس؛ لكن ينبغي الإطلال على أفكاره في سياق المعرفة التأثيرية. كان أوتليه يروم إنشاء سجلٍّ ضخم بكل المعارف البشرية والأعمال الإبداعية، ثم يتيح الوصول إليه باستخدام وسيلة اتصال كهربائية؛ وعندما يستفسر مستخدِمٌ عن أي موضوع سيتمُّ توجيه استفساره إلى مندانيوم في بروكسل عن طريق البرق أو الهاتف، حيث يُولِج فريقُ العمل ملايين بطاقات الفهرسة (تشبه كثيرًا بطاقات المكتبات في ذلك الحين) للعثور على الإجابة، وتُرسَل الإجابة إلى المستفسر برقيًّا أو هاتفيًّا. كان أوتليه يحلم في ثلاثينيات القرن العشرين بالاستعانة بتكنولوجيا البث المرئي، التي كانت جديدةً آنذاك، لالتقاط المعلومات (بالعناصر البصرية المرتبطة بها) وإرسالها إلى المستفسر. المشروعُ الحالم الذي طمح له أوتليه موجودٌ اليومَ في صورة مواقع ويكيبيديا وجوجل وشبكة الإنترنت كلها.
أضاف فانيفار بوش عام ١٩٤٥ إلى فكرة المندانيوم التي طرحها أوتليه فكرةَ نظامٍ كهربائي ميكانيكي لربط المعلومات (المعلومات النصية والبصرية معًا) في مشروعه ميمكس.7 كان من المزمع أن يسجِّل الميمكس المعلوماتِ ويخزِّنها على وسيط التخزين الميكروفيلم، الذي كان تقنيةً حديثة آنذاك، لكن الفكرة الفريدة من نوعها في جهاز بوش كانت منظومةَ مفاتيح تسجِّل معلوماتٍ حول الارتباطات التي أُنشِئت بين مختلف أشكال المحتوى المتصل بعضه ببعضٍ؛ وأُطلِق على هذه الارتباطات «السجلات الترابطية»، وكانت الفكرة مَهْدًا لما يُعرَف اليومَ بالنص الفائق على الإنترنت. لكن النقص الذي اعترى فكرة بوش كان غيابَ نظامِ فهرسةٍ جامعٍ مشابِه لمنظومة أوتليه، من شأنه أن يسمح بالوصول العشوائي إلى المعلومات التي يبحث المستخدِم عنها. كان لمقال بوش بمجلتَيْ «أتلانتيك منثلي» و«لايف» المعنون ﺑ «كما قد نطمح» بالغُ التأثير في تشكيل الأحلام الطامحة لبلوغ المعلومات، التي راودَتْ جيلًا من علماء الكمبيوتر في منتصف القرن العشرين.8
انتمى إلى مدرستهم عالِمُ المعلومات تيد نيلسون الذي سكَّ مصطلح «النص الفائق» في ستينيات القرن العشرين كوسيلةٍ لوصف «تشعُّب واستجابة» الروابط النصية بين المعلومات المتصلة.9 وكجزءٍ من مشروعه زانادو10 لإتاحة المعلومات الإنسانية كافة لكلِّ مَن يقطنون البسيطة، وصَفَ أيضًا «الوسائط الفائقة»، وهي محتوًى مرتبط لا يقتصر على النصوص فقط، أو ما نعرفه في الوقت الحاضر باسم «الوسائط المتعددة». وفي مطلع تسعينيات القرن العشرين، استعان تيم بيرنرز-لي بالأفكار الجوهرية للنص الفائق والوسائط الفائقة لإنشاء منظومته «المتداخلة» المؤلَّفة من مجموعةِ مستنداتٍ متصلة تطوَّرَتْ إلى الشبكة العنكبوتية العالمية.11

في حقبة الويب ٢٫٠، ليس مواطنو الكون الرقمي مجرد منزِّلين سلبيين للوسائط الرقمية من الإنترنت، بل تزداد وتيرة إنتاجهم النشط لمحتوى جديد؛ فأيُّ محتوى فيديو أو نصي أو موسيقي أو فني أو صوتي يمكن تحويلُه إلى صيغةٍ رقميةٍ وتحميلُه إلى الإنترنت في صورةِ وسائطَ فائقةٍ مرتبطة. إن إنشاءَ محتوًى يُنتِجه المستخدِمُ على شبكة الإنترنت ونقْلَه، حوَّلَ الكونَ الرقمي الذي يهمين عليه علماءُ الكمبيوتر ومطوِّرو الإنترنت دقيقو التخصُّص، إلى مجتمعٍ عالميٍّ بوسع كلِّ شخصٍ فيه نشْرُ أيِّ شيءٍ؛ أيِّ شيءٍ تُجِيزه الحكومة.

السيبرانية

ثمة جانبٌ حيوي آخَر من المعرفة الرقمية هو فك شفرة مصدر المصطلحات الرئيسية المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كان المعنى المهجور لكلمة «اتصال» بالإنجليزية communication هو تسليم رسالةٍ يدًا بيد من شخصٍ لآخَر، كما كان يفعل المرسال في بلاد الإغريق. ربما يظن المرء أن «البث» مقصورٌ على الراديو والتليفزيون فحسب، في حين أن أصل اللفظة الإنجليزية مشتق من مصطلح زراعي بمعنى «يغرس». قبل اختراع آلات الزراعة الميكانيكية، كان المزارعون يمشون عبر حقولهم و«يغرسون» broadcast بذورَ المحصول الجديد عن طريق نَثْرِها scattering باليد. واليومَ «ينثر» الهاتفُ والراديو والتليفزيون الرسائلَ الإلكترونية عبر كابلات الألياف البصرية الممدودة برًّا وبحرًا إلى شتَّى قطاعات المجتمع عبر الهواء.
ومن المصطلحات الرئيسية في المعرفة الرقمية مصطلح «السيبرانية» cybernetic؛ وهو مشتق من المصطلح الإغريقي kybernetes، ويعني الطيار أو قائد الدفة أو الحاكم.12 ويفيد الاشتقاق الحديث بأن كلمة سيبرانية تتضمَّن آلياتِ تعقيبٍ تتيح وظائفَ القيادة والتحكُّم في الأنظمة المغلقة. يساعد المنظور السيبراني على فهم الأنظمة المعقَّدة التي تتضمَّن سلاسل سببية دائرية تشكِّل حلقاتِ تعقيبٍ تنظِّم أداءَ النظام لوظائفه. وترتبط دراسة السيبرانية بكثيرٍ من التخصصات المتنوعة، لكن التركيز في هذا الكتاب سينصبُّ على علاقتها بنُظُم المعلومات والاتصالات.
وجذْرُ الكلمة الإنجليزية cyber متأصِّل في كثيرٍ من الكلمات التي يشيع استخدامها في مجال تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، مثل: «الفضاء السيبراني» Cyberspace (أي الكون الرقمي)، و«الخيال العلمي السيبراني» Cyberpunk وهو أسلوب أدبي ما بعد حداثي، و«الكائن السيبراني» Cyborg الذي يصف هجينًا من الإنسان والآلة يتمتع بأعضاء ميكانيكية. ولا ينبغي فهم السيبرانية على أنها تنطبق فقط على النُّظُم القائمة على الآلات؛ فالبشرُ كافة يعتمدون على حلقاتِ تعقيبٍ سيبرانية في أجسامنا من أجل إدارة العمليات الحيوية مثل التنفُّس والدورة الدموية؛ ولا سيما التواصُل مع الآخرين.

إننا نتعلَّم اكتسابَ معارف ومهارات رقمية جديدة من خلال حلقات التعقيب المعقَّدة مع الأصدقاء والأسرة ومع التعليمات الرسمية؛ فعلى سبيل المثال: عندما تجرِّب التقاطَ صور رقمية للمرة الأولى ثم مشاركتها مع أصدقائك على الإنترنت، قد تتلقَّى تعقيبًا مفيدًا حول صورك يؤدِّي إلى تعديلك طريقةَ التقاطك للصور ومهارات معالجتك لها وفقًا له. في كونٍ يحكمه إصدارُ الويب ٢٫٠ ربما تكون حلقاتُ التعقيب فوريةً وشخصيةً («لا تعجبني صورتي التي التقطتَها لي في حفل نهاية الأسبوع الماضي؛ من فضلك احذِفْها!»)، أو ربما تكون بعيدةً وغيرَ شخصيةٍ (مثل المزايَدة على كاميرا رقمية على موقع إي باي). وهذه الآليات المتفاعلة هي جوهر التكنولوجيات المرتبطة القائمة على إصدار الويب ٢٫٠ مثل موقع ويكيبيديا. ومع مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من أدوات إصدار الويب ٢٫٠، بوسعك زيادة خيارات التعقيب واستخدامها لاكتساب معارف ومهارات جديدة، لا سيما تلك المتعلِّقة بتكنولوجيات الاتصالات عن بُعْدٍ الجديدة. سيوفر لك هذا الكتابُ الخلفيةَ المنشودة لفهم تطوُّر هذه التكنولوجيات، ثم سيحثُّك على التفكير الناقد في الكيفية التي تؤثِّر بها على حياة البشر في الحاضر وفي المستقبل.

دليلك لتفقُّد فصول الكتاب

ينقسم هذا الكتاب إلى خمسة أجزاء رئيسية:
  • الجزء الأول: مقدمة وإطلالة؛ الفصول الأول والثاني والثالث.
  • الجزء الثاني: تاريخ الإنترنت والويب؛ الفصول الرابع والخامس والسادس.
  • الجزء الثالث: الاتصالات عن بُعْدٍ والتقارُب بين الوسائط؛ الفصلان السابع والثامن.
  • الجزء الرابع: السيطرة على الإنترنت والثقافة السيبرانية والرؤى الديستوبية؛ الفصول التاسع والعاشر والحادي عشر.
  • الجزء الخامس: تكنولوجيات الاتصالات الجديدة والمستقبل؛ الفصول الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر.

كما أشرنا أعلاه، لم يُكتَب هذا الكتاب بهدف قراءة الفصول بالترتيب؛ ولذا يمكن قراءة الفصول دون ترتيبٍ إنِ ارتأى القارئ ذلك. لكن ربما أفضلُ منهجٍ هو قراءة فصلَيْ قانون مور والرؤى النقدية (الفصلان الثاني والثالث) أولًا؛ لأن المفاهيم الأساسية التي أطرحها بهذين الفصلين تمثل الأسس التي سأبني عليها شروحي في الفصول اللاحقة. كما أن الفصول التي تتناول الخلفية التاريخية (الفصول من الرابع إلى السادس) ستتلاحم بعضها مع بعض بصورة أفضل إن قُرئَت بالتتابع.

يعرِّف الفصلُ الثاني قانونَ مور ويشرح موقعه في قلب تكنولوجيات الكون الرقمي. وسأتناول بالشرح مضامينَه بالنسبة إلى الاتصالِ عن بُعْدٍ والحوسبةِ واسعة الانتشار والأجهزةِ الذكية، في إطار آثارها على الحياة اليومية. ينتهي الفصل بمجموعةِ أفكارٍ عن فرص تماسك قانون مور في هذا القرن. يعرض الفصل الثالث التحليلَ النقدي للكون الرقمي كما ألمَحَ إليه سيلبر في نموذجه للمعرفة التكنولوجية. سأتحرَّى رؤى منتقدي التكنولوجيا، مثل جاك إيلول ونيل بوستمان، في إطار تطبيقها على تكنولوجيات المعلومات والاتصالات. وسأناقش الآثار الاجتماعية والمرضية المترتبة على العيش في عصر المعلومات، مع تأكيدي على الدور الذي تلعبه السرعة والكفاءة في تبنِّي تكنولوجيات الاتصالات الجديدة.

يركز الجزء الثاني على ابتكار الإنترنت والشبكة العنكبوتية العالمية؛ فيستعرِض الفصل الرابع منشأَ الإنترنت الذي يعود إلى الحرب الباردة، والدورَ المؤثِّر الذي لعبه عالِمُ الكمبيوتر جيه سي آر ليكلايدر في تطويره. يُلقِي الدورُ المركزي الذي لعبَتْه وزارةُ الدفاع الأمريكية في إنشاء وكالة مشاريع الأبحاث المتطورة (أربا) ومشروعها أربانت؛ الضوء على الجدل حول الباعث وراء إنشاء أول شبكة بيانات تغطي الأمة بأسرها. ويحلِّل الفصل الخامس تطوُّرَ أربانت إلى شبكة الإنترنت بين ١٩٨٠ و١٩٩٠. وسأناقش مساهمات كبار المبتكرين من أمثال فينتون سيرف وروبرت خان (إنشاء بروتوكول التحكُّم بالإرسال/بروتوكول الإنترنت وغيره من بروتوكولات الشبكات الأساسية)، وتيد نيلسون (فكرة النص الفائق كأداةِ ربطٍ)، ودوج إنجلبارت (إنشاء تكنولوجيات الواجهة)؛ وذلك في سياق ابتكار شبكة الإنترنت العالمية. يطلُّ الفصل السادس على بول أوتليه وابتكارِه المندانيوم في بلجيكا بين ١٩١٠ و١٩٣٤، الذي كان نواةَ الشبكة العنكبوتية العالمية قبل ٦٠ عامًا من ابتكارها. وسأتناول الدورَ الذي أدَّاه تيم بيرنرز-لي في وضْعِ مفهومِ دمْجِ النص الفائق وبروتوكول التحكُّم بالإرسال/بروتوكول الإنترنت ونظام أسماء النطاقات في منظومةٍ جامعةٍ لولوج المستندات أُطلِق عليها اسم «ميش» (التي يعرفها العالَمُ اليومَ باسم الشبكة العنكبوتية العالمية). اختتمْتُ الفصلَ بتحليلٍ لما نُطلِق عليه إصدارَ الويب ٢٫٠، وكيف يمكن أن يتطوَّر في العقد المقبل إلى إصدار الويب ٣٫٠.

يبدأ الجزء الثالث من الكتاب بالفصل السابع الذي يستعرض تطوُّر نُظُم الاتصال التلغرافية في أوروبا وأمريكا الشمالية وربطها عن طريق الكابلات تحت البحر، التي سرعان ما طوَّقَتِ الكوكبَ وقادتنا إلى مفهوم «العالم المتصل سلكيًّا». ومع تحوُّل الأسلاك من النحاس إلى الألياف البصرية في العشرين عامًا الماضية، أتاحَتْ هذه الوصلات — التي لا تحظى غالبًا بالاهتمام — وجودَ شبكةِ الإنترنت العالمية. إن «العالَم المسطح» الذي يتحدَّث عنه توماس فريدمان تحدِّد هذه الوصلاتُ ملامحَه وكيفية مساهمة الدور الذي يؤديه الاتصال عن بُعْد في تعهيد العمل الرقمي خارجيًّا، وفي تكوين فِرَق العمل العالمية التي تساهِم بها المنظماتُ الحكومية والخاصة. يركز الفصل الثامن على التقارُب الرقمي في التحوُّل من الوسائط التناظرية إلى الوسائط الرقمية، وسأتناول المنافعَ التي تعود من تقارُب الوسائط، إلى جانب آثارها السلبية على الوسائط الموجودة مثل الصحفِ وبثِّ الراديو والتليفزيون.

يبدأ الجزء الرابع بالفصل التاسع، الذي يتناول المعاركَ الدائرة حول السيطرة الحكومية والخاصة على الإنترنت، وسأعرض دورَ التجارة الإلكترونية في سياق هذا الصراع من أجل السيطرة على مدار العشرين عامًا الأخيرة. وسأتحرَّى في الفصل العاشر الثقافةَ السيبرانية العالمية ودورَ الاتصال الرقمي عن بُعْدٍ في تعزيزِ ركائزِ هذه الثقافة الجديدة. سأتناول كذلك رؤى ناقدِ وسائلِ الإعلام والاتصال الجماهيرية مارشال ماكلوان في ضوء ما أطلق عليه «القرية العالمية» المتصلة إلكترونيًّا، وسأتناول قضايا الفجوة الرقمية من منطلق أوجه التفاوت في الوصول إلى هذه الخدمات الرقمية في شتَّى بقاع العالم. إن ظهورُ الشبكات الاجتماعية العالمية هو محصلةُ الروابط التي كوَّنَها الروَّادُ الأوائل على الإنترنت، والتي تخطَّتْ حواجز المكان والزمان. لكن توجد محاولاتٌ من بعض الحكومات لتقييد الوصول الحر إلى الإنترنت، وسأتناول هذه المحاولات في سياق الأولويات الوطنية التي تؤيد الرقابة وإقامة حواجز دولية أمام التدفُّق الحر للمعلومات. ويعرج الفصل الحادي عشر على «الجانب المظلم» من شبكة الإنترنت، فيتناول قضايا الخصوصية على الإنترنت، والتهديدات التي يشكِّلها قراصنةُ الإنترنت والفيروسات وبرامج البوت Bot التلقائية على الويب لخصوصية المرء وأمن البيانات. وأختتمه بمجموعةِ خطواتٍ موجزة بوسعنا اتِّباعها لحماية الخصوصية على الإنترنت ووقاية المعلومات الشخصية من الإفشاء غير المرغوب فيه.

يركِّز القسم الأخير من الكتاب، الجزء الخامس، على نشوء تكنولوجيات الاتصال عن بُعْدٍ والتكنولوجيات الرقمية الجديدة التي ستؤثِّر على المجتمعات العالمية في العقود المقبِلة؛ فيتحرَّى الفصل الثاني عشر الكونَ المختلط المؤلَّف من تكنولوجيات الاتصالات السلكية واللاسلكية؛ فقد تحوَّلَ التليفزيون من تكنولوجيا بثٍّ لا سلكية إلى تكنولوجيا سلكية، عن طريق خدمات التليفزيون المدفوع ومع البث الحي للمحتوى عبر الإنترنت باستخدام تليفزيون بروتوكول الإنترنت (آي بي تي في). والهواتف الآن أجهزةُ مشاهَدةٍ متنقِّلة للتليفزيون حيث يُبَثُّ المحتوى مباشَرةً من الإنترنت، أو بوسع المشاهد بلوغه لا سلكيًّا من شركات نقل البث المحلية. تتيح الهواتف المحمولة وسائلَ للتواصل، مفعلة دائمًا وسانحة دائمًا، مع العائلة والأصدقاء؛ وسهولةُ نقْلِ هذه الخدمات تعني أنك لن تبتعد أبدًا عن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات. ثم يحلِّل الفصلُ العواقبَ الاجتماعية للاتصال المستمر بالشبكة. يتناول الفصل الثالث عشر عمليةَ خلْقِ العوالم الافتراضية التي يمكن للبشر أن يعمروها من خلال الاشتراك في الألعاب على الإنترنت. لقد بلغَتْ ألعابُ الكمبيوتر أوْجَ تطوُّرِها في العقدين المنصرمين، وحقَّقَتْ مستوًى مُبهِرًا من الواقعية يصعب معه مقاوَمةُ المشاركة النَّشِطة فيها. كما سيتحرَّى الفصلُ التطبيقاتِ الجديدة التي تستخدم تقنية «الواقع المُعزَّز» المبهرة؛ حيثُ تُركَّب صور صمَّمَها الكمبيوتر فوق مَشاهِد متصلة في عالَم الواقع.

أختتم الكتابَ بالفصل الرابع عشر الذي يطرح عدة رؤًى حول مستقبل الكون الرقمي. إن المستقبل القريب باهرٌ؛ حيث سيخفِّض قانونُ مور من كلفة الأدوات الرقمية في الوقت الذي سيحسِّن كثيرًا من قدرتها وفُرَصنا في الحصول عليها. ومع تقلص الفجوة الرقمية، ستُتاح هذه الأدوات لعددٍ أكبر من البشر ليتصلوا بالآخَرين ويعملوا معهم. بعض سيناريوهات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المستقبلية يوتوبية؛ أي إن البشر سيتطوَّرون جنبًا إلى جنب مع التكنولوجيا، وسيتبنَّوْن أفضلَ الجوانب من ذكاء وذاكرة الآلية. والبعضُ الآخَر ديستوبية؛ تدور حول تخطِّي ذكاءِ الآلة في النهاية ذكاءَ الإنسان، وأن دورنا في المستقبل ربما سيكون فريقَ الصيانة القائم على خدمة العالَم السيبراني. من المرجح أن الواقع سيكون في نقطةٍ ما بين هاتين الرؤيتين المتناقضتين. لِمَ ينبغي لنا أن نقتطع من وقتنا للتفكير في هذين المستقبلين؟ لأن كلًّا منكم سيقضي حياتَه في هذا الزمان، ومن ثَمَّ فالتفكير الناقد في هذين السيناريوهين ربما يوسِّع من آفاقنا. أتمنَّى أن تستمتعوا برحلتكم عبر الكون الرقمي في هذا الكتاب بوصفه خريطةَ طريقٍ افتراضيةً للحياة المتصلة بالإنترنت والتكنولوجيا في العقود التي تنتظرنا.

هوامش

(1) By “we,” I am referring to citizens of the planet Earth who use information and communication technologies. This would include most of the 90 percent of the world’s population that will have mobile phone access (but not necessarily possess one) by 2020.
(2) L. Mumford, Technics and Civilization (New York: Harcourt, 1934).
(3) “Telematics” is another term used to describe information and communication technologies.
(4) S. A. Selber, Multiliteracies for a Digital Age (Carbondale, IL: Southern Illinois University Press, 2004).
(5) N. Postman, Technopoly: The Surrender of Culture to Technology (New York: Vintage, 1992). Neil Postman died in 2003 at the age of 72, a loss to his community at New York University and to all who value his perceptive contributions to education, the study of semantics, and critical views of technology.
(6) P. Otlet, International Organisation and Dissemination of Knowledge: Selected Essays of Paul Otlet, ed. W. B. Rayward (London: Elsevier, 1990).
(7) V. Bush, “As We May Think,” Atlantic Monthly (July 1945), 101–8. “Memex” is a portmanteau of memory and index.
(8) Ibid. The article was republished with illustrations in the September 10, 1945 issue of Life magazine.
(9) T. H. Nelson, Literary Machines: The Report on, and of, Project Xanadu Concerning Word Processing, Electronic Publishing, Hypertext, Thinkertoys, Tomorrow’s Intellectual Revolution, and Certain Other Topics Including Knowledge, Education and Freedom (Sausalito, CA: Mindful Press, 1981).
(10) Ibid.
(11) T. Berners-Lee, Weaving the Web: The Original Design and Ultimate Destiny of the World Wide Web by its Inventor (New York: HarperOne, 1999).
(12) The Greek word kybernan is also the source of the English word “govern.”

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤