الفصل الثالث عشر

العالَمان الافتراضي والمعزَّز

الشاشة المتصلة بكمبيوتر رقمي تتيح لنا الفرصةَ للتعرف على مفاهيم لا سبيلَ لإدراكها في العالم المادي … إنْ كانت مهمةُ الشاشة أن تكون نافذةً على أعاجيب علم الرياضيات المجمعة في ذاكرة الكمبيوتر، فينبغي أن تخاطب أكبر عدد ممكن من الحواس. فعلى قدر علمي، لا يطرح أحدهم بجديةٍ شاشاتِ كمبيوتر تعرض الرائحة أو الطعم. توجد شاشات عرض صوتية ممتازة، لكن للأسف لا يتسنَّى لنا إنتاج أصوات ذات معنًى.

إيفان سذرلاند، ١٩٦٥1

نظام سينسوراما ومورتون هيليج

fig62
شكل ١٣-١: استخدام منظومة سينسوراما من تصميم مورتون هيليج في ستينيات القرن العشرين. سجل مورتون براءةَ اختراعِ التكنولوجيا الرباعية الأبعاد التي حاكت رحلات على الدراجة البخارية والسيارة عبر مدينة نيويورك ولوس أنجلوس، تم تصويرها باستخدام كاميرا ثلاثية الأبعاد. وتُستخدَم الآن نُظُمٌ شبيهة ثنائية الأبعاد بحدائق الملاهي حول العالَم، لكنها تفتقر لتكنولوجيا هيليج التي كانت تثير عدة حواس في الوقت نفسه. الصورة: إهداء من ماريان وكاتالين هيليج.
ابتُكِر أول نظام واقع افتراضي متعدد الوسائط في الولايات المتحدة في نهاية خمسينيات القرن العشرين (وحصل على براءة الاختراع عام ١٩٦٢) على يد مورتون هيليج (١٩٢٥–١٩٩٧)، وكان يُدعَى نظام سينسوراما (الشكل ١٣-١).2 لم يكن النظام قائمًا على الكمبيوتر، بل كان نظامًا تناظريًّا بالكامل اشتمل على عرض الصورة والصوت والرائحة لراكبيه؛ فالراكبُ الجالس يُمسِك بمقودين بصندوق مغلق، ويشاهد فيلمًا ثلاثيَّ الأبعاد عبر عارض ثنائي في الوقت الذي يهتزُّ المقعدُ لمحاكاة الحركة على دراجة بخارية أو في سيارة. صُوِّرت الأفلام الثلاثية الأبعاد باستخدام كاميرا يدوية خاصة لتصوير أفلام ٣٥مم من تصميم هيليج (شكل ١٣-٢). اشتملت العناصر الرباعية الأبعاد المتعددة الحواس الأخرى بالصندوق صوتًا يخرج عبر سماعات إلى جانبَيْ رأس المشاهِد، ومروحةً تدفع بالهواء على وجهه، بل وجهازًا خاصًّا بالأنف يُطلِق روائحَ شبيهةً بالتي سيشمها السائق على الطريق.3 تمكنت منظومة سينسوراما في الوقت نفسه من مخاطبة أربع حواس بشرية من الخمس حواس التي عدَّدَها أرسطو: الإبصار والسمع واللمس والشم؛ حاسة التذوُّق وحدها لم تتعاطَ معها.
fig63
شكل ١٣-٢: مورتون هيليج، المصور السينمائي والرائد في مجال الواقع الافتراضي، يعرض منظومة كاميرا سينسوراما الثلاثية الأبعاد التي ابتكرها في نهايات خمسينيات القرن العشرين، والتي تمتعت بعدسة رؤية كبيرة كعدسة البريسكوب مثبتة فوق عدستين أصغر لزوج كاميرتَيْ أفلام ٣٥مم مركبتين جنبًا إلى جنبٍ أسفلَها. الصورة: إهداء من ماريان وكاتالين هيليج.
زار هاورد رينجولد مورتون هيليج عام ١٩٩٠ بمنزله في لوس أنجلوس، واكتشف أنه يحتفظ بصندوق سينسوراما لا يزال يعمل (تقريبًا) بفناءٍ مغطًّى. وعلى الرغم من أن الفيلم الثلاثي الأبعاد اكتسَبَ صُفرةً وتعطَّلَ نظاما المروحة والروائح، قال رينجولد إن النظام كان واقعيًّا بدرجةٍ أخاذة في تصويراته الثلاثية الأبعاد لرحلةٍ على بوجية صحراوية ودراجة بخارية في مدينة نيويورك، ورحلات في طائرة هليكوبتر وعلى دراجة هوائية وفي سيارة مكشوفة في لوس أنجلوس.4 كانت رحلة السيارة المكشوفة مع شابة تُدعَى سابرينا وانتهت بمشهدٍ مع سيدة أخرى، راقصة شرقية ترقص رقصاتٍ مثيرةً أمام الكاميرا والصُّنُوج بأصابعها ترنُّ عبر سماعات متناوبة. أطلع هيليج رينجولد على أن بعض مستثمريه أُعجِبوا بهذا المشهد على وجه الخصوص؛ لأنه كان مصحوبًا برائحةِ عطرٍ في صندوق سينسوراما الأصلي.5 كان التعقيد التقني لجهاز سينسوراما جزءًا من السبب وراء عدم انتشاره على نطاق واسع؛ فقد رُكِّب أول نظام بحديقة مَلَاهٍ بتقاطع شارعَي الثاني والخمسين وبرودواي في نيويورك، وسرعان ما تعطَّلَ في اليوم نفسه. بُذِلت جهودٌ لتحسين قدرة الصندوق، لكنْ يبدو أن تعقيد التكنولوجيا المتعددة الحواس فاقَ التطوُّرَ التكنولوجي المتاح في ذاك العصر.6
ولما كان هيليج منتجًا للأفلام الوثائقية ومصورًا سينمائيًّا، استمَدَّ إلهامه لابتكار السينسوراما عقب مشاهدته عرض السينيراما العريض الشاشة في أول ظهورٍ لها في نيويورك عام ١٩٥٣.7 وأتذكَّر في طفولتي مشاهدتي الفيلم نفسه «هذه هي السينيراما» (ذس إذ سينيراما) الذي ألهم هيليج في نيويورك، لكنْ في ولاية أوهايو. عُرِض الفيلم في دار سينيراما خاصة في كولومبوس بأوهايو على شاشة ضخمة مقسَّمة إلى ثلاثة أقسام باستخدام ثلاثةِ أجهزةِ عرضٍ متزامنة داخل قمرات منفصلة. بدأ العرض بسلسلة لقطات من منظور المشارك في المشهد؛ حيث كانت الكاميرا مثبتةً بمقدمة قطار أفعواني؛ ما جعل بعض المشاهدين يصرخون، بمَن فيهم أختي الصغرى. لم أكن حينَها على علم بالمصطلحين «الحضور عن بُعْد» أو «الاستغراق»، لكن أفلام السينيراما العريضة الشاشة التي أشبعَتْ محيطَ مجال رؤيتنا، جعلتنا نشعر كما لو أننا نستقل القطار الأفعواني فعليًّا. كان الشعور بالاستغراق في الأماكن التي تحاكيها أفلام السينيراما بمثابة وَحْيٍ هبَطَ على هيليج، وكان الحافزَ لعمله اللاحق على صنع الأفلام الثلاثية الأبعاد وعرض الوسائط المتعددة. كانت السينسوراما والسينيراما شكلَيْن أوَّليين من الواقع الافتراضي، لكن تطبيقات الاستغراق الأكثر تعقيدًا كانت في انتظار ابتكارِ تقنيات المحاكاة الرقمية.

موقف الواقع الرقمي

يذوب الحد الفاصل بين الخبرة البشرية الفعلية (من دون وسيط) وتلك التي ينقلها وسيط، ويزداد ذوبانه مع التطورات التكنولوجية الأخيرة، خاصةً مع الواقع المعزَّز. يفضِّل إدوارد كاسترونوفا، خبير الألعاب الرقمية، أن يطلق على الخبرات الوسيطة الافتراضية والمعزَّزة «الوقائع الرقمية»، وسوف أستعين أنا أيضًا بهذا المصطلح الجامع.8 يميِّز كاسترونوفا كذلك بين الواقع الافتراضي «العلمي» (انظر الصورة ١٣-٥، للباحث إيفان سذرلاند في ١٩٦٥) والواقع الافتراضي «العملي»، الذي يعلمه ممارِسو ألعابٍ مثل «وورلد أوف ووركرافت» و«سَكند لايف» على الإنترنت.9 وسأوسِّع من كوْنِ الوقائع الافتراضية العملية ليشمل تكنولوجيات عقد المؤتمرات العالية الدقة مثل تيليبريزنس® من شركة سيسكو، الموضَّح بالصورة ١٣-٤. لاحِظْ أن نظام سيسكو لعقد المؤتمرات عن بُعد يستخدم طاولة مفاوضات مرسومة بتكنيك ترمبلوي (يعني حرفيًّا بالفرنسية الخداع البصري)؛ إذ تمتزج بسلاسةٍ بالطاولات الأخرى في شاشات المشاركين عن بُعْد. تُضبط أحجام وأشكال الشاشات العالية الدقة بحيث تكون على خلفية مضيئة لتعزيز انطباع الحضور عن بُعْد. يعرِّف أوجدن وجاكسون الحضور عن بُعْد على أنه «سلسلة من التكنولوجيات التي تتيح مقابلاتٍ وجهًا لوجه بين من تفصلهم مسافات جغرافية»، خاصةً مع التكنولوجياتِ الضخمةِ الشاشة العاليةِ الدقة.10 وفكرةُ الخداع البصري تكنيكٌ مرئي يعود السبق في استخدامه لفناني الإغريق والرومان لخلق انطباع بمساحة أرحب أو أشياء ثلاثية الأبعاد مرسومة ببُعْدَيْن فحسب. استخدم الفنانون هذا التكنيك لأكثر من ٢٠ قرنًا على الجداريات والقباب وديكورات المسارح التي تخلق انطباع العُمق في إطار ثنائي الأبعاد (انظر الصورة ١٣-٣). ويستمتع البشر بمشاهدة الصور التي تخدع العين، وربما يكون هذا جزءًا من جاذبية مشاهدة مقاطع الفيديو والأفلام بالتقنية الثلاثية الأبعاد في الوقت الراهن.
fig64
شكل ١٣-٣: «الهروب من النقد» هي لوحة بتكنيك الخداع البصري تعود إلى عام ١٨٧٤، رسمها الفنان الإسباني بيرى بوريل ديل كاسو الذي كان يقصد إضافةَ انطباعٍ ببُعْد ثالث (العمق) إلى صورة ثنائية الأبعاد. المصدر: إهداء من بنك إسبانيا، مدريد.
fig65
شكل ١٣-٤: نظام تيليبريزنس® لعقد المؤتمرات المرئية من شركة سيسكو، ويستخدم النظامُ شاشاتٍ عاليةَ الدقة وجزءًا من طاولة غرفة المفاوضات لخلق انطباعٍ بأن المشاركين في الاجتماع عن بُعْد بالخلفية موجودون بالغرفة نفسها كالموجودين بالمقدمة. وكلُّ غرفةٍ مزوَّدةٍ بنظام التليفزيون العالي الجودة تتكلَّف ٣٠٠ ألف دولار، وتتطلَّب عرْضَ نطاقٍ ترددي معتبر لغرض البث. الصورة: حقوق التأليف والنشر محفوظة لشركة سيسكو سيستمز.
ثمة مفهوم حيوي آخَر في تمييز تقنية الحضور عن بُعد عن عقد المؤتمرات المرئية التقليدية، وهو فكرة «الاستغراق».11 لم يَأْلُ مصمِّمو منظومة عقد المؤتمرات لدى سيسكو جهدًا في تصميم الطاولة والمكان وحجم الشاشات لتعزيز الانطباع بالاستغراق في هذه البيئة الوسيطة.12 تلك البيئةُ بشاشاتِ العرض المتعددة العاليةِ الدقة، والصوتِ العالي الجودة؛ مثالٌ على فكرة «ثراء» الوسائط.13 وهو يكتنف استخدام نُظُم عرْضٍ عالية الدقة لتيسير إيصال رسائل أكثر تعقيدًا تتيح ملاحظةَ التلميحات الدقيقة غير اللفظية، مع الحصول على تعقيبٍ في الزمن الحقيقي. في الواقع، إن الشاشات العالية الدقة بالحجم الطبيعي تعرض مستوًى من التفصيل البصري يحاكي الملاحظةَ المباشِرةَ للسلوك (والتلميحات الدقيقة التي يمكن أن توحي بالصِّدْق أو المراوغة) التي نلمسها في مقابلاتنا اليومية وجهًا لوجه.

في حين أن المؤسسات والشركات الكُبرى بوسعها توفير غُرَف للاجتماعات عن بُعْد تكلِّف مئات الآلاف من الدولارات؛ فإن أغلب مواطني النت يصادفون هذه التكنولوجيا وهم يستخدمون كاميرات الويب الصغيرة المثبتة أعلى شاشات أجهزة الكمبيوتر المكتبية، أو المدمجة في الكمبيوترات المحمولة أو الهواتف المحمولة. سأذهب إلى أن فكرة الحضور عن بُعْد ينبغي توسيع نطاقها لتشمل التكنولوجيات الأقل دقةً، على الرغم من افتقارها النسبي لثراء الوسائط الذي تتمتَّع به النُّظُمُ العاليةُ الدقة. فما تفتقر له من صورةٍ مستغرِقةٍ وجودةِ صوتٍ يعوِّضه الحضورُ الانفعالي عن بُعْد في التواصُل مع الأصدقاء والأحباء. ولنا أن نتخيَّل ردَّ الفعل الانفعالي لجندي في ميدانِ معركةٍ بعيدٍ حالَ رؤيته أطفالَه يبتسمون، وسماع أصواتهم يضحكون على بُعْدِ آلاف الأميال عبر مكالمة باستخدام كاميرا الويب. وينبغي توسعة فكرة ثراء الوسائط لتشمل الثراء الانفعالي باستخدام تكنولوجيات منخفضة الدقة تنطبق على كاميرات الويب والهواتف المحمولة المعاصرة.

عقد المؤتمرات عن بُعْد باستخدام التكنولوجيات العالية الدقة مثل تيليبريزنس® من شركة سيسكو، أو أنظمة أجهزة الكمبيوتر المكتبية المنخفضة الدقة مثل سكايروم® من إتش بي أو سكايب؛ هي أنواع الواقع الرقمي التي سيصادفها غالبًا مستخدِمون من غير ممارسي الألعاب في المستقبل القريب. والكلفة المتصاعدة للسفر جوًّا بسبب تكاليف الوقود المرتفعة ستؤدي إلى زيادة استخدام تكنولوجيا عقد الاجتماعات المرئية للأغراض المهنية والشخصية. ومع زيادة عرض النطاق الترددي والاستعانة بكاميرات مزدوجة عالية الدقة؛ فإن تطوير تكنولوجيا عقد المؤتمرات الثلاثية الأبعاد بدقةٍ عاليةٍ في المستقبل، سيهيِّئ صورًا مدهشة تمتاز بواقعية أخاذة في عين المشاهد. من ناحيةٍ أخرى، حتى تكنولوجيات عقد الاجتماعات المرئية المنخفضة التكلفة مثل سكايب ستوفِّر مستوًى محسَّنًا من الواقعية؛ نتيجةً للتطور في كاميرات الويب وكاميرات الهواتف المحمولة.

تكنولوجيا سكيتش باد ورسوميات الكمبيوتر

كان طَرْحُ تكنولوجيات الواقع الافتراضي القائمة على الكمبيوتر في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته؛ معتمِدًا على ابتكار التكنولوجيات الرسومية الحاسوبية في ستينيات ذاك القرن. كانت الريادة في هذا المجال لإيفان سذرلاند طالب الدراسات العليا حينها (والأستاذ الجامعي لاحقًا). شملت حياتُه المهنية العملَ التعاوني مع جيلين من علماء الكمبيوتر وفناني الرسوميات، ولا يزال عمله في هذا المجال مستمرًّا حتى يومنا هذا. حين شغل منصب الأستاذ الجامعي، كان موجِّهًا لا تتوقَّف طلباته بالنسبة إلى الكثير من طلبة الدراسات العليا الذين اضطلعوا بحيوات مهنية مثمرة في رسوميات وعلوم الكمبيوتر. وقد علَّمَ سذرلاند نفسه كيفية كتابة برامج الرياضيات على كمبيوتر سايمون البدائي عندما كان طالبًا بالمدرسة العليا في هيستينجز بنبراسكا في أوائل خمسينيات القرن العشرين. كان أعجوبةً في مجال البرمجة على اعتبار أن الكمبيوترات الإلكترونية كانت قد ابتُكِرت لتوِّها في نهاية أربعينيات القرن العشرين. حصل سذرلاند على بكالوريوس العلوم في تخصُّص الهندسة الكهربية من جامعة كارنيجي تيك عام ١٩٥٩، ودرجة الماجستير من معهد كاليفورنيا للتقنية عام ١٩٦٠، حيث حصل على منحتين دراسيتين كاملتين لنيل الدرجتين.

fig66
شكل ١٣-٥: طالب الدكتوراه إيفان سذرلاند يعرض برنامج سكيتش باد الذي صمَّمَه باستخدام الكمبيوتر تي إكس-٢ بمختبر لينكولن بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في ١٩٦٥. استخدم إيفان قلمًا ضوئيًّا للتأشير والنقر لتحديدِ النقاط على الشاشة، ثم وصل بينها بخطوطٍ. الصورة: معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
بدأ سذرلاند دراساته لنيل درجة الدكتوراه بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام ١٩٦٠ بمختبر لينكولن البالغ السرية بالمعهد؛ حيث كان مستمرًّا في تطوير منظومة الدفاع الجوي الأمريكية: البيئة الأرضية شبه الأوتوماتيكية (سيدج) التي استعرضناها في الفصل الرابع. استعان ضباط الدفاع الجوي بشاشة ضخمة مستديرة تعمل بتقنية أنابيب أشعة الكاثود، واستخدموا مسدسًا ضوئيًّا موضَّحًا بالصورة ٤-٣ إبَّان الحرب الباردة لتعقُّب الطائرات الروسية المهاجمة، وكانت الشاشة والمسدس عنصرين رئيسيين في التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر بمنظومة سيدج. وباستخدام المسدسات الضوئية (التي سُمِّيت لاحقًا بالأقلام إذ تغيَّرَ شكلها)، كان ضباط الدفاع الجوي الأمريكي ينقرون على نقطة مضيئة على شاشة الرادار تمثِّل هدفًا محتملًا لتعقُّبه. ومع تحرُّك الهدف، فإن نقرة ثانية على النقطة المضيئة باستخدام المسدس الضوئي سترسم مساره على هيئة «أثر مستهدَف» أبيض على الشاشة، وستحسب أيضًا سرعته؛ ثم سيجري توجيه طائرة اعتراضية لتواجِه الهدفَ وتتعرَّف عليه (الذي سيكون أغلب الظن قاذفةً روسية تختبر دفاعات الولايات المتحدة الجوية).14 وعملية رسم المتجه هي ما قاد إلى التسمية «رسوميات متجهية».15 كان المتحكم بالشاشات كمبيوتر مركزي هائل من طراز إيه إن/إف إس كيو-٧ من إنتاج شركة آي بي إم، وكانت الشاشات نموذجًا مبكرًا على قدرة أجهزة الكمبيوتر على مُعالَجةِ كميات ضخمة من المعلومات الواردة، وعَرْضِها بصريًّا بتنسيقٍ يمكن للعين البشرية رؤيته والاستجابة له بسرعة.16 بنى سذرلاند عمله الرائد في رسوميات الكمبيوتر والواقع الافتراضي على العمل السابق المُنجَز في مختبر لينكولن بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في تعقُّب الطائرات واعتراضها باستخدام قدرةٍ حاسوبيةٍ مهولة، وشاشاتٍ مستديرة تعمل بتقنية أنابيب أشعة الكاثود والمسدسات الضوئية لرسم متجهات. لم تكتفِ وزارة الدفاع الأمريكية بتمويل إنشاء شبكة الإنترنت عبر شبكة أربانت، بل إن تمويل منظومة سيدج للدفاع الجوي ساعَدَ في ابتكارِ حقلَيْ رسوميات الكمبيوتر والواقع الافتراضي في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
كان كلود شانون، الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، المشرف على رسالة الدكتوراه التي أعَدَّها سذرلاند. عمل كلود على كمبيوتر المحلل التفاضلي التناظري الذي ابتكره فانيفار بوش وهو طالبٌ بالدراسات العليا عام ١٩٣٦، وكان الواضعَ الرائد لنظرية المعلومات المستمدة من نموذج اتصال شانون-ويفر ذي الصلة.17 كان ذلك برهانًا على سجلِّ سذرلاند الأكاديمي السابق، فقد كان كلود شخصًا متحفظًا، وكان بالغ الانتقاء لطلاب الدكتوراه الذين يُشرِف عليهم.18
كانت تكنولوجيا سكيتش باد موضوعَ رسالة سذرلاند لنيل درجة الدكتوراه، وهي سلف كلِّ نُظُم رسوميات الكمبيوتر المستخدمة اليومَ. ومن بين المنتجات التي تمخَّضَتْ عنها: الصور المنشأة بالكمبيوتر المستخدمة في الأفلام ومقاطع الفيديو، والبرمجيات المستخدَمة على نطاقٍ واسعٍ مثل أدوبي فوتوشوب وإلستريتور.19 وعمليةُ التصميم بمساعدة الكمبيوتر مألوفةٌ لأيِّ شخصٍ استخدَمَ من قبلُ برنامجَ رسمٍ لإعداد مخطط بياني بمستند. في برنامج سكيتش باد، ينقر المستخدم فوق نقطة على الشاشة باستخدام قلم ضوئي، ثم يسحب الخط إلى نقطة أخرى؛ واستخدم المشغِّل مفتاحًا مفصليًّا بكمبيوتر تي إكس-٢ بمختبر لينكولن لتحديد النقاط (شكل ١٣-٥).20 فبمجرد أن يجري إعداد الرسم، يكون بوسع المشغِّل استخدام خوارزميات الكمبيوتر الهندسية لرسم زوايا متساوية (بقياس ٣٠ أو ٩٠ درجة مثلًا) وجعل الخطوط بنفس الطول أو جعلها متوازية.
fig67
شكل ١٣-٦: كان الدكتور كلود شانون المشرف على رسالة إيفان سذرلاند في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. شرح كلود نظرية المعلومات في ورقة بحثية نُشِرت عام ١٩٤٨، وسكَّ مصطلحَ «البِت» المشتق من «الرقم الثنائي». يظهر كلود بالصورة عام ١٩٥٠ مع الفأرة الكهروميكانيكية «ثيسيوس» التي برمجها لتجتاز المتاهة وتتعلم أثناء ذلك. كانت الفأرة إحدى تجاربه الأولى على الذكاء الاصطناعي. الصورة: حقوق التأليف والنشر محفوظة لمختبر شانون، إيه تي آند تي.
كانت إحدى الميزات الرئيسية لتكنولوجيا سكيتش باد هي قدرتها على استخدام أداة قصٍّ لتعديل حجم الرسم، وهذا التكنيكُ بدوره سيكون مألوفًا لأي مستخدم كمبيوتر يسحب زاوية الصور أو المخططات البيانية من أجل تكبيرها أو تصغيرها بمقياسٍ لا يضير جودتها. أحدثت تكنولوجيا سكيتش باد ضجةً كبيرة في عالَم الكمبيوتر وقتَ ابتكارها. وكانت لحظةُ مشاهدة المستخدم يتفاعل مع جهاز الكمبيوتر في الزمن الحقيقي لحظةً ملهمة للمطَّلِعين على التقنية (كثيرٌ منهم طلاب دراسات عليا). وأتذكر أنه في تلك الحقبة تألَّف معظم التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر من إعداد مجموعات من البطاقات المثقوبة يجري تشغيلها على جهاز كمبيوتر مركزي مهول طوال الليل. لم تكن سكيتش باد مصدرَ إلهام في مجال تصميم الجرافيك فحسب، بل كانت أيضًا نقطةَ تحوُّلٍ في تعزيز المهارات البشرية؛ فقد أدت إلى ابتكار أدوات التصميم بمساعدة الكمبيوتر التي يستخدمها المهندسون التقنيون والمهندسون المعماريون والمخطِّطون حول العالم. وأيُّ شخصٍ درس من قبلُ الرسمَ الميكانيكي بالمدرسة الوسطى قبل عام ١٩٨٠ (كما كان الحال معي)، وواجَهَ مشقةً في استخدام المسطرة T والمثلثات البلاستيكية ومبراة الأقلام الرصاص وأقلام الرسم التقنية، سيقدِّر التصميمَ بمساعدة الكمبيوتر تقديرًا بالغًا بسبب سرعة استخدامه وسهولته النسبية في تصحيح الأخطاء.

الواقع الافتراضي

حينما كان سذرلاند أستاذًا للهندسة بجامعة هارفرد عام ١٩٦٨، ابتكر (بالتعاون مع طالب الدراسات العليا روبرت سبرول) أولَ منظومةٍ للواقع الافتراضي مزوَّدةٍ بشاشة للرأس. بلغت شاشة الرأس من الثقل أن لزم الاحتفاظ بها على أنبوبٍ متدلٍّ من السقف، ثم فصلها حين استخدامها (شكل ١٣-٧). حوى الهيكل على شكل حرف X مستشعرات تتتبَّع حركات رأس المستخدم في الفراغ، ثم تغيِّر من الصور البصرية التي يشاهدها المستخدم بحسب حركته. كان ذلك أولَ تطبيقٍ لعالَم مُخلق رقميًّا (على الرغم من أنه كان في البداية مجرد مخطط هيكلي) يمكن أن يخبره المستخدم وهو يتجوَّل بنفسه في الأنحاء.
fig68
شكل ١٣-٧: إيفان سذرلاند، رائد رسوميات الكمبيوتر والواقع الافتراضي، يختبر نسخة مبكرة من شاشات الرأس بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام ١٩٦٨. يلتقط المستشعرُ على شكل حرف X المثبت بالسقف اتجاهَ نظرة المستخدِم عن طريق تعقُّب موضع رأسه في الفراغ. الصورة: معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
على الرغم من أن التجسيمات المنشأة بواسطة الكمبيوتر كانت بالغةَ البساطة بمعايير ألعاب الفيديو اليومَ، فقد تطوَّرَتْ من رسوم هيكلية إلى أجسام معقدة ثلاثية الأبعاد مشكَّلة من مضلعات مرئية. وتطورت شاشات الرأس إلى خوذ تغطي أعلى الرأس وتعرض صورًا ملونة نابضة بالتفاصيل مع تحسُّن دقتها. ولتعزيز الإحساس بالواقعية التي يشعر بها المستخدم، ابتكر رائدا الواقع الافتراضي، توماس زيمرمان وجارون لانير، «قفاز البيانات» الذي كان بوسعه الإمساك بالأجسام الافتراضية وتحريكها.21 كان الهدف خَلْق واجهات متعددة الحواس حيث يمكن للبشر التفاعل في بيئات ثلاثية الأبعاد تكوِّنها أجهزة الكمبيوتر باستخدام شاشات الرأس وقفازات البيانات التي وفَّرَتْ واجهاتٍ سمعيةً وبصريةً ولمسيةً.
fig69
شكل ١٣-٨: في فيلم «تقرير الأقلية» (مينورتي ريبورت) من إنتاج عام ٢٠٠٢، الذي تدور أحداثه في المستقبل، يرتدي محقِّق قسم استباق الجرائم، جون أندرتون، الذي جسَّدَ شخصيته الممثل توم كروز، قفازَيْ البيانات لاستخراج المعلومات باستخدام عرض افتراضي ثلاثي الأبعاد من قاعدة بياناتٍ عن المشتبه بهم الموشِكين على ارتكابِ جريمةٍ. ربما يكون استخدام قواعد البيانات المرئية تلك في المستقبل موجَّهًا بالكلام أو بالأفكار، لكن الأثر المرئي لمشهد الواقعَ الافتراضي ذاك لا ينسى. الصورة: شركة تونتيث سينتشوري فوكس للإنتاج السينمائي وشركة دريم ووركس إس كيه جي.

من آرك ماك إلى جوجل إيرث

أدى العمل الرائد في تجسيمات الكمبيوتر بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى إنشاء مجموعة الهندسة الآلية على يد الأستاذين ريتشارد بولت ونيكولاس نجروبونتي. تشتهر المجموعةُ اليومَ باسم مختبر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الإعلامي، وكانت معروفة آنذاك باسم آرك ماك على سبيل الاختصار المتداول، وقد تركَتْ أثرها على جيل جديد من علماء رسوميات الكمبيوتر. لقد طرحا فكرة غُرف الوسائط الشبيهة بالكهوف؛ حيث يتسنَّى للمستخدم التفاعُل مع صورٍ منشأةٍ بواسطة الكمبيوتر تُعرَض على جدران وسقف مساحة مُغلقة. وشملت بيئة الوسائط المتعددة تكنولوجيات تجريبية للتعرف على الصوت وتتبُّع حركة العين، والتعرف على إيماءة أوامر التوجيه لأغراض التفاعل بين الإنسان والكمبيوتر كما تصوَّرَه ليكلايدر أول مرة عام ١٩٦٠.

فاق نجروبونتي أقرانه في الحصول على الدعمين الحكومي والخاص من أجل المشروعات المبتكرة التي جرى تطويرها في آرك ماك. رعت وزارة الدفاع الأمريكية (من خلال وكالة أربا) مشروعَ آرك ماك الذي أتذكره على المستوى الشخصي. أُطلِق على المشروع خريطة أسبن الفيلمية، والعرض الذي شاهدته كان الجلسة الرئيسية بمؤتمر لتكنولوجيا الاتصالات في مطلع ثمانينيات القرن العشرين. ضمَّ العرض شاشة ضخمة تستخدم مشغِّلين لأقراص الفيديو البصرية — تكنولوجيا كانت حديثة آنذاك — يتحكَّم بهما كمبيوتر صغير. بدأ العرض بخريطة لمدينة أسبن بكولورادو التي تُعتبَر مقصدًا لممارسة التزلج على الجليد، وحدَّدَ المشغِّلُ نقطتَي الانطلاق والوجهة على خريطة المدينة التفاعلية، ثم رسم البرنامج مسارًا مثاليًّا بين النقطتين. على الرغم من أن هذه ميزةٌ تقليدية في برامج الخرائط الإلكترونية اليومَ، كانت حينها فكرةً مبتكرةً لأبعد الحدود. بمجرد أن ضغط المشغِّل على زر التشغيل، طالَعْنا مشهدًا من منظور سائق المركبة ونحن نغادر نقطة الانطلاق على طول الطريق. وباستخدام أدوات تحكم باللمس على الشاشة، تسنَّى للمشغِّل التحوُّلَ من المشهد الأمامي إلى المشهد الجانبي أو حتى المشهد خلف مركبتنا المتحركة. حتى تلك اللحظة كان المشروع يحاكي تجربة مشاهدة أفلام ديزني المُصوَّرة بتكنيك الرؤية الدائرية، التي تميَّزَتْ بصورٍ ملتقطة بتسع كاميرات أفلام ٣٥مم مثبتة على قمة سيارة، ثم تُعرَض بمسرح كبير في ديزني لاند على شاشة دائرية بزاوية ٣٦٠ درجة.

استوعبْتُ أولَ إشارة تفيد بأن هذا الفيلم ليس كسائر أفلام الرؤية الدائرية الأخرى، عندما اقتربنا من تقاطع طرق على الشاشة، فكان بوسعنا اتخاذ طريق من بين ثلاثة. تخطَّى الفيلم مقدارَ مِلِّي ثانية ونحن نلتفُّ حول الناصية، ثم واصَلَ المشهد ونحن ننطلق على طول الشارع التالي. كانت المفاجأة التالية مشهدًا جانبيًّا حظينا به عندما نقَرَ المشغِّلُ على بنايةٍ، وطالَعْنا مشهدًا مشابهًا بصورة ثابتة تعود إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر، ثم نقَرَ نقرةً أخرى فانتقَلَ المشهد إلى وثائقي موجز عن ذاك الموقع. كنا نشاهد لأول مرة وسائطَ فائقةً متفاعِلة بسلاسة، وتناهى إلى مسامعي تأثيرُ الفيلم على الحضور وأنا أسمع شهقاتهم من فرط التعجُّب. قدَّمَ مصمِّمو الخريطة استعراضًا مختصرًا لمدينة أسبن بالاستعانة بالطبقات المتعددة والوسائط المتعددة، وقد ضمَّ الشوارعَ المصوَّرة بالفيلم (باستخدام أربع كاميرات سينمائية ١٦مم مثبتة على سيارات)، وكل تقاطُع مُصوَّر بالفيلم من عدة اتجاهات، ومخططاتٍ ثلاثيةَ الأبعاد، وصورًا أرشيفية للبنايات البارزة مثل دار أوبرا ويلر، وشريحةً معلوماتية على خريطة التنقل. أبرز ما في المشروع، والذي جعل تصفيق الحضور يتعالى، كان انتقال المشغِّل بين مشهدي الخريف والشتاء والمشاهدون يتقدمون على طول الطريق. صوَّرت مجموعة آرك لاب، تحت قيادة كبير الباحثين آندرو ليبمان، كلَّ شارع وتقاطُع طرقٍ في فصل الخريف، ثم صوَّرَتْها مرةً أخرى مغطَّاة بالجليد في منتصف فصل الشتاء. واكتنفت التكنولوجيا الأساسية استخدامَ مشغِّلات أقراص الفيديو الثنائية التي يتحكَّم بها الكمبيوتر للانتقال بسرعة بين المَشاهِد، في الوقت الذي يتقدَّم فيه المُشاهِد عبر شوارع أسبن.22

ما أثار إعجابَ خبراء تكنولوجيا الاتصالات من بين الحضور كان العرض النابض بالحياة لاستخدام عدة مشغِّلات للوسائط لتعزيز الاستيعاب البشري لأحد الأماكن وتاريخه. كما زادَتْ طبقاتُ المواد المعلوماتية المضافة إلى الفيلم من إعجاب المُشاهِد بتاريخ أسبن كبلدةِ تعدينٍ في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وكمدينةٍ للتزلج على الجليد عام ١٩٧٩. كان المشروع إطلالةً على التليكمبيوتر المستقبلي، عبر دمْجِ الأفلام والفيديو والحوسبة من أجل النفاذ إلى طبقات عدة من معلومات الوسائط المتعددة المرتبطة. وحاليًّا بوسع مواطني النت أن يخبروا بيئة متعددة الوسائط مشابهة باستخدام تكنولوجيا ستريت فيو ببرنامج جوجل إيرث، التي يمكن النفاذ إليها عبر الإنترنت. وعلى الرغم من أن الصور ثابتةٌ غير متحركة، فبوسع المستخدِم المشاهَدة بزاوية ٣٦٠ درجة من كلِّ نقطةٍ بالصورة، ويمكنه الانتقال افتراضيًّا بشارع معين من نقطةٍ لأخرى. وفي الواقع هذا أفيد من الوسائط المتحركة من حيث إن المستخدم بمقدوره النظر فيما حوله ومُطالَعة مَشاهِد مفصَّلة في كل نقطة. كذلك يستبدل مستخدمو جوجل إيرث بصور القمر الصناعي الثنائية الأبعاد للبنايات نُسَخًا ثلاثية الأبعاد تظهر عند تفعيل هذا الوضع. ودائمًا ما عرض برنامج جوجل إيرث المناظر الطبيعية للكواكب بأبعاد ثلاثية؛ واليومَ تظهر البنى التي صنعها الإنسان بأبعادٍ ثلاثيةٍ هي الأخرى.

ألعاب الفيديو كعوالم افتراضية

الألعاب الإلكترونية قديمة قِدم الحوسبة الرقمية تقريبًا. صمَّمَ طالبا معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ واين ويتانن وجيه إم جريتس، تحت قيادة ستيفن راسل، لعبةَ سبيس وور في ١٩٦١، وهي إحدى أولى ألعاب الفيديو القائمة على الكمبيوتر. تضمَّنَتِ اللعبة استخدامَ أدوات تحكُّم بالغة البساطة، تعمل على أول كمبيوتر متوسط ابتكره معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (طراز دي إي سي بي دي بي-١) لتوجيه سفن فضائية ثنائية الأبعاد للطيران عبر الفضاء أثناء إطلاق النار على أهدافٍ تقترب منها.23 بمعايير اليوم، تبدو اللعبة بدائيةً جدًّا، لكن مئات طلاب علوم الكمبيوتر مارسوا اللعبة أو لاحقاتها على أجهزة الكمبيوتر أو الأجهزة الطرفية المتصلة بأجهزة كمبيوتر. إن تاريخ تطور الكمبيوتر وألعاب الفيديو تُفرَد له كتبٌ عدة، ولذا أسوق موجزًا له في سياق تطوُّر الألعاب الإلكترونية كبيئات افتراضية.24
ثمة الكثير من أصناف الألعاب الإلكترونية، تتنوع من حيث المقياس من الألعاب المثبتة على الهواتف المحمولة إلى الألعاب التي تُعرَض على شاشات بلازما حائطية بعرض ٥٢ بوصة. شُغِّلت الألعاب الأولى، مثل سبيس وور، على كمبيوترات مركزية ومتوسطة. ظهرت لأول مرة الألعابُ الإلكترونية التي تعمل بالعملات المعدنية في سبعينيات القرن العشرين، وكانت من بين أوائل الأجهزة الإلكترونية التي تمتَّعَتْ، مع تسعينيات القرن العشرين، بواجهاتٍ لمسيةٍ تتفاعل مع التماس معها، بينما يجلس اللاعبون على زلاجات جليد ودراجات مائية كالحقيقية. مع طرح أجهزة الألعاب المستقلة المُصمَّمة للاتصال بشاشات التليفزيون، أُنتِجت سلسلة من الألعاب في اليابان والولايات المتحدة يألفها أغلب مواطني النت المولودين بين عامَيْ ١٩٦٠ و١٩٩٠: باك-مان، دونكي كونج، سوبر ماريو براذرز، أوريجون تريل، ميست، ذا سيمز، دانجنز آند دراجونز، جران توريزمو، ليجيند أوف زيلدا، جراند ثيفت أوتو، هالو (انظر الجدول ١٣-١). غالبًا ما تصطبغ صورُ الطفولة إبَّان هذه السنوات بذكرياتٍ حيةٍ للألعاب الإلكترونية التي يمارِسها المرءُ مع أصدقائه وأسرته.
جدول ١٣-١: تطور الألعاب الإلكترونية.*
الطور المنصات والأصناف الأنظمة الألعاب
النشوء: ١٩٦١–١٩٧٢ الكمبيوتر المركزي والكمبيوترات المتوسطة إي دي إس إيه سي، بروكهيفين، دي إي سي بي دي بي-١ (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.) X O، التنس للاعبين، سبيس وور
الازدهار الأول: ١٩٧٢–١٩٨٣ أجهزة الألعاب المستقلة الأولى، والألعاب الإلكترونية التي تعمل بالعملات المعدنية. ماجنافوكس، أتاري، كومودور، سيجا. بونج، سبيس إنفيدرز، أسترويدز، باك-مان، دونكي كونج، سوبر ماريو براذرز.
ألعاب الكمبيوتر الشخصي: من ثمانينيات القرن العشرين حتى الوقت الراهن. الكمبيوترات الشخصية. أتاري، كومودور، أبل، كل الحاسبات الشخصية. أوريجون تريل، ميست، سيم سيتي، دانجنز آند دراجونز.
الانتكاسة الكُبرى: ١٩٨٤. ألعاب الأجهزة المستقلة. أتاري. عرض لعبة «إي تي: الكائن الفضائي» (إي تي ذي إكسترا تريستال) قبل أوانه.
العصر الذهبي: من ١٩٨٤ حتى الوقت الراهن. أجهزة ألعاب مستقلة أعلى أداءً. جهاز إن إي إس-إس إن إي إس-٦٤-جي سي من نينتندو، بلاي ستيشن ١-٢-٣ من سوني، إكس بوكس ٣٦٠ من ميكروسوفت. جران توريزمو، ليجيند أوف زيلدا، جراند ثيفت أوتو، هالو، كول أوف ديوتي، جيتار هيرو.
عصر الأجهزة المحمولة: من ثمانينيات القرن العشرين حتى الوقت الراهن. ألعاب محمولة وعلى الهواتف المحمولة. جيم بوي – نينتندو دي إس، جيم جير من سيجا. نيو سوبر ماريو براذرز، تيتريس، آنجري بيردز.
ألعاب تقمُّص الأدوار المتعددة اللاعبين على الإنترنت: من ٢٠٠٦ حتى الوقت الراهن. ألعاب تقمُّص الأدوار الضخمة المتعددة اللاعبين على الإنترنت. الكمبيوترات الشخصية: أجهزة الكمبيوتر المكتبية، أجهزة الكمبيوتر المحمولة، أجهزة الكمبيوتر المحمولة المصغرة، الكمبيوترات اللوحية. إيفركويست، وورلد أوف ووركرافت، سَكند لايف، فارم فيل (فيسبوك).
الألعاب الحركية: من ٢٠٠٦ حتى الوقت الراهن. ألعاب تفاعلية مستشعرة للحركة. جهاز ألعاب وي من شركة نينتندو (٢٠٠٦)، نظام كنيكت (إكس بوكس ٣٦٠) (٢٠١٠). وي بلاي، دانس سنترال، كنيكت سبورتس، وي فيت.
عام ٢٠١٥ وما بعده. ألعاب تشاركية مستغرِقة ثلاثية الأبعاد عالية الدقة مستشعرة الحركة. نينتندو، سوني، بليزارد، ميكروسوفت، أبل (آي فون وآي باد). قيد التطوير …
المصادر: إي كاسترونوفا، «الخروج إلى العالم الافتراضي» (نيويورك: بالجريف ماكميلان، ٢٠٠٧)؛ إس إي نيلسن، جيه إتش سميث، إس بي توسكا، «نحو فهم لألعاب الفيديو» (نيويورك: لوتليدج، ٢٠٠٨)؛ بي جيلري، فصل «ألعاب الفيديو»، في كتاب إيه إي جرانت، جيه إتش ميدو (محرران)، «تحديث وأساسيات تكنولوجيا الاتصالات»، الطبعة الثانية عشرة (بوسطن: فوكال بريس، ٢٠١٠).
مرت ألعاب الفيديو بفترة ازدهار أعقبَتْها انتكاسةٌ ثم ازدهارٌ آخَر؛ حيث كان الازدهار الأول من ١٩٧٢ إلى ١٩٨٣ مع شراء المستهلكين للإصدارات الأولى من ألعاب الأجهزة المستقلة المنزلية. وفي ١٩٨٤، انهارت مبيعات أجهزة الألعاب المستقلة بسبب فرط الإنتاج، واضطرت شركة أتاري إلى نَقْلِ مِلْءِ شاحناتٍ من أجهزة الألعاب المستقلة وخراطيش الألعاب غير المباعة إلى صحراء نيومكسيكو ودفنها هناك.25 وأثبَتَ طرْحُ الكمبيوتر المنزلي، المتمتع ببطاقات رسومية محسَّنة، أنه منصةُ ألعاب أفضل من أجهزة الألعاب المستقلة في ذاك العصر. ولم تَقُمْ قائمةٌ لنُظُم الألعاب هذه أمام ألعاب الكمبيوتر حتى مجيء أجهزة ألعاب الفيديو المستقلة الأعلى أداءً بعد عام ١٩٩٠.

بدأ العصر الذهبي للألعاب الإلكترونية مع طرح أجهزة الألعاب المستقلة الأقوى أداءً مثل نينتندو إنترتينمينت سيستم عام ١٩٨٥، واستمر التطور على قفزات كل ١٠ سنوات على مدار ٢٠ عامًا مع طرح بلاي ستيشن من سوني في ١٩٩٥، وإكس بوكس ٣٦٠ من ميكروسوفت في ٢٠٠٥. وفي حين أن بعض أجهزة الألعاب المستقلة أصبحت أكبر حجمًا؛ فإن عملية النمنمة المدفوعة بقانون مور أدَّتْ إلى ابتكارِ أنظمةٍ محمولة باليد مثل جيم بوي (١٩٨٩) ودي إس من نينتندو. كذلك ابتكرَتْ شركةُ نينتندو أولَ لعبة تفاعلية مستشعرة للحركة مع طرحها جهازَ ألعاب وريموت وي عام ٢٠٠٦.

عالَمان افتراضيان: لُعْبتا سَكند لايف ووورلد أوف ووركرافت

يُطلَق على لعبتَيْ سَكند لايف ووورلد أوف ووركرافت ألعابَ تقمُّص الأدوار الضخمة المتعددة اللاعبين على الإنترنت. طُرِحت كلتا اللعبتين في الوقت نفسه تقريبًا؛ سَكند لايف عام ٢٠٠٣، ووورلد أوف ووركرافت عام ٢٠٠٤.26 ويمكن عقد مقارَنة لافتة للانتباه بينهما؛ فالأولى يتضاءل عددُ مشتركيها بينما لا ينفكُّ عددُ مشتركي الثانية في ازدياد؛ إذ بلغ عدد مشتركي لعبة ووركرافت عام ٢٠١٠ أكثر من ١٢ مليونًا. ابتكَرَ فيليب روزديل لعبة سَكند لايف عام ١٩٩٩ بعدما هبطت عليه لحظة إلهام أثناء مهرجان الرجل المحترق السنوي (احتفال فني) المنعقد في صحراء نيفادا الشمالية.27 أسَّسَ فيليب شركةَ ليندن لاب، واستعان بمجموعة أساسية من علماء التكنولوجيا لابتكار عالَمٍ على الإنترنت؛ حيث يمكن للمستخدِم التفاعُل مع الآخرين على هيئة أفاتار (شخصيات رقمية ثلاثية الأبعاد)، واستكشاف المشاهد والأصوات في بيئات ثلاثية الأبعاد من تصميم المستخدمين. استعانَت الشركة بتكنولوجيا مبكرة من إصدار الويب ٢٫٠ لتصميم المناطق البحرية والبرية في العالَم الافتراضي، ولاحقًا أنشأ مجتمعُ مستخدِمِي هذا العالم الافتراضي كلَّ شيء آخر تقريبًا. إن إنشاء المحتوى بواسطة المستخدم سمةٌ مميزة لإصدار الويب ٢٫٠ وسيظل متمتعًا بهذه الخصيصة للنُّسخ اللاحقة من الويب.
وقدرةُ القاطِنِين (كما يُطلَق على مستخدِمِي اللعبة) بسَكند لايف (الحياة الثانية) على إنشاءِ ثم تعديلِ الأجسام والهياكل والمناظر الطبيعية، بل مظهرهم أيضًا؛ أدَّتْ إلى ظهور عالَم متعدد الأوجه يمكن الانتقال فيه سيرًا أو طيرانًا أو باستخدام مركبات افتراضية يصمِّمها قاطنو اللعبة. ذاع صيت اللعبة على المستوى الوطني بين عامَيْ ٢٠٠٦ و٢٠٠٨؛ حيث تجاوَزَ عددُ القاطنين (مزيج من المشتركين مجانًا أو بمقابل) ١٠ ملايين شخص. دخلت مؤسساتٌ كُبرى مثل أديداس وتويوتا وسوني وآي بي إم وميجور ليج بيسبول المنافسةَ لإنشاء مساحات افتراضية في لعبة سَكند لايف؛ حيث يمكنهم تسويق منتجاتهم للقاطنين. وتزعم شركة ليندن لاب أن ٢٣ مليونَ مشتركٍ مسجَّلِين حاليًّا كقاطنين باللعبة؛ إلا أنه في عام ٢٠١٠ قُدِّر عدد المشتركين النَّشِطين الذين يقضون ساعةً واحدة شهريًّا على الأقل بهذا العالم الافتراضي ﺑ ٦٨٠ ألفًا.28 بوسع الزائرين أن يتقلَّدوا دورَ القاطنين مجانًا (لكنَّ تملُّك الأرض والمباني يقتضي الاشتراك)، وأشجِّع القرَّاء على إلقاء نظرة على المساحات البديعة الكثيرة بلعبة سَكند لايف التي صمَّمَها المشتركون بها. تحقِّق لعبة سَكند لايف حلمًا راوَدَ كثيرين من روَّاد الواقع الافتراضي وكتَّاب الخيال العلمي: إنشاء عوالم افتراضية تُعرَف بالأكوان الفوقية. تنبَّأَتْ روايةُ ويليام جيبسون «نيورومانسر» (١٩٨٤) التي تنتمي لأدب الخيال العلمي السيبراني ورواية نيل ستيفنسون «تشويش» (١٩٩٢) بإنشاء عوالم افتراضية تسكنها أفاتارات يوجِّهها البشر. وتُعتبَر لعبة سَكند لايف أولَ كوْنٍ فوقي يُقْبِل عددٌ كبير على استخدامه، وبالقطع لن يكون آخِرَها؛ إذ ستُستخدَم في المستقبل لأغراض التعليم وعقد المؤتمرات عن بُعْد والترفيه.
حينما كان فريق العمل في ليندن لاب يخطط لطرح اللعبة، حاوَلُوا إيجاد اسم جديد ومبتكَر لها. فكَّرَ عضو الفريق هانتر ووك في الاسم «لايف تو» اقتباسًا من لعبة «جيم أوف لايف» من إنتاج شركة ميلتون برادلي، ثم اقترح الاسم سَكند لايف كاسمٍ أكثر جاذبيةً.29 اعترَضَ أعضاءُ الفريق قائلين إن المنتقدين سيقولون إن اللاعبين «في حاجةٍ إلى عيش حياة أولى أولًا»، وهو ذات الرأي الذي أبداه العديدُ من الخبراء حول اللعبة. تكمن المفارقة في أن لعبة أخرى جرى تطويرها في الوقت نفسه تقريبًا اتضح أنها اللعبة التي استهلكت وقتَ فراغِ كثيرٍ من اللاعبين المخلصين.
fig70
شكل ١٣-٩: أفاتار المؤلف في لعبة سَكند لايف يجوب خريطةَ طقسٍ ثلاثية الأبعاد للولايات المتحدة. لاحِظْ سقوطَ الأمطار الافتراضية بولاية كنساس في وسط الخريطة. يجري تحديث الطقس بالخريطة الافتراضية في الزمن الحقيقي بالبيانات التي تقدِّمها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة. المصدر: المؤلف.
تُعتبَر حاليًّا لُعبة وورلد أوف ووركرافت أنجحَ ألعابِ تقمُّص الأدوار الضخمة المتعددة اللاعبين على الإنترنت في العالم. يشترك بها أكثر من ١٢ مليونَ شخص وبِيع من الإصدار الثالث لها، كاتاكليزم، أكثر من ٣ ملايين نسخة مقابل ٣٠ دولارًا لكل نسخة في أول يومٍ طُرِحت فيه للبيع في ديسمبر من عام ٢٠١٠.30 يتكلَّف الاشتراك الشهري باللعبة ١٥ دولارًا (أو ٧٨ دولارًا مقابل الاشتراك لستة أشهر)، وربحت الشركة الأم، أكتيفيجن بليزارد إنترتينمينت، ٤٫٢٨ مليارات عام ٢٠٠٩. حظيت الشركة بنجاحٍ سابقٍ مع ألعاب مثل ديابلو وستاركرافت، لكنْ لا يُقارَن أيٌّ منهما بمعدل استعمال لعبة وورلد أوف ووركرافت. تجري اللعبة في عالم خيالي مؤلَّف بأدق التفاصيل حيث يتسنَّى للاعبين اختيارُ تقمُّص الأدوار في هيئة أفاتار بعضهم ضد بعض، أو اللعب ضد البيئة نفسها. كما يختارون أن يكونوا إما من كائنات الأورك أو الترول كجزءٍ من فصيل الهورد، وإما أن يكونوا بشرًا أو أقزامًا في التحالُف. يحشد اللاعبون الجوائزَ في اللعبة، بما في ذلك ذهب افتراضي يتمتَّع بقيمةٍ في العالم خارج اللعبة، كما هو الحال مع دولارات ليندن في سَكند لايف. وممارسةُ لعبة وورلد أوف ووركرافت جذَّابةٌ نفسيًّا، لدرجة أن اللاعبين يمكن أن يقضوا ساعاتٍ أو حتى أيامًا مستغرِقين في هذا العالم الافتراضي. وقد يأتي ذلك على حساب تناول الطعام أو النوم أو حضور الفصول الدراسية أو إقامة علاقات في العالم الحقيقي. والزوجات اللائي انغمَسَ أزواجُهن في اللعبة يُعرَفْنَ بأرامل ووركرافت.

وينبغي توسعة تعريف «الاستغراق» ليتجاوَزَ الخبراتِ التي تشرك حواس الإبصار والسمع واللمس لتشمل خبرات اللعبة الآسِرة انفعاليًّا. وقد ابتكَرَ مطوِّرو الألعاب على مدار العشرين عامًا المنصرمة وسائلَ غير مسبوقة لجعل الألعاب أكثر استغراقًا عن ذي قبلُ؛ فالرسوميات الواقعية النابضة بالحياة، مجتمعة مع تقنية الصوت المحيطي (بالاستعانة بموسيقى أصلية في بعض الأحيان)، والتفاعلات الجاذبة انفعاليًّا مع المئات من اللاعبين على الإنترنت؛ تخلق بيئةً افتراضيةً تبلغ من الاستغراق أن اللاعبين يرفضون تركها. لعبة بناء المدن «سيم سيتي» عتيقةٌ نسبيًّا مقارَنةً بألعابِ تقمُّصِ الأدوار مثل وورلد أوف ووركرافت، لكني لا أستطيع بأي حال تفسير لِمَ قضيتُ مئات الساعات أبني مدنًا افتراضية، معرِّضًا إيَّاها للزلازل وهجمات الدخلاء، ثم أُصْلِح ما ألَمَّ بها من تلف. وبرفقة زملائي من أعضاء هيئة التدريس، عادةً ما أطلب من طلابي بدورات تكنولوجيا الوسائط الجديدة الالتقاءَ افتراضيًّا في بيئات مستغرَقة مثل سَكند لايف؛ بحيث يتسنَّى لهم أن يخبروا التفاعُل البشري في هيئة أفاتار (لكن مع صوتهم الحقيقي).

وكي لا يظن القارئ أني أوجِّه هذه التعليقات إلى مَن هم دون الثلاثين من العمر، أرجو إعادة التفكير فيما سبق. ٢٥ بالمائة من اللاعبين النَّشِطين مكوَّنين ممَّن تخطَّوْا سن ٥٠ عامًا، ولا تنفك أعداد السيدات في ازديادٍ، وهو ما يُعتبَر تحوُّلًا في فئات ممارسي الألعاب على مدار العقد المنصرم. تمتعت لعبة فارم فيل على الإنترنت بنجاحٍ كبيرٍ لدى مشتركي موقع فيسبوك (والآن آي فون). طوَّرت اللعبةَ شركةُ زيجنا، الكائنة بوادي السليكون، وتحظى اللعبة ﺑ ٨٠ مليونَ لاعبٍ نَشِط يزرعون محاصيل افتراضية بمزارعهم التخيُّلية. واللاعب التقليدي للألعاب الاجتماعية على الإنترنت، مثل فارم فيل، يكون سيدةً في سن ٤٣ عامًا.31
إن الجاذبية المستغرِقة للألعابِ الإلكترونية المحكمةِ التصميم مسألةٌ غير عقلانية؛ حتى لعبةُ صالات الألعاب القديمة «دونكي كونج» حظيَتْ بلاعبين تولَّدَتْ لديهم ميولٌ قهرية.32 والألعاب الأحدث مثل وورلد أوف ووركرافت بلغت من السحر، من حيث تفاعل تقمُّص الأدوار الخيالي والفرصة لجمع الجوائز، أنها يمكن أن تؤثِّر على السلوك في العالم خارجَ اللعبة. لاحِظْ أنني لا أستخدم مصطلح العالم «الحقيقي» لأصف العالَمَ خارج اللعبة؛ حيث إن أكثر لاعبي الألعاب جديةً لن يصفوا تجاربهم المستغرقة في الألعاب بأنها «غير حقيقية». إن إدمان ألعاب الفيديو مسألة خَطِرة، كما سيشهد كثيرٌ من طلاب المدارس العليا والجامعات حول العالم. وقد أوصَتْ لجنةٌ مشكَّلة من الجمعية الطبية الأمريكية بإضافة إدمان ألعاب الفيديو إلى مؤشر الاضطرابات النفسية، مُعلِنين أن ما يصل إلى ١٥ بالمائة من لاعبي الألعاب بالولايات المتحدة أدمنوها على نحوٍ أثَّرَ بالسلب على حياتهم اليومية. إلا أن المجموعة أرجأَتِ المسألة حتى عام ٢٠١٢، مُعلِنةً أنه لا توجد أبحاثٌ كافية مستعرضة من قِبَل الأقران من الباحثين أُجرِيت على إدمان ألعاب الفيديو.33
في الوقت الذي تصبح فيه الألعاب أكثر استغراقًا في العقود القادمة مع اقتران التقنيةِ الثلاثيةِ الأبعاد والتصويرِ التجسيمي مع أنظمةِ التعقيب المتعددةِ الحواس والحضور عن بُعْد (مدفوعة بالتقدمات المحرَزة في التكنولوجيا الرقمية المدعومة بقانون مور)، ستصبح ألعاب الإنترنت أكثر جاذبيةً من أي وقت مضى. وعلى الرغم من وجود أدلة متزايدة على أن الألعاب الإلكترونية تسبِّب الإدمان بمعدلات كبيرة في الوقت الراهن؛ فإني سأذهب إلى أننا لم نشاهد الأثرَ بعدُ؛ ولعل نظام كنيكت لجهاز إكس بوكس ٣٦٠ يعطينا إطلالة على هذه المسألة. كنيكت عبارة عن إضافة لجهاز إكس بوكس يبلغ ثمنها ١٥٠ دولارًا، وتستخدم كاميرا وخيوط الأشعة تحت الحمراء، لاستيعاب حركات اللاعب، التي تُترجَم إلى اللعبة التي تجري على الشاشة. لم يَنْقَضِ وقتٌ طويل حتى اخترق علماءُ الكمبيوتر المبتكِرون أمثالُ أوليفر كريلوس حمايةَ مستشعِر كنيكت لتصميم صور ثلاثية الأبعاد شبه تجسيمية لنفسه على الشاشة.34 ويستخدم العلماء والفنانون مستشعِرَ كنيكت لدراسةِ دمْجِ صورِ الفيديو في الزمن الحقيقي للاعبين البشريين مع عوالم اللعبة الافتراضية.
أصبحَتِ الألعابُ الإلكترونية ظاهرةً ترفيهية، وتُقدَّر مبيعاتها من المكونات المادية والبرمجيات ﺑ ١٨٫٦ مليارَ دولار في ٢٠١٠. انخفضَتْ عائداتُ الألعاب من أعلى رقم مبيعات بلغته ٢١٫٤ مليارًا في ٢٠٠٨ بسبب الركود العالمي، لكنَّ مبيعات الإكس بوكس ٣٦٠ ارتفعَتْ في ٢٠١٠ بسبب طرح نظام كنيكت.35 كذلك يرتبط مستقبلُ الألعاب الإلكترونية ارتباطًا وثيقًا بقانون مور؛ فمع اكتساب رقاقات الألعاب وبطاقات الرسوميات وأجهزة الألعاب المستقلة قدرةً أكبر على مدار الثلاثين عامًا المنصرمة، تحسَّنَتْ صورُ وميزاتُ الألعاب تحسُّنًا جمًّا. وستتضح هذه النقطة بمقارنةِ التصويراتِ الرديئةِ الجودة نسبيًّا للنُّسَخ الثنائية الأبعاد لِلُعبة ماريو براذرز، بالمناظر الطبيعية المفصَّلة في أي لعبة فيديو معاصرة.

الواقع المعزَّز

تخيَّلْ أنك تقف أمام جدار حجري حقيقي عند سيمتري ريدج بمتنزه معركة جيتسبيرج الوطني بجنوب شرقي بنسلفانيا، أثناء فترة ما بعد الظهيرة في يوم صيفي حار عام ٢٠٢٥ أشبه كثيرًا بيوم ٣ يوليو من عام ١٨٦٣، عندما دارت رَحَى المعركة الحاسمة في الحرب الأهلية الأمريكية بهذا الموقع. أمر قائد جيش الكونفيدرالية الجنرال روبرت إي لي جيشَ شمال فرجينيا تحت قيادة الجنرال جيمس لونجسريت بشن هجوم أمامي ضد مواقع جيش الاتحاد المحتمية بالجدار الحجري. اعتبر الجنرال جورج بيكيت، القائد لكتيبة من فرجينيا، الأمرَ مهمةً انتحارية؛ إذ كان يلزم أن تقطع قواته مسافةَ ميلٍ عبر حقول مكشوفة أمام خط قوات الاتحاد المحصَّن تحصينًا منيعًا على المرتفع الصخري.36 انطلق أكثر من ١٢٥٠٠ جندي من قوات الكونفيدرالية من سميناري ريدج نحو الشرق في خضم أعمدة الدخان وألسنة اللهب من نيران المدافع من كلا الموقعين. عندما بلغ رجال لونجستريت الجدارَ الحجري، كان أكثر من ٥٠ بالمائة منهم قد لقوا حتفهم نتيجةَ النيران الكثيفة من قوات الاتحاد من المقدمة وكلا الجانبين. ترنَّحَ الهجوم عند الحائط الحجري وانسحَبَ الناجون. أصبحت هزيمةُ قوات الجنرال لي في هذه المعركة الحاسمة من الحرب معروفةً ﺑ «ذروة الكونفيدرالية». وعلى زوَّار الموقع أن يوفِّقوا المشهدَ الساكن للمروج الخضراء وأعشابها تتمايل من أثر النسيم، والطيور تنشد على غَيْضات الأجمات، مع العلم بالعنف الذي يفوق الوصف الذي اعترى هجومَ الكونفيدرالية على سيمتري ريدج عام ١٨٦٣.

ثم تخيَّلْ أنك ترتدي نظارةً خاصة ثلاثية الأبعاد خفيفة الوزن تتيح لك مشاهدة موقع المعركة خلالها. بمجرد أن تُدِير رأسك لتنظر إلى الحقول المكشوفة غرب الحائط الحجري، يلتقط مستشعِرُ نظامِ تحديد المواقع العالمي اتجاهَ رؤيتك، وتبدأ تدريجيًّا في سماع أصوات نيران البنادق والمدافع تتردَّد خلال سماعات الأذن الملحقة بالنظارة. تتصاعد سُحُبُ الدخان الأبيض في مجال رؤيتك، لكنك تدرك أن الصور المتحركة تُعرَض على عدسات النظارة عندما تعدل من وضعية النظارة قليلًا. تَسْرِي في ظهرك قشعريرة عندما تبدأ في رؤية صفوف جنود الكونفيدرالية قادمة من بعيد مرتدية زيَّها الرمادي، وتشق طريقها عبر الدخان الكثيف. تقاوِم رغبتك في اللوذ بالفرار مع اقتراب القوات وبَدْئِها في إطلاق نيران بنادقهم نحوك مباشَرةً، وصوت رصاصها يكاد يصمُّ أذنَيْك. تنظر عن يمينك وعن يسارك فترى قوات الاتحاد الافتراضية بزيها الأزرق تردُّ النيران ويسقط بعض جنود الكونفيدرالية إثرَ وابلِ النيران. تكون الصور المروِّعة والأصوات المدوية الناجمة عن المعركة أشبهَ بالحلم؛ إذ باستطاعتك أن ترى عبر الفيلم الذي يعرض ساحة المعركة المفعمة بالدخان الحقولَ المشمسة بالمروج في الوقت الراهن. هذه هي إمكانيات الواقع المعزَّز. وعلى الرغم من أن التكنولوجيات السمعية-البصرية المعزَّزة هذه لا تزال تجارب معملية حاليًّا، فربما يتمكَّن أطفالنا من أن يشهدوا إعادةِ تمثيلٍ افتراضية لأحداث تاريخية عندما يزورون مواقعَ مثل جيتسبيرج في المستقبل.

يجري حاليًّا تطويرُ الكثير من تطبيقات الواقع المعزَّز المبتكرة، وتطبيقها في بيئات العالَم الحقيقي. تستخدم شركة بي إم دبليو، صانعة السيارات الفارهة، تكنولوجيا الواقع المعزَّز لتعليم فنيِّيها تقنياتٍ جديدةً في إصلاح السيارات؛ حيث يرتدون نظاراتٍ خاصةً (مزوَّدة بسماعات وميكروفونات) تعرض صورًا متحركة لمهام صيانةٍ روتينيةٍ على الأجزاء الفعلية التي يعملون عليها. يتقدَّم العامل إلى كل خطوة من العملية بمجرد قوله «الخطوة التالية» في الوقت الذي يقرأ فيه صوتٌ أنثويٌّ تعليماتِ عمليةِ الصيانة.37 ويسمح استخدامُ تكنولوجيا الواقع المعزَّز بأداةِ عرضٍ رأسية فوقية لفنيِّ الصيانة باستعمالِ يدَيْه الاثنتين في إجراء الإصلاحات اللازمة. ودليلُ الإصلاحات عبارة عن سلسلة من الصور الثلاثية الأبعاد المتحركة التي توضِّح جميعَ جوانب صيانة السيارة من منظورِ فنيِّ الصيانة. ويجري حاليًّا تطويرُ تكنولوجيات واقعٍ معزَّزٍ مشابهة من أجل الكُتَيِّبات الإرشادية الافتراضية بالمتنزهات الوطنية، وإجراء الجراحات بالاستعانة بالروبوتات، ولممارسة ألعاب الفيديو التي تجمع بين العوالم الافتراضية والعالَم الحقيقي.

محاكاة العالَم بأبعاد رباعية

تتجلَّى العجرفة المرتبطة بالتكنولوجيا الرباعية الأبعاد في افتراضها أن توفير معلومات بصرية وسمعية كافية (وربما إضافة تنبيه لمسي)، يمكن في الوقت الراهن أن يحلَّ محلَّ السُّبل المتعددة الأوجه التي يَخْبر بها البشرُ العالمَ. خلالَ زيارة قريبة إلى متنزه يوسيمتي الوطني في كاليفورنيا، وقفتُ أدنى شلالِ فيرنال الساحر في يومٍ صيفيٍّ مشمس دافئ، يغمرني رذاذُ الماء البارد بينما يتساقط ماءُ نهر مرسيد على الصخور أمامي (شكل ١٣-١٠). لم تبلغ زمجرةُ الشلالات أذنَيَّ فحسب، بل كان بوسعي الشعورُ في أعماقي بالموجات التصادمية إثرَ اصطدامِ ماء النهر بجلاميد الصخور التي تغطِّي قاعَ النهر. شعرتُ ببعض الأشخاص من حولي في أرديتهم الواقية من الأمطار (مَن استعدوا منهم) يمرون بجواري عبر الضباب الكثير، وسمعت صيحات البعض الآخَر (مَن لم يرتدوا سترةً أو معطفًا واقيًا من الأمطار) والرذاذ البارد كالثلج يبللهم بللًا. ويظهر قوس قزح نابض بالألوان وسطَ الضباب عند مسقط الشلال وأنا أتسلَّق ممشى ميست تريل الضيق لأبلغ قمة الشلال.
fig71
شكل ١٣-١٠: شلال فيرنال الذي يبلغ ارتفاعه ٧٠ مترًا على نهر مرسيد بمتنزه يوسيمتي الوطني في كاليفورنيا. يبلل الرذاذُ المتناثر عند مسقط الشلال أيَّ شخصٍ يجرؤ على اعتلاء ممشى ميست تريل القريب نحو قمة الشلال. الصورة: مؤسسة المشاع الإبداعي.
يمكنني محاولة إعادة إنتاج هذه الخبرة باستخدام شاشةٍ هائلة الحجم، وجهازِ عرض فيديو رقمي بتقنية آي ماكس يكلف ٢٠٠ ألف دولار (مع نظارات ثلاثية الأبعاد)، ومدافع رذاذ المياه، ومراوح ضخمة لرش الرذاذ في وجهي، لكنها ستكون دومًا نسخةً منقولةً عن الخبرة الفعلية. حاولَتْ شركة ديزني استنساخَ جولةٍ جوية مدتها خمس دقائق فوق الولاية، من خلال رحلة «حلِّق فوق كاليفورنيا» المتعددة الوسائط بمتنزه ديزني في أناهايم، كاليفورنيا.38 استخدمت ديزني كاميرا آي ماكس ٧٠مم عالية الدقة مثبتة على هليكوبتر، وتطل إلى الأمام من أجل التقاط صورٍ للمناظر الطبيعية بكاليفورنيا من ارتفاع منخفض. فصوَّروا شلالَ يوسيمتي وراكبي الأمواج قبالةَ الساحل ومتزلجي الجليد بالجبال والمجدفين بالنهر ولاعب جولف يضرب كرةً ثلاثيةَ الأبعاد تجاه الجمهور. حسَّنَتْ ديزني من تأثير الطيران عن طريق رفع كل الحضور الجالسين على جسر معدني كبير، بحيث تتدلَّى أقدامهم كما لو كانوا على أرجوحة عملاقة. ومع ارتفاع وانخفاض الطائرة الهليكوبتر يحاكي الجسرُ الحركاتِ نفسَها لإقناع عقل المُشاهِد أنه يَخْبر المثيرات البصرية وهو معلَّق في الهواء. أضاف مبتكرو ديزني (كما يطلقون على مهندسي ألعاب الملاهي لديهم) لمساتٍ أخرى لجعل هذه التجربة خبرةً رباعيةَ الأبعاد متعدِّدةَ الحواس. أثناء طيران المشاهدين فوق بساتين البرتقال بكاليفورنيا يمكنهم استنشاق عبير البرتقال، وفوق الغابات يهف عليهم رحيق أشجار الصنوبر، وبدنوِّهم من الساحل يتناثر على وجهوهم رذاذُ الضباب الخفيف الذي يحمل رائحةَ الملح. إن التكنولوجيا الرباعية الأبعاد هي الخطوة القادمة بعد التكنولوجيا الثلاثية الأبعاد؛ إضافة مثيرات لمسية وشمِّية لإلحاقها بانطباع الخبرة البصرية المنقولة الثلاثية الأبعاد.
هل سيتمكَّن أخيرًا صانِعو الأفلام ومهندسو ألعاب الملاهي ومصمِّمو ألعاب الفيديو من استنساخ التجارب البشرية المتعددة الحواس لتحقيق الاستغراق الكامل للمشاهد في عالَم تخيلي؟ هل يمكن للبشر أن يقضوا إجازة افتراضية أشبه بإجازة دوجلاس كويد (أدى أرنولد شوارزنيجر دورَ البطولة هذا) التي قضاها على المريخ في فيلم «استدعاء كامل» (توتال ريكول)؟ (أكيد من دون الرحلة العصيبة التي مر بها دوجلاس كويد في ذلك المشهد.) ستكون الإجابة على كلا السؤالين في المستقبل بالإيجاب قطعًا؛ وتجربة التحليق التي توفرها ديزني ما هي إلا خطوة من ضمن الخطوات المقطوعة في هذا الاتجاه. بوسع مواطني النت الانطلاق في جولات بصرية افتراضية بأي مكان تقريبًا في العالم المتقدم باستخدام تكنولوجيا ستريت فيو ببرنامج جوجل إيرث، إضافةً إلى صور تطبيق بانوراميو التي يحمِّلها المسافرون على الموقع، ومشاهدة فيديوهات موقع يوتيوب ذات الصلة.39 ولا يسعك سوى تخيُّل كيف يمكن أن تتطوَّر هذه التكنولوجيا في العقدين أو الثلاثة عقود القادمة عندما يجد المصمِّمون طرقًا جديدة لتوفير المعلومات إلى مواطني النت ولاعبي ألعاب الفيديو ما يتجاوز المثيرات البصرية والسمعية. في الأثناء نفسها، سنستمر في البحث عن خبرات نابضة بالحياة، مثل النزهة إلى جوار شلال فيرنال، والتي تُشرك كل حواسنا دون الحاجة إلى تكنولوجيات افتراضية لاستنساخ ما نراه أمامنا. ربما ذات يوم قريب يمكن أن تضاهي تكنولوجياتُ الواقع الافتراضي والواقع المعزَّز واقعيةَ وجبة شهية نتناولها مع أصدقائنا، أو ممارسة التزحلق على مضمار إلى جانب أحد الجبال وذراتُ الجليد تتناثر من حولك، أو الاسترخاء في مغطس دافئ ملطِّف للأعصاب، لكنْ بالنسبة إلى الوقت الراهن علينا أن نكتفي بالواقع.

هوامش

(1) I. E. Sutherland, The Ultimate Display (Washington: Information Processing Techniques Office, ARPA, US Department of Defense, 1965). As cited by B. Sterling in “Augmented Reality: ‘The Ultimate Display’ by Ivan Sutherland,” Wired (September 2009). Emphasis added in the quote. Sterling has parenthetically inserted into the essay the digital technologies in use at present that were predicted by Sutherland in his essay. Retrieved December 30, 2010, from http://www.wired.com/beyond_the_beyond/2009/09/augmented-reality-the-ultimate-display-by-ivan-sutherland-1965/. Muchlike Licklider’s “Man-Computer Symbiosis” essay, Sutherland’s then outlandish predictions of now commonplace multimedia technologies are fascinating to read.
(2) H. Rheingold, Virtual Reality (New York: Summit/Simon & Schuster, 1991).
(3) Ibid. The diagrams for Heilig’s 1962 US patent No. 3,050,870 for the “Sensorama Simulator” are online at the Morton Heilig.com website: http://www.mortonheilig.com/SensoramaPatent.pdf. The site also includes the 1969 patent diagrams for an “Experience Theater” with an IMAX-like spherical screen and steeply banked seats that are prescient of Disney’s “Soarin’ Over California” VR attraction. Much like Paul Otlet and the Mundaneum, Heilig was clearly ahead of his time with innovative ideas that preceded the technical means of accomplishing them.
(4) Ibid., 53.
(5) Ibid. The aroma function was not working for Rheingold’s trial ride in 1990.
(6) Ibid., 59.
(7) Ibid., 54-5.
(8) E. Castronova, Exodus to the Virtual World (New York: Palgrave Macmillan, 2007).
(9) Ibid., p. xiv.
(10) M. R. Ogden and S. Jackson, “Telepresence,” in A. E. Grant and J. H. Meadows (eds.), Communication Technology Update and Fundamentals, 12th edn. (Boston: Focal Press, 2010), 322–41.
(11) Ibid., 323.
(12) This is likely why Cisco registered the name TelePresence® as a trademark.
(13) R. L. Daft, R. H. Lengel, and L. K. Trevino, “Message Equivocality, Media Selection, andManager Performance: Implications for Information Systems,” MIS Quarterly (1987), 355–66.
(14) K. C. Redmond and T. M. Smith, From Whirlwind to MITRE: The R&D Story of the SAGE Air Defense System (Cambridge, MA: MIT Press, 2000), 81-2. Credit for the invention of the light gun is attributed to SAGE engineer Bob Everitt. Later modified by Lincoln Lab engineers as a light pen, it was a key design element in Ivan Sutherland’s Sketchpad project.
(15) Vector graphics differ from the raster graphics used for television in that the electronic beam in the CRT display oscillates between the indicated points of a line, rather than scanning from top to bottom in raster mode.
(16) Redmond and Smith, From Whirlwind to MITRE.
(17) The Shannon-Weaver Communication Model formalized the process as “information source (sender), message, transmitter, channel, signal, noise, and receiver” with a feedback loop in the cybernetic circuit. If messages were encoded using a binary system of zeroes and ones, any message (be it coded text, images, or sound) could be transmitted as digital code. This was the source of Negroponte’s observation that content in the digital universe exists as “bits are bits,” the Internet does not make distinctions. Shannon coined the portmanteau “bit” from “binary digit” in his original 1948 paper on this topic. See W. Weaver and C. E. Shannon, The Mathematical Theory of Communication (Champaign, IL: University of Illinois Press, 1963).
(18) Rheingold, Virtual Reality, 89.
(19) Sutherland and Licklider were colleagues at MIT, and in 1964 Sutherland became the director of ARPA’s Information Processing Technology Office (IPTO) when Licklider returned to MIT. As a key computer scientist at Utah, he was influential in securing ARPA grants, and the university was one of the first four nodes on the ARPANET in 1969.
(20) This was the same TX-2 computer at Lincoln Lab that J. C. R. Licklider had used to learn programming and that led to his “conversion experience,” as Rheingold calls it.
(21) US Patent 4988981 was awarded to Thomas Zimmerman and Jaron Lanier in 1989 for a “data glove” that could track hand movements.
(22) S. Brand, The Media Lab: Inventing the Future at MIT (New York: Penguin Books, 1985), 141. ARPA funded the ArchLab Movie Map project as a test of creating virtual environments that could be used to train special forces conducting military operations in unfamiliar locations. Video of the Aspen Movie Map is no longer available at the MIT Media Lab website; however, project designer Michael Naimark has a brief clip on his personal website at http://www.naimark.net/projects/aspen.html.
(23) S. E. Nielsen, J. H. Smith, and S. P. Tosca, Understanding Video Games (New York: Routledge, 2008), 50-1.
(24) There is a remarkable video game history timeline produced by Mauricio Giraldo Arteaga online: http://www.mauriciogiraldo.com/vgline/beta/#/145.
(25) Neilsen et al., Understanding Video Games, 60.
(26) W. J. Au, The Making of Second Life (New York: HarperCollins, 2008).
(27) Ibid., 20.
(28) M. Wagner, “Second Life Seeks Mainstream Adoption,” Computer World (February 23, 2010). Retrieved January 22, 2011, from http://blogs.computerworld.com/15638/second_life. The estimate of 680,000 active residents is from Linden Lab chief product officer Tom Hale.
(29) Au, The Making of Second Life, 33-4.
(30) Blizzard Entertainment. “‘World of Warcraft’® Subscriber Base Reaches Over 12 Million Worldwide” (October 7, 2010). Retrieved January 22, 2011, from http://us.blizzard.com/en-us/company/press/pressreleases.html?101007.
(31) T. Walker, “Welcome to FarmVille: Population 80 Million,” The Independent (February 22, 2010). Retrieved January 22, 2011, from http://www.independent.co.uk/life-style/gadgets-and-tech/features/welcome-to-farmville-population-80-million-1906260.html.
(32) Readers with an interest in electronic games should see the feature-length documentary King of Kong: A Fistful of Quarters (2007) about two men who compete to see who can get the highest possible score in the arcade version of Donkey Kong.
(33) L. Tanner, “Is Video Game Addiction a Mental Disorder?”, MSNBC.com (Associated Press report) (June 22, 2007). Retrieved January 23, 2011, from http://www.msnbc.msn.com/id/19354827/#.
(34) J. Wortham, “With Kinect Controller, Hackers Take Liberties,”New York Times (November 21, 2010). Retrieved January 23, 2011, from http://www.nytimes.com/2010/11/22/technology/22hack.html?_r=1#.TheYouTubevideo with two million views of Oliver Kreylos’ 3-D Kinect experiments is at http://www.youtube.com/user/okreylos#p/u/4/7QrnwoO1-8A.
(35) J. Newman, “2010 Game Sales: It’s Now Microsoft’s Game to Lose,” Technologizer (January 14, 2011). Retrieved January 23, 2011, from http://technologizer.com/2011/01/14/2010-game-sales-microsoft/.
(36) E. C. Bearss, Fields of Honor: Pivotal Battles of the Civil War (Washington, DC: National Geographic Society, 2006).
(37) See the BMW augmented-reality YouTube video at http://www.youtube.com/watch?v=P9KPJlA5yds.
(38) The Soarin’ Over California ride debuted with the 2001 opening of Disney’s California Adventure park next to Disneyland in Anaheim, California. There is an identical ride (Soarin’) at Disney’s Epcot Park in Orlando, Florida that opened in 2005. To view a low-resolution 2D version of the film (without the sense of 3D depth or added 4D sensory effects) see http://www.youtube.com/watch?v=p6YISwoNrgE.
(39) Note that each of these services is now owned by Google Inc. Panoramio was created in 2005 by two Spanish entrepreneurs, Joaquın Cuenca Abela and Eduardo Mancho´n Aguilar, as a means of inserting photos in Google Earth placed where they were taken. There is also a mechanism to correct the location of photos if the viewer thinks they are misplaced. I added a photo in Panoramio of the palm tree on the island of Mauritius that was actually a cell tower (see Figure 10-6). A year later I received an e-mail from Panoramio that a viewer thought that the photo was misplaced and suggested an alternative location. They were correct, and I agreed to move its location, another example of the self-correcting nature of crowdsourced online content. Google purchased YouTube in November 2006 and Panoramio in July 2007.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤