الفصل الخامس

تطوُّر شبكة الإنترنت

الطور الأول: من أربانت إلى الإنترنت

تخيَّلْ غرفةَ تحكُّمٍ ضخمة خافتة الإضاءة لشبكة الإنترنت. يُشبِه المشهدُ قاعةَ مراقَبة البعثات الفضائية بوكالة ناسا، لكنْ على نطاقٍ أكبر كثيرًا. يراقِب العشراتُ حركةَ البيانات على الشبكة العالمية على شاشات شخصية صغيرة تعمل بتقنية البلورات السائلة وموصَّلة بوحدات طرفية، وعلى شاشات عرض ضخمة تَشْغَل أحد حوائط الغرفة. تعرض الشاشةُ الأكبر حركةَ البيانات بين القارات وأجهزةَ الراوتر (الموجِّهات) الرئيسية في الشبكة العالمية. إلى جانبها شاشاتٌ أصغر تعرض صورًا لحركة البيانات على الإنترنت بحسب القارة، مع حِزَمٍ ملوَّنةٍ متنوِّعةِ السعة تشير إلى اتصالات مسارات البيانات الرئيسية، عن طريق الألياف البصرية بين نقاط الاتصال الرئيسية على تلك الشبكات. كان جيه سي آر ليكلايدر سيتخيَّل هذه الصورة، بوصفها مكونًا رئيسيًّا لنُظُمِ القيادة والتحكم القائمةِ على الإنترنت، مكوِّنًا سيتيح لكثيرين مراقَبة ما يحدث على شبكة كبيرة في التوِّ واللحظة.1 المشكلة في هذه الصورة المتخيَّلة لغرفة التحكم الرئيسية هي أنه لا وجودَ لها! فبينما توجد غُرَفُ تحكُّم لشبكات الاتصالات تُدِيرها شركاتٌ مستقلة أو حكومات حول العالم، لا توجد غرفةُ تحكُّمٍ رئيسية لشبكة الإنترنت. كيف يمكن لشبكةٍ بضخامةِ شبكة الإنترنت أداءُ وظائفها دون أن يُدِيرها كيانٌ ما؟ الإجابة تكمن في جوهر مفهوم الإنترنت، وهو عنصر أساسي في نموِّها الاستثنائي منذ عام ١٩٦٩. عقد نيكولاس نجروبونتي، في كتابه «الرقمية»، مقارَنةً مثيرة للاهتمام:2

الإنترنت شبكة مثيرة للاهتمام، ليس لأنها شبكة عالمية ضخمة ومنتشرة فحسب، بل لأنها مثالٌ على شيء تطوَّرَ دون مصمِّم مسئول واضح؛ ما يحافِظ على الشبه الكبير بين شكلها وتشكيل سِرْب من البط (الطائر). لا أحدَ يحتلُّ منصبَ قائد السِّرْب، وجميعُ الأعضاء يحلِّقون لأعلى على نحوٍ يثير الإعجاب.

fig14
شكل ٥-١: هل هذه غرفةُ تحكُّمٍ رئيسية للإنترنت؟ الصورة: ناسا.
fig15
شكل ٥-٢: أُحْجِيَّة: لِمَ تشبه شبكةُ الإنترنت سِرْبًا محلِّقًا من الطيور المهاجرة؟ الصورة: جون بنسون.
لاحِظْ أنه عندما كتب نيكولاس نجروبونتي ذلك في ١٩٩٥، كان مستخدِمو الإنترنت ٣٠ مليونًا فقط،3 بينما بلغ عدد المستخدمين في ٢٠١١ حول العالم ٢٫١ مليار مستخدِم (٣٠ بالمائة من عدد سكان العالَم).4 ولا تزال شبكةُ الإنترنت «تحلِّق لأعلى على نحوٍ يثير الإعجاب» بمعدلِ نموٍّ مذهل على مدار الثلاثين عامًا المنصرمة.

ابتكار بروتوكول التحكُّم بالإرسال/بروتوكول الإنترنت

في سبعينيات القرن العشرين، مع تحوُّل شبكة أربانت إلى ما نعرفه الآن بشبكة الإنترنت، كان هناك الكثير من الابتكارات التكنولوجية التي عزَّزت هذا النمو، لكنَّ قليلًا منها كان بأهمية ابتكار بروتوكول التحكم بالإرسال وبروتوكول الإنترنت اللذين سهَّلَا الاتصالَ في شبكة موزَّعة تستخدم تقنيةَ تبديلِ حِزَمِ البيانات. في ١٩٧٠ توصَّلت مجموعة من الباحثين في هاواي بقيادة نورمان أبرامسون إلى طريقةٍ منقطعةِ النظير لتبديل حِزَم البيانات باستخدام موجات الراديو (بدلًا من استخدام خطوط الهاتف تحت سطح البحر الباهظة التكلفة)، التي مكَّنَتْ بثَّ البيانات لاسلكيًّا بين منشآت الكمبيوتر على الجزر.5 وباستغلال تمويل وكالة أربا، تطوَّرَتْ هذه التكنولوجيا إلى شبكة راديو بين الجُزُر عُرِفت باسم ألوهانت. كانت شبكة ألوهانت بيانًا عمليًّا على أن تبديل حِزَم البيانات ممكنٌ عبر شبكاتٍ غير الشبكات الموصَّلة بأسلاك.
شغَلَ بوب خان في السابق منصبَ أستاذ الهندسة الكهربية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وقد انتقل إلى شركة المقاولات بولت، برانيك آند نيومان (بي بي إن) كباحثٍ، ثم ساعَدَ في تحضير عرض أربانت الشهير بالمؤتمر الدولي للاتصالات الكمبيوترية في واشنطن في أكتوبر من ١٩٧٢، وانتقَلَ بعدها إلى وكالة أربا في وقتٍ لاحق من ذاك العام.6 إنْ بدا لك هذا المسار الوظيفي مألوفًا — من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى شركة بولت، برانيك آند نيومان، حتى وكالة أربا — فقد كان مُطابِقًا للمسار الذي اتخذه جيه سي آر ليكلايدر قبلَه ببضع سنوات؛ إذ كان زميلًا لخان في بي بي إن. وقد أجرى كان أبحاثًا رائدةً في تبديل حِزَم البيانات في بي بي إن. وبوكالة أربا، أبدى اهتمامه ببناء مشروع ألوهانت الطليعي بجهود تمويلية من أستاذ بجامعة ستانفورد يُدعَى فينتون سيرف، لربط شتَّى أنواع شبكات الاتصال الرقمية. تخرَّجَ سيرف في برنامج علوم الكمبيوتر بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس؛ حيث عكف على إنشاء أول نقطة اتصالٍ على شبكة أربانت في ١٩٦٩.
استغلَّ خان تمويلَ وكالة أربا من أجل تشييد شبكةٍ تستخدِم موجاتِ الراديو لحمْلِ حِزَم البيانات، عُرِفت باسم بي آر نِت في منطقة خليج سان فرانسيسكو. ربطت الشبكة سان فرانسيسكو وبيركلي وبالو ألتو وسان هوسيه، باستخدام مقوِّيات موجات الراديو على قِمَمٍ مرتفعةٍ في أنحاء منطقة الخليج، ودخلت حيز العمل في ١٩٧٥، وبيَّنَتْ أنَّ بثَّ حِزَم البيانات عن طريق موجات الراديو يمكن أن يكون محمولًا، وهو تطبيقٌ مهم للاستخدامات العسكرية الممكنة؛ حيث إنه بوسع هذه التكنولوجيا بثُّ رسائل رقمية مشفَّرة ستكون أكثر أمانًا من رسائل الراديو التقليدية.7 إبَّان الحرب العالمية الثانية، استعانت وحدات الجيش الأمريكي في المحيط الهادئ «بمتحدثي الشفرات» من قبيلة النافاجو، الذين أربكوا مساعي اليابانيين لاعتراض اتصالات الراديو الأمريكية عبر تحدُّثهم بلغتهم الفريدة. ويمكن تكييف رسائل حِزَم الراديو مع المزْجِ الرقمي بحيث لا يعلم خوارزميات إعادة تجميعها سوى المتلقِّي.
صمَّمَ كان وفريقه شبكةَ حِزَم الراديو في منطقة خليج سان فرانسيسكو بحيث تكون قابلةً للنقل وقويةً بما يكفي من أجل نشرها للاستخدام العسكري في أي مكان بالعالم. تميَّزَتِ الشبكة بهوائياتٍ لجميع الاتجاهات لم تكن هناك حاجةٌ لتوجيهها إلى أبراج التقوية، وبشاحنةٍ متنقِّلة اختبرَت الاستقبال في المركبات المتحركة. كما صُمِّمت الشبكة كي تتَّبِع تلقائيًّا كلَّ العناصر في النظام، وتتمكَّن من الاستمرار في أداء وظائفها حتى إنْ تعطَّلَتِ العناصرُ بالشبكة أو دُمِّرَتْ.8 بيَّنت شبكة بي آر نِت أن تكنولوجيات حِزَم الراديو قويةٌ وقابِلةٌ للنقل، ولها تطبيقاتٌ ملموسة في الاتصالات العسكرية.
كانت وكالة أربا تدرس بثَّ حِزَمِ البيانات عن طريق الأقمار الصناعية. نُقِل الصوت والصور التليفزيونية والبيانات لأول مرة بين الولايات المتحدة وأوروبا في يوليو من عام ١٩٦٢ بواسطة القمر الصناعي الرائد تلستار.9 كنتُ حينها طالبًا بالمدرسة في أوهايو، وجلستُ مشدوهًا أمام صور الأبيض والأسود المشوَّشة المنقولة من أوروبا، التي شاهدناها مباشَرةً على التليفزيون. تركَت التجربة بي انطباعًا دامَ للأبد، وأعتقد أن التجربة كانت مماثلة لردِّ فعْلِ الغربيين عندما شهدوا أول استخدام للتلغراف بمحطات السكك الحديدية للبثِّ عبر القارات في وايومنج في ستينيات القرن التاسع عشر. كان زرُّ الضغط إيذانًا بالبثِّ الآني للرسائل من نيويورك إلى سان فرانسيسكو؛ وهي معجزة استوعبها كذلك مَن شاهدوا مفتاح التلغراف وهو يتحرك، وسمعوا صوته وأدركوا أن يدًا بشريةً على بُعْدِ آلاف الأميال كانت تتسبَّب في ذلك. كان نجاح الاتصالات عبر القمر الصناعي يعني أن بوسع الأمريكيين مشاهَدةَ الأخبار وغيرها من برامج التليفزيون مباشَرةً من مختلف أنحاء العالم، وهي النقطة التي أبرَزَها المعلِّقون على الشبكة وأنفاسُهم تتلاحق أثناءَ مشاهدتنا الصورَ التليفزيونية المنقولة من أوروبا مباشَرةً.10
أراد روبرت خان دراسةَ إمكانية بثِّ البيانات عبر القمر الصناعي باستخدام تكنولوجيا حِزَم البيانات. اهتمَّتْ وكالة أربا ببثِّ بيانات إلى الولايات المتحدة من محطات رصد النشاط الزلزالي في إسكندنافيا. كانت هذه المحطات تجمع بياناتٍ حول اختبارات الاتحاد السوفيتي للقنابل النووية؛ حيث تقيس حجمَها بتقييم الاهتزازات في الأرض على مقياسٍ للنشاط الزلزالي. جمعت المحطاتُ كمياتٍ ضخمةً من البيانات، وأراد كان معرفة إنْ كان بوسع تكنولوجيا حِزَم البيانات تسريعُ بثِّها إلى الولايات المتحدة عبر القمر الصناعي. في ١٩٧٣، موَّلَتْ هيئةُ تكنولوجيا معالَجة المعلومات التابعة لوكالة أربا ربْطَ جامعة هاواي (منشئة شبكة ألوهانت) وكلية لندن الجامعية بشبكة أربانت. تحوَّلَتْ هذه الارتباطات الأولى إلى مشروع ساتنت برعاية وكالة أربا، وهيئة البريد البريطانية، وهيئة الاتصالات عن بُعْد النرويجية التي ربطت موقعين بالولايات المتحدة وموقع بالمملكة المتحدة وآخَر بالنرويج. استُخدِمت شبكة ساتنت لاختبار تقنيةِ بثِّ حِزَم البيانات عبر القمر الصناعي لبثِّ بيانات النشاط الزلزالي للاختبارات النووية في البلدان الإسكندنافية.11
هذه الخلفية ضرورية لفهم المشكلة الجوهرية الكامنة المتمثِّلة في ربْطِ شتَّى الشبكات بشبكة أربانت. كانت المشكلة الأساسية أنَّ كلًّا من شبكة بي آر نِت وشبكة ساتنت وشبكة أربانت استخدمَتْ تكنولوجيات مختلفة، وجمْعُها معًا في شبكة مشتركة مثَّل تحديًا كبيرًا. استعان خان بخدمات فينتون سيرف (مبتكر بروتوكول التحكم بالإرسال الحالي لشبكة أربانت) لأغراض المشروع، وعملَا على حلِّ هذه المشكلة مع مجموعةٍ دولية ضمَّتْ خبراء بالشبكات. يعتبر كثيرون خان وسيرف «أبوَيِ الإنترنت»، لكنْ لا ينبغي أن يعود الفضلُ لهما وحدهما، وإنما إلى المجموعة الدولية كذلك التي استشاراها في حلِّ مشكلةِ ربْطِ الشبكات.12
كان حل المعمارية المفتوحة الذي اقترحه الفريق مختلفًا عن شبكة أربانت في صدد بالغ الأهمية: إذ تولَّتْ أجهزة الكمبيوتر المضيفة — لا الشبكة نفسها — المسئولية عن كامل موثوقية الشبكة. كان ذلك يعني أنه إنِ امتثلت الأجهزة المضيفة كلها لقواعد الشبكة المفروضة — البروتوكول — فبإمكان النظام الزيادة حجمًا على نحوٍ لم يكن ممكنًا إنْ كان المسئولَ مركزُ تحكُّمٍ رئيسي. يمكن تشبيه الشبكة بفرقة موسيقية بوسعها إضافة عدد غير محدود من الموسيقيين في الوقت الذي تعزف فيه سيمفونية مشتركة، وسيكون كل عازف ينضم حديثًا مسئولًا عن المحافَظة على التزامُن مع باقي الفرقة الموسيقية؛ ما ينفي الحاجةَ إلى وجود قائد أوركسترا. كانت تلك فكرة ثورية في عصرٍ شهِدَ التحكُّمَ المركزي بالشبكات (سواء أكانت شبكات هاتف أم تليفزيون أم بيانات)، لكنها أتاحت تصوُّرَ شبكةٍ ضخمة ضخامةً لا محدودة مكوَّنة من شبكات متصلة. في مايو من ١٩٧٤، نشر سيرف وخان ورقةً بالغةَ الأثر وصفَتْ كيف يمكن استخدام بروتوكول التحكم بالإرسال لتحديدِ كيفيةِ تدفُّق البيانات عبر الشبكة من مضيف إلى مضيف.13 واقترحوا كذلك عنصرًا رئيسيًّا آخَر، وهو استحداث أجهزة كمبيوتر متخصِّصة على الشبكة سمَّوْها «بوابات» تعمل كموجهات لحركة البيانات. ونقاط الاتصال الحيوية هذه يُطلَق عليها اليومَ «أجهزة الراوتر»، وهي جزء لا يتجزَّأ من شبكة الإنترنت العالمية.
نشر سيرف ويوجين دلال وكارل صنشاين بجامعة ستانفورد ورقةً بحثيةً في ديسمبر من عام ١٩٧٤ حوت أول استخدام لكلمة «إنترنت» Internet، المشتقة من المصطلح internetting ويعني «التوصيل البيني»، لوصف هذه الفكرة عن الاتصال بين الشبكات. وبهذا حملت هذه الشبكةُ شبه العالمية المؤلَّفة من شبكاتٍ اسمًا رسميًّا.14 يوضِّح الجدول ٥-١ أهمية بروتوكول التحكم بالإرسال وبروتوكول الإنترنت في تحديد كيفية معالجة الرسائل وتوجيهها عبر الشبكة، والدور الرئيسي للأنظمة المضيفة في الحفاظ على اتصالٍ يمكن الاعتماد عليه. وكان للاستعانة ببروتوكول التحكم بالإرسال وبروتوكول الإنترنت أهمية كبيرة في نمو شبكة الإنترنت وسعة انتشارها اليومَ في مختلف أنحاء العالم.
جدول ٥-١: طبقات الاتصال عن بُعد. (المصدر: بي جرالا، كيف تعمل شبكة الإنترنت (إنديانا بوليس، ولاية إنديانا: كيو للنشر، ١٩٩٩)، ١٣)
الطبقة ٥: التطبيق (بروتوكول نقل النص الفائق HTTP، أو بروتوكول نقل الملفات FTP، أو بروتوكول الصوت عبر بروتوكول الإنترنت VoIP).
الطبقة ٤: النقل (بروتوكول التحكم بالإرسال).
الطبقة ٣: الشبكة/الإنترنت (بروتوكول الإنترنت).
الطبقة ٢: ربط المعطيات (شبكة محلية إيثرنت أو بروتوكول الشبكات اللاسلكية ٨٠٢٫١١).
الطبقة ١: المكونات المادية (الكابلات التي تربط أجهزة الكمبيوتر بالشبكة).
أفضل ما يمثِّل العلاقة بين بروتوكول التحكم بالإرسال وبروتوكول الإنترنت هو نموذج طبقات بروتوكولات الاتصال عن بُعد. التطبيقات القائمة على الإنترنت مثل صفحات الويب التي تحمل عنوانَ محددِ المورد الموحَّد (URL مسبوقًا ببروتوكول HTTP)، تعتمد على طبقتَيْ بروتوكول التحكم بالإرسال وبروتوكول الإنترنت، من أجل طلب موقع الويب المنشود وتوصيله بشكل صحيح إلى كمبيوتر المستخدِم. يدير بروتوكول التحكم بالإرسال الاتصالَ بحِزَم البيانات بين المضيف وأجهزة الكمبيوتر (العميلة) التي تطلب البيانات. ويدير بروتوكول الإنترنت التسييرَ العالمي لفيض حِزَم البيانات بصورة صحيحة عبر الإنترنت خلال الكثير من مختلف المسارات. ولكل كمبيوتر ملحق بشبكة الإنترنت عنوان بروتوكول إنترنت فريد. تتيح الطبقتان ١ و٢ الاتصالَ من كمبيوتر المستخدِم إلى الإنترنت.
بحلول عام ١٩٧٥، تجاوَزَ نموُّ شبكة أربانت الشبكةَ البحثية الصغيرة التي موَّلتها وكالة أربا منذ مساعي ليكلايدر الأولى لاستقدام المشاركين في ١٩٦٩. أرادت الوكالة التخلي عن مسئولية الشبكة حتى تركِّز على مهمتها الأساسية في تطوير وتمويل المشروعات البحثية. التقى لاري روبرتس وهاورد فرانك، المشاركان في شبكة أربانت، بتنفيذيِّي شركة إيه تي آند تي لدراسة إنْ كانت الشركة الضخمة مهتمة بتشغيل الشبكة الجديدة القائمة على تبديل حِزَم البيانات أم لا.15 كان ذلك سابقًا على تقسيم شركة إيه تي آند تي بناءً على حكم محكمة في ١٩٨٤، وفي وقت الاجتماع مع روبرتس وفرانك كانت الشركة واحدةً من أضخم محتكري قطاع الاتصالات في العالم. رفضَتِ الشركة تبنِّي تشغيل شبكة أربانت لأنها لا تزال تستثمر بكثافة في شبكة الهواتف الوطنية القائمة على تبديل الدوائر، ولم تستشرف عائدًا ماديًّا من تشغيل منظومة صغيرة لا تزال في طَوْر التجارب.16
مع عزوف قطاع الاتصالات المدني عن تبنِّي المشروع، أوكلَتْ وكالة أربا تشغيلَ شبكة أربانت إلى وكالة اتصالات الدفاع (المعروفة حاليًّا باسم وكالة نُظُم معلومات الدفاع) في يوليو من عام ١٩٧٥. كانت هناك بعض الخلافات بين المديرين العسكريين في وكالة اتصالات الدفاع والمشاركين في شبكة أربانت، خاصةً حول ما اعتبرَتْه الإدارة الجديدة تساهُلَ ضوابط الوصول إلى الشبكة في الجامعات الأعضاء بها. وضعت حربُ فيتنام أوزارَها عام ١٩٧٥، وكان العداء المتأجِّج نحو الجيش لا يزال حاضرًا بكثيرٍ من أحرام جامعات الولايات المتحدة. وبمجرد أن اضطلعت وكالةُ اتصالاتِ الدفاع بتشغيل شبكة أربانت، تجدَّدَ الاهتمامُ بين قطاعات الجيش في استخدام الشبكة لأغراض القيادة والتحكم.17 كانت إحدى المزايا الرئيسية لتولِّي الوكالة العسكرية الشبكةَ هي قدرة وزارة الدفاع على توجيه الأمر لكلِّ المشاركين في شبكة أربانت لاستخدامِ بروتوكولَيِ التحكم بالإرسال والإنترنت. سرَّعَ تبنِّي البروتوكولين على مستوى المنظومة بأسرها من تطوير الشبكة، وحسَّن من درجة الموثوقية الكلية للمنظومة. شغَّلت وكالة اتصالات الدفاع الشبكةَ حتى ١٩٨٣، عندما أُنشِئت شبكة إم آي إل نت بهدف فصل المنشآت الدفاعية ومختبرات وزارة الدفاع عن الشبكة المدنية. تألَّفَتِ الشبكة المدنية الجديدة من ٨٦ نقطةَ اتصالٍ، وأُطلِق عليها اسم شبكة الإنترنت، وأصبحت ٤٥ نقطةَ اتصالٍ جزءًا من شبكة إم آي إل نت الجديدة.18

ظهور الكمبيوتر الشخصي

حتى عام ١٩٧٥، هيمنَتْ أنظمةُ الكمبيوترات المركزية الضخمة على عالَم الحوسبة في الولايات المتحدة وشرق آسيا وأوروبا، وكان يشغِّل هذه الأنظمةَ فِرَقٌ مؤلَّفة من متخصصي معالجة البيانات، واقتضَتْ غرفًا خاصة مكيَّفة الهواء. لكن تغيَّرَتْ للأبد فكرة أن الكمبيوترات يجب أن تكون ضخمة ومركزية في يناير من عام ١٩٧٥، مع ظهور الكمبيوتر الشخصي الجديد إم آي تي إس ألتير ٨٨٠٠ على غلاف مجلة بوبيولار إلكترونيكس (شكل ٥-٤). كانت إم آي تي إس شركة في ألباكركي بنيومكسيكو تصنِّع الأجهزة الإلكترونية للهواة. باستخدام معالِج بدائي من طراز إنتل ٨٠٨٠، كان ألتير كمبيوترًا متوسطًا مضغوطًا وسعره في المتناول. نجح المنتج على نطاقٍ واسعٍ وباعَتِ الشركة آلافَ الأجهزة بمبلغ ٣٩٧ دولارًا في الأشهر الأولى من العام إلى هواة الكمبيوتر.19
جدول ٥-٢: تطوُّر شبكة الإنترنت من رَحِم شبكة أربانت. (المصادر: جيه أبات، «اختراع الإنترنت» (كمبريدج، ماساتشوستس: مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ٢٠٠٢)؛ إم إم والدروب، «آلة الأحلام: جيه سي آر ليكلايدر والثورة التي جعلت الحوسبة شخصية» (نيويورك، بنجوين، ٢٠٠١))
التاريخ* الحدث الأطراف الفاعلة
٢٩ أكتوبر ١٩٦٩ أول اتصال بين نقاط الاتصال على شبكة أربانت. جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، ومعهد ستانفورد للأبحاث.
ديسمبر ١٩٦٩ أول أربع نقاط اتصال على أربانت متصلة بالشبكة. جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، ومعهد ستانفورد للأبحاث، وجامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا، وجامعة يوتا.
١٩٧٠ استخدام أول بروتوكول تحكُّم بالشبكة من مضيف لمضيف. أول رابط عابر للقارات بين جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس وشركة بي بي إن على شبكة أربانت. المؤسسات المضيفة على شبكة أربانت مع شركة بي بي إن في بوسطن. شركة إيه تي آند تي تثبِّت الرابط الذي عمل بسرعة ٥٦ كيلوبت في الثانية.
١٩٧١ ١٥ نقطةَ اتصالٍ و٢٣ مضيفًا على شبكة أربانت. جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، ومعهد ستانفورد للأبحاث، وجامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا، وجامعة يوتا، شركة بي بي إن، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومؤسسة راند، ومؤسسة تطوير النظم، وجامعة هارفرد، ومختبر لينكولن، وجامعة ستانفورد، وجامعة إلينوي، وجامعة كيس وسترن ريسرف، وجامعة كارنيجي ميلون، وناسا/إيمز.
١٩٧٢ «عرض العروض» بالمؤتمر الدولي للاتصالات الكمبيوترية الذي عُقِد في العاصمة واشنطن في أكتوبر. استخدام برنامج راي تومليسون للبريد الإلكتروني على شبكة أربانت. المؤتمر الدولي للاتصالات الكمبيوترية، ووكالة أربا، والمؤسسات المضيفة على شبكة أربانت وشركة بي بي إن.
١٩٧٣ أربانت تتحوَّل لشبكة دولية مع قنواتِ اتصالٍ مع كلية لندن الجامعية والمرصد النرويجي للزلازل. المؤسسات المضيفة على أربانت مع كلية لندن الجامعية والمرصد النرويجي للزلازل.
١٩٧٤ سيرف وخان ينشران تفاصيل برنامج التحكم بالإرسال. فينتون سيرف (جامعة ستانفورد)، وروبرت خان (وكالة أربا).
يناير ١٩٧٥ كمبيوتر ألتير ٨٨٠٠ من شركة إم آي تي إس يُطرَح للبيع للجمهور في أمريكا. هواة الكمبيوتر، وشركة إم آي تي إس، وإنتل (مصنِّعة وحدة المعالجة المركزية للكمبيوتر ٨٠٨٠).
يوليو ١٩٧٥ وكالة اتصالات الدفاع تتولى مسئولية تشغيل شبكة أربانت. المشاركون في أربانت مع وكالة اتصالات الدفاع.
١٩٧٧ عرض متعدد الوسائط لبروتوكولات الإنترنت على شبكة حِزَم الراديو في سان فرانسيسكو، ضمَّ شبكتَيْ ساتنت وأربانت. وكالة أربا، ومعهد ستانفورد البحثي، وشبكة ساتنت الأطلسية.
١٩٧٩ شبكة بي آر نِت تعرض بث حزم البيانات عبر الراديو باستخدام مركبات متنقلة في منطقة خليج سان فرانسيسكو. روبرت خان يستغل تمويل وكالة أربا مع توفير معهد ستانفورد للأبحاث التصميمَ والتطويرَ.
١٩٨٠ فيروس عن طريق الرسائل يعطِّل شبكة أربانت في ٢٧ أكتوبر. المؤسسات المضيفة على أربانت تُصاب بالفيروس.
١٩٨١ تصميم شبكة سي إس نت (شبكة علوم الكمبيوتر) لعلماء الكمبيوتر غير المنتسبين للمؤسسات على أربانت. مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية تموِّل التطوير الذي تقوم به شركة بي بي إن ومؤسسة راند وجامعة بيردو، وجامعتا ديلاوير وويسكونسن.
١٩٨٢ وكالة اتصالات الدفاع تقضي باستخدام بروتوكولَيِ التحكم بالإرسال والإنترنت. وكالة اتصالات الدفاع والمؤسسات المضيفة على أربانت.
١٩٨٣ تحوُّل جميع المستخدمين من بروتوكول التحكم بالشبكة إلى بروتوكول التحكم بالإرسال/بروتوكول الإنترنت. رَبْط شبكتَيْ سي إس نت وأربانت. انفصال شبكة إم آي إل نت عن أربانت. المؤسسات المضيفة على أربانت وسي إس نت، ووكالة اتصالات الدفاع، ووزارة الدفاع الأمريكية.
١٩٨٤ طرح نظام أسماء النطاقات DNS على سبيل المثال: e.g., edu, .com, .gov مجموعة من طلاب جامعة كاليفورنيا ببيركلي كتبوا برنامجًا لنظام يونيكس قائم على أول نظام لأسماء النطاقات ابتكره في ١٩٨٣ بول موكابتريس من جامعة جنوب كاليفورنيا.
١٩٨٦ مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية تتولَّى إدارة شبكة الإنترنت وتموِّل خمسة مراكز للحوسبة الفائقة وشبكة إن إس إف نت. مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية مع المراكز التي تموِّلها في برينستون وبيتسبرج وجامعة كاليفورنيا بسان دييجو وجامعة إلينوي في إربانا-شامبين، وجامعة كورنيل.
١٩٨٧ مجموعة المعلومات البحثية التعليمية في ميشيجان (ميريت) تفوز بعطاء لتوسعة نطاق شبكة إن إس إف نت. مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية ومجموعة المعلومات البحثية التعليمية في ميشيجان (جامعات ميشيجان، وولاية ميشيجان، وشركة آي بي إم، وشركة مايكروويف كوميونيكيشنز).
١٩٨٨ ترقية سرعة «العمود الفقري» لشبكة إن إس إف نت إلى ١٫٥٤٤ ميجابِت في الثانية (تي١). مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية وشركة إيه تي آند تي.
١٩٨٩ عدد من الأنظمة المضيفة يتجاوز ١٠٠٠٠٠ شبكة إن إس إف نت ومؤسسات مضيفة دولية.
١٩٩٠ نهاية شبكة أربانت – شبكة الولايات المتحدة الآن هي شبكة إن إس إف نت.
تم تأكيد التواريخ والأطراف الفاعلة على التسلسل الزمني اعتمادًا على إطار الإنترنت الزمني من إعداد هوبز. يمكنك أن تجد هذا المصدر المفيد على: http://www.zakon.org/robert/internet/timeline/.
كان لألتير ٨٨٠٠ أثرٌ بالغٌ على دوائر برمجيات الكمبيوتر الناشئة. قرأ طالِب يدرس بجامعة هارفرد يُدعَى ويليام جيتس المقالَ بمجلة بوبيولار إلكترونيكس، وحفَّزَتْه الإمكاناتُ التي تصوَّرَها في الحوسبة الشخصية. وبالتعاون مع صديقه بالمدرسة العليا في سياتل بول ألين (الذي كان يعمل آنذاك مبرمِجًا في منطقة بوسطن)، قرَّرَ جيتس كتابةَ نسخةٍ من لغة البرمجة «بيزيك» للكمبيوتر ألتير. انتقلا إلى ألباكركي بنيومكسيكو، كي يكونا على مقربةٍ من إم آي تي إس، مصنِّعة ألتير، وأنشآ شركةَ برمجيات سمَّيَاها ميكروسوفت. كان جيتس وألين من المستفيدين الأوائل من ابتكار الكمبيوتر الشخصي.20 في ذاك الوقت، لم يكن بمقدور أحدٍ التكهُّنُ بتبعاتِ ابتكارِ الحاسوب الشخصي على تطوُّر الإنترنت. صُمِّمت شبكة أربانت في الأساس لمشاركة الموارد بين مستخدمي نُظُم الكمبيوترات المركزية الضخمة، ولم يكن بوسع مصمِّمي الشبكة تخيُّلُ أن الأفراد سيملكون في يومٍ من الأيام أجهزةَ كمبيوتر تتمتَّع بكامل الوظائف، وسيكون بمقدورهم الجلوسُ إلى كمبيوتر مكتبي أو كمبيوتر محمول. كان لاستحداث الكمبيوترات الشخصية مفعولٌ عظيم على أوساط الشركات والحكومات والمؤسسات قبل أن ينخفض ثمنُها بأمدٍ بعيدٍ؛ ما أتاحها للاستخدام المنزلي.
fig16
شكل ٥-٣: كمبيوتر ألتير ٨٨٠٠ معروض بمتحف تاريخ الكمبيوتر في ماونتن فيو، كاليفورنيا. الصورة: مايكل هولي.
fig17
شكل ٥-٤: ظهر الكمبيوتر ألتير ٨٨٠٠ على غلاف إصدار يناير ١٩٧٥ من مجلة بوبيولار إلكترونيكس. الصورة: إهداء من شركة زيف ديفيز.
كان أول كمبيوتر شخصي في الولايات المتحدة هو ألتو، وقد جرى تطويره في مركز أبحاث بالو ألتو التابع لزيروكس في كاليفورنيا عام ١٩٧٣.21 كان ألتو كمبيوترًا شخصيًّا ثوريًّا مقارَنةً بالكمبيوترات المركزية والكمبيوترات المتوسطة في ذاك العصر. لم يكن الكمبيوتر منتجًا تجاريًّا، لكنه استُخدِم على نطاق واسع في مركز أبحاث بالو ألتو التابع لزيروكس واستخدمه بعض الجامعات. تأثَّرَ ابتكارُه بنظام «أونلاين سيستم» (إن إل إس) الذي استحدثه دوجلاس إنجلبارت بمعهد ستانفورد للأبحاث. مثَّلَ كمبيوتر ألتو أولَ استخدامٍ تجاري للفأرة كأداة تأشير، وأول اتصال بشبكة محلية من أجل التخزين، وأول استخدام لواجهة المستخدِم الرسومية التي تتضمَّن بيئةَ سطح المكتب وأيقوناتٍ للتطبيقات التي أصبحت فيما بعدُ سماتٍ أساسيةً في أول كمبيوتر ماكنتوش طرحَتْه شركة أبل في ١٩٨٤.
ما زلتُ أتذكَّر بمنتهى الوضوح أول كمبيوتر شخصي مكتبي اقتنيتُه، من طراز آي بي إم ٥١٥٠ بي سي، في ١٩٨٢. ابتكرَتْ آي بي إم الكمبيوتر الشخصي من أجل الاستخدام العملي والمؤسسي في ١٩٨١، وتمتَّع بمعالج إنتل ٨٠٨٨ بمعمارية ٨ بت كان يعمل بسرعة ٥ ميجاهرتز، كانت تُعتبَر حينها سرعةً خاطفة.22 استخدمتُ الكمبيوتر الشخصي الجديد لكتابة نصوص الوسائط المتعددة البرمجية، وفيما بعدُ لمزامنته مع مسجِّل فيديو لإنتاجِ وتسليمِ برامج تدريبية قائمة على الكمبيوتر مدعومة بالفيديو. كانت خبرتي السابقة بالكمبيوتر تتكوَّن من تعلُّمِ كتابة البرامج بلغة البيزيك بمرحلة الدراسات العليا، واصطحابِ أكوامٍ من البيانات البحثية على بطاقات مثقوبة إلى مركز الكمبيوتر بالجامعة لمعالجتها باستخدام كمبيوترهم المتوسط من طراز في إيه إكس من إنتاج ديجيتال إكويبمنت كوربوريشن. أدهشني الزمن الذي استغرقته التكنولوجيا لتتطوَّر من الكمبيوترات المتوسطة الباهظة الثمن مثل نظام في إيه إكس، إلى الحواسب الشخصية المكتبية؛ إذ استغرقَتْ أقلَّ من ٤ سنوات. كان ذلك التطبيق العملي لقانون مور، ومعالج إنتل ٨٠٨٨ (الذي حمل ٢٩٠٠٠ ترانزستور) المستخدَم في الكمبيوتر الشخصي من آي بي إم؛ جزءًا من المخطَّط اللوغاريتمي الخطي المستخدَم في حساب القانون.23

إحدى الظواهر المتعلقة بالانتشار السريع للحواسب الشخصية على أسطح المكاتب في ثمانينيات القرن العشرين؛ كانت الحاجةَ إلى ربطها معًا في شبكات أعمال/مؤسسية. تصميم وتشغيل هذه الشبكات المؤسسية خلَقَ دورًا جديدًا لأقسام تكنولوجيا المعلومات مع إحلال أجهزة الكمبيوتر الشخصية محلَّ أنظمة الكمبيوترات المركزية والكمبيوترات المتوسطة. ربطَتْ تكنولوجيا الإيثرنت أنظمةَ الحواسب الشخصية الموزَّعة في شبكة محلية اقتصرَتْ عادةً على مؤسسة أو منشأة مفردة. في الوقت الذي خلقت فيه شبكةُ أربانت شبكةً واسعةَ النطاق في ثمانينيات القرن العشرين، كانت آلاف الشبكات المحلية بصدد التدشين في الشركات والمؤسسات لربط مواردها الحاسوبية، لا سيما الحاسبات الشخصية الجديدة على أسطح المكاتب. إحدى تبعات ابتكار الكمبيوتر الشخصي، التي غالبًا ما تُغفَل، كانت الحاجةَ إلى ربطها في شبكات محلية معًا، وهذه الشبكات بدورها أمكن ربْطُها في شبكاتٍ واسعةِ النطاق أكبر. تسارعَتْ خطى نموِّ شبكة الشبكات التي أصبحت الإنترنت بفعل آلاف الشبكات المحلية الأصغر التي أمكن ربطها معًا على المستوى الأعمالي/المؤسسي، ولاحقًا في شبكات إقليمية ووطنية وأخيرًا عالمية. يتحرَّى قانون مور النمو المطرد لوحدات الترانزستور على الشريحة؛ ما أدَّى إلى ابتكارِ الكمبيوتر الشخصي والنمو المطرد اللاحق للشبكات التي تربط هذه الأنظمة المكتبية.

على الرغم من أن الكمبيوترات الشخصية المكتبية استُخدِمت في ثمانينيات القرن العشرين لوظائف معينة مثل معالجة النصوص والحسابات (لم تُطرَح حزمة ميكروسوفت أوفيس للتطبيقات حتى عام ١٩٨٩)، فقد سهَّلَ اتصالها بشبكات مؤسسية أكبر الاستخدامَ التنظيمي للبريد الإلكتروني كوسيلةِ تواصُل. نما بسرعةٍ استخدامُ البريد الإلكتروني في الشركات والمؤسسات مع اكتشاف مستخدمي الكمبيوتر الشخصي منفعتَه من أجل تحديثات المشروعات والمراسلات بين المكاتب، والقدرة على مشاركة النكات مع الزملاء بسرعة. ما كان معروفًا باسم تكنولوجيا المعلومات قبل التبنِّي الواسع النطاق للبريد الإلكتروني كأداةِ تواصُل فاعلة، تحوَّلَ نتيجةً لذلك إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ثمانينيات القرن العشرين؛ وذلك يعكس ملاحظةَ إيلول بأن كل التكنولوجيات لها تبعات غير منظورة عند تبنِّيها، والتبنِّي السريع للبريد الإلكتروني يشكِّل دراسةَ حالةٍ مثالية للتابعة التي لم يتوقَّعها مطوِّرو أجهزةِ الكمبيوتر الشخصي والشبكات التي ربطتها معًا.

نمو الإنترنت في ثمانينيات القرن العشرين

خلال نهاية سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين أضافَتْ شبكة أربانت مضيفات جديدة؛ واستمرَّ هذه النمط من النمو السريع بعد تحوُّل المستخدمين العسكريين إلى شبكة إم آي إل نت في ١٩٨٣. كانت الشبكة التي حملَتْ حديثًا اسمَ الإنترنت في حاجةٍ إلى راعٍ مُوسِرٍ ليحلَّ محلَّ وكالةِ أربا بعد انفصالها عنها. وكانت مؤسسةُ العلوم الوطنية الأمريكية وكالةً تموِّلها الحكومةُ الأمريكية، والهدفُ منها «تعزيز التقدُّم في العلوم، والنهوض بمعدلات الصحة والازدهار والرفاهة الوطنية، وتأمين شبكة الدفاع الوطنية».24 في ثمانينيات القرن العشرين كانت الوكالة مصدرًا رئيسيًّا للاعتمادات الفيدرالية لأبحاث علوم الكمبيوتر. وفي ١٩٨١، استغلَّتْ أقسامُ علوم الكمبيوتر بالجامعات الأمريكية، التي لم تكن طرفًا في شبكة أربانت، مِنَح مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية لتدشين شبكة جديدة أطلقوا عليها «سي إس نت» (شبكة علوم الكمبيوتر)، تبنَّتْ بروتوكولَي التحكم بالإرسال والإنترنت؛ ومن ثَمَّ أمكن اتصالها بشبكة الإنترنت.25 وفي ١٩٨٣، أُنشِئت بوابةٌ تربط جامعات سي إس نت بشبكة أربانت، وبذلك أصبحت الشبكتان اللتان كانتا منفصلتين شبكةً واحدةً.
أبدى ميتشيل والدروب ملاحظةً وجيهة، وهي أن أحد المحركات الرئيسية وراء التوسع في شبكة سي إس نت (ولاحقًا شبكة إن إس إف نت) كان الفيزيائيين الذين استلزموا طاقةَ حوسبةٍ ضخمةً من أجل استكشاف الجديد في دارسة الفيزياء الفلكية وميكانيكا الكم.26 تكلف الكمبيوتر الفائق في تلك الحقبة ملايين الدولارات، ولذا التمس الفيزيائيون من مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية إنشاء موارد حاسوبية فائقة بالإمكان مشاركاتها عبر شبكة مثل سي إس نت، مثلما كان علماء الفلك يحجزون وقتًا لاستخدام التلسكوبات الضخمة القليلة المتاحة. وهذا الالتماس من أجل مشاركة الموارد مثيرٌ للاهتمام من حيث إنه عكَسَ المنطق المبدئي وراء إنشاء شبكة أربانت؛ وهو المشاركة الزمنية لإمكانية الوصول إلى الموارد الحاسوبية الباهظة الثمن. كان ذلك استشرافًا للمستقبل؛ حيث ابتكَرَ تيم بيرنرز-لي في ١٩٨٩–١٩٩١ الشبكةَ العنكبوتية العالمية كوسيلةٍ للسماح للفيزيائيين بمشاركة أبحاثهم.
كان ردُّ فعلِ مؤسسةِ العلوم الوطنية الأمريكية أنْ موَّلَتْ مراكزَ تَحْوِي كمبيوتراتٍ فائقةً بخمس جامعات في ١٩٨٥، وبعدها بعام ربطتها معًا في شبكة أنشأتها حديثًا أطلقت عليها إن إس إف نت. كانت المراكز في جامعة كورنيل، وجامعة إلينوي في إربانا-شامبين، وجامعة بيتسبرج، وجامعة كارنيجي ميلون، وجامعة برينستون، وجامعة كاليفورنيا بسان دييجو.27 صُمِّمت شبكة إن إس إف نت للمستخدمين الأكاديميين الذين احتاجوا إلى اتصالاتٍ عاليةِ السرعة (تبلغ سرعتها ٢٥ ضعفَ سرعةِ شبكة سي إس نت)، وعملوا على سرعة ٥٦ كيلوبت في الثانية التي كانت آنذاك سرعةً فائقة. زادت سرعة العمود الفقري لشبكة إن إس إف نت من ١٫٥ ميجابت (سرعة تي١) في ١٩٨٨ إلى ٤٥ ميجابت (تي٣) في ١٩٩١.28 كانت هناك حاجة إلى سعةٍ إضافيةٍ للعمود الفقري للتعامُل مع النمو الاستثنائي لحركة البيانات على الشبكة. شملت مجموعةُ مضيفي الشبكة مشاركين أكاديميين وحكوميين وأعدادًا متزايدة من المشاركين التجاريين. استفادت شبكة إن إس إف نت من شيوع استخدام بروتوكولي التحكم بالإرسال/الإنترنت لدى كل الأنظمة المضيفة، وكانت بصدد التحوُّل إلى شبكة الشبكات التي تصوَّرها سيرف وخان. بحلول عام ١٩٩٢، ارتبط ما يزيد على ٦٠٠٠ شبكة بشبكة إن إس إف نت، كان ثلثها خارج الولايات المتحدة.29 وهذا يعكس اتجاهًا آخر مثيرًا للانتباه؛ فبمجرد أنِ استقلَّتْ شبكة إم آي إل نت، لم تَعُدْ شبكة الإنترنت متمحورةً حول الولايات المتحدة كما كانت، وزادت صبغتها المتعددة الجنسيات. ابتكر سيرف وزملاؤه من المؤلفين الاسمَ «إنترنت» ليقصدوا شبكةً من الشبكات المتصلة معًا، لكن إبَّان هذه الفترة أصبحَتْ شبكةً دوليةً كذلك.
اكتسبَتْ شبكةُ الإنترنت الوليدة طابعًا تجاريًّا بوقع متزايد؛ إذ سعت مؤسسةُ العلوم الوطنية الأمريكية بقوةٍ إلى إشراك القطاع الخاص في ١٩٨٦ كجزءٍ من هدفها لتهيئة الظروف كي تدعم شبكة إن إس إف نت نفسها؛ فأطلقَتْ طلبًا للمقترحات في ١٩٨٧ فتَحَ البابَ للمشاركة التجارية في جهود المؤسسة للارتقاء بشبكة الإنترنت.30 اختلفَتْ ردودُ الأفعال حيال القرار، لكنَّ المؤرخين سيلاحظون أن ذلك حدَثَ إبَّان إدارة الرئيس رونالد ريجان (١٩٨١–١٩٨٩)، الذي رفع الإشراف الحكومي عن عدد من الصناعات الأمريكية إبَّان عهده. كانت فلسفة إدارة ريجان هي تقليص دور الحكومة الفيدرالية في تنظيم الأنشطة التجارية، مثل الطيران التجاري والسكك الحديدية والنقل بالشاحنات ولا سيما الاتصالات عن بُعْد. كان ستيفن وولف مديرَ المشروعات المسئول عن شبكة إن إس إف نت في ذاك الوقت، وكتب عن ذلك:
كان حدوث ذلك حتميًّا؛ إذ كان من الواضح أن عدم حدوث ذلك بشكل منسَّق كان سيؤدي إلى حدوثه بشكل عشوائي، وسيظل المجتمع العلمي بمعزل عن الأحداث، على الهامش. فوجودُ شبكات متعددة مرةً أخرى بدلًا من شبكةٍ بينيةٍ واحدة نموذجٌ خاطئ. كان لا بُد من وجود نشاط تجاري للمساعدة في دعم التشبيك، والمساعدة في زيادة الكثافة على الشبكة؛ وهذا يخفِّض التكلفةَ على الجميع، بما في ذلك الدوائر الأكاديمية، وهي الوظيفة المفترض بمؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية أن تؤديها.31
فازت بعطاء الإدارة التعاونية للعمود الفقري لشبكة إن إس إف نت في ١٩٨٧ مجموعةُ المعلومات البحثية التعليمية في ميشيجان (ميريت)، وهي اتحاد شكَّلَتْه ولاية ميشيجان، والعديد من جامعات ولاية ميشيجان (تقودها جامعة ميشيجان)، وشركة آي بي إم لتصنيع الكمبيوتر، وشركة مايكروويف كوميونيكيشنز (إم سي آي) وهي شركة للاتصالات عن بُعْد.32 كانت ميريت صنيعَ جامعة ميشيجان وشركائها، وطاقم عملها من موظفي الجامعة. استغلَّتْ شركة مايكروويف كوميونيكيشنز خبراتها في الاتصالات عن بُعْدٍ لتمديد سعة العمود الفقري لشبكة إن إس إف نت، في حين وفَّرَتْ آي بي إم البرمجيات للشبكة. انزعَجَ كثيرٌ من الأكاديميين إزاء مشاركة شركتَيْ آي بي إم وإم سي آي في الاتحاد العام، وعلَتْ أصواتهم بالحديث عن هذا التحوُّل الجوهري من شبكةٍ تشغِّلها الحكومة إلى شبكةٍ أصبحَتِ الآن تضمُّ شركاتٍ خاصة تهدف للربح تتقلَّد أدوارًا مركزية، وشركات مساهمة ضخمة بها.33 وفي أبريل من عام ١٩٩٥، توقَّفَتْ مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية عن استخدام العمود الفقري لشبكة إن إس إف نت، ولم تَعُدِ الحكومة تشغِّل الإنترنت؛ وهكذا اكتمل الانفصال بين تشغيل الإنترنت الهادف للربح وتشغيله الذي لا يهدف للربح.
fig18
شكل ٥-٥: الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش يقلِّد فينتون سيرف (إلى اليسار) وروبرت خان ميدالية الحرية الرئاسية في ٢٠٠٥ لدورهما في ابتكار الإنترنت، بما في ذلك بروتوكول التحكم بالإرسال/بروتوكول الإنترنت.

هل كانت خصخصة الإنترنت حتمية؟ على اعتبار الدور المركزي الذي لعبته الحكومة الأمريكية في إنشاء شبكة أربانت ورعاية مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية اللاحقة لها؛ تأثَّرَ قرارُ إشراكِ الشركات المساهمة الضخمة (على سبيل المثال، آي بي إم وإم سي آي) في تشغيلها بمناخ رفع الإشراف الحكومي الذي خيَّمَ على إدارة ريجان في منتصف ثمانينيات القرن العشرين. وكان قرار إشراك اتحاد ميريت وأعضائه من الشركات قرارًا مثيرًا للجدل، وأدَّى في وقت لاحق إلى تمرُّد جون بوستل وزملائه بالجامعة حيال السيطرة على الفهرس الرئيسي، وتخصيص أرقام بروتوكول الإنترنت على شبكة الإنترنت. ستجد تفاصيل المعركة في الفصل التاسع، الذي يتناول شبكة الإنترنت العامة والخاصة. لكنْ لاستيعاب هذا الصراع من الضروري فهْمُ التطورِ من أربانت إلى إن إس إف نت، والابتكارِ النهائي لشبكة الإنترنت كوسيلةِ اتصالٍ عالمية.

أرى أن خصخصة الإنترنت كانت خطوة ضرورية، من منطلق أن الإشراك النَّشِط لشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العالمية أدَّى إلى انتشارٍ أسرع للتكنولوجيا عمَّا كان سيتاح في حال دعم الوكالة الحكومية فقط. أدركَتْ مؤسسةُ العلوم الوطنية الأمريكية ذلك في ١٩٨٦، وطالبَتْ بإشراك شركتَيْ آي بي إم وإم سي آي كشركاء في تمديد العمود الفقري للشبكة. وليست هذه بمسألة يسهل اتخاذ القرارات إزاءها؛ فلقد تطوَّرَ الإنترنت اليومَ ليصبح شراكةً بين القطاعين العام والخاص، تسيطر عليها كيانات مؤسسية ومقدمو خدمة الإنترنت، لكنها لا تزال تربط آلاف الوكالات والمدارس الحكومية في البلاد حول العالم. لا تَنْسَ أنَّ اشتراك موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك كان مقصورًا على أصحاب عناوين البريد الإلكتروني التعليمية (التي تنتهي بالنطاق edu.) بين عامَيْ ٢٠٠٤ و٢٠٠٦، لكنَّ النمو الضخم في قاعدة المشتركين بالموقع حدث عندما أتاحوا الشبكةَ للجميع (فوق سن الثالثة عشرة) في سبتمبر من عام ٢٠٠٦.

هوامش

(1) J. C. R. Licklider, “Man-Computer Symbiosis,” IRE Transactions on Human Factors in Electronics (March 1960). Retrieved February 20, 2011, from http://groups.csail.mit.edu/medg/people/psz/Licklider.html.
(2) N. Negroponte, Being Digital (New York: Alfred A. Knopf, 1995), 181.
(3) Ibid.
(5) R. E. Kahn, “The Organization of Computer Resources into a Packet Radio Network,” Proceedings of AFIPS National Computer Conference (AFIPS Press, 1975).
(6) There are two fascinating interviews with Robert Kahn in the archives of the Charles Babbage Institute in Minneapolis, MN. The first was conducted by William Aspray on March 22, 1989, and the second was conducted on April 24, 1990, by Judy O’Neill. The latter interview is available online: http://www.cbi.umn.edu/oh/pdf.phtml?id=167. Both interviews should be of interest to students of the history of the ARPANET, the Internet, and the development of TCP/IP.
(7) R. E. Kahn, S. A. Gronemeyer, J. Burchfiel, and R. C. Kunzelman, “Advances in Packet Radio Technology,” Proceedings of the IEEE 66/11 (1978), 1468–96.
(8) Kahn et al., “Advances in Packet Radio Technology.”
(9) D. Glover, TELSTAR Fact Sheet from NASA (2008): http://roland.lerc.nasa.gov/~dglover/sat/telstar.html.
(10) While Telstar communication satellites orbited the earth at relatively low altitudes (7,000 miles) which limited their utility, their development led to the later creation of geosynchronous satellites whose speed matched the rotation of the Earth by orbiting the Earth at a higher altitude of 22,000 miles. These direct broadcast satellites (DBS) made continental television transmissions possible and led to the creation of DBS services such as SkyTV, PanAmSat, Echostar, DirecTV, and STAR serving all parts of the globe.
(11) I. M. Jacobs, R. Binder, and E. V. Hoversten, “General Purpose Packet Satellite Networks,” Proceedings of the IEEE 66/11 (1978), 1448–67.
(12) Within the ARPANET community, Yogan Dalal, Richard Karp, and Carl Sunshine were credited with influential roles in the creation of TCP/IP. Cerf credits the International Network Working Group (INWG) that he chaired between 1972 and 1976, and specifically cited Hubert Zimmerman and Louis Pouzin of the French Cyclades networking research group. The concept of host responsibility was first developed by the Cyclades group.
(13) V. Cerf, and R. Kahn, “A Protocol for Packet Network Intercommunication,” IEEE Transactions on Communications (May 1974). Retrieved April 22, 2009, from http://www.cs.princeton.edu/courses/archive/fall06/cos561/papers/cerf74.pdf.
(14) V. Cerf, Y. Dolal, and C. Sunshine, Specification of Internet Transmission Control Program. International Network Working Group, RFC 675 (December 1974). Retrieved April 22, 2009, from http://www.ietf.org/rfc/rfc0675.txt.
(15) L. G. Roberts, “The Evolution of Packet Switching,” Proceedings of the IEEE 66/11(1978), 1307–13.
(16) J. Abbate, Inventing the Internet (Cambridge, MA: MIT Press, 1999), 135.
(17) Kahn, O’Neill interview (1990); see n. 6 above.
(18) Abbate, Inventing the Internet, 143.
(19) M. M. Waldrop, The Dream Machine: J. C. R. Licklider and the Revolution that Made Computing Personal (New York: Penguin, 2001), 431.
(20) Ibid., 431.
(21) Retrieved December 30, 2009, from http://www.parc.com/about/milestones.html.
(22) The first IBM PC was officially named model 5150. The Intel 8088 specifications are from a datasheet retrieved January 2, 2010, from http://datasheets.chipdb.org/Intel/x86/808x/datashts/8088/231456-006.pdf.
(24) From the National Science Foundation (NSF) website: http://www.nsf.gov.
(25) NSF, The Internet: Changing the Way We Communicate (2009). The website provides an interesting history of NSF involvement in computer science research and the development of the Internet. Retrieved January 4, 2009, from http://www.nsf.gov/about/history/nsf0050/internet/launch.htm.
(26) Waldrop, The Dream Machine, 459.
(27) NSF, The Internet: Changing the Way We Communicate website.
(28) Waldrop, The Dream Machine, 460.
(29) All statistics on NSFNET growth are from NSF, The Internet: Changing the Way We Communicate website.
(30) Waldrop, The Dream Machine, 463.
(31) NSF, The Internet: Changing the Way We Communicate website.
(32) Waldrop, The Dream Machine, 464. MERIT was renamed in 1990 as Merit Network Inc.
(33) After Vinton Cerf left DARPA in 1982, he went to work as vice president of MCI Digital Information Services. There he worked on the development of MCI Mail, the first commercial e-mail service to be connected to the Internet. He later returned to work for MCI in 1994–2005 as senior vice president of technology strategy. Cerf has been vice president and chief Internet evangelist at Google Inc. since September 2005.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤