أحمد الجابر آل الصباح

figure
سمو الشيخ أحمد الجابر آل الصباح.

(١) الكويت

  • حدودها: شرقًا خليج العجم، شمالًا وغربًا وجنوبًا خط يبتدئ عند ملتقى الخطين؛ الثلاثين من العرض الشمالي، والثامن والأربعين من الطول الشرقي، فيمتد في شكل نصف دائرة، ويمر بالشق غربًا والشُّقيق جنوبًا، وبين جبلي برقان والقرين إلى رأس القليَّة على الخليج. أما منطقة الحياد بين الكويت ونجد فهي من رأس القليَّة إلى خبرة الدويش، ومنها في خط يمتد جنوبًا بشرق إلى قرب الخط الثامن والأربعين من الطول الشرقي، ومن هذه النقطة إلى عين العبد فرأس المشعاب على الخليج.
  • مساحتها: أربعة آلاف ميل مربع.
  • عدد سكانها: نحو مائة وعشرين ألف نفس؛ منهم ثمانون ألفًا في مدينة الكويت والباقي من العشائر خارجها.
  • أهم مدنها: الجهرة، وجزيرة فيلكة، والدمنة، والفنطاس، وأبو حليفة، والشعَيبة. وفي برها أماكن بأسماء معروفة كالوَبرة عند الحدود الشمالية، والصبَيْحيَّة في الجنوب، وخبرة وأم الرءوس وغيرها. وهذه كلها أماكن مياه يرتادها عرب العشائر.
  • مذاهبها: أهمُّها السُّنة، ثم الشِّيعة، وقليل من الفُرس والمسيحيين واليهود.

(٢) في الكويت

كنت قد عاهدت «خوياي» أن أدخل وإياهم إلى الكويت راكبًا الذلول، ولكننا قبل أن نصل إلى المدينة رأينا سيارةً قادمة منها فوقفتْ إذ دنتْ منَّا، فقال هذلول يخاطبني: من الشيخ أحمد. نوخ، نوخ.

أَنَخْتُ آسِفًا لأني أدركت في الحال أنْ لا بد من ركوب السيارة فأخلف بوعدي، وأُحرَم لذَّةً كنت أعلِّل النفسَ بها. ليست القافلة في البادية غير قافلة مهما كان عددها، وليس الراكب فيها أيًّا كان غيرَ واحدٍ من المسافرين. لا أهميةَ للإنسان والحيوان في القفار، أو أن الاثنين واحد في فسيح مهالكها.

ولكن القافلة ساعةَ تدنو من العمران، من الحضارة، تتغيَّر في نفسيتها فيعظم شأنها، فتدخل بوابة السور وقد اختلط في قلبها الكُبْر والسرور، وتسير في أسواق المدينة كأنها موكب من مواكب النصر والفَخَار، وكأن كل واحد من الرَّكْب أميرٌ على عرشه العالي، أو قائدٌ عائد من ساحة الوغى. هو وَهْم في عجب ولا مراء، ولكنه وَهْم جميل كان يستوقف العقل مني كل مرة نصل إلى مدينة كما تستوقف العينَ صورةٌ جميلة، بل كان يلذُّ لي ولا غَرْو أكثر من سواي؛ لأني حديثُ العهد به.

لذلك أسِفْتُ عندما أَنَخْتُ ذلولي خارج الكويت، ولكني دُهِشت وسررت، فنسيت ما كنت أعلِّل به النفس؛ إذ رأيت صديقي القديم يوسف السالم جلبي آل بدر ومعه الشيخ عبد الله خليفة آل الصباح، وقد جاءا من قِبَل سمو الشيخ أحمد يحملان إليَّ كتابَ السلام والترحيب.

كان آخِر عهدي بيوسف جلبي في البصرة عند صديقنا الأديب الفاضل الشيخ محمد أمين عالي باش أعيان العباسي، يوم أدب لنا مأدبة فاخرة في بيته «الصالحية» على نهر الصالحية هناك، فقلت متصرِّفًا بالبيت المأثور:

والصالحية جِنَّة
والصالحون إليها أمُّوا١

كنا يومئذٍ عشرين ونيفًا من الصالحين — الصالحين للنزال والطعان — وكان يوسف قد شحذ سلاحه جالسًا إلى جنبي يسفُّ الأرز سفًّا عجيبًا. وأنا الطالب في هذه الطريقة أعجبُ به وأتمنى أن يكون لي جزءٌ مما له من المهارة والاقتدار. سألته عما إذا كنتُ أستحقُّ الشهادة في السف البسيط، وهو أن تأخذ شيئًا من الأرز فتعجنه بين أصابعك وتدفعه بالإبهام إلى فمك. فاستعرض سفِّي ثم قال: لا يزال ينقصك شيء من العلم والإتقان. عينك. قال هذا ومد يده إلى الأرز فأدارها فيه، كأنه يحدِّد دائرةً هي ملكه، وقبض على كتلة منه كبيرة قد ملكها، ثم رفعها وجعلها، وهو يعصر منها السمن، أكرة متماسكة شديدة، فقذف بها إذ ذاك إلى فمه دون أن يسقط منها أو يتبقى بين أنامله حَبَّة واحدة، فقلت: سبحان الله الذي جعل الكمالَ غايةَ الحياة القصوى! فلا شيءَ أجمل في الحياة من كمال في صناعة أو في فن.

قلت ليوسف جلبي، بعد أن شاهدتُ منه هذه البراعة: إني مسافر إلى نجد فأتمرَّن هناك، وسأعود إن شاء الله إليه ليعطيني الشهادة. وما كان في الحسبان أن ستجمعنا التقاديرُ ثانيةً، فتصير النكتةُ بعد أربعة أشهر حقيقةً مضحكة. قال يوسف ونحن سائرون في السيارة نعيد تلك الذكرى: سنفحصك اليومَ في القصر ونعطيك الشهادةَ بإذن الله.

أول ما يسترعي النظر في الكويت، إذ يصل المسافر من البر إليها، ذلك السور الكبير الذي بناه أهلها بعد وقعة الجهرة ليصدُّوا هجمات الإخوان. وهو سور يحيط بالمدينة من جهات البر كلها، طوله خمسة أميال، وعلوه نحو أربعة أمتار، وسُمْكه في بعض الأماكن متر ويزيد، فيه المعاقل والكوى للرَّمْي والدفاع، وله بواباتٌ ثلاثٌ يقيم الحرس عندها، وتُقفَل في الليل. لم تنفق الحكومةُ روبيةً واحدة على بناء هذا السور، فقد تبرَّع أهل الكويت، كلٌّ بما يستطيع من عمل أو مال وأتمُّوا البناء في مدة شهرين. إنه لمن الأعمال المدنية العامة الرائعة؛ خصوصًا في البلاد العربية.

دخلنا المدينة في الساعة الأولى من ذاك النهار، فوقفَتِ السيارةُ في الساحة الكبرى، فترجَّلْنا ومشينا تجاه صف من الناس جالسين في الفلاة على مجالس من الحجارة والطين إلى حائطِ بيتٍ صغير، فوقف إذ وصلنا مَن كان جالسًا في الوسط، ووقف على إثره الجميع. هو سمو الشيخ أحمد الجابر آل صباح حاكم الكويت. خرج من قصره بحاشيته وبعض أسرته يستقبلنا في المكان الذي يجلس فيه الناس. ليس أحب إلى السائح، وليس أقرب إلى الديمقراطية الحقَّة والمساواة من هذه المقابَلات الملكية في الفلاة.

الشيخ أحمد في العَقْد الرابع من العمر، ربع القامة، دقيق الملامح، حَسَن الخلق والبزة، لطيف الإشارة والحديث، وهو أقرب في هيئته إلى الشكل الآري منه إلى السامي، فلو كان في غير النعل والثياب العربية لَظننتُه هنديًّا من البنجاب، أو أوروبيًّا من بلاد الإسبان.

هنَّأني بوصولي، وأعرب عن دهشته لسفري في البلاد العربية هذه السفرة الطويلة. ثم قال: العرب أنفسهم يكبرون هذه الطريق ويخافونها، ومنهم مَن لا يقوى على تحمُّل مشقاتها. وكيف تحمَّلتم ركوب الذلول كل هذه الأيام؟ نهنِّئكم يا أستاذ ونرحِّب بكم. ولم يشأ أن يُطِيل الجلسة الأولى رغبةً في راحتي، فبعد أن تناولنا القهوة أمر مَن لاقوني أن يرافقوني إلى القصر.

وكانت هناك الفتنة الكبرى. لا أريد الفتنة ما فيه نسوة أو دين أو سياسة، وقد كنت بعيدًا عنها كلها، ولكني فُتِنت. أجل، فُتِنت بمفاجآت التَّرف والرفاهية، أنا الذي أقمتُ عشرين سنة في نيويورك، في تلك المدينة التي تزدحم وتتبذَّل في نُزُلها نوافل العيش ونفائس الصناعة والفنون، تلك التي كانت تنحصر في الماضي؛ خصوصًا بأوروبا، في قصور الأشراف والأعيان، وقد أصبحت اليومَ في نيويورك في متناول كل مَن يستطيع أن يبذل بعض المال.

تالله ما تفعل البيداء وخشونة العيش! دخلت القصر في الكويت كأني بدوي لم يرَ في حياته قصرًا جميلًا، تزيِّنه الأعمدة والقناطر، ولم يجلس مرةً في قاعة مفروشة بالفاخر من الرياش. وعندما جاء الخدم الواحد بعد الآخَر يحملون الأطباق، فوضعوها على السجادة وجلست أنا ورفيقي إليها، فُتِنت بما أحاط صفحة الأرز من الألوان المطبوخة بالبقولات.

البقولات! بعد الأرز والرمل واللحم والتراب، التي كان يطبخها لنا مسفر ومعاوناته الرياح، إنها من النِّعَم التي يغتفر فيها الابتهاج والإسراف. نحرت الألوان نحر العاشق المشتاق، وخصصت بالإسراف بندورة الكويت التي يشحنون منها إلى البصرة، وهي صغيرة مدملكة، يطبخونها بقشرها دون أن تمسَّها السكين. ثم سمك الكويت المشهور الذي يشبه سمك المشط في طبرية، ولكنه أرق وأدسم. ثم أصناف الحلوى، وما أشد حلوها وأكثر سمنها وأسرارها! وعندما نهضنا نغسل أيدينا وقف أمامي يوسف السالم آل بدر، وهو — كما أشرت — من رجال السماط المشهورين في البصرة والكويت، فصافحني وقال: أهنئك بما أحرزت، فقد صرتَ منا، ليس في سف الأرز فقط، بل في سف السماط.

وبعد أن ودَّعني في تلك الليلة خرجتُ إلى الإيوان ذي العمد، المشرف على الخليج، فأخذت بمشهد البحر والسفن المسربلة بضوء القمر، وظللت حتى منتصف الليل جالسًا في كرسي هندي،٢ وأنا في ثوب النوم، جلسة أميركية — وما أخلق ذاك الكرسي بها! — رافعًا للقمر رجلي، مطلقًا العنان لِلَذيذ الأحلام. فما أحسستُ بهواء البحر البارد الرطب إلا بعد ساعة، فدخلتُ وأنا أرتعش إلى غرفة النوم.

نمتُ قليلًا واستفقتُ أَئِنُّ من شدة الألم. عاد السماط في بطني نارًا، واستحال النعيم جحيمًا. فكنتُ منذ تلك الساعة حتى الفجر أحسُّ بشيء يتعقَّد فيَّ ثم ينحل، ثم يتقطَّع، ثم يذوب، فأذوب معه وأكاد من شدة الوجع أموت. بل عايَنتُ الموت في تلك الهيضة التي تندر في غير الوباء. الله! يا رب المسرفين والمقترين، يا أرحم الراحمين، أفي الهواء الأصفر نهايةُ هذه الرحلة ونهايتي، أو أنها بندورة الكويت تفعل ما لا تفعله الأدوية والأملاح؟!

جاءني في الصباح يوسف السالم جلبي فحزن لحالي وبادَر إلى الطبيب. وجاء بعد ساعةٍ الطبيبُ فأثبت الجرم على البندورة وقال: إن لها شريكة هي الحمى، وللاثنتَيْن عدوةٌ هاكها. غير أن الطبيب نفسه نفعني أكثر من عقاقيره؛ فقد استأنست به أيما استئناس؛ لأنه من لبنان واسمه شبيه باسمي، هو الدكتور ريحان من دير القمر. وما الذي قذف به إلى الكويت؟ أخبرني أنه في معية السردار أقدس الشيخ خزعل خان الذي جاء يقضي بعض الشتاء في قصره خارج المدينة. فكان الخبر هذا كالوردة الحمراء في ضمة من الريحان؛ لأني كنتُ عازمًا على زيارة الشيخ خزعل في المحمرة، فسررت جدًّا بقربه مني، وعادت في ذاك النهار العافيةُ مثلما ولَّت، وهي تحمل بإحدى يديها أدوات العمل، وبالأخرى مصباح الأمل.

(٣) آل الصباح٣

تُقسم العرب كلها إلى قسمَين، قحطان: وهم العرب العرباء، وعدنان: وهم العرب المتعربة، وتُقسم عدنان إلى فرعَين: مضر وربيعة. أمَّا مضر فسكنت الحجاز وكانت لها الرئاسة في مكة، وأما ربيعة فكانت منازلها في نجد؛ أيْ بين اليمامة والبحرين والعراق.

وهي — أيْ ربيعة — تُقسم إلى عمارتَين، بني كلب وبني أسد، ويتفرَّع بنو أسد إلى بطنَيْن هما جديلة وعنزى. وعنزى أخو وائل الذي تنتسب إليه البيوت الثلاثة الحاكمة اليومَ في نجد والبحرين والكويت؛ أيْ آل سعود، وآل خليفة، وآل الصباح.

كانت عنزى تقطن أولًا عين التمر في بر العراق على مسيرة ثلاثة أيام من الأنبار، ثم انتقلت إلى نواحي خيبر، فأقامت هناك ومعها أحياء من طي، فصارت تنتجع وتشتي معهم في نجد. إنها من أكبر قبائل العرب، وهي تُقسم إلى أفخاذ؛ منها جميلة، وتُقسم جميلة إلى فروع منها الشِّمْلان، وتُقسم الشملان إلى عشائر أكبرها وأشهرها آل الصباح.

أمَّا الكويت، فتاريخها القديم غامض مجهول، وقد لا يكون لها ما بهم منه قبل أن هجر إليها آل الصباح قادمين من خيبر منذ نحو مائتين وأربعين سنة. والكويت تصغير كوت، والكوت في اصطلاح أهل تلك النواحي هو بيت محاط ببيوت صغيرة. كانت هذه الناحية يومئذٍ لبني خالد يجمعون فيها زادهم إذا ربعوا في الحُجرة، فجاء آل الصباح وسكنوها بإذنٍ منهم.

ثم انتُخِب الصباح حاكمًا على العشائر فيها، وكان ذلك في النصف الثاني من القرن الثاني عشر للهجرة؛ لأن المرجَّح هو أنه تُوفِّي سنة ١١٩٠، فخلفه ابنه عبد الله الذي تُوفِّي سنة ١٢٢٩ﻫ.

كان الشيخ عبد الله الصباح أولَ مَن حكم الكويت من هذا البيت، حكمها نحو أربعين سنة، فاتسعت في عهده وشاع ذِكْرها في الخليج، ثم خلفه ابنه جابر عام ١٢٢٩ﻫ، وخلف جابرًا ابنه الصباح عام ١٢٧٦ﻫ.

أمَّا نوع الحكم فقد كان قبل الصباح الثاني بن جابر شوريًّا، يشترك فيه رؤساء العشائر، فلا يُقدِم الحاكم على أمرٍ مهم قبل أن يستشيرهم وهم يستشيرون الجماعات. ولكن هذه الشورى بدأت تضعف في عهد الصباح الثاني حتى تقلَّص ظلُّها تمامًا في أيام ابنه مبارك الذي حكم بأمره؛ وخصوصًا في العقد الثاني من حكمه.

من أولاد الصباح الثاني ثلاثة تولَّوا الحكم بعده؛ الأول عبد الله الثاني الذي حكم ستًّا وعشرين سنة، ثم محمد الذي حكم أربع سنوات، ثم مبارك الذي استمرَّ حكمه إحدى وعشرين سنة. ولكن مباركًا، وهو على عسفه وشذوذه حاكم الكويت الأكبر، حاز قبل أن تولى الحكم شهرةً في القيادة تقدَّمت شهرته السياسية.

ففي سنة ١٢٨٧ﻫ/١٨٧٠م حدث شقاق بين ابنَيْ فيصل آل سعود عمَّي السلطان عبد العزيز، ففاوَضَ أحدهما الدولةَ العثمانية بوساطة واليها في بغداد يومئذٍ مدحت باشا، فاغتنم مدحت الفرصة وأرسل جيشًا إلى القطيف ففتحها، ثم إلى الأحساء فحاصَرَها واستولى بعدئذٍ عليها.

وقد كان لمشايخ الكويت الفضْلُ الأكبر في فتح الأحساء، فقاد الشيخ مبارك، الذي كان يومئذٍ في ريعان الشباب، جيشًا كبيرًا من العشائر في طريق البر، مرافقًا للقائد العثماني بحرًا. وفي ذاك الحين إلى حين الفاجعة التي أولت مباركًا الحكم، كانت العلائق بين حكام الكويت والدولة العثمانية شبيهةً بغيرها مع العشائر الموالية لها، فقبلت بأن يكون لها سيادة اسمية في الكويت، وأن يعترف آل الصباح بهذه السيادة.

بعد وفاة الشيخ عبد الله تولَّى الحكمَ أخوه محمد، وكان مبارك وأخوه جراح طامعَيْن به. على أن جراحًا والى محمدًا، وكان فعلًا لا اسمًا شريكه في الحكم، فاشتدت المنافسة بين مبارك وأخوَيْه، وكان لها من غير السياسة أسباب أخرى. أمَّا مبارك فقد كان — ولا شك — أبعدَ الأخوَيْن طموحًا، وأشدهما عزمًا، وأحدَّهما طبعًا، وأمضاهما بأسًا، بيْدَ أنه كان متهوسًا متسرعًا في أعماله. وكان جراح صاحب النفوذ الأكبر في الحكم يحب المال بقدر ما يحب مبارك المجدَ والشُّهرة، بل كان الأول بخيلًا والثاني مبذرًا. إلا أن النفوذ الأكبر في العشائر كان لمبارك، فنزع إلى الغزوات، فغدا في حاجةٍ إلى المال دائمة. وكان أخواه محمد وجراح ينعيان عليه دائمًا آراءَه وأعماله، ويُسِيئان معاملتَه، وأحيانًا يُمسِكان عنه ما تقتضيه نفقاته الخصوصية، فصبر مبارك بضعَ سنين على هذه المعامَلة وأبى أن يصبر على الدوام، وكان يرى فوق ذلك أن أخوَيْه هما عثرةٌ في سبيل المجد الذي يبغيه لآل الصباح وللكويت. فعندما فرغت كأس الصبر، وامتلأت كأس التغيُّظ والنقمة، عزم على أن يريح نفسه وآل الصباح والكويت من ذَيْنك الأخوَيْن، فنهض ذات ليلة للأمر ونهض معه ابنه، وكلٌّ منهما يحمل بندقيته، فقتل مبارك أخاه محمدًا وقتل ابن مبارك عمَّه جراحًا، وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة ١٣١٣ﻫ.

ضجَّت الكويت لهذه الفاجعة، ثم أذعنت للشيخ مبارك صاحب الحكم فيها. أذعنت الكويت إلا أبناء القتيلَيْن وأشياعهم ورجلًا آخَر سيجيء ذِكره. فرَّ أبناء جراح ومحمد هاربَيْن إلى البصرة، فشكَوَا أمرهما إلى واليها الفريق حمدي باشا، وكان يومئذٍ رجب باشا والي بغداد، فسبق مبارك أبناء أخوَيْه إلى ذاك المقام الأعلى، فتمكَّن بوساطة بعض رجاله من استمالته إليه، فكتب رجب إلى الآستانة يقول: إن الحادث هو من الحوادث العادية المألوفة بين البدو، وخير للدولة ألَّا تتدخَّل في الأمر؛ لأن ذلك يؤدي إلى تدخُّل الإنكليز.

ولكن الإنكليز لم ينتظروا أحدًا ليتقدَّمهم في عملٍ هم دائمًا متأهِّبون له، فكان أن أبناء جراح ومحمد قد لجئوا أيضًا إلى قنصل بريطانيا في البصرة، فنصرهم على مبارك، وسعى في سبيلهم وسبيل السياسة الإنكليزية في الخليج سعيًا ملحاحًا أثمر ذاك الأمرَ النهائي الذي أصدرته الدولة العلية، فخُيِّر ابن صباح الكبير بواحدٍ من ثلاثة أمور: إمَّا أن يحضر إلى الآستانة فيُعيِّنه المابين عضوًا في مجلس شورى الدولة، وإمَّا أن يسافر إلى البلد الذي يريده فتخصُّه الحكومة بمعاش دائم، وإمَّا القوة فتستخدمها عليه إذا رفض أن يعمل بأحدِ الأمرَيْن. مما لا ريب فيه أن الدولة العلية أصدرتْ هذا الحكم إرضاءً لبريطانيا، ومما هو في دائرة اليقين أيضًا أن الشيخ مبارك كان قد بدأ يُفاوِض رئيس الخليج الوكيل السياسي لبريطانيا في بوشهر، فسمع هذا قصته وشكواه متجاهلًا ما كان من زميله في البصرة.

إنها لرواية مُحزِنة مُضحِكة معًا. لجأ أولاد القتيلَيْن أولًا إلى حمدي باشا والي البصرة، فلجأ القاتل إلى رجب باشا والي بغداد، ثم لجأ طالِبو الثأر إلى قنصل بريطانيا في البصرة، فلجأ مبارك إلى وكيلها السياسي على شاطئ العجم، وكانت بريطانيا تمثِّل بوساطة ممثِّليها دورَيْن معًا، دور المدَّعي العمومي ودور محامي الدفاع.

ضغطت الدولة العثمانية على مبارك فطلب الحماية البريطانية دفاعًا عن نفسه، فلبَّتْ بريطانيا طلبه حبًّا وكرامة. لا تدع يُسراك تعلم بما تفعله يُمناك. عندما وصل المركب الحربي العثماني إلى الكويت يقلُّ نقيب البصرة وبعض موظفي الدولة وهم يحملون إلى الشيخ مبارك أمرَها العالي ويبغون تنفيذه، جاء مركب حربي آخَر ينقذ الشيخ مبارك ويطرد المركب العثماني من مياه الكويت.

أقف عند هذا الحد في المأساة لأعود إلى أولها. قلت: إن رجلًا آخر غير أبناء القتيلَيْن خرج على الشيخ مبارك وقام ينصر أولادهما، هذا الرجل هو الشيخ يوسف آل إبراهيم من كبار تجار الكويت. قد كان يوسف بنفسه ثورةً، ودولةً، وحربًا على مبارك، استمرت عشر سنين، فوقف ثروتَه، ووقتَه، وحياتَه للأخذ بالثأر. أجل، قد كان هو الباذل للمال، وهو القائد للرجال، وهو رسولُ قضيته إلى الدولة العلية وإلى أمراء العرب.

أول ما باشَرَه حربًا هو أنه جهَّز أسطولًا من السفن المشحونة بالرجال المسلَّحين، وتولى قيادته في الهجوم بغتةً على الكويت، ولكن ليلة دنا من الأسكلة رآه أحد النوتيين، فحمل الخبر إلى الشيخ مبارك، فاستعدَّ لملاقاته وكانت المدينة معه، فلما علم يوسف بأن المدينة مستعِدَّة كذلك لمحارَبته قفل راجعًا، ولجأ بعد ذلك إلى الخدعة.

جاء ببعض قاطِعي الطرق وأوعز إليهم أن يأخذوا سفينةً من أسطوله ويدخلوا بها الكويت، فيظنُّهم الشيخ مبارك من أعداء يوسف آل إبراهيم، فيقرِّبهم منه فيقتلوه. تمت المؤامرة على هذا الوجه، ودخل المتآمِرون الكويت بسفينة من سفن يوسف آل إبراهيم يدَّعون أنهم غنموها بالمحارَبة، فانطلَتِ الحيلةُ على الشيخ مبارك، فقرَّب الرجال منه وجعلهم من حرَسِه الخاص، لكن واحدًا منهم تاب إلى ربه وراح يُطلِع الشيخ مبارك على الدسيسة، فأمر الشيخ بالقبض على هؤلاء الرجال وبنفيهم من البلاد.

لجأ بعد ذلك يوسف آل إبراهيم إلى الدولة العلية، فسافر إلى الحجاز يستعين بشريف مكة، وكان في مَساعيه السياسية عونًا لسياسة إنكلترا في المسألة، أو بالأحرى كانت سياسة إنكلترا عونًا له. فصدر ذاك الأمر الذي حمل الشيخ مبارك على أن يطلب الحمايةَ البريطانية، فأُسقِط في يدِ ابنِ آلِ إبراهيم للمرة الثالثة.

ولكن الفشل وإنْ تعدَّد لم يكن ليثنيه عن قصده ومَرامه؛ فقد سعى لدى أمير الجبل الأمير عبد العزيز بن الرشيد فأغراه بعدوه في الكويت، فشنَّ ابن الرشيد الغارة على عشائرها، فبادَرَ الشيخ مبارك إلى الدفاع بما عنده من قوة. وكانت هذه فاتحة الخير لآل سعود الذين كانوا مُقِيمين يومئذٍ في الكويت، فتطوَّعوا في حرب أعدائهم بيت الرشيد. جهَّزَ الشيخ مبارك جيشًا أولًا لعبد العزيز سلطان نجد الحالي، ثم جيشًا آخَر بقيادة أخيه حمود بن الصباح، ثم خرج مبارك بنفسه يقود الجيش الثالث ومعه الإمام عبد الرحمن آل فيصل والد السلطان عبد العزيز، فالتقى الفريقان واحتربا احترابًا شديدًا في آخر ذي القعدة سنة ١٣١٨ﻫ/١٩٠٠م في مكانٍ يُسمى الصريف، فقُتِل خلقٌ كثير من الفريقَيْن، وكان النصر لابن الرشيد.

بعد وقعة الصريف خرج ابن سعود عبد العزيز في نفر قليل من الرجال يبغي استرجاع الرياض عاصمةَ أجداده، التي كانت يومئذٍ في حوزة ابن الرشيد، فذبح عامِلَه فيها واستولى عليها. وكانت هذه الغزوة فاتحةَ غزواتٍ وحروب أدهشت العرب في شبه الجزيرة وخارِجها، فأُعجِب العدو والصديق بنبوغ ابن سعود، بشجاعته وإقدامه، وبحكمته وحِلمه.

وعندما بُشِّر مبارك بفتح الرياض خاف أن يعيد ابن الرشيد الكرَّة عليه، فبعث بنجدة إلى عبد العزيز الذي كان قد فاز أيضًا بنصرة أهل الرياض، فخرج منها بجيش كبير، وشرع يحارب ليسترجع مُلك أجداده، فقُتِل الأمير عبد العزيز الرشيد في وقعة «روضة مهنا» في سنة ١٣٢٤ﻫ.٤ وكان قد تُوفِّي في السنة السابقة؛ أيْ سنة ١٣٢٣ﻫ، الشيخ يوسف آل إبراهيم، فاستراح مبارك من عدويه، وأخذ نفوذُه يمتدُّ بعد ذلك إلى البادية ونجد.

كان الشيخ مبارك في سياسته مثله في حروبه مُوفَّقًا منتصرًا، فامتدَّ نفوذه إلى البصرة والمحمرة، وكانت كلمته مسموعةً في أبي شهر، على أنه مع تلك السياسة وذاك النفوذ لم يكن في أعماله شيءٌ يُذكر من النفع العام؛ فقد بنى مسجدًا واحدًا وقصورًا عديدة، ولكنه لم يهتم بالتعليم ولا ساعَدَ في بناء مدرسة. أضِفْ إلى ذلك أنه كان يُرهِق بالضرائب الرعيةَ والتجَّار.

أمَّا اتفاقه مع بريطانيا فخلاصتُه أن الشيخ مبارك تعهَّد بألَّا يكون للكويت علائقُ مع حكومةٍ أجنبية غيرها أية كانت، وهي تعهَّدت أن تحمي الكويت من كل اعتداءٍ خارجي من البحر وليس من البر، فلا تتدخَّل في شئون العشائر ورؤسائها.

وقد تبع هذا الاتفاق في آب ١٩١٣م اتفاقٌ بين الدولتَيْن البريطانية والعثمانية بخصوص الكويت وقَطَر والبحرين ومسقط وعمان، فتنازَلتِ الدولة العثمانية عن حقوقها في هذه الأساكل كلها، وأخذت الدولة البريطانية على عاتقها إنارة الخليج وخفارته. أمَّا الكويت فظلَّت علائقها مع إنكلترا على حالها حتى سنة ١٩٢٥، عندما تقرَّر أن يُحاكَم الأجانبُ فيها في دار الوكالة البريطانية.

تُوفِّي الشيخ مبارك في محرم سنة ١٣٣٤ﻫ/١٩١٥م، فخلفه ابنه جابر الذي لم يحكم غير سنة وشهرين، وكان جابر كريم السجايا يحبُّه الناس؛ فقد ألغى من ضرائب أبيه المتعددة، التي يُستغرب مثلها حتى في أيام الحرب في تركيا، ما يتعلَّق منها بالأملاك؛ إذ إن مباركًا كان قد فرض ضريبتَين باهظتَين: الواحدة عن كل عقار يُباع وهو ثلث الثمن، والثانية عن كل عقار يُؤجَّر وهي ثُلث الأجرة. وكانت تُكرَّر الضريبتان على العقار كلَّ مرة يكون الإيجار أو البيع.

أما سالم الذي تولَّى الحكمَ بعد وفاة أخيه سنة ١٣٣٥ﻫ، وحكم مدة الحرب العظمى كلها، فقد اشتهرتْ ولايته بأمرَين؛ هما اتساع تجارة الكويت ونَكبة الجهرة. فجاء في الأول البرهان على مقدرته التجارية، وجاء في الثاني الدليل على ضَعْفه في السياسة.

أمَّا التجارة، فقد كان الشيخ سالم رغم الاتفاق بين إنكلترا والكويت، يسمح بدخول البضائع التي كانت تُصدَّر من بلاده إلى الأتراك في العراق وفي سوريا، فاتَّسعت لذلك التجارة برغم إرادة مأمور الحصار الذي عيَّنَتْه الحكومة البريطانية للمراقبة في الكويت، وبرغم المال الذي كانت تدفعه لرؤساء العشائر؛ مثل ضاري بن طواله وغيره، ليُصادِروا القوافلَ في البادية.

كان الشيخ سالم خشن البادرة، صعب المراس، متصلِّب الرأي، فلا ينتصح ولا يعتدل، وكان فوق ذلك سديدَ النزعة في الدين؛ أيْ إنه كان يكره الوهابيين والإخوان ولا يتَّقي. فأدَّت هذه الخصال فيه إلى خلافٍ بينه وبين سلطان نجد أدى إلى النكبة التي أشرتُ إليها. ذلك أن بضعة آلاف من الإخوان هجموا على الجهرة، فذبحوا مئات من أهلها وقُتِل منهم مئات، وحاصروا الشيخ سالمًا في قصره هناك، فلم يَنْجُ إلا بحيلة احتال عليهم بها.

تدخَّل الإنكليز فردُّوا الإخوان عن الكويت، ثم تدخَّل الشيخ خزعل فأرسَلَ أحد أنجاله مع الشيخ أحمد الجابر الذي انتُدِب ليُفاوِض السلطانَ عبد العزيز بالصُّلْح، فساعَدتْهم بالمفاوَضات الأقدار؛ إذ بينما كانوا في الرياض في شتاء ١٣٣٩ﻫ/١٩٢١م تُوفِّي الشيخ سالم، وانتُخِب الشيخ أحمد الجابر خلفًا له.

إن الوراثة أو الانتخاب في آل الصباح يكون غالبًا باتفاق بين الأسرة والحكومة البريطانية، على أن مباركًا رشَّحَ ابنه جابرًا لولاية العهد دون أن يستشيرَ الإنكليز. ثم تولَّى سالم الحكم؛ لأنه يلي جابرًا في السن، ولم يخلُ انتخابه من تدخُّل الوكيل السياسي ولو في سبيل التحقيق، فقد سأل أعضاء الأسرة والمتوجهين من الأهالي إذا كانوا راضين بالشيخ سالم فأجابوا بالإيجاب.

أما إذا كان تدخُّل الوكيل السياسي في الكويت لا يتجاوز المراقَبة والاستشارة، فهو في غيره من الأقطار العربية، كما سترى أيها القارئ في البحرين، يتجاوَزها، إذا اقتضت المصلحة، إلى ما فيه الأمر والإرهاب.

(٤) أمراء الكويت من آل الصباح

  • (١)

    الصباح الأول: حكم في القرن الثاني عشر للهجرة، والمرجَّح أنه تُوفِّي سنة ١١٩٠.

  • (٢)

    عبد الله الأول: تُوفِّي سنة ١٢٢٩ﻫ.

  • (٣)

    جابر بن عبد الله (جابر الأول): تولى الحكم سنة ١٢٢٩ﻫ.

  • (٤)

    الصباح بن جابر (الصباح الثاني): تولى الحكم سنة ١٢٧٦ﻫ.

  • (٥)

    عبد الله بن الصباح (عبد الله الثاني): تولى الحكم سنة ١٢٨٣ﻫ.

  • (٦)

    محمد بن الصباح: تولى الحكم سنة ١٣٠٩ﻫ.

  • (٧)

    مبارك بن الصباح: تولى الحكم سنة ١٣١٣ﻫ.

  • (٨)

    جابر بن مبارك (جابر الثاني): تولى الحكم سنة ١٣٣٤ﻫ.

  • (٩)

    سالم بن مبارك: تولى الحكم سنة ١٣٣٥ﻫ.

  • (١٠)
    أحمد بن جابر الحاكم الحالي: تولى الحكم سنة ١٣٣٩ﻫ.٥

(٥) مشكل الكويت

من رواق القصر نشرف من مشهد على مشاهد العمل في الكويت، فإن في ساحته الفسيحة المرتكز بها العَلَم الأحمر وقد كُتِب عليه «الكويت»، تجد دائمًا عددًا من الناس جالسين على الأرض حول شراع مبسوط، وغالبًا تجد ثلاثة أو أربعة أشرعة كبيرة وإلى كل منها عشرة ونيف من النوتيين يشتغلون فيها، يخيطون جديدًا أو يُصلِحون قديمًا منها. هو ذا معمل الشراع الذي يعيش في ظله أكثر أبناء الكويت.

ووراء الساحة إذا ما سرحنا النظر في السييف أمامنا نرى السفن والأدقال وقد اكتظَّ واشتبك بعضها ببعض، وفيها العمال يُصلِحون قويمًا أو يدقُّون٦ سفينة جديدة. هناك مصنع السفن التي تبحر في الخليج وتوصل حبل التجارة بين الهند والعراق، وبين الأساكل العربية والفارسية، فترسو حيث لا تستطيع المراكب البخارية، وتحمل الصادرات والواردات من شاطئٍ إلى آخَر بأجور لا يستطيع البخار أن يجاري الشراعَ بها.
إن سفن الكويت مشهورة بحُسْن شكلها وجودة صُنْعها، وهي على أنواع؛ منها للعبور والتنزه، ومنها للحمولة، ومنها للغوص. الكبيرة مثل البوم والجلبوت تُصنع بالخشب المقَلْفط٧ المطلي بالقار، ثم تغشى بألواح من الساج، وتنقش عرشتها من الخارج نقشًا أنيقًا لطيفًا. أما البوم، التي تُدعى أيضًا البغلة، فهي أكبر السفن وأجملها وأبعدها إبحارًا، فلا يقلُّ طولها عن الثلاثين ذراعًا، وعرضها الأعلى يتراوح بين الثمانية والعشرة الأذرع، ومحمولها مائتا طن، وهي تصل في أسفارها حتى إلى جزائر مدغسكر وزنجبار.

بيْدَ أن أكثر السفن والمراكب التي نراها في الكويت تُستخدَم لاستخراج اللؤلؤ في موسم الغوص، وللتجارة بين الهند والعراق، فتخرج من الكويت غالبًا فارغةً وتعود مَلْأى إليها؛ ذلك لأن الكويت مدينة من مدن اللؤلؤ على الخليج، وقلَّما يُقرَن اللؤلؤ بمصدرٍ آخَر من مصادر الثروة. هذا مالها تشتري به ما يلزمها من ضرورات المعيشة ونوافلها. ليس في بر الكويت غير المفالي، وليس فيها أو في جوارها شيءٌ يُذكَر من النخيل، فهي تضطر أن تجلب حتى التمر من البصرة ومن القطيف.

ولكن عندها — كما قلت — اللؤلؤ الذي تَزِيد قيمته على قيمة ما تحتاج إليه من مأكول وملبوس، فتشتري بالزيادة للاتِّجار، وعندها السفن تحمل إلى تجَّارها ما يشاءون من البنادر القصِيَّة، فضلًا عن البواخر التي تجيئهم بالأحمال الكبيرة من الهند.

الكويت إذن مدينة تجارية، بل هي مثل جيزان أو ميدي على البحر الأحمر، وإن كانت تزيد عليها في عدد السكان عشرة أضعاف؛ إذ لا تقوم تجارتها أو تنمو بمَن فيها فقط، فلو اتَّكلت الكويت على سكانها وعلى العشائر في باديتها لَمَا كانت تجارتها ربع ما هي، أو بالحري ربع ما كانت. أمَّا السبب في سوء حالها في السنتَين الأخيرتَين٨ فإذا سألتَ عنه التجَّار هناك يجيبونك بكلمة واحدة: المُسابَلة.

وما هي المُسابَلة؟ سأكفيك مئونة التفتيش في القاموس فقد لا تجدها فيه. المسابلة هي أن يجيء العرب إلى المدينة فيسابلون تجارها؛ أيْ يشترون منهم نسيئة ما يحتاجون إليه من ملبوس ومأكول، وغالبًا يجيئون في الصيف فيشترون ما يلزمهم في فصل الشتاء كله، ويدفعون ثمنه بعد أن «يصلحوا» مواشيهم؛ أيْ يربعوها، ويستثمروها في أواخر الربيع.

أكثر مَن يجيئون الكويت للمُسابَلة هم من نجد من رعايا ابن سعود، يجيئونها ويفضِّلونها على البصرة والزبير لأسباب؛ أولًا: لأنها أقرب، ثانيًا: لأنهم يجدون في أسواقها دائمًا ما يحتاجون إليه، ثالثًا: لأن تجَّارها يتساهلون معهم فلا يتقاضونهم دفْعَ ما عليهم، ولو مرَّ على الدَّيْن سنتان وثلاث. وهم مع ذلك قلَّما يخسرون.

وأية ضمانة يقدِّمها البدوي للتاجر؟ قَسَمه بالله. فهو إذا غاب عشر سنين وعاد إلى الكويت، وليس معه غير جمله، يجيء به إلى التاجر قائلًا: هذا حلالك. وإذا مات الأعرابي قبل أن يَفِي ما عليه، وكان قد نما ماله؛ أيْ مواشيه، يجيء أحد أبنائه أو أنسبائه بما يكفي منها لتسديد الدَّين أو بعضه، فيقدِّمه للتاجر قائلًا: هذا حلالك من فلان. ترحَّم عليه. هي ذِمَّة الأعرابي!

إن رغبةَ تجار الكويت في المُسابَلة إذن لمثل رغبة أهل نجد، وهم يستطيعون أن يتساهلوا بدفع المال أكثر من سِواهم؛ لأن رأسمالهم أكبر بسبب مدخول الكويت الآخَر من تجارة اللؤلؤ.

هذه هي إحدى وجهات المسابَلة، وهناك أخرى هي وجهة السلطان عبد العزيز. إن لسلطنة نجد جمارك ثلاثة في العقير والقطيف والجبيل؛ فهو لذلك يفضِّل أن يجلب أهلُ نجد بضائعَهم من إحدى هذه الأساكل النجدية في الأحساء، أو أن يسابلوا فيها؛ خصوصًا في القطيف. على أنه ليس في القطيف تجَّار ذوو يسار فيستطيعون أن يعاملوا النجدي كما يعامله تاجر الكويت، والسلطان عبد العزيز يدرك ذلك.

ومع ذلك فقد نهى رعاياه منذ سنتين عن المسابَلة في الكويت فانتهوا، فتأثَّر التجَّار من ذلك، وشرع الشيخ أحمد يُفاوِض في القضية الرياض. أمَّا موقف عظمة السلطان فهو أن رعاياه يشترون من الكويت ويعودون بما يشترون إلى نجد دون أن يدفعوا عليه رسمًا، فكأنهم بهذه الطريقة يهرِّبون البضائع ليتخلَّصوا من دفع الرسوم الجمركية، وبما أنه لا يستطيع أن يؤسِّس الجمارك في البادية على حدودِ نجد والكويت المترامية الأطراف، وبما أن لسلطنة نجد موانئ فيها جمارك، فقد أصدَرَ أمرَه أن تكون المسابلة في إحداها.

ولكن هناك وجهة أخرى لهذه القضية، وهي وجهة أهل نجد، وخصوصًا البدو الذين لا يستطيعون أن يدفعوا نقدًا ثمنَ ما يشترون، هي الحال غالبًا إذا جاءوا القطيف للمسابلة؛ فهم مثل التجار متأثِّرون، وبما أن السلطان عبد العزيز يهتم بشئون البدو اهتمامًا خاصًّا ويكره الجورَ والإرهاق، فقد اقترح إكرامًا للفريقَيْن المسابلَيْن؛ النجديِّين والكويتيِّين، أن يُعيِّن في الكويت وكلاءَ له يجمعون رسمًا على كل ما يشتريه أهل نجد، فيدفعوه قبل أن يُخرِجوا البضائعَ من المدينة، وطلب أن يكون هذا الرسْمُ سبعةً بالمائة، فرفض الشيخ أحمد الطلبَ محتجًّا بحق السيادة لقطر الكويت المستقل، فمثل هذا العمل مجحف بها، ولا يكون إلا إذا أُكرِهت الكويت عليه، فيُعَد إذ ذاك ضَرْبًا من الاحتلال. هو مُصِيب في احتجاجه، ولحُسْن الحظ أن السلطان عبد العزيز والشيخ أحمد متحابَّان، فلا يتخذ الواحد منهما خطةً تؤدي إلى تراخي العلائق الودية وانقطاعها.

لذلك بعث السلطان إلى الشيخ يقول: نحن لا نقيم أحدًا من قِبَلنا عندكم، ولكنَّا نُوكِلكم في الأمر، فتُعيِّنون من قِبَلكم مَن يجمع الرَّسْم المطلوب من أهل نجد المسابلين، فترسلونه إلينا كلَّ ثلاثة أشهر، أو كلَّ ستة أشهر، أو كلَّ سنة كما تشاءون. ولكن الأكثرية في آل صباح لا يقبلون حتى بمثل هذه التسوية؛ لأنهم كما قال أحدهم ليسوا جُباةَ خَراجٍ لسلطان نجد.

كانت المفاوَضات قد وصلت إلى هذا الحد عندما وصلتُ إلى الكويت، وكان الشيخ أحمد على شيءٍ من القلق لتعقُّد القضية ثانيةً بينا هو يُعالِجها بالتؤدة والحكمة. فخطر لي بعد أن مررتُ بقِسمٍ من الأرض في تلك النواحي، وعرفت الحقيقةَ الأولى التي تتعلَّق بالأسفار هناك، وبعد أن درستُ المسألةَ ورأيت أن ما يطلبه السلطان عبد العزيز من حكومة الكويت هو في الحقيقة مُجحِف باستقلالها؛ أن أكتبَ إليه كتابًا أقترح فيه حلًّا للمشكل قد يُرضِي الطرفَيْن.

أما الحقيقة التي تتعلَّق بالأسفار، والتي لا يُنكِرها العارفون بتلك البلاد، فهي أن القوافل الخارجة من الكويت لا تسير إلا في طريقٍ معلومة، غربًا كانت أم جنوبًا، فتمر بماء معلوم لتستقيَ قبل أن تدخل المفازات، فإما أن تسير عن طريق الجهرة — مثلًا — إذا كانت مسافرة إلى القصيم، وإما عن طريق الصبيحية إذا كانت وجهتُها الحسا. وهناك طريقٌ أخرى تمرُّ بخبرة الدويش. إن حدود الكويت ونجد تنتهي إلى هذه الأماكن الثلاثة أو في جوارها.

فكتبتُ إلى السلطان أُفصِحُ عن رأيي في المسألة، واقترحت عليه، حبًّا بحفظ الصداقة بينه وبين آل الصباح، أن يُقِيم ثلاثَ نقطٍ جمركية في الأماكن المذكورة أعلاه، فيتمكَّن من تحصيل الرسوم على البضاعة التي تدخل من الكويت إلى سلطنة نجد. إن هذا العمل لا يكلِّف غيرَ الخِيامِ ورواتبِ ستة موظَّفين وبعض النجابة.

ويظهر أن المسألة دخلتْ بعدئذٍ في طور جديد؛ لأن الشيخ أحمد، باتفاقٍ مع الأهالي، بعث ابنَ عمه الشيخ عبد الله السالم إلى السلطان عبد العزيز يحمل منه كتابًا يُفصِح عن خالص الولاء والإكرام، ومعه هدايا كبيرة من الأرز والسكر والبن، فخرج السلطان بحاشيته لاستقبال الشيخ عبد الله خارج الرياض، وأركَبَه معه في السيارة وأنزَلَه في القصر ضيفًا كريمًا مُبجَّلًا، فأقام هناك بضعة أيام وعاد إلى الكويت مسرورًا جدًّا، يحمل الهدايا الثمينة وشيئًا مما اشتهر به عظمة السلطان من تلك الصراحة المقرونة باللطف والإكرام.

وقد جاءني من عظمته كتابٌ يقول فيه جوابًا على اقتراحي: أمَّا مسألتُنا مع الكويت فهذه تُحلُّ قريبًا حسب رغائب الجميع، وعلى أحسنِ ما يكون إن شاء الله.

(٦) الشيخ أحمد الجابر آل الصباح

الشيخ أحمد رجل مُسالِمٌ ليِّنُ الجانب، دَمِث الخُلق، ولكنه في لِينه، بل في المعروف والحسنى، يصل إلى حدٍّ يُساء في الحاكم فَهْمُه؛ فهو إذا مال إلى السِّلم والولاء، أو إلى المهاوَدة والوفاق، لا يشفع ميله بتلك الكلمة التي فيها العزم الرابض أو القوة المدَّخرة. وقد يألف العزْمُ الربوضَ فيتعثَّر إنهاضه، وقد تَهِنُ القوةُ من الادِّخار الدائم. الحكيم مَن مرَّن قُواه كلها حتى الحيوانية المحضة، واستخدمها من حين إلى حين.

الشيخ أحمد مثل الشيخ خزعل ومثل الملك فيصل، مُعجَب بالمدنيَّة الغربية وبرجالها، وهو من أمراء العرب الذين لبُّوا دعوةَ الملك جورج الخامس بعد الحرب العظمى ليزوروا إنكلترا، فنزل ضيفًا على الحكومة، وساح في تلك البلاد، وشاهَد من مظاهر الرقي والعمران المادية والمعنوية، من مناجم الفحم إلى المتحف البريطاني، ما لا يزال يلهج بذِكْره ويود لو كان للعرب جزءٌ يسير منه. ولو لم يكن حاكم الكويت، وكانت تلك الرحلة دليله الوحيد إلى المدنيَّة الغربية؛ لَأخَذ منه الإعجابُ كلَّ مَأْخذ فتَغِيب عنه الحقيقة كلها أو القسم الأهم فيها.

ولكنه، وهو حاكم عربي، يشاهد أحيانًا في رجال تلك المدنية؛ خصوصًا رجال الحكومة منهم، ما لا تجيزه أحكامها ولا تبرِّره دائمًا مبادئها، فالوكيل السياسي البريطاني مثلًا صاحبُ مصلحة مثل غيره من الناس، شرقيين كانوا أو غربيين، هو لا يختلف عنهم بغير الواسطة، والأسلوب، والعدة العقلية أو المادية، ومتى كان قريبًا من أمير عربي، وله بالدنو منه ومن شئونه بعضُ الحق، يود الأمير أحيانًا لو لم يكن الرجل متمدنًا، أو من أمة متمدنة فيعامله إذ ذاك كما يعامل البدو؛ بالحسنى أولًا وإلا فبالصميل.

الشيخ أحمد الجابر آل الصباح يداري الإنكليز ولا يملِّكهم منه، يَلِين لوكيل بريطانيا في الكويت ولا ينكسر، قد يستشيره ويقبل رأيَه فيما يراه نافعًا لبلاده أو معزِّزًا لسياسته، ولكنه لا يأتمر بأمره. مثال ذلك أن حكومة بريطانيا رغبت إلى الشيخ أحمد أن يمنحَ شركةَ الزيت في عبَّادان امتيازًا في الكويت فأبى ذلك؛ لأنه يفضِّل أن يمنحَ الامتيازَ شركةً أخرى بريطانية مستقلة عن الحكومة ولا دخْلَ لها بالسياسة، وشروطُها أحسنُ من شروط شركة عبَّادان.

وهو في سلوكه مع رعاياه وأسرته مثله في سلوكه مع الإنكليز، يستشيرهم ويتفاوض معهم، ولا يتبع دائمًا الرأي العام. ولكنه لا يزيف ما لا يريد ولا ينعي على الناس آراءهم. لكلِّ كلامٍ مَقام؛ أيْ إن حكمة كل يوم هي حكمته، وكثيرًا ما يكون الرجل العادي في كرسي الحكم أنفعَ لأمته وبلاده من الرجل الشاذ الشديد المراس.

لا يُنتظر من الشيخ أحمد، وخصوصًا في هذه الأيام، أن يخرج بعشائره فيحارب مثل جده مبارك أمراء العرب، ويدخل البلدان فاتحًا منصورًا، وإليك الأسباب؛ أولًا: لأن الشيخ أحمد وإن كان يحمل السيف، هو أميلُ إلى اليَرَاع، وأحب شيء إليه السلم والآداب. ثانيًا: لأن عشائره وهي قليلة لا تمكِّنه لو قال السيف من أن يقول كذلك النصر. قد تلبِّيه فتُغلَب فتنقلب عليه. ثالثًا: لأن الأحوال اليومَ هي غيرها منذ خمس عشرة سنة؛ فالكويت التي لعبت بولاة لدولة في الشمال، وحارَبت أمراء العرب ومشايخ القبائل في القصيم والأحساء، أصبحت اليومَ بين أمتَيْن متَّحدتَيْن، وقوتَيْن قاهرتَيْن، وحكومتَيْن طامعتَيْن بالاستيلاء. إن الكويت بين نجد والعراق لمثل فتاةٍ بين عاشِقَين، وكلاهما يبغيها.

حدَّثني أحد رجال الحكومة في بغداد قال: الكويت جزء من العراق، وأهلها يفضِّلون الانضمامَ إلينا. أراد بذلك أن الكويت تفضِّل العراق على نجد إذا كان من ضمٍّ وانضمام. وإن لم يكن الشيخ أحمد كما وصفت، لَكان ظفر أصحاب الدسائس بما يبغون؛ لأن الذين يغرون العشائرَ خارج هذا القُطْر فيهجمون عليه أو على عشائره، لا يَرُومون من ذلك غير ذاك الحادث الذي قد يكون فيه خاتمة استقلال الكويت الإداري.

والشيخ أحمد مُدرِكٌ ذلك، فلا يذهب مع التيار ولا يستسلم إلى الهياج العام، فهو إذا هجمتْ عربان نجد أو العراق على عشيرة من عشائر الكويت أو على المدينة، وقام الأهالي يستنفرون بعضهم بعضًا، تسلَّح بالحكمة والعزم في وجههم فيصدُّهم ويسكِّن روعَهم؛ مثال ذلك هجوم ابن حَثلين شيخ مشايخ العجمان في هذه السنة، فبادَرَ أهل الكويت إلى السلاح، فصدَّهم الشيخُ أحمد وردعهم قائلًا: لنفاوض أولًا ابن سعود، صديقنا، والذي أظنُّه أنه غير راضٍ عن هذا الاعتداء. فأذعن الناس له وفاوَضَ السلطان عبد العزيز، فجاء منه الجواب يقول: إنه متأسف جدًّا لما حدث، وأنه مستعِدٌّ أن يعوِّضَ على الكويت كل ضرر.

قد يختلف الناس في هذه الخطة السياسية؛ خطة اللِّين والمسالمة، وفي الكويت مَن لا يستحسنها، بيْدَ أنهم يتيقنون إذا ما أدركوا سياسةَ سلفِ الشيخ أحمد ونكبة الجهرة، أن في دار الحكم اليومَ رجلًا أقلُّ ما يقال فيه إنه محافظ على سلامة الكويت واستقلالها.

ومهما كان من أمر الكويت ومشاكلها التجارية والسياسية، فإن فيها غير التجارة ثروة، وغير اللؤلؤ كنزًا؛ فيها ذكاءٌ وجرأة وأدب شاهدتُ منه نماذجَ جميلة في الحفلات التي أُقِيمت هناك وفي المجالس.

ومهما كان من منزلة الشيخ أحمد في السياسة، فإنه في المساعي الثقافية مذكور وإن لم يكن من الجميع مشكورًا، وسيُعرَف عهده بعهد النهضة الثقافية التي تشرف العاملين في سبيلها. أجل، إن في الكويت نهضةً لها ركنان؛ المكتبة الأهلية هناك، والمدارس النهارية والليلية، وهي تتغذَّى فوق ذلك بما تُثمِر العلوم والآداب العصرية في سوريا ومصر، ثم تبثُّ روحها في الربوع التي لا تصل إليها الجريدة والمجلة، ولا ينفع فيها الكتاب؛ لأن ليس فيها اليومَ مدارس.

أجل، كما أن سفن الكويت الشراعية تصل إلى الأساكل التي لا تدنو منها البواخر الكبيرة، فكذلك أدباء الكويت في اختلاطهم مع البدو وأسفارهم في داخل البلاد العربية، يستطيعون أن ينشروا روحَ العلم والتهذيب، وروحَ القومية السليمة، في العشائر والبوادي، وفي المدن الكبيرة وراء الدهناء والنفود.

١  أستغفرك يا سيدي الأستاذ، إني أعلم أنَّ «أمَّ» تتعدَّى بذاتها، ولكن النكتة الشعرية تعتذر «إليها».
٢  إذا كنت تبغي كرسيًّا تستريح فيه، وتنام فيه، وتسيء الأدب فيه، فليس أصلح من ذاك الكرسي الهندي وقد جُعِل لظهره درجات فتبسطه قدر ما تشاء، ولجانبيه عضاضتان ترفع عليهما ساقَيْك، فتنسى أنك إنسانًا وتكفر بالله.
٣  للشيخ يوسف آل عيسى وللسيد عبد الرحمن النقيب من الكويت الفضلُ عليَّ ببعض المعلومات في هذا الفصل والفصل الذي يليه.
٤  راجع تفاصيل هذه الوقعات في تاريخ نجد الحديث.
٥  أيْ ١٩٢١م.
٦  دَقَّ السفينة: بناها في اصطلاحهم، أو استأجر مَن يبنيها.
٧  قلفط السفينة أو جلفطها: هو أن يُدخِل بين مسامير الألواح وخروزها مشاقة الكتان، وقد غُمست بالزيت والقار.
٨  كانت الواردات والصادرات في السنين الماضية تتراوح بين الخمسمائة والستمائة ألف روبية كل سنة، أمَّا في السنتَين الأخيرتَين فهي تُقدَّر بثلاثمائة ألف روبية سنويًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤