النهاية تقترب

تلقَّت سيارة «عثمان» الطلقات الأولى، فانحرفت عن الطريق، واندفعت تسقط إلى أسفل الجبل … ولكن «عثمان» استطاع في اللحظة الأخيرة أن يُوقِف السيارة على حافة الطريق … في نفس الوقت الذي ظلَّت فيه سيارة «زبيدة» ومعها «باسم» مندفعة وصاح «باسم»: انطلقي في اتجاه النار …!

وانحرفت «زبيدة» بالسيارة، بينما أخرج «باسم» المدفع الرشاش من نافذة السيارة وأطلق سيلًا من الرصاص على المتربِّصين في جانب الطريق، ودارَت «زبيدة» بالسيارة قبل أن تصطدم بجِذع الشجرة، كانت دورة كاملة، عاودَتْ فيها السيارةُ، وهي تمس حافة الطريق المرتفع، طريقها عائدة. ثم أوقفت «زبيدة» السيارة، وارتمت من الباب خارجه … وكذلك فعل «باسم» وهو مستمر في إطلاق المدفع … وكان ثلاثة أشباح قد ظهروا في تلك اللحظة خارجين من جانب الطريق وهم يُطلقون النار … ولم يشعر أحدٌ منهم ﺑ «عثمان» و«ريما» وهما يتسلَّلان خلفهم، وعلى ضوء السيارات الواقفة أطلق «عثمان» كرته المطاطة فأصابت واحدًا منهم، سقط على الأرض، وأسرع ينقض على الآخر، وكذلك فعلت «ريما» ودار صراعٌ على كشافات السيارات وأقبل «باسم» و«زبيدة» … وسرعان ما كان الشياطين الأربعة يُسَيطرون على الموقف ويدفعون بالمهاجمين جريًا إلى جانب الجبل.

وتكاتف الأربعة فزحزحوا جذع الشجرة الذي يعترض الطريق … وكانت سيارة «عثمان» قد أصيبت في إطاراتها ولم يَعُد في الإمكان تسييرها … وكان على الشياطين مغادرة المكان بسرعة، فانحشروا في السيارة الباقية، وانطلقوا ينهبون الأرض في اتجاه «بيروت».

عندما وصلوا إلى مقرِّهم في شارع «أحمد شوقي» وجدوا «أحمد» و«إلهام» يستعدَّان للحاق بهم … وجلس الستة يتبادلون الأحاديث، ومرةً أخرى كان «باسم» يتحدَّث … وبدأ حديثه قائلًا: يبدو أنني سأضطر لإلقاء محاضراتٍ عليكم في كيفية الوقوع في الأسر والهرب منه.

قالت «إلهام» ضاحكة: إنها مهمة أي مغامر … المهم ماذا حدث؟

وروى لهم «باسم» ما حدث له هو و«ريما»، ثم أكمل «عثمان» القصة، وقدَّم تقريرًا مفصلًا عن الأحاديث التي سمعها والمفرقعات التي شاهدها في منزل قرية «عبده».

قال «أحمد»: مفرقعات؟!

عثمان: نعم.

أحمد: ذلك شيءٌ مدهش، ويحتاج منَّا إلى إعادة النظر في كل ما تصوَّرْناه. فما حاجة عصابةٍ للتزييف إلى مفرقعات؟

عثمان: فكرت في شيئين … الأول أن يكون في نيتهم نسف المنزل حتى لا يعرف أحدٌ ماذا كان يدور فيه … الشيء الثاني أن يكون في نيتهم القيامُ بعمليات تخريب … خاصةً إذا ربطنا بين المفرقعات وتعبير «عملية براكودا» التي جاءوا لتنفيذ السابعة منها في «لبنان» … ثم يذهبون بعد ذلك إلى «مصر».

أحمد: إن كلمة «براكودا» … كما تعرفون هي اسم نوعٍ من السمك المتوحش يعيش في أنهار أمريكا الجنوبية، وهو من أشد أنواع الأسماك فتكًا.

زبيدة: هل تقصد أن تربط بين معنى الاسم والعملية ذاتها؟

أحمد: ربما!

زبيدة: ليس هذا ضروريًّا … الكثير من العمليات كان يُطلق عليها أسماء مستعارة لا علاقة لها بها.

إلهام: إنكم متعبون وعليكم أن ترتاحوا … وأرى أن يقوم «أحمد» بإرسال تقريرٍ إلى رقم «صفر» بالمعلومات التي حصلتم عليها … أما أنا فسوف أذهب إلى فراشي فعندي عمل غدًا.

ريما: أي عمل؟

إلهام: لقد استطاع رقم «صفر» إلحاقي بالعمل في شركة «النجمة الزرقاء» للنقل البحري وسأتسلم عملي غدًا.

ريما: مدهش! … الشركة التي يرأسها «باغوص»؟

إلهام: نعم …

ثم ابتسمَت قائلة: أنا من الغد موظفة عند «باغوص» … فخذوا حذركم مني.

•••

في صباح اليوم التالي استيقظ الشياطين في التاسعة صباحًا … ولم يجدوا «إلهام» فقد كانت قد خرجت للحاق بعملها الجديد مبكرة … وعندما وصلت «إلهام» إلى المبنى الكبير الذي تشغله شركة «النجمة الزرقاء» وجدت كل شيءٍ يسير بشكلٍ طبيعي كما يحدث في أي شركة … كأن ما حدث ليلًا من مغامراتٍ وإطلاق رصاص، ومحاولة قتلٍ لا علاقة له بالشركة.

وكانت «إلهام» قد اختارت أن تعمل في قسم أرشيف الشركة. وهو القسم الذي يحتفظ بكل المعلومات الخاصة بالشركة … وعلمت «إلهام» أن هناك اجتماعًا لمجلس إدارة الشركة يرأسه «فارس فريج». وهكذا عرفت أن «باغوص» ما زال في لبنان.

كان على «إلهام» أن تضع ما يصلها من أوراق في ملفات خاصة … وكان طبيعيًّا أن تقرأ كل ورقة تصلها … كانت تقرأ باهتمام وتمعن محاولةً البحث عن أية معلومات تُفيد في الكشف عن حقيقة هذه الشركة … وهل تخفي خلفها أعمالًا مخالفةً للقانون. خاصةً التزييف … ولكن لم يكن هناك أي شيءٍ غير عادي في أعمال الشركة. وكانت «إلهام» تحمل كاميرا صغيرة جدًّا يمكنها تصوير المستندات في ثوانٍ قليلة … وكانت الكاميرا موضوعةً في ساعة يدها وكان في استطاعتها أن تصوِّر أي مستندٍ دون أي إثارة لشبهات الزميلات أو الزملاء الذين يعملون معها.

وجاءتها مستندات أول سفينة شحن ستخرج من بيروت تابعة للشركة … وستفرغ كميات من البضائع في موانئ مختلفة. ودق قلبها سريعًا عندما رأت أن السفينة سوف تمرُّ في خليج «بسكاي» … وتذكرت أن الخريطة التي وجدوها مع «كوستا» كانت تحمل اسم هذا المكان … وكانت هذه أول ورقة تربط بين المعلومات السرية التي يعرفها الشياطين اﻟ ١٣ وبين شركة «النجمة الزرقاء».

وضعت «إلهام» الورقة أمامها. وأضاءت النور الذي على مكتبها، ثم أدارت ساعتها بحيث يكون وجهها إلى الداخل وأمالَتْ ذراعها على الورقة ثم ضغطت على مفتاح الساعة فصدر منها صوتٌ خفيف جدًّا لا يكاد يُسمع. وتم تصوير الورقة، وكانت «إلهام» تفعل كل هذا وهي تنظر إلى حولها وكأنها لا تفعل شيئًا، ثم قامت فوضعت الورقة في مكانها وأخذت تفحص بقية الأوراق وتضعها في الملفات الخاصة بها.

وعندما انتهى العمل أسرعَتْ إلى مقر الشياطين اﻟ ١٣ ووجدَتْ أن رقم «صفر» قد أرسل تقريرًا عن الرجل القتيل الذي وُجد في جيبه مفتاحُ المنزلِ المهجور في قرية «عبده» وقال رقم «صفر» في تقريره: وصلتنا المعلومات الخاصة بصاحب المفتاح؛ اسمه «سلامندر»، فرنسي الجنسية، يملك عدة شركاتٍ للنقل البحري في أماكن متفرقة من العالم، بعض أعماله عليها شبهات قوية، وقد اضطر إلى تصفية كثير من أعماله في عدد من الدول واعتُبر شخصًا غير مرغوب فيه. واضح أن هناك علاقة بين «فارس فريج» أو «باغوص» كما تسمونه وبين «سلامندر» فكلاهما يشتغل بالنقل البحري … وكلاهما كان يحمل مفتاحًا لمنزل قرية «عبده» … تقريركم عن المنزل مثمر للغاية. أنتظر منكم تقريرًا عن نشاط «إلهام» في الشركة.

قالت «إلهام»: ليس هناك ما يثير الشبهات … وطبعًا نشاط الشركة ما زال في بدايته فلم أعثر على شيء له أهمية … ولكن قمت بتصوير مستندٍ عن سفينة الشحن «كوشون». ستبحر الليلة القادمة من بيروت في طريقها إلى عدة موانئ أوروبية … تحمل شحنة من البترول العراقي الذي تم تصفيته في مصافي الشركة في قرية «عبده» … المهم جدًّا أن ناقلة البترول هذه سوف تمر في خليج «بسكاي» … وأنتم تذكرون أن هذا الخليج كان على الخريطة التي عثرنا عليها في محفظة المخبر السري «كوستا».

قال «أحمد»: من المؤكد أن نشاط هذه الشركة ليس نشاط عصابة تزييف … فما حاجة عصابة للتزييف لكل هذه العمليات المعقدة لتغطي نشاطها؟ إن المسألة أخطر من هذا بكثير!

عثمان: هذا ما خطر لي قبلًا.

أحمد: ولكن ما هو هذا النشاط؟

باسم: عمليات شحن بحري … نقود مزيفة … مفرقعات … منزل ذو دهاليز سرية … أشخاص يموتون قتلى … مخبر سري من اليونان … أشياء غريبة ومتناقضة جدًّا.

إلهام: هل أقول لكم شيئًا يمكن أن يوضِّح هذه العمليات كلها؟

قال «أحمد» مبتسمًا: وماذا تنتظرين؟

إلهام: كوستا.

عثمان: «كوستا»؟ ما أهمية «كوستا» في هذا كله؟

إلهام: أظننا متفقين على أن «كوستا» لا يعمل لحسابه … لكن لحساب شخصٍ أو أشخاصٍ يعرفون نشاط «باغوص» … ومَن معه … فلو استطعنا أن نكشف عن الأشخاص الذين كلَّفوا «كوستا» بالعمل، ربما عرفنا نوع النشاط الذي تُباشره مجموعة «باغوص».

لمعت في عينَيْ «أحمد» نظرة حب عميق، فأغمض عينيه سريعًا، ثم قال وكأنه يفكر: معقول جدًّا … هل نُرسل بهذا تقريرًا إلى رقم «صفر»؟

إلهام: فورًا.

أحمد: تولَّيْ أنتِ إذن الاتصال به. قدِّمي له تقريرًا عن نشاطكِ في الشركة، واطلبي منه معلوماتٍ أوفر عن «كوستا» …

وقامَت «إلهام» إلى غرفة اللاسلكي وبدأَتْ تُرسل: من شياطين الكهف السري إلى رقم «صفر» من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر». ستقوم أول ناقلة بترول تابعة لشركة «النجمة الزرقاء» برحلتها غدًا ليلًا. اسمها «كوشون» تحمل ١٥٠ ألف طن من البترول العراقي … عندي صورة مستند لكل ما يخص السفينة. نريد أن نحصل على معلومات من اليونان عن نشاط المخبر السري «كوستا ج. ليونادس». إن لهذا أهمية كبيرة جدًّا بالنسبة لنا.

وبعد أن انتهت «إلهام» من إرسال التقرير والسؤال … عادت إلى بقية الشياطين حيث تناولوا غداءً شهيًّا، ثم أخلدوا إلى الراحة.

وفي الثامنة من مساء نفس اليوم وصلهم من رقم «صفر» تقرير من سطر واحد: كوستا كان يعمل مخبرًا لحساب شركة «م. ك. س» للتأمين البحري في اليونان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤