أشيلُ تاريخَ دموعي

كل هذه المدينة تحت خطواتي
لكنها، كلها، في كفِّي
أقيسُ مبسمها بثغري
أقيس طولها بعصاي
أمام حزام الموجة
أمام عرشها المنصوب على المياه
أمام أسدها الشارد الحزين
بعثرتُ باقة الأزهار البيضاء
كنت سكرانًا
وكان كأس النبيذ الأحمر في يدي يتطوَّح في كل الاتجاهات.
بائعة الزهور في المحطة
هي التي اختارت لي باقتي
كانت تُشْبِه نساء الروايات
تُشْبِه حضورهن في اللوحات والأعياد
لماذا قالت الموجة لي:
مزِّق ضلوعي وتعالَ؟
لماذا صرخَت: بس تعالَ؟
لكن الزمان سيختطفُه
كما اختطَف الذي قبله
أضع رأسي على آجُرَّةٍ وأبكي
ألمس دموع الزهور حولي
وألمس كأس نبيذي الفارغ
لماذا هجرَتْني الطيور …؟
ظهَر الطفل في حديقة أوهامي
لكنه كان يرفع سيفًا بدل الزهور
كتب لي بعيدًا على رايةٍ صفراء:
«سأعود من جديد.»
لماذا تحثُّني الموجة عن هذه الخرافة؟
ما الذي أجنيه من هذه الأسرار؟
ولماذا يدفعُني الزحام
إلى ساحة السُّكارى
أعانق السكرانات
وأشيل على غصني
تاريخ دموعي
وأيامي السوداء؟
تمنَّيتكِ قربي
تمنَّيتكِ سألتِ عني
تمنَّيت
وكم أضعتُ الطريقَ حين تمنَّيت!
تمنَّيت أن تكوني شجرتي عندما كنتُ أرضًا
أن تكوني غَيْمتي عندما كنتُ مطرًا
تمنَّيتُ أن تكوني رئتي عندما تنفَّستُ
أنا تحت أحجار الزمان
أنتظرك
وأنت لاهيةٌ في شوارعك
لاهيةٌ في لذَّاتك
لاهيةٌ … وكأنني نهرٌ قديم جفَّ
رغم مياهي الصاخبة
لاهيةٌ … وكأنني بابٌ مقفَل
رغم الرياح التي تعبث بي.
هل تماسكَت هاويتي حتى تغلَّفَت عيناي بطروسي
لكِ الحكمةُ ولي الموت
أجرُّ الأغاني وأهبطُ بها إلى مجونك
لا تشبعين ولا تدَعيني في الراحة
لا تُعتِمين نهاري ولا أُضِيء ليلكِ
زلَّت قدمي وسقطتُ فيكِ
شيبتي بالحزن سأقضيها
أنتِ سخَّانة قدوري
وَلوِلي يا أيامي. ربضتُ وليس مَن يوقفني،
غرامٌ عنيف مثل المدن المكوَّمة اجتاحني ونفضَ جدراني
لا تشبعين ولا تدَعيني في الراحة
فاذا اغتسلتُ والتبستُ تجلَّدتُ ودخلتُ
فاجعَلي نظري عليه؛ طيركِ وأعشاش ماسكِ
تعاليتِ ساجنَتي، أنا في محلِّي أفنيتُ شهودي
وأنتِ في الغيوم تَهطِلين …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥