الفصل السادس

تعدد الزوجات في نفسه

إذا نُظر إلى تعدد الزوجات على العموم، إذا نُظر إليه مستقلًّا عن الأحوال التي قد تجعله محتملًا، وُجد غير نافع للجنس البشري مطلقًا، وُجد غير نافع لأي من الجنسين، للذي يُسيء استعماله منهما، وللذي يُساء إليه منهما، وُجد غير نافع للأولاد أيضًا، ويُرَى من محاذيره الكبرى أن الأب والأم لا يقدران على حمل ذات الحب لأولادهما، وأن الأب لا يستطيع حب عشرين ولدًا له كما تُحب الأم اثنين منهم، وشرٌّ من ذلك أن يكون للمرأة أزواج كثير، وذلك لاقتصار الحب الأبوي حينئذ على الرأي القائل: إن الاب يمكنه أن يعتقد، إذا أراد، أن بعض الأولاد له، أو أن الآخرين يمكنهم أن يعتقدوا أن بعض الأولاد لهم.

ويقال: إن ملك مراكش يحوز في سرايه نساء بيضًا ونساء سودًا ونساء صفرًا، فلم يكد هذا المسكين يعوزه لون!

ولا تحول حيازة نساء كثير دون اشتهاء١ امرأة رجل آخر دائمًا، وما الشبق إلا كالبخل زيادة تعطش إلى تحصيل ذخائر.
وضايقت النصرانية كثيرًا من الفلاسفة في عهد جوستينيان فلجئوا إلى كسرى بفارس، وكان أكثر شيء وقف نظرهم، على رواية أغاتياس،٢ هو أن تعدد الزوجات كان مباحًا لأناس لم يمتنعوا حتى عن الزنا.
ويُؤدي تعدد النساء، ومن يقول، إلى ذلك الغرام الذي تأباه الطبيعة، وذلك أن الدعارة تستدعي دعارةً أخرى، وجاء في الروايات أن الشعب لم يجد امرأة في منزل الكهيا حين نَهَبَه في الفتنة التي وقعت في الآستانة عند خلع السلطان أحمد، ويقال: إنه بُلِغَ في الجزائر٣ من هذه الناحية ما لم يُبلغ في معظم القصور.

هوامش

(١) هذا ما يؤدي إلى حجاب نساء الشرق بعناية عظيمة.
(٢) حياة جوستينيان وأعماله، صفحة ٤٠٣.
(٣) لوجيه دوتاسيس، تاريخ الجزائر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤