كيف أن بعض المشترعين خلطوا بين المبادئ التي تسيطر على الناس
العادات والأوضاع مرانات لم تضعها القوانين قط، أو لم تسطع أن تضعها، أو لم ترد وضعها.
ويوجد بين القوانين والعادات هذا الفرق القائل: إن القوانين أكثر تنظيمًا لأعمال المواطن، وإن العادات أكثر تنظيمًا لأعمال الإنسان، ويوجد بين العادات والأوضاع هذا الفرق القائل: إن الأولى أكثر سيطرة على السلوك الباطني، وإن الثانية أكثر سيطرة على السلوك الخارجي.
ولا ينبغي أن يحار من خلط مشترعي إسپارطة والصين بعض القوانين والعادات والأوضاع ببعض، وذلك لكون العادات ممثلة للقوانين ولكون الأوضاع ممثلة للعادات.
وكان غرض مشترعي الصين الأساسي هو أن يعيش شعبهم هادئًا، وقد أرادوا أن يتجمل الناس كثيرًا، وأن يشعر كل واحد بأن عليه واجبات كثيرة تجاه الآخرين في كل حين، وبأنه لا يوجد من الأهلين من لم يكن تابعًا لآخر منهم من بعض الوجوه، ولذا فإنهم منحوا قواعد الأدب أبعد مدى.
والأدب من هذه الناحية أفضل من الكياسة، فالكياسة تدارِي معايب الآخرين، والأدب يحول دون إظهار معايبنا، والأدب حاجز يضعه الناس فيما بينهم ليقوا أنفسهم من الفساد.
ولم يتخذ لِيكُورْغُ، الذي كانت نظمه شديدة، الأدب هدفًا عندما أبدع الأوضاع، بل وضع نصب عينه تلك الروح المِحْرابَ التي كان يريد الإنعام بها على شعبه، وإذ وجد بين الناس من يُصْلِحُون أو يَصْلُحُون دائمًا، ومن يُعَلِّمون ويَتَعَلَّمُون دائمًا، ومن هم بسطاء وقساة على السواء، فإن هؤلاء كانوا يمارسون من الفضائل فيما بينهم أكثر من الإكرام.