الفصل السابع والعشرون

المبارزة القضائية بين أحد الخصمين وأحد أقران السنيور، استئناف الحكم الزائف

بما أن من طبيعة الحكم بالمبارزة أن تُنهَى القضية إلى الأبد، وبما أنه لا تَوَافُق بينها١ وبين حكم جديد ومرافعات جديدة، فإن الاستئناف كما نصت عليه القوانين الرومانية والقوانين الكنسية، أي لدى محكمة عالية، لتقويم حكم محكمة أخرى، أمر كانت تجهله فرنسة.
وما كانت الأمة المحاربة التي لا يسيطر عليها غير الشرف لتعرف ذلك الوجه من المحاكمة، وكانت هذه الأمة، السائرة وراء هذه الروح دائمًا، تسلك تجاه القضاة عين الطرق٢ التي كانت تستطيع سلوكها ضد الخصوم.

وكان الاستئناف عند هذه الأمة تحديًا لمبارزة بالسلاح وجب أن تنتهي بالدم، لا دعوة إلى خصام قلمي لم يُعرَف إلا بعد.

وكذلك قال سان لويس في نظاماته٣ إن الاستئناف ينطوي على خيانة وجَوْر، وكذلك قال لنا بومانوار إن على الرجل٤ الذي يريد أن يشكو سنيوره من أجل اعتدائه عليه أن يخبره بعزمه على ترك إقطاعته، ثم يدعوه إلى سنيوره السُّزِرَان، ويقدم عهود الصراع، وكذلك يتنزل السنيور عن الولاء لنفسه إذا ما قاضَى رجُلَه أمام الكونت.

وتعني مقاضاة سنيوره من أجل حكم زائف كون هذا الحكم قد صدر زورًا ولُؤمًا، والواقع أن تقديم مثل هذه الأقوال ضد سنيوره هو اقتراف نوع من جناية الخيانة.

وهكذا كان يقاضَى الأقران الذين كانت تؤلَّف منهم عين المحكمة بدلًا من مقاضاة السنيور الذي يؤلف هذه المحكمة وينظِّم أمرها، وبهذا كانت تُجتَنَب جناية الخيانة، فكان لا يُطعَن في غير أقرانه الذين يمكن أن يُشتَموا في كل حين.

ويُستَهدَف٥ كثيرًا بتزييف حكم الأقران، فإذا ما انتُظِرَ حتى وضع الحكم والنطق به حُمِل على مبارزتهم٦ جميعًا عند عرضهم جعل الحكم صالحًا، وإذا ما اشتُكِيَ قبل أن يُبدِيَ جميع القضاة رأيَهم وجبت مبارزة من اتفق على رأي واحد،٧ وكان اجتناب هذا الخطر يقضي بأن يُلتَمَس٨ من السنيور أن يأمر كل قِرْنٍ بأن يُبَلِّغ رأيه عالي الصوت، وإذا نطق الأول، وأوشك الثاني أن يصنَع مثله، قيل له إنه زائف خبيث مفترٍ، وهنالك لا يبارَز غيره.
وعند ديفونتين٩ أنه كان يجب ترك ثلاثة قضاة ينطقون بالحكم قبل التزييف، وهو لم يَقُل قط هل يجب أن يبارَز هؤلاء الثلاثة جميعًا، وأقلُّ من ذلك أن يقال بوجود أحوال يجب أن يبارَز فيها جميع الذين أَبْدَوا رأيهم،١٠ ومصدر هذه الفروق هو أنه كان لا يوجد في تلك الأزمنة عادات واحدة تمامًا، وكان بومانوار ينظر إلى ما يقع في كُونْتِيَّة كلِيرْمُون، وكان ديفونتين ينظر إلى ما يقع في ڨِرْمانْدوَا.
وإذا كان أحد الأقران،١١ أو رجل الإقطاعة، قد صرَّح بأنه يؤيِّد الحكم أمر القاضي بأن تقدَّم عهود الصراع، ثم أخذ من المستأنف، فضلًا عن ذلك، كفالة بدعم استئنافه، ولكن القِرن الذي يقاضي لا يعطي ضمانات مطلقًا، وذلك لأنه رجل السنيور، وعليه أن يدفع الاستئناف أو أن يدفع إلى السنيور غرامة ستين ليرة.
وإذا لم يُثبَت١٢ المستأنِف أن الحكم ردئ دفع إلى السنيور ستين ليرة غرامة، ودفع مثل هذه الغرامة١٣ إلى القِرْن الذي شكاه، ودفع مثلها إلى كل واحد ممن جهروا بالموافقة على الحكم.
وإذا ما اتُّهِم رجل اقتسارًا بجناية تستحق الإعدام فأُمسِك وحُكِم عليه لم يستطع أن يستأنف١٤ مدعيًا بأن الحكم زائف، وذلك لإمكان استئنافه دائمًا إطالةً لحياته أو وصولًا إلى الصلح.
وإذا قال بعضهم١٥ إن الحكم زائف سيء ولم يقدِّم ما يجعله هكذا، أي لم يبارِز، حُكم عليه بعشرة أفلس غرامة إذا كان شريفًا، وحُكِم عليه بخمسة أفلس إذا كان فدَّادًا، وذلك لما نطق به من كلام بذئ.
ومَن كان يُغلَب من القضاة١٦ أو الأقران لم يفقد حياته ولا أعضاءه، ولكن إذا ما غُلِب الذي شكاهم عوقب بالقتل في دعوى الإعدام.١٧
وإن هذه الطريقة في دعوة رجل الإقطاع من أجل حكم زائف هو لاجتناب دعوة السنيور نفسه، ولكن١٨ إذا لم يكن لدى السنيور أقران مطلقًا، أو لم يكن عنده من الأقران ما يكفي، أمكنه أن يستعير١٩ على نفقته أقرانًا من سنيوره السُّزِران، غير أن هؤلاء الأقران كانوا غير ملزَمين بالحكم إذا لم يريدوا، وكان يمكنهم أن يصرحوا بأنهم لم يأتوا إلا لتقديم مشورتهم، وفي هذه الحال٢٠ الخاصة يكون للسنيور أن يؤيد الاستئناف إذا ما استؤنف الحكم الزائف ضده، وهو الذي قضى بالحكم ونطق به بنفسه.
وإذا كان السنيور٢١ من الفقر ما لا يستطيع معه أن ينال أقرانًا من سِنيوره السزران، أو غفل عن طلبهم منه، أو رَفَض مولاه هذا إعطاءه إياهم، لم يستطع أن يحكم وحده، وبما أنه كان لا يُلزَم أحد بالمرافعة أمام محكمة لا يمكنها إصدار حكم كانت القضية تُرفَع إلى محكمة السنيور السُّزَران.

وأرى أن هذا كان من الأسباب العظيمة في فصل العدل عن الإقطاع ووضع مبدأ فقهاء فرنسة القائل: «الإقطاع شيء والعدل شيء»، وذلك بما أنه كان لديهم رجال إقطاع كثير ولم يوجد تحت إمرتهم رجال قط فإنهم لم يكونوا في حال يقدرون بها على عقد محكمتهم، فكانت جميع القضايا تُرَد إلى محكمة سِنيورهم السزران، وقد خسروا حق إقامة العدل، لأنه لم يكن عندهم من السلطان والعزم ما يطالبون بهذا الحق معه.

وعلى جميع القضاة٢٢ الذين اشتركوا في الحكم أن يكونوا حاضرين عند إصداره، وذلك ليستطيعوا أن يستمروا ويقولوا «أجل» لمن يرغب في التزييف فيسألهم عن استمرارهم، وذلك «لأن هذا عمل مجاملة ونصيحة حيث لا فِرار ولا تأخير» كما قال ديفونتين،٢٣ وعندي أن طراز التفكير هذا هو مصدر العادة التي لا تزال متَّبعة في إنكلترة والقائلة بضرورة كون جميع المحلَّفين على رأي واحد في الحكم بالإعدام.

إذن، كان يُصار مع رأي الفريق الأكبر، فإذا ما انقسمت الآراء مناصفة كان ذلك نفعًا للمتهم في الجناية، ونفعًا للمدين في الديون، ونفعًا للمدعى عليه في الميراث.

وعند ديفونتين٢٤ أن القِرْنَ كان لا يستطيع الامتناع عن الحكم إذا كان الأقران أربعة٢٥ فقط، أو إذا لم يكونوا كلهم هنالك، أو لم يكن أدراهم هنالك، وهذا كما لو قال في أثناء النزاع إنه لا يساعد سنيوره لأنه لا يوجد بجانبه غير فريق من رجاله، غير أن على السنيور أن يُشرِّف محكمته فيأخذ لها أكثر رجاله إقدامًا وحكمة، وأذكر هذا لأُشعِر بواجب الڨَسَّالات مبارزة وحُكمًا، وهذا الواجب هو من الوَضع ما يكون به البِرازُ حَكمًا.
وكان يمكن السنيور٢٦ الذي يقاضي ڨَسَّالَه في محكمته ويُحكَم عليه فيها أن يقاضيَ أحد رجاله على حكم زائف، ولكنه إذا ما نُظِر إلى الأمر من حيث الاحترام الواجب على الڨسال لسنيوره عن عهد قد قُطِع، ومن حيث الرعاية الواجبة على السنيور لڨَسَّاله عن عهد قد قُبِل، أُتِيَ التفريق الآتي، وهو: إما أن يقول السنيور إن الحكم٢٧ زائف وسيء على العموم، وإما أن يعزو إلى رَجُلِه خيانات٢٨ شخصية، ففي الحال الأولى يكون قد أهان محكمته الخاصة وأهان نفسه من بعض الوجوه، ولا يستطيع أن ينال عهود صراع، ويكون له منها في الحال الثانية، لطعنه في شرف ڨَسَّاله، ومن يُغلَب من الاثنين كان يخسر حياته وأمواله حفظًا للسلامة العامة.
وقد وُسِّع مدى هذا التفريق الضروري في هذه الحال الخاصة، ويقول بومانوار إن الذي يقاضي عن حكم زائف إذا ما قذف أحد الرجال بِتُهَم شخصية أوجب صراعًا، ولكنه إذا لم يَطْعَن في غير الحكم كان الخِيار٢٩ للقِرن الذي قوضِي أن يدع القضية تنتهي صراعًا أو حُكمًا، ولكن بما أن الروح السائدة في زمن بومانوار كانت تقوم على تقييد عادة المبارزة القضائية، وبما أن هذه الحرية الممنوحة للقِرن المَدْعُوِّ للدفاع عن الحكم بالبِرَاز أو غيرِه مخالِفة، كذلك، لمبادئ الشرف القائمة في تلك الأزمنة وللعهد المقطوع لسنيوره دفاعًا عن محكمته، فإنني أرى أن تفريق بومانوار هذا هو فقه جديد لدى الفرنسيين.

ولا أقول إن جميع استئنافات الحكم الزائف قُرِّرت بالمبارزة، فقد كان أمر هذا الاستئناف كجميع الأخرى، ولتُذكَر الاستثناءات التي تكلمت عنها في الفصل الخامس والعشرون، وهنا كان على المحكمة السُّزِرانية أن تَحُلَّ، أو لا تحل، عهود الصراع.

وكان لا يمكن تزييف الأحكام الصادرة في محكمة الملك، وذلك بما أنه كان لا يوجد أحد يساويه فإنه كان لا يوجد أحد يمكِنه أن يشكوَه، وبما أنه كان لا يوجد مَن يعلو الملك كان لا يستطيع شخص أن يستأنف عن محكمته.

وكان هذا القانون الأساسي، الضروري كقانون سياسي، يقلل، كقانون مدني، سوء استعمالات العُرف القضائي في تلك الأزمنة، وكان السنيور إذا ما خَشِيَ٣٠ تزييف محكمته، أو رأى أنه يُنتَصَبُ لتزييفها، وكان من مصلحة العدل ألا تُزَيَّف، أمكنه أن يطلب رجالًا من محكمة الملك التي لا يمكن تزييف حكمها، ويروي ديفونتين٣١ أن الملك فيليپ أرسل جميع مجلسه للحكم في قضية بمحكمة شَمَّاسِ كُورْبِي.

ولكن إذا لم يستطع السنيور أن يكون لديه قضاة مَلِك أمكنه أن يجعل محكمته في محكمة الملك عندما يكون تابعًا له من غير التواء، وإذا كان يوجد سنيورات متوسطون قصد إلى سنيوره السزران ذاهبًا من سنيور إلى سنيور حتى الملك.

وهكذا كان يُلتَجأ إلى الملك، إلى هذا المنبع الذي كانت تجري منه جميع الأنهر دائمًا، إلى هذا البحر الذي كانت ترجع إليه، وإن لم يوجد في تلك الأزمنة طريق الاستئنافات الحاضرة ولا فكرتها.

هوامش

(١) «وذلك لأن الخصومة تكون قد انتهت إذا ما وقعت المبارزة، وذلك أمام المحكمة التي يذهب إليها عن دعوة لتأييد عهود البِرَاز، فلا استئناف بعد ذلك»، بومانوار، فصل ٢، صفحة ٢٢.
(٢) المصدر نفسه، فصل ٦١، صفحة ٣١٢، وفصل ٦٧، صفحة ٣٣٨.
(٣) جزء ٢، فصل ١٥.
(٤) بومانوار، فصل ٦١، صفحة ٣١٠، وصفحة ٣١١ وفصل ٦٧، صفحة ٣٣٧.
(٥) المصدر نفسه، فصل ٦١، صفحة ٣١٣.
(٦) المصدر نفسه، صفحة ٣١٤.
(٧) الذين كانوا قد اتفقوا على الحكم.
(٨) بومانوار، فصل ٦١، صفحة ٣١٤.
(٩) استئناف الحكم الباطل.
(١٠) المصدر نفسه، فصل ٢٢، مادة ١ و١٠ و١١، وإنما يقول بدفع غرامة إلى كل واحد منهم.
(١١) بومانوار، فصل ٦١، صفحة ٣١٤.
(١٢) بومانوار، المصدر نفسه، ديفونتين، فصل ٢٢، مادة ٩.
(١٣) ديفونتين، المصدر نفسه.
(١٤) بومانوار، فصل ٦١، صفحة ٣١٦، وديفونتين، فصل ٢٢، مادة ٢١.
(١٥) المصدر نفسه، فصل ٦١، صفحة ٣١٤.
(١٦) ديفونتين، فصل ٢٢، مادة ٧.
(١٧) انظر إلى ديفولتين، فصل ٢١، مادة ١١ و١٢ وما بعدها، وهي التي تفرق بين الأحوال التي يخسر المزور حياته أو الشيء المخاصم عليه، أو القرار التمهيدي فقط.
(١٨) بومانوار، فصل ٦٢، صفحة ٣٢٢، ديفونتين، فصل ٢٢، مادة ٣.
(١٩) لم يكن الكونت ملزمًا بأن يستعير منه، بومانوار، فصل ٦٧، صفحة ٣٣٧.
(٢٠) ما كان لأحد أن يضع قرارًا في محكمته على قول بومانوار، فصل ٦٧، صفحة ٣٣٦ وصفحة ٣٣٧.
(٢١) المصدر نفسه، فصل ٦٢، صفحة ٣٢٢.
(٢٢) ديفونتين، فصل ٢١، مادة ٢٧ و٢٨.
(٢٣) المصدر نفسه، مادة ٢٨.
(٢٤) فصل ٢١، مادة ٣٧.
(٢٥) كان لا بد من هذا العدد على الأقل، ديفونتين، فصل ٢١، مادة ٣٦.
(٢٦) انظر إلى بومانوار، فصل ٦٧، صفحة ٣٣٧.
(٢٧) هذا الحكم زائف وسيء، المصدر نفسه.
(٢٨) وضعت حكمًا زائفًا وسيئًا كما أنك سيء … بومانوار، فصل ٦٧، صفحة ٣٣٧.
(٢٩) بومانوار، فصل ٦٧، صفحة ٣٣٧ وصفحة ٣٣٨.
(٣٠) ديفونتين، فصل ٢٢، مادة ١٤.
(٣١) المصدر نفسه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤