السفر إلى مدينة الرصاص

سكت رقم «صفر» طويلًا، بينما كان الشياطين يَنتظرُون أن يبدأ الكلام حتى يعرفوا إجابة السؤال: كيف يمر الذهب تحت بصر القانون؟

أخيرًا … جاء صوت رقم «صفر» يقول: لقد توصَّل العلماء إلى طريقةٍ يُمكن بها تحويل الذهب إلى رصاصٍ.

ثم توقف عن الكلام، كان الكلام غريبًا على أذن الشياطين، فكيف يُمكن تحويل الذهب إلى رصاص؟ … ثم كيف يُمكن الاستفادة من الذهب إذا تحوَّل إلى رصاص؟ إنَّ ثمن الذهب أضعاف ثمن الرصاص، والمنطقي والمعقول أن يُحوِّلوا الرصاص إلى ذهبٍ؛ لأنهم سوف يكسبون كثيرًا، لكن أن يُحوِّلوا الذهب إلى رصاصٍ، فما هي الفائدة، إنَّهم بذلك سوف يَخسرون كثيرًا.

كان رقم «صفر» قد صمت، حتى يُعطيَ الشياطين فرصة التفكير، وحتى يمكن أن تتأكد المسألة في أذهانهم، جاء صوته مرةً أخرى يقول: أعرف أنكم سوف تتساءلون، لماذا يُحوِّلون الذهب إلى رصاصٍ … وهم بذلك سوف يَخسرون كثيرًا؟

سكت لحظةً، ثم أضاف: إن هذه الطريقة التي يَنقلُون بها الذهب في مدينة «موانزا»، وتحت أعين القانون وفي حراسته أيضًا.

انتظر لحظاتٍ، ثم أكمل: إنهم يَسرقون الذهب من المناجم ثم يقومون بتحويل جزءٍ منه إلى رصاصٍ، وبنفس المادة الجديدة يُخفون كميات الذهب الأخرى، فيبدو الذهب وكأنه قوالب من الرصاص، وتحت عين القانون، تمرُّ قوالب الرصاص، دون أن يعرف أحدٌ، أن قوالب الرصاص تُخفي داخلها سبائك الذهب، وكأن «موانزا» مدينة الذهب، قد تحوَّلت إلى مدينة الرصاص!

أدرك الشياطين كل شيءٍ، كان «أحمد» مُبتسمًا، وقد فهم كل تفاصيل المغامرة الجديدة، وقد أعجبه تصوير رقم «صفر» لمدينة «موانزا»، بأنها أصبحت مدينة الرصاص.

أضاف رقم «صفر»: إن عصابة «اليد الحديدية» هي التي تقوم بهذه العملية الخطيرة، التي يُمكن أن تحطم اقتصاد «تنزانيا»، بجوار أنها يمكن أن تقتل اقتصاديات دولٍ أخرى، يمثل الذهب بالنِّسبة لها، جانبًا كبيرًا من اقتصادها القومي …

سكت الزعيم مرةً أخرى، ثم قال بعد قليلٍ: أنتم تعلمون أن الذهب معدنٌ غالي الثمن، وإذا كانت هناك دولٌ يُمثِّل البترول أهم مواردها، فإنَّ هناك دولًا أيضًا يُمثِّل الذهب أهم مواردها، وعادةً تحتفظ الدول بكمياتٍ ضخمةٍ من الذهب، لا تبيعه في السوق إلا إذا اجتاحتها ضائقةٌ ماليةٌ، إن الذهب يمثل مخزونًا استراتيجيًّا عند الدول …

كان الشياطين يُتابعون رقم «صفر» باهتمامٍ، ولذلك أضاف: إن عصابة «اليد الحديدية» تلعب لعبةً خطيرةً في سوق الذهب الدولي فهي تطرح كمياتٍ كبيرةً منه، وهذا يجعل السِّعر ينخفض، وفي نفس الوقت تشتري الكميات التي تنزل إلى السوق، بسعرٍ رخيصٍ، ثم تمنع الذهب، فيرتفع سعره، وتعود إلى بيعه من جديدٍ، لتكسب منه أضعافًا مضاعَفةً، وهذه لعبةٌ خطيرةٌ.

بينما كان الشياطين يُتابعون كلمات رقم «صفر»، كانت خريطة أفريقيا قد اختفت تمامًا؛ فقد عرف الشياطين، أي طريقٍ سوف يتبعون، كان رقم «صفر» قد صمت، فعاد يقول: هذه إذن مغامرتكم الجديدة، وهي كما ترون مغامرةٌ طريفةٌ، ومفيدةٌ أيضًا. إنَّ كشف عصابة «اليد الحديدية» سوف ينهي هذه اللعبة الخطيرة.

انتظر دقيقةً ثم قال: إن العصابة تأخذ أطراف مدينة «موانزا» ميدانًا لعملها، وهي تقوم بنقل ما تُريد إلى «جبال كلمنجارو»، ثم تعود مرةً أخرى إلى نقله إلى مدينة «دار السلام»، ومنها يأخذ طريقه إلى خارج «تنزانيا»، إنني أقترح أن تتحركوا في الصباح الباكر، حتى يُمكنكم أن تصلوا في وقتٍ يسمح بالحركة السريعة؛ فهناك — كما تقول تقارير عملائنا — شحنةٌ ضخمةٌ من الذهب المحول إلى رصاصٍ سوف تخرج من مدينة «دار السلام» في خلال يومين.

سكت لحظةً، ثم قال: إن المجموعة التي سوف تقوم بالمغامرة، ستجد التكليف في غرفتها، أتمنى لكم التوفيق.

ما إن سكت رقم «صفر» حتى أسرع الشياطين بمغادرة قاعة السينما، كان كلٌّ منهم يتمنى أن يكون بين المجموعة، ولذلك أسرعوا إلى غرفهم، كان «أحمد» الوحيد الذي يمشي على مهلٍ؛ فقد كان يفكر في الطريقة الغريبة التي يقومون بواسطتها بتحويل الذهب إلى رصاصٍ، وعندما وصل إلى غرفته، كانت شاشة التليفزيون، تَحمل أسماء المجموعة، وكانت تضمُّ: «أحمد»، «عثمان»، «خالد»، «رشيد»، «باسم» … في نفس الوقت وجد رسالةً سريعةً، تخبره أن شفرةً جديدةً تُعدُّ لهذه المغامرة، وأنها سوف تصله بعد ساعتين.

أسرع «أحمد» وأرسل تعليماته إلى المجموعة، حتى تستعد، وكانت التعليمات أن ساعة التحرك سوف تكون في الخامسة صباحًا، وأن اللقاء سوف يكون في المنطقة «س»، حيث توجد سيارات المقر السرِّي، انتظر لحظةً يفكر، ثم تحرك بسرعةٍ، وأعد حقيبته السحرية، وعندما انتهى منها، ألقى بنفسِه في السرير، واستغرق مباشرةً في النوم.

وعندما استيقظ «أحمد» في الرابعة صباحًا، وجد رسالةً شفريةً قرأها بسرعةٍ ثم ابتسم، كانت الرسالة بالشَّفرة القديمة، ومعها كانت الشفرة الجديدة للمغامرة، جرى بعينيه على رموزها ثم ابتسم مرةً أخرى؛ فقد كانت شفرةً شديدة التعقيد، أخذ يقرؤها عدة مراتٍ، ثم وضع الرسالة في فتحةٍ تحت جهاز التليفزيون، فاختفت الرموز المكتوبة واختفَت كلمات الرسالة، ولم تبقَ سوى ورقةٍ بيضاء؛ فقد كانت الرسالة والشفرة مكتوبتين بحبرٍ سري خاص، رفع «أحمد» سماعة التليفون ليتحدث إلى «خالد» إلا أن جهازًا خاصًّا، يحمل صوت «خالد» هو الذي رد يقول: نحن في المنطقة «س»، ابتسم «أحمد»؛ فقد استيقظ الشياطين مبكرين واستعدوا وانطلقوا إلى حيث نقطة اللقاء، في دقائق كان يغادر غرفته إلى المنطقة «س»، وهناك وجد الشياطين قد ركبوا السيارة في انتظاره، ألقى عليهم تحية الصباح، مبتسمًا، ثم أخذ مكانه بجوار «خالد» الذي كان يجلس أمام عجلة القيادة، وعندما أغلق الباب، انطلق «خالد» خارجًا من المنطقة «س»، إلى حيث تبدأ المغامرة، فقد كانت هذه أول خطوةٍ إليها، كان الشياطين صامتَين تمامًا، فجأةً قال «رشيد»: أقترح أن نرسل برقيةً إلى الشياطين نتمنى لهم وقتًا طيبًا حتى عودتنا.

رد «باسم»: فكرةٌ طيبةٌ، فهذه المغامرة ليست كأي مُغامرةٍ سابقةٍ؛ فسوف نرى فيها ما لم نرَه في أي مغامرةٍ أخرى.

أكمل «عثمان»: خصوصًا وأنني أعرف أن كل الشياطين كانوا يتمنَّون أن يشتركوا فيها!

ابتسم «أحمد» وهو يقول: سوف نُداعبهم مداعبةً طريفةً، سأرسل البرقية بالشفرة الجديدة وهم لا يعرفونها، وسوف يُمضون الوقت في محاولة حلها، حتى نعود إليهم.

سكت لحظةً، ثم قال: ما لم يَلجئوا لجهاز حل الشفرة، أو رقم «صفر»!

تساءل «خالد»: وهل تغيَّرت الشفرة؟

رد «أحمد»: نعم، إنها شفرةٌ جديدةٌ، وغريبةٌ أيضًا، وسوف أقدمها لكم حالًا؛ فهي التي سوف نتراسل بها، ونُخاطب رقم «صفر» إذا احتجنا إليه.

وبسرعةٍ أخرج جهاز الإرسال الخاص به، وأرسل برقيةً شفريةً إلى الشياطين من المقر السري، كانت الشفرة تقول «٥٠٠-٦٠٠» وقفة «١٦» وقفة «ج» وقفة «٨-٤٠٠-١٧٠» وقفة «١٦» وقفة «ف» وقفة «٤٤-١٥٠-١٣» وقفة «٦٠٠-١٥-٣٠٠-٢٠-٣٠٠-٥٠٠» وقفة «٨-٤٠٠-٢٠-٥٠-٨-٥٠» وقفة «٦٠٠-٦-٥٠٠-٦٠٠-١٧٠» وقفة «٤٠٠-٣٠٠-٥٠٠» وقفة «١٥٠-٣٠٠-٥٠٠» وقفة «١٥٠-٢٠٠-٦-٨» وقفة «٧٥-١٧٠-٤-٨» وقفة «٧-٦-١٧٠» وقفة «٦٠٠-٤٠٠-٦-٢٠٠-١٧٠» انتهى.

كان الشياطين يسمعون «أحمد» وهو ينطق الأرقام، نظر «عثمان» إلى «رشيد» وقال: إنها شفرةٌ غريبةٌ، ومعقدةٌ!

رد «رشيد»: ينبغي أن تكون كذلك، وإلا فإن فك رموزها يُصبح سهلًا، خصوصًا ونحن نتعامل في مغامرةٍ صعبةٍ، ومع عصابةٍ حديثةٍ، ومن المؤكَّد أنها تملك إمكانياتٍ عاليةٍ.

كانت بوابات المقر السرِّي الصخرية، قد انفتحت عندما وصلت سيارة الشياطين عند نقطةٍ معينةٍ، وعندما تجاوزتْها انغلقَت في هدوءٍ، وظهر الأفق أمام الشياطين أحمر ورديًّا، فقد كانت الشمس قد بزغتْ منذ قليلٍ، كان الطقس جميلًا وألوان الصباح تبدو واضحةً، وكأنها مغسولةٌ بالماء.

سأل «خالد»: هل تقول لنا شفرتنا الجديدة؟

قال «أحمد»: نعم هذه هي.

بدأ يقول لهم، وهم يسمعون في تركيزٍ شديدٍ، كان «رشيد» يُردِّد همسًا ما يقوله «أحمد» في الوقت الذي أغمض «عثمان» عينَيه، حتى لا يشغله شيءٌ، كان «خالد» يهمس لنفسِه، أما «باسم» فقد كان يتابع شفتي «أحمد» وهما تنطقان الأرقام، كان «أحمد» يقول الرقم ثم ينتظر قليلًا، حتى يُعطي فرصةً للشياطين ليثبتوا الرقم في ذهنهم، ثم يقول الرقم التالي، وعندما انتهى نظر إلى «عثمان» وسأل: هل أخذت الشفرة؟

رد «باسم»: أظن أن «عثمان» قد راجعها حتى آخر رقمٍ.

قال «عثمان»: هذه هي!

أخذ يردد الأحرف، والأرقام، مرةً ترتيبًا ومرةً متناثرةً بسرعةٍ غريبةٍ، حتى إن الشياطين ضحكوا ثم قال في النهاية: برغم أنها صعبةٌ ومعقدةٌ، إلا أنَّ الصعوبة والتعقيد هوايةٌ يعشقها الشياطين! ضحكوا مرةً أخرى ثم بدأ «باسم» يردِّد الشفرة، وتبعه «خالد»، ثم «رشيد» حتى يتأكَّد «أحمد» أن الجميع يَملكون مفاتيح الرسائل والكلام أيضًا، في النهاية قال «أحمد»: رائعٌ.

سكت «أحمد» لحظةً، ثم أضاف: إنها مغامرةٌ جديدةٌ في كل شيءٍ، وهذا ما يجعل لها مذاقًا خاصًّا!

رد «رشيد»: إنَّ العلم قد حقق معجزةً بتحويل الذهب إلى رصاصٍ، وأظن أن هذه خطوةٌ في الطريق إلى تحويل الرصاص إلى ذهبٍ!

قال «عثمان»: أعتقد أن هذا لو حدَث وتحوَّل الرصاص إلى ذهبٍ، فإن المعدن النفيس، سوف يَفقد قيمته …

ابتسم «خالد» وقال: من يدري، فقد نرى قرطًا من الرصاص، أو أساور أو خواتم وغيرها، لكن كيف سيكون شكلها؟

قال «باسم»: أظن أن ذلك سوف يكون مستحيلًا فسوف تظهر قوى تقف ضد تحويل الرصاص إلى ذهبٍ، حتى لا يفقد قيمته!

رد «أحمد»: إنَّ ذلك سوف يخضع لمن يملك سرَّ تحويل الرصاص إلى ذهبٍ؛ لأن قلةً هي التي تملك السر.

ضحك «خالد» وقال: إذن فإن أمامنا مغامرةً مضمونةً، إن لم تكن مغامرات، فحيثما كان الصراع يكون الشياطين.

ضحكوا جميعًا بينما كان «خالد» يُضيف: ها نحن قد اقتربنا!

نظر «أحمد» في ساعة السيارة، ثم قال: لقد وصلنا في وقتٍ مناسبٍ فعلًا!

وبعد ربع ساعةٍ، كانت سيارة الشياطين تدخل ساحة المطار، ثم تتجه إلى موقف السيارات، لتركها هناك، وفي دقائق كانوا يغادرون السيارة إلى المطار، حيث كانت تذاكر السفر في انتظارهم …

سأل «باسم» موظَّف شركة الطيران، وعرف أن الطائرة سوف تُقلع بعد نصف ساعةٍ، وعندما عرف الشياطين أنه لا يزال هناك بعض الوقت، انتشروا في الصالة الواسعة، وأخذ «أحمد» طريقه إلى حيث تباع جرائد اليوم، فاشترى عددًا منها، وتوقف أمام كتابٍ عنوانه «تفاصيل جديدةٌ إذن في مغامرتنا الجديدة».

اشترى الكتاب وغادر المكان وهو يَستمع إلى صوت مذيعة المطار تعلن: على المسافرين إلى دار السلام أن يتجهوا إلى صالةٍ رقم (٣).

اجتمع الشياطين وتقدَّموا إلى حيث توجد الصالة (٣) حتى يستقلُّوا الطائرة المسافرة إلى دار السلام، حيث تبدأ الخطوة الثانية في مغامرة مدينة الرصاص.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤