الفصل العاشر

الاجتماع مع محافظ البنك

إن مجرَّد تجميع الأموال لا يستدعِي درجةً عالية من الذكاء. فالمهارة الخفية في هذا العمل أكثرُ قيمة من ذكاء شكسبير. وغالبًا ما ينجح مكر الثعلب اللئيم حيثما تفشل قوة الأسد الشجاع. وبالطبع هناك رجال مُحترمون يجمعون ثرواتهم من خلال الصناعة، أو الاكتشاف، أو الاختراع؛ رجال يتبرَّعون لإخوانهم من المخلوقات، ويكسبون الأموال من خلال تحقيق مساعيهم لإثراء العالم بدلًا من أنفسهم. لكنَّ مُضارِبًا في البورصة مثل شوارتزبرود، الذي يتمتَّع بدهاء مُبهَم لقروي جشع جاهل، يصبح مجرَّد وحش مفترس، لا ينتج شيئًا؛ يسمُن على مِحَن الآخرين وخسائرهم؛ متخفٍّ ووحشي مثل نَمرٍ آكلٍ للبشر. من المحتمل أنه مع تقدُّم الحضارة، سيتم عزلُ مثلِ مصاصِ الدماءِ هذا عن رفاقه مثلَ المجذومِ في الأراضي الشرقية.

منذ لقائه الكارثي الأول مع اللورد سترانلي، كان شوارتزبرود يتحرَّك بدافع كراهية شريرة لهذا الشاب الذي يبدو أنه يتمتَّع بالحياة غير مبالٍ بشيء، والذي بدا أن اهتمامه يتركَّز بشكل أساسي على الملابس، ولكن عندما التقيا مرارًا وتَكرارًا، أصبح هذا الحقد مصبوغًا بخوف يزداد ببطء، ليس من ذكاء الرجل النبيل اللطيف، ولكن من حظه الجيد الرائع؛ لأنه لا شيء يمكن أن يقنع شوارتزبرود بأن سترانلي يمتلك ذكاءً من أي نوع. لقد اعتبر هذا المُموِّل المبتدئ مجرد رجل متأنِّق مهذَّب ولكن بلا عقل. بالنسبة لشخصٍ ثري مثل شوارتزبرود، فإن كتابة شيك للوفاء بوعوده للكابتن سيمونز وفراونينجشيلد نادرًا ما يكون أكثرَ أهمية من رمي رجل عادي لبنس إلى مُتسوِّل. لكن شوارتزبرود أطال التفكيرَ في ذلك، وجزَّ على أسنانه، وأقسم على الانتقام. الآن، الانتقام صفة غير مجدية. في حياتنا الشاقة الحديثة، يخاطر الرجل الذي يهدر التفكير في الانتقام بالتخلُّف عن الرَّكْب، ولكن في وقت الأزمات مثل هذا الانحراف في التفكير في التفاهات، عندما يجب أن تكون جميع الحواس في حالةِ تأهُّب للاستعداد للعاصفة القادمة، قد يكون قاتلًا. كان شوارتزبرود مثل رجلٍ في قارب مفتوح في البحر، مع الكثير من القماش المبسوط، والذي، بدلًا من توجيه عينه الثاقبة نحو الأفق، وتقصير الشراع، كان غاضبًا لأنَّ شخصًا ما سكب كوبًا من الماء في قاع القارب وفكَّر مليًّا في طريقة تَنشيفه، وقذف الخرقة المبللة في وجه الشخص الذي سكب الكوب. كان هناك إعصار مالي يقترب من شأنه أن يُخرِّب العديد من المنازل في إنجلترا وأمريكا قبل أن يأخذ مجراه. وكان الملاحون الأذكياء في المياه الغادِرة للتمويل يستعدون للفِرار من دون أشرعة حتى تتحسَّن الظروف.

يمكن الاعتراف على الفور بأن اللورد سترانلي لم يَعُد يشك فيما سيأتي أكثر من شوارتزبرود نفسه؛ لأنه، كما اعترف اللورد مرارًا، لم يفهم هذه الأشياء. ولقد قضى، دون توعُّد أو اتهام، على كل فرصةٍ لمزيد من تدخُّل شوارتزبرود في منجمه. وعرف شوارتزبرود أن اللورد سترانلي كان يمتلك كلَّ حقيقة في القضية، وأن هذه الحقائق، إذا تمَّ تقديمها في محكمة قانونية، فمن الممكن جدًّا أن تحبس مموِّل المدينة في السجن لبقية حياته، وقد اعتمد سترانلي، بشكل صحيح تمامًا، على هذا الخوف الذي يُقيِّد يد شوارتزبرود.

مرَّت السفينة البخارية الكبيرة «ويتشوود» دون مضايقة من البحار الجنوبية إلى البحار الشمالية وعادت مرةً أخرى، وزوَّدت مصاهر ماكيلر الكادحة المخزن الآمن بحوالي ألفي طن من الذهب الخالص.

عندما بدأ رجال المدينة في العودة من عطلتهم الصيفية، انتشر خبرٌ غير رسمي في قاعات الأغنياء مما أثار حماس الأذكياء هنا وهناك. كان الخبر مفادُه أن بنك إنجلترا كان في ورطة. في ثلاث مناسَبات مُنفصِلة في غضون عدة أسابيع، تمَّ رفع معدل الفائدة البنكية، وأصبح الآن رقمًا مرتفعًا للغاية لدرجةِ أنه هدَّد بفحص المؤسسة والمضاربة خلال الخريف القادم، عندما كان الجميع يأمل في أن تتحسَّن الأعمال التجارية في المدينة. بدأ المصرفيون الحذرون في طلب قروضهم، وهي طريقة البنك لتقصير الشراع. وتمَّ التخلِّي عن المشاريع الطموحة هنا وهناك بسبب الخوف من نقص الأموال. وتمَّ تأجيل الشركات التي يتطلع مُروِّجوها إلى تعويمٍ ناجح قبل عيد الميلاد. كانت الأحوال في المدينة راكدة، وكان الأشخاص الماهرون في التنبؤ يخشَون من أن يأتي ما هو أسوأ. في بداية شهر أكتوبر، انتشرت شائعةٌ شريرة، قائمة على مقالٍ مثير للغاية في مجلة صفراء في نيويورك. هذه الشائعة، بسبب مصدرها، فقدت مصداقيتها في البداية، لكن في الوقت الحالي أدرك العالم أن هناك أساسًا جيدًا لها. قالت صحيفة نيويورك إنه بمجرَّد أن وضَعَ الهواة الماليون في البرلمان البريطاني في مجموعة القوانين قانونًا يأمر بنك إنجلترا بحلول الأول من يناير بالحفاظ على احتياطي الذهب عند ١٠٠ مليون جنيه إسترليني، تمَّ تشكيل نقابة قوية من خبراء ماليين في وول ستريت لاحتكار الذهب. غالبًا ما كان القمح مُحتكَرًا، لصالح فرد واحد سواء في نيويورك أو شيكاجو، مقابل خسارة شاملة لعالَم جائع، لكن لم يُحاول أحد حتى الآن احتكار الذهب. لا يُمكن إنتاج القمح حسب الرغبة. فبمجرد الانتهاء من نثر البذور، يُمكِن لعلماء الرياضيات أن يُقدِّروا بدقة شديدة، بالنظر إلى محصول كامل، الحد الأقصى لعدد بوشل القمح المحتمل طرحه في السوق في الخريف القادم، ولا يمكن لأي شخص أن يُضيف إلى هذه الكمية؛ لأن إنتاج القمح يعتمد على بطء تقلب الفصول. كان الأمر مختلفًا مع الذهب؛ فقد كان من الممكن إنتاج الذهب في الصيف والشتاء، ليلًا ونهارًا، ومن ثمَّ لا يجرؤ أي فرد، حتى لو كان غنيًّا مثل الملك ميداس، ولا أي نقابة، مهما كانت قوية، حتى الآن على محاولة احتكار الذهب. كان القمح يُستهلك عامًا بعد عام، لكن الذهب كان مستمرًّا بشكل عملي، محفوظًا في صورة حُليٍّ، وسبائك، وصحون، وما إلى ذلك. العملات المعدنية القديمة، التي تمَّ سكُّها منذ عدة قرون قبل ولادة المسيح، كانت لا تزال موجودة، وعلى الرغم من أن بعض حبات القمح التي كانت تُزرع في زمن الفراعنة كانت تستقر في راحة بعض المومياوات، إلا أن الجزء الأكبر من قمح العام قبل الماضي كان بالفعل مطحونًا، ومخبوزًا، ومأكولًا. يبدو، إذن، أن أجرأ محاولة انقلاب مالي على الإطلاق تمَّ تنفيذها بنجاح على يد رجال وول ستريت. ومع ذلك، أشارت صحيفة نيويورك إلى أن هذا لم يكن هو الحال. وبقدْر ما يمكن أن تكون عواقب الاحتكار هائلة، لم يكن هناك، بعد كل شيء، خطرٌ كبير على المؤسسات. فالذهب، على عكس القمح، سلعة أساسية. وكانت أسعار القمح ترتفع وتنخفض. ولكن لم يتغيَّر سعر الذهب عمليًّا. ولم يدفع هؤلاء الرجال أسعارًا باهظة مقابل الذهب، لكنهم التزموا الصمت فقط، ومن خلال مساعدة عملائهم في جميع أنحاء العالم، قاموا إما بتأمين حيازةٍ فعلية للمعدن المتاح، أو حصلوا على خيار بشأنه، والذي لن ينتهي حتى يونيو، بينما أجبر القانون الجديد بنك إنجلترا على حيازةِ ما لا يقل عن ١٠٠ مليون جنيه إسترليني من الذهب في الأول من يناير. وحتى لو فشل الاحتكار، فلن يترتَّب على ذلك خسارة للمحتكرين؛ لأنهم كانوا يمتلكون المعدن الفعلي الذي يُباع من أجله كل شيء. فلا يُمكن أن يحدث أيُّ انخفاض مثير في سعر الذهب، كما كان من المُحتَّم أن يحدث في حالة القمح إذا فشل الاحتكار، بينما كنتيجة للتأجيل، إذا اضطُرَّ البنك إلى الوفاء بشروطه، فإن الربح الذي سيتم تقسيمه سيكون هائلًا. وذُكر أيضًا أن رجال وول ستريت قاموا بتأمين الأوراق النقدية وطلبات الذهب بضمان بنك إنجلترا والتي كانوا سيُقدِّمونها في لحظةٍ حاسمة، مطالبين بالمعدن، ومن ثمَّ يواجهون هذه المؤسسة الموقَّرة مع البديل الجذري لقبول شروطهم، أو تعليق الدفع. وحاولت صحيفة «التايمز» في مقال رئيسي، يهدف إلى تهدئة ذهن الجمهور، إظهار أن اقتراح احتكار الذهب أمرٌ مُستحيل؛ وأنه سيتم إخراج الملايين والملايين من الذهب المخزَّن في الوقت المناسب إذا تم عرضُ ما يكفي له؛ وأن هذه الملايين بحوزة أشخاصٍ لا تعرف وول ستريت شيئًا عنهم وليس لديها وسيلة للتواصل معهم.

هذا المقال كان له بعض الأثر في إيقاف حالة الذعر، أو على الأقل في تأجيلها. والتزم المسئولون عن إدارة بنك إنجلترا الصمت، كالمعتاد، ولمدة أسبوع بدا أنه لم يكن هناك شيء كارثي على وشك الحدوث، وكانت ثقة الإنجليز كبيرةً جدًّا في أهم مؤسساتهم المالية. ثم بدأت الأسهم من جميع الأنواع في الانخفاض بسرعة. وانهارت شركة مهمة، ثم أخرى، وأخرى، وأخرى، وأدرك الرجال الأذكياء أن كلًّا من إنجلترا وأمريكا تواجهان أكبرَ كارثة مالية في العصر الحديث. وبدا أن العقوبة تُناسِب الجريمة؛ لأنه في أمريكا التي نشأت منها الأزمة، كان الذعر أشدَّ بكثير مما كان عليه في إنجلترا، وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة، وخاصة في الغرب، كان هناك إدانة متزامنة لوول ستريت التي اعتادت على الغضب الشعبي؛ لذا لم تُعِر الأمر سوى القليل من الاهتمام.

عُقدت اجتماعات في إنجلترا تدعو الحكومة إلى إلغاء مشروع القانون، وإعطاء البنك مزيدًا من الوقت، ولكن، كما أشير، لم يطلُب البنك وقتًا، وعلى الرغم من أن المحافظ والمديرين عُرفوا بمعارضتهم بشدة لمشروع القانون، بالكاد يُمكن للحكومة أن تتكرَّم بتقديم الإغاثة حيث لم يتم التماسها.

جلس اللورد سترانلي مستريحًا على أحد الكراسي المريحة المكسوة بالجلد الذي ساعد في التخفيف من تقشُّف الحياة في غرفة التدخين في نادي كامبرداون. كان يتأمل فيما حوله. يضع رجله اليمنى على اليسرى؛ ويضم أطراف أصابعه معًا، وتحدِّق عيناه الجميلتان الصادقتان في طبقة الدخان الرقيقة، ولا يرى شيئًا على ما يبدو. أحد الرجال الذي نجَح في اقتراض المال منه في يومٍ سابق، والذي تجاهل اللورد سترانلي تحيتَه، ليس بسبب الأموال المُقترضَة، ولكن ببساطة لأنه لم يرَ المُقترِض، أشار لبعض الأصدقاء أن سترانلي يعتقد أنه يُفكر، الأمر الذي أثار الضحك؛ لأن هؤلاء الناس لم يعرفوا أن الملاحظة نفسها صدرت قبل سنوات عديدة، وكانوا أيضًا يتوهَّمون بأن سترانلي غير قادر على التفكير.

نادي كامبرداون، كما يعلم الجميع، معروفٌ بكونه مركزًا رياضيًّا أكثر من كونه مُنتجَعًا لرجال الأعمال، ومع ذلك فهو يضمُّ اثنين أو ثلاثة من هؤلاء في قائمة أعضائه المختارة بعناية. دخل واحد منهم، وتوقَّف عند الباب، ونظر حوله للحظة وكأنه يُريد أن يجد كرسيًّا بمفرده، أو يبحث عن صديقٍ يتوقَّع مقابلته. كان هذا ألكسندر كوربيت، مدير بنك سيلوين، وهو رجل حليق الذقن ذو ملامح قاسية، وكان يتولَّى إدارة هذا البنك، وعلى الرغم من كون البنك مؤسسة خاصة، كان يتمتَّع بمكانة عالية في التقدير العام تكاد تكون مثل بنك إنجلترا ذاته. عندما وقف كوربيت هناك، تغيَّرت الطبيعة الحالمة لنظرة اللورد سترانلي إلى شيءٍ يقترب من اليقظة.

وقال: «كوربيت، هنا كرسي في انتظارك.»

أسرع المصرفي الخُطى، دون تردُّد، إلى الأمام وجلس. كان هناك حزم واضح محدَّد في كل حركة من حركات جسده والذي تناقض بشكلٍ لافت للنظر مع الطريقة اللامبالية المتكاسلة التي يتبعها معظم الأعضاء؛ رجل حازم يصعب إغضابه، حتى المرء الذي يعرف القليل عنه بإمكانه أن يستشفَّ طبيعته هذه.

سأل سترانلي: «ماذا تشرب؟»

«لا شيء، شكرًا لك. لقد مررتُ للتو بالنادي لتناول وجبة العشاء، وحيث إنَّني لديَّ بضع لحظات إضافية، سأستمتِع الآن بسيجار واحد؛ ثم يجب أن أعود إلى البنك.»

«ماذا، في هذه الساعة من المساء؟ اعتقدت أن البنوك تُغلق في الساعة الرابعة، أم أنها الثالثة؟»

قال كوربيت، باختصار، وهو يحمل عود ثقاب لسيجاره: «أتوقَّع أن أكون هناك طوال الليل.»

«أردت أن أطرح عليك بعض الأسئلة.»

«اسأل.»

«أنت تعلم أنني جاهل مثل الطفل بكل الأمور المتعلِّقة بالتمويل، العالي والمنخفض؟»

«نعم، أعرف ذلك.»

«ما سبب كل هذه الجلبة، كوربيت؟»

«أي جلبة؟»

«يا إلهي، الروايات التي قرأتها في الصحف المسائية، والصحف الصباحية أيضًا، في هذا الشأن. يقولون إن هناك حالةً من الذعر في المدينة. هل هذا صحيح؟»

ضحك المصرفي قليلًا؛ ضحكة خافتة جافة كئيبة.

وقال: «نعم، هناك حالة من الذعر.» وتابع: «آمُل ألا تَقضيَ عليك. قيل لي إنك كنت تشتغل في المدينة منذ فترةٍ بشكلٍ غير جدي. هل هذا صحيح؟»

«أوه، مجرد أعمال صغيرة، كوربيت، نيابةً عن بعض أصدقائي.»

«هل كنت تضارب مؤخرًا؟»

«أوه، لا. لا أمتلك الذكاء ولا المعرفة اللازمة للنجاح في المدينة.»

«الذكاء والمعرفة غير مرغوب فيهما الآن. المطلوب هو النقد. يُمكن لأكبرِ أحمقَ لديه نقود جاهزة تحقيق المزيد في هذه اللحظة أكثر من رجل حكيم يتمتَّع ببحر من المعرفة.»

قال سترانلي مبتسمًا: «إذن من الأفضل أن أتدخَّل في هذه الحالة من الاضطراب.»

«خذ نصيحتي، وتجنَّب الأمر. هناك مخاطر. أرى من خلال صحف الليلة أن كونراد شوارتزبرود قد انهار، وأخذ معه ستة أو سبعة رجال يُعتبَرون أكثر المُموِّلين حدة في المدينة. في الأوقات العادية، قد يُفترض أن مكانتهم لا تشوبها شائبة.»

«شوارتزبرود مُفلِس! إذن يجب أن يكون إفلاسًا احتياليًّا، بالتأكيد؟»

«لا، ليس كذلك. لقد خسر كل شيء. لم يكن لديه وقت للتحوُّط، أو بإمكانك أن تخمِّن أنه كان سيفعل ذلك.»

«كوربيت، ما سبب كل هذا؟ ألا يستطيع رجلٌ بذكائك القوي تبسيط الأمر مثل تبسيط الحروف الأبجدية لطفل صغير بمكانتي؟»

«السبب بسيط بما فيه الكفاية. إنها محاولة لفعل الشيء الصحيح بطريقةٍ خاطئة. السبب هو قانون احتياطي الذهب لبنك إنجلترا، الذي تمَّ إصداره في مايو الماضي، وسيدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير من العام المقبل. يُلزم هذا القانون بنك إنجلترا بالاحتفاظ باحتياطي قدره ١٠٠ مليون جنيه ذهب؛ حيث كان في السابق يحتفظ بحوالي ٣٠ مليونًا فقط. هل تفهم ما قلته حتى الآن؟»

«نعم، كوربيت، أفهم. في الواقع، أتذكَّر في شهر مايو الماضي أني التقطت عن طريق التلغراف اللاسلكي جزءًا من خطاب وزير المالية بشأن مشروع القانون هذا بالذات، لكنني لم أفهمه في ذلك الوقت، ولا أفهمه الآن.»

«حسنًا، الهدف الذي سعى القانون إلى تحقيقه هو الشيء الذي دافعت عنه طوال ١٠ سنوات ماضية، ولكن طريقة تحقيقه هي مثالٌ آخر على الحماقة المُتغطرِسة للديمقراطية التي تتدخَّل في علمٍ يتطلَّب سنوات من التدريب وعقولٍ من نوع خاص. تعتقد الديمقراطية أن الطريقة الصحيحة لعمل شيءٍ ما هي الطريقة المُتَّبعة في هدم أسوار أريحا. يضربون الطبول وينفخون في الأبواق ويخرجون في مسيرات. الآن، السمة المزعجة لهذه القضية هي أن وزير المالية كان يعلم في ذلك الوقت حماقة تصرُّفه، رغم أنه، بالطبع، لم يدرك الكارثةَ الهائلة التي كانت ستقع ليس فقط على بلده، ولكن على كل دول العالم الموسرة. كان ينبغي أن يصمد أمام ضغط أتباعه الجاهلين غير العقلانيين. وكان ينبغي أن يُرتِّب لمقابلةٍ مع مديري بنك إنجلترا؛ وكان يجب أن يُخبرَهم أن مشروع قانونٍ من هذا النوع لا مفرَّ منه إذا لم يُرتِّبوا الأمور في مؤسَّستهم بأنفسهم. كان ينبغي أن يرتِّب معهم بهدوء، دون أي دقات على الطبول، أو نفخ في الأبواق، حتى يجمع البنك الاحتياطي المطلوب ببطء. ثم كان ينبغي أن ينهض من مكانه في البرلمان، ويُعلن أن بنك إنجلترا لديه بالفعل المَبلغ من الذهب الذي يعتقِد جميع المُموِّلين الوقورين أنه ضروري إذا أردنا التخلُّص من هذا المعدَّل للفائدة البنكية المُتقلِّب إلى الأبد.

بالطبع، يقع اللوم أيضًا على بنك إنجلترا نفسه؛ كونه فرعًا من فروع الحكومة لجميع الأغراض العمَلية. كان يجب أن يطلب مقابلة، وأن يتوصَّل إلى بعض التفاهم قبل تمرير مشروع القانون ليُصبح قانونًا. كنتُ أتوقَّع أن اللوردات سوف يرفضونه، وربما اعتقدوا الأمر ذاته. ومع ذلك، فقد مرَّ بكلا المجلسَين، وحصل على الموافَقة الملكية، ثم وقع الضرر. هؤلاء الرجال الأذكياء في وول ستريت رأوا في الحال احتمالات الوضع، كما يفعلون مع كل التشريعات التي تنقصُها الخبرة. وظلَّ البنك صامتًا ومُتزنًا؛ ولم يعطِ أي كلمة حتى يومنا هذا، وبعد ذلك، في ساعةٍ متأخرة جدًّا، أظهر محنته برفع معدَّل الفائدة البنكية مرارًا وتكرارًا، على أمل أن يجذب هذا الأمر الذهب، في حين أن ذلك كان مجرَّد رفع إشارة استغاثة، وتعريف العالم كله بحقيقة أنه ينجرِف إلى شاطئٍ تهبُّ باتجاهه الرياح.»

«هل تقصد أن تقول، كوربيت، أن هناك احتمالًا أن يوقف بنك إنجلترا الدفع؟»

«لا، أنا لا أذهب إلى هذا الحد. هنا نأتي إلى العنصر الكوميدي للمأساة، والذي يُظهر الحماقة المسترسلة التي تمَّ بها صياغة مشاريع القوانين البرلمانية هذه. لا توجد عقوبة مُلحَقة بالقانون؛ إنه يأمر البنك فقط بتوفير مثل هذا الاحتياطي بحلول هذا التاريخ. ولكن إذا لم يفعل البنك ذلك، فلا يُمكن فرض غرامة، ولا يُمكن وضع المحافظ في السجن بسبب غطرسته. لو كنتُ محافظًا لبنك إنجلترا، لكنتُ ازدريت البرلمان، والقانون، ونقابة احتكار الذهب. يجب أن أقول إنه بمجرد أن يكون ذلك مناسبًا لي، سأجمع هذا الاحتياطي البالغ ١٠٠ مليون، لكن مثل هذا الإجراء كان مُستحيلًا في الوقت المحدَّد؛ لذلك يجب ألا أُحاول الامتثال للقانون في الوقت الحالي.»

«ماذا ستكون نتيجة مثل هذا التصريح من جانب المحافظ؟»

«لا أعلم. من المُحتمَل أن يكون له نتيجة مُهدِّئة؛ أو قد يزيد من حدة الذعر. بالطبع، عندما بدأ المحافظ يدرك أنه سيكون من الصعب الحصول على الذهب، كان ينبغي عليه أن يتوجَّه إلى البرلمان أثناء انعقاد الجلسة، وأن يحصُل على مشروع قانون إغاثة، بتأجيل الموعد، على سبيل المثال لعام آخر، ولكن، مثلما قلت، تمسَّك بكرامته؛ وتمسَّكت الحكومة بكرامتها، وجلبا خرابًا وكارثةً لا داعي لهما على البلاد.»

«أليس من المُمكن أن يحصل البنك على ٧٠ مليونًا إضافية بحلول الأول من يناير؟»

«لا أرى أيَّ احتمال لذلك، إلا إذا كانوا مُستعدِّين لدفع ٢٠٠ مليون لتسوية خلافات نقابة وول ستريت.»

«هل حصلت نقابة وول ستريت على الذهب؟ أعني العملة الفعلية؟»

«نعم، ولإظهار ثقتها، توجد الأموال بالفعل في خزائن هنا في لندن؛ لذلك يبدو أن النقابة لا تخشى أن تُصادر حكومتنا الذهب كما فعل كروجر قبل بدء حرب ترانسفال. أفهم أن النقابة أخطرت بنك إنجلترا أن سعر هذا المعدن سيرتفع ٢٠٠ ألف جنيه إسترليني يوميًّا حتى يقبل البنك مقترحاتها.»

«كوربيت، هل يجب أن يكون الذهب الذي يحتفظ به بنك إنجلترا احتياطيًّا في صورة قطع ذهبية فعلية، أم معدن خام؟»

«إما هذا أو ذاك.»

«لنَفترِض أنه في الأول من يناير أعلن محافظ بنك إنجلترا أن هناك ما قيمته ١٠٠ مليون جنيه من الذهب في خزائنه. ماذا سيكون التأثير على البلد؟»

«سترانلي، ينطوي هذا السؤال على أكثر مما تعتقد. لم أكن على يقين مطلقًا من أنك جاهل كما تتظاهر. سيُخبرُك معظم الرجال في المدينة أن مثل هذا الإعلان قد يخفِّف الأزمة على الفور، ولكن إذا لم يتم قول أي شيء حتى الأول من يناير، وتم إصدار الإعلان في ذلك الوقت، فأنا لست متأكدًا، ولكن الوضع سيكون كارثيًّا مثل حالة الذعر السابقة. سيكون مثل الإطلاق المفاجئ لزنبرك قوي ومضغوط، وأي شيء مفاجئ وقوي يمكن أن يعطِّل الآلات. أعتقد أن النتيجة الحتمية ستكون الارتفاع الفوري للأسهم إلى ما هو أكثر من قيمتها الفعلية. هذا، من ثمَّ، من شأنه أن يجلب الخراب لكثير من أولئك الذين لم يتأذَّوا من هبوط الأسهم. سيكون لدينا سوق مضطربة للغاية حتى تستقر الأمور وتعود إلى نصابها. والآن عليك أن تعذرني يا سترانلي. يجب أن أنصرف.»

ألقى المصرفي عقبَ سيجاره وخرج. ذهب اللورد سترانلي إلى إحدى الطاولات وكتب عدة رسائل. كان من بينها طلب لإجراء مقابلة في موعدٍ مبكِّر أرسلت إلى محافظ بنك إنجلترا. وفي رسالةٍ أخرى أمرٌ أُرسل إلى بيتر ماكيلر في كورنوال. ورسالة ثالثة ليَحظى بشرف الاجتماع بالسيد كونراد شوارتزبرود. ثم أخذ سترانلي تقويم السنة التي شارفت على الانتهاء، وحسب ببطء عدد الأيام المتبقية فيها.

قال في نفسه بعد أن أنهى العد: «أعتقد أنه سيكون هناك وقت كافٍ.»

بعد أربعة أيام من الدرس الذي تلقَّاه اللورد سترانلي حول الأزمة، خصَّص أول موعد له لمقابلة شوارتزبرود في مكتب الأعمال الصغير في منزل المدينة. صُدم الشاب من مظهر المموِّل المسن، وبقدْر ما كان يكرهه، لم يسعْه إلا أن يشعر بالأسف تجاهه. كان يبدو أكبر ﺑ ١٠ سنوات تقريبًا مما كان عليه عندما التقيا آخر مرة. كان وجهه شاحبًا، متعبًا، مرهقًا، وكتفاه منحنيتَين بسبب العبء المتزايد الذي ألقته عليهما المصيبة. السمة الوحيدة التي لم تتغيَّر هي عيناه، ومنهما كان يلمع بريقٌ خبيث لكراهية لا تُقهر.

بدأ شوارتزبرود الحديث: «تلقيت رسالتك من النادي.» وتابع: «وقد أتيت، كما ترى، ها قد أتيت. لا أخشى مقابلتك؛ أيها الواشي الأبله، الواثق من نفسه، لا يُمكنُك أن تسبِّب لي المزيد من الأذى. لقد فعلت أسوأ ما يُمكنك فعله، وإذا كنت قد دعوتني إلى هنا لتحتفل بانتصارك عليَّ، فأنا أمنحك هذه المتعة، وأعترف بحرية أنك سبب كل مصائبي.»

«أستمحيك عذرًا، سيد شوارتزبرود، لكنَّك مخطئ تمامًا فيما تقوله. يعود سبب محنتك إلى ما هو أبعد من أيِّ فعلٍ قمت به. كانت البداية في اليوم الذي قرَّرت فيه سحق آل ماكيلر. لقد ساعداك؛ الأب والابن. وكانا رجلَين بريئين وصادقين. كلٌّ منهما ساعدك بطريقته الخاصة في إمكانية الحصول على ثروةٍ غير محدودة تقريبًا. وهذا لم يُرضِك. وعقدت العزم على أن تأخذ منهما أجورهما المستحَقة، وأن تدفعهما إلى الحضيض معدمين. لقد حدث من خلال واحدة من نزوات القدْر تلك التي تُحافظ على إيماننا بالعدالة الأبدية، أنه في اليوم الذي توصلت فيه إلى هذا القرار كنت رجلًا محكومًا عليه بالفشل.»

«هذا ما دعوتني إلى هنا لتُخبرني إياه، حقًّا، أيها الكلب الذليل، أيها الجرو الحقير، يا مَن حققتَ ثرواتك من خلال سرقات أسلافك.»

«يبدو أن لغتك، سيد شوارتزبرود، قد تشوَّبت بسبب حالة الذعر الشديدة. لم أكن أنوي الإشارة إلى الماضي على الإطلاق. لقد حدَّدت موضوع محادثتنا في اللحظة التي دخلت فيها الغرفة، وأنا اتبعتك فقط، وسعيت جاهدًا لإزالة سوء الفهم من عقلك فيما يتعلَّق بالأسباب الأصلية للأشياء. لا، دعوتي لهذا المنزل كان لها هدفٌ آخر تمامًا. ولن أجهد سذاجتك بأن أطلب منك أن تُصدِّق أنه عندما سمعت قبل أربعة أيام أنك أفلست، أول ما بدَرَ إلى ذهني كان الشعور بندم بسيط. لا أحب أن أرى الناس يعانون.»

ضحك الرجل العجوز، مثل صرير مبرد على منشار.

«بالطبع أنا لا أطلب منك تصديق ذلك، ويجب أن آسف لمثل هذا الضغط على أي إيمان بالطبيعة البشرية قد تمتلكه؛ لذلك لا تقلق بشأن تصريحاتي، التي تَعتبرُها بلا شك غير معقولة. هل لديك أي أموال متبقية؟»

«لا شيء على الإطلاق.»

«ماذا عن زملائك الستة؛ هل نفدت كل أموالهم؟»

«حتى لو كان لديهم مال، فلن يأتمنوني على بنس واحد. أنت تتحدَّث عن إيماني بالطبيعة البشرية. حسنًا، لقد اختفى الإيمان بالطبيعة البشرية بداخلي. لقد بذلت قصارى جهدي من أجلهم، وخسرتُ كل نقطة في اللعبة، بالإضافة إلى أموالهم وأموالي.»

«حسنًا، سيد شوارتزبرود، يجب أن نردَّ اعتبارك. أمتلك ما أعتقد أنه أفضل سيارة حمراء في لندن، وسيكون سائقي بمثابة إضافة جيدة إلى فخامة موكب الإمبراطور. سأُعيرُك سائقًا وسيارة لبقية اليوم، وإذا قدتَ سيارتك في الشوارع حول البنك لبضع ساعات، فإنَّ أولئك الذين كانوا يُظهِرون ازدرائهم لك سيرفعون قبَّعاتهم بدلًا من ذلك.»

«أظن أنك تعتقد أن هذا مُضحك، لورد سترانلي. أنت ترغب في أن تعرضني في سيارتك مثلما كان يستعرض الرومان أسراهم في مركباتهم الحربية عند هزيمتهم. لا أعرف لماذا أتيتُ إلى هنا، لكني أحذِّرك من أنني لم أَحضُر لأتعرض للإهانة.»

«بالطبع لا. من غير المعقول أن تتخيَّل أنه من الممكن أن أهين رجلًا في منزلي. الآن استمع إليَّ. لقد طلب المصرفي الذي أتعامل معه خدمة ألا أسحب منه أي شيكات حتى ينتهي هذا الاضطراب. بالطبع، إذا سحبت شيكًا، فسيَقبله، لكنَّني أعطيته وعدي. تحت المقعد الخلفي لهذه السيارة، أخفيت ثماني سبائك من الذهب، وزن كلٍّ منها ١٠٠ رطل أو ما يقرب من ذلك، وتُقدَّر قيمتها بحوالي خمسة آلاف جنيه إسترليني. هذا يعني ٤٠ ألف جنيه بالضبط من السلعة التي تولول بها كل لندن في الوقت الحالي. لا أعرف بالضبط ما موقف المُفلس، وقد يكون من الممكن أن يأخذ الدائنون سبائك الذهب هذه إذا علموا أنك تَمتلكها؛ ومن ثم بادل باسمي إذا كنت ترغب في ذلك؛ بوصفك وكيلي. اذهب في هذه السيارة إلى البنك الذي تتعامل معه، واجعل الحمالين يحملون السبائك للداخل. هناك سوف يزنونه ويُقدِّرون قيمته، ويَمنحونك المبلغ المُستحَق للكمية. الآن، انتبه لي بشدة. اشترِ بقيمة تلك السبائك أسهُمًا تتمتَّع كما تعلم ببعض القيمة الحقيقية، ولكنها الآن أقل بكثير من مُستواها المُناسب. احتفظ بهذه الأسهم حتى الأول من يناير؛ حيث ستشهد بدايةَ أكبر انتعاش عرفته لندن على الإطلاق. أنصحك بالبيع في أقرب وقت بعد يوم رأس السنة الجديدة قدْر الإمكان؛ لأنه من المرجَّح أن تَرتفِع الأسهم بصورة جنونية إلى نقطةٍ أعلى مما قد تتمكَّن من الحفاظ عليه لاحقًا. يأتي هذا الذهب من منجمٍ كان في حَوزتِك من قبل، ويشعر عقلي الحقير غير الناضج السخيف بعدم الارتياح بسبب ديونك منذ فترة طويلة، وأنا الآن سعيد بفرصة السماح لك بالحصول على حصةٍ من ربح المنجم، إذا تفضلت بقبولها.»

سرعان ما اختفَت وحشية المُموِّل المُدمَّر عند ذكر الذهب، وحل مكانها طريقة التذلل القديمة، مع محاولة تملُّق للتخفيف من قسوة تصريحاته السابقة، وهو تغيير في الأسلوب جعل الشاب يبتعِد عنه قليلًا، ويُنهي المقابلة على عجل.

«لا تقلق، سيد شوارتزبرود. الكلمات لا تكسر العظام، ما لم تتسبَّب في دفع مُتلقِّيها لقائلها إلى أسفل درج شديد الانحدار. السيارة في انتظارك عند الباب. يعتقد السائق أن المعدن الموجود أسفل المقعد نحاس. سيُخبرك المصرفي الذي تتعامل معه أنه ذهب؛ لذا حافظ عليه حتى يصبح في حوزته بأمان. حسنًا، حسنًا، لا تَشكُرني، أتوسَّل إليك. أؤكد لك أنني لا أسعى للامتنان، لكني لا أملك الكثير من الوقت اليوم. في غضون نصف ساعة سألتقي بمحافظ بنك إنجلترا؛ لذا يجب أن أودعك.»

«ألن تأتي معي، إذن، في سيارتك الخاصة، أيها اللورد؟»

«شكرًا لك، لا. أعتقد أنه من الأفضل أن تتمَّ رؤيتك بمفردك في السيارة إذا كانت هناك شائعات بشأن مكانتك في المدينة. وإذا سألك أحد عن تكلفة السيارة، يُمكنك إخباره بأن سعرها هو ٢٠٠٠ جنيه صافيًا. سوف ترحل بالسيارة، وسأستقلُّ أنا قطار الأنفاق، كوني شخصًا ديمقراطيًّا. طاب يومك، سيد شوارتزبرود، طاب يومك.»

بذلك نزل اللورد سترانلي في المصعد الضخم في قطار الأنفاق، وفي الوقت المناسب خرج لضوء النهار عند بنك إنجلترا. ووصل إلى غرفة الانتظار قبل دقائق قليلة من موعده، وفي الوقت المحدَّد بالضبط تم استدعاؤه، وإرشاده للدخول؛ لأن الالتزام بالمواعيد من كياسة الملوك ومحافظي بنك إنجلترا.

إن الأسلوب الصارم، شبه المتسلِّط لهذا المتحكم في الأمور المالية أربك الشاب، وجعله يشعر كأنه دودة غبار غير مُجدية مثلما أشار إليه شوارتزبرود. استاء سترانلي، الذي كان دائمًا شديد التأدُّب مع المتسول أكثر من معاملته للملك، من الإحساس بالدونية الذي أصابه عندما واجهه حاكم البنك البغيض. قال لنفسه:

«يا إلهي، هل من الممكن إذا التقيتُ برجلٍ كبير بما فيه الكفاية أن أتذلَّل داخل روحي كما يفعل شوارتزبرود بجسده؟»

ومع ذلك، فإن هذا التردُّد الطفيف في الكلام الذي كان غالبًا ما يُزعجه في اللحظات الحرجة سيطر عليه الآن، وكراهيته لأي محاولة لكسب احترام الرجل الحديدي أمامه أرسلته للاتجاه الآخر، وكان يعلم أنه خلال العشر دقائق القادمة سيُعتبَر أكثر شخص أحمق ويائس في لندن. ومع ذلك، لم يعتبر نفسه أحمق، وقد منَعَه حسُّه الفكاهي الخفي من القيام بأي محاولة لإضفاء الحكمة على محادثته التي بدت مناسبة جدًّا لهذه الغرفة الكئيبة.

عندما قدَّم سكرتير المحافظ رسالة اللورد سترانلي إليه، رفض رئيس البنك بشكلٍ قاطع إضاعة الوقت مع عضوٍ من الطبقة الأرستقراطية لا يعرف شيئًا عنه، ولكن السكرتير، الذي كان من اختصاصه معرفة كل شيء، ألقى كلمة واحدة في عبارة قصيرة جذبت انتباه المحافظ.

«إنه اللورد سترانلي «الغني»، سيدي.»

كانت كلمة «غني» هي القشة التي تمسَّك بها الرجل الغارق. ها هو ذا سترانلي الذي يُمثِّل التناقض الحي لتلك العبارة «آخر المتأنقين». ها هو ذا تجسيد روح بيكاديللي وبوند ستريت في مواجهة ديكتاتور شارع ثريدنيدل القاسي غير المُهتم بملابسه، تقطيبة على الحاجبين الكثيفين لرجل، يقابلها ابتسامةٌ سخيفة تافهة على شفاه الآخر. عند رؤية هذه الابتسامة، رأى المحافظ على الفور أن فكرته الأولى كانت صحيحة. كان يجب ألا يُضيِّع لحظة في هذه التفاهة، ومع ذلك كانت أمامه المهمَّة الشاقة المتمثِّلة في تزويد المؤسسة التي يترأسها بما قيمته ٧٠ مليون جنيه إسترليني من الذهب في غضون خمسة أيام، أو الوقوف بخزي أمام العالم. كان اليأس يخنق الأمل المُنقضي لأنه أدرك أن هذا الأبله الذي يتكلَّف الابتسام لا يمكن أن يكون الحل لهذه المشكلة المستعصية؛ ربما تعطي هيئته القوية انطباعًا جيدًا، لكن تلك الابتسامة المتكلَّفة أفقدته مصداقيته.

قال بصوتٍ عالٍ، منفعلًا، بلا صبر، وبسرعة: «ماذا يُمكنني أن أفعل لك أيها اللورد؟»

ضحك سترانلي متهكمًا: «حسنًا، سيدي، هناك … هناك العديد من الأشياء التي يُمكنك القيام بها من أجلي. في … في المقام الأول لا تمانع في جلوسي، أليس كذلك؟ يبدو لي أنني أستطيع التحدُّث بشكلٍ أفضل عند الجلوس. لم … لم أتمكَّن حقًّا من إلقاء خطاب في حياتي، حتى بعد العشاء، لمجرد أنه يتعيَّن على المرء أن يقف، هل تفهم قصدي؟»

«آمل، أيها اللورد، ألا تعتقد أنه من الضروري إلقاء خطاب هنا.»

«لا، لا، لقد تمنَّيت فقط حديثًا هادئًا»، قال اللورد ذلك، وهو يسحب كرسيًّا دون دعوة، ليجلس. وتابع: «كما ترى، أنا لست جيدًا في الحسابات، ولديَّ معرفة قليلة جدًّا بالأعمال التي أمتلكها؛ لذلك أنا مُضطرٌّ لإشراك ١٢ رجلًا محترفًا لرعاية أموري.»

قال المحافظ بغضب: «نعم، نعم، نعم، نعم.»

«حسنًا، كما ترى، أيها المحافظ، أتصرُّف بين الحين والآخر دون طلب أي نصيحة من هؤلاء الرجال. يبدو أمرًا سخيفًا نوعًا ما، ألا تعتقد ذلك؟ الاحتفاظ ﺑ ١٢ محاميًا، والقيام بالأمور بنفسي، أليس كذلك؟»

«بلى. ما علاقة كل ذلك ببنك إنجلترا؟»

«سأصل إلى ذلك. كما ترى، نحن جميعًا مُشبَعون بالشعور بالاحترام للبنك كما نشعر تجاه الكنيسة، والبحرية، والملِك، وأحيانًا الحكومة، ولكن هذا ليس دائمًا، على سبيل المثال، عندما يُصدرون قوانين سخيفة حول احتياطي الذهب الخاص بك، بدلًا من المجيء إليك بطريقة ودية، كما أفعل، وتسوية الأمر بهدوء.»

«أنا أتَّفق معك تمامًا، أيها اللورد، لكن وقتي محدود للغاية، وأنا مُضطرٌّ …»

«بالطبع، يا سيدي، بالطبع. هذه الأفكار ليست خاصة بي على الإطلاق. لم أكن أعرف الكثير عن الأزمة حتى قبل أربعة أو خمسة أيام عندما كان السيد كوربيت … ألكسندر كوربيت، كما تعلم، من بنك سيلوين. ربما تعرفه؟»

«أنا أعرف السيد كوربيت — نعم.»

«حسنًا، هذه هي آراؤه، وأنا أتفق معه، كما تعلم.»

اعترف المحافظ: «السيد كوربيت خبير في الأمور المالية»، وكأنه بدلًا من مدح الرجل الغائب، كان يدينه.

«الآن، ما يزعجني بشأن الذهب هو هذا. تزن القطعة الذهبية ١٢٣ حبة، كسرًا عشريًّا — حسنًا، لقد نسيت الأرقام العشرية، لكن ربما تعرف عنها الكثير. لا أستطيع أن أتذكَّر أبدًا — لأخبرك الحقيقة، في اللحظة التي أصل فيها إلى الكسور العشرية، أضيع. يُمكنني معرفة أن اثنين واثنين أربعة، لكن أكثر من ذلك …»

قاطعه المحافظ: «أؤكد لك أيها اللورد، أن عددًا كبيرًا من الناس لا يستطيعون تجاوز هذا الحد. إذا تفضلت، وتكرمت، بإخباري بما تريده بالضبط، فسوف أضمن أن تكون إجابتك موجزة وسريعة.»

«حسنًا. للوصول مباشرة إلى صميم الأعمال، إذن، هل لديك ١٢ أوقية للجنيه الذهب، أم ١٦؟»

كانت أصابع المحافظ تنقر على السطح الصلب للطاولة. نظر إلى ضيفه، لكنه لم يقُل شيئًا.

«عندما أتورَّط مع الكسور العشرية أو الكسور الاعتيادية، فهذا سيئ بما فيه الكفاية، ولكن عندما لا أعرف ما إذا كانت الجنيهات التي أتعامل معها ١٢ أوقية أم ١٦، فإن السهولة تصبح نوعًا ما ميئوسًا منها — آه، أرى أنك في عجلةٍ من أمرك. أخبرني الآن كم ستكون قيمة سبيكة ذهب تزن ١٠٠ رطل، وسنَصرف الذهن عن الوزن الترويسي والوزن الأفواردوبوي. فقط أعطني تقديرًا تقريبيًا.»

قال المحافظ بهدوء مشئوم: «لورد سترانلي، هل أتيتَ إلى هنا ولديك انطباع أن بنك إنجلترا هو مدرسة أطفال؟»

احمرَّ وجه اللورد سترانلي خجلًا بلونٍ وردي رقيق، حتى أصبحت وجنتاه ناعمتين وقرمزيتين مثل فتاة تتلقَّى أول عرض زواج لها. كان ازدراء الرجل أمامه غير مخفيٍّ لدرجةِ أن سترانلي المسكين اعتقد، وهو يغلق يده المفتوحة، أنه قد يشعر به، كثيفًا جدًّا في الهواء. لقد انغمس بيأس في مسارٍ آخر.

وقال متلعثمًا: «عزيزي المحافظ»، محاولًا استرضاء خصمه من خلال الأُلفة الودية، «كما أخبرتك، إنني أُكنُّ احترامًا كبيرًا لبنك إنجلترا. كما ترى، أنا ميسور الحال إلى حدٍّ ما، وخلال اليوم أو اليومين الأخيرين، راهنتُ بتهوُّر، واستثمرت في الأسهم والسندات بكل الأصول المتاحة التي أمتلكها باستثناء واحد. وقد درست هذا الأمر …»

قال المحافظ: «أوه، درست هذا الأمر.»

«نعم، حسبما استطعت، وأعتقد أنه بعد الأول من يناير، ستشهد لندن أكبر انتعاش في الأسهم والسندات حدث في تاريخ التمويل.»

«ما أسبابك لمثل هذا الاعتقاد أيها اللورد؟»

«الاحترام — الاحترام الذي أُكنُّه لبنك إنجلترا. نريد أن نرى بنك إنجلترا يتحسَّن ويعود لما اعتدنا عليه. إنه لأمر مُهين أن تعتقد أن مدَّعيًا مثل وول ستريت سيكون قادرًا على خداع مؤسسة جليلة مثل هذه. يا إلهي، يبدو الأمر كما لو أن شخصًا ما تحدَّث بقلَّة احترام عن جدة المرء. أريد أن أرى البنك يتحسَّن، ولهذا أنا هنا.»

قفز المحافظ من مكانه. نهض مثل تمثال الغضب.

«أيها اللورد، هذه المقابلة يجب أن تنتهي. لا يستطيع بنك إنجلترا مساعدتك في المضاربات الخاصة بك. كان يجب أن تستشير ألكسندر كوربيت إذا كنت ترغب في الحصول على مبلغٍ إضافي من المال، إذا كان هو المصرفي الذي تتعامل معه.»

نهض سترانلي عندما رأى المحافظ واقفًا على قدميه.

«لقد فعلت ذلك.»

«إذن من الأفضل أن تعود إليه. بالتأكيد لم ينصحك برؤيتي؟»

«لا، لكن ما قاله لي عن الموقف جعلني أشعر بالرغبة في مقابلتك.»

«هذا صحيح. حسنًا، لورد سترانلي، لقد قابلتني. أتمنَّى لك يومًا طيبًا يا سيدي.»

ازداد احمرار وجه سترانلي بسبب ما اعتبره طردًا وقحًا. لم يكن معتادًا على أن يُعامل بهذه الطريقة. أرجع كتفيه للوراء، وتركت الابتسامة شفتيه.

قال، بشكل صارم تقريبًا كما تكلم الآخر: «إذن أنت لا تُريد الذهب؟»

«أي ذهب؟»

«ذهبي.»

«اعتقدت أنك قلت إن جميع أصولك قد تمَّ استثمارها في شراء الأسهم.»

«قلت يا سيدي كلَّ ما عندي من أصولٍ ما عدا واحدًا. الأصل الوحيد المتبقي هو الذهب.»

«ذهب؟»

«نعم.»

«في أي صورة؟»

«في صورة سبائك.»

«كم لديك من الذهب؟ ما قيمته؟»

«الآن، أيها المحافظ، سأقولُها لك صراحة، كرجل لآخر، أنت غير منطقي بعض الشيء. ألم أخبرك أني ما لم أتمكَّن من ضرب ١٢٣ كسرًا عشريًّا — أيًّا كان الرقم النهائي — فلن أستطيع حتى تقديره؟ طلبت — وآمُل أن أكون قد طلبت بلطف — مساعدتك في حساب قيمة ذهبي، لكنك بدأت تتحدَّث عن مدارس الأطفال. كما ترى، لديَّ منجم في كورنوال يحتوي على ٢٠٠٠ طن من الذهب.»

قاطعه المحافظ بنفاد صبر: «هُراء»، وتابع: «لا توجد مناجم ذهب في كورنوال.»

«سيدي، لم أقل إن هناك مناجمَ ذهب. المنجم الذي أتحدَّث عنه هو منجم نحاس.»

«لقد سئمت من هذا الخداع، أيها اللورد، وأعتقد أنني ودعتك بالفعل.»

«إذن أنت لا تريد ذهبي؟»

«كم جنيهًا من الذهب الخام لديك؟»

«جنيهًا؟ أوه، أنا لا أُقدِّر ذهبي بالجنيهات. أحمل حاليًّا ما يزيد عن ٢٠٠٠ طن.»

«٢٠٠٠ طن! هل تقصد في صورة معدن خام؟»

«بالطبع لا. إذا لم يكن بنك إنجلترا مدرسة أطفال، أظن أنه ليس فرنًا للصهر أيضًا. هذا الذهب، كما أخبرتك، قد صُهر وتحوَّل إلى سبائك. لقد جئت في قطار الأنفاق لأحافظ على موعدي لأنني أعرت سيارتي الرئيسية لرجلٍ يُدعى كونراد شوارتزبرود. أرى سيارتي واقفة بالخارج، وبما إنني أعطيت شوارتزبرود ثماني سبائك من هذا المعدن، وأخبرته أن يأخذها إلى بنكه، يبدو أنه قد أخذها إلى هذا البنك؛ لذلك إذا كانت مدرسة البنات هذه قد اشترت هذه السبائك الثماني، قد نذهب في الحال ونفحصها. تم تقسيم الألفَي طن الخاصة بي إلى سبائك مشابهة لتلك التي باعك إياها شوارتزبرود.»

«أين الذهب الخاص بك؟»

«لا يزال هناك ١٠٠٠ طن منه في كورنوال، ولكن يُمكن تسليمه هنا في غضون يوم أو يومين. أما الألف طن الأخرى فهي على متن قطار خاص من السكك الحديدية الغربية العظمى، والذي وصل بالفعل إلى لندن، وقد تكون محتوياته في خزائنك هذا المساء إذا أسرعت شاحناتك.»

جلس المحافظ على كرسيه بعجالةٍ أكبرَ مما توقَّع، وسحب منديلًا ومسح جبينه.

«هل تقول الحقيقة، أم هل — هل — ما تقوله، أيها اللورد، لا يُصدَّق.»

«حسنًا، تعالَ إلى مستودع بضائع السكك الحديدية الغربية العظمى، وانظر بنفسك. لطالَما تجنبت المدينة بوصفها مكانًا ساخرًا، لكن لم يكن لديَّ أيُّ فكرة أن عدم الإيمان كان منتشرًا جدًّا هناك كما يبدو.»

«١٠٠٠ طن من الذهب! بقيمة ١١٠ ملايين جنيه إسترليني!»

«ها قد رأيت مدى سهولة الحساب عندما يتعامَل معه رجلٌ خبير بالأرقام. هل هذه قيمة الألف طن الخاصة بي؟»

«من أين أتى هذا الذهب؟»

«من ساحل غرب أفريقيا؛ منجم فوق الأرض قيِّم للغاية أملكه هناك. لقد عملنا معظم العام في نقل الخام إلى كورنوال وصهره، وإلقاء السبائك في منجم نحاس فارغ أملكُه، والذي أسميه قبو الودائع الآمن الخاص بي.»

«كم تطلب مقابل هذا الذهب؟»

«أوه، أنا لا أطلب أي شيء على الإطلاق. أنا لست رجل أعمال، كما أخبرتك. لقد تبيَّن لي أن الذهب سيكون آمنًا تمامًا في خزائنك كما هو الحال في منجم النحاس الخاص بي؛ لذلك استخدمت قطارًا خاصًّا لإحضار نصفه. يمكنك الحصول على النصف الآخر إذا كنت ترغب في ذلك.»

«أيها اللورد، هل ستُرافقني في سيارتي إلى مستودع بضائع السكك الحديدية الغربية العظمى، وتريني قطارك الخاص؟»

«أيها المحافظ، يسعدني ذلك.»

بعد بضعة أيام، جلس اللورد سترانلي أمام فطوره الشهي، وابتسم وهو يقرأ المقال الرئيسي في صحيفة «التايمز»:

كما يعلم قراؤنا، لم ننضم إلى احتجاجِ الصحافة المُثيرة التي فعلت الكثير لتضليل الرأي العام في كلٍّ من إنجلترا وأمريكا. لم يهتزَّ أبدًا للحظة واحدة، خلال كل الاضطرابات، إيمانُنا بأعظم مؤسسة مالية وأكثرها احترامًا، بنك إنجلترا. في الرابع عشر من أكتوبر أشرنا إلى استحالة احتكار الذهب مهما كانت قوة النقابة المالية التي تولَّت أعمال سيزيف المخادِعة الجشعة. كم من الوقت ظلَّ هذا الكنز، الذي تُضاهي قيمته بعض القصص في «ألف ليلة وليلة»، في خزائن البنك، لا أحد يستطيع معرفة ذلك غير المحافظ وهؤلاء الذين يثق فيهم. بينما كان يسود البلاد تنبؤات بفشل البنك في الامتثال لقانونٍ جديد وعبثي، كان المسئولون عن توجيه مؤسستنا المالية الرائدة بهدوء وصمتٍ قد جمعوا معًا مَبلغًا لا يكاد يُتصوَّر تصل قيمتُه إلى ٣٠٠ مليون جنيه إسترليني من الذهب البكر. تلك الصحف التي تصدَّرت المَوقِف على مدى الأشهر الأربعة الماضية في تضليل قرائها، وإحداث أزمة في البلاد، تَدين الآن بمُنتهى الصخب محافظ البنك لأنه لم يتحدَّث مُبكرًا. ولكن إذا تعهَّد محافظ البنك بالرد على التصريحات الخبيثة أو الجاهلة المتعلِّقة بالمؤسسة التي يترأَّسُها بجدارة، فلن يتبقَّى أمامه سوى القليل من الوقت لأداء تلك الوظائف التي أنجزها ببراعة. فأولئك الذين يؤمنون ببلدهم يُكافئون. والارتفاعات التي تكاد تكون غير مسبوقة التي بلغتها الأسهم والسندات تعني إثراء كل مُستثمر لم ينجرف في حالةِ ذعرٍ لا معنَى لها. وبالنسبة لأنفسنا، لم نَحُد أبدًا في السراء والضراء عن …

ضحك اللورد سترانلي.

وقال: «ها هي ذي «التايمز» التي اعتدتُ عليها، كم أنت حكيمة! مثل جدة تناسب رفقة بنك إنجلترا العجوز في شارع ثريدنيدل!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤