الفصل الثالث

مهمة اليخت «ذات الرداء الأبيض»

كانت غرفة الإفطار في منزل المدينة الخاص بلورد سترانلي هي أكثر الغرف بهجة، والشاب الذي دخلها جلس لتناول وجبة طعام سخية وعالية الجودة. لم يكن مُمكنًا جعل التجهيزات أفضلَ مما كانت عليه؛ فالمفارش الناصعة، وأدوات المائدة الفضية المصقولة، والأكواب البراقة، والخزف الرقيق، شكَّلت صورةً لطيفة للطاولة، معززة بكومة من الفاكهة اللذيذة، واللفائف الصغيرة من الزبدة الذهبية الباردة، ولفائف الخبز الهلالية البيضاء الهشة، والخبز المحمَّص البُني، في حين أن رائحة القهوة الرائعة القادمة من الوعاء الفضي فوق فرن كهربائي صغير كانت كافية لتحفيز شوق شخص مُنغمِس في الملذات. وربما يكون من المؤسف أن المصداقية تلزم تسجيل حقيقة أن الشخص المُتكاسِل الذي وجد نفسه في مواجهة الأطعمة الشهية في موسمها وخارجه كان جائعًا من الأساس، فالبعض منَّا يتذمَّرُ من أنه أُعطيَ ذلك، وهو ما يبدو غير عادل، ويبدو أن الإنسان يشعر بالارتياح لمعرفةِ أن جون دي روكفلر، أغنَى رجل في العالم، مُضطرٌّ لتناول كوب من الحليب المخفَّف على الإفطار. ولكن من المؤسف أو غير المؤسف أن اللورد سترانلي من ويتشوود كان يستعدُّ لإعطاء هذه الوجبة المميزة حقَّها بالكامل عندما قال له خادمه، بصوتٍ خافت، هامس مُراعٍ:

«لقد حضر السيد بيتر ماكيلر، أيها اللورد، ويُصرُّ على رؤيتك على الفور. ويقول إنها مسألة ذاتُ أهمية قصوى.»

هتف اللورد: «أوه، يا إلهي! كم يُرهقني هؤلاء الناس الجادُّون ذوو الضمير الحي. كأن أي شيء يُمكن أن يكون ذا أهمية في هذه الساعة باستثناء الإفطار! حسنًا، أظنُّ أنه لا مفرَّ من ذلك: أدخِله.»

أطلق تنهيدةً عميقة وتمتَمَ لنفسه:

«هذا ما نَجنيه من التدخُّل في شئون المدينة.» دخل ماكيلر الشاب القوي، وبدا أن وجوده يبعث في الغرفة اللطيفة الشعورَ بالخزي؛ حيث تسبَّبت قوَّته الكئيبة في ظهورِ ما يحيط به وكأنه «سطحي» وباهظ الثمن بلا داعٍ. لقد كان غيرَ مُهندَم أكثرَ من المعتاد، كما لو كان جالسًا طوال الليل في مخزن الباخرة المتجولة التي اختطفته. اعتلى عبوس عميق جبينه، وزاد من تعبير القوة الفظة التي كانت تشعُّ من وجهه الحازم.

«آه، ماكيلر، صباح الخير»، قال اللورد بتكاسل، وهو ينظُر إلى الشاب بقلق. «أنا سعيد برؤيتك، لقد أتيت في الوقت المناسب أيضًا. ألن تَجلس وتتناول الإفطارَ معي!»

قال ماكيلر: «شكرًا لك»، بنبرةٍ قوية أثَّرت على اللورد. «لقد تناولت الإفطار منذ ساعتين ونصف.»

«حقًّا؟ حسنًا، فلتُسمِّه غداءً، ولتسحب مقعدًا.»

«لا، أنا لم أَحضُر لتناول الطعام، ولكن لمناقشة الأمور التجارية.»

«أنا آسف على هذا. فذِهني ليس صافيًا تمامًا للتفكير بشأن الأمور التجارية في أي ساعة من اليوم، لكنني غبيٌّ لا سيما في الصباح. تفضَّل خوخة؛ ستجدها جيدة للغاية.»

«لا شكرًا.»

«إذن تفضَّل سيجارة!»

رفع اللورد الغطاء الثقيل لصندوقٍ من الفضة مُغطًّى بالزخارف، وبه عدد من اللفائف الورقية، ودفعه نحو زائره.

«إنها توليفة صُنعت لي في القاهرة، لكن ربما تُفضِّل المصنوعة في فيرجينيا؟»

قال ماكيلر وهو يختار سيجارة: «ليس لديَّ خيار في هذا الشأن.»

التقط كبيرُ الخدم ولاعةً كهربائية وأشعلها، وقرَّبها من المهندس الشاب، الذي سحب نفسًا، وأخرج نفحة من الدخان الطيب الرائحة.

«اجلس يا ماكيلر!»

«شكرًا، لا؛ أنا في عجلة من أمري. الوقت ذو قيمة كبيرة الآن.»

«على الرغم من أنني غبيٌّ جدًّا في الصباح، كما أخبرتك، إلا أنني خمَّنت أنك في عجلة من أمرك منذ اللحظة التي دخلت فيها. لمن تعمل، سيد ماكيلر؟»

«أعمل؟ ماذا تقصد بذلك؟»

«مَن هو صاحب العمل الخاص بك، أم أن لك أعمالك المستقلة؟»

«يا إلهي، أيها اللورد، لقد فهمتَ أنني أعمل لصالحك.»

«في هذه الحالة لماذا لا تجلس عندما أطلب منك ذلك؟» سأل اللورد بضحكة طفيفة.

سقط بيتر ماكيلر على أحد الكراسي فجأةً لدرجةِ أن ضحكة رئيسِه أصبحت أكثرَ وضوحًا.

«أترى يا بيتر، إنها قاعدة في هذا العالم أنَّ من يدفع المال، يتَّخذ القرارات. أنت تقول إنك على عجلةٍ من أمرك، وأنا أصرُّ على أخذ الأمور برويَّة. ما رأيك في تلك السجائر؟»

«إنها مُمتازة أيها اللورد.»

«إنها مُذهلة، على ما أعتقد. أنت لا تُمانع في استمراري في تناول الإفطار، وأنا متأكد من أنك ستعذرني إذا فشلت في اعتبار هذه الطاولة بمثابة طاولة غداء سريع. أعتقد أن ثباتَنا كأمَّةٍ يعتمد إلى حدٍّ كبير على بُطئنا في تناول الوجبات.»

«ربما. ومع ذلك، يجب ألا يمتدَّ هذا البطء إلى كلِّ وظيفة من وظائف الحياة»، أجاب بيتر بشدة.

«حقًّا تعتقد ذلك؟ حسنًا، ربما أنت على حق، على الرغم من أنني يجب أن أعترف أنني لا أحب أن يستعجلني أحد، كما يقول المثل. فعقلي يعمل ببطء عندما يتكرَّم ويعمل بأي حال من الأحوال، وجسدي يتكيَّف مع حالتي العقلية. ويبدو أن لديك انطباعًا بأنَّ أعمالي في الوقت الحالي تحتاج إلى الحافز أكثرَ من القمع. هل أنا مُحقٌّ في هذا التخمين؟»

«أوه أيها اللورد، إذا كانت هناك صفقة في أيِّ وقتٍ حيث السرعة هي جوهر العقد، كما يقول المُحامون، فهذه هي الحالة الراهنة لمنطقة الذهب الخاصة بك.»

«أوه، أنا لا أرى ذلك، ماكيلر. لقد اشتريت منطقة تعدينية فلنَقُل بمبلغٍ قدره ٣٥ ألف جنيه. وتلقَّيت شيكًا بقيمة ٦٥ ألفًا من السيد شوارتزبرود الجدير بالاحترام وزملائه. وبذلك أكون قد حصلت على ما تقول إنه ملكية ثمينة مقابل لا شيء، ومُنحت مكافأةً قدرها ٣٠ ألف جنيه بالإضافة إلى الاستحواذ عليها. وسواء كان هناك أيُّ ذهب على الساحل الغربي لأفريقيا أم لا، فهناك بالتأكيد ٣٠ ألف قطعة ذهبية تحت تصرُّفي في البنك؛ قطع ذهبية لم أمتلكها بالأمس؛ لذا أعتقد أنني قد أبرمت الصفقة بطريقةٍ مُشرِّفة جدًّا بالنسبة لشخصٍ بطيء الفهم مثلي، وبعد مثل هذا المجهود العقلي المربح نوعًا ما يبدو لي أنني أستحقُّ الراحة، لكن ها أنت ذا تأتي، مفعمًا بالطاقة، وتقول فلنُسرِع. بحق السماء، لماذا؟ لقد أنهَيتُ الصفقة.»

صاح ماكيلر: «أنهيتَها؟» وتابع: «أنهيتها؟ يا إلهي، لقد بدأنا للتو. هل تَفهم أن الباخرة المتجولة «راجا»، وعلى متنها نحو ١٥٠ لصًّا مأجورًا، تتحرَّك بأسرع ما يُمكِن للبخار أن يدفعها في المياه، نحو منطقتك التعدينية، بقصد نهبها؟ هل تُدرِك أنني جهزت هذه الباخرة بنفسي بأحدث ماكينات التنقيب السطحي، والديناميت، والمؤن، وكل التسهيلات لتسريع سرقة حقول الذهب تلك، وأنك أعطيتَ ذلك القرصان شوارتزبرود وثيقةً تبرِّئه من كل المسئولية في المنطقة التعدينية؟»

«نعم، بيتر، أظن أن الأمور تُشبه إلى حدٍّ كبير ما تقوله، لكن نبرة صوتك تشير إلى أنني بطريقةٍ ما ملوم في هذه المسألة. أؤكد لك أن هذا ليس خطئي، بل خطأ الظروف. لذا لماذا القلق بشأن شيءٍ لستُ مسئولًا عنه على الإطلاق؟ أنت لا تلومني، آمُل ذلك؟»

«لا، أيها اللورد، ليس لديَّ الحقُّ في توجيه اللوم إليك مهما حدث.»

«أوه، لا تدع أيَّ مسألة تتعلَّق بالحق تَقمع سخطًا مشروعًا، يا ماكيلر. إذا كنت تعتقد أنني مذنب بالإهمال، فأرجوك عبِّر عن مشاعرك باستخدام أي مجموعة من الكلمات تجلب لك الراحة. لا تقلق بشأني. أنا معجب حقًّا باستخدام اللغة المقتضبة، على الرغم من أنني حُرمت شخصيًّا من ملَكة الاستنكار القاطع.»

«ألا تَنوي فعل أي شيء أيها اللورد؟»

«نعم، أعتزم الاستمتاع بوجبة الإفطار، وفي الحقيقة، إذا أدركت مدى حلاوة مذاق هذه القهوة، فسوف تَستسلِم لمناشداتي وتَستمتِع بكوبٍ واحد على الأقل.»

«ألا تَعتزِم مُقاضاة ذلك الوغد شوارتزبرود؟»

«مقاضاة؟ يا إلهي، لماذا؟»

«للخدعة التي لعبها عليك وعلى والدي. لقد حصَل على وثيقة البراءة منك بموجب ادعاءات كاذبة.»

«لا على الإطلاق، على الإطلاق. لقد وضعتُ بعض الشروط؛ وقد امتثل لها. ثم أعطيته وثيقة البراءة، كما تُسميها، وهنا انتهى الأمر. لو كنت أتمتَّع ببُعد النظر، لكنت اكتشفت أن شوارتزبرود الذكي جعل الباخرة «راجا» تُبحر وأنت مسجون في مخزنها. لكن شوارتزبرود لا يقع عليه اللوم لأنَّني لا أملك حدة الإدراك، أليس كذلك؟»

«ألن تفعل شيئًا، إذن؟»

«بُني العزيز، لا يوجد شيء أفعله.»

«ألا تنوي منع هؤلاء القراصنة من التنقيب عن الذهب الخاص بك، والصعود به على متن باخرة «راجا»؟»

«بالتأكيد لا، لماذا يجب عليَّ أن أفعل ذلك؟»

«ولن تُعطي معلومات للسلطات؟»

«بالطبع لا. لدى السلطات الآن معلوماتٌ أكثر مما يمكنها استخدامها.»

«إذن ألن تخبر الشرطة حتى؟»

«الشرطة قوة بريَّة: لا يُمكنهم ركوب زورق ومطاردة الباخرة «راجا»، وإذا تمكَّنوا من ذلك فلن يقدروا على اللَّحاق بها؛ لذا فما الفائدة من طلب المستحيل من شرطة سكوتلانديارد أو وزارة الخارجية؟»

«ليس لديك نية، إذن، للتعرُّض لعصابة لصوص الذهب هذه؟»

«أوه، لا.»

«هل ستتقبَّل الموقف وأنت مُستلقٍ؟»

«لا، وأنا جالس»، وبهذه الجملة دفع اللورد كرسيَّه إلى الوراء، ووضَع ساقه اليُمنى على ساقه اليُسرى، واختار سيجارة، وأشعلها.

«يسعدني، أيُّها اللورد، قيادة رحلة استكشافية، وتجهيز سفينة أخرى، واتباع الباخرة «راجا»، وإجبار هؤلاء الذين استولوا على الأراضي على إيقاف نَهبِهم لمنطقة تعدينية يملكها رجل آخر.»

«أنا لا أحب القوة، ماكيلر. لا أمانع في امتلاك قوة العمالقة، لكن يجب أن نتذكَّر أننا يجب ألا نستخدمها كالعمالقة.»

أراح اللورد سترانلي، بمُنتهى الرضا، ظهره إلى الخلف في كرسيِّه، ونفخ حلقات من دخان السجائر الشفاف باتجاه السقف. راقب بيتر ماكيلر، الذي أصبحت الكآبة على وجهِه أكثرَ قتامة، الشابَّ غيرَ المبالي أمامه والازدراء يعلو شفته، لكنَّه أدرك أنه إذا لم يكن بالإمكان إجبار اللورد على التحرُّك، فقد كان هو نفسه عاجزًا. وفي النهاية نهَضَ ببُطء واقفًا على قدمَيه، وهي أول حركة بطيئة يقوم بها منذ دخوله غرفة الإفطار.

«جيد جدًّا، أيها اللورد. إذن لن تَحتاجني بعد ذلك، وأرجو منك قبول استقالتي.»

قال اللورد بتكاسل: «أنا آسف، ولكن قبل أن تَترك خدمتي، أودُّ أن أتلقَّى رأيًا واحدًا مدروسًا منك.»

«ما مُشكلتك أيها اللورد؟»

«هذه هي مشكلتي، ماكيلر. أعتقد أن سيجارةَ ما بعد الإفطار هي أكثر سيجارة رائعة في اليوم. ويبدو أن الرجل الذي نام جيدًا، وتناول الإفطار بشكلٍ كافٍ، ينسجِم تمامًا مع الاستمتاع إلى أقصى حد بنفحات البخار الساحرة هذه. أودُّ أن أعرف ما إذا كنت تتفق معي.»

«أوه، اللعنة!» صاح ماكيلر، وهو يضرب بقبضتِه الضخمةِ الطاولةَ، مما جعل أطباق الإفطار تُصدِر صوتًا، وبهذه الكلمة والعمل المؤسفَين، أسرع الخطى نحو الباب. كان كبير الخدم واقفًا لدى الباب كما لو كان سيفتحه له، لكن اللورد أدار مِعصمَه قليلًا، عندئذٍ أغلق بونديربي الباب على الفور ووضع المفتاح في جيبه، واقفًا هناك صامتًا هادئًا كما لو أنه لم يسجُن للتوِّ مواطنًا بريطانيًّا حرًّا، وهو بالتأكيد أمرٌ ليس لديه أي حق قانوني للقيام به. هزَّ الأسير الغاضب الباب دون جدوى، ثم استدار، ووجهه يستشيط غضبًا. لم يُحرِّك اللورد ولا كبير الخدم ساكنًا.

قال اللورد بتكاسل: «سيد ماكيلر، لقد كنتَ تتحدَّث بشكلٍ ممتع أكثر، أعترف بذلك، حول مواضيع لا تُهمُّك على الإطلاق. الآن، ربما، ستستأنف واجبك.»

«واجبي؟ ما هو واجبي؟» تساءل المهندس بحدة.

«يا إلهي، كنتُ آمل ألا يكون من الضروري تذكيرك بذلك. أرسلتك إلى ساوثهامبتون لتَعتني بممتلكاتي؛ الباخرة «راجا»، التي استأجرتها، والآلات، والمؤن التي اشتريتها، وما إلى ذلك. ومن خلال إهمالك، أو لا مبالاتك، أو تقصيرك، أو تخلُّفِك عن أداء واجبك، أو كسلك، أو عدم انتباهك، أو أي صفة أخرى يعجبك أن تنسبها للظروف، سمحت لنفسك بأن يتمَّ خداعك مثل تلميذ صغير، وحصارك مثل الفأر، وتقييدك مثل كيسٍ لا حول له ولا قوة على حصانٍ لعددٍ غيرِ معلوم من الأميال، وقذفك مثل رِزْمة في قارب ربَّان، وهبوطك على الشاطئ مثل سمكة الحدوق. يُفترَض أن يكون الرجل الذي حدَث له كل هذا وقحًا ليَدخُل منزلي ويوبِّخني على الكسل. لذا كفَّ عن الوقوف هناك كصورةٍ منحوتةٍ وظهرك للباب، ولا تتجوَّل في الغرفة كما فعلتَ قبل دقيقة، مثل النَّمر في قفصِه في حديقة الحيوان، ولكن اجلس هنا مرة أخرى، وأشعل سيجارة أخرى، وضع ساقًا على الأخرى، وأعطِني، ببطء، حتى أتمكَّن من فهمه، تقريرًا رسميًّا عن مهمَّة ساوثهامبتون، والكارثة التي حدثت فيها. وسأكون سعيدًا بتلقِّي ودراسة أي عذرٍ قد تُقدِّمه لعدم كفاءتك المطلقة، وقد تبدأ بالاعتذار عن ضرب طاولتي بشدة، وهي لا دخل لها بشيء تمامًا، وعن الإساءة لأذني بالكلمات البذيئة التي سبقت ذلك الفعل.»

تقدَّم ماكيلر نحو الكرسي مرةً أخرى، وسقط عليه بقوة مثل المطرقة الثقيلة.

«أنت على حق. أعتذر، وأطلب منك العفو عما قاله لساني وفعلتْه قبضتي.»

لوَّح اللورد بيده بمرح.

وقال: «عفوتُ عنك.» وتابع: «أحيانًا أقول سحقًا، إذا جاز لي أن أقتبس من السير دبليو إس جيلبرت. واصل كلامك.»

«عندما صعدتُ على متن الباخرة «راجا»، لم يعترض القبطان ولا أيٌّ من ضباط الباخرة على استئنافي عمليةَ الإشراف على التحميل. كانت التجهيزات على رصيف الميناء، وفي أقل من ثلاثة أيام كانت كلها على متن السفينة، ومخزَّنة جيدًا. خلال هذا الوقت لم أرَ شيئًا يثير شكوكي نحو محاولةِ فعلِ أيِّ شيء مخادع. لقد أبلغتُ القبطان أنك الآن مُستأجِر الباخرة، وقد تلقى المعلومة بلا مبالاة واضحة؛ حيث قال شيئًا مفادُه أنه لا يُهمُّه مَن صاحب العمل ما دام أن ماله آمنٌ. آخر شيء تمَّ تحميله على متن الباخرة كان كميةً كبيرة من القماش لصُنع الخِيام، ومن حسن حظي أنني وضعت هذا عند الجزء السُّفلي لسلَّم المخزن. وكان العُمال جميعًا على سطح السفينة، وكنت ألقي نظرةً أخيرة حولي، وأتساءل عما إذا كان قد تمَّ نسيان أي شيء. ثم صعدت السُّلم، ودهشت لرؤية شوارتزبرود العجوز يقف هناك، ويتحدَّث إلى رجلٍ طويل القامة، داكن اللون، وقد تبيَّن لي، كما علمت فيما بعد، أنه قائد الرحلة. هذا الرجل، دون أن ينبس ببنت شفة، وضع قدمَه على صدري، ودفعني إلى الوراء نحو المخزن. بعد ذلك مباشرة تم احتجازي في الظلام. ومن خلال أصوات الركض على السطح فوقي، أدركت أن الباخرة كانت تستعد للانطلاق، وفي غضون ساعة سمعتُ صوتَ المحرِّكات والمروحة تعمل.

كنا بالليل ساعتها، وكنا نتحرَّك باتجاه البحر عبر بحر المانش عندما رُفع غطاء الباب الأرضي، ونزل الرجل الذي سجنني السَّلم بمفردِه، ومعه مصباح في يده، الأمر الذي جعلني أشعر بالشجاعة لمواجهته في ظل الظروف، لكن بعد ذلك أدركت أنه كان مسلَّحًا، ولم أكن كذلك؛ لذلك على كل حال لم يكن لديَّ فرصة كبيرة ضده. وضع المصباح على بالات القماش التي سقطت عليها، وبدأ، بلطفٍ زائف، الاعتذار عما فعله. كان يتحدَّث بهدوء شديد طوال الوقت، وأعجبني كشخص حازم وقادر. قال إنه إذا أعطيتُه كلمتي بعدم التحدُّث إلى أي شخص على متن السفينة، أو محاولة الهتاف لجذبِ انتباهِ أيِّ مركب عابر إذا اقترب منا، فسيسمح لي بالصعود على سطح السفينة، وسيرسلني إلى الشاطئ عندما يغادر الرُّبان السفينة.

سألته قائلًا: «وإذا رفضت أن أعطي كلمتي؟» فأجاب: «في هذه الحالة، سأزودك بالطعام والماء، وسأحملك إلى نهاية رحلتنا.»

سألته: «وأين ستكون نهايتها؟»

قال: «لا أعرف. لا علاقة لي بملاحة السفينة. أعتقد أننا نتَّجه إلى أحد الموانئ في أمريكا الجنوبية، لكن لا يُمكنني الجزم بذلك.»

أدركت أنه لا يُمكنني فعلُ أي شيء أثناء وجودي في المخزن، وعلى الرغم من أنني كنت أعرف جيدًا أنهم كانوا يتَّجهون إلى ساحل غرب أفريقيا، وليس إلى أمريكا الجنوبية، إلا أنني سأكون عاجزًا بنفس القدْر بمجرد وصولي إلى هناك. علاوةً على ذلك، كان من الأهمية بمكان أن أرسل لك ولأبي برقية. في الواقع، لقد اندهشتُ من أنهم، بعد أن خاطروا باحتجازي كما فعلوا، سيسمحون لي بالوصول إلى الشاطئ قريبًا، لكنني أظن أن شوارتزبرود العجوز الماكر كان يعلم أنه إذا بقيت في عِداد المفقودين لفترة طويلة، فسيكون هناك استنكار كبير في الصحف؛ لذلك اعتقد أنه من الآمن المخاطَرة بوضعي على الشاطئ؛ حيث قدَّر أنه لا يمكننا تجهيز باخرة أخرى والبدء في مطاردته في أقل من أسبوع على الأقل، وبهذه الأفضلية يمكن أن يكونوا قد سدوا قناة النهر، وأقاموا حصنًا أو اثنين، ليُقاومونا عندما نصل.»

قاطعه اللورد: «لكنَّهم إذا سدوا النهر، فإنهم سيَحبسون أنفسهم في الداخل، وكذلك سيمنعوننا من الوصول إليهم.»

قال المهندس: «ليس بالضرورة.» وتابع: «لديَّ سبب للاعتقاد بأنه قبل وصولي إلى ساوثهامبتون، تم تخزين عدد من الألغام العائمة في الجزء الأمامي من السفينة. أمكن زرع هذه الألغام عند مصبِّ النهر، والخريطة التي يحتفظ بها القبطان ستُمكنُه من شقِّ طريقِه بحذر في القناة بأمان، في حين أنَّ الملاح الذي لا يملِك هذه الحماية والدليل لديه ألف فرصة لتفجير سفينته.»

قال اللورد بإعجاب: «يا إلهي، يتمتَّع النقابيُّون السبعة بشجاعة قراصنة العصور القديمة. إنهم بالتأكيد معرَّضون بدرجةٍ كبيرة لخطر السجن مع الأشغال الشاقة مدى الحياة؟»

أجاب ماكيلر: «لستُ مُتأكدًا من ذلك أيها اللورد. فكما ترى، تقع هذه المنطقة في ولايةٍ يحكمها أمير. وقد سمح لهم زعيم القبيلة الحاكمة في تلك المنطقة بحرِّية التصرف. ولا يسري القانون البريطاني في تلك المنطقة، وأنا أشكُّ كثيرًا فيما إذا كانت الباخرة «راجا» ستدخل ميناءً بريطانيًّا مرةً أخرى. فكرتي هي أنهم سوف يقومون بتحميلها بالمعدن الخام، ويتَّجهون إلى نقطةٍ ما، ربما المستعمرات البرتغالية؛ حيث سيصهرون الخام، ويَبيعون السبائك، وفي شكل نقود معدنية لا يُمكن تعليمها، سيصل نتاجُ منجمِكَ إلى النقابة في لندن. الآن، أيها اللورد، تحدَّثت عن الإهمال والذنب وكل ذلك. ها هي ذي القصة، وإذا أمكنك أن تريني أين كنت مهملًا في مصالحك، فكلُّ ما يمكنني قوله هو أنَّ خطئي لم يكن مقصودًا.»

«حسنًا، كما ترى، ماكيلر، لقد كنتَ على دراية بشوارتزبرود العجوز، ولم أكن كذلك. ولم ألتقِ به حتى ذلك الوقت، ولم أكن أعرف شيئًا شخصيًّا عن النقابة، بينما أنت فعلت. أعتقد أنه كان يجب عليك وضعُ رجلٍ ثاقب النظر لمُراقَبة القطارات، ومعرفةِ ما إذا كان أيٌّ من هؤلاء الرجال قد جاء إلى ساوثهامبتون، أو ربما كان يجب أن تَنصحنا في لندن، وكان من الممكن أن نُراقِب السبعة المحصَّنين. كنت أتوقَّع حدوث خداع قانوني، ولكن ليس هذا النوع من الضربات الجريئة.»

«أجل، كان من الأفضل أن أراقبهم، لكن على الرغم من أنني كنتُ أعرف الرجال، لم يدفعني أي شيء في سلوكهم إلى الشك في حدوث خدعة كهذه. ومع ذلك، بما أنني لم أَعُد أعمل لصالحك، فلن تُعاني المزيد بسبب عدم كفاءتي.»

«أعتقد، ماكيلر، أنك يجب أن تُعطيَني إشعارًا قبلها بأسبوع، كما تعلم.»

«ممتاز. أنا أقدِّم استقالتي هذا الأسبوع.»

«أظن أنه لي الحق في الحصول على شهر. كم يجب عليَّ أن أدفع لك إذا فصلتُك؟»

«راتب ستة أشهر، على ما أَعتقِد، هو المبلغ القانوني.»

«حسنًا، إذن، لماذا لا تُعطيني إشعارًا قبلها بنصف عام؟»

«أعتقد أنك تَستحِق ذلك، أيها اللورد.»

«حسنًا هذا مُناسب. بعد نصف عام من الآن نتصافح ويودِّع كلٌّ منا الآخر. والكثير يُمكن أن يحدث في ٢٦ أسبوعًا، كما تعلم.»

«ليس إذا كنتَ تنوي عدم القيام بشيء، لورد سترانلي.»

«ماكيلر، قد لا تكون جميلًا، لكنَّكَ مَرِح دائمًا. ومع ذلك، هناك صفةٌ واحدة لا أحبها فيك. ربما تكون حساسية مُفرِطة من جانبي، لكن يبدو لي أحيانًا أنك تَعتقِد أنني أفتقر إلى الطاقة. آمُلُ، مع ذلك، أن أكون مخطئًا.» توقَّف اللورد وحدَّق بقلق غريب في ضيفه الذي، مع ذلك، لم يُظهر أيَّ رد، وعندها تنهَّد اللورد قليلًا، وبدا عليه استسلامٌ جَلَد تحوَّل إلى رجلٍ يُساءُ فهمُه.

«السكوت علامة الرضا، كما أعتقد، وأنا قد أجد صعوبةً في تشغيل تفكيرك بشكلٍ صحيح فيما يخصُّ هذا الموضوع. اسمحٍ لي أن أقدِّم لك توضيحًا، تمَّ اختياره من مهنتك المثيرة للاهتمام في هندسة التعدين. لقد علمت بشكلٍ موثوق فيه أنه إذا تمَّ حفَرُ حفرةٍ في صخرة صلبة، وإدخال جزء من الديناميت فيها، فإنَّ الانفجار الذي يلي ذلك يُؤدِّي عمومًا إلى انقسام الصخرة إلى جزأين.» مرةً أخرى توقَّف، ومرةً أخرى لم يكن هناك رد. كان من الواضح جدًّا أن ماكيلر الجاد كان يعتبِر نفسه موضعًا للسخرية. وبلا خجل، أكمل اللورد:

«هذه هي الطاقة، إن كان يُناسبك هذا. هلا نطلق على هذا النوع من الطاقة اسم الطاقة الماكيلرية؟ الآن سأُخبرُك عن شيء رأيته في أحد الأملاك الخاصة بي. تم حفر عدد من الثقوب في صخرة كبيرة، وبدلًا من الديناميت، وضعنا عددًا من المسامير الخشبية، وسكبنا بهدوء ماءً صافيًا باردًا فوق تلك المسامير. بعد فترة انقسمت الصخرة برفق. لم يكن هناك غبار، ولا دخان، ولا لهب ولا عنف ولا تفجير مُرهِق للأعصاب، ومع ذلك فإن المسامير المتضخمة قامت بالضبط بنفس العمل الذي كان يُمكِن أن يؤديه إصبع الديناميت. الآن، كانت تلك أيضًا طاقةً من نوع الطاقة السترانلية. أظن أنه سيكون من الصعب جعلُ إصبع الديناميت يفهم عصا خشبية، والعكس صحيح. بالمناسبة، هل رأيت والدك منذ عودتِكَ من ساوثهامبتون!»

«نعم.»

«هل أخبرَكَ أنني أمتلك يختًا بُخاريًّا صغيرًا رائعًا عابرًا للمحيطات موجودًا في الوقت الحالي في ميناء بريطاني؟»

«لا، لم يفعل.»

«لكنَّني اعتقدت أنني جعلته على علمٍ بما أنوي القيام به!»

«يبدو أنه لم يفهمْك أفضلَ منِّي؛ على الأقل أخبَرَني أنه لا يعرف المسار الذي اقترحت أن تسلكه.»

«أخبرتُه أن اليخت الخاص بي مجهَّز بمُحرِّكات توربينية، ويُمكِن أن ينطلق بسرعة ٢٥ عقدة في الساعة عند الضرورة. الآن، إلى أيِّ مدًى تَبعُد منطقة الذهب اللعينة هذه الخاصة بك!»

«حوالي ٣٥٠٠ ميل.»

«جيد جدًّا. تسير الباخرة «راجا» ببطء نحو هذه البقعة المثيرة للاهتمام بسرعةِ سبع عُقَد في الساعة، وربما أقل قليلًا؛ حيث يضمَن أصحابها هذه السرعة. كم ستستغرق من الوقت للوصول إلى هذا النهر الذي لا أتذكَّر اسمه؟ لا فائدة من محاولة حساب الأرقام عندما يعمل لديَّ مهندس غير مدني.»

أجاب ماكيلر: «حوالي ٢١ يومًا.»

«ممتاز. إذا انطلق اليخت الخاص بي بضعف هذه السرعة فقط، وهو ما يُمكنه تحقيقه أثناء راحته، فسنصل إلى هناك في نصف الوقت، أليس كذلك؟ أعتقد أن العملية الحسابية صحيحة؟»

«نعم إنها كذلك.»

«إذن سنكون هناك في غضون ١١ يومًا، أليس كذلك؟»

«نعم أيها اللورد.»

«والباخرة «راجا» الآن تَسبقنا بأربعة أيام. ألا ترى إذن أنه يُمكننا قضاء ستة أيام أخرى لتناول العصيدة في الصباح، ومع ذلك سنصل إلى النهر قبل أن تصل الباخرة؟ الآن ألا تبدأ في الشعور بالخجل من نفسك يا ماكيلر؟ لماذا تَستعجلُني لتناول وجبتي الاقتصادية عندما يكون لدينا هذا المتسع من الوقت؟ أفضِّل قضاء الأيام الستة هنا في لندن بدلًا من الإبحار في أنهارٍ مليئة بالتماسيح وموبوءة بالملاريا على الساحل الغربي لأفريقيا.» ابتهج وجه ماكيلر الصارم.

«إذن أنت تنوي مطاردتهم، بعد كل شيء، أيها اللورد؟»

«مُطاردتهم؟ يا إلهي لا. لماذا يجب علي مطاردتهم؟ إنهم رجال شوارتزبرود الطيب المُستأجَرون. وهو يدفع أجورهم. مطاردتهم؟ بالطبع لا؛ لكنني سأمرُّ عليهم، وأصل إلى النهر قبل أن يفعلوا.»

قفَز ماكيلر واقفًا على قدميه، ووجهه مُشتعِل بالحماس، وهو يضمُّ قبضته اليمنى بعصبية ويبسطها.

لوَّح اللورد: «الآن، اجلس يا بيتر. لا تجعلني أبذلُ طاقةً غيرَ ضرورية. لقد أخبرتُكَ مرتَين أو ثلاث مرات أنني لا أحب ذلك.»

جلس بيتر.

«ما كنتُ أحاول فعله عندما انطلقت قبل الأوان هو أن أُريَك مدى حماقة الاستهانة بشخص آخر. لقد أتيتَ إلى هنا غاضبًا، تتَّهمني عمليًّا بعدم القيام بأي شيء، في حين أنني لا أفعل شيئًا لأنَّ كل شيء قد تمَّ، وأنت، في حالة هياج، قادم من فشل كامل وشنيع.»

«لقد اعتذرتُ عن ذلك بالفعل، أيها اللورد.»

«هكذا فعلت يا بيتر. كنتُ قد نسيت. يجب ألا يُطلَب من الرجل دفعُ ثَمن الحصان والعربة ذاتهما مرتَين، أليس كذلك؟» تابع اللورد موجهًا كلامه إلى كبير الخدم الهادئ: «بونديربي، هل من الممكن أن تذهب إلى مكتب عملي، وتُحضر لي دفتر نسخ البرقيات.»

ثم انتقل إلى ضيفه، وقال:

«أنا مُنظَّم للغاية لدرجةِ أنني أحتفِظ بنسخةٍ من كل برقية أرسلها. سأطلب منك إلقاء نظرة على هذا الدفتر بعَين المهندس الناقدة، وستعلم أنه أثناء ثورتِكَ العارمة من بليموث كنت أطلب عن طريق التلغراف أن يُرسَل إلى اليخت الخاص بي المواد الأكثر أهمية للصراع الذي قد نتورَّط فيه. يجب أن يقوم الرجل ببعض التحركات لحماية ممتلكاته، كما تعلم.»

«أوه، أيها اللورد، هذا فقط ما كنتُ أقوله طوال الوقت، لكنَّكَ أوحيت إلي أنك لن تفعل شيئًا.»

«أنا لستُ مسئولًا عن هذه الفكرة التي ظهرت في ذهنك. أعتقد أنك تسرَّعت في استنتاجاتك، ماكيلر. ومع ذلك، ما دام يُمكنني إقناعك بأنني رجل عمليٌّ حقًّا، فسيكون كل شيء على ما يُرام بيننا.»

وضع كبير الخدم أمام اللورد سترانلي الدفتر الذي يحتوي على نسخٍ من البرقيات التي أرسلها أمس، وسلَّمه اللورد بتمهُّل لماكيلر.

وقال: «لا شيء يُضاهي الأدلةَ الوثائقية لإقناع رجل عنيد. أعتقد حتى إنك ستَعترِف بأنني أصبحت على مستوى الحدث.» قلَّب ماكيلر في أوراق الدفتر، وأخذ يقرأ وهو يسير. انخفض حاجباه أكثر وأكثر على عينيه القاتمتَين، وحرَّكت ابتسامةٌ خافتة شفتَي اللورد وهو جالس هناك يراقبه. أخيرًا، أغلق الدفتر بقوة، وألقاه بشدة على الطاولة.

«٢٤ دزينة من الشمبانيا؛ ٥٠ دزينة من نبيذ الكلاريت، والبورجوندي، وجَعة البوك، والويسكي الاسكتلندي …»

قاطَعَه اللورد بلهفة: «أوه، والويسكي الأيرلندي أيضًا. لم أنسَ أي شيء، كما تعلم. كما ترى، لديَّ بعض الدماء الأيرلندية في عروقي، وأُحسِّنها من حينٍ لآخر بقليل من المشروب الوطني.»

قال ماكيلر بحزن: «لا أعتقد أن دمَك يحتاج إلى أيِّ مشروبات كحولية. ها قد طلبت قنطار تبغ، و٢٠ غليونًا، والآلاف من السيجار والسجائر. أفترض أنك تَعتقِد أن هناك شيئًا مضحكًا في إعطائي هذه الرسائل. ألا تكون جادًّا أبدًا أيها اللورد؟»

«إنني جاد في الوقت الحالي أكثرَ من أي وقتٍ مضى، ماكيلر. أشعر بخيبة أمل لأنك فشلت في اكتشاف العبقرية في المُؤَن التي جهزتها.»

«هل ستُقاتِل هذه العصابة من الأشرار، أيها اللورد، بقذف سدادات زجاجات الشمبانيا عليهم، أم بخنقهم بدخان التبغ؟»

«لقد أخبرتُك مرة أو مرتين، ماكيلر، أنني لا أنوي مقاتلة أي شخص على الإطلاق، ولكن إذا جاءت هذه العصابة من الأشرار لتناول العشاء معي على متن اليخت، فأنا أرغب في أن يُعجَبوا بحسن ضيافتي لهم.»

قال بيتر باستسلام: «حسنًا، سيادتك. لقد ذكَّرتني بأن وقتي ليس ملكي، بل ملكك أنت؛ لذا إذا كان يُسعدُك أن تسخر مني، فلا تسمح لمراعاة مشاعري بمَنعِكَ من فعل هذا.»

«آه، لقد تورَّطت مع شخصٍ أخرقَ، بيتر. وهذا سيُعطيك أفضلية. الآن، بعد تناول الطعام وانقضاء الوقت المُناسِب الذي كان يجب على المرء التحدُّث فيه عن العمل، حتى لو لم يفهمه، مثلي، يُمكنه على الأقل التظاهُر بالحكمة، بصرف النظر عن مدى حماقته في الواقع. ما اسم ذلك النهر مجددًا؟»

«باراماكابو.»

«شكرًا. حسنًا، كما فهمت، إنه يصل إلى البحر بعدة قنوات. هل منطقتُنا على المجرى الرئيسي؟»

«المَجاري كلها بنفس الحجم، على حدِّ علمي.»

«كم تبعُد الجبال عن الساحل؟»

«بالكاد يُمكنك تسميتُها جبالًا. إنها تلال مُرتفِعة بشكلٍ معقول، وأُقدِّر أن المسافة ستكون من ٢٥ إلى ٣٠ ميلًا. ومنطقتنا على ارتفاع ١٢ ميلًا فوق النهر.»

«هل تعتقد أن باخرةً تحتاج إلى العمق الذي تحتاجه الباخرة «راجا» يُمكنها أن تصل إلى هناك؟»

«أوه، نعم، ويُمكنها أن ترسو بجانب الصخور أمام حقل الذهب دون الحاجة إلى رصيف ميناء من أي نوع.»

«إذا توجَّهت باليخت إلى قناةٍ أخرى، فهل سيكون بعيدًا عن أنظار أي شخص مرابط على منطقتنا؟»

«الدلتا مُسطَّحة إلى حدٍّ ما لبضعة أميال من الساحل، ولكن إذا اتجهت إلى منبع النهر لمسافة ١٥ ميلًا أو نحو ذلك، فهناك الكثير من التلال التي قد تُخفي حتى صفًّا من السفن الحربية، ولكن يمكن لأي شخص في منطقتك أن يرى اليخت وهو يُبحر عكس التيار عندما يكون على أرضٍ منخفضة السطح.»

«هذا لا يهم. فأنا أنوي الوصولَ إلى هناك قبل أن يفعل أصدقاؤنا ذلك؛ لذا لن تكون هناك مشكلة بسبب هذا الموضوع.»

«ألا تنوي تسليح يختك؟»

«نعم بالتأكيد؛ سأحمِّل على متنه بعض البنادق الرياضية، وبعض بنادق الصيد، والكثير من الذخيرة. هل هناك أي طرائد في الجبال؟»

«لا أعلم. كم عدد الرماة الذين تَقترِح اصطحابهم معك؟»

«كنت أفكِّر في دعوة بعض حراس الطرائد الصغار لديَّ؛ ربما نصف دزينة.»

«لكنهم لا يستطيعون الصمود أمام ١٥٠ رجلًا مسلحًا جيدًا، ناهيك عن البحَّارة على متن الباخرة «راجا».»

«صديقي العزيز، لماذا يذهب عقلك دائمًا إلى القتال؟ هذه ليسَت رحلةً بحرية لجزيرة الكنز، مع الحواجز، وجون سيلفر ذي الساق الواحدة، وهذا النوع من الأشياء. نحن لا نتأهَّل لتخليد قصتنا، ولسْنا قراصنة، ولكنَّنا مجرَّد أشخاص رزينين ومُحترمين من المدينة يُلقون نظرةً على منطقةٍ اشتروها. إذا تمَّ اكتشافنا ومُهاجمتنا، فسنَهرب بشجاعة، وحيث بإمكان القارب الانطلاق بسرعة ٢٥ عقدة في الساعة عند الضرورة، أعتقد أنه إذا كان تيار المجرى في صالحنا يُمكننا الوصول إلى البحر إذا أصبح هؤلاء الضالُّون عنيفين. لقد نسيتَ أنه بصفتي رجل مدينة أنني مُستثمِر ولستُ مُضاربًا.»

«لا أفهم كيف سيَحمي مسار العمل هذا ذهبك من السرقة.»

«حقًّا لا تفهم؟ حسنًا، ستتَّضح لك الرؤية عما قريب. الآن، أريدك أن تعود إلى ساوثهامبتون. لقد تفاوضت من أجل تأجير الباخرة «راجا»، على ما أعتقد.»

«نعم.»

«مَن هم أصحابها؟»

«السيد سبارلينج والسيد بيلج.»

«ممتاز. سأُعطيك شيكًا على بياض وأطلب منك العودة إلى ساوثهامبتون. واكتشف، إذا استطعت، القيمةَ المعقولةَ للباخرة «راجا»، ثمَّ اذهب إلى السادة سبارلينج آند بيلج واشترِ الباخِرة. وتأكَّد من أن كلَّ شيء يتمُّ بشكل قانوني، ورتِّب نقل المِلكية لي.»

«هل هناك حدٌّ للسعر الذي سأدفعه، يا لورد سترانلي؟»

«أوه، نعم، بالطبع يجب أن نضع حدًّا؛ فلنَقُل ١٠ أضعاف قيمة السفينة. فلتَعقد صفقةً جيدة بقدْرِ ما تستطيع. يجب أن يكون جزء من الاتِّفاق هو قيام السادة سبارلينج آند بيلج بكتابة رسالةٍ إلى القبطان، يُخبرانه فيها أنهما قد باعا القارب، وأنه مِلكٌ لي، وأنهما قد تنازلا لي عن أي عقدٍ أبرموه معه، والضباط، وطاقم العمل؛ أي إنني سأكون مسئولًا فيما بعد عن دفع أجورهم. ثمَّ اكتشف ما يُمكن فعْله لتغيير اسم الباخِرة. أرغب في محو كلمة «راجا» وأضع مكانها، مجامَلةً لك، اسم «بلو بيتر». بلو بيتر يعني العلم الأزرق الذي يتوسَّطه مربَّع أبيض الذي يُرفَع على قمة الصاري عندما تكون السفينة على وشْكِ الإبحار، ولا أشك في أن بلو بيتر كان يُحلِّق فوق بيتر ماكيلر وهو مُحتجَز في المخزن. يُرجى معرفةُ ما إذا كان بإمكاننا تغيير الاسم بشكل قانوني، وإذا لم نتمكَّن من ذلك، فسنرى ما يُمكن فعله عندما تكون السفينة في حوزتنا. لن أَنغمِس في أيِّ قرصنة غير مُحترفة؛ لذلك أتوقَّع منك أن تهتمَّ بشدة بالنقاط القانونية لعمَلية النقل. يُمكنك الحصول على مساعدةٍ من أفضلِ محامٍ خبير بالأمور البحرية هناك في ساوثهامبتون. هل تَفهم ما أعنيه؟»

«نعم، أيها اللورد، وسأنفِّذ تعليماتك بحذافيرها. أعتقد أنني أتفهَّم ما تنوي فعله.»

«أنا أكثرُ الرجال شفافيةً يا ماكيلر. ليس هناك صعوبة في فهمي؛ لذا أنت تستحقُّ القليل من الفضل لفهم خططي. سوف نَفترض أننا نحتاج إلى يومَين لتُصبح الباخرة «راجا» في حوزتي. عُد بعد ذلك إلى لندن، واحزم حقيبتَك، وودِّع جميع أصدقائك، ولا تَقُل لهم شيئًا عما فعلتَه، أو ما تنوي فعله، أو ما تُخمِّنه، أو ما تَعرفُه، ولا حتى لوالدك الذي جعلته رئيسًا للشركة؛ لأنني أكره الإشهار غير الضروري، وأرغب في إبقاء اسمي مُتخفٍّ وراء هذا الغموض المُتواضِع الذي كان يُحيط به دائمًا. اشترِ أيَّ شيء تعتقد أنك قد تحتاجه للرحلة البحرية، واشحن أمتعتك إلى بليموث، على عنوان عهدة يخت «ذات الرداء الأبيض». ثم احجز سريرًا في عربة النوم على متن قطار بنزانس السريع ٩:٥٠، السكة الحديدية الغربية العُظمى، تذكرة الدرجة الأولى، وخمسة شلنات إضافية لغرفتك الخاصة، ولا تنسَ إضافتها على الحساب. في الساعة ٦:٤٩ صباحًا، ستَصل إلى ريدروث في كورنوال؛ حيث يُمكنك تناول وجبة إفطار مبكرًا؛ حيث يبدو أنك تَستمتِع بها. وستجد في ضواحي تلك القرية قطعة أرض صغيرة تخصُّني، وعليها يوجد منجم نُحاس مهجور به فرنُ صهر. أعتقد أنَّ جهاز الصهر في حالةٍ جيدة إلى حدٍّ معقول، لكنَّني أشك في وجود قيمة كبيرة لأيٍّ من معدات المنجم الأخرى. الآن، بعد أن دخلت في مجال التعدين، أعتزم أن أقومَ بأعمال تنقيب في هذه المنطقة قدْر المستطاع، وأقترح أن تقضي يومًا أو اثنين في الحصول على مُدير مُناسب، وتجهيز الرافعات، وهذا النوع من الأشياء، حتى نتمكَّن من رؤيةِ ما إذا كان النحاس اليوم يُمثِّل قيمةً مالية أكبر مما كان عليه الحال عندما تركت المنجم، منذ سنوات طويلة. أظنُّ أن العمليات الحديثة قد تُمكِّننا من استخراج المزيد من النحاس من المعدن الخام أكثر مما وجده آباؤنا مُمكنًا. على أيِّ حال، فكرتي هي جعل فرن صهر المعادن يعمل مرةً أخرى، ومن ناحية أخرى حين نعود إلى إنجلترا، ربما نعرف ما إذا كان هناك أي نحاس في المنجم. هل تعتقد أنك تفهم هذه المهمة بالإضافة إلى شراء …»

«ولكن لماذا تشغل نفسك بالنحاس، لورد سترانلي، عندما يكون بين يدَيك منجم الذهب الأكثر إنتاجًا، كما أعتقد، في العالم؟»

«لقد قلت إنه بين يدَي الشخص الآخر يا ماكيلر.»

«ألا تَنوي منعَ ذلك الطاقم بطريقةٍ ما من أخذ المعدن الخام؟»

«أوه، لا، لن أتدخَّل في شئونهم على الإطلاق.»

«إذن لما ستذهب إلى غرب أفريقيا؟»

«من أجل الرحلة البحرية. والاستمتاع بالمناظر الطبيعية. وللحصول على طرائدَ كبيرةٍ في هذه المنطقة النائية. ولشُرب بعضٍ من تلك الشمبانيا التي طلبتها، وتدخين القليل من تلك السجائر التي أرسلتها على متن السفينة. وسأقرأ أحدث الكتب التي لم أجد الوقت للاطلاع عليها هنا في لندن. بالمناسبة، هل المنطقة المجاورة لمنجمنا منطقة صحية؟»

«يجب أن أقول إنَّ الجو كان يُسبِّب الحمَّى إلى حدٍّ ما على طول الساحل، ولكن باتجاه التلال أعتقد أنها صحية مثل هامبستيد.»

«سأحثُّ طبيب صديقي ليأتي معنا. أنا سعيد لأنني فكَّرت في ذلك. إذا كنتَ تَستمتِع بميلك لاستخدام القوة، وإطلاق العِنان لشغفك بالقتال، فسيكون من الضروري وجودُ جرَّاح من أجل عمليات بتر الأعضاء وتضميد الجروح، وسيكون مفيدًا بشكل عام في معالجة تلك الحوادث المثيرة التي تتبع رجلًا قاهرًا مثلك، يؤمن بالقوة الغاشمة بدلًا من العقول اليقظة.»

«إذن سأقوم بتشغيل منجم النحاس هذا الخاص بك في كورنوال؟»

«بالضبط. واترك مديرًا كفؤًا لإشراك الرجال، وتجديد الآلات، وكل ذلك.»

«هل هناك حدٌّ للإنفاق؟»

«حدٌّ؟ بالطبع يجب أن يكون هناك حدٌّ. ألا نَحُدُّ دائمًا من الإنفاق؟ إنني أُهدر حياتي في تحرير شيكات من أجل الإنفاق. نعم، ستُعلِم المديرَ الجديد أن هذه مجرَّد تَجربة مبدئية لي، وألا يشتري الآلات بالجملة، ولا يشرك العديد من عمال المناجم، ولكن فقط يختبر قدرات طبقة النحاس، وصهر قدْر ما يستطيع من المعدن الخام حتى تعود.»

«بالطبع هذا ليس من شأني، أيها اللورد، لكن يبدو لي أن هذا مشروع غير ضروري وخاسر. شهدت صناعة النحاس في كورنوال انخفاضًا ثابتًا في القيمة، وأشكُّ في وجود نصف عدد مناجم النحاس العاملة كما كان الحال قبل ١٠ سنوات.»

«أوه، بيتر، بيتر، أنت لا تَملك بُعدَ نظرٍ على الإطلاق! ألا ترى مخيَّلتك ميناء بورتريث الصغير الذي يعني الخليج الرملي؟ بالطبع لا؛ لأنكَ ربما تجهل وجود مثل هذا الميناء. يقع مصهرنا بالقرب من هذا الملاذ البحري للراحة. أيقِظ خيالك، يا ولدي، وانظر بعين عقلك إلى الباخرة «راجا»، محمَّلة بالمعدن الخام، لكن أُعيدت تسميتها لتصبح «بلو بيتر»، وتطفو بشكل مهيب في بورتريث. هل هناك أفضل مِن أن يمتلك سترانلي الجَشِع منجمًا آخر للنحاس حيث لا يوجد مصهر، وأن تَجلِب هذه السفينةُ خام النحاس إلى فرن كورنوال؟ من المحتمَل أن يتمَّ وضع «بلو بيتر» لأول مرة في بليموث؛ حيث تقلُّ احتمالية التعرُّف عليها من قِبل البحَّارة عما هو الحال في ساوثهامبتون. وسنقوم هناك بتسريح الطاقم مع منح كل رجل أجرًا مُضاعفًا. وسنقوم بتعويض القبطان وضُباطه، مما يجعل الجميع سعداء. ثم سنُشرك قبطانًا آخرَ وطاقمًا آخر، لا يعرفون شيئًا عن المكان الذي أتت منه الباخرة، وبالتالي نُبحر حول لاندز إند، ونُدخلها إلى ميناء بورتريث الصغير.»

«أنت تَقترِح، إذن، الاستيلاء على الباخرة «راجا» في أعالي البحار، عن طريق تتبُّعها بيختك الأسرع منها بكثير؟»

«أوه، لا، لن نَستوليَ عليها. سأمتلكُها، هذا كلُّ ما في الأمر. فالباخرة «راجا» مِلْكي بلا مُنازع مثل اليخت. والمعدن الخام الذي سيتمُّ تحميلها به هو أيضًا مِلْكي. يجب القيام بكل شيء بشكل قانوني كما لو أننا نتعامل مع القضاء. ألا يجعلك ذلك تخجل من أفكارك عن القتال والذبح القادمة من المرتفعات الاسكتلندية البريَّة؟ يجب أن تَرتدي إزارًا وتضع خنجرًا، ماكيلر، لكن وسيلتي تتمثَّل في قلم ريشة وطوابع حمراء جميلة منقوشة في مبنى سمرست هاوس.»

«ومَن سيدفع للرجال الذين ينسفون المعدن الخام على ضفاف نهر باراماكابو؟»

«يا إلهي، حقًّا ماكيلر، هذا ليس من شأني. تمَّ توظيف هؤلاء الأشخاص الكادحين من قِبل شوارتزبرود الطيب. إذا اختار هذا المُموِّل الماهر إشراك عدد كبير من العُمال لإخراج المعدن الخام الخاص بي من أجلي، فأعتقد أنكَ ستَعترف، ماكيلر، بقدْرِ ما كنت مُتحيِّزًا ضدَّه، أنه حقًّا المتبرِّع الخيري من بين بني عِرقه كما كنت أقول عليه دائمًا.»

قال ماكيلر مُتلعثمًا: «لكن … لكن … لكن عندما يكتشفون كيف تمَّ خداعهم، ستكون هناك أعمال عنف.»

«أنا لا أرى ذلك. عندما أسرِّح القبطان والطاقم في بليموث، سأقطع السلك المشحون بالتيار، إذا كان بإمكاني استخدام تعبير من مهنتِكَ المُمتعة. سيتمُّ قطع الكبل الواصل بين عمال المناجم المخدوعين في غرب أفريقيا والنقابة الودودة في لندن. أعتقد أن القبطان لا يعرف شيئًا عن شوارتزبرود. فقد كان يعمل لدى سبارلينج آند بيلج. وعند الذهاب إلى الشاطئ في بليموث، عاطلًا عن العمل، من المُحتمَل أنه سيبحث عن سفينة في ذلك الميناء، وبعد أن يفشل في العثور على واحدة، قد يُسافر إلى أرباب عمله القدامى في ساوثهامبتون. ولكن، على الرغم من أنني سأقوم بتسريح القبطان، إلا أنني لا أنوي ترَكه في وسط البحر. لقد استخدمت بالفعل نفوذي في العمل مما سيُؤمِّن له قاربًا أفضلَ من الباخرة «راجا»، وسيُبحر الرجل راضيًا بعيدًا عن بليموث، أو عن لندن، أو عن أيِّ ميناء شمالي، حسبما يكون الحال. ومن غير المُحتمَل أن يعرف القبطان، أو ضباط الباخرة، أو طاقم العمل طبيعةَ المعدن الخام الذي سيَحملونه، لكنَّني لا أنوي ترْكَ السلك مقطوعًا جزئيًّا. سأوفِّر أماكنَ على متنِ سفنٍ مختلفة لضباط السفينة وطاقم العمل، وأُشتِّتهم على وجه الأرض، مُلقيًا موردي رزقي في البحر، كما يُمكن للمرء أن يقول، على أملِ ألا يعودوا لعدة أيام.»

«ولكن عندما لا يسمع شوارتزبرود شيئًا عن الباخرة «راجا» في أي ميناء أجنبي أمرَها بالإبحار فيه، سيَستفسِر من سبارلينج آند بيلج.»

«أشك كثيرًا في ذلك.»

«لماذا؟»

«لأنه استأجر سفينتَهم، وعليه إما إعادتها أو تجديد إيجارها. بالمناسبة، ما مدَّة إيجار الباخرة «راجا»؟»

«ثلاثة أشهر مع إمكانية التجديد.»

«جيد. وقرب نهاية ذلك الوقت، سيكتب شوارتزبرود العجوز رسالةً إلى سبارلينج آند بيلج لتمديد الإيجار لمدة ثلاثة أشهر أخرى. إنه لا يجرُؤ على الذهاب لرؤية رجال الشحن هؤلاء لأنه أضاع باخرتهم، ولا يرغب في الإجابة عن الأسئلة المُحرجة المتعلِّقة بمكان وجودها.»

«نعم، ولكن السادة سبارلينج آند بيلج سيكتفون بقول إنهم قد باعوا البارجة «راجا» للورد سترانلي، وسيُرسلون شوارتزبرود إلى المالك الجديد.»

«أحسنت بيتر. لقد بدأت بالفعل في الحصول على فكرةٍ طفيفة عن مُعضِلة السيد شوارتزبرود. كدت أيأس من توضيح ذلك لك.»

«لكنني لا أفهم الهدف من قطعِ الأسلاك المشحونة بالتيار، كما تُسميها، إذا تركت سلكَ اتصالٍ آخرَ سليمًا. أنت تبذل جهدًا كبيرًا لمنع القبطان أو أيٍّ من أفراد الطاقم من مقابلة شوارتزبرود، لكنَّك تجعل من المُحتم أن يعلم شوارتزبرود أنك مالك الباخرة «راجا». ربما كنت ترغب في أن تجعل سبارلينج آند بيلج يلتزمون بالسِّرية؟»

«أوه، لا يا عزيزي. إنه لمن دواعي سروري مقابلة السيد شوارتزبرود. أتخيَّله ينحني مُحرَجًا ويفرك إحدى يدَيه بالأخرى وهو يتوسَّل لتجديد الإيجار، ويتهرب من كل استفساراتي المتعلِّقة بمكان وجود الباخرة. سأعود إلى لندن في الوقت الذي تبدأ فيه النقابة القلق بشأن الباخرة «راجا»، وسأُجدِّد الإيجار بأقصى درجات البهجة، دون الإصرار على معرفة مكان الباخرة «راجا». لكن تخيَّل الموقف الحسَّاس إلى حدٍّ ما لرجلٍ اضطُرَّ للتفاوض معي لاستئجار قارب لسرقة ذهبي. سيَحتاج شوارتزبرود الموقَّر إلى الحفاظ على حراسةٍ مشدَّدة على لسانه وإلا سيُفشي سرَّه. إنها مُعضلة لذيذة. أتمنَّى أن تفهم كل احتمالات الموقف، ولكن مهما كان الأمر، انطلق إلى ساوثهامبتون، وعندما تنتهي من منجم النحاس، اصعد على متن اليخت الخاص بي في بليموث؛ حيث ستجدُني في انتظارك. ثم سننطلق إلى البحر الأزرق والمذبحة الحمراء إذا كان مقدَّرًا لنا حدوث هذا. ١٦ رجلًا على جزيرة صندوق الرجل الميت، يو، هو، هو، وزجاجة شمبانيا، وكل هذا النوع من الأشياء، بيتر.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤