الفصل الثامن

الباخرة «راجا» في مواجهة إشكاليات قانونية

قامت سيارةُ أجرة من محطة لندن بتوصيل اللورد سترانلي بسرعةٍ إلى ناديه المفضَّل في بول مول. أومأ له عَرضًا اثنان من معارفه كانا يَنزلان السُّلم، وجعلته هذه التحية، بالإضافة إلى عدم الاهتمام الذي شعر به في غرفة التدخين عندما دخَل، يُدرك عدم افتقاد أحد له، وهذه اللامبالاة تحول دون شعور المرء بالغرور الشديد عندما ينتصِر بذكائه على الدببة أو قُطَّاع الطرق في أنحاء الأرض البعيدة، ويعيش ليروي الحكاية، أو يُبقي الأمر سرًّا، حسب ما تقتضيه الحالة. ونظرًا لأنه كان يرتدي بدلةَ العمل العادية التي قامت بعملٍ شاقٍّ لمدة يومين في ساوثهامبتون، لم يستطِع مخالفة آداب السلوك ودخول غرفة الطعام. في الواقع، كانت القمصان الساطعة الناصعة البياض منتشرةً في غرفة التدخين لدرجةِ أنه شعر بشعورٍ غيرِ مألوف، ولكنه ممتع إلى حدٍّ ما، بأنه رائد جامح وغامض، ضلَّ طريقه إلى معقل الحضارة العصرية. نظرًا لكون غرفة الطعام منطقة محظورة، فقد اكتفى سترانلي ببضع شطائر وكوب كبير من الجَعة الألمانية. في أثناء تناوله لهذه الوجبة الاقتصادية، اتجه نحوه قميصٌ عريض ذكَّره بشراع يخت سباق.

قال السير ويليام جرينجر، صاحب القميص: «مرحبًا، سترانلي.» وتابع: «هل تذكر عندما أخبرتك الأسبوع الماضي أن فلاينج سكاد سيكون له بالتأكيد مكانٌ في سباق مابل-درهام؟»

أجاب سترانلي: «لا أتذكَّر أنني تلقيت هذه المعلومة منك.» وتساءل: «هل نجح فلاينج سكاد، إذن؟»

«نجح؟ يا إلهي، سيُقام السباق غدًا.»

«أوه، أرجو المعذرة، لقد نسيت التاريخ.»

«حسنًا، سترانلي، لقد فهمت أن فلاينج سكاد سيفوز بسهولة. إنه أمر مؤكَّد. لا تتخلَّ عنه، وتصرَّف بناءً على التلميح، ولن تشعر بالأسف. الاحتمالات ٢٥ إلى واحد في الوقت الحالي، ومقابل كل جنيه لعين تُقدِّمه، ستَحصُل على ٢٥ جنيهًا.»

«هذا رائع للغاية يا بيلي.»

«رائع؟ أوه، إنه مصدر لربح المال بسهولة.»

«آه، حسنًا، هذه الفرص ليسَت لي يا بيلي. لقد اضطررت إلى رهن ملابسي المسائية من أجل الحصول على شطيرة وكأس من الجَعة. يدي خشنة من العمل الشاق وأحاول الحصول على لقمة عيش شريفة. لماذا لا تحذو حذوي، بيلي، وتفعل شيئًا مفيدًا؟ ستقودك هذه العادة السيئة للمُراهَنة على السباقات إلى ضوائق مالية عما قريب، والأسوأ من ذلك، قد يصبح حماسك الشديد للقمار مزمنًا إذا لم توقِفه في الوقت المناسب.»

ضحك السير ويليام جرينجر بانبساطٍ على هذا الكلام. لقد كان شابًّا حصل بالفعل على إرثٍ كبير تركه والده، ومنذ ذلك الوقت أصبح عبقريًّا في الاقتراض الذي قد يُنسب لهاريمان، ملك السكك الحديدية.

«أرجوك، سترانلي، لا تَعِظ، أو على الأقل، إذا كنت ستعظ، فلا تتهرَّب من الإجابة. أنت تعلم ما أريد. أقرضني خمسة وعشرين جنيهًا حتى يوم الإثنين المقبل، أنت رجل طيب. هذا المبلغ سيجلب لي ستمائة وخمسة وعشرين جنيهًا قبل ليلة الغد. لقد اكتشفت كل شيء على ورقة من أوراق النادي، لكنَّني مُفلس؛ لذا أعطني الخمسة والعشرين جنيهًا، سترانلي.»

أخذ اللورد سترانلي، دون اعتراض، من جيبه بعض العملات الورقية من بنك إنجلترا من فئة العشرة جنيهات، واختار ثلاثةً منها، وأعطاها للسير ويليام، الذي حصل على خمسة جنيهات أكثرَ مما طلب، وبحنانٍ لمس الأوراق الجديدة، المُتماسكة، ثم قام بخدعة أن يفك إحداها، حتى يتمكن من إعادة النقود الإضافية.

قال سترانلي بضجرٍ إلى حدٍّ ما: «أوه، لا تقلق بشأن ذلك.» كان قد قضى يومًا متعبًا في ساوثهامبتون، ولم تكن الجَعة والشطائر وجبةً مُثيرة للغاية في نهاية اليوم. «لا تقلق بشأن ذلك. إذا أخذت ورقةً أخرى من أوراق النادي، فقد تتمكَّن من حساب المبلغ الإضافي الذي ستجلبُه لك خمسة جنيهات إضافية في ليلة الغد.»

قال السير ويليام براحة كبيرة: «يا إلهي، هذا صحيح»، وبعد ذلك بدت السهولة التي حصل بها على الغنيمة وكأنها تُثير جشعه وتجعله ينسى أيضًا كلَّ ما يتعلَّق باحترام الذات.

«الحديث عن المبلغ الإضافي الذي سأكسبُه يُذكِّرني، سترانلي، أنه إذا أعطيتني ورقةً أخرى من فئة ١٠ جنيهات، فسيكون المكسب كله ألفًا لكل ٢٥ إلى واحد، كما تعلم. سأدفعها بالكامل يوم الإثنين، ولكن يبدو مؤسفًا تفويت مثل هذه الفرصة، أليس كذلك؟»

«يا لك من رائع في تقدير الاحتمالات، بيلي. إذا كانت ٤٠ جنيهًا ستجلب لك ألف جنيه، فعندئذٍ، كما قلت، سيكون من المُؤسف أن تفوِّت هذه الفرصة. حسنًا، تفضَّل»، ومرِّر الورقة الرابعة من فئة العشرة جنيهات إلى عهدة الطرف الآخر.

لا يزال السير ويليام باقيًا. ربما كان الأمر أكثرَ رحمة لو أن اللورد قد اعترض بشدة على إعطائه ما يُسمَّى بالقرض. ملأه بالحسد رؤية العملات الورقية الخاصة بالطرف الآخر وهي تعود الآن إلى جيبه. وشعر ببعض الإحجام عن محاولة زيادةِ ما حصل عليه، فصاغ مقصده بشكل مختلف:

«سترانلي، إذا كنتَ تُريد مني أن أضع القليل من المال من أجلك، فيما يتعلَّق بفلاينج سكاد، فسأفعل ذلك بكل سرور.»

«شكرًا يا صديقي، لكنَّني لن أزعجك. أنوي وضع بعض المال، لكنه سيكون ضد فلاينج سكاد.»

«ماذا! هل سمعتَ أي شيء؟» صاح السير ويليام في ذعر، لكن الآخر قاطعه …

«لا أعرف شيئًا عن الحصان على الإطلاق، لكنني أعرف الكثير عن حظك، وسأحصل على ٤٠ جنيهًا مرة أخرى يوم الإثنين، دون أن أزعجك، إلا من خلال المراهنة ضدك.» ضحك السير ويليام قليلًا، وهزَّ كتفيه، وابتعد مع الغنيمة.

غمغم سترانلي في نفسه: «نعم، هذه لندن العزيزة القديمة مرة أخرى، بالتأكيد. ها قد بدأ اقتراض الأموال.»

على الرغم من تأثُّره تأثُّرًا متفاوتًا، فقد استمتع اللورد سترانلي بعودته إلى العاصمة إلى أقصى حد، ولأيام عديدة تجوَّل في بيكاديللي مثلما يتجول رجلٌ بسلاسة في أرجاء المدينة، يحسده الأشخاص الأقل حظًّا الذين عرفوه. انتهَت فترة الكسل هذه بتلقِّي برقية من ماكيلر. أرسل ذلك الشاب المتمكِّن رسالته من الركن الشمالي الغربي لبريتاني، بعد أن أمر الباخرة «راجا» بالإبحار إلى ميناء بريست. أبلغت الاتصالات سترانلي أن ماكيلر قد رفع جزءًا من الشحنة، ووضعها على متن قارب شراعي، والذي كان من المقرَّر أن يبحر مباشرة إلى بورتريث. أدَّت هذه العملية الخاصة بنقل جزء من الشحنة إلى ظهور علامة الحمولة القصوى على جانب الباخرة «راجا» مرة أخرى، وقد تدخُل الباخرة الآن ميناء بليموث دون التعرُّض لخطر السحب أمام السلطات، بتهمة الحمولة الزائدة. وتوقَّع أن يصل بليموث في اليوم التالي.

كان سترانلي يتناول الغداء في المنزل في ذلك اليوم لأنه في الصباح جاءته مكالَمة هاتفية، وعند وضع السماعة على أذنه، ميَّز الصوت الهادئ المنخفض لكونراد شوارتزبرود، الذي بدا وكأنه يحاول قولَ شيءٍ ما فيما يتعلَّق بالباخرة «راجا». أُصيب سترانلي بنوعٍ من الكراهية للهاتف، وغالبًا ما كان يُظهِر نفادَ صبر مع عمله الذي لم يُظهِره عادةً عند مواجهة شرور الحياة الكبرى؛ لذلك بعد إخبار السيد شوارتزبرود الطيب بالوقوف بعيدًا عن جهاز الإرسال، وبالاقتراب منه، وبالتحدُّث بصوتٍ أعلى، اعترف أخيرًا أنه لا يستطيع فهْم ما يُقال، ودعا المموِّل إلى زيارته في منزله بعد ظهر ذلك اليوم في الثانية والنصف، إذا كان ما قاله مهمًّا بما يكفي لتبرير رحلةٍ من المدينة إلى ويست إند.

على طاولة الغداء، تمَّ تسليمه برقيةَ ماكيلر الطويلة، وبعد قراءتها، ابتسم سترانلي وهو يفكِّر في مدى تزامن وصولها تقريبًا مع زيارة شوارتزبرود، وتساءل عن مقدارِ ما سيقدِّمه الأخير للاطلاع عليها إذا كان يعلم بوجودها. وتوقَّع أن قطب البورصة أصبح قلقًا بعض الشيء بسبب عدم وصول الباخرة «راجا» إلى لشبونة؛ حيث كان مبعوثوه بلا شك في انتظارها. وعلى الرغم من ادعائه بسوء الفهم، فقد سمع بوضوحٍ في سماعة الهاتف أن شوارتزبرود علم للتوِّ أنه مالك الباخرة «راجا»، وأنه يرغَب في تجديد إيجاره لهذه الباخرة البطيئة الحركة المُتروية، لكنه لم يستطِع منْع نفسه من متعة طرح الأسئلة الماكرة على خصمه وجهًا لوجه. لقد كان يتوقَّع طلبًا من كونراد شوارتزبرود منذ عدة أيام، وقد وصل الآن بعد فوات الأوان تقريبًا، لأنه وجَّه بونديربي لتأمين سرير له في قطار بليموث السريع تلك الليلة.

لم يستقبل الشاب النبيل الرأسمالي المسن في مكتب عمله في الطابق السفلي، الذي ربما كان من الممكن أن يكون أنسبَ له، لكنه استقبله بدلًا من ذلك في قاعة الاستقبال الفسيحة والفاخرة في الطابق الأول؛ حيث كان سترانلي يتمتَّع بحرية العازب، ويدخن سيجارًا بعد الغداء، وبدأ المقابلة بتقديم سيجار مُماثل لزائره، والذي تم رفضه. يبدو أن السيد شوارتزبرود لم يُدخِّن أبدًا.

كان الرجل العجوز الخبيث قلقًا وعصبيًّا بشكل واضح. جلس على الحافة القصوى لكرسي أنيق، وبدا أنه لا يعرف بالضبط أين يضع يديه. الأخبار التي وصلته من السادة سبارلينج آند بيلج في ساوثهامبتون، والتي تفيد بأن اللورد سترانلي كان المالك الجديد للباخرة «راجا»، قد أزعجت شوارتزبرود، وأظهرت طريقتُه ذلك الأمر لمُضيفه الكسول، الذي كان يسترخي على مقعد مريح، وهو يشاهد بهدوء الوافد الجديد مع تعبيرِ وجهٍ يشبه الملاك في براءته.

figure
أنت تفتقد الكثير من المتعة في الحياة.

قال الشاب بتكاسُل: «آسف لأنك لا تدخِّن. إنك تَفتقِد قدرًا كبيرًا من المتعة في الحياة بامتناعك عن التدخين.»

«إنها عادة لم أكتسبها، أيها اللورد؛ ولذا ربما لا أشعر بنقصها بقدر ما قد يفترضه واحد معتاد على التبغ. أعيش حياةً حافلة للغاية، وفي الواقع، حياة قلقة إلى حدٍّ ما، نظرًا لأن الأوقات صعبة للغاية في المدينة؛ لذلك ليس لديَّ فرصة كبيرة لتنميةِ ما يُمكن أن أسميه — دون أن أقصد أي إهانة — رذائل صغيرة.»

«آه، هناك تاجر كبير يتحدَّث. تهتمُّ بالأشياء الكبيرة في الحياة، سواء في التمويل أو الرذيلة.»

«آمُل أن أقول دون غرور، أيها اللورد، إنَّني دائمًا ما أتجنَّب الرذيلة، كبيرة كانت أم صغيرة.»

«رجل محظوظ؛ أتمنَّى أن أقدِّم الاعتراف ذاته. إذن الأوقات صعبة في المدينة، أليس كذلك؟»

«بلى إنها كذلك.»

«لماذا إذن لا تَترُك المدينة وتأتي لتعيش في ويست إند حيث الحياة سهلة؟»

«قد يعيش الرجل الغني حيث يشاء، أيها اللورد، لكنَّني أعمل بجد طوال حياتي.»

«مسكين، لكن صادق، صحيح؟ ومع ذلك، بالنظر في كل شيء، سيد شوارتزبرود، أعتقد حقًّا أنكم مَن تعملون بجِد تَستمتعون بأموالكم بشكلٍ أفضل عندما تحصلون عليها أكثرَ منا نحن الأشخاص المرفَّهين الذين لم يعرفوا أبدًا معنى عدم وجودها. أنا أومن بالأمانة، وإذا لم تكن طبيعتي كسولة هكذا، أعتقد أنني ربما أصبحت رجلًا أمينًا. لكن عاملًا مشغولًا مثلك، سيد شوارتزبرود، لم يأتِ إلى ويست إند ليَسمع حديثي التافه حول الأمانة. في أمريكا، يذهب الرجل الذي ينوي العمل بجِد إلى الغرب. في لندن، يأتي الرجل إلى الغرب عندما يربح المال.»

«أنت تفتقد الكثير من المتعة في الحياة.»

«لديه ثروته في المدينة، ويتوقَّع أن يتوقَّف عن العمل. لقد جئت إلى الغرب مؤقتًا لرؤيتي بشأن بعض الأمور التي استمتَعَ الهاتف بخلطها مع الأزيز والقعقعة والثرثرات المتقطعة التي جعلت من الصعب فهم موضوعك. يُمكنك التكرُّم بإخباري كيف يُمكنني مساعدتك.»

«في الوقت الذي كنتُ أتوقَّع فيه تشغيل حقل الذهب، الذي تعرفه أيها اللورد، استأجرت باخرة، اسمها «راجا»، في ساوثهامبتون.»

«أوه «راجا»!» قاطعه اللورد، مُعتدلًا في جِلسته، يعلو وجهه بصيصٌ من الفهم الذكي. ««راجا» هو ما كنت تحاول أن تقوله؟ اعتقدت أنك تتحدَّث عن عَلَم القراصنة «جولي روجر». فروجر هي الكلمة التي سمعتها، و«جولي روجر» تعني عَلم سفينة قراصنة، أو شيئًا يتعلَّق بالقرصنة؛ لذلك كنت أقول لنفسي وأنا أُحاول فهم صوتك: «ماذا، يا إلهي، هل يمكن لشخصيةٍ محترمة من المدينة أن يعنيَه الحديث عن جولي روجر، كما لو كان قائد قراصنة.» أوه نعم الباخرة «راجا!» الآن أنا أفهم. تابع، سيد شوارتزبرود.»

يبدو أن الشخصية المحترمة تحوَّلت إلى تافهٍ أكثرَ شحوبًا من المعتاد عندما استمر الآخر في الحديث بحماسٍ عن سفن القراصنة والقراصنة، لكنه اعتقد أن الشاب النبيل لا يعني شيئًا على وجه الخصوص؛ حيث أراح ظهره مرة أخرى في مقعده المريح، بعينَين نصف مغمضتين، ينفث بمرح دخان سيجاره عاليًا. في الوقت الحالي، قام كونراد شوارتزبرود بترطيب شفتَيه، وبدأ يتحدَّث مقتنعًا بأن تلميح الآخر إلى النهب البحري كان مجرَّد مُصادفة، وليس إشارة خفية إلى فراونينجشيلد وأتباعه، أو إلى مهمة الباخرة «راجا» نفسها.

«كنتُ على وشك أن أقول، أيها اللورد، إنني استأجرتُ الباخرة «راجا» من شركة شحن للناس في ساوثهامبتون، عازمًا على استخدامها في تطويرِ منجم في غرب أفريقيا. وبعد انتقال هذه الملكية من يدي ويد شركائي إليك، أيها اللورد، عقدت العزم على توظيف الباخرة «راجا» في تجارة الماشية في أمريكا الجنوبية؛ لأننا نمتلك مساحةً واسعة من الأراضي في الأرجنتين، والتي نسعى لتحقيق مصالحها للمُضيِّ قُدمًا بالهدف النهائي المُتمثِّل في تعويم الشركة.»

مرة أخرى، قام مروِّج الشركة المُرتقب بترطيب شفتيه بعدما قالتا بأمان هذه الرواية الخيالية المثيرة للاهتمام.

قال سترانلي: «إذن الباخرة «راجا» ذهبت إلى جمهورية الأرجنتين، أليس كذلك؟»

«بلى، أيها اللورد.»

«مملوءة بالديناميت وماكينات التنقيب، صحيح؟ بالتأكيد شحنة رائعة ليَنقلَها راعي ماشية، سيد شوارتزبرود؟»

«حسنًا، كما ترى، أيها اللورد، كان الديناميت والماكينات بحوزتنا، وبما أن هناك العديد من المناجم في أمريكا الجنوبية، فقد اعتقدنا أنه يُمكننا بيعُ الشحنة هناك لتحقيق فوائدَ أفضل من بيعها في ساوثهامبتون.»

«بالطبع ليس لديَّ أدنى شك، سيد شوارتزبرود، أنك تمتلك مزارعَ مواشِي في أمريكا الجنوبية، لكنني أشك بشدة …»

توقَّف، وفتح عينيه قليلًا، وهو ينظُر بتساؤل إليه وجهًا لوجه.

تمتم شوارتزبرود: «فيما تشكُّ بشدة، أيها اللورد؟»

«أشك في أنك تَمتلِك منجمًا في أمريكا الجنوبية تلتزم الصمت بشأنه.»

«حسنًا، أيها اللورد»، اعترف شوارتزبرود بعدم ثقة واضحة، «نادرًا ما يكون من الحكمة التحدُّث عن هذه الأشياء قبل الأوان.»

«هذا صحيح تمامًا، ولا أرغب حقًّا في التنقيب في أسرارك، ولكنَّني شعرت صراحة ببعض الاستياء بشأن أفعالك فيما يتعلَّق بالباخرة «راجا».»

«أفعالي؟ أي أفعال؟»

«يجب أن تعترف، سيد شوارتزبرود، أنه عندما استحوذت على ما يُسمى بحقول الذهب، أصبحت مالكًا لكلِّ شيء تملكه الشركة، أو على الأقل اعتقدتُ أنني كذلك. الآن، مُنحت الشركة إيجار الباخرة «راجا»، وتمَّ شراء جميع المواد التي أبحرت بها إلى أمريكا الجنوبية بأموال الشركة. لذلك بدا لي — ولا أريد أن أقول ذلك بطريقةٍ قاسية — أنك سلبتَ عمليًّا جزءًا من ممتلكاتي.»

«أنت تُدهشني أيها اللورد. لم يخطر ببالي مطلقًا أن مثل هذه الرؤية يمكن أن يتبناها أي شخص، خاصة مثلك، على دراية جيدة بالحقائق.»

هزَّ سترانلي كتفَيه.

«على دراية بالحقائق؟ أوه، لا أعرف أنني على دراية جيدة بها. أنا لستُ رجل أعمال، سيد شوارتزبرود، وعلى الرغم من أنني أشرك رجال الأعمال لرعاية مصالحي، يبدو لي أنهم في بعض الأحيان ليسوا بالذكاء اللازم. اعتقدت، بعد الاستحواذ على ملكية الشركة، أن إيجار الباخرة «راجا» ومحتويات مخزنها ملك لي، تمامًا مثل أموال الشركة في البنك، أو ذهبها في غرب أفريقيا.»

«أؤكد لك أيها اللورد أنك مُخطئ. لم يَرِد ذكر الباخرة «راجا» وإيجارها في وثائق الاتفاق بيني وبينك، بينما ذُكر المال الموجود في البنك. لكن بصرف النظر عن كل ذلك، أيها اللورد، أعطيتني وثيقةً تُغطِّي كلَّ ما تم القيام به قبل توقيعها، وقد أبحرت الباخرة «راجا» من أمريكا الجنوبية قبل عدة أيام من إنجاز ذلك المستند. وتم القيام بكل شيء بشكل قانوني، وبمشورة المحامين الأكفاء — التابعين لك ولي.»

«لا تُسئ فهْمي، سيد شوارتزبرود؛ أنا لا أشكو على الإطلاق، ولا حتى أشكُّ في شرعية الوثائق التي تُشير إليها. أنا فقط أقول إنني اعتقدت أن الباخرة «راجا» وحمولتها سيتمُّ تسليمهما إليَّ. بلا شك، كنت مخطئًا. يبدو لي برغم كل شيء، سيد شوارتزبرود، أن هناك مِعيارًا للعمل أعلى من مجرد الشرعية. ربما تكون أنت أول مَن يعترف بوجود شيء مثل الحق الأخلاقي والذي قد لا يتزامن مع الحق القانوني.»

«بالتأكيد، بالتأكيد، أيها اللورد. يجب أن أكون آسفًا جدًّا حقًّا لانتهاك أي قانون أخلاقي، ولكن، لسوء الحظ، في هذا العالم المختل، أيها اللورد، أثبتت التجربة أنه من الجيد دائمًا تدوين ما يعنيه الرجل عندما تتم عملية نقل، وإلا فقد يختلف تذكرك لما كان مقصودًا تمامًا عما أتذكَّره، ومع ذلك قد يكون كلُّ واحد منا صادقًا تمامًا في جدالنا.»

«نعم، لا أستطيع أن أجادلك في هذا، سيد شوارتزبرود. أرى قوة تفكيرك، ولا يلوم الرجل إلا نفسه إذا أهمل تلك الاحتياطات الضرورية التي ذكرتها؛ لذلك لن نقول شيئًا آخرَ عن تلك المرحلة من الأمر، لكنك ستفهم بسهولةٍ أنه بعد اعتقادي بوجود حقٍّ لي في استخدام الباخرة «راجا»، قد لا أشعر أنني أميل إلى تجديد الإيجار لك الآن.»

«آه، مرة أخرى، أيها اللورد، كل ذلك مدوَّن. ينص الإيجار بوضوحٍ على أنه سيكون لديَّ خيار التجديد لمدة ثلاثة أشهر أخرى عند انتهاء الأشهر الثلاثة الأولى.»

«أنت تُحرجني في كل نقطة، سيد شوارتزبرود. أعتبر إذن أن شرائي للباخرة «راجا» لا يُبطِل الاتفاق الذي أجراه معك صاحباها السابقان؟»

«بالتأكيد أيها اللورد. إذا اشتريتَ منطقةً ما، فإنك تتحمَّل جميع التزاماتها.»

«يبدو ذلك عادلًا ومعقولًا. لذا فإن طلبك للتجديد هو مجرد إجراء شكلي، وسيكون أي اعتراض منِّي عليه غير مجدٍ؟»

«ألم يشرح لك السادة سبارلينج آند بيلج، أيها اللورد، أن الباخرة كانت مُستأجَرة؟»

«لم أرَ أبدًا أحدًا من تلك الشركة، سيد شوارتزبرود. تم الشراء من قِبَل وكيل خاص بي، وليس لديَّ شك في أن السادة سبارلينج آند بيلج جعلوه على دراية بجميع الالتزامات التي سأصبح مسئولًا عنها. وإذا كنتَ تُصرُّ على ممارسة خيارك، سيد شوارتزبرود، فأعتقد أنه يجب عليَّ إما تأجيل تطوير ملكيتي التي تحتوي على الذهب، أو استئجار باخرة أخرى؟»

«آسف لأنني أجعلك تتحمَّل عناء ونفقات استئجار قارب آخر في حين أن الباخرة «راجا» مناسبة تمامًا لغرضك، يا سيدي. من الممكن، حتى قبل اكتمال مدة الإيجار الأولى، أن تكون الباخرة «راجا» قد عادت إلى ساوثهامبتون، وتنتهي تجاربنا في تجارة الماشية مع الرحلة الأولى. في هذه الحالة، سأكون سعيدًا جدًّا للتنازل عن مطالبتي بباخرتك.»

«هذا جيد جدًّا منك، سيد شوارتزبرود. بالمناسبة، أين الباخرة «راجا» الآن؟»

«من المُحتمَل أن تكون في ميناءٍ ما على طول الساحل الأرجنتيني، جنوب بوينس أيريس.»

«حقًّا؟ إذن ربما يمكنك أن تخبرني بمكان ماكيلر؟»

«ماكيلر؟ تقصد مهندس التعدين، ابن سمسار البورصة؟»

«نعم، اعتقدت أنه يعمل لديَّ، وأرسلته لحضور تحميل الباخرة «راجا»، لكنه اختفى. هل وظَّفته؟»

«لا، لا أعرف شيئًا عنه.»

«اعتقدت أنه ربما أبحر مع الباخرة «راجا».»

«ليس على حدِّ علمي. ألا يعرف والده أين هو؟»

«يبدو أن والده لا يعرف أكثرَ مما أعرف. ربما يعرف بنفس القدْر، أو ربما أقل، أيًّا كانت الطريقة التي ترغب في قول الأمر بها.»

«إنه ليس موظَّفًا عندي، أيها اللورد.»

«أعتقد أنه كان عليه أن يوجِّه لي إشعارًا إذا كان ينوي ترك خدمتي. ربما ذهب للبحث عن منجم ذهب لنفسه.»

«أعتقد أن هناك العديد من مهندسي التعدين أكثر قيمة من ماكيلر الشاب، أيها اللورد. كان دائمًا يبدو لي شخصًا عنيدًا غير مهذَّب.»

«نعم، كان يفتقر إلى التهذيب الذي تمنحه المدينة للرجل. أفترض أن حياته في مختلف البراري التي زارها لم تساعده على اكتساب فن الكياسة. ومع ذلك، كما تقول، هناك الكثير من مهندسي التعدين في لندن، ولا شكَّ أنه عندما يحين الوقت الذي أحتاج فيه إلى واحد، سأجد رجلًا مناسبًا للوظيفة الشاغرة.»

«سأكون سعيدًا جدًّا لمساعدتك في الاختيار، أيها اللورد، إذا كنت مهتمًّا باستشارتي.»

«شكرًا، سأتذكَّر ذلك. فيما يتعلَّق بهذا الإيجار، يجب أن أوقِّع شيئًا، أليس كذلك، على الرغم من أنني أظن أنه لا ينبغي أن أوقِّع حتى يتمَّ استشارة محاميِّي؛ مع ذلك، أشعر بالأمان بين يديك، سيد شوارتزبرود، وإذا كنتَ ستُرسل لي الوثيقة، وتضع علامة بقلم رصاص على المكان الذي يجب أن أوقِّع فيه، فسأهتم بالأمر.»

قال الممول بلهفة، وهو يُخرِج الأوراق من جيبه: «لقد أحضرت الأوراق معي، أيها اللورد.»

«هل يمكنك أيضًا أن تُعطيَني قلم حبر؟ آه شكرًا. أنت جاهز بكل شيء لإنجاز أعمالك، سيد شوارتزبرود. هذا ما يعنيه أن تكون رجلًا منهجيًّا.»

أفسح اللورد مساحة صغيرة على الطاولة، وكتب اسمه أسفل وثيقتَين، ومع ذلك، فقد اتخذ الاحتياطات لقراءتهما ببعض العناية قبل إرفاق توقيعه بهما، على الرغم من تصريحه بأنه لا يفهم شيئًا عن هذه الأمور. واشتكى بضعف من الطبيعة الغامضة للأوراق، وقال إنه لا عجب أن هناك حاجةً ماسة للمحامين لتوضيحها. وضع شوارتزبرود الأوراق في جيبه بارتياح بالكاد استطاع إخفاءه، ثم زرَّر مِعطفَه وهو ينهض، أكثر نشاطًا من الشاب المضجر الذي يبلغ نصف عمره والذي نهض منهكًا من مجهود الكتابة. ومع ذلك، فقد أدلى بملاحظةٍ هادئة عَرضية أثناء انصراف ضيفه، مما أثار الحماسة فجأة في الغرفة وجعل ضيفه يرتجف ويصبح شاحبًا.

«متى قلت إنك تتوقَّع عودة الباخرة «راجا» من لشبونة، سيد شوارتزبرود؟»

لبضع لحظات كان هناك سكون شديد. كان سترانلي يُشعِل سيجارًا آخر، ولم ينظر إلى الرجل المصاب بالرعب، الذي امتلأت عيناه المنتفختان بالخوف.

«لشبونة … لشبونة؟» شهق مُحاولًا ضمان التحكُّم في ملامحه. «أنا … أنا لم أذكر لشبونة أبدًا.»

«أوه، بلى فعلت. قلت إنها كانت في مكانٍ ما جنوب لشبونة، أليس كذلك؟»

«قلت بوينس أيريس.»

قام سترانلي بإيماءة تدلُّ على نفادِ صبره كما لو كان منزعجًا من نفسه.

«يا إلهي، بالطبع قلت بوينس أيريس. كم أنا غبي. دائمًا ما يختلط عليَّ هذان المكانان الأجنبيان. أعتقد أن السبب في ذلك هو أن جمهورية الأرجنتين هي واحدة من تلك الممتلكات الإسبانية السابقة، ولأنَّ لشبونة في إسبانيا؛ لذا خلطت بين الاثنين.»

«لشبونة في البرتغال، أيها اللورد؛ إنها عاصمة البرتغال.»

«أنت على صواب. إنها مدريد التي كنتُ أفكِّر فيها، مدريد في إسبانيا، أليس كذلك؟»

«بلى أيها اللورد.»

«وهي ليست ميناءً أيضًا؟»

«أجل، ليست ميناءً، أيها اللورد.»

«وهل تقع لشبونة على البحر؟»

«على نهر تاجوس، أيها اللورد.»

«أنا جاهل، هذا ما أنا عليه. حقًّا يجب أن أذهب إلى المدرسة مرةً أخرى. لقد نسيت كل شيء تعلَّمته هناك. حسنًا، طاب مساؤك سيد شوارتزبرود. إذا كان هناك أي شيء آخر يمكنني القيام به من أجلك، فلا تتردَّد في زيارتي، كما تعلم. يجب علينا نحن الممولين أن يقف كلٌّ منا بجانب الآخر، حينما تكون الأوقات صعبة للغاية في المدينة.»

وقف الشاب على رأس الدَّرج، واضعًا سيجارًا بين شفتَيه ويديه في جيبي بنطاله، بينما يشاهد السيد شوارتزبرود الذي رفع يده مُتردِّدًا ليُصافحه وهو يغادر، لكنه فكَّر في الأمر بشكل أفضل، ونزل الدَّرج؛ حيث انتظر بونديربي الصامت بالأسفل ليَفتح له الباب. عندما وصل شوارتزبرود إلى الطابق السُّفلي، ألقى نظرةً قلقةً لأعلى الدَّرج. كان الشاب لا يزال واقفًا على بسطة السُّلم، يحدِّق متأملًا في ضيفه المُغادِر. أومأ برأسه بلطف، وقال «وداعًا»، لكن التعبير على وجه شوارتزبرود لا يُمكنه أن يُظهِر اضطرابًا أكبر إذا حلَّ الشيطان نفسه مكان سترانلي.

قال سترانلي لنفسه وهو يلتفت بعيدًا: «الرفيق غير المريح للغاية هو ضمير مُتململ، حتى في المدينة.»

أوقف شوارتزبرود سيارة أجرة، وتوجَّه إلى مكتبه في المدينة؛ قلقًا على الباخرة «راجا»؛ سعيدًا لأنه ضمِن تجديد الإيجار دون احتجاج أو تحقيق؛ غير مُرتاح بشأن ملاحظات سترانلي التي يبدو أنها بلا هدف بشأن القراصنة ولشبونة. وعند وصوله إلى مكتبه، طلب حضور كاتبه الذي يثق فيه.

وسأل: «هل من أخبار من لشبونة؟»

«نعم يا سيدي. الشفرة ذاتها. لا أثرَ للباخرة «راجا» هناك، يا سيدي.»

«كم مضى منذ أن أرسلت تحذيرًا إلى جميع وكلائنا على طول ساحل المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط للبحث عنها؟»

«أسبوع واحد فقط من اليوم، سيدي، وقد وصلت برقيةٌ بعد مُغادرتك بوقت قصير، من رجلنا في بريست. ولو كنت أعرف المكان الذي ذهبت إليه، كنت اتَّصلتُ بك يا سيدي.»

كرَّر شوارتزبرود بفارغ الصبر: «أعطني إياها، أعطني إياها، أعطني إياها.» أمسكها بيديه المرتعشتين، وقرأ:

باخرة تَرفع العلم الإنجليزي، تُدعى «راجا» وقبطانها ويلكي، في الميناء اليوم. تُفرِغ المعدن الخام في قارب شراعي.

أفسح السيد شوارتزبرود ذو الأخلاق المجالَ الآن لنوبة من الألفاظ اللاذعة التي كان من المروِّع سماعها، ولكن بدا كاتبه مُتبلِّد المشاعر معتادًا على ذلك، وثنى رأسه قبل هبوب العاصفة. خلال فترة هدوء قصيرة بسبب ضيق التنفس، غامر بقول ملاحظة واحدة:

«لا يمكن أن تكون سفينتَنا، سيدي. رجلنا هو القبطان سيمونز.»

«ما علاقة ذلك بالأمر، أيها الأحمق؟» صاح شوارتزبرود بأعلى صوت. وتابع: «هذا الوغد العجوز سيمونز يُمكنه تغيير اسمه بسهولة. لقد باعني، الكلب المنافق. من المُحتمَل جدًّا أنه وفراونينجشيلد كلاهما يتآمران ضدي. سيمونز لص، على الرغم من كلِّ اعتراضاته المنافقة عندما كنا نبرم صفقة. ولا أعتقد أن فراونينجشيلد أفضلُ منه، وهو أذكى منه. سوف يقومون بصهر المعدن الخام في فرنسا، بعد نقله إلى مكانٍ مناسب على طول الساحل في قوارب شراعية. لكن الأمر سيستغرق يومين أو ثلاثة أيام لتفريغها، وسأخيف العجوز سيمونز قبل أن يتم ذلك. لنرى إذا كان هناك باخرة من ساوثهامبتون إلى سانت مالو الليلة. وإذا لم يكن هناك واحدة، يجب أن أذهب إلى بريست عن طريق باريس. لا يُمكنني الثقة بأي شخص آخر للقيام بهذا الأمر.»

في حقيقة الأمر، كان هناك قارب في ذلك المساء لسانت مالو، وهكذا كان الشخصان اللذان انغمسا في محادثةٍ طويلة بشأن الباخرة «راجا» بعد ظُهر ذلك اليوم يلاحقانها ويتجهان غربًا؛ شوارتزبرود في سريره على متن قارب سانت مالو، وسترانلي في سريره على متن قطار بليموث السريع، بينما كانت الباخرة «راجا» العجوز المتينة تشقُّ طريقها بين الاثنين عبر القناة بين بريست وبليموث، متجهةً إلى ميناء بليموث.

في اليوم التالي، استقبل سترانلي ماكيلر بشيءٍ يكاد يقترب من الحماس. لم يكن لدى أيٍّ منهما أدنى شك في أن التوقُّف في بريست قد يساعدهما في تقفي أثر كونراد؛ ولكن حتى لو فعلا هذا، فلا بد أنهما قد عرفا أن وصول الباخرة «راجا» إلى بليموث كان سيترتَّب عليه عواقبُ مُماثلة إذا كان أتباع شوارتزبرود يبحثون بشدة عن مصالحه.

كان مكوث الباخرة «راجا» في بليموث قصيرًا جدًّا؛ إذ لم يُمنح طاقم اليخت سوى الفرصة ليأخذوا أماكنهم على متن الباخرة «راجا»، تحت قيادة القبطان ويلكي، بينما تمَّ وضع الطاقم الذي أحضر الباخرة «راجا» إلى الميناء تحت رعاية القبطان سيمونز، الذي لم تكن باخرته الكبيرة، «ويتشوود»، جاهزةً للإبحار بعد. ثم دارت الباخرة «راجا» حول الزاوية الجنوبية الغربية من إنجلترا، ورست في مرفأ بورتريث الصغير، على مسافةٍ قريبة من فرن الصهر. تم تفريغ حمولة الباخرة «راجا» بأقصى سرعة، ونُقل المعدن الخام بأسرع ما يُمكن إلى الساحة المسيَّجة التي تُحيط بفرن الصهر. اعتقد سترانلي أنه من الجيد أيضًا الحصولُ على مواده الخام بشكل متخفٍّ بأقلِّ تأخير مُمكن؛ لأنه على الرغم من أن بورتريث لم يكن مركزًا سياحيًّا، إلا أنه لا يمكن للمرء أن يكون متأكدًا تمامًا من عدم ذهاب عالمٍ ما بالصدفة إلى هناك؛ حيث سيعرف بالتقاطه عينةً أنها تحتوي على ذهب وليس نحاسًا. إلى جانب ذلك، أبلغ مهندس الباخرة «راجا» عن بعض العيوب في المحركات والمراجل التي يجب فحصُها وإصلاحها للتأكد من كونها آمنةً قبل مواجهة رحلة طويلة مرة أخرى؛ لذلك، حتى لا يضيع الوقت، سارعت الباخرة «راجا» في العودة إلى بليموث للخضوع للإصلاحات اللازمة.

عندما أعاد اللورد سترانلي، بمساعدة ماكيلر، تشغيلَ منجم النحاس القديم في كورنوال بعد هجره لفترة طويلة، ولأنه لم يكن يعرف شيئًا عن الأرقام، كما قال، فقد أولى مسئولية قسم الحسابات للشركة إلى أحد المحاسبين وهو واحد من الاثنَي عشر رجلًا الذين يهتمُّون بشئونه. قبل مُغادرته لندن مُتوجِّهًا إلى بليموث، طلب من هذا المُحاسِب تزويدَه ببيان الربح والخسارة، فيما يتعلَّق بالمنجم. ألقى نظرةً خاطفة على هذا البيان فقط، ولاحَظَ بارتياح أن العمل أدَّى إلى عجز، ووضع المستند في جيبه. عندما غادَرت الباخرة «راجا» بليموث لتشق طريقها حول الجزء السُّفلي من إنجلترا إلى بورتريث، استقلَّ اللورد سترانلي وماكيلر القطار من بليموث، ووصَلا إلى ريدروث في ساعتين و١٥ دقيقة، ومن المحطة استقلَّا السيارة إلى منجم النحاس، وقد أعطى سترانلي لماكيلر بيانَ الربح والخسارة، وأعطاه تعليماتٍ بما يجب أن يقولَه عندما يلتقِي بمُدير المنجم، الذي كان بيتر نفسه قد عيَّنه في هذا المنصب.

عند الوصول إلى مكتب الأعمال، تشاور ماكيلر مع المدير، في حين أن اللورد سترانلي، الذي كان يرتدي ملابسَ جميلة غيرَ مُناسبة تمامًا لمثل هذه المنطقة، كان يتجوَّل، مُهتمًّا اهتمامًا ذكيًّا بما يُحيط به مثل اهتمام سائحٍ عاديٍّ ببيئة مُحيطة غير مألوفة. حدَّق عمال المصاهر المتسخون الكادحون بازدراءٍ سافر في هذا النموذج الإنساني الأنيق، الذي تجوَّل فيما بينهم بشكلٍ غيرِ مُتوقَّع، وأبدَوا ملاحظات على مظهرِه الشخصي تتميَّز بالقوة أكثرَ من اللباقة. لم يولِ الشاب أدنى قدْر من الاهتمام إلى هذه التلميحات غير المُجاملة، لكنَّه كان يتسكَّع وكأنَّه يمتلك المكان، كما اشتكى أحد الرجال. أخيرًا، خرج المدير وماكيلر معًا من المكتب، وطلبوا من جميع عمال المنجم الصعود. توقَّفت التعليقات البذيئة، وانتشر شعور غير مُريح بين الموظَّفين بأن شيئًا غيرَ سارٍّ على وشك الحدوث. كان حدسهم مُبرَّرًا عندما اجتمع جميع الرجال معًا، وبدأ المُدير في التحدُّث. أخبرهم أن إعادة فتح المنجم كانت مجرد تجربة، وأعرب عن أسفه لإضافة أنَّ هذه التجربة قد فشلت من خلال حقيقةٍ أولية بسيطة وهي أنَّ كمية النحاس المُنتجة تُكلِّف أكثرَ مما يُمكن أن تَجنيه في سوق المعادن في العالم. أجريت العمليات بخسارة، ومن ثمَّ اضطُرَّ المالك على مضضٍ إلى تَسريح العمال، باستثناء أربعة، سيبقون للمُساعدة في تحويل بقايا الخام التي تمَّ استخراجها إلى سبائك. استُقبِلت هذه المعلومات في صمتٍ حزين من قِبَل أولئك الذين تأثَّروا بها. لقد واجه كلُّ واحد منهم من قبلُ المأساةَ التي سبَّبتها قلة العمل، لكن العادة جعلت تكرارها أمرًا غير مرحَّب به بالرغم من ذلك.

واصل المدير بعدما توقَّف قليلًا. وقال إنَّ المالك هو اللورد سترانلي، وقد أصدر أوامر اعتقَدَ المدير أنها لم يسبق لها مثيل في كل خبرته بسبب سخائها؛ فقد كان لكل رجل أن يحصل على أجر عام. عند هذا الإعلان، تلاشَت الكآبة فجأة، وارتفعت هتافات مدوية من الرجال. وأضاف المدير أنه تمَّ منحه هو نفسه منصبًا مهمًّا في أحد مناجم الفحم التابعة للُّورد في الشمال، وعندها هتف الحشد اللطيف للمدير الذي بدا أنه يتمتَّع بشعبية كبيرة معهم.

وختم المدير قائلًا: «والآن، بما أنَّ اللورد سترانلي نفسه حاضر، ربما يختار من بين عمال المصاهر الستة الأربعةَ الذين يرغب في توظيفهم.»

كان سترانلي يقف بعيدًا عن المجموعة، يستمع إلى بلاغة المدير، والآن استدار الجميع ونظر إليه باهتمام أكثر من المعتاد. كانت يداه، كالعادة، في جيوبه، وكانت هناك سيجارة بين شفتيه، لم تُخفِ، الابتسامة المرحة التي نظر بها اللورد إلى عمال المصاهر الستة، الذين أصيبوا بالفزع بشكلٍ واضح عندما علموا أنهم كانوا يسخرون بشدة من الرجل صاحب المال؛ الرئيس المُهم الذي دفع الأجور. أخرج اللورد سترانلي يده اليسرى ببطء من جيبه، وأخذ السيجارة من بين شفتيه.

وقال: «أعتقد، سيدي المدير، أننا سنَحتفِظ بالستة جميعًا»، وهكذا تمَّ صرف التجمُّع.

تمَّ الإبقاء على مجموعة الرفع إلى أن رُفعت جميع الأدوات والمعدن الخام غير الثابت من قاع المنجم إلى سطح الأرض. نزل سترانلي بنفسه عندما قام القفص برحلته الأخيرة، وهناك، باستخدام مصباح يدوي، فحص عمليات الحفر، مستمعًا إلى تفسيرات ماكيلر. عندما وصل إلى ضوء النهار مرة أخرى، أمرَ بتفكيك جهاز الرفع، وهذا العمل التدميري يعني الهجر النهائي لمنجم النحاس. احتج ماكيلر، المُقتصِد، على هذا الهدم.

ابتسم سترانلي، لكنه لم يلغِ الأمر. استقر هو وماكيلر في منزل المدير، بعد أن غادر قاطنه إلى الشمال. كان عمال المصاهر الستة من الرجال الوقحين، غير الأذكياء، غير المُتعلِّمين، ولم يرَوا فرقًا بين قضيبٍ أصفر وآخر؛ لذلك كان هناك القليل من المُخاطَرة في التنقيب باستخدامهم.

سأل ماكيلر: «ماذا ستَفعل بسبائك الذهب؟»

«كنت أفكِّر في وضعها في قبو ودائع آمن.»

قال المهندس الحذِر: «ستَحتاج إلى النظر جيدًا إلى أقفالها، ومزاليجها، وقضبانها.»

قال سترانلي: «لن تكون هناك مزاليجُ وقضبان. سأترُك السبائك مفتوحة للسماء، دون قفل أو مزلاج. ولن يتطفَّل عليها أحد.»

صاح ماكيلر: «يا إلهي، لن تكون بهذه الحماقة أبدًا؟» وتابع: «يا إلهي، حتى النحاس كان مَحميًّا بأقوى الأقفال وأكثرها أمانًا التي استطعت الحصول عليها.»

هزَّ اللورد سترانلي كتفيه فقط، ولم يقدِّم أي تفسير إضافي لنواياه.

في أول عملية صهر، تمَّ تحويل الذهب إلى سبائك تزن كلٌّ منها حوالي ١٠٠ رطل. عندما غادَرَ عُمال المصاهر في ذلك اليوم، وأغلقت البوابات، قال سترانلي لماكيلر:

«تعالَ معي، وسأُريك قبوَ الودائع الآمن الخاص بي.»

وبهذا رفع إلى كتفه إحدى السبائك؛ التي كانت لا تزال دافئة، ومشى إلى فوَّهة المنجم، وألقاها في الفراغ.

قال ماكيلر مُتذمِّرًا: «ليست فكرة سيئة»، وهو يحذو حذو رئيسه، حتى استقرَّ بينهما كل الذهب من عملية الصهر الأولى على أرضية المنجم العميقة المُظلمة.

في أحد الأيام، بينما كان الاثنان جالسَين معًا يتناولان الغداء المقتصد الذي أعدَّه بيتر، تم إحضار برقية إلى اللورد سترانلي. ضحك الشاب عندما قرأها، ومرَّرها عبر الطاولة لماكيلر، الذي قرأ:

الباخرة «راجا» جاهزة للإبحار، لكن السلطات القانونية استولَت عليها اليوم تحت تصرُّف رجل يُدعى شوارتزبرود. أنا رهن الاعتقال بتهمة سرقة الباخرة «راجا». لا مانع لديَّ في الذهاب إلى السجن، لكني بانتظار التعليمات. ويلكي، القبطان.

«يا إلهي، تعقَّبها العدو»، هتف بيتر. وتابع قائلًا: «أتساءل كيف فعلوا ذلك!»

«هذه ليست النقطة التي يجب أن نتساءل عنها، يا بيتر، عندما تتذكَّر أن وصول الشحن ومغادرته يتمُّ الإعلان عنه في كل صحيفة صباحية. العجيب أنهم لم يمسكوا بها منذ أيام. أوه، يا عزيزي، كم يُضايقني الرجال المشاكسون! ها أنت ذا تحاول باستمرار أن تُشركني في قتال، والآن ها هو ذا شوارتزبرود يورِّطني في شبكات القانون، بينما أنا رجل مسالم أكره المعارك والدعاوى القضائية على حدٍّ سواء، لكن الأشخاص الصالحين دائمًا ما يتعرَّضون للاضطهاد، وأظن أنني يجب أن أقبل نصيبي من المتاعب. ومع ذلك، أتوقَّع بعض التسلية مع صديقي شوارتزبرود. إذا لم تساعدني يا بيتر، فلا تُساعِد الشخص الأخرق، وسترى أطرف صراع قانوني حدث على الإطلاق.»

مع هذا ذهب سترانلي ليَرتديَ ملابس المدينة.

قال «بيتر»، وهو يخرج من غرفة نومه، مُرتديًا ملابسه كما لو كان ينوي التسكُّع في بيكاديللي بدلًا من تسلُّق تلال كورنوال، وتابع: «بيتر، سوف أتركك هنا. استمر في عملية الصهر كما لو أننا لم نفترق، وقم بإلقاء أكبر عدد مُمكن من سبائك الذهب في ذلك المنجم، ممتنًّا بحقيقة أنه ليس عميقًا جدًّا وذلك لتحقيق أغراضنا، على الرغم من أن امتلاك الكثير من الذهب قد يؤدي إلى ذلك. لا يعني ذلك أنني أحب طهيك بدرجةٍ أقل، لكني أحب مطبخ النادي أكثر.»

«إذن أنت ذاهب إلى لندن؟»

«في نهاية المطاف إلى لندن، يا ولدي، ولكن أولًا إلى محطة ريدروث؛ ثم إلى بليموث. لا يُمكنني السماح لقبطاني الشجاع أن يُلقى في السجن لمجرد إرضاء كونراد شوارتزبرود، الذي يجب أن يكون هناك بنفسه. يجب أن أُقابل في بليموث شخصًا ضليعًا في القانون، ومن ثمَّ أُربك، وأماطل، وأزعج، وعلى الأقل أُفقِر ذلك اللص العجوز شوارتزبرود جزئيًّا؛ لذلك وداعًا يا بني، وكن جيدًا قدْر الإمكان أثناء غيابي، وعندما تشعر بالفخر بسبب ثروتك المتراكمة، تذكَّر مدى صعوبة دخول رجل غني إلى الجنة، ومن ثمَّ استأنف تواضعك الطبيعي. وداعًا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤