الفصل التاسع

الصراع المالي الأخير مع شوارتزبرود

عند وصول سترانلي إلى ريدروث، أرسل ثلاث برقيات؛ واحدة تُعطي تعليماتٍ لكبار محاميه في لندن ليَطلُبوا من المحامي الرائد في الأمور البحرية في بليموث ليزورَه على الفور في فندق جراند أوتيل في تلك المدينة. والبرقية الثانية طلبت من القبطان ويلكي أن يبتهج؛ حيث كانت الكفالة الكبيرة تقترب منه بالقطار التالي من الغرب، وطلبت منه، في حالة إطلاق سراحه، القدوم إلى جراند أوتيل في حوالي الساعة السادسة. وحجزت البرقية الثالثة جناحًا في جراند أوتيل، وبانتهاء هذه المهمة، كان لدى سترانلي الوقت الكافي للحاق بقطار ٢:٤٩ المتجه إلى بليموث.

عند انطلاقه إلى جراند أوتيل بعد الساعة السادسة بوقت قصير، وجد كلٌّ من القبطان ويلكي والسيد دوكيتس، المحامي المتخصِّص في الشئون البحرية، في انتظاره، وذهب الثلاثة معًا إلى الغرف المحجوزة.

قال الشاب وهو يُصافحه: «إذن لم يضعوك في السجن، أيها القبطان.»

«لا سيدي؛ لقد فكَّروا في حلٍّ أفضلَ من ذلك. في الواقع، يبدو أن هناك قدْرًا كبيرًا من التردُّد بشأن إجراءاتهم. فقد عيَّنوا رجالًا لتولي المسئولية، ثمَّ أخرجوهم مرةً أخرى. وقبل مُغادرتي للسفينة مباشرة، صعدت مجموعةٌ كبيرة جديدة على متنِها. في البداية كانوا سيُقيِّدون يدي، ثم تشاوروا بشأن الأمر وسألوني إن كان بإمكاني دفع الكفالة. لم أكن أعرف ما إذا كنت ترغب في أن أذهب إلى السجن أم لا؛ لذا رفضت الإجابة.»

قال السيد دوكيتس: «هذا أسلمُ شيء في غياب التعليمات.» وتابع: «ما سبب كل هذا، أيها اللورد؟»

قال سترانلي، وهو يُلقي بنفسه على أكثر مقعد مريح يمكن أن يجده، «إنها قضية معقَّدة إلى حدٍّ ما، سيد دوكيتس، وليس من الضروري الخوض في القصة بأكملها في الوقت الحالي.»

هزَّ المحامي رأسه في شكٍّ.

«إذا كنتُ سأقدِّم أي مساعدة، يا لورد سترانلي، أعتقد أنه يجب أن تُخبرني بكل شيء. فالنقطة التي قد تبدو غير مهمة للعقل العادي، غالبًا ما تكون ذاتَ أهمية قصوى لطالب القانون.»

«أنت مخطئ، سيد دوكيتس. ما تُفكِّر فيه هو القصة البوليسية. إنه المحقِّق هو الذي يزوده أبسط حادث بدليل مهم. يجب ألا تُهينَ عقلي من خلال تسميته بالعقل العادي، سيد دوكيتس؛ لأنني أخذت القانون البحري الخاص بي من ذلك الممارس الممتاز، كلارك راسل؛ لذا، عندما يتعلَّق الأمر بالسفن، فأنا أعرف ما أتحدَّث عنه. والنقطة الأولى التي أودُّ أن أثير إعجابك بها هي أنني لن أظهرَ في هذه القضية. فلا أحد سيَعرِف مَن يوظِّفك. والنقطة الثانية هي أنه لن يتم رفع أي دعوى قضائية في المحاكم. يُمكنُني تسوية القضية في غضون ١٠ دقائق فقط بالذهاب إلى المحترم كونراد شوارتزبرود، الذي وضع القانون موضع التنفيذ بلا مُبالاة؛ لكن مثل هذا الإجراء من جانبي سيكون غيرَ عادل إلى حدٍّ كبير بالنسبة لرجل قانون مرموق مثلك يرغب في كسب رسوم نزيهة.»

انحنى السيد دوكيتس بشكلٍ رسمي إلى حدٍّ ما، مع انحناءة رأس نجحت بمهارة في التعبير عن الاحترام لمرتبة اللورد في الحياة، لكن مع رفضٍ لطيف لكلامه المتطاول.

«أنصح موكليَّ دائمًا، سيدي، بتجنُّب التقاضي إذا استطاعوا ذلك.»

«هذا صحيح تمامًا، سيد دوكيتس. هذه آداب قانونية جيدة، ما دامت النصيحة تُقدَّم بطريقةٍ لا تُقنِع العميل. الآن هذه الباخرة، «راجا»، مِلكٌ لي، لكنها مؤجَّرة لعدد من الأشهر من قبِل كونراد شوارتزبرود المذكور آنفًا — آمُل أنني أستخدم عبارات قانونية صحيحة — وكونراد شوارتزبرود المذكور آنفًا هو أحد الأوغاد الأكثر فسادًا وانعدامًا للضمير الذين أنتجتهم مدينة لندن على الإطلاق، وهذا التصريح يُعتبَر تشهيرًا للأسف، لكن دون تحيُّز، وأقوله فقط في حضور الأصدقاء. فالقانون، بالطبع، مُصمَّم لتسوية تلك الخلافات التي قد تُعرض عليه، في وقت قصير وبتكلفة زهيدة، ومع ذلك فإنني أتمنَّى أن يتم تحريف القانون وتحويله عن غرضه الصحيح، بحيث تستغرق هذه القضيةُ أكثرَ من الوقت اللازم قدْر المستطاع، مع الإنذارات، والقيود، والالتماسات المتعارضة، والمحتجين، والأوامر القضائية، أو أي أشياء أخرى يُمكنُك التفكير فيها. عندما تجد أنك محاصر، سيد دوكيتس، ويجب أن تخرج في النور أمام القاضي، فابعث لي برقية، وستندهش لمعرفة مدى سرعة إبطال كل شيء.»

مرة أخرى انحنى المحامي بشكلٍ رسمي للغاية.

وقال بشكلٍ مؤثر: «أعتقد أنني أفهم سيادتك.»

«أنا متأكِّد من ذلك، وآمل أن تمنحني شرف تذكُّر سرعة فهمك، حتى تتمكَّن من فرض رسوم إضافية على ذلك الأمر عند إرسال الفاتورة. فإنني أؤكد لك، بصراحة تامة، أنه لا شيء يسعدني مثل دفع أجرٍ مناسب لرجل كفء. وإذا حاول هؤلاء الأشخاص مضايقة القبطان ويلكي مرة أخرى، فعليك حمايته، وسأوفِّر الكفالة بأي مبلغ معقول أو غير ذلك. والآن، سيد دوكيتس، إذا سمحت لي بالحصول على بطاقتك، مع عنوانك عليها، سأترك القضية بين يديك.»

امتثل السيد دوكيتس للطلب، وانصرف باحترام. نهض القبطان ويلكي أيضًا، لكن سترانلي لوَّح له بالجلوس على مقعده مرة أخرى.

«اجلس، أيها القبطان. هل أبحرت «ويتشوود» بعد؟»

«لا يا سيدي، لم تفعل. قابلتُ القبطان سيمونز أمس. جاء إلى الباخرة «راجا» ليأخذ بعض متعلقاته التي كانت لا تزال في مقصورته. وقال إن ويتشوود قد تكون جاهزة للإبحار غدًا أو بعد غد.»

«حسنًا، أعتقد أنني سأذهب لزيارته. أستطيع أن أفعل ذلك قبل العشاء. لقد كان ماكيلر الجدير بالاحترام طباخي لبعض الوقت، وإذا لم تبدأ هذه الدعوى السعيدة الحظ من قبِل ذلك المتبرع العام، شوارتزبرود، لا أعرف ما كان سيحدث لي، لأنَّني لم أرغب في الإساءة إلى مهارة ماكيلر في المطبخ بهجره. ولكن الآن بعد أن أجبرني القانون على تركه، آمُل، أيها القبطان، أن تُشفقَ على رجلٍ وحيد، وتتناول العشاء معي هنا في الساعة الثامنة. سأطلب عشاء سيجعل هذه الحانة تندهش. ستظل معي، أليس كذلك أيها القبطان؟»

«شكرا سيدي، يسرني ذلك.»

«حسنًا، اتفقنا. الآن، إذا أرشدتني إلى «ويتشوود»، فسوف أذهب على متنها لإجراء محادثة مع القبطان سيمونز، وسوف تقابلني في غرفة الطعام في الساعة الثامنة.»

افترق الاثنان بجوار تلك السفينة البخارية الضخمة، «ويتشوود»، وصعد سترانلي على متنها، وألقى التحية على القبطان سيمونز على ظهر السفينة.

«حسنًا، أيها القبطان، ألم ترحل بعد؟»

قال القبطان المذهول: «نعم أيها اللورد، ليس بعد.» وتابع: «لو كنتَ أبلغتني بأنك قادم، أيها الإيرل، لكنت أعددت العشاء من أجلك. كما ترى، ليس هناك ما يصلح للأكل على متن السفينة.»

«أنا معتاد على ذلك، أيها القبطان. كنت أشكو للتو لويلكي الذي أحضرني إلى هنا، أن ماكيلر كان طباخي، وبدا أنه يتعاطف. ولكن، الأمر مختلف. أريدك أن تأتي لتناول العشاء معي. لقد قمت بدعوة القبطان ويلكي، وسوف نُشكِّل ثلاثيًّا جائعًا حول طاولة مستديرة في جراند أوتيل الليلة الساعة الثامنة. ثلاثة إخوة من بليموث، كما قد تُسمُّوننا: أنتما الاثنان بحَّاران خبيران بالفعل، وأنا هاوٍ. هل ذهبت إلى ذلك الكوخ الصغير على مصب النهر في ساوثهامبتون؟»

«لا، أيها اللورد — ولكني أفكِّر في الأمر طوال الوقت بسرور كبير، وتكتب لي الزوجة أو إحدى الفتيات كل يوم. إنهنَّ سعداء يا سيدي — أقصد أيها اللورد. لم أعرف إلا بعد أن رحلت أنك اشتريت كل هذا الأثاث، ولكن يجب أن تدَعني أدفع ثمن ذلك، أيها الإيرل، بالتقسيط.»

«أوه، لا بأس، أيها القبطان. انتظر حتى أرسل الجابي. لا تَقلَق أبدًا بشأن الدفع حتى يُطلب منك ذلك. هذه كانت قاعدتي في الحياة. الآن، أيها القبطان، اصطحبْني إلى مقصورتك. أتمنَّى أن أجري محادثةً هادئة معك، وعلى سطح السفينة، مع الرجال، ستكون علنية إلى حدٍّ ما.»

قاد القبطان الطريق، وحدَّق سترانلي فيه وهو ينهض.

«آه، إنها تشبه الباخرة «راجا». لكنها تتفوق عليها، أليس كذلك؟»

«بلى، أيها اللورد — أعني سيدي. لم أتوقَّع أبدًا أن أجد نفسي في مقصورةٍ مثل هذه، يا سيدي، وسفينة رائعة مثل هذه أيضًا، بهيكل جيد ومتينة. أود أن أبحر بها إلى مصب النهر في ساوثهامبتون يومًا ما، فقط لأسمح لزوجتي وأبنائي برؤيتها.»

«سأخبرك ما يجب عليك فعله، أيها القبطان. أرسل برقيةً إلى السيدة سيمونز والفتيات، تَطلُب منهن إغلاق المتجر، والحضور على الفور إلى بليموث. سأقوم بالترتيبات اللازمة لهن في جراند أوتيل وسيبقين هنا حتى تُبحر، وهذا لن يتم إلا بعد بضعة أيام. والآن لنباشر عملنا، أيها القبطان. اكتشف شوارتزبرود العجوز مكان الباخرة «راجا»، وقد قفَزَ على متنها بأمرٍ قضائي لعينٍ أو بعض الأفعال الشيطانية لمُحامٍ ما مثل هذا: حاول أن يأمُر بمثول ويلكي العجوز أمام المحكمة، أو أيًّا كان ما يسمونه؛ على أي حال، شيء يتم باستخدام الأصفاد، لكن الرجل العجوز كان شجاعًا حتى النخاع، وكان على استعداد للذهاب إلى سجن الباستيل نفسه إذا كان ذلك ملائمًا لي، لكني دعوته لتناول العشاء بدلًا من ذلك.»

قال القبطان سيمونز، وهو لا يشعر بأي نوع من السرور: «إذن، سيُحاول شوارتزبرود العثور عليَّ، على الأرجح؟»

«أعتقد هذا؛ لذلك لو كنتُ مكانك لأبقيت عيني الثاقبة على جانب السفينة، فمن المحتمل جدًّا أن يكون شوارتزبرود في بليموث. ومع ذلك، فقد طلبتُ من مُحامٍ مرموق المضيَّ قُدمًا بأقصى سرعة، وأتوقَّع أن يكون لدى شوارتزبرود ما يكفي لشغل عقله في غضون أيام قليلة. الآن، قبطان سيمونز، على الرغم من أن معرفتنا كانت قصيرة جدًّا، إلا أنني سأثق بك تمامًا. فمنذ أن تمَّ اتخاذ هذا الإجراء من قبِل شوارتزبرود، خطر ببالي أن الشخص المناسب للذهاب إلى نهر باراماكابو هو القبطان العظيم الذي كان موجودًا هناك بالفعل، وهذا الشخص هو أنت.»

«حسنًا؛ سيدي، كان القبطان ويلكي هناك أيضًا في يختك، وربما يحبُّ هذه السفينة الجديدة. أنا متأكد من أنه لا يهتم بالباخرة «راجا».»

«أوه، إنه لا يحتاج إلى الاهتمام بالباخرة «راجا». لقد تركها إلى الأبد، وسيتولى قيادة اليخت الخاص بي مرةً أخرى. لا، أنت الرجل المناسب لنهر باراماكابو. أنت تعرف فراونينجشيلد وتعرف عصابته وهو يعرفك. الآن، أتركُ كل شيء لتقديرك الخاص. إذا أخبرت فراونينجشيلد بكل شيء، فمن المُمكن أن يستوليَ على السفينة «ويتشوود»، ويُجبرك على الإبحار إلى لشبونة، أو أي مكان يشاء. كل هذا يتوقَّف على مدى عمق تعامُلِه مع ذلك المحتال الماهر، شوارتزبرود.»

«لن أخبره بأي شيء عن ذلك يا سيدي.»

«هذه نصيحتي الخاصة. لا ينبغي أن أقول شيئًا إلا أنهم وفَّروا لك باخرة أكبر، بحيث يمكنك الهروب بضعف كمية المعدن الخام، وكل ذلك صحيح بما فيه الكفاية. ولكن إذا كانت الظروف التي لا يُمكنُك التحكُّم فيها تجبرك على الكشف عن الوضع الحالي، فأحضر فراونينجشيلد وحده هنا في المقصورة، وتحدَّث معه كما تحدَّثت معك في أعالي البحار. لقد شارَكَ في عملٍ إجرامي، سواء كان خاضعًا للولاية القضائية للعَلم البريطاني أم لا؛ لكن النقطة الأساسية التي أتمنَّى أن توضحها له هي أنني سأحل محلَّ شوارتزبرود؛ وهذا يعني أنني سأفي بكل وعد وعدَهُ به هذا الوغد، كما فعلت معك. أعلم أن الفضيلة مكافأةٌ في حد ذاتها، لكنني في بعض الأحيان أتمنَّى أن يُتعامل أيضًا مع الفضيلة أكثر بالعُملة المحلية. لا يبدو من العدل أن كل التعويضات الكبيرة عادة ما تكون لصالح الشرير. على أيِّ حال، أنا أثق في هذه السفينة وهذا العمل متوقَّف بالكامل عليك. تصرَّف على النحو الذي تراه مناسبًا، وإذا أرغموك على الإبحار إلى لشبونة أو أيِّ مكان آخر، فأرسل برقية لي بكلِّ ما يحدث حينما تستطيع الوصول إلى جهاز تلغراف. ومع ذلك لا أتوقَّع أي مشكلة من هذا النوع. سيعرف فراونينجشيلد كيف يتصرَّف لينال ما يريد، حتى لو كان شريرًا، وهو ما لا أصدِّقه. الآن، وعدك شوارتزبرود بمبلغ ٥٠٠٠ جنيه إضافية مقابل ثلاث رحلات إلى لشبونة، و٢٠٠٠ جنيه لكلِّ رحلة إضافية. كم عدد الرحلات الإضافية التي تمكَّنت من القيام بها؟»

«لم أتمكَّن من إتمام أي رحلة، يا سيدي، بالباخرة «راجا».»

«حسنًا، دعنا نَقُل اثنتَين. هذا يعادل ٩٠٠٠ جنيه. سأعطيك شيكًا بهذا المبلغ غدًا، ويمكنك تسليمه لزوجتك لتضعه في البنك عندما تعود إلى ساوثهامبتون.»

قال القبطان بنظرة حزن صادقة: «لم أُفكِّر في أخذ ذلك منك يا سيدي.»

«إنه ليس مني على الإطلاق، قبطان سيمونز. سأجعل شوارتزبرود يُسلِّم هذا المبلغ إلى مصرفي. أنا فقط أتوقَّع مدفوعاته؛ وأنقلها منه إليك، إن جاز التعبير. وبطريقة مماثلة سأكافئ فراونينجشيلد، وسأعطيك عددًا كافيًا من القطع الذهبية لتدفع لجميع رجاله، وهذا سيخلق بعض الرضا في المعسكر، على الرغم من عدم وجود مكان في نطاق مسافة قدرها ١٠٠٠ ميل حيث يمكنهم إنفاق بنس واحد. لذا، أيها القبطان، سوف تقوم بتحميل سفينتك بكمية وافرة من المؤن لأولئك الموجودين في المعسكر، وتأخذ إليهم أيَّ شيء تعتقد أنهم قد يحتاجون إليه، وتخبرني بالتكلفة، التي سأضيفها على حساب شوارتزبرود.»

«ولكن أليست هناك فرصة، سيدي، أن يستأجر شوارتزبرود باخرةً أخرى، وفي هذه الحالة قد نضطر للقتال؟»

«لا، لا أعتقد ذلك. أنا أراقب شوارتزبرود العجوز، ومن آخرِ تقرير لم يستأجر حتى زورق. لا، لقد مددت الإيجار الخاص بالباخرة «راجا» لمدة ثلاثة أشهر إضافية، وسيأمل في الحصول عليها. سيستغرق الأمر بضعة أيام ليدرك مدى تأخُّر القانون، ومع هذه البداية، جنبًا إلى جنب مع سرعة «ويتشوود»، لن تجد صعوبةً في تعبئة هذه السفينة، والهروب دون مواجَهة أي معارضة. لا، لا أريد أي قتال. كما ترى، لا يُمكنني تجنيبُ ماكيلر، وسيُحزنه كثيرًا أن يعتقد أنه كان هناك شجار ولم يشارك فيه.

هذا اقتراح خطرَ لي للتو، ويُمكنك التصرُّف بناءً عليه أو عدم التصرُّف وفقًا لما تُمليه الظروف. عندما يتمُّ تحميل «ويتشوود» بالكامل بالمعدن الخام، وتكون على استعداد للإبحار، يُمكنك أن تطلب من فراونينجشيلد أن يصعد معك على متنها للقيام بتلك الرحلة على بُعد ١٢ ميلًا في النهر. ويمكن أن يتبعها الزورق البخاري ويعيده مرةً أخرى. أخبره أن لديك شيئًا مهمًّا تقوله لا يمكنك البوح به على الشاطئ، ثم اصطحبه إلى هنا في المقصورة الخاصة بك، واحكِ له كلَّ ما حدث. حينها لا يُمكنه إيقاف «ويتشوود» إذا أراد ذلك. سوف يطيعك طاقمك، وبصرف النظر عن الأوامر التي سيُعطيها لهم لتغيير المسار، لن ينتبهوا له. بيِّن له أنه يستطيع جنْي المزيد من المال من خلال كونه صادقًا بدلًا من اتِّباع خطى شوارتزبرود العجوز. أخبره أنك تسلَّمت التسعة آلاف جنيه الخاصة بك — وبالمناسبة، هذا يذكِّرني أنه من الأفضل أن أعطيك الشيك الليلة قبل العشاء، حتى تتمكَّن من إيداعه في البنك الذي تتعامَل معه في ساوثهامبتون، وتَسلُّم إيصال البنك بالمبلغ قبل أن تبحر. سيكون إيصال الإيداع مبهجًا للسيدة سيمونز تمامًا مثل الشيك — وبعد ذلك يُمكنك إخبار فراونينجشيلد، بضميرٍ حي، أن المال بحوزتك بالفعل. أنا أومن دائمًا بقول الحقيقة لقرصانٍ مثل فراونينجشيلد إذا كان ذلك مُمكنًا على الإطلاق. لا تتخيَّل أنني أعظ أيها القبطان. ما أعنيه هو أن الحقيقة أكثرُ إقناعًا على الإطلاق من أذكى الأكاذيب. سنفترض إذن، أن فراونينجشيلد توصَّل إلى القرار ذاته الذي اتخذته، ووافق على الانضمام إليَّ في الحفاظ على ملكيتي الخاصة من لصٍّ عديم الضمير. في هذه الحالة، أخبره أن شوارتزبرود سيرسل على الأرجح باخرةً أخرى لنقل الخام بعيدًا، بمجرد أن يدرك أنه لا يُمكنه الحصولُ على الباخرة «راجا» مرة أخرى، وأنني أتوقَّع ألا يسمَح فراونينجشيلد وأتباعه لهذه الباخرة بأخذ أيٍّ من المعدن الخام.»

«هل أُخبِره بأن يُغرِق باخرة شوارتزبرود؟»

«يُغرقها؟ لا، يا إلهي، لا. لماذا ستغرقها؟ أخبره بأن يستخدم الإقناع اللطيف، ولا يتخلَّى عن المعدن الخام. لا يُمكن لأفراد الطاقم العادي ملء المخزن بالمعدن الخام الذي يرفض ١٥٠ رجلًا السماح لهم بلمسه. لست بحاجة للقتال. إذا جعل فراونينجشيلد رجاله المائة والخمسين يقفون صفًّا على طول ذلك الحيد البحري، فإن نظرةً واحدة على وجوههم المثيرة ستقنع قبطان أي سفينة بأنه سيكون أكثرَ أمانًا في البحر.

أعتقد أن «ويتشوود» ستُلبِّي أغراضنا بشكل جيد للغاية. فهي كبيرة وسريعة. حاول أن تكتشف، إن أمكن، بالضبط ما وعد به شوارتزبرود فراونينجشيلد ورجاله، وأخبرني عند عودتك. الآن، أيها القبطان، أعتقد أنك تفهم جيدًا ما هي واجباتك الجديدة؛ لذا انطلق نحو الجنوب بأسرع ما يمكن. في غضون ذلك، يجب أن نتحرَّك نحو جراند أوتيل. أنا متشوق للغاية لتناول ذلك العشاء، وفي الطريق سنُرسل برقية إلى السيدة سيمونز والعائلة. بعد ذلك، سنقضي نحن المعربدِين الثلاثة الليلة معًا؛ لأنني يجب أن أذهب إلى لندن غدًا.»

•••

عمل ماكيلر بجد في عملية الصهر، وألقى الذهب في المنجم المهجور بعد أن تركه مساعدوه طوال الليل. كان مُتشوقًا لسماعِ ما حدث للباخرة «راجا»، وما حدث للقبطان ويلكي الذي كان مُهدَّدًا بالسجن، لكن لم يَرد أيُّ خطاب من اللورد سترانلي، وهو أمرٌ لم يتعجَّب منه؛ لأن جميع أصدقاء سترانلي كانوا يعرفون كرهَه للكتابة.

في صباح اليوم الثالث بعد رحيل سترانلي، تلقَّى ماكيلر برقيةً طويلة من الواضح أنه تمَّ تسليمها في لندن في الليلة السابقة. في البداية، اعتقد ماكيلر أنها كانت مُشفَّرة، لكن الدراسة الدقيقة للرسالة أقنعته بأنه لا حاجة لفك شفرة من أجل استيضاحِ ما جاء بها. وكانت على النحو التالي:

خذ نصف رطل من الزبدة، ورطلًا من الدقيق، ونصف رطل من السكر غير المكرَّر، وبيضتَين، وملعقة صغيرة من عصير الليمون، وربع كوب من البراندي أو النبيذ. افرك الزبدة، والدقيق، والسكر جيدًا معًا، واخلط البيضتين بعد خفقهما، وأضف عصير الليمون والبراندي. ضع الكعك في مقلاة واخبزه لمدة نصف ساعة في فرن سريع.

تمتم ماكيلر لنفسه ببعض الملاحظات الصارمة حيث فهم أخيرًا مغزى هذه الرسالة. احتجز فتى التلغراف لفترة كافية لكتابة سطرٍ أرسله إلى مسكن اللورد سترانلي بتَكلفة ستة بنسات.

«ماذا فعلت بشأن الباخرة «راجا» … ماكيلر.»

في وقتٍ متأخِّر من بعد الظهر، عاد فتى التلغراف، وأعطى لماكيلر غير الصبور والآن سريع الغضب التعليمات التالية:

«بالنسبة إلى شخصين بمفردهما عند فوَّهة المنجم، خذ طائرًا سمينًا، وأضف الفلفل الأبيض والملح حسب الرغبة، ونصف ملعقة من جوزة الطيب المبشورة، ونصف ملعقة من قشرة جوزة الطيب المطحونة، وبضع شرائح من لحم الخنزير، وثلاث بيضات مسلوقات مقطَّعات إلى شرائح رفيعة، وربع لتر ماء، وغطِّها بطبقة من العجينة الهشة. يُطهى لمدة نصف ساعة، وعندما ينضج، صفِ الخمر من أجل المرق. ضع طبقة من الدجاج في قاع طبق الفطيرة، ثم طبقة من لحم الخنزير، ثم شرائح البيض المسلوق، مع قشرة جوزة الطيب، وجوزة الطيب، والفلفل، والملح بين الطبقات. ضع ربع لتر من الماء وغطِّه بعجينة هشة واخبزه لمدة ساعة ونصف.»

قال ماكيلر لنفسه: «أظن أنه يعتقد أن هذا مضحك، لكن سيُكلفُه مبلغًا كبيرًا من المال إذا استمر فيه كل يوم.»

قال فتى التلغراف: «هل هناك رد؟»

أجاب ماكيلر: «نعم»، ولأنه احتذى بتهور سترانلي، فقد كتب رسالة أطول مما كان معتادًا عليه:

كل شيء يسير على ما يُرام هنا. يعتمد الطهي الذي أقوم به على إعداد كعكة الهاردبيك، والوصفة كالتالي: خذ خامًا من أفريقيا وملحًا وفلفلًا حسب الرغبة، واخلطهم مع الفحم الصلب من الشمال، وطلقات سريعة، وفرن ساخن. عندما تُخبز تمامًا، صُبَّها بقوالب من الرمل، وضعها في قبوٍ عميق لتبرد. وفِّر المال الذي تُهدره في هيئة البريد من خلال أن ترسل لي، عبر الطرود البريدية، كتاب الطهي الذي تَسرق منه تلك الأصناف، واستخدم تلغرافًا لإعلامي بما حدث للباخرة «راجا» والقبطان ويلكي.

في المساء جاء الجواب.

هذه ليست وصفة سيئة منك يا ماكيلر. لم أكن أعتقد أن رجلًا جادًّا مثلك قادر على مثل هذا العبث. الباخرة «راجا» في المحكمة العليا، عليها منازعات قضائية، مقيَّدة بالأصفاد، في ميناء بليموث، صدرَ بشأنها أمرٌ قضائي. أتوقَّع أن يمر وقتٌ طويل قبل أن تخرج الباخرة «راجا» من المحكمة. القبطان ويلكي بخير، وعائد باليخت. تتَّجه «ويتشوود»، بقيادة سيمونز، إلى باراماكابو. أتوقَّع أن أكون معك بعد أن تأخذ وقتك لدراسة المجلد الذي أرسله اليوم بناءً على اقتراحك عبر الطرود البريدية؛ «كتاب السيدة بيتون للتدبير المنزلي»؛ كتاب كبير لكنَّه مفيد.

•••

لكن اللورد سترانلي لم يَعُد، كما وعد، إلى منجم كورنوال. على الرغم من أنه كان يعيش على ما يبدو حياةً بلا هدف في المنزل، أو في أحد نواديه، أو في اجتماع سباق مثير للاهتمام، إلا أنه كان يراقب شوارتزبرود عن طريق عميلٍ سري كفء. وتساءل عن مدى سرعة تمكُّن رجل ذكي مثل المُموِّل من معرفة أن الباخرة «راجا» كانت مقيَّدة ببيروقراطية القانون؛ فقد كانت ثابتة في المرسى كما لو كانت مربوطةً في حائل الأمواج بكابلات من الصلب. وقد قرَّر أن شوارتزبرود ينبغي ألا يزيد من تعقيد الموقف عن طريق إرسال باخرة أخرى في رحلةٍ استكشافية لسرقة المعدن الخام إلى غرب أفريقيا؛ وعندما تلقَّى أخيرًا تقريرًا من عميله يفيد بأن رجال شوارتزبرود كانوا يتفاوضون مرةً أخرى مع السادة سبارلينج آند بيلج من ساوثهامبتون، اعتقد الشاب المتكاسل أن الوقت قد حان للهجوم؛ لذلك اتصل هاتفيًّا بشوارتزبرود، طالبًا منه زيارته في منزل المدينة صباح اليوم التالي، الساعة العاشرة والنصف، حاملًا معه دفتر الشيكات.

رغب شوارتزبرود، متلعثمًا على الطرف الآخر من الهاتف، في مزيد من التوضيح بشأن طلب دفتر الشيكات. وقال إن أموال الإيجار لم تكن مستحقة. ولم يُذكر أي شيء في الوثيقة الموقَّعة بشأن السداد مقدمًا، ولكن سترانلي أنهى المحادثة الهاتفية، وترك المموِّل في حالة تخمين. وبعد بضع دقائق عندما اتصل شوارتزبرود مرةً أخرى بالمنزل، أخبره بونديربي ذو الصوت الهادئ أن اللورد قد غادر إلى ناديه، لكنه يتوقَّع رؤيته على الفور في الساعة العاشرة والنصف في اليوم التالي.

عندما وصل شوارتزبرود، تمَّ إدخاله هذه المرة في مكتب أعمال اللورد سترانلي الذي يكاد يخلو من الأثاث في الطابق الأرضي. كان مُتشوقًا جدًّا لمعرفة سبب الاستدعاء لدرجةِ أنه وجد نفسه قد وصل قبل الموعد بعشر دقائق، وقضى تلك الدقائق العشر بمُفرده في الغرفة الصغيرة. عندما دقَّت الساعة في القاعة العاشرة والنصف، فُتح الباب، ودخل اللورد سترانلي.

«صباح الخير سيد شوارتزبرود. هناك العديد من الأمور الصغيرة المتعلقة بالأعمال أود مناقشتها معك، وبما أنني أتوقَّع أن أغادر لندن قريبًا، فقد اعتقدت أننا قد نَنتهي منها أيضًا.» جلس سترانلي على كرسي على الجانب المقابل للطاولة من رجل المدينة ذي العين الثاقبة، الذي كان يراقبه بحدةٍ ماكرة.

«كما كنتُ أقول لك أيها اللورد، لا يوجد شيء في الأوراق التي وقَّعتها يفيد بأن هناك أي دفعة ستُدفع مقدمًا من أجل الباخرة «راجا».»

«أنت تَعترض إذن على الدفع مقدمًا؟»

«أنا لا أعترض، أيها اللورد، إذا كان ذلك ملائمًا لك. كما ترى، تم دفع الدفعة الأولى إلى السادة سبارلينج آند بيلج.»

«بالطبع، لا علاقة لي بذلك.»

«حسنًا، لم أتوقَّع أن يتم استدعائي لدفع المبلغ الثاني حتى تَربح الباخرة بعض المال.»

«آه، نعم، فهمت. يبدو هذا عادلًا تمامًا. إذن الباخرة لم تكن تربح المال، أفهم ذلك.»

«من السابق لأوانه، أيها اللورد، القول بما إذا كانت تربح المال أم لا.»

«هل ما زالت في أمريكا الجنوبية؟»

«نعم، أيها اللورد.»

«ألم تَعُد منذ أن رأيتك آخر مرة؟»

«لا، أيها اللورد.»

«هذا غريب للغاية»، غمغم سترانلي ليُسمِع نفسه أكثر من الآخر. وتابع: «هذا يُظهِر مدى عدم دقة هذه الصحف اللعينة.»

أخرج من جيبه الداخلي مُفكِّرة صغيرة، وبحث ببطء بين بعض القصاصات الورقية، وأخيرًا أخرج قصاصةً من إحدى الصحف اليومية.

«الصحيفة التي قُطعت منها هذا صدرت بعد يوم أو يومين من لقائنا الأخير. استرعى انتباهي هذه الفقرة لأننا كنا نتفاوض قبل فترة وجيزة بشأن الباخرة «راجا»؛ مفاوضات ناجحة وممتعة، إذا كنت أتذكَّر جيدًا، ووقَّعت على الأوراق التي قدَّمتها لي دون استشارة محامٍ، والانطباع الذي تركته في ذهني هو أنك غادرت راضيًا.»

«أوه، لقد كنتُ راضيًا تمامًا، أيها اللورد، راضيًا تمامًا. نعم، لقد تكرَّمت بتوقيع تجديد الإيجار.»

«قلت، إذا كنت أتذكَّر جيدًا، أن رحلة الباخرة «راجا» كانت مجرد تجربة. وكان لها علاقة بتجارة الماشية؛ مزرعة، أو عدة مزارع، في جمهورية الأرجنتين.»

«صحيح تمامًا، يا سيدي. يُؤسفُني أن أقول إن العمل لم يكن مزدهرًا كما كنت أتمنَّى.»

«أنا آسف لسماع هذا. لطالَما نظرت إلى تربية المواشي على أنها طريقةٌ أكيدة لتكوين ثروة، لكن يبدو أنَّ هناك استثناءات. الآن، لقد قلت لي إنه إذا لم تنجح التجربة، ويبدو للأسف أن الأمر سيكون كذلك، فسوف تقوم بتسليم الباخرة «راجا» إليَّ عندما تعود.»

«لكنها لم تَعُد أيها اللورد.»

«إذن ماذا تعني هذه الصحيفة بقولها إنه بعد أيام قليلة من لقائنا في هذا المنزل وصلت الباخرة «راجا» إلى بليموث من بريست في فرنسا؟»

«لا بدَّ أن هناك خطأ أيها اللورد. هل تسمح لي بقراءة الفقرة؟»

مد شوارتزبرود يده، مُرتجفًا قليلًا، وأخذ قصاصة الورق، وضبط نظارته ليرى أفضل، محاولًا كسب مزيد من الوقت بشكل واضح قبل أن يورِّط نفسه أكثر.

علَّق سترانلي: «هذه الفقرة موجزة للغاية، ومع ذلك، فهي واضحة بما فيه الكفاية. «وصلت الباخرة «راجا»، بقيادة القبطان ويلكي، إلى بليموث من بريست».»

قال شوارتزبرود أخيرًا، بعد أن أخذ وقته في التفكير: «لا يُمكِن أن تكون هذه الباخرة «راجا» الخاصة بنا. فقبطان الباخرة الخاص بك، أيها اللورد، اسمه سيمونز.»

«سيمونز؟ أوه، القبطان سيمونز من ساوثهامبتون؟ يا إلهي، أنا أَعرِف الرجل. بحَّار عجوز جيد، صريح، صادق، أحد حصون بريطانيا المنيعة. إذن كان سيمونز قبطان الباخرة «راجا»، أليس كذلك؟ ومع ذلك، ربما يكون قد استقال.»

«لا يستطيع الاستقالة في مُنتصَف المحيط، أيها اللورد.»

«أوه، لقد عرفت ما حدث. لقد عرفت أن القباطنة تم نقلُهم من باخرة إلى أخرى في أعالي البحار.»

«لم أَسمع بمثل هذا الشيء من قبل، أيها اللورد، إلا إذا تمَّ تعطيل إحدى السفن، ثم تُركت عندما جاءت سفينة أخرى.»

«عزيزي سيد شوارتزبرود، اقبل تأكيدي بأن هؤلاء الشياطين الجريئين من قباطنة البحر يقومون بأشياءَ بمجرَّد أن يكونوا بعيدين عن أنظارنا، وتلك الأشياء لن نُفكِّر نحن الرجال الشرفاء على الشاطئ في قبولها.»

«اعتقدت أنك قلت للتو إنهم حصون بريطانيا المنيعة؟»

«هكذا هم كذلك، لكن الحصون، سيد شوارتزبرود، يجب أن تكون مصنوعةً من أخشابٍ أكثرَ صلابة وخشونة من تلك التي تُبطِّن المقصورة. يجب ألا تعتقد أنني أنسب أي شيء إجرامي إلى القبطان سيد شوارتزبرود؛ لا على الإطلاق، ولكن غالبًا ما بدا لي أنهم لا يولون دائمًا هذا الاهتمام الدقيق للقانون الذي يُحرِّك رجال الأعمال لدينا في مدينة لندن، على سبيل المثال. فقبطان خارج الولاية القضائية لإنجلترا، بقدْر ما قد يصدمُك سماع ذلك، سوف يجرؤ على فعل أشياءَ من شأنها أن تجعل شعرنا يقف، وتجعل المحامي أو القاضي يفقد الوعي. الآن، هناك القبطان سيمونز، الذي تحدَّثتَ عنه للتو. أخبرني أنه قام بأعمال شيطانية في أجزاء بعيدة من العالم والتي لن يفكِّر في القيام بها أسفل ذلك المدخل في الشارع الرئيسي لساوثهامبتون.»

بلَّل مُروِّج الشركة شفتيه، ومسَّد برفقٍ على الجزء السفلي من وجهه بيده المفتوحة. كان اللورد سترانلي يبتسم في وجهه بترقُّب لطيف، كما لو كان يتمنَّى بعض التأييد المتعاطف لتصريحاته التي أدلى بها. أخيرًا تحدَّث رجل المدينة.

«ربما كانت لديك خبرة مع البحارين أكثرَ مني، أيها اللورد. كنتُ أظن دائمًا أن يكونوا نوعًا فظًّا من الناس، صادقين إلى حدٍّ معقول مثل بقيتنا.»

«كان من المتوقَّع، سيد شوارتزبرود، أن يتردَّد قلبك الطيب في تصديق أيِّ شيء يدينهم. ولأنك لن تفعل هذا أو ذاك، فأنت تعتقد أن الأشخاص الآخرين أبرياء. خذ القبطان سيمونز، على سبيل المثال، ومع ذلك، عندما أفكِّر فيه أتذكَّر، بالطبع، أنه كانت هناك ظروف مخففة في حالته. كان القبطان سيمونز قد وضع عينَه على منطقةٍ صغيرة، خمسة أفدنة تقريبًا، تمتد حتى مصب النهر في ساوثهامبتون. كان هناك كوخ وشُرفة، ويبدو أن الشرفة أغرت القبطان سيمونز بإطلالتها الهادئة، وهو يمر عبر مصب النهر في ساوثهامبتون في قيادة الباخرة «راجا» العجوز السيئة السمعة. لكن سيمونز لم ينجح أبدًا في توفير المال لشراء هذا المسكن المُتواضِع، ولكن في النهاية عُرض عليه أكثر بكثير من المال اللازم إذا فعل شيئًا مُعيَّنًا. لقد كانت رشوة، سيد شوارتزبرود، وربما لم يرَ في البداية إلى أين كان يوجِّه مقدمة الباخرة «راجا» العجوز المُفلطَحة. لم يدرك تمامًا إلى أي مياهٍ عكرة وملوَّثة سيقوده مساره. ولكن سيمونز تراجع عندما رأى أخيرًا أنه كان يتورَّط في عمليات سرقة، وفي عمليات سطو واسعة النطاق، وفي جرائم قتل محتملة، وفي غرق سفن بأطقمها.»

ظهر تعبيرٌ لطيفٌ عن القلق على وجه اللورد سترانلي عندما رأى الرجل أمامه في ضيق واضح، وهو يهبِط أكثرَ وأكثر في كرسيه. كان وجهه مُروِّعًا: فقط بدت عيناه على قيد الحياة، وكانتا ثابتتين على خصمه لا تتحرَّكان، تسعيان بجهد للتغلغل في الفكر أو المعرفة التي قد تكون وراء قناع الإهمال الذي كان يرتديه.

«هل أنت بخير سيد شوارتزبرود؟ هل ترغب في القليل من الشراب؟»

قَرع الجرس دون انتظار إجابة.

وقال: «أحضر بعض الويسكي والصودا، وكذلك زجاجة من البراندي.»

تناول شوارتزبرود رشفة حذرة أو اثنتين من المشروبات المخفَّفة.

سأل قائلًا: «هل ذُكرت أي أسماء؟»

«أخبرني سيمونز أن الذي أغواه كان رجلًا من المدينة؛ وغدٌ له مكانة كان يرغب في الربح من خسارة شخص آخر، ولم يتردَّد في السرقة ما دام آمنًا من الناحية القانونية في لندن، ويتعرَّض آخرون للمُخاطَرة. فقد كان عليهم أن يخاطروا، وكان عليه أن يؤمِّن الممتلكات. بل إنني أشكُّ في أنه كان ينوي دفع التعويض الذي وعد به. وقد بلغ في حالة سيمونز تسعة آلاف جنيه، ولم يكن هناك حاجة إلا إلى ألف جنيه لشراء المكان الذي أراده بشدة.»

«لكن لا بد أن سيمونز كان يعلم، إذا عُرض عليه هذا المبلغ، أنه كان يُجري صفقة مشبوهة؟»

«هذا بالضبط ما قلته له، لكن كما ترى، كان قد ألزم نفسه قبل أن يُدرك ما كان يورِّط نفسه فيه. قلت له: «اترك الأمر بِرمَّته. لديك ما يكفي من الأصدقاء الذين سيشترون هذا المكان الصغير ويُقدِّمونه لك. وأنا على استعداد للتبرع بجزء من المال»، وهكذا رحل سيمونز. لقد انطلق، كما فهمت، على باخرة أخرى. لديه أصدقاء ذوو نفوذ جعلوه في وضعٍ أفضل من الوضع الذي كان فيه. الآن، كما قلت، أنا على استعداد لدفع بعض المال لشراء ذلك المنزل الصغير بالقرب من ساوثهامبتون. كم ستعطي من المال يا سيد شوارتزبرود؟»

أخذ شوارتزبرود الآن جرعة من الويسكي والصودا. كان يستعيد شجاعته.

«هل تقصد أن تُخبرني، لورد سترانلي، أنك اتصلت برجلٍ مشغولٍ مثلي للمجيء إلى ويست إند لتطلب منه تبرُّعًا خيريًّا؟»

«لكن بالتأكيد أنت تتبرَّع للعديد من المؤسسات الخيرية، سيد شوارتزبرود؟»

«لا. فقط قدْر ما يُمكنني فعْله لتفادي العجز المالي، دون حدوث مشكلات مع الآخرين. أنا أومن بكوني عادلًا قبل أن أكون كريمًا. إذا دفعت ديوني، فهذا كلُّ ما يمكن لأي رجل أن يطلبه.»

«إنه المبدأ الأكثر صحة، سيد شوارتزبرود، لكنه صعب بعض الشيء، كما تعلم. بعض الرفاق المساكين يتعرَّضون لمعاناة شديدة، وبالتأكيد قد نوقف أعمالنا للحظة، ونساعدهم المساعدة الكافية التي تسمح لهم بالخروج من هذه الضائقة.»

أنهى شوارتزبرود الويسكي والصودا، ولم يُدلِ بأي تعليق آخر.

«لم أتشرَّف بطلب زيارتك لأغراض خيرية فقط. هناك أعمال مُتداخلة معها. لكنك، شوارتزبرود، تُحاول أن تضع الجانب الأسوأ من نفسك أمام العالم. أنت حقًّا رجل كريم جدًّا. بداخلك أنت كذلك؛ الآن أنت تعرف ذلك.»

«لا أعرف شيئًا عن هذا الأمر، أيها اللورد، ولا أفهم اتجاه هذه المحادثة.»

«حسنًا، لقد توصَّلت إلى استنتاجٍ مفاده أنك أحد أكثر الرجال كرمًا في لندن. لقد قمتَ بأشياءَ أعتقد أنه لن يُحاول أيُّ رجل أعمال آخر في لندن القيام بها. أنت تفعل الخير خلسة، وتخجل من أن يُعرف ذلك، كما قال الشاعر على ما أعتقد. لقد كنتَ تُقدِّم لي معروفًا كبيرًا، ومع ذلك فقد التزمت الصمت حيال ذلك.»

«ماذا تقصد؟»

«يا إلهي، أعني فراونينجشيلد ورجاله المائة والخمسين على الحيد البحري الذهبي الخاص بي.»

صاح شوارتزبرود بأعلى صوت، وقفز على قدميه: «ماذا!»

«لم يكن لديَّ مانع في اختطاف ماكيلر. هذه طبيعة وظيفته، ومهندس التعدين يجب أن يتوقَّع القليل من العنف في هذا العالم.»

«لا علاقة لي بذلك أيها اللورد.»

«لا، لقد كان فراونينجشيلد هو مَن فعل ذلك. ألا أقول إنكَ بلا لومٍ تمامًا؟ عندما علمت ببعثة الباخرة «راجا»، والأموال المقدَّمة للقبطان سيمونز، والتعويض الذي كان سيُعطى لفراونينجشيلد، وإرسال الخام إلى لشبونة؛ عندما سمعت كلَّ هذا، كان عقلي متعصبًا لدرجةِ أنني قلت لنفسي: «ها قد ألقيت القبض على أكبر لصٍّ في العالم.» لكن عندما علمت أنك قد فعلت ذلك، فهمت على الفور ماذا كان غرضك. كنت ستَصهر هذا المعدن الخام دون أن تُحمِّلني أي مصاريف، وتأخذه في سبائك إلى إنجلترا، وتقول، «تفضَّل، لورد سترانلي، أنت رجل طيب. ولا تفهم أي شيء عن التعدين أو الأساليب القاسية في هذا العالم. ها هو ذا ذهبك».»

سكب شوارتزبرود كأسًا مليئة بالبراندي في حلقه، وانهار في كرسيه.

«كما ترى، سيد شوارتزبرود، كان هناك بديلان فقط ليَقبل بهما عقل سيئ مثل عقلي: أولًا، أنك الرجل الأكثر كرمًا في العالم؛ ثانيًا، أنك أكثر اللصوص جرأة في العالم. هل تعتقد أنني ترددت؟ ليس للحظة. كنت أعرف أنك لست لصًّا. اللصوص موجودون في وايت تشابل، وسوهو، وإيست إند بشكل عام، ولكن ليس في مدينة لندن. كلهم رجال قانون هناك. أنت لست لصًّا، أليس كذلك سيد شوارتزبرود؟ بلى. إذن اجلس أيها الرجل الصادق، واكتب لي شيكًا بالتسعة آلاف جنيه التي سبق أن دفعتها للقبطان سيمونز، وبالمبلغ الذي وعدت به فراونينجشيلد. وأنا أقبل الفائدة العائدة من كرمك بالنية ذاتها التي يُقدَّم بها. فأنا لا أسألك أين الذهب، سأعتني أنا بذلك الأمر؛ لكن يجب ألا تبحر السفينة الجديدة التي تحاول استئجارها إلى باراماكابو. لا يمكنني قبول المزيد من المساعدات الطيبة منك. كلُّ ما أطلبه منك هو كتابة شيك بهذا المبلغ بحيث يفي بالوعود التي قطعتها لسيمونز وفراونينجشيلد. لهذا طلبت منك إحضار دفتر الشيكات الخاص بك.»

جلس شوارتزبرود، متذمِّرًا، على الطاولة وسحب دفتر الشيكات الخاص به.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤