الأقزام قادمون!

«الأقزام قادمون!» كانت هذه هي الرسالة التي تلقَّاها «أحمد» على شاشة ساعته الإلكترونية، وتعجَّب لقِصَرها … وغموضِها، وخلوِّها من تحية رقم «صفر»، أو تعقيبه بأن للرسالة ملحقًا سيتلقَّاه في وقت آخر.

شردَ ذهنُ «أحمد» لبعض الوقت، ثم عاد مرة أخرى للتدريب على النموذج الإلكتروني لأحدث سيارة في العالم. صُنعت مخصوصًا للشياطين بمواصفات خاصة.

وأثناء متابعته لقياس كفاءتها على شاشة الجهاز، وجد أنه مشغول، وتركيزه يقلُّ تدريجيًّا، فعرف أن الرسالة شغلَت ذهنَه. فأوقف عملَ الجهاز، وتوجَّه إلى شرفة قاعة التدريب. فاستلقى على الكرسيِّ الهزَّاز، وراح في تفكير عميق، ولكن في لا شيء! فهو لا يعرف مَن هم الأقزام؟ وما علاقتهم بهم؟ وهل هي بداية لمغامرة جديدة، أم أنهم من مصنع السيارات الخاص بالشياطين؟

بدأ القلق يستبدُّ ﺑ «أحمد»، فقرَّر ألَّا يستسلمَ له، وعاد أدراجَه إلى الجهاز، فجلس أمام تابلوه السيارة، وأمسك بعجلة القيادة، وأدار مفتاح التشغيل وكأنها سيارة حقيقية على الطريق، وليست نموذجًا إلكترونيًّا يُشبه الفيديو جيم. وما هي إلا ثوانٍ، وكانت السيارة تتحرك بسرعة عالية، و«أحمد» يتفادَى العوائق التي تظهر أمامه على الشاشة بمهارة فائقة. وكلما حقَّق مستوى، انتقل إلى مستوى أعلى منه. وكلما كان المستوى أعلى … كانت العوائق أكثر. ولكن فجأة ظهر على الشاشة مجموعةٌ من «الأقزام» تقطع الطريق أمام السيارة، ولم يستطع «أحمد» تفاديَهم، ولكن في نفس الوقت لم يصطدم بهم أيضًا.

فعندما اقتربَت مقدمةُ السيارة الإلكترونية منهم … توقَّفت حركةُ الصورة على الشاشة، ولم يَعُد ﻟ «أحمد» السيطرة عليها … ثم علَا صفيرٌ متقطِّع من الجهاز، وكتب على شاشته بالبنط العريض: «الأقزام قادمون».

في نفس الوقت، كانت مجموعة من الشياطين تشاهد فيلمًا وثائقيًّا على شاشة التليفزيون في قاعة الاجتماعات الصغرى عن الحرب العالمية الثانية، وكيف أن «اليابان» كانت إمبراطوريةً كبرى، وتمتلك أسطولًا بحريًّا ضخمًا، وقوات جوية ماهرة. ولولا القنبلة «الذرية» ومأساة «هيروشيما ونجازاكي» ما استسلمَت «اليابان»، ولا تغيَّر تاريخ الحرب.

المثير في الأمر … أن «اليابان» بعد أن خرجَت من الحرب منهكةَ القوى، مهزومة … واقتصادها غاية في السوء، استطاعت خلال ثلاثين عامًا أن تُصبحَ واحدةً من أكبر الدول الصناعية، والقوى الاقتصادية في العالم.

لفت نظرَ الشياطين في هذه اللحظة دائرةٌ حمراء تظهر وتختفي في أعلى الركن الأيسر من الشاشة؛ فعرفوا أنها رسالة، فأعطَوا الأمر للجهاز لاستقبالها. فظهر على الشاشة رسمٌ بالكمبيوتر لمجموعة من الأقزام، ومكتوب تحتهم بالإنجليزية وبخط عريض: «لعبة الأقزام».

أثناء ذلك … كانت «إلهام» و«مصباح» و«فهد» يستقلُّون درَّاجاتِهم البخارية، ويرتدي كلٌّ منهم خوذة تغطِّي رأسَه ووجهَه حتى طرف أنفه. وليس بها زجاجٌ عاديٌّ يرى منه الطريق فقط، بل أيضًا شاشة إلكترونية توضِّح له المسار والعوائق، وعلامات إرشادية … في أعلى يمين الشاشة، وعلامات تحذيرية في أعلى يسارها. وأمام فمه بعضُ الثقوب خلفها سماعة يتحدث فيها لاسلكيًّا مع باقي الشياطين والمقر.

ورغم أن الطريق كان مزدحمًا، إلا أنهم كانوا يقطعونه بمهارة فائقة، مارِّين بين حشد من السيارات يزدحم بها شارع الهرم، في طريقهم إلى المقر السري الفرعي الجديد. وفي الثلث الأخير من الشارع، ظهرَت على شاشة خوذاتهم صورةٌ بالنقط … لمجموعة من الأقزام، مكتوب عليها «لعبة الأقزام».

اندهشَت «إلهام» لمَّا رأت ذلك، فانحرفَت بالدراجة لتقف على يمين الطريق. وكانت دهشتُها أكبرَ حين رأَت باقي الشياطين وقد توقَّفوا خلفها أيضًا دون أن يسألوها لاسلكيًّا عن سبب توقُّفِها.

راجعَت «إلهام» أوامر جهاز الكمبيوتر ومعلوماته، فلم تجد تفسيرًا منطقيًّا لما حدث، فخلعت الخوذة عن رأسها لتسأل «مصباح» و«فهد»، اللذَين كانَا بدورهما قد خلعَا الخوذة أيضًا … ففوجئَت بأنهما رأيَا نفس ما رأَته. في هذه اللحظة، علَا صفيرٌ متقطِّعٌ يصدر عن خوذاتهم، فعادوا لارتدائها … فرأوا على الشاشة دائرةً حمراء. وبضغطِ زرٍّ في الخوذة خلف أُذُنِهم، أتاهم صوتُ «أحمد» يقول: مساء الخير … معكم المقرُّ السري الصغير بالهرم، هناك اجتماع في الساعة ١٨٠٠ في القاعة الكبرى. الأمر عاجل … مع تحيات السيد «صفر»، وتحياتي. شكرًا.

نظر الشياطين لبعضهم في تساؤل: تُرى، هل هناك علاقة بين اجتماع اليوم، وما رأوه؟ ولم يَطُل تساؤلهم كثيرًا … فقد عادوا إلى درَّاجاتهم، فأداروها ثم انطلقوا يُكملون الطريق إلى المقر كسرب طائرات أسرع من الصوت؛ فقد كانت عجلات درَّاجاتهم لا تكاد تلامس الأرض. وعند اقترابهم من باب المقر … انفتح تلقائيًّا، فدخلوا متَّجهين إلى آخر الحديقة ليفتح بابٌ آخر عن ممرٍّ مظلم، ما إن دخلوه حتى أُغلق الباب خلفهم؛ فأضاءت «إلهام» — والتي كانت في المقدمة — كشَّافَ دراجتها. وعن بُعدٍ، ظهر ضوءٌ خافت ما لَبِث أن غطَّى الشياطين، الذين نزلوا عن دراجاتهم متجهين من جراج المقر إلى قاعة الاجتماعات الكبرى، وهم يتساءلون عمَّا رأوا … وهل هي دُعابة من «أحمد»، أو عنوان لمغامرة جديدة سيُكلَّفون بها؟

وفي قاعة الاجتماعات، كانت المفاجأة أكبر. فلم يكن أحدٌ بالقاعة غيرهم، ولا شيء يدل على وجود اجتماع أو احتمال حضور رقم «صفر»، مما دفع «إلهام» لاقتراح مغادرة القاعة، والصعود إلى غُرَفهم لاستطلاع ما يحدث. ولكن في هذه اللحظة علا صوتُ «أحمد» يقول: لا داعي للعجلة … اجتماعُنا كما هو، ولكنها مهمة سرية حتى بين الشياطين وبعضهم.

نظرَت «إلهام» إلى «خالد» و«فهد» في حيرة، فأكمل «أحمد» قائلًا: نعم … فالأنظمة الأمنية الإلكترونية للمقر وأنظمة المعلومات … قد اختُرقَت، ولا نعرف حتى الآن مَن الذي استطاع الوصول إلى هذه البرامج، رغم شدَّة سريتها؟ وكيف وصلوا إليها؟

فقال «فهد» مندهشًا: أتظن أنه موجود بيننا مثلًا؟

أحمد: أنا لا أظن … ولا المنظمة، ولكنها الاحتياطات الأمنية تدعونا لهذا.

على كل حال، هذه أوامر، وعلينا احترامها. كاد «أحمد» يُكمل حديثه … لولا أنه سمع جلبة في جراج المقر، فتوقَّف عن الكلام منصتًا لما يحدث … ولم تمرَّ لحظات … حتى كان بقية الشياطين يتوافدون على قاعة الاجتماعات … مما أدهش «أحمد»، الذي ما إن رأى «عثمان» حتى سأله: كيف عرَّفتهم بميعاد الاجتماع؟

عثمان: أمر مباشر من رقم «صفر»، وهل عرفتم موضوعه؟

أحمد: هل عرفتم أنتم؟

عثمان: نعم … الأقزام قادمون.

علا صفيرٌ متقطِّعٌ مميَّز، عرف الشياطين منه أن الاجتماع قد بدأ. فهدأَت الجلَبَة، ولم يَعُد غير السكون، الذي قطعه رقم «صفر» بقوله: مساء الخير … اجتماعنا هذه المرة مختلف عما أَلِفناه … فإننا كنَّا قد اجتمعنا في مهامنا السابقة من أجل أمن الوطن، وإننا نجتمع هذه المرة من أجل أمننا نحن. صمت رقم «صفر» بُرهة، شعر الشياطين أنها دهر … فهل هناك ما يهدِّد أمنَهم حقًّا؟ وكأنه يقرأ أفكارهم … فقد عاد للكلام قائلًا: نعم، هناك ما يُهدِّد أمنَنا، ولكننا وأنتم قادرون على ردعه …

وأعتقد أن الرسالة قد وصلتكم جميعًا، وفي أماكن عدة … ولكن مَن هم الأقزام؟ فهذا موضوع يحتاج لبحث وتحليل. وأما كيف استطاعوا بثَّ رسائلِهم على موجات أجهزة الاستقبال اللاسلكي الخاصة بكم، أو الدخول على أجهزة الكمبيوتر … وإيقاف البرامج المحمَّلة عليها، ثم بث الرسائل؛ فهذا يدل على مقدرة هائلة على الاختراق؛ ذلك لأن المنظومة الأمنية للمنظمة تتكون من أحدث البرامج والأجهزة الإلكترونية في العالم. ومع ذلك … فقد استحدثنا جهازًا أمنيًّا جديدًا، يعتبر كفلتر … تمر عليه مكالماتُنا فيفحصها فحصًا دقيقًا … ليعرف إن كان هناك تنصُّتٌ أو تسجيل، حتى ولو كانت أجهزةُ التنصُّت على أعلى مستوى علمي. ورغم أننا لا نشك فيمن يعملون معنا … إلا أننا أخضعناهم جميعًا للفحص النفسي ليتبيَّنَ لنا مدى ثبات إيمانهم بنا … وبقضيتنا وأهدافنا، وسنستبعد مَن نجد حماستَه قد فترَت ولو بعض الشيء.

وبالنسبة لكم، برجاء تسليم كلِّ أجهزة الإرسال، والساعة الإلكترونية التي بحوزتكم، وستحصلون على ما هو أحدث … والتفاصيل في غرفة العمليات.

أما المهمة … فلم تتضح معالمُها بعدُ … وهي مسألة وقت … هل من أسئلة؟

رفع الشياطين أيديَهم، ثم نظروا لبعضهم وابتسموا؛ فالحادث جديدٌ عليهم، وخطير، وملابساتُه كثيرة؛ فبادرهم رقم «صفر» قائلًا: وقتي الآن لن يسمحَ لسماعِ كلِّ أسئلتكم، برجاء أن تناقشوها فيما بينكم، حتى ميعاد الاجتماع القادم. شكرًا.

ابتعدَت خطواتُ رقم «صفر»، وساد الصمت والحيرة بين الشياطين … فمتى سيكون الاجتماع القادم؟ وهل سيتركهم رقم «صفر» وقتًا طويلًا دون أن يُجيبَ عمَّا يشغلهم من أسئلة واستفسارات؟ ولم يكن أمامهم غيرُ التوجُّه إلى غرفة العمليات كما طلب منهم رقم «صفر»، حيث وجدوا تقريرًا معدًّا ومعروضًا على شاشة البيانات والتقارير. يوضح المطلوب من الشياطين بالنسبة لتسليم أجهزة الاتصال اللاسلكي والساعات الإلكترونية، وأوجه الاختلاف بينها وبين ما سيستلمون.

وكانت دهشتُهم كبيرةً، حين عرفوا أن أجهزةَ الاتصال الحديثة … مزوَّدة بشاشات تليفزيونية صغيرة، في حجم علبة «الكبريت» … يرى فيها المتحدِّث مَن يطلبه، وأيضًا … ليعرض عليها البيانات الخاصة بالمهمة. ومن الممكن تلقِّي رسائل صامتة مكتوبة في الأوقات الحرجة، التي لا يصلح فيها الإتيان بصوت. ومن الممكن أيضًا عقد اجتماع بين مجموعة من الشياطين ورقم «صفر» … عبرَ هذه الأجهزة في وقت واحد.

أما عن الساعات الجديدة … فضبطها يتمُّ عن طريق وحدة خاصة ملحقة بالكمبيوتر المركزي، تُوضَع بها الساعة فتضبط، وتبرمج بها الشفرة الجديدة، ويخزن بها الجديد من الأوامر … بحيث تعطي صفيرًا عند كل ميعاد مع ظهور بيانات هذا الموعد على الشاشة.

تسلَّم الشياطين أجهزتهم الجديدة، وقد كان التدريب عليها هيِّنًا، فهم معتادون التعامل مع أعقد الأجهزة الإلكترونية.

وفي قاعة محاضرات المقر، جلس الشياطين يتلقَّون المعلومات الرئيسية والتفصيلية عما استجد عليهم من تكنولوجيا … ولماذا استحدثت؟ وكيفية التعامل معها وكبيانٍ عملي … كان هناك وقتٌ متفقٌ عليه مع دكتور «نابه» مدير المعمل، اتصل فيه رقم «صفر» بالشياطين … ليعقد معهم اجتماعًا عبر أجهزة الاتصال الحديثة … وكانت فرحة الشياطين كبيرة؛ لأنهم سيرون رقم «صفر» لأول مرة. وطبعًا لم يكن هذا ممكنًا، فلم يظهر على الشاشة غير خطوط بيانية متراصَّة، تصعد وتهبط مع تغير نبرة الصوت، ومستوى انفعال رقم «صفر». وقد لفت نظرَهم استقرارُ حركتها طوال مدة حديثه، مما يدل على مدى قوة أعصابه، ومدى تحكُّمه في انفعالاته. مما شجَّع «أحمد» أن يصرِّحَ بما في رأسه، قائلًا: هل بتغيير تكنولوجيا الاتصال، وتغيير الشفرة، سنوقف هذا الاختراق؟ أظن أنَّ مَن استطاع اختراق الأنظمة الأولى … يستطيع أن يفعلها ثانية!

فقال رقم «صفر»: بالطبع ليست هذه هي الخطوة الوحيدة … ولكنها الخطوة الأولى حتى نستطيعَ أن نحدِّدَ المهمة … والتي أقترح أن تكون هجومية أكثر منها دفاعية … فالهجوم خيرُ وسيلة للدفاع.

وقد نمَا إلى علمنا أن عصابة «سوبتك» تستعين ببعض العلماء والخبراء، ممن يعملون في بعض مصانع أجهزة الكمبيوتر … ومراكز صُنع المعلومات، ونعتقد أن بينهم المجموعة الجديدة التي تُطلق على نفسها «الأقزام قادمون»، ولو أننا نشك في أنهم يعملون لأنفسهم.

إلهام: وكيف وصلَت عصابة «سوبتك» أو الأقزام لنا ولمقرِّنا، ولكود أجهزة الكمبيوتر؟! ثم معرفة تحرُّكاتِنا! إنها أمور غاية في الخطورة!

رقم «صفر»: أرجو أن يشترك معنا دكتور «نابه»، ثم نادى: دكتور «نابه»، ألستَ معنا؟

دكتور «نابه»: تحت أمرك سيد «صفر».

رقم «صفر»: لقد سمعتَ سؤال «إلهام» … أجب من فضلك.

دكتور «نابه»: أعتقد أن في الأمر عاملَ مصادفة … وخيانة أمانة علمية … وهو أمر وارد.

رقم «صفر»: وضِّح من فضلك.

دكتور «نابه»: ربما يكون أحد العاملين في تصنيع أجهزة الكمبيوتر في المصنع الذي نتعامل معه، يبثُّ وحدات «ميكروبرسيسور» خاصة به، وهي ما تُعرَف باسم «CPU»، وهي الأحرف الأولى من «سنترال بروسسنج يونيات»؛ أي وحدة المعاملة المركزية، وهي عقل الكمبيوتر المتحكم، فهو يقبل المعلومات ويقوم بمعاملتها، كما يقوم باتخاذ القرار. وكما ترون، فهذه الوحدة هي قلب الكمبيوتر. وأقصد أنها خاصة به … أي أنه يضع وحداتٍ زائدةً على التصميم الأساسي لجهاز الكمبيوتر، على أن تتلقَّى هذه الوحدات الأوامرَ منه لا سلكيًّا عن طريق دائرة استقبال صغيرة جدًّا، ولكن فائقة الحساسية، مدمجة ضمن دوائر الكمبيوتر، فتتحول دوائرُ الكمبيوتر إلى دوائر تنصُّت وإرسال في آنٍ واحدٍ.

رقم «صفر»: ثم؟

دكتور «نابه»: ثم يحصل على معلومات حيوية عن هذه المؤسسة، فيبيعها إلى مَن تهمُّه بأساليبَ شتَّى.

أحمد: تعني أنهم سيتجسَّسون علينا لصالح «سوبتك»؟

دكتور «نابه»: هذا إذا عرفوا بصراعنا معهم.

في هذه اللحظة، تحرَّكَت الخطوط البيانية على أجهزة الاتصال صعودًا وهبوطًا بسرعة، مما جعل الشياطين يشعرون بأن رقم «صفر» قد أثاره ما قيل. وبدأ صوتُه متقطعًا وغير واضح، والأحرف الأولى متنافرة وغير مرتبة.

اندهش الشياطين لما حدث، ونظروا إلى الدكتور «نابه»، فلم يجدوا عنده إجابة؛ فأجهزة الكشف … تنفي وجودَ اختراق موجي من خارج المقر.

ثم عادَت الخطوط البيانية للاستقرار مرة أخرى … ليقول رقم «صفر»: لا تندهشوا لما حدث … فقد كنَّا نتأكد من عدم وجود اختراق. انتبهوا من فضلكم «١، ٣، ٨، ١١» يستعدون للسفر، والتفاصيل ستصلكم تباعًا. الباقون ينتظرون الأوامر. رقم «٦» يستعد، له تعليمات أخرى. شكرًا.

اختفَت الخطوط البيانية من على الشاشة لتترك الشياطين يتساءلون: ما الذي غيَّر مجرى حديث رقم «صفر» فجأة، بعد الخلل الذي حدث في الأجهزة، ليأمرَهم بسرعة السفر؟

استأذن «أحمد» من الشياطين الذين كانوا مشغولين في مناقشات حامية حول هذا الموضوع، ليذهب إلى غرفة المعلومات … وقُرْب منتصف الليل، كان الشياطين قد آوَوا إلى فراشهم انتظارًا لما سيأتي به الغد.

شعر «أحمد» بوخزٍ في رسغه من ساعة يده، فاستيقظ ويده على الزرِّ يضغطه، ليستقبل رسالة من رقم «صفر» تأمره بالاستعداد، والتوجُّه هو و«فهد» إلى المطار في غضون نصف ساعة، دون ترك رسالة للشياطين. فالمهمة سرية.

اتصل «أحمد» ﺑ «فهد» في غرفة نومه … فأيقظه وأخبره عن المهمة العاجلة … وضرورة التواجد في المقر في خلال عشر دقائق … وقرب الفجر، كانت سيارة الشياطين تنقل «فهد» و«أحمد» إلى مطار القاهرة؛ حيث كانت هناك طائرة إيرباص ستُقلع في السادسة … إلى أين؟ لا يعلمان … فالأخبار والتذاكر، وجوازات السفر، في مكتب شركة مصر للطيران.

لم يكن يشغل بال «أحمد» كيفية الحصول على المعلومات عن المهمة؛ فهو يعرف أنها ستصلُه، ولكن كان ما يشغله هذا القطع في الاتصال، الذي حدث بينهما وبين رقم «صفر»، ثم طلبه للسفر هو و«فهد» فقط، رغم تحديدِ التشكيل سابقًا من أربعة شياطين، ثم الأمر بالسفر في حينه. وقبل إقلاع الطائرة بساعة فقط، وقبل المطار بمسافة وأمام فندق «شيراتون» … لاحظ «أحمد» ضوءًا متقطعًا يأتي من السيارة التي تسير خلفه، وكأنها تطلب منه التوقُّف، فانحرف إلى أقصى يمين الطريق … فلحقَت به السيارة قبل أن يتوقف، فأنزل الزجاج المجاور له، ليلمح سيارةَ «بونتنيان» حديثة.

ورجل يجلس بجوار السائق يصيح بلهجة غير مصرية، قائلًا: سيد «أحمد»، هذا لك. وسلَّمه مظروفًا صغيرًا … ثم انطلق مبتعدًا. قرأ «أحمد» المكتوب على الظرف، وكان يقول: المعلومات على هذا الديسك. أخرج «أحمد» الديسك، ووضعه في جهاز الاتصال … والذي كان معدًّا لذلك. وبمجردِ ضغطِ زرِّ التشغيل سمع صوتًا يقول بالإنجليزية: السيارة ستنفجر بعد عشر ثوانٍ … الأقزام قادمون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤