أوهام فضائية!
لأن وُلوجَها صعب، ولأن طَرْق أبوابها كان من المستحيلات، احتفظت السماء، تلك القُبة اللامتناهية، بقُدسية خاصة لدى شعوب العالم عبر تاريخ البشرية الممتدِّ لآلاف السنين؛ فنسجت حولها الأساطير، منها ما هو خرافة بحتة، ومنها ما اصطبَغ بصِبْغة عِلمية وبعد ذلك ثبَت خطؤه، ومنها ما ثبَت علميًّا صحته وأصبح ضمن موسوعات العلم والمعارف.
هناك أرضٌ واحدة، هكذا قال أرسطو. أرض واحدة ينقسم الفضاء حولها إلى قسمين: عالمنا المتغير، وعالم نَجْمي ويتكون من مادة غير المواد التي تُكوِّن المواد التي نعرفها. ويحكمها قوانين غير القوانين التي تحكم أرضنا. هكذا كانت النظرة القديمة التي توحي بخصوصية للسماء حتى في القوانين الفيزيائية التي تحكمها.
حرب العوالم!
الرواية حُوِّلت لفيلم مثير جدًّا، كما مع أغلب روايات ويلز، الفيلم كان من بطولة النجم الأمريكي توم كروز، وصدر تحت نفس عنوان الرواية في عام ٢٠٠٦م.
لذا كانت الرواية، بالرغم من خياليَّتها، خيرَ معبِّر عن نظرة استشرافية للمستقبل الذي ينتظره البشرُ في خضمِّ هذا التدفق العلمي والصناعي.
ولو تعمقنا أكثرَ في التاريخ سنجد قصةً أكثرَ غرابةً للعالِم المسلم «ابن سينا» لبطل يُدعى «أبسال» صعد للسماء وترحل لعوالمها الغريبة، فوصف لنا سكان القمر بجذوعهم القصيرة وحركتهم السريعة، كذلك فقد وصف سكان الزهرة الطيبين والذين تحكمهم امرأة، أما المشترى فسكانه حكماء!
ربما ستتعجَّب من خيالية تلك القصص القديمة نوعًا ما، ماذا إذا لو حاولنا تقصِّيَ رأي العلماء في منظورهم للفضاء، ووجدنا آراء بعضها ستعتبرها أنت أغرب وأكثر خيالية من هؤلاء المريخيين المدمرين؟
سنتجول في تلك الأفكار الفضائية في عقول العلماء من قرون مضَت حتى عصرِ الفيزياء الحديثة، ربما يَحْسُن أن نُسمِّيَها «أوهامًا فضائية» وليس «أفكارًا فضائية».
القمر المسكون!
المريخ مرة أخرى
ربما لن يتخلصَ البشر أبدًا من عقدة المريخ، تلك التي لازمَتهم منذ قِدَمهم، فحتى في القرن العشرين، كان لسكانه حضورٌ في عقول العلماء.
حسبك، لا، لم تنتهِ تلك الآراء الغريبة بعد، بل انتظِر أغربَها في السطور القليلة التالية.
فلاميريون والمريخ والأرواح المسافرة!
تكهَّن كذلك — كما استنتج سابقًا هيرشيل — بوجود كائنات تعيش على القمر!
أما رأيه — أي فلاميريون — الأكثرُ غرابة، هو أنه آمنَ بانتقال أرواح البشر بعد الموت إلى كواكب أخرى! وللحقِّ فقد بدأ هذا الاعتقاد قبله منذ بدايات عصور التنوير الأوروبية، ولكن صديقنا الفلكي فلاميريون أخذ بناصيته للقرن العشرين، ثم أن يصدر هكذا رأي من فلكي في بدايات القرن العشرين، فهذا أمرٌ آخر.
هنا على الأرض!
الكون المنظور عبارة عن كرةٍ نصف قُطرها ٤٦ بليون سنة ضوئية، (والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة أي حوالي ٩٤٦٠٧٣٠٤٧٢٥٨٠كم) ويبلغ عدد مجراته نحو ١٠٠ بليون مجرة. فهل يُعقَل أن هذا الكون الهائل لا يوجد به سوى الأرضيون؟ وأن الحقيقة المرة التي تأبى عقولنا تصديقها هي أننا وحيدون في ذلك الظلام الدامس الذي يملأ جنبات الكون؟ كان السؤال حتميًّا قديمًا وحديثًا. ولأن السؤال مُلِح، كانت له إجابة، صحيحة كانت أم خاطئة. كان اليوفو إجابة غنية جدًّا بالإثارة التي ينشدها البشر من هكذا اكتشاف.
أما تاريخيًّا، فعندما نعود إلى الوراء نجد بعض الإشارات التي ربما كانت دليلًا على وجود مثل هذه الأطباق الطائرة. فمن أشهر الأقاويل أن الأطباق الفضائية ظهرت في مصر القديمة.
وسجل الملك أمنحتب الثالث رؤيتها حتى إن البعض قالوا إن الفضائيين هم مَن بنَوُا الأهرامات، واتخذوا مبررات لرأيهم أهمها وجود شيء بيضاوي الشكل يظهر على أحد النصوص المنحوتة في مقبرة أمنحتب الثالث، وفسره هؤلاء على أنه طبق طائر، لكن تم إثبات أن ذلك ليس طبقًا طائرًا في الواقع، ولكنها كرات البرق، وهي ظاهرة طبيعية نادرة والتي يظهر فيها البرق على شكل كرة بَرقيَّة مضيئة وتكون قريبة من الأرض، وهي إحدى الكوارث الطبيعية النادرة. وذهب بعضهم إلى أنَّ مَن بنى الأهرامات كائنات فضائية، واستدلوا على ذلك ببعض النقوش التي تُظهر ما اعتقدوا بأنه أطباق طائرة، وكذلك تحجَّجوا بأن المِصريِّين القدماء دائمًا في كتاباتهم كانوا يُشيرون إلى أضواء قادمة من الفضاء.
لكن تلك المشاهدات والاستنتاجات لم تَرُق لكثير من العلماء الذين شكَّكوا في وجود مثل تلك الأطباق، وفي نزولها على الأرض، فإذا كان هناك مثلُ تلك الأطباق فلماذا لم تظهر في الفضاء، بالرغم من أن الفضاء حول الأرض ممسوح بالعديد والعديد من الأقمار الصناعية والتلسكوبات الفضائية؟!
أينشتاين والكون
أينشتاين، واحد من أعظم العقول التي أنجبتها البشرية، من مؤسِّسي الكوانتم (وحصل بتلك المساهمة على جائزة نوبل لاحقًا)، وأبو نظرية النسبية بشِقَّيها الخاصة (١٩٠٥م) والعامة (١٩١٥م)، كان له من تلك الأوهام الكونية نصيب، وإن لم يكن بغرابةِ ما سبق أن ذكرنا.
في بدايات القرن العشرين، كانت النظرة المقبولة والسائدة لدى العلماء بخصوص الكون، هي أنه ثابت، لا يتمدَّد ولا ينكمش؛ فهو على هذه الصورة منذ وُجِد.
ويُقال إن أينشتاين بعد أن اكتشف خطأه، وصف عدم قَبوله بالمعادلات التي تتنبَّأ بالكون غير الثابت، وإضافة الثابت الكوني، بأنه «الخطأ الأكبر في حياته»، وكما يقول أينشتاين نفسُه: «مَن لم يُخطئ، لم يُجرب شيئًا جديدًا.»
ومع ذلك فقد اكتُشِف حديثًا أن الثابت الكوني له قيمة غيرُ صِفرية، فلم يكن أينشتاين مُغرِقًا في وهمه إذن!
فلم تَسلم حتى أعظم العقول من الأخطاء فيما يخص ذلك المجهول الذي لا نعلم مِن بحره قطرة؛ الفضاء!
إن الخطأ، هو شعلة التقدم، وإنْ بدا عكس ذلك، هو الجندي المجهول الذي يقف خلف أعظم النظريات العلمية من خلال تصويبات لاحقة؛ فلولا الخطأُ ما كان الصواب، ومن لم يُخطئ لم يُصِب.